((صِبْغَةَ اللَّهِ ً ))
32.6K subscribers
18.3K photos
3.89K videos
3.01K files
13.1K links

نستقبل مشاركاتكم وملاحظاتكم وأسالتكم على البوت التالي ⬇️
@Sbqat23_bot
Download Telegram
السيرة النبوية 212
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة


في خروجه صلى الله عليه وسلم قدر الله أن يخرج بعض المشركين يريدون المدينة للإسلام، فأسلموا ثم عادوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.. منهم أبو سفيان بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أخوه من الرضاعة كذلك، وكان يهجو المسلمين وكان يقاتل المسلمين عشرين سنة مع المشركين. ثم خرج قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، خرج مسلما صادقا مؤمنا.. وسبحان الله.. لا يدري المرء متى تكون هداية الله له.

أسلم فكان من خيار الصحابة بعد ذلك، حتى إنه ثبت في حنين لما ولى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت إلا القلة، كان منهم أبو سفيان رضي الله عنه.(1)

وكذلك أيها الإخوة، وهذا من العجب الذي يطول فيه التأمل: عبد الله بن أبي أمية؛ هو أخو أم المؤمنين أم سلمة..(2) لكن لو عدنا في بدايات السيرة عند موت أبي طالب: اللذان كانا على رأس أبي طالب يقولان: كيف تموت على غير ملة أبيك!؟ كان أبو جهل وهذا عبد الله بن أبي أمية.. ومع ذلك فإنه قد خرج مؤمنا مسلما، وصدق في إيمانه ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم كجندي في المعركة في مكة، بل وقتل رضي الله عنه شهيدا في حصار الطائف..(3) ما طال به الزمن حتى قتل شهيدا.

لا ندري أيها الإخوة، رجل قد يكون منافحا عن الكفر مؤيدا له محاربا للإسلام، ثم تأتيه رحمة الله وهدايته، فيكون كما كان عبد الله بن أبي أمية رضي الله عنه وأرضاه.

نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

----------------
(1) صحيح مسلم، 1775.
(2) قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية رضي الله عنهما رواها الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/167، من حديث طويل رجاله رجال الصحيح.
(3) أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، 3/176.



#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 213
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الثالث عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

وهو في طريقه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، جاء عمه العباس حين وصل صلى الله عليه وسلم الجحفة؛ وهي تبعد عن مكة 183 كيلا. ولما وصل صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وهي التي تسمى الآن وادي فاطمة، وتبعد 65 كيلا عن مكة، علمت قريش بمقدمه صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى هذا المكان.

وكان أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء الخزاعي يخرجون دائما إلى مر الظهران لينظروا ويتحسسوا الأخبار بعدما أيقنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل تمديد الصلح الذي ذهب أبو سفيان لأجله.

فخرج ذات ليلة العباس رضي الله عنه على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، ووافق أبا سفيان وبديل بن ورقاء الخزاعي ومن معهما، وافقهما وهم ينظرون إلى جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرهم أن يوقدوا النيران، فرأوا نارا عظيمة كثيرة منتشرة..

خاف أبو سفيان، وقال: من هؤلاء وأي جيش هذا!؟ فبديل بن ورقاء الخزاعي -فلأن خزاعة كانت قد وترت بسبب هجوم بني بكر عليهم- فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة قد حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من ذلك. فسمع العباس صوت أبي سفيان، فقال: أبا سفيان! فعرفه أبو سفيان، وقال: أبا الفضل! فداك أبي وأمي، من هؤلاء؟ قال: والله هذا رسول الله وأصحابه قصدوا مكة. قال: فداك أبي وأمي، فما العمل؟ قال: لا أرى لك إلا أن تركب معي على دابة النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل بك عليه، فأجيرك، فإنه قاتلك لا محالة.

فقبل أبو سفيان وركب رديفا للعباس، ثم رجع البقية: حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء.

كان العباس كلما مر بأناس من الصحابة قالوا: من؟ قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودابة رسول الله، فيأذنون له.

وعمر كان المسؤول عن الحرس في تلك الليلة، فرأى أبا سفيان فعرفه، فصرخ قائلا: أبو سفيان رأس الكفر! فركل العباس الدابة ليصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل عمر.. وعمر أيضا كان يجري ليدرك أبا سفيان.. فوصلا في وقت واحد، فدخل العباس فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أجرته. فقال عمر: يا رسول الله هذا أبو سفيان رأس الكفر. ائذن لي أضرب عنقه.

جاء في كتب السير أن العباس قال لعمر: أحرصت على قتله حين لم يكن من بني عدي!؟ فقال عمر رضي الله عنه: لا تقل هذا يا أبا الفضل، فوالله لإسلامك أحب إلي من إسلام الخطاب -أي والده-؛ وما ذاك إلا لأن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب.

فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان، فقال: يا أبا سفيان! ويلك، أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله!؟ قال: بلى، فداك أبي وأمي، ما أطيبك وما أحلمك! لقد علمت أنه لو كان هناك إله غير الله لأعاننا.. ثم قال له: ويل لك يا أبا سفيان! أما آن لك أن تشهد أني رسول الله!؟ قال: أما هذه ففي النفس منها شيء..(1)

فقال له العباس: ويحك أسلم! فأسلم وشهد الشهادتين. فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئا. فقال صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن. (1) (2)

ثم بعد ذلك مضى الجيش، ووزع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ القادة وغير القادة.. فأعطى راية الأنصار لسعد بن عبادة سيد الخزرج وسيد الأنصار.. فلما رأى سعد بن عبادة أبا سفيان قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. -أو قال: تستحل الكعبة-. فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذب سعد، بل اليوم تعظم الكعبة..(3)

ونزع الراية من سعد وجعلها لولده قيس بن سعد.

ثم بعد ذلك، طلب سعد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في غير ولده قيس.

وضع خالد بن الوليد رضي الله عنه في الميمنة، وأمر الزبير أن ينطلق بالراية فيسبقه، فيقابله عند الصفا، وأن يدخل خالد بن الوليد من كدي جنوبي مكة، ودخل صلى الله عليه وسلم من كداء شمال مكة..

------------
(1) شرح معاني الآثار، الطحاوي، 3/320.
(2) صحيح أبي داود، 3021.
(3) صحيح البخاري، 4055.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 213
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة



ولما دخل صلى الله عليه وسلم، هناك أحداث وقعت.. سأذكرها ليس على الترتيب، وإنما أحداث عامة وقعت..

ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أهدر دماء رجال ونساء في مكة، فقال: إن رأيتموهم متعلقين بأستار الكعبة فاقتلوهم..

جمعهم ابن حجر، فبلغ العدد تسعة رجال وثمان نساء، وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسعد بن أبي السرح، وأيضا مقيس بن صبابة - وستأتينا قصته في الدرس القادم-، وعبد الله بن خطل، وغيرهم.. (1)

والبقية قال: من قاتلكم فقاتلوه، ومن كل فكفوا عنه، وقال لخالد: من قابلكم فقاتلكم فأخمدوه، ومن دخل داره أو كف فكفوا عنه.

بإذن الله الدرس القادم نذكر تفاصيل دخول الجيش ودخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وهذا الحدث العظيم الذي أصبح ما قبله يختلف عما بعده، وهو الفتح. {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. (2)

نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

-----------
(1) صحيح النسائي، 4078.
(2) سورة النصر


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 214
فتح مكة 4
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الرابع عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

حاولت قريش أن تجمع أحلافها للقتال.. لم تكن تريد من وراء ذلك إلا حماية نفسها أو أن تصالح إذا قبل النبي صلى الله عليه وسلم صلحا.. لكنهم لم يشكوا أنهم لا يستطيعون الوقوف أمام هذا الجيش العظيم.

فجمع عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية بعض شباب قريش وغيرهم من الأحلاف، ثم ذهبوا إلى مكان كان في طريق المسلمين، في طريق خالد يسمى الخندمة، وواجهوا خالد بن الوليد.. وهنا لم يقتل من جيش المسلمين إلا اثنان خرجا عن أمر خالد، فذهبا لوحدهما، فقتلهما المشركون..(1) أما البقية فقد قتل خالد منهم قرابة الثمانية أو التسعة ثم انفضوا مباشرة..

ومن الطرائف هنا أن رجلا من المشركين اسمه حماس بن قيس أخو بني بكر، كان قد اشترى سلاحا يعده ويصلحه كل يوم.. فسألته زوجته: لمن هذا؟ قال: لمحمد وأصحابه. قالت: وهل لأحد بهم قبل؟ -هل يستطيع أحد؟- قال: يا هذه، إني لأرجو أن أخدمك بعضهم. -ليس فقط أن ينتصر؛ وإنما أن يأتي ببعض أصحاب محمد فيكونوا خدما لزوجته-.. ثم كان مع الذين ذهبوا إلى الخندمة مع عكرمة ومع صفوان، وقدر الله أن لا يواجهوا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه سيف الله.. وكان قد قال لزوجته:
إن يقبلوا اليوم فما لي علة
هذا سلاح كامل وألة
وذو غرارين سريع السلة

فالرجل قد استعد ويطمح أن يأتيها بعشرة أو بخمسة يخدمونها.. ثم شهد الخندمة، فقتل -كما قلنا- من المشركين ثمانية، وقيل ثلاثة عشر.. ولم يلبثوا أمام المسلمين طويلا حتى فر حماس هذا منهزما حتى دخل بيته وهو يلهث، وقال لزوجته: أغلقي الباب.. أغلقي الباب..فقامت زوجته فأغلقت الباب، ثم قالت له -تمزح-: أين الذين وعدتني أن تخدمني إياهم؟ فقال لها:
إنك لو شهدت يوم الخندمة
إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالمؤتمة
واستقبلهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا يسمع إلا غمغمة
لهم لهيب خلفنا وهمهمة
لم تعط في اللوم أدنى كلمة (2)

هذا حال واحد ممن كان يظن أنه سيواجه هذا الجيش العظيم، وكانت زوجته أعلم وأعقل.

دخل نبينا صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهو مطرق برأسه أيها الإخوة، متواضعا خاضعا معترفا لله بالفضل والمنة، حين ملكهم الله الأرض وكانوا فيها قبل سنوات خائفين غريبين والملك لغيرهم، حتى كادت لحيته تلامس رحله.. وكان يلبس عمامة سوداء صلوات ربي وسلامه عليه..(3)

ودخل جيش المسلمين في مكة فانتشروا، ودخل خالد من كدي، ونبينا صلى الله عليه وسلم من كداء.. فخرجن بعض المشركات يضربن الخيول بمروطهن، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي بكر: ماذا قال حسان يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر ما ذكره حسان:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء (4)

فتبسم صلى الله عليه وسلم.. ثم بعد ذلك وصل إلى الكعبة، فطاف بها، وكان حولها ثلاثمائة وستون صنما تعبد من دون الله، فكان صلى الله عليه وسلم يضربها بعصاه، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. (4)

---------------
(1) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/408.
(2) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/409.
(3) صحيح مسلم، 1358.
(4) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/424.
(5) صحيح البخاري، 4720.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الرابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 214
فتح مكة 4
الشيخ صالح الخليفة


طاف بالبيت، ثم دخل الكعبة ودخل معه أسامة وبلال، فصلى ركعتين، ثم دار فيها وكبر صلوات الله وسلامه عليه.. ثم رأى ما وضع فيها من الصور لإبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فقال صلى الله عليه وسلم: لعنهم الله، والله ما كانا يستقسمان بالأزلام.. ثم طمسها صلوات الله وسلامه عليه. (1)

خرج عند باب الكعبة فإذا كل قريش قد اجتمعوا في المسجد ينتظرون أمره فيهم، فقال صلوات الله وسلامه عليه: يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، الناس لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. (2)

هذه القواعد، هذه الأسس التي جاء بها الإسلام؛ لا فضل بحسب ولا بمال ولا بنسب ولا بمعرفة ولا بسلطة، الناس جميعا عند الله سواء، أبوهم آدم وأمهم حواء. لا يتفاضل أحد على أحد بنسب ولا بمال ولا بشيء إلا بتقوى الله؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم. {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. (3)

دخل معه الكعبة أسامة مولاه، وبلال مولى أبي بكر،(4) حين كان الواحد منهم لا يستطيع أن يرفع بصره إلى سيده، الآن هما اللذان دخلا إلى الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟

وهذا جاء في خبر مشهور، وإن فيه ضعف حديثيا، لكنه مما اشتهر في كتب السير وفي غيرها، وهذا ما يعتقد فيه صلى الله عليه وسلم من عفوه ورحمته ورأفته بالمؤمنين وبالناس أجمعين، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، -نظن خيرا- أخ كريم وابن أخ كريم. فقال صلوات الله وسلامه عليه: اذهبوا فأنتم الطلقاء. (5)

اذهبوا فأنتم، يا من عذبتمونا وآذيتمونا وامتحنتمونا في ديننا وأخرجتمونا من أرضنا وحصرتمونا في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، حين تواطأتم على الكفر وعلى ظلمنا، حين عذب أصحابي حين قتل أصحابي حين جوع أصحابي.. يقول هذا والصحابة الذين معه يرون مواطن التعذيب والبلاء في الله، يرون كيف كانوا وكيف صاروا، يرون هؤلاء الذين كانوا يمشون في شوارع مكة متكبرين متغطرسين مستهزئين بدين الله وبنبينا صلى الله عليه وسلم وبأصحابه، فزادهم صلوات الله وسلامه عليه بأخلاقه وحلمه حلما وخلقا، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

هذا هو الموطن، أيها الإخوة، الذي يستطيع المرء أن يقول إنه انتصر على نفسه، حين يظلم ثم يظلم ثم يظلم، فيكون قادرا على أخذ حقه، فيعفو لله. {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. (6)

نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

-------------
(1) صحيح البخاري، 1601.
(2) صحيح الترمذي، 3270.
(3) سورة الحجرات، الآية 13.
(4) صحيح البخاري، 2988.
(5) ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1163).
(6) سورة الشورى، الآية 43.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الرابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 215
فتح مكة 5
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الخامس عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

من الذين أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم حين فتح مكة، رجل يقال له مقيس بن صبابة، وقصة هذا الرجل أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر مظهرا الإسلام، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني أطلب دية أخي، وكان أخوه قد قتل في خيبر.. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية، وأظهر الرجل الإسلام، ثم إنه عدا على الأنصاري الذي قتل أخاه، وكان قد قتله خطأ رضي الله عنه في خيبر.. عدا عليه فقتله.. ثم عاد هذا الخبيث إلى مكة مفتخرا أنه ضحك على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، وقد أخذ بثأره، وقال أبياتا في ذلك، يقول فيها إنه قد شفا عليله بقتل قاتل أخيه، وعاد إلى مكة وعلى دين أهل مكة كما كان من قبل، وأنه ما فعل ذلك إلا استخفافا وخداعا للمسلمين.

لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه، وكان من الذين قال: وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة.. هذه نهاية كل ظالم خائن؛ فإنه قد غدر وكذب وقتل وأخذ مالا بغير حقه، فقتله أحد أقاربه، وجده في مكة فقتله.

ما بين هذا وهذا أيها الإخوة، ما بين ما فعله وبين مقتله قرابة السنتين.. ظن الأمر سيطول، وأنه قد فاز بما أراد، وأنه عاد منتصرا، ولكن الله تعالى قد قال: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} (1).. هذا الرجل ظلم فكان جزاؤه أن قتل في الحرم، وأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه.. فما فاز ولا اهتنى بما قد فعله، نسأل الله حسن العاقبة وحسن التدبير، وأن يثبتنا على دينه..

مما قاله هذا الرجل في قصيدته:

قال ابن إسحاق:

قدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر، فقال: يا رسول الله، جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخي، قتل خطأ، -وأخوه اسمه هشام- فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام.. فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير -مكث مدة يسيرة-، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا وقال في أبيات له:

شفى النفس أن قد بات في القاع مسندا
تضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله
تلم فتحميني وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي
وكنت إلى الأوثان أول راجع
ثأرت به فهرا وحملت عقله
سراة بني النجار أرباب فارع (2)

نعوذ بالله من الخذلان ومن الضلال بعد الهدى..

فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة كان ممن أهدر دمهم هذا مقيس بن صبابة فقتل على يد أحد بني عمه كما ذكرت سالفا.

نقف على هذا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

---------------
(1) سورة إبراهيم، الآية 42.
(2) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/294.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الخامسة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 216
فتح مكة 6
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس السادس عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح العامري القرشي؛ وهذا كان قد أسلم، ثم -قال ابن عباس- فأزله الشيطان وعاد مشركا إلى مكة.. فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه مع مجموعة من المشركين في مكة.. (1)

الرجل ضاقت به الأرض، فذهب إلى عثمان بن عفان -وكان أخا له من الرضاعة-، وطلب من عثمان أن يؤمنه عند النبي صلى الله عليه وسلم..

لما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة، تقدم عثمان وقال: يا رسول الله، بايع عبد الله بن سعد.. فصمت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبايعه.. ثم أعاد الطلب عثمان مرة أخرى؛ قال: يا رسول الله بايع عبد الله، فصمت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبايع، ثم طلبه عثمان مرة ثالثة، وقال: يا رسول الله بايع عبد الله..

فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم التفت إلى أصحابه، فقال: أما كان فيكم رجل رشيد قام إليه إذ رآني لم أبايعه فقتله! قالوا: يا رسول الله، وما يدرينا أنك تريد قتله؟ ألا أومأت إلينا بعينك! قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين. (2)

أيها الإخوة، هذه القصة تمر بنا.. لكن كم كان طول هذه اللحظات التي انتظر فيها عبد الله بن سعد أن يبايعه النبي صلى الله عليه وسلم!؟.. اللحظة بعام.. اللحظة بعمر كامل.. بين أن يقبله وبين أن يقتل فيموت كافرا خالدا مخلدا في النار..

تأمل وتصور موقف عبد الله بن سعد وهو واقف ينتظر أمر النبي صلى الله عليه وسلم: إما  الرضا والبيعة، وإما أن يرفضه ثم يقتله.. بل كان ينتظر أن يقوم أحد الصحابة فيقتله.. ما الذي منع هذا أيها الإخوة..

هذا الصمت الذي دام على عبد الله دام دهورا وهو ينتظر.. والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظر أحد أصحابه.. لكن القدر جاء.. وسابق فضل الله على عبد الله أن يدخل الإسلام وأن يكون من خيار الصحابة..

نقل الذهبي رحمه الله قال: هو أبو يحيى القرشي العامري، منذ أن أسلم في مكة لم يتعد، وكان من خيار الناس وأجوادهم. (3)

بل، تأملوا أيها الإخوة، قاد جيوش المسلمين في أفريقية، وقتل القائد جرجير.. وغزا في ذات الصواري.. وكسروا الروم وقتلوهم مقتلة عظيمة.. وولاه عثمان إمرة مصر.. وكان من أهل العدل والتقى والجود والفضل.. ولما وقع الخلاف بين علي ومعاوية، ذهب إلى عسقلان إلى الرملة -فلسطين حاليا- وانزوى فيها، ولم يدخل مع هذا ولا مع هذا هروبا من الفتنة وحفظا لدينه.

وفي آخر خلافة علي رضي الله عنه، وكان عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ينتظر فجر ذلك اليوم، وهو يقول لولده: يا هشام انظر أطلع الصبح، فإني أجد برده.. قال: نعم. فقال عبد الله: اللهم اجعل آخر عملي في الدنيا صلاة.. صلى الفجر، قرأ في الأولى الفاتحة والعاديات، وفي الثانية قرأ الفاتحة وسورة، سلم التسليمة الأولى أيها الإخوة، وقبل أن يسلم الثانية فاضت روحه ومضى إلى ربه رضي الله عنه وأرضاه.. (4)

هذا الذي كان ينتظر أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب عنقه لأنه ارتد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر أحدا من أصحابه ليقوم فيقتله.. ومع هذا كله أبى الله إلا أن تجري وتتنزل رحمته على هذا الصحابي رضي الله عنه وأرضاه.. وأسأل الله أن يشملنا برحمته، وأن يسبقنا بعفوه ورحمته إنه جواد كريم.

نقف على هذا. ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

---------------
(1) صحيح النسائي، 4080.
(2) صحيح أبي داود، 4359.
(3) سير أعلام النبلاء، الذهبي، 3/ 34.
(4) سير أعلام النبلاء، الذهبي، 3/ 33-35.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_السادسة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 217
فتح مكة 7
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس السابع عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

وممن أهدر دمهم كذلك حين فتح مكة، عكرمة بن أبي جهل.. واسمه عكرمة بن عمرو بن هشام، وأبوه هو أبو جهل.. وقد أخذ الزعامة في قبيلته بني مخزوم بعد مقتل أبيه.. وكان سيدا مطاعا في قومه.. ولكنه كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.. فكان ممن أهدر دمهم.. فهرب يريد اليمن.. ذهب إلى جدة أو إلى تهامة ليركب السفينة ثم يهرب إلى اليمن..

فجاءت امرأته أم حكيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته ماذا صنع، وطلبت أن يؤمنه، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم حرصا على أن يدخل في الإسلام. فخرجت تتبع زوجها، وتخبره بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم له..

وجاء عند بعض أهل السير أنه -أي عكرمة- ركب سفينة، فهاج البحر، فقال قبطانها: أخلص.. قال: وما هذا؟ قال: قل لا إله إلا الله.قال: إن كان لا ينفعني في البحر إلا هي، فإنه لا ينفعني في البر إلا هي. وما هربت من البر إلا من هذا.. ثم عاهد ربه إن أنجاه أن يأتي حتى يضع يده في يد النبي صلى الله عليه وسلم.. فنجاه الله.. (1)

وجاء أن زوجته خرجت وأدركته وهو في السفينة، فنادته وأخبرته.. ثم عاد رضي الله عنه.. فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه فرحا.. ودخل عكرمة في الإسلام..(2) وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه.

وسبحان الله! أبوه فرعون هذه الأمة؛ أبو جهل.. وعكرمة بعد أن أسلم.. وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام مجاهدا، فلم يعد حتى قتل.. وقد قتل رضي الله عنه في معركة أجنادين، في خلافة أبي بكر.. وأصيب في اليرموك حتى ذهبت عينه.. (3)

وكان يقبل المصحف، ويبكي ويقول: كلام ربي كلام ربي. (4)

وأيضا، ممن هرب من مكة: صفوان بن أمية بن خلف، وأيضا أبوه من رؤوس الكفر؛ أمية بن خلف الذي كان يعذب بلالا..

سبحان الله! كان آباؤهم حربا على الإسلام.. ثم أدخل الله الإسلام قلوب أبنائهم.

صفوان.. ذكر أهل السير أن الذي أمنه عمير بن وهب الصحابي، وهو نفسه الذي اتفق معه صفوان قبل سنوات أن يذهب عمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقتله.. فذهب إليه -كما سبق معنا-، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما دار بينه وبين صفوان.. فأسلم عمير.

فجاء عمير يطلب الأمان لصفوان، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركه في تهامة.. هرب خوفا على نفسه.. هرب من ماله ومن جاهه ومن زعامته.. فقال له: ابن عمك -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- عزه عزك، فعد إليه فأسلم.. فقال: يقتلني! قال: لا، فإنه أبر الناس وأرحم الناس -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-..

فعاد معه صفوان، حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني.. قال: نعم. قال: فأمهلني شهرين حتى أرى أمري. قال: بل أربعة.. (5) لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه حين يعلم صفوان معنى الإسلام والإيمان فلن يتأخر..

وكانت له مشاركة في غزوة حنين سنذكرها إن شاء الله في الدرس القادم.

هذه جملة أحداث مكة وفتحها، وكانت في شهر رمضان من العام الثامن للهجرة.

أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

-----------
(1) البدر المنير، ابن الملقن، 9/ 153.
(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، 5103.
(3) اختلفوا في يوم استشهاده، فقال بعضهم: استشهد يوم اليرموك؛ فوجدوا به بضعا وسبعين من طعنة ورمية وضربة.. وقال آخرون: قتل يوم أجنادين.. سير أعلام النبلاء، الذهبي، 1/ 324.
(4) إتحاف المهرة، ابن حجر، "وفيه انقطاع شديد". 11/ 283.
(5) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 418.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_السابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
📨 #سلسلة_أصح_ما_ورد_في_ليلة_القدر [٤]

🌤 مـــن علامـــات ليـــلــة القــــدر🌤

- عن أُبيِّ بنِ كَعبٍ -رضِيَ اللهُ عنهُ- قال:  "وأمارتُها أنْ تطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها".
📔 [رواه مسلم (٧٦٢)].

🕯️ قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:

🍂 " لها علامة متقدمة، وعلامة لاحقة.

▫️ علامتها المتقدمة هي: التي تعرف قبل طلوع الفجر هي:
▪️ أولاً: إضاءة تلك الليلة ليلة القدر أشد إضاءة من غيرها من الليالي مع أنها قد تكون ليلة سبع وعشرين أو تسع وعشرين والقمر ضعيف لكن لها نور.
▪️ ثانياً: انشراح صدر المؤمن، المؤمن يجد في قلبه انشراحا وطمأنينة وحبا للعمل وقوة عليه هذه من العلامات التي تحصل لكثير من الناس.

▪️ ثالثاً: أن هذه الليلة تكون من بين الليالي من الليالي الوسط في حرها، وبردها، يعني إن كنا في زمن الشتاء فلا تكون أشد الليالي بردا، وإن كنا في زمن الصيف لا تكون أشد الليالي إيش؟ حرا. طيب.
▪️ هذه علامات مصاحبة للناس من أول الليل.

▫️ أما العلامة اللاحقة فهي: أن الشمس تطلع في صبيحتها صافية ليس لها شعاع ولكن هذه العلامة الأخيرة هل يستفيد الإنسان منها؟
▪️ نعم يستفيد أنه يفرح إذا كان في تلك الليلة قد نشط على الصلاة وعلى الدعاء وقد حضر قلبه في الدعاء وغير ذلك فيفرح يقول : الحمد لله أنني كنت البارحة من أنشط الليالي على القراءة أو على التسبيح أو على الدعاء فيفرح ويرجو خيرا".

📔[فتاوى الحرم النبوي(٢٤)]
#سلسلة_فضل_العلم

📋 قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"كُلُّ مَنْ أَرَادَ الله بِهِ خَيْرًا لَا بُدَّ أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ، فَمَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين، لَمْ يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا،

وَالدِّينُ: مَا بَعَثَ الله بِهِ رَسُولَهُ؛ وَهُوَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَدِّقَ مُحَمَّدًا -ﷺ- فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ، تَصْدِيقًا عَامًّا، وَطَاعَةً عَامَّةً".

📜 [مجموع الفتاوى (٨٠/٢٨)].

•┈┈┈••✦✿✦••┈┈┈•
كنوز العلـم |🌱📓
https://t.me/kunoozilmi