السيرة النبوية 213
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثالث عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
وهو في طريقه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، جاء عمه العباس حين وصل صلى الله عليه وسلم الجحفة؛ وهي تبعد عن مكة 183 كيلا. ولما وصل صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وهي التي تسمى الآن وادي فاطمة، وتبعد 65 كيلا عن مكة، علمت قريش بمقدمه صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى هذا المكان.
وكان أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء الخزاعي يخرجون دائما إلى مر الظهران لينظروا ويتحسسوا الأخبار بعدما أيقنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل تمديد الصلح الذي ذهب أبو سفيان لأجله.
فخرج ذات ليلة العباس رضي الله عنه على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، ووافق أبا سفيان وبديل بن ورقاء الخزاعي ومن معهما، وافقهما وهم ينظرون إلى جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرهم أن يوقدوا النيران، فرأوا نارا عظيمة كثيرة منتشرة..
خاف أبو سفيان، وقال: من هؤلاء وأي جيش هذا!؟ فبديل بن ورقاء الخزاعي -فلأن خزاعة كانت قد وترت بسبب هجوم بني بكر عليهم- فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة قد حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من ذلك. فسمع العباس صوت أبي سفيان، فقال: أبا سفيان! فعرفه أبو سفيان، وقال: أبا الفضل! فداك أبي وأمي، من هؤلاء؟ قال: والله هذا رسول الله وأصحابه قصدوا مكة. قال: فداك أبي وأمي، فما العمل؟ قال: لا أرى لك إلا أن تركب معي على دابة النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل بك عليه، فأجيرك، فإنه قاتلك لا محالة.
فقبل أبو سفيان وركب رديفا للعباس، ثم رجع البقية: حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء.
كان العباس كلما مر بأناس من الصحابة قالوا: من؟ قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودابة رسول الله، فيأذنون له.
وعمر كان المسؤول عن الحرس في تلك الليلة، فرأى أبا سفيان فعرفه، فصرخ قائلا: أبو سفيان رأس الكفر! فركل العباس الدابة ليصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل عمر.. وعمر أيضا كان يجري ليدرك أبا سفيان.. فوصلا في وقت واحد، فدخل العباس فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أجرته. فقال عمر: يا رسول الله هذا أبو سفيان رأس الكفر. ائذن لي أضرب عنقه.
جاء في كتب السير أن العباس قال لعمر: أحرصت على قتله حين لم يكن من بني عدي!؟ فقال عمر رضي الله عنه: لا تقل هذا يا أبا الفضل، فوالله لإسلامك أحب إلي من إسلام الخطاب -أي والده-؛ وما ذاك إلا لأن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب.
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان، فقال: يا أبا سفيان! ويلك، أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله!؟ قال: بلى، فداك أبي وأمي، ما أطيبك وما أحلمك! لقد علمت أنه لو كان هناك إله غير الله لأعاننا.. ثم قال له: ويل لك يا أبا سفيان! أما آن لك أن تشهد أني رسول الله!؟ قال: أما هذه ففي النفس منها شيء..(1)
فقال له العباس: ويحك أسلم! فأسلم وشهد الشهادتين. فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئا. فقال صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن. (1) (2)
ثم بعد ذلك مضى الجيش، ووزع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ القادة وغير القادة.. فأعطى راية الأنصار لسعد بن عبادة سيد الخزرج وسيد الأنصار.. فلما رأى سعد بن عبادة أبا سفيان قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. -أو قال: تستحل الكعبة-. فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذب سعد، بل اليوم تعظم الكعبة..(3)
ونزع الراية من سعد وجعلها لولده قيس بن سعد.
ثم بعد ذلك، طلب سعد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في غير ولده قيس.
وضع خالد بن الوليد رضي الله عنه في الميمنة، وأمر الزبير أن ينطلق بالراية فيسبقه، فيقابله عند الصفا، وأن يدخل خالد بن الوليد من كدي جنوبي مكة، ودخل صلى الله عليه وسلم من كداء شمال مكة..
------------
(1) شرح معاني الآثار، الطحاوي، 3/320.
(2) صحيح أبي داود، 3021.
(3) صحيح البخاري، 4055.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثالث عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
وهو في طريقه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، جاء عمه العباس حين وصل صلى الله عليه وسلم الجحفة؛ وهي تبعد عن مكة 183 كيلا. ولما وصل صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وهي التي تسمى الآن وادي فاطمة، وتبعد 65 كيلا عن مكة، علمت قريش بمقدمه صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى هذا المكان.
وكان أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء الخزاعي يخرجون دائما إلى مر الظهران لينظروا ويتحسسوا الأخبار بعدما أيقنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل تمديد الصلح الذي ذهب أبو سفيان لأجله.
فخرج ذات ليلة العباس رضي الله عنه على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، ووافق أبا سفيان وبديل بن ورقاء الخزاعي ومن معهما، وافقهما وهم ينظرون إلى جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرهم أن يوقدوا النيران، فرأوا نارا عظيمة كثيرة منتشرة..
خاف أبو سفيان، وقال: من هؤلاء وأي جيش هذا!؟ فبديل بن ورقاء الخزاعي -فلأن خزاعة كانت قد وترت بسبب هجوم بني بكر عليهم- فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة قد حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من ذلك. فسمع العباس صوت أبي سفيان، فقال: أبا سفيان! فعرفه أبو سفيان، وقال: أبا الفضل! فداك أبي وأمي، من هؤلاء؟ قال: والله هذا رسول الله وأصحابه قصدوا مكة. قال: فداك أبي وأمي، فما العمل؟ قال: لا أرى لك إلا أن تركب معي على دابة النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل بك عليه، فأجيرك، فإنه قاتلك لا محالة.
فقبل أبو سفيان وركب رديفا للعباس، ثم رجع البقية: حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء.
كان العباس كلما مر بأناس من الصحابة قالوا: من؟ قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودابة رسول الله، فيأذنون له.
وعمر كان المسؤول عن الحرس في تلك الليلة، فرأى أبا سفيان فعرفه، فصرخ قائلا: أبو سفيان رأس الكفر! فركل العباس الدابة ليصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل عمر.. وعمر أيضا كان يجري ليدرك أبا سفيان.. فوصلا في وقت واحد، فدخل العباس فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أجرته. فقال عمر: يا رسول الله هذا أبو سفيان رأس الكفر. ائذن لي أضرب عنقه.
جاء في كتب السير أن العباس قال لعمر: أحرصت على قتله حين لم يكن من بني عدي!؟ فقال عمر رضي الله عنه: لا تقل هذا يا أبا الفضل، فوالله لإسلامك أحب إلي من إسلام الخطاب -أي والده-؛ وما ذاك إلا لأن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب.
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان، فقال: يا أبا سفيان! ويلك، أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله!؟ قال: بلى، فداك أبي وأمي، ما أطيبك وما أحلمك! لقد علمت أنه لو كان هناك إله غير الله لأعاننا.. ثم قال له: ويل لك يا أبا سفيان! أما آن لك أن تشهد أني رسول الله!؟ قال: أما هذه ففي النفس منها شيء..(1)
فقال له العباس: ويحك أسلم! فأسلم وشهد الشهادتين. فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئا. فقال صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن. (1) (2)
ثم بعد ذلك مضى الجيش، ووزع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ القادة وغير القادة.. فأعطى راية الأنصار لسعد بن عبادة سيد الخزرج وسيد الأنصار.. فلما رأى سعد بن عبادة أبا سفيان قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. -أو قال: تستحل الكعبة-. فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذب سعد، بل اليوم تعظم الكعبة..(3)
ونزع الراية من سعد وجعلها لولده قيس بن سعد.
ثم بعد ذلك، طلب سعد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في غير ولده قيس.
وضع خالد بن الوليد رضي الله عنه في الميمنة، وأمر الزبير أن ينطلق بالراية فيسبقه، فيقابله عند الصفا، وأن يدخل خالد بن الوليد من كدي جنوبي مكة، ودخل صلى الله عليه وسلم من كداء شمال مكة..
------------
(1) شرح معاني الآثار، الطحاوي، 3/320.
(2) صحيح أبي داود، 3021.
(3) صحيح البخاري، 4055.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 213
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة
ولما دخل صلى الله عليه وسلم، هناك أحداث وقعت.. سأذكرها ليس على الترتيب، وإنما أحداث عامة وقعت..
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أهدر دماء رجال ونساء في مكة، فقال: إن رأيتموهم متعلقين بأستار الكعبة فاقتلوهم..
جمعهم ابن حجر، فبلغ العدد تسعة رجال وثمان نساء، وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسعد بن أبي السرح، وأيضا مقيس بن صبابة - وستأتينا قصته في الدرس القادم-، وعبد الله بن خطل، وغيرهم.. (1)
والبقية قال: من قاتلكم فقاتلوه، ومن كل فكفوا عنه، وقال لخالد: من قابلكم فقاتلكم فأخمدوه، ومن دخل داره أو كف فكفوا عنه.
بإذن الله الدرس القادم نذكر تفاصيل دخول الجيش ودخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وهذا الحدث العظيم الذي أصبح ما قبله يختلف عما بعده، وهو الفتح. {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. (2)
نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
-----------
(1) صحيح النسائي، 4078.
(2) سورة النصر
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة
ولما دخل صلى الله عليه وسلم، هناك أحداث وقعت.. سأذكرها ليس على الترتيب، وإنما أحداث عامة وقعت..
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أهدر دماء رجال ونساء في مكة، فقال: إن رأيتموهم متعلقين بأستار الكعبة فاقتلوهم..
جمعهم ابن حجر، فبلغ العدد تسعة رجال وثمان نساء، وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسعد بن أبي السرح، وأيضا مقيس بن صبابة - وستأتينا قصته في الدرس القادم-، وعبد الله بن خطل، وغيرهم.. (1)
والبقية قال: من قاتلكم فقاتلوه، ومن كل فكفوا عنه، وقال لخالد: من قابلكم فقاتلكم فأخمدوه، ومن دخل داره أو كف فكفوا عنه.
بإذن الله الدرس القادم نذكر تفاصيل دخول الجيش ودخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وهذا الحدث العظيم الذي أصبح ما قبله يختلف عما بعده، وهو الفتح. {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. (2)
نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
-----------
(1) صحيح النسائي، 4078.
(2) سورة النصر
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز