((صِبْغَةَ اللَّهِ ً ))
35.3K subscribers
19.2K photos
4K videos
3.17K files
13.8K links

نستقبل مشاركاتكم وملاحظاتكم وأسالتكم على البوت التالي ⬇️
@Sbqat23_bot
Download Telegram
السيرة النبوية 211
فتح مكة (1)
الشيخ صالح الخليفة


بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يجهز جيشه ويعد العدة..

قريش لما أصبحت وعلمت بالخبر اجتمع سادتها، فعلموا أنهم قد نقضوا العهد، وأن قريشا قد أمدت بني بكر.. ولو أن بني بكر وحدهم قاتلوا لكان العهد منقوضا لأنهم تابعون لهم في هذا العهد.. فرأوا أن يرسلوا أبا سفيان ليجدد العهد ويمدده إن استطاع.

ذكر أهل السير أن أبا سفيان ذهب إلى المدينة ليطلب تمديد العهد، فذهب إلى أبي بكر وطلب منه أن يشفع عند النبي صلى الله عليه وسلم فأبى، وطلب من عمر فرده وأغلظ، وقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم! والله لو لم أجد إلا كذا وكذا لقاتلتكم به، ثم ذهب إلى علي بن أبي طالب، فقال له علي كما قال أبو بكر وعمر، ورده.. حتى طلب من فاطمة أن يشفع الحسن، وكان غلاما صغيرا، فقالت: ابني هذا لم يبلغ أن يجير في مثل هذا..

ولما دخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين، كان في بيتها فراش النبي صلى الله عليه وسلم فطوته عنه، فقال: يا بنية، والله لا أدري: أرغبت بهذا الفراش عني، أم رغبت بي عنه!؟ قالت: إنك مشرك؛ وإنك نجس، وإنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا بنية، والله لقد أصابك بعدي شر عظيم..(5) -وهكذا كان يرى الأمر-..

ثم دخل إلى المسجد، فقال له علي بن أبي طالب: ولكن أرى أن تدخل، فأنت سيد قريش، فتجير أمام الناس..

وهذا من استخفاف علي رضي الله عنه به.. وإلا فكيف يجير ولا يقبل جواره وهو سيد مكة!

ففعل هذا، ثم عاد.. وعلمت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقصدهم نصرة لحلفائه خزاعة.

نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

---------
(5) قال الألباني: 'ضعيف، رواه ابن إسحاق بدون إسناد". تخريج أحاديث فقه السيرة، 373.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الحادية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 212
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الثاني عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو قريش، أرسل الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه رسالة لقريش؛ يريد أن يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم لمكة؛ وليحذرهم.. وأراد من ذلك كما سيأتينا بعد قليل أن تكون له يد عند قريش لأنه ليس من أنفس قبائلهم.

جاء الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعا علي بن أبي طالب والمقداد والزبير بن العوام، ثم قال لهم: (اذهبوا حتى تصلوا روضة خاخ) -مكان بين مكة والمدينة- (ستجدون ظعينة) - أي امرأة على ناقتها- (معها كتاب قد أرسله حاطب إلى أهل مكة).

مضوا.. وقيل إنهما علي والزبير فقط، حتى وصلا إلى روضة خاخ، فرأيا المرأة، فقالت لها: أعطنا الكتاب الذي أعطاك إياه حاطب. فقالت: ليس معي شيء..

فانظروا ماذا قال علي والزبير رضي الله عنهما لها: والله ما كذبنا ولا كذبنا، -أي الذي قال لها هذا لا يكذب؛ وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نكذب عليك ولا نفتري.. فإما أن تخرجيه وإلا جردناك من ثيابك.. فلما علمت الحق منهما، وأنهما صادقان في ما يقولان، أخرجته -قيل: من حجزتها؛ وهي مكان ربط القميص أو الإزار من وسط البدن، -وقيل: من عقيصتها أي من ظفائر شعرها.. فأعطتهما ثم عادا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

دعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا فسأله: لم فعلت ذلك؟ وهذا أيها الإخوة فيه درس عظيم لكل والد وأم ومرب ومعلم ولكل مسلم؛ حين يأتيك من يخبرك بخبر، فإنه يجب أن تثبت أولا، ثم تسأل من جاءك الخبر عنه -لو فعل ذلك-: لم فعله؟

نحن لا نعلم ما الذي تخفيه صدور الناس ودوافعها، وما كل الدوافع واحدة، وخاصة في من كانت له سابقة من خير أو معروف أو إحسان.. وهذا من واجب المسلم علينا..

فقال حاطب للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعجل علي يا رسول الله، والله ما كفرت بعد إسلام، ولا ارتددت عن ديني، ولكني لم أكن من أنفس قبائل قريش، فأردت أن يكون لي بسبب هذا الكتاب حظوة عند قريش فيحسنوا إلى أهلي وإلى مالي.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد صدق.

فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنقه؛ فقد نافق.

قال: يا عمر، إنه من أهل بدر، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. (1)

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن فعل حاطب ليس كفرا؛ لأنها موالاة خاصة للرحم. فهي ذنب انتقص به إيمانه. (2) وكذلك قالها غير واحد من أهل العلم.

وهذا كان بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه. وإلا فالأصل أن مثل هذا أنه موالاة لغير المسلمين وإعانة لهم على المسلمين. لكن النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطبا، وقال ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.

استنفر النبي صلى الله عليه وسلم القبائل التي حول المدينة ولم يخبر أحدا إلى أين يريد أن يمضي. وقال: اللهم أعم عنا قريشا.

فجاءت القبائل التي أسلمت كغفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع وسليم.. كلهم جاءوا حتى إن مزينة جاء منها ألف مقاتل، وكذلك من سليم وغيرها.

المهاجرون والأنصار كلهم كانوا مع الجيش، فاكتمل الجيش واستوعب وأوعب عشرة آلاف مقاتل.

خرجوا أيها الإخوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يدرون أين يمضون.. حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم منطقة يقال لها: كديد؛ وهي تبعد عن مكة 86 كيلا. فأمرهم بالإفطار، فأفطروا ليكون أقوى لهم. (3) وسبب ذلك أنها كانت في رمضان من العام الثامن للهجرة.

----------------
(1) صحيح البخاري 6259، وصحيح مسلم 2494.
(2) مجموع الفتاوى، 7/ 522-523.
(3) صحيح البخاري 1944، صحيح مسلم 1113.



#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 212
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة


في خروجه صلى الله عليه وسلم قدر الله أن يخرج بعض المشركين يريدون المدينة للإسلام، فأسلموا ثم عادوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.. منهم أبو سفيان بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أخوه من الرضاعة كذلك، وكان يهجو المسلمين وكان يقاتل المسلمين عشرين سنة مع المشركين. ثم خرج قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، خرج مسلما صادقا مؤمنا.. وسبحان الله.. لا يدري المرء متى تكون هداية الله له.

أسلم فكان من خيار الصحابة بعد ذلك، حتى إنه ثبت في حنين لما ولى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت إلا القلة، كان منهم أبو سفيان رضي الله عنه.(1)

وكذلك أيها الإخوة، وهذا من العجب الذي يطول فيه التأمل: عبد الله بن أبي أمية؛ هو أخو أم المؤمنين أم سلمة..(2) لكن لو عدنا في بدايات السيرة عند موت أبي طالب: اللذان كانا على رأس أبي طالب يقولان: كيف تموت على غير ملة أبيك!؟ كان أبو جهل وهذا عبد الله بن أبي أمية.. ومع ذلك فإنه قد خرج مؤمنا مسلما، وصدق في إيمانه ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم كجندي في المعركة في مكة، بل وقتل رضي الله عنه شهيدا في حصار الطائف..(3) ما طال به الزمن حتى قتل شهيدا.

لا ندري أيها الإخوة، رجل قد يكون منافحا عن الكفر مؤيدا له محاربا للإسلام، ثم تأتيه رحمة الله وهدايته، فيكون كما كان عبد الله بن أبي أمية رضي الله عنه وأرضاه.

نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

----------------
(1) صحيح مسلم، 1775.
(2) قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية رضي الله عنهما رواها الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/167، من حديث طويل رجاله رجال الصحيح.
(3) أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، 3/176.



#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 213
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الثالث عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

وهو في طريقه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، جاء عمه العباس حين وصل صلى الله عليه وسلم الجحفة؛ وهي تبعد عن مكة 183 كيلا. ولما وصل صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وهي التي تسمى الآن وادي فاطمة، وتبعد 65 كيلا عن مكة، علمت قريش بمقدمه صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى هذا المكان.

وكان أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء الخزاعي يخرجون دائما إلى مر الظهران لينظروا ويتحسسوا الأخبار بعدما أيقنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل تمديد الصلح الذي ذهب أبو سفيان لأجله.

فخرج ذات ليلة العباس رضي الله عنه على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، ووافق أبا سفيان وبديل بن ورقاء الخزاعي ومن معهما، وافقهما وهم ينظرون إلى جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرهم أن يوقدوا النيران، فرأوا نارا عظيمة كثيرة منتشرة..

خاف أبو سفيان، وقال: من هؤلاء وأي جيش هذا!؟ فبديل بن ورقاء الخزاعي -فلأن خزاعة كانت قد وترت بسبب هجوم بني بكر عليهم- فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة قد حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من ذلك. فسمع العباس صوت أبي سفيان، فقال: أبا سفيان! فعرفه أبو سفيان، وقال: أبا الفضل! فداك أبي وأمي، من هؤلاء؟ قال: والله هذا رسول الله وأصحابه قصدوا مكة. قال: فداك أبي وأمي، فما العمل؟ قال: لا أرى لك إلا أن تركب معي على دابة النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل بك عليه، فأجيرك، فإنه قاتلك لا محالة.

فقبل أبو سفيان وركب رديفا للعباس، ثم رجع البقية: حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء.

كان العباس كلما مر بأناس من الصحابة قالوا: من؟ قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودابة رسول الله، فيأذنون له.

وعمر كان المسؤول عن الحرس في تلك الليلة، فرأى أبا سفيان فعرفه، فصرخ قائلا: أبو سفيان رأس الكفر! فركل العباس الدابة ليصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل عمر.. وعمر أيضا كان يجري ليدرك أبا سفيان.. فوصلا في وقت واحد، فدخل العباس فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أجرته. فقال عمر: يا رسول الله هذا أبو سفيان رأس الكفر. ائذن لي أضرب عنقه.

جاء في كتب السير أن العباس قال لعمر: أحرصت على قتله حين لم يكن من بني عدي!؟ فقال عمر رضي الله عنه: لا تقل هذا يا أبا الفضل، فوالله لإسلامك أحب إلي من إسلام الخطاب -أي والده-؛ وما ذاك إلا لأن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب.

فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان، فقال: يا أبا سفيان! ويلك، أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله!؟ قال: بلى، فداك أبي وأمي، ما أطيبك وما أحلمك! لقد علمت أنه لو كان هناك إله غير الله لأعاننا.. ثم قال له: ويل لك يا أبا سفيان! أما آن لك أن تشهد أني رسول الله!؟ قال: أما هذه ففي النفس منها شيء..(1)

فقال له العباس: ويحك أسلم! فأسلم وشهد الشهادتين. فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئا. فقال صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن. (1) (2)

ثم بعد ذلك مضى الجيش، ووزع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ القادة وغير القادة.. فأعطى راية الأنصار لسعد بن عبادة سيد الخزرج وسيد الأنصار.. فلما رأى سعد بن عبادة أبا سفيان قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. -أو قال: تستحل الكعبة-. فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذب سعد، بل اليوم تعظم الكعبة..(3)

ونزع الراية من سعد وجعلها لولده قيس بن سعد.

ثم بعد ذلك، طلب سعد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في غير ولده قيس.

وضع خالد بن الوليد رضي الله عنه في الميمنة، وأمر الزبير أن ينطلق بالراية فيسبقه، فيقابله عند الصفا، وأن يدخل خالد بن الوليد من كدي جنوبي مكة، ودخل صلى الله عليه وسلم من كداء شمال مكة..

------------
(1) شرح معاني الآثار، الطحاوي، 3/320.
(2) صحيح أبي داود، 3021.
(3) صحيح البخاري، 4055.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 213
فتح مكة 3
الشيخ صالح الخليفة



ولما دخل صلى الله عليه وسلم، هناك أحداث وقعت.. سأذكرها ليس على الترتيب، وإنما أحداث عامة وقعت..

ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أهدر دماء رجال ونساء في مكة، فقال: إن رأيتموهم متعلقين بأستار الكعبة فاقتلوهم..

جمعهم ابن حجر، فبلغ العدد تسعة رجال وثمان نساء، وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسعد بن أبي السرح، وأيضا مقيس بن صبابة - وستأتينا قصته في الدرس القادم-، وعبد الله بن خطل، وغيرهم.. (1)

والبقية قال: من قاتلكم فقاتلوه، ومن كل فكفوا عنه، وقال لخالد: من قابلكم فقاتلكم فأخمدوه، ومن دخل داره أو كف فكفوا عنه.

بإذن الله الدرس القادم نذكر تفاصيل دخول الجيش ودخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وهذا الحدث العظيم الذي أصبح ما قبله يختلف عما بعده، وهو الفتح. {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. (2)

نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

-----------
(1) صحيح النسائي، 4078.
(2) سورة النصر


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثالثة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 214
فتح مكة 4
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الرابع عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

حاولت قريش أن تجمع أحلافها للقتال.. لم تكن تريد من وراء ذلك إلا حماية نفسها أو أن تصالح إذا قبل النبي صلى الله عليه وسلم صلحا.. لكنهم لم يشكوا أنهم لا يستطيعون الوقوف أمام هذا الجيش العظيم.

فجمع عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية بعض شباب قريش وغيرهم من الأحلاف، ثم ذهبوا إلى مكان كان في طريق المسلمين، في طريق خالد يسمى الخندمة، وواجهوا خالد بن الوليد.. وهنا لم يقتل من جيش المسلمين إلا اثنان خرجا عن أمر خالد، فذهبا لوحدهما، فقتلهما المشركون..(1) أما البقية فقد قتل خالد منهم قرابة الثمانية أو التسعة ثم انفضوا مباشرة..

ومن الطرائف هنا أن رجلا من المشركين اسمه حماس بن قيس أخو بني بكر، كان قد اشترى سلاحا يعده ويصلحه كل يوم.. فسألته زوجته: لمن هذا؟ قال: لمحمد وأصحابه. قالت: وهل لأحد بهم قبل؟ -هل يستطيع أحد؟- قال: يا هذه، إني لأرجو أن أخدمك بعضهم. -ليس فقط أن ينتصر؛ وإنما أن يأتي ببعض أصحاب محمد فيكونوا خدما لزوجته-.. ثم كان مع الذين ذهبوا إلى الخندمة مع عكرمة ومع صفوان، وقدر الله أن لا يواجهوا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه سيف الله.. وكان قد قال لزوجته:
إن يقبلوا اليوم فما لي علة
هذا سلاح كامل وألة
وذو غرارين سريع السلة

فالرجل قد استعد ويطمح أن يأتيها بعشرة أو بخمسة يخدمونها.. ثم شهد الخندمة، فقتل -كما قلنا- من المشركين ثمانية، وقيل ثلاثة عشر.. ولم يلبثوا أمام المسلمين طويلا حتى فر حماس هذا منهزما حتى دخل بيته وهو يلهث، وقال لزوجته: أغلقي الباب.. أغلقي الباب..فقامت زوجته فأغلقت الباب، ثم قالت له -تمزح-: أين الذين وعدتني أن تخدمني إياهم؟ فقال لها:
إنك لو شهدت يوم الخندمة
إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالمؤتمة
واستقبلهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا يسمع إلا غمغمة
لهم لهيب خلفنا وهمهمة
لم تعط في اللوم أدنى كلمة (2)

هذا حال واحد ممن كان يظن أنه سيواجه هذا الجيش العظيم، وكانت زوجته أعلم وأعقل.

دخل نبينا صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهو مطرق برأسه أيها الإخوة، متواضعا خاضعا معترفا لله بالفضل والمنة، حين ملكهم الله الأرض وكانوا فيها قبل سنوات خائفين غريبين والملك لغيرهم، حتى كادت لحيته تلامس رحله.. وكان يلبس عمامة سوداء صلوات ربي وسلامه عليه..(3)

ودخل جيش المسلمين في مكة فانتشروا، ودخل خالد من كدي، ونبينا صلى الله عليه وسلم من كداء.. فخرجن بعض المشركات يضربن الخيول بمروطهن، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي بكر: ماذا قال حسان يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر ما ذكره حسان:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء (4)

فتبسم صلى الله عليه وسلم.. ثم بعد ذلك وصل إلى الكعبة، فطاف بها، وكان حولها ثلاثمائة وستون صنما تعبد من دون الله، فكان صلى الله عليه وسلم يضربها بعصاه، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. (4)

---------------
(1) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/408.
(2) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/409.
(3) صحيح مسلم، 1358.
(4) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/424.
(5) صحيح البخاري، 4720.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الرابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 214
فتح مكة 4
الشيخ صالح الخليفة


طاف بالبيت، ثم دخل الكعبة ودخل معه أسامة وبلال، فصلى ركعتين، ثم دار فيها وكبر صلوات الله وسلامه عليه.. ثم رأى ما وضع فيها من الصور لإبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فقال صلى الله عليه وسلم: لعنهم الله، والله ما كانا يستقسمان بالأزلام.. ثم طمسها صلوات الله وسلامه عليه. (1)

خرج عند باب الكعبة فإذا كل قريش قد اجتمعوا في المسجد ينتظرون أمره فيهم، فقال صلوات الله وسلامه عليه: يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، الناس لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. (2)

هذه القواعد، هذه الأسس التي جاء بها الإسلام؛ لا فضل بحسب ولا بمال ولا بنسب ولا بمعرفة ولا بسلطة، الناس جميعا عند الله سواء، أبوهم آدم وأمهم حواء. لا يتفاضل أحد على أحد بنسب ولا بمال ولا بشيء إلا بتقوى الله؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم. {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. (3)

دخل معه الكعبة أسامة مولاه، وبلال مولى أبي بكر،(4) حين كان الواحد منهم لا يستطيع أن يرفع بصره إلى سيده، الآن هما اللذان دخلا إلى الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟

وهذا جاء في خبر مشهور، وإن فيه ضعف حديثيا، لكنه مما اشتهر في كتب السير وفي غيرها، وهذا ما يعتقد فيه صلى الله عليه وسلم من عفوه ورحمته ورأفته بالمؤمنين وبالناس أجمعين، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، -نظن خيرا- أخ كريم وابن أخ كريم. فقال صلوات الله وسلامه عليه: اذهبوا فأنتم الطلقاء. (5)

اذهبوا فأنتم، يا من عذبتمونا وآذيتمونا وامتحنتمونا في ديننا وأخرجتمونا من أرضنا وحصرتمونا في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، حين تواطأتم على الكفر وعلى ظلمنا، حين عذب أصحابي حين قتل أصحابي حين جوع أصحابي.. يقول هذا والصحابة الذين معه يرون مواطن التعذيب والبلاء في الله، يرون كيف كانوا وكيف صاروا، يرون هؤلاء الذين كانوا يمشون في شوارع مكة متكبرين متغطرسين مستهزئين بدين الله وبنبينا صلى الله عليه وسلم وبأصحابه، فزادهم صلوات الله وسلامه عليه بأخلاقه وحلمه حلما وخلقا، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

هذا هو الموطن، أيها الإخوة، الذي يستطيع المرء أن يقول إنه انتصر على نفسه، حين يظلم ثم يظلم ثم يظلم، فيكون قادرا على أخذ حقه، فيعفو لله. {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. (6)

نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

-------------
(1) صحيح البخاري، 1601.
(2) صحيح الترمذي، 3270.
(3) سورة الحجرات، الآية 13.
(4) صحيح البخاري، 2988.
(5) ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1163).
(6) سورة الشورى، الآية 43.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الرابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 215
فتح مكة 5
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الخامس عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

من الذين أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم حين فتح مكة، رجل يقال له مقيس بن صبابة، وقصة هذا الرجل أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر مظهرا الإسلام، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني أطلب دية أخي، وكان أخوه قد قتل في خيبر.. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية، وأظهر الرجل الإسلام، ثم إنه عدا على الأنصاري الذي قتل أخاه، وكان قد قتله خطأ رضي الله عنه في خيبر.. عدا عليه فقتله.. ثم عاد هذا الخبيث إلى مكة مفتخرا أنه ضحك على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، وقد أخذ بثأره، وقال أبياتا في ذلك، يقول فيها إنه قد شفا عليله بقتل قاتل أخيه، وعاد إلى مكة وعلى دين أهل مكة كما كان من قبل، وأنه ما فعل ذلك إلا استخفافا وخداعا للمسلمين.

لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه، وكان من الذين قال: وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة.. هذه نهاية كل ظالم خائن؛ فإنه قد غدر وكذب وقتل وأخذ مالا بغير حقه، فقتله أحد أقاربه، وجده في مكة فقتله.

ما بين هذا وهذا أيها الإخوة، ما بين ما فعله وبين مقتله قرابة السنتين.. ظن الأمر سيطول، وأنه قد فاز بما أراد، وأنه عاد منتصرا، ولكن الله تعالى قد قال: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} (1).. هذا الرجل ظلم فكان جزاؤه أن قتل في الحرم، وأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه.. فما فاز ولا اهتنى بما قد فعله، نسأل الله حسن العاقبة وحسن التدبير، وأن يثبتنا على دينه..

مما قاله هذا الرجل في قصيدته:

قال ابن إسحاق:

قدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر، فقال: يا رسول الله، جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخي، قتل خطأ، -وأخوه اسمه هشام- فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام.. فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير -مكث مدة يسيرة-، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا وقال في أبيات له:

شفى النفس أن قد بات في القاع مسندا
تضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله
تلم فتحميني وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي
وكنت إلى الأوثان أول راجع
ثأرت به فهرا وحملت عقله
سراة بني النجار أرباب فارع (2)

نعوذ بالله من الخذلان ومن الضلال بعد الهدى..

فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة كان ممن أهدر دمهم هذا مقيس بن صبابة فقتل على يد أحد بني عمه كما ذكرت سالفا.

نقف على هذا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

---------------
(1) سورة إبراهيم، الآية 42.
(2) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/294.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الخامسة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 216
فتح مكة 6
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس السادس عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح العامري القرشي؛ وهذا كان قد أسلم، ثم -قال ابن عباس- فأزله الشيطان وعاد مشركا إلى مكة.. فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه مع مجموعة من المشركين في مكة.. (1)

الرجل ضاقت به الأرض، فذهب إلى عثمان بن عفان -وكان أخا له من الرضاعة-، وطلب من عثمان أن يؤمنه عند النبي صلى الله عليه وسلم..

لما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة، تقدم عثمان وقال: يا رسول الله، بايع عبد الله بن سعد.. فصمت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبايعه.. ثم أعاد الطلب عثمان مرة أخرى؛ قال: يا رسول الله بايع عبد الله، فصمت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبايع، ثم طلبه عثمان مرة ثالثة، وقال: يا رسول الله بايع عبد الله..

فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم التفت إلى أصحابه، فقال: أما كان فيكم رجل رشيد قام إليه إذ رآني لم أبايعه فقتله! قالوا: يا رسول الله، وما يدرينا أنك تريد قتله؟ ألا أومأت إلينا بعينك! قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين. (2)

أيها الإخوة، هذه القصة تمر بنا.. لكن كم كان طول هذه اللحظات التي انتظر فيها عبد الله بن سعد أن يبايعه النبي صلى الله عليه وسلم!؟.. اللحظة بعام.. اللحظة بعمر كامل.. بين أن يقبله وبين أن يقتل فيموت كافرا خالدا مخلدا في النار..

تأمل وتصور موقف عبد الله بن سعد وهو واقف ينتظر أمر النبي صلى الله عليه وسلم: إما  الرضا والبيعة، وإما أن يرفضه ثم يقتله.. بل كان ينتظر أن يقوم أحد الصحابة فيقتله.. ما الذي منع هذا أيها الإخوة..

هذا الصمت الذي دام على عبد الله دام دهورا وهو ينتظر.. والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظر أحد أصحابه.. لكن القدر جاء.. وسابق فضل الله على عبد الله أن يدخل الإسلام وأن يكون من خيار الصحابة..

نقل الذهبي رحمه الله قال: هو أبو يحيى القرشي العامري، منذ أن أسلم في مكة لم يتعد، وكان من خيار الناس وأجوادهم. (3)

بل، تأملوا أيها الإخوة، قاد جيوش المسلمين في أفريقية، وقتل القائد جرجير.. وغزا في ذات الصواري.. وكسروا الروم وقتلوهم مقتلة عظيمة.. وولاه عثمان إمرة مصر.. وكان من أهل العدل والتقى والجود والفضل.. ولما وقع الخلاف بين علي ومعاوية، ذهب إلى عسقلان إلى الرملة -فلسطين حاليا- وانزوى فيها، ولم يدخل مع هذا ولا مع هذا هروبا من الفتنة وحفظا لدينه.

وفي آخر خلافة علي رضي الله عنه، وكان عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ينتظر فجر ذلك اليوم، وهو يقول لولده: يا هشام انظر أطلع الصبح، فإني أجد برده.. قال: نعم. فقال عبد الله: اللهم اجعل آخر عملي في الدنيا صلاة.. صلى الفجر، قرأ في الأولى الفاتحة والعاديات، وفي الثانية قرأ الفاتحة وسورة، سلم التسليمة الأولى أيها الإخوة، وقبل أن يسلم الثانية فاضت روحه ومضى إلى ربه رضي الله عنه وأرضاه.. (4)

هذا الذي كان ينتظر أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب عنقه لأنه ارتد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر أحدا من أصحابه ليقوم فيقتله.. ومع هذا كله أبى الله إلا أن تجري وتتنزل رحمته على هذا الصحابي رضي الله عنه وأرضاه.. وأسأل الله أن يشملنا برحمته، وأن يسبقنا بعفوه ورحمته إنه جواد كريم.

نقف على هذا. ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

---------------
(1) صحيح النسائي، 4080.
(2) صحيح أبي داود، 4359.
(3) سير أعلام النبلاء، الذهبي، 3/ 34.
(4) سير أعلام النبلاء، الذهبي، 3/ 33-35.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_السادسة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 217
فتح مكة 7
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس السابع عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

وممن أهدر دمهم كذلك حين فتح مكة، عكرمة بن أبي جهل.. واسمه عكرمة بن عمرو بن هشام، وأبوه هو أبو جهل.. وقد أخذ الزعامة في قبيلته بني مخزوم بعد مقتل أبيه.. وكان سيدا مطاعا في قومه.. ولكنه كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.. فكان ممن أهدر دمهم.. فهرب يريد اليمن.. ذهب إلى جدة أو إلى تهامة ليركب السفينة ثم يهرب إلى اليمن..

فجاءت امرأته أم حكيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته ماذا صنع، وطلبت أن يؤمنه، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم حرصا على أن يدخل في الإسلام. فخرجت تتبع زوجها، وتخبره بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم له..

وجاء عند بعض أهل السير أنه -أي عكرمة- ركب سفينة، فهاج البحر، فقال قبطانها: أخلص.. قال: وما هذا؟ قال: قل لا إله إلا الله.قال: إن كان لا ينفعني في البحر إلا هي، فإنه لا ينفعني في البر إلا هي. وما هربت من البر إلا من هذا.. ثم عاهد ربه إن أنجاه أن يأتي حتى يضع يده في يد النبي صلى الله عليه وسلم.. فنجاه الله.. (1)

وجاء أن زوجته خرجت وأدركته وهو في السفينة، فنادته وأخبرته.. ثم عاد رضي الله عنه.. فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه فرحا.. ودخل عكرمة في الإسلام..(2) وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه.

وسبحان الله! أبوه فرعون هذه الأمة؛ أبو جهل.. وعكرمة بعد أن أسلم.. وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام مجاهدا، فلم يعد حتى قتل.. وقد قتل رضي الله عنه في معركة أجنادين، في خلافة أبي بكر.. وأصيب في اليرموك حتى ذهبت عينه.. (3)

وكان يقبل المصحف، ويبكي ويقول: كلام ربي كلام ربي. (4)

وأيضا، ممن هرب من مكة: صفوان بن أمية بن خلف، وأيضا أبوه من رؤوس الكفر؛ أمية بن خلف الذي كان يعذب بلالا..

سبحان الله! كان آباؤهم حربا على الإسلام.. ثم أدخل الله الإسلام قلوب أبنائهم.

صفوان.. ذكر أهل السير أن الذي أمنه عمير بن وهب الصحابي، وهو نفسه الذي اتفق معه صفوان قبل سنوات أن يذهب عمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقتله.. فذهب إليه -كما سبق معنا-، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما دار بينه وبين صفوان.. فأسلم عمير.

فجاء عمير يطلب الأمان لصفوان، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركه في تهامة.. هرب خوفا على نفسه.. هرب من ماله ومن جاهه ومن زعامته.. فقال له: ابن عمك -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- عزه عزك، فعد إليه فأسلم.. فقال: يقتلني! قال: لا، فإنه أبر الناس وأرحم الناس -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-..

فعاد معه صفوان، حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني.. قال: نعم. قال: فأمهلني شهرين حتى أرى أمري. قال: بل أربعة.. (5) لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه حين يعلم صفوان معنى الإسلام والإيمان فلن يتأخر..

وكانت له مشاركة في غزوة حنين سنذكرها إن شاء الله في الدرس القادم.

هذه جملة أحداث مكة وفتحها، وكانت في شهر رمضان من العام الثامن للهجرة.

أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

-----------
(1) البدر المنير، ابن الملقن، 9/ 153.
(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، 5103.
(3) اختلفوا في يوم استشهاده، فقال بعضهم: استشهد يوم اليرموك؛ فوجدوا به بضعا وسبعين من طعنة ورمية وضربة.. وقال آخرون: قتل يوم أجنادين.. سير أعلام النبلاء، الذهبي، 1/ 324.
(4) إتحاف المهرة، ابن حجر، "وفيه انقطاع شديد". 11/ 283.
(5) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 418.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_السابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 217
فتح مكة 7
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس السابع عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

وممن أهدر دمهم كذلك حين فتح مكة، عكرمة بن أبي جهل.. واسمه عكرمة بن عمرو بن هشام، وأبوه هو أبو جهل.. وقد أخذ الزعامة في قبيلته بني مخزوم بعد مقتل أبيه.. وكان سيدا مطاعا في قومه.. ولكنه كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.. فكان ممن أهدر دمهم.. فهرب يريد اليمن.. ذهب إلى جدة أو إلى تهامة ليركب السفينة ثم يهرب إلى اليمن..

فجاءت امرأته أم حكيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته ماذا صنع، وطلبت أن يؤمنه، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم حرصا على أن يدخل في الإسلام. فخرجت تتبع زوجها، وتخبره بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم له..

وجاء عند بعض أهل السير أنه -أي عكرمة- ركب سفينة، فهاج البحر، فقال قبطانها: أخلص.. قال: وما هذا؟ قال: قل لا إله إلا الله.قال: إن كان لا ينفعني في البحر إلا هي، فإنه لا ينفعني في البر إلا هي. وما هربت من البر إلا من هذا.. ثم عاهد ربه إن أنجاه أن يأتي حتى يضع يده في يد النبي صلى الله عليه وسلم.. فنجاه الله.. (1)

وجاء أن زوجته خرجت وأدركته وهو في السفينة، فنادته وأخبرته.. ثم عاد رضي الله عنه.. فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه فرحا.. ودخل عكرمة في الإسلام..(2) وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه.

وسبحان الله! أبوه فرعون هذه الأمة؛ أبو جهل.. وعكرمة بعد أن أسلم.. وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام مجاهدا، فلم يعد حتى قتل.. وقد قتل رضي الله عنه في معركة أجنادين، في خلافة أبي بكر.. وأصيب في اليرموك حتى ذهبت عينه.. (3)

وكان يقبل المصحف، ويبكي ويقول: كلام ربي كلام ربي. (4)

وأيضا، ممن هرب من مكة: صفوان بن أمية بن خلف، وأيضا أبوه من رؤوس الكفر؛ أمية بن خلف الذي كان يعذب بلالا..

سبحان الله! كان آباؤهم حربا على الإسلام.. ثم أدخل الله الإسلام قلوب أبنائهم.

صفوان.. ذكر أهل السير أن الذي أمنه عمير بن وهب الصحابي، وهو نفسه الذي اتفق معه صفوان قبل سنوات أن يذهب عمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقتله.. فذهب إليه -كما سبق معنا-، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما دار بينه وبين صفوان.. فأسلم عمير.

فجاء عمير يطلب الأمان لصفوان، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركه في تهامة.. هرب خوفا على نفسه.. هرب من ماله ومن جاهه ومن زعامته.. فقال له: ابن عمك -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- عزه عزك، فعد إليه فأسلم.. فقال: يقتلني! قال: لا، فإنه أبر الناس وأرحم الناس -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-..

فعاد معه صفوان، حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني.. قال: نعم. قال: فأمهلني شهرين حتى أرى أمري. قال: بل أربعة.. (5) لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه حين يعلم صفوان معنى الإسلام والإيمان فلن يتأخر..

وكانت له مشاركة في غزوة حنين سنذكرها إن شاء الله في الدرس القادم.

هذه جملة أحداث مكة وفتحها، وكانت في شهر رمضان من العام الثامن للهجرة.

أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

-----------
(1) البدر المنير، ابن الملقن، 9/ 153.
(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، 5103.
(3) اختلفوا في يوم استشهاده، فقال بعضهم: استشهد يوم اليرموك؛ فوجدوا به بضعا وسبعين من طعنة ورمية وضربة.. وقال آخرون: قتل يوم أجنادين.. سير أعلام النبلاء، الذهبي، 1/ 324.
(4) إتحاف المهرة، ابن حجر، "وفيه انقطاع شديد". 11/ 283.
(5) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 418.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_السابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 218
غزوة حنين 1
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الثامن عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

بعد انتصار النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وفتح مكة، سمعت قبائل هوازن وثقيف بما كان.. فأجمعوا أمرهم وعزموا على قتال النبي صلى الله عليه وسلم. وجمعوا جيشا يقارب العشرين ألفا.(1)

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عينا له، فرأى الأمر وجاء مؤكدا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فخرج صلوات الله عليه وعلى آله ومعه العشرة آلاف الذين دخلوا مكة فاتحين، وكذلك خرج معه ألفان من المؤلفة قلوبهم؛ فصار عددهم اثنا عشر ألفا.

خرج النبي صلى الله عليه وسلم بهم في اليوم السادس من شوال قاصدا حنين.. وهذه الغزوة تسمى حنين وقد جاء ذكرها في القرآن: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}،(2) فتسمى غزوة حنين، وكذلك هوازن وأوطاس.. وأوطاس هو واد في ديار هوازن عسكر فيه المشركون، ثم ساروا لحنين، وهو واد قريب من الطائف.

كما ذكرنا، عدد المشركين عشرون ألفا من قبائل شتى، ومنها قبيلة بني سعد بن بكر الذين استرضع النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، وأيضا من جشم وهلال وهوازن وثقيف.

الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليرى الأمر صحابي يقال له حدرد بن أبي حدرد، ثم عاد فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما عزمت عليه هوازن وثقيف..

مضى النبي صلى الله عليه وسلم.. وفي أثناء طريقه أعجب الناس بعددهم، وقالوا: لن نهزم اليوم من قلة.. أعجبتهم الكثرة.. وقد ذكر أهل السير أنه أكبر جيش خرج به النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداية الإسلام.. وكما جاء في الحديث: "ولا يهزم اثنا عشر ألفا من قلة".(3)

فقال بعض الصحابة: لن نهزم اليوم من قلة.. وركنوا إلى هذا.. أو أعجبتهم كثرتهم كما قال سبحانه وتعالى.. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: "إن نبيا فيمن كان قبلكم، أعجبته أمته، فقال: لن يروم هؤلاء شيء.. لن يستطيع شيء لهؤلاء.. فأوحى الله إليه أن خيرهم بين إحدى ثلاث: إما أن أسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع أو الموت.. قال: فقالوا أما القتل أو الجوع فلا طاقة لنا به، ولكن الموت.. قال صلى الله عليه وسلم: فمات في ثلاث -أي في ثلاث ليال- سبعون ألفا.(4)

وهذا درس عظيم في أن المرء مهما ملك عددا وعدة ومالا وقوة ونسبا.. لا يمكن أن تكون هذه سببا في النصر من دون الركون واللجوء والصدق والتفويض والتوكل على الله سبحانه وتعالى..

حتى وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، لما أعجبتهم كثرتهم ولوا مدبرين.. وهذا والله درس عظيم وبيان أن سنن الله عز وجل لا تتبدل لأجل أحد..

ثم لما واصلوا مسيرهم، مروا بشجرة يقال لها ذات أنواط.. كان المشركون يضعون عليها أسلحتهم ويتبركون بها، فقال حديثو العهد بالجاهلية -الذين أسلموا قريبا- قالوا -جهلا-: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! إنها والله السنن؛ قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138]..(5)

إذن، بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الفعل الذي يفعله المشركون من التبرك والاعتماد واعتقاد النفع والضر في مثل هذا، هو كقول بني إسرائيل: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.. ولكنهم لكونهم حديثي عهد بجاهلية، بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

ثم سار -بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه- حتى وصل إلى واد قبل أن يبلغ حنينا.. وهنا كانت واقعة عظيمة، وكان هنا درس عظيم نجعله إن شاء الله في الدرس القادم.

نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
---------
(1) الطبقات الكبرى، ابن سعد، (2/ 324).
(2)  سورة التوبة، الآية 25.
(3) تخريج المسند لأحمد شاكر، وقال: إسناده صحيح، 4/237.
(4) مسند الإمام أحمد 18933، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(5) مسند الإمام أحمد 21897، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثامنة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 219
غزوة حنين 2
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس التاسع عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

لا زلنا في غزوة حنين..

لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم استعار دروعا من صفوان بن أمية، وكان لا زال مشركا.. -كما سبق معنا أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم مدة ومهلة-.. فقال: أغصبا يا محمد!؟ قال: لا، بل عارية مستردة.(1) فأعطاه صفوان مائة درع.

وأخذ أيضا أربعين ألفا من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي..(2)

ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى واد قبل حنين، قال: من يحرسنا الليلة؟

وتأملوا أيها الإخوة الكرام: عدد الجيش اثنا عشر ألفا، لكن رحمة الله وفضله تنزلت على واحد من هؤلاء، فكان من قدر الله وفضله عليه قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم..

قال: من يحرسنا الليلة؟ فقام أنس بن أبي مرثد رضي الله عنه، فقال: أنا يا رسول الله، أنا أحرسك. فقال: كن في أعلى هذا الوادي، وإياك أن نؤتى من قبلك!

ركب الرجل فرسه، وصعد إلى أعلى الوادي، يحرس جيش المسلمين، وفيهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه.

لما قام المسلمون لصلاة الفجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعل صاحبكم؟ -الفارس- قالوا: لم نره، فصلى السنة، ثم ثوب للصلاة -أقاموا- فصلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلتفت جهة الشعب -جهة الوادي- ينتظر أو يراقب لعل الفارس يأتي.. فلما صلى قال: أبشروا، هذا صاحبكم. فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه كان يحرس وأنه لم ير شيئا.. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنس، ألم تنزل ليلتك هذه؟ قال: لا يا رسول الله، إلا مصليا أو قاضي حاجة.

-تقريبا ست ساعات أو سبع.. نقول ثمان- ما نزل من المكان الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة إلا ليقضي حاجة أو ليصلي..

فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: قد أوجبت -أي وجبت لك الجنة- فلا عليك أن لا تعمل بعدها.(3)

الله أكبر.. في ثمان ساعات.. عمل هذا العمل طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فوجبت له الجنة؛ حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: فلا عليك أن لا تعمل بعدها.. أي لا عليك أن لا تعمل شيئا من النوافل والأذكار وغيرها من نوافل الطاعات والصدقات لأن الله قد أوجب لك الجنة بهذا العمل.

سبحان الله! كان هذا فضل الله عليه ورزقه له من بين اثني عشر ألفا، فما أحرى أن نتعرض لرحمات الله وأن نسأله أن يجعلنا في المكان والزمان الذي تتنزل فيه رحمته علينا، سبحانه وتعالى.

وهذا الأمر لا يزيد الصحابة إلا طاعة وتنفلا وذكرا؛ فإنهم لا تزيدهم مثل هذه البشارات إلا اجتهادا في العمل والطاعة شكرا لله سبحانه وتعالى.

المشركون كان عليهم عوف بن مالك النصري، وكان في الثلاثين من عمره، -ثم أسلم بعد ذلك وكان من المؤلفة قلوبهم-، لكنه كان أمير القوم وقائدهم، وقد جاء في كتب السير أن دريد بن الصمة -الفارس المشهور- لما سمع أصوات النساء والدواب، قال له: يا مالك ما هذا؟ قال: جئت بها حتى لا يفر الرجال، قال: إنك والله لصاحب ضأن، هل يرد الفار شيء!؟.. لكنه لم يستمع، وكان في شبابه ويرى أنه سيد القوم، فقال: لتسمعن لي وإلا اتكأت على سيفي هذا حتى يخرج من ظهري.(4)

وهذا كان لقدر الله وسابق أمره، سبحانه..

لما كان من الليل، في عشر ليال خلت من شوال، عمد مالك بن عوف، فعبأ أصحابه في وادي حنين، وكان كثير الشجر، فجعلهم بين الشجر وفرقهم، وكانوا أهل سهام -رماة- لا يكاد يخطئ أحدهم إذا رمى، وكمنوا للمسلمين..

فدخل المسلمون هذا الوادي، ولا يدرون أن هؤلاء قد كمنوا لهم بين الشجر والأحراش، فلم ينتبهوا إلا والنبل في نحورهم، ثم حملوا عليهم حملة رجل واحد.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد الألوية ورتب الجند ووزع المهام وجعل خالد بن الوليد رضي الله عنه في الخيالة على بني سليم..

ثم لما بدأ المسلمون ينحدرون في هذا الوادي، وكان وعرا شديد المسالك كثير الشجر.. فما رعاهم إلا والكتائب تنحط عليهم من كل صوب والسهام تأتيهم من كل مكان.. حتى إن خالد بن الوليد سقط عن خيله، وانكشفت خيل بني سليم فولوا.. فلما رأى من خلفهم رجوع من أمامهم وقع الخلاف وتفرقت الصفوف.. ففر أول من فر المؤلفة قلوبهم، وكانت الغلبة في أول الأمر لثقيف وهوازن، وهذا أمر الله سبحانه وتعالى.. وبدأ الفرار من كل مكان.

وقد جاء أنه لم يبق حول النبي صلى الله عليه وسلم إلا مائة، منهم: أبو بكر وعمر وعلي والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كما سيأتينا.

نقف على هذا ثم نكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
------
(1) صحيح أبي داود، الألباني، 3562.
(2) صحيح النسائي، الألباني، 4697.
(3) صحيح الترغيب، الألباني، 1235.
(4) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 438 -439.
(5) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 443 -444.

#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_التاسعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 220
غزوة حنين 3
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس العشرون بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

لا زلنا في معركة حنين، ووقفنا عند فرار الناس واختلاط الحابل بالنابل..

في مثل هذه المواطن التي تزل فيها القلوب، والمرء لا يدري فيها ما يصنع.. وفرار المؤلفة قلوبهم، ثم من بعدهم؛ حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم -كما ذكرنا- إلا قلة قليلة كأبي بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس وأبي سفيان بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم..

كان العباس على يسار بغلة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان عن يمينها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -وفي مثل هذه المواطن يظهر الصدق، هذه الساعة العظيمة الرهيبة-.. كان النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته، ويقول: إلي عباد الله، أنا محمد رسول الله..(1)

وتأملوا، أيها الإخوة، عشرون ألفا من ثقيف وهوازن بأسلحتهم ونبالهم وسهامهم ورجالهم، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته يقول: إلي عباد الله، أنا رسول الله.

يقولها أيها الإخوة وهو يعلم أنه قد يسمعه أحد ويرميه بسهم، لكنها الثقة بالله عز وجل وكمال توكله عليه.

ثم طلب من العباس -وكان جهوري الصوت- قال: يا عباس، ناد يا أهل السمرة! -وهي الشجرة التي بايع الصحابة فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}.(2)

فنادى فيهم العباس رضي الله عنه وقال: يا أصحاب السمرة!
وقيل إنه قال: يا أهل سورة البقرة!
وقيل إنه قال: يا معشر الأنصار!

فانعطفوا إليه كما تعطف الناقة على فصيلها.

هنا استفاقوا.. -أحيانا تكون الصدمة في بداية الأمر، لكن إذا ذكر المؤمن ذكر-.. فعادوا، واجتمعوا حول النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا قريبا من المائة، فذاذوا عنه، وقاتلوا قتالا لم يشهد مثله، وحملوا حملة رجل واحد حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفع بغلته إلى الأمام ويقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.(3)

أليس هذا هو الصدق؟ أليس هذا هو التوكل على الله عز وجل؟ في مثل هذا.. حين تزل القلوب وتنخلع الأرواح.. يركل بغلته حتى إن العباس ليمسكها لا تتقدم، وكانوا يحتمون به صلوات الله وسلامه عليه.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم أنجز لي ما وعدتني. وكان بجانبه عبد الله بن مسعود فقال: يا عبد الله، ناولني حفنة من تراب. فأعطاه فرمى بها النبي صلى الله عليه وسلم وجوه المشركين، وقال: شاهت الوجوه. عند ذلك انهزم المشركون، وتركوا كل ما لهم من نساء وأموال ومتاع.،(4) وأنزل الله ملائكته، {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم}(5)

وانهزم الكفار هزيمة منكرة، وغنم المسلمون نساءهم وذراريهم وأنعامهم، وفروا إلى الطائف ليتحصنوا بها.

لما انهزموا، وكان على رأسهم مالك بن عوف النصري -كما سبق معنا- سارت فرقة منهم إلى مكان يقال له أوطاس، فارسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه، وهم عم أبي موسى..

وذكر أبو موسى هذا الحديث(6) فقال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة -فارس العرب المشهور- وقد كان كبيرا في السن طاعنا، فقتله وهزم الله أصحابه.. قال أبو موسى رضي الله عنه: وبعثني مع أبي عامر -أي النبي صلى الله عليه وسلم- فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من جشم بسهم، فثبت السهم في ركبته رضي الله عنه.. يقول أبو موسى: فانتهيت إليه فقلت: يا عم من رماك؟ فأشار إلى رجل وقال: ذاك. قال أبو موسى: فتبعته فهرب، فقلت: ألست عربيا!؟ ألا تستحي أن تفر!؟ ألا تثبت!؟ فعاد الرجل، قال أبو موسى: فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت له: إن الله قد قتل صاحبك، فقال أبو عامر: فانزع هذا السهم، -الذي كان قد أصاب ركبته- قال: فنزعته، فنزا منه الماء -خرج الماء- قال: يا ابن أخي..

--------
(1) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/ 443.
(2) سورة الفتح، الآية 18.
(3) البخاري 4317، ومسلم 1776.
(4) صحيح مسلم 1777.
(5) سورة التوبة، الآيتان 26- 27.
(6) صحيح البخاري، 4068.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_العشرون_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 220
غزوة حنين 3
الشيخ صالح الخليفة


لا إله إلا الله أيها الإخوة، الصحابي أبو عامر رأى الموت، وعلم أنه في آخر لحظات حياته.. وتعلمون حين يقبل الموت ينشغل الإنسان عن كل شيء..

أبو عامر قال لأبي موسى لما علم أنه ميت: يا أبا موسى انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام.. -هكذا كانوا يحبونه صلوات الله وسلامه عليه-.. وقل له: يقول لك أبو عامر استغفر لي.. هذا كان همه، وبهذا أراد أن يودع نبينا صلى الله عليه وسلم وأن يخرج من هذه الدنيا.

قال أبو موسى: واستعملني أبو عامر -جعله مكانه على الناس- ومكث يسيرا ثم إنه مات. فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه وهو في بيت على سرير مرمل..(1)

وهذا أيها الإخوة شيء عظيم يظهر لنا قيمة الدنيا عند الله عز وجل، فإن خير خلق الله على هذا السرير المرمل - وهو ما كان تحته رمل والفراش فوقه- وقد أثر رمال السرير بظهر رسولنا وجنبيه صلوات الله وسلامه عليه.. لا إله إلا الله. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا.

نقف على هذا أيها الإخوة ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

------------
(1) صحيح البخاري، 4068.

#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_العشرون_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز