((صِبْغَةَ اللَّهِ ً ))
33.9K subscribers
18.8K photos
3.95K videos
3.09K files
13.4K links

نستقبل مشاركاتكم وملاحظاتكم وأسالتكم على البوت التالي ⬇️
@Sbqat23_bot
Download Telegram
السيرة النبوية 214
فتح مكة 4
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الدرس الرابع عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.

حاولت قريش أن تجمع أحلافها للقتال.. لم تكن تريد من وراء ذلك إلا حماية نفسها أو أن تصالح إذا قبل النبي صلى الله عليه وسلم صلحا.. لكنهم لم يشكوا أنهم لا يستطيعون الوقوف أمام هذا الجيش العظيم.

فجمع عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية بعض شباب قريش وغيرهم من الأحلاف، ثم ذهبوا إلى مكان كان في طريق المسلمين، في طريق خالد يسمى الخندمة، وواجهوا خالد بن الوليد.. وهنا لم يقتل من جيش المسلمين إلا اثنان خرجا عن أمر خالد، فذهبا لوحدهما، فقتلهما المشركون..(1) أما البقية فقد قتل خالد منهم قرابة الثمانية أو التسعة ثم انفضوا مباشرة..

ومن الطرائف هنا أن رجلا من المشركين اسمه حماس بن قيس أخو بني بكر، كان قد اشترى سلاحا يعده ويصلحه كل يوم.. فسألته زوجته: لمن هذا؟ قال: لمحمد وأصحابه. قالت: وهل لأحد بهم قبل؟ -هل يستطيع أحد؟- قال: يا هذه، إني لأرجو أن أخدمك بعضهم. -ليس فقط أن ينتصر؛ وإنما أن يأتي ببعض أصحاب محمد فيكونوا خدما لزوجته-.. ثم كان مع الذين ذهبوا إلى الخندمة مع عكرمة ومع صفوان، وقدر الله أن لا يواجهوا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه سيف الله.. وكان قد قال لزوجته:
إن يقبلوا اليوم فما لي علة
هذا سلاح كامل وألة
وذو غرارين سريع السلة

فالرجل قد استعد ويطمح أن يأتيها بعشرة أو بخمسة يخدمونها.. ثم شهد الخندمة، فقتل -كما قلنا- من المشركين ثمانية، وقيل ثلاثة عشر.. ولم يلبثوا أمام المسلمين طويلا حتى فر حماس هذا منهزما حتى دخل بيته وهو يلهث، وقال لزوجته: أغلقي الباب.. أغلقي الباب..فقامت زوجته فأغلقت الباب، ثم قالت له -تمزح-: أين الذين وعدتني أن تخدمني إياهم؟ فقال لها:
إنك لو شهدت يوم الخندمة
إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالمؤتمة
واستقبلهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا يسمع إلا غمغمة
لهم لهيب خلفنا وهمهمة
لم تعط في اللوم أدنى كلمة (2)

هذا حال واحد ممن كان يظن أنه سيواجه هذا الجيش العظيم، وكانت زوجته أعلم وأعقل.

دخل نبينا صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهو مطرق برأسه أيها الإخوة، متواضعا خاضعا معترفا لله بالفضل والمنة، حين ملكهم الله الأرض وكانوا فيها قبل سنوات خائفين غريبين والملك لغيرهم، حتى كادت لحيته تلامس رحله.. وكان يلبس عمامة سوداء صلوات ربي وسلامه عليه..(3)

ودخل جيش المسلمين في مكة فانتشروا، ودخل خالد من كدي، ونبينا صلى الله عليه وسلم من كداء.. فخرجن بعض المشركات يضربن الخيول بمروطهن، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي بكر: ماذا قال حسان يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر ما ذكره حسان:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء (4)

فتبسم صلى الله عليه وسلم.. ثم بعد ذلك وصل إلى الكعبة، فطاف بها، وكان حولها ثلاثمائة وستون صنما تعبد من دون الله، فكان صلى الله عليه وسلم يضربها بعصاه، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. (4)

---------------
(1) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/408.
(2) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/409.
(3) صحيح مسلم، 1358.
(4) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/424.
(5) صحيح البخاري، 4720.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الرابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 214
فتح مكة 4
الشيخ صالح الخليفة


طاف بالبيت، ثم دخل الكعبة ودخل معه أسامة وبلال، فصلى ركعتين، ثم دار فيها وكبر صلوات الله وسلامه عليه.. ثم رأى ما وضع فيها من الصور لإبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فقال صلى الله عليه وسلم: لعنهم الله، والله ما كانا يستقسمان بالأزلام.. ثم طمسها صلوات الله وسلامه عليه. (1)

خرج عند باب الكعبة فإذا كل قريش قد اجتمعوا في المسجد ينتظرون أمره فيهم، فقال صلوات الله وسلامه عليه: يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، الناس لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. (2)

هذه القواعد، هذه الأسس التي جاء بها الإسلام؛ لا فضل بحسب ولا بمال ولا بنسب ولا بمعرفة ولا بسلطة، الناس جميعا عند الله سواء، أبوهم آدم وأمهم حواء. لا يتفاضل أحد على أحد بنسب ولا بمال ولا بشيء إلا بتقوى الله؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم. {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. (3)

دخل معه الكعبة أسامة مولاه، وبلال مولى أبي بكر،(4) حين كان الواحد منهم لا يستطيع أن يرفع بصره إلى سيده، الآن هما اللذان دخلا إلى الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟

وهذا جاء في خبر مشهور، وإن فيه ضعف حديثيا، لكنه مما اشتهر في كتب السير وفي غيرها، وهذا ما يعتقد فيه صلى الله عليه وسلم من عفوه ورحمته ورأفته بالمؤمنين وبالناس أجمعين، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، -نظن خيرا- أخ كريم وابن أخ كريم. فقال صلوات الله وسلامه عليه: اذهبوا فأنتم الطلقاء. (5)

اذهبوا فأنتم، يا من عذبتمونا وآذيتمونا وامتحنتمونا في ديننا وأخرجتمونا من أرضنا وحصرتمونا في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، حين تواطأتم على الكفر وعلى ظلمنا، حين عذب أصحابي حين قتل أصحابي حين جوع أصحابي.. يقول هذا والصحابة الذين معه يرون مواطن التعذيب والبلاء في الله، يرون كيف كانوا وكيف صاروا، يرون هؤلاء الذين كانوا يمشون في شوارع مكة متكبرين متغطرسين مستهزئين بدين الله وبنبينا صلى الله عليه وسلم وبأصحابه، فزادهم صلوات الله وسلامه عليه بأخلاقه وحلمه حلما وخلقا، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

هذا هو الموطن، أيها الإخوة، الذي يستطيع المرء أن يقول إنه انتصر على نفسه، حين يظلم ثم يظلم ثم يظلم، فيكون قادرا على أخذ حقه، فيعفو لله. {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. (6)

نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

-------------
(1) صحيح البخاري، 1601.
(2) صحيح الترمذي، 3270.
(3) سورة الحجرات، الآية 13.
(4) صحيح البخاري، 2988.
(5) ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1163).
(6) سورة الشورى، الآية 43.


#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الرابعة_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز