قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي
47.6K subscribers
618 photos
22 videos
151 files
612 links
القناة الرئيسية:
t.me/alkulife
قناة الدروس العلمية:
t.me/doros_alkulify

أسئلة عامة مع عبد الله الخليفي:
t.me/swteat_k
صوتيات الخليفي:
t.me/swteat_alkulife

تعزيز القناة : https://t.me/alkulife?boost
Download Telegram
حوار الطرشان

المثقفون الذين لا يحسبون على ( الإسلاميين ) والذين يكتبون في الجرائد والمجلات ويخرجون في القنوات تتبعتهم كثيراً وانتهيت إلى أنهم على ضربين

ضرب معلن بالولاء للتوجهات العالمانية ثم هؤلاء في توحشهم واعتدالهم طرائق قدداً

وضرب يظهر الحياد التام فهو ينتقد الجميع وكل طرف يحسبه على الطرف الآخر وأنه يستخفي وهو يرد على هؤلاء وهؤلاء وهذا الضرب تجد جزءاً كبيراً من نتاجه في دفع الاتهامات الموجهة له من الأطراف المتصارعة

ثم إن هذين الضربين لهما منهجيتان في نشر الأفكار سواء كان هذا النشر في مواقع التواصل أو في الصحف أو في خلال برنامج تلفزيوني

المنهجية الأولى : التعليق على الأحداث ومن خلال هذا التعليق يوجه نقده للخصوم الفكريين ، وهذه من أفضل الوسائل لاصطياد ( الزبائن ) فالناس يهمهم التعليق على الأحداث ولكن عيب هذه الطريقة أن الحدث قد يغطي مساحة كبيرة تختفي معها الفكرة التي تريد إيصالها

ولهذا تجد الكثيرين غاية ما يفوز به في التعليق عل الأحداث بيان تناقض الخصوم ولكن هذا لا يعني أن قولك هو الصواب حتى تقيم عليه أدلة مستقلة ، ثم يدخل في هذا الاختزال وظلم الخصوم والإسفاف الفكري والبحث بالمقلوب الشيء الكثير ، وأعني بالبحث بالمقلوب أن كل طرف يعلق على الحدث من خلال مرجعيته الفكرية التي لم يثبت صوابها أصلاً وينعى على خصومه أنهم لا يوافقونه هذا !

ويستدل بأدلة لا يسلم له خصمه مرجعيتها أو دلالتها على المقصود كأن يقول أحدهم : ( نحن في عام 2020 وأنتم لا زلتم تتكلمون في التعدد ) ! هذه الكلمة تستبطن مجموعة من المعاني الفلسفية الحداثية التي تحتاج إلى إثبات فهي تتضمن المادية ثم الداروينية وأن العقل يتطور بشكل مستمر ثم اعتبار الغرب النموذج الأسمى الذي ينبغي الاقتداء به والحداثة توصل ضرورة إلى ما بعد الحداثة ( لا يوجد حقيقة مطلقة ) مما يجعل مثل هذا الاستنكار لا معنى له ! وكل واحدة مما سبق تحتاج براهين خاصة يسلم بها الخصم

المنهجية الثانية : مناقشة الأفكار والعقائد

غير أن المشكلة السائدة في عموم الكتابات التي رأيتها إلا قلة التحاكم إلى مسلمات لا يقر بها الطرف الآخر كالعادة ، فمثلاً يفترضون أن الدين شيء منفصل عن السياسة ، ويفترضون أن الحركات الإسلامية ينبغي أن تقيم من خلال أثرها السياسي فحسب

وإذا قالوا ( تطوير الفكر ) فهم يعنون المزيد من الاستسلام لقيم الحداثة وهذا ما لا يرفض على أي حركة تحاول التغيير في الدنيا وهي أن تكون أكثر استسلاماً للواقع ! فكيف يجتمع الاستسلام للواقع مع كون لب المشروع يستبطن التغيير ! ولكن الفكرة عند كثيرين أن هذا الاستسلام هو جزئي يجعل الحلول أكثر واقعية غير أن الخضوع للمنظومة الحداثية يخالف أصل اعتقاد صحة الدين وهناك خلاف جذري في المقاصد مما يجعل عملية التلفيق عملية مستحيلة ووجود حلول واقعية من عدمه ينبغي أن يكون مبنياً على فهمك لمعنى ( النجاح ) عند الإسلامي ومنظومة أهدافه ففي مقابل منظومة نقيضة لا يملك المرء إلا أن يجعل التغيير الجزئي طريقاً للتغيير الجذري وبه يتسلى عن عدم بلوغ الهدف الأكبر هذي هي حدود الواقعية المتاحة وهذا لا يرضي الكتاب الذين نحن بصدد الحديث عنهم

ومن الملاحظ على كثير منهم ضعف الإطلاع على التراث الذي يعتبره الخصوم من الإسلاميين مرجعاً لهم وقد يكون لهم بعض العذر في ذلك لضخامة التراث الإسلامي ولكن ينبغي أن ينظروا في عيون الكتب على الأقل

ويظن كثير منهم أنه إذا جاء ببعض أقوال مرجوحة لفقهاء أو ما يعده مثالب للسلف وطعن في بعض الثوابت أنه بهذه الطريقة يكون قد كسب المعركة أو سجل نقاطاً على الخصوم غير أن كثيراً منهم توقعه شهوة النقد بأخطاء علمية تجعل الخصوم يتسلطون عليه ويوسعون قاعدتهم الجماهيرية

ثم هو لا ينته إلى كونه يدعو لمنظومة ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي ينتقدها على المنظومة المقابلة أو ينبغي أن يدعو لمشروع واضح فكثير منهم طرحه ضبابي لا يوقف له على قرار ، ويحاول عدد منهم أن يسحق الشعور بالغائية في قلوب الناس سحقاً وكذلك يحاول مع الروحانية ولا يدري أنه داعية عدمية والحال هذه العدمية لا تبني شيئاً فواقع حالك أنك عدمي تحارب آثار العدمية في قلبك بالدعوة لها ومعارضة الخصوم ولو انقرضوا أو فقدت الشغف فستفكر بالانتحار أو تلجأ للأفكار التي كنت تراها ( دروشة )
غير أن الذي لا ينبغي أن ننكره أن هذه النوعية من الكتاب قد أثرت على العديد من الإسلاميين الذين انتموا لحركات عندها درجة من التأثر بالحداثة أو دعوة للتعامل مع التراث بانتقاء ما يناسب المعركة المعاصرة واطراح ما سواه ووصل بعضهم إلى مرحلة من ( الواقعية ) فيما يرى يدعو فيها للخضوع للنظام العالمي وأدواته ولكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يفهم أن وجود أنظمة دكتتاورية في المنطقة هذا من ضمن النظام العالمي وأنك إذا طردت ( واقعيتك ) ستتخلى عن ( حقوقيتك ) !

العيوب التي ذكرتها في كتابات هؤلاء هي التي تجعلني أندم في كل مرة أحاول أن أرى ما جديدهم فهم أكثر جموداً من الإسلاميين الذين ينتقدونهم وتأثيرهم على بعضهم إنما يأتي في أوقات الصدمات فيما بعد الأحداث السياسية الجارفة والتي تصادف قلة من العلم أو التقى

وأما ما يسمى ب( التيارات الإسلامية ) فهذه أنجع نقد لها هو الإرجاع للمرجعية التي يقولون باعتمادها ووجود مراجعات داخلية جادة ، وأرى أن أكثر ما يمنع من ذلك اعتبار كل نقد هو من جنس نقد العالمانيين والتأثر بهم في اعتبار الحديث من كتب التراث ضرباً من ( الدروشة ) التي لا وقت لها

مع حضور أفكار كثيرة تحتاج إلى مراجعة حقيقية مثل فكرة ( حتمية تأثير النظام ) والتي تقضي بأن النظام العام هو العامل الوحيد المؤثر في حياة الناس وأن كل ما سواه ضعيف أو هباء _ وهذا أحدث ضعفاً كبيراً في مشاهدة العيوب المجتمعية ومعالجتها وأحدث داء السلبية بحجة فساد السلطة وأدى ذلك إلى الاستهانة بالكثير من الجهود التي لها تأثير في الواقع ولكن ما دام الأثر ليس سلطوياً شاملاً فنحن لا نراه شيئا_ وأيضاً فكرة النظرة لأي منظومة أبوية ( هرمية ) على أنها إما أن يكون رأسها خليفة راشد أو يعتبر شيطاناً رجيماً ولا حل وسط في الأمر وإذا أردت شرح الأمر من السنة والآثار ظنوك تؤيد الاستبداد ! وليس الأمر كذلك وإنما البحث في الترجيح بين المصالح والمفاسد وفقاً للشريعة فأكثر ما يتكلم الناس في المصالح والمفاسد يرونها على أنها كيان مستقل تعارض به الشريعة في بعض الأماكن والواقع أن الترجيح بين المصالح والمفاسد يؤخذ من الشريعة بصورة أصلية فهي فرع عن الشريعة وليست منظومة مقابلة ومهما حاولت أن تشرح لهم ألا تتكلم عن الأنظمة العالمانية وإنما يجوز أن يوجد منظومة إسلامية تعرف وتنكر في الرأس منها وتبقى هذه المنظومة لأن في بقائها الخير الراجح تجدهم هذه الفكرة أجنبية بالنسبة لهم ومن هاهنا دخل إلى بعض التيارات ( النسوية الإسلامية ) فالقوامة في النهاية منظومة أبوية إما أن تأتي بالخير كله _ إلا شيئاً يسيرا_ وإما لا خير فيها على قواعدهم

وأيضاً فكرة ( المفاضلة بين ما لا يتفاضل ) فإما الرد على الإلحاد وإما الرد على الفرق المنحرفة إما معاملة المنحرف بالبراءة المطلقةً وإما التميع معه والسكوت على مخالفاته ، إما الكلام عن قضايا الأمة وإما تعليم الناس أمور دينهم ، إما النزول للعامة حتى يفقد العالم رونقه وإما الاحتباس في برج النخبوية وهذه المفاضلات أوجبت فرقة كبيرة وفقدان الكثير من جهود الأذكياء وحرمتنا من كثير من علوم السلف فحتى المخالفات التي انقرضت تعاملهم معها يصلح أن يصير أصلاً مقيساً عليه

وأيضاً فكرة ( الجماهيرية ) وهو أن الإنسان دائماً يتكلم عن ( آلام الجماهير ) و ( هموم الجماهير ) والطغاة الذين يسحقون الجماهير دون النظر الجاد إلى عيوب الجماهير أيضاً وكم من داعية دخلت عليه قيم حداثية من محاباة الجماهير وكانت عليه عصية

وأيضاً ذم ( الطغاة ) و ( الاستبداد ) والتركيز على ذلك مما فتح مجالاً للعالمانية الناعمة أن تدخل من الباب الخلفي إذ لا استبداد فيها ولا ( طغيان ) في مفهوم الناس ولكن فيها حرية تسوي بين الحق والباطل ولا تأخذ الحقوق بحزم ونهايتها لظلم ناعم منظم ، وهذا الخطاب هو السبب في تحول كثير من الشباب الذين ألفوه إلى الحقوقية المحضة مؤخراً وإنما كان ينبغي ذم خلاف الكتاب والسنة وبيان أن الإفراط والتفريط كلاهما مذموم والميزان الوحي

ولو شئت لذكرت الآثار السلفية في كل ما مضى ولكن القوم يروننا دراويش ! فأردنا نخاطبهم بالجرائدية التي يفهمونها حتى ينسبوننا للعي أو الجهل على عادتهم في الاستعلاء الفارغ وما أقبح العائل المستكبر
سطح ثم ميع

يعاتبني كثيرون في مذهبي في موضوع أهل الرأي ويلحون كثيراً في ترك الحديث في هذا الأمر وإنني لأكاد أركن إليهم حتى أجد في ثنايا كلامهم تسطيحاً عظيماً للبحث وسوء ظن بالسلف الذين نميل لمقالتهم

ثم أرى لهم النشاط نفسه في التعامل من يتكلم في هذه المسألة بغير قولنا وإذا جئنا نرد عليه وننتصر لقولنا ظهروا فجأة وقالوا : متى نترك هذه الأبحاث ؟ وهذا يشعرني بعدم مصداقية في النصح خصوصاً وأنهم يرون سباً وتجديعاً من المخالفين الذين لا يفهمون البحث وإنما يقلدون السائد

ثم هم يسكتون على ذلك ثم إذا ظهر بعض الناس يواجهون الشدة بشدة صار التباكي يملأ الدنيا

ومنهجية التسطيح ثم الاعتذار ثم الدعوة للاجتماع والتسامح منهجية سائدة في هذا العصر سواء في الخلاف مع الإمامية أو الفرق الكلامية وأخيراً الباب الشائك وحقل الألغام الخلاف مع أهل الرأي

فدائماً هناك منطقة محظورة يخشى من الدخول إليها لأنها قد تؤدي إلى نتائج ( غير إعذارية ) مما يعطل الرؤى الموجودة في خيالات الكثير من حملة دعاوى الإصلاح والواقع أن الإصلاح لا يبنى على فساد التسطيح والتسامح غير محل التسامح

اشتهر عند عدد لا بأس به من الباحثين تبرئة أهل الرأي من رد الأحاديث بل والقول أنهم يقدمون الخبر الضعيف على القياس وهذه الكلمة دائماً توضع في مقابل كلام من تكلم فيهم من السلف خصوصاً وأن المتكلم بهذه الكلمة علماء أجلاء محل اتفاق عند الجميع ولكن الاتفاق على فضيلة العالم لا تعني التسليم بكل ما يقول خصوصاً مع وجود من يخالفه

يستدل القائلون بهذا بأن أهل الرأي اشتهر عنهم القول بنقض الوضوء من القهقهة وقولهم بجواز الوضوء من النبيذ واعتمدوا في كل ذلك على أحاديث ضعيفة ولا يخفى كون هذه الأحكام على خلاف القياس فالمرء لا ينتقض وضوءه من القذف مثلاً وبناء على كل ما سبق نسبة أهل الرأي إلى رد الأحاديث الصحيحة إذا خالفت القياس نسبة باطلة متحاملة

هذه هي الخلاصة المنتشرة بين كثير من طلبة العلم وقد كنت أتمنى لو كان هذا الكلام دقيقاً فإن المرء المسلم لا يفرح بزلل الناس ولا بعدهم عن السنة غير أنه ليس دقيقاً نهائياً

لقد كان في الكوفة فقهاء عاصروا إمام أهل الرأي مثل سفيان الثوري والحسن بن صالح وشريك بن عبد الله ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وكل واحد من هؤلاء له مذهب فقهي وأقوالهم منشورة في كتب الفقهاء إلى يومنا هذا حتى كتب أهل الرأي منها وفي الطبقة الأعلى منهم كان هناك فقهاء مثل حماد بن أبي سليمان والحكم بن عتيبة وحبيب بن أبي ثابت ومن الطبقة الأعلى منهم كان هناك الشعبي وإبراهيم النخعي وفي الطبقة الأعلى كان هناك أصحاب ابن مسعود وشريح القاضي وغيرهم

كل هؤلاء فقهاء من الكوفة لهم فتاوى في كل أبواب الفقه ولهم مخالفات للأحاديث على غير قصد منهم وإنما لكون الأحاديث لم تبلغهم سترى أن أهل الحديث يحترمون فقه هؤلاء جميعاً ويردون على زلتهم مع حفظ قدرهم بخلاف موقفهم من إمام أهل الرأي الذي شددوا عليه المقال فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أنه جاء بشيء زائد وما كان أئمة السلف سفهاء حتى يذموا رجلاً ويشددوا عليه الذم وهو وقع فيما وقع فيه معظمون كبار

الأمر الذي لا تخلو منه مدونة أصولية ذكر قواعد أهل الرأي التي خالفهم فيها الجمهور والتي من أجلها ردوا الكثير من الأخبار الصحيحة مثل اعتبار الزيادة نسخ والسنة لا تنسخ القرآن وبالتالي إذا جاء الحكم في القرآن تفصيلياً وزادت عليه السنة فإنهم لا يقبلون ولهذا ردوا التغريب تغريب الزاني ولكنهم يقبلون التخصيص لهذا قبلوا الرجم المتواتر

ومثل أصلهم في أن خبر الواحد ( وليس الآحاد فبينهما فرق ) لا يقبل فيما تعم به البلوى وأن خبر الواحد لا يقبل إذا خالف قياس الأصول وخبر الواحد لا يقبل في الحدود حتى يعضده عاضد من إجماع الصحابة مثلاً أو قرائن هنا وهناك ومثل تفاصيلهم في رواية الفقيه وغير الفقيه

وإذا رجعت لعموم المدونات الأصولية التي على غير مذهب أهل الرأي لوجدتهم يردون على أهل الرأي ويلزمونهم التناقض فمثلاً في ردهم التغريب يلزمونهم بقولهم بالوضوء من النبيذ وأنه زيادة على ذكر التراب والماء في القرآن ويلزمونهم فيما تعم به البلوى بأنهم قالوا بوجوب الوتر وهذا تعم به البلوى بخبر واحد وفي الحدود يلزمونهم بأنهم قالوا بقتل الكافر بالمسلم بخبر واحد معارض بما هو أقوى منه وهكذا

=
=

قال الطوفي في شرح مختصر الروضة : وأما بحسب العلمية، فهو في عرف السلف علم على أهل العراق، وهم أهل الكوفة، أبو حنيفة ومن تابعه منهم، وإنما سمي هؤلاء أهل الرأي، لأنهم تركوا كثيرا من الأحاديث إلى الرأي والقياس ; إما لعدم بلوغهم إياه، أو لكونه على خلاف الكتاب، أو لكونه رواية غير فقيه، أو قد أنكره راوي الأصل، أو لكونه خبر واحد فيما تعم به البلوى، أو لكونه واردا في الحدود والكفارات على أصلهم في ذلك، وبمقتضى هذه القواعد لزمهم ترك العمل بأحاديث كثيرة حتى خرج أحمد - رحمه الله تعالى - فيما ذكره الخلال في «جامعه» نحو مائة أو خمسمائة حديث صحاح خالفها أبو حنيفة، وبالغ بعضهم في التشنيع عليه حتى صنف كتابا في الخلاف بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي حنيفة، وكثر عليه الطعن من أئمة السلف حتى بلغوا فيه مبلغا ولا تطيب النفس بذكره.

ثم تكلم الطوفي بكلام فيه استهزاء بالسلف الذين تكلموا فيه وزعم رجوع أحمد عن الكلام فيه بناء على رواية لا إسناد لها وسبحان الله يقبلها الذين يشككون في كتاب السنة لعبد الله وفي كتاب الرد على الزنادقة ويطعنون في عشرات الآثار في ثلب إمام أهل الرأي ولو كانت الرواية حقاً لرأيناً ولو حديثاً واحداً في المسند من طريق أبي يوسف أو الشيباني وقد سمعهما أحمد ولكنه كان يتجلد في ترك الرواية عنهما

والخلاصة أن الدفاع المشهور عند الناس هو مأخذ تناقض عند خصومهم وصاحب كل باطل يتناقض والفضل بعد الله في كشف تناقضات القوم يعود للإمام الشافعي فهو أول من جرد لهم النظر ومتابعة تناقضاتهم ونقض أصولهم حتى سمي ( ناصر السنة )

قال ابن الجوزي في المنتظم : قوم طعنوا فِيهِ لميله إِلَى الرأي المخالف للحديث الصحيح، وقد كان بعض الناس يقيم عذره ويقول: مَا بلغه الحديث، وذلك ليس بشيء لوجهين:

أحدهما: أنه لا يجوز أن يفتي من يخفى عليه أكثر الأحاديث الصحيحة.

والثاني: أنه كَانَ إذا أخبر بالأحاديث المخالفة لقوله لم يرجع عَنْ قوله.

ثم قال : قَالَ بعض العلماء: العجب من أبي حنيفة، كيف يقول: وهل الدين إلا الرأي، وهل يعلم أن كثيرا من التكاليف لا يهتدي إليها القياس، ولهذا يأخذ هو بالحديث الضعيف ويترك القياس.

وهذا التناقض كان الشافعي يعبر عنه بطريقة تهكمية حيث يقول فيما روى ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه ثنا أحمد بن سنان الواسطي، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: «ما أشبه رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحارة، تمده هكذا فيجيء أصفر، وتمده هكذا فيجيء أخضر»
أخبرنا عبد الرحمن، ثنا أحمد بن سنان مرة أخرى، قال: سمعت الشافعي يقول: «ما أشبه أصحاب الرأي إلا بخيط سحارة، تمده هكذا فيجيء أصفر، وتمده هكذا فيجيء أخضر»

وأحمد بن سنان الواسطي ثقة حافظ فالسند صحيح غاية

=
=

وهذا ابن القيم الذي ينقل عنه بعضهم عقد فصلاً في بدائع الفوائد في تناقضات القوم فتجده يقول : من العجب إنكارُ كونِ القرْعة طريقًا لإثبات الأحكام، مع ورود السُّنَّة بها، وإثباتُ حِلِّ الوطء بشهادة شاهدي زُور، يعلمُ الزوج الثاني أنهما شاهدا زُور، ومع هذا فيثبت الحِلُّ له بشهادتهما، فمن يقولُ هذا في باب حِلِّ الأبْضاع والفروج كيف يمنعُ القرْعَةَ؟ !
ومن العجب قولهم: إذا مَنَعَ الذِّمِّيُ دينارًا من الجِزيَةِ انتقضَ عهدُه، ولو جاهرَ بسبِّ الله ورسوله ودينه، أو حَرَقَ بيوتَ الله لم ينتقضْ عهدُه! .
ومن العجب: إباحتُهم القرآنَ بالعجميَّة، ومنعُ رواية الحديثِ بالمعنى! .
ومن العجب قولُهم: الإيمانُ نفسُ التَّصديق وهو لا يتفاضلُ، والأعمالُ ليست منه، وتكفيرُهم من يقول: مُسَيْجِد وفُقَيِّه، ومن يلتدُّ بالسَّماع، ويصلِّي بلا وضوء، ونحو ذلك.
ومن العجب: إسقاطُهم الحَدَّ عمن استأجرَ امرأةً لرَضاع ولده فَزَنا بها، أو استأجرها لِيَزْنِيَ بها، وإيجابُهم الحَدَّ على مَنْ وطِئَ امرأةً في الظُّلْمة يظنُّها امرأتَه، فبانت أجنبيةً.
ومن العجب: تشدُّدهم في المياه أعظمَ التَّشديد حتى يُنَجِّسوا القناطيرَ المقنطرةَ من الماء بمثل رأس الإبرة من البول، ويُجَوِّزون الصلاة في ثوب رُبُعه متضمِّخ بالنَّجاسة.
ومن العجب: منعهم إلحاق النَّسَب بالقيافة التي هي من أظهر الأَدِلَّة، وقد اعتبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعمل بها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ، وإلحاقهم: النَّسَبَ برجل تزوَّج امرأة بأقصى المشرق وهو بأقصى المغرب، وبينهما ما لا يقطعه البَشَرُ، أو قال: تزوجت فلانة وهي طالِقٌ ثلاثًا عقِبَ القبول ثم جاءت بولدٍ فقالتْ: هو منه.
ومن العجب: إلحاقُهم الولد في هذه الصُّورة، وزعمُهم أن الرجل إذا كانت له سُرِّيَّةٌ وهو يطأُها دائمًا فأتت بولد على فراشه لم يَلْحَقْهُ إلا أن يستلحِقَهُ.
ومن العجب: أنهم يقولون : إذا شهد عليه أربعة بالزنا، فقال: صَدَقوا في شهادتهم وقد فعلتُ، سَقَط عنه الحدُّ، وإن اتَّهمهم وقال: كذبوا عَلّيَّ، حُدَّ.
ومن العجب قولهم: لا يصِحُّ استئجارُ دارٍ لتُجْعَلَ مسجدًا يُصَلِّي فيه المسلمونَ، ويصِحُّ استئجارها كنيسةً يُعبدُ فيها الصليبُ، وبيتًا تُعبدُ فيه النار.
ومن العجب قولهم: إنه إذا قهقَهُ في صلاته انتقضَ وضوؤُه، ولو غنَّى في صلاته، وَقَذَفَ المحصَنَاتِ، وأتى بأقبح السَّبِّ والفُحش؛ فوضوؤه بحاله لم يَنْتَقِضْ.
ومن العجب قولهم: إذا وقع في البئرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَ منها أدْلَاءٌ معيَّنة، فإذا حصل الدَّلْوُ الأوَّلُ فى البئر تنجَّس وغرف الماء نجسًا، فما أصاب حيطانَ البئر منه نَجَّسَها، وكذلك ما بعدَهُ من الدِّلاء إلا الدَّلْو الأخير فإنه ينزلُ نَجِسًا ثم يصعدُ طاهرًا يقشقِشُ النَّجَاسَةَ من البئرِ! !
قال الجاحظ : ما يكون أكرمَ أو أعقلَ من هذا الدَّلو.
[ومن العجب قولُهم: لو حَلَفَ لا يأكلُ فاكهةً حَنَثَ بأكلِ الجَوْزِ، ولو كان يابسًا منذُ سنين، ولا يحنَثُ بأكلِ الرُّطَبِ والعِنَب والرُمَّان .
وأعجب من ذلك: تعليلُهم بأن هذه الثلاثة خيارُ الفاكهة، فلا تدخلُ في الاسم المطلق، ذكرَ الحكمَ والدليلَ [الإسبِيْجَابي] في "شرح الطَّحَاوي"
ومن العجب قولهم: لو حَلَفَ لا يشرَبُ من النيل أو الفرات أو دجْلَةَ، فشرب بكفِّه لم يحنث، ولا يحنثُ حتى ينكَبَّ ويكرَعَ بفيه مثلَ البهائم"

قال محقق بدائع الفوائد علي العمران : هذه العجائب ذكرها ابن القيم في "إعلام الموقعين": (3/ 326 - 328) بنحوها، عند كلامه على الحِيَل وإبطالها، وأكثر هذه الأقوال قال بها فقهاء الحنفي.

وعلى ذكر إعلام الموقعين أنا أتعجب ممن يقرأ هذا الكتاب ولا يفهم حقيقة الخلاف مع أهل الرأي بل يذهب فقط ينقل عبارة أن الحنفية يقدمون الحديث الضعيف على القياس فهذا الكتاب جزء كبير منه جداً في نقض أصول أهل الرأي حتى عقد فصلاً في أن الأحكام لا تخالف القياس

وبين تناقضهم الذي يستخدمه البعض في الدفاع عنهم وإنكار ما اتفق عليه عموم الناس من كون القوم على أصول خاصة فاسدة عند أهل الحديث فتجده يقول : قال الإمام أحمد: إنما القياس أن تقيس على أصل، فأما أن تجيء إلى الأصل فتهدمه، ثم تقيس، فعلى أي شيء تقيس؟ وقد تقدم بيان موافقة حديث المصراة للقياس، وإبطال قول من زعم أنه خلاف القياس، وأنه ليس في الشريعة حكم يخالف القياس الصحيح، وأما القياس الباطل فالشريعة كلها مخالفة له، ويا لله العجب، كيف وافق الوضوء بالنبيذ المشتد للأصول حتى قبل وخالف خبر المصراة للأصول حتى رد.

فواضح هنا ابن القيم بين تناقض من ؟

=
=

وتجده في مكان آخر يرد عليهم في قولهم أن الزيادة نسخ : فالجواب من وجوه؛ أحدها: أنكم أول من نقض هذا الأصل الذي أصلتموه، فإنكم قبلتم خبر الوضوء بنبيذ التمر وهو زائد على ما في كتاب الله مغير لحكمه؛ فإن الله سبحانه جعل حكم عادم الماء التيمم، والخبر يقتضي أن يكون حكمه الوضوء بالنبيذ؛ فهذه الزيادة بهذا الخبر الذي لا يثبت رافعة لحكم شرعي غير مقارنة له ولا مقاومة بوجه، وقبلتم خبر الأمر بالوتر مع رفعه لحكم شرعي، وهو اعتقاد كون الصلوات الخمس هي جميع الواجب ورفع التأثيم بالاقتصار عليها وإجزاء الإتيان في التعبد بفريضة الصلاة، والذي قال هذه الزيادة هو الذي قال سائر الأحاديث الزائدة على ما في القرآن

وقد سرد ابن القيم أمثلة رد أهل الرأي للأحاديث ورد عليها واحداً واحداً في إعلام الموقعين بما لا مزيد عليه وجعل هذا نظيراً لصنيع الجهمية فتجده مثلاً يقول : المثال الثامن عشر:
رد المحكم الصريح في اشتراط النية لعبادة الوضوء والغسل

ثم يقول بعد أن يرد عليهم في مثال آخر : المثال الحادي والعشرون: رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في العرايا بالمتشابه. وهكذا أخذ يسرد حتى جعلها أمثلة كثيرة جداً انتصار فيها للسنة انتصاراً لا مزيد عليه فيأتي المعاصر ويترك كل هذا ويتشبث بكلمة نقلها ابن القيم في أول الكتاب من الإحكام لابن حزم وهذه عادة فيهم يقرأ الكتاب الضخم فيقتص اقتصاصاً يسيراً ويفشيه في الناس ويترك كل ما قد يوضح البحث أكثر إذا كان سيأتي بنتيجة مخالفة لما يريده

وفي إعلام الموقعين أيضاً :" وأحمد كان يدل على أهل المدينة ويدل على الشافعي ويدل على إسحاق ولا خلاف عنه في استفتاء هؤلاء، ولا خلاف عنه في أنه لا يستفتي أهل الرأي المخالفون لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبالله التوفيق"

وقال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى :" ولهذا قال يزيد بن هارون مما يعيب به أهل الرأي: أمر الله بالإشهاد في البيع دون النكاح؛ وهم أمروا به في النكاح دون البيع، وهو كما قال"

وقال أيضاً كما في الفتاوى الكبرى :" وتكلم علماء ذلك العصر مثل أيوب السختياني، وابن عون، والقاسم بن مخيمرة، والسفيانين، والحمادين، ومالك، والأوزاعي، ومن شاء الله من العلماء في الدين، وتوسعوا فيها من أهل الكوفة وغيرهم بكلام غليظ لا يقال مثله إلا عند ظهور بدعة لا تعرف دون من أفتى بما كان من الصحابة تفتي به، أو بحق منه ومعلوم أن هؤلاء، وأمثالهم هم سرج الإسلام، ومصابيح الهدى، وأعلام الدين، وهم كانوا أعلم أهل وقتهم، وأعلم ممن بعدهم بالسنة الماضية وأفقه في الدين، وأروع في المنطق، وقد كانوا يختلفون في مسائل الفقه، ويقولون باجتهاد الرأي، ولا ينكرون على من سلك هذه السبيل.
فلما اشتد نكيرهم على أهل الرأي الذي استحلوا به الحيل علم أنهم علموا أن هذه بدعة محدثة، وفي كلامهم دلالات على ذلك مثل وصفهم من كان يفتي بذلك بأنه يقلب الإسلام ظهرا لبطن، ويترك الإسلام أرق من الثوب السابري، وينقض الإسلام عروة عروة إلى أمثال هذه الكلمات، وكان أعظم ما أنكروا على المتوسع في الرأي مخالفة الأحاديث والإفتاء بالحيل، ومعلوم أن أحدا من أهل الفتوى لا يخالف حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمدا، وإنما يخالفه؛ لأنه لم يبلغه، أو لنسيانه إياه وذهوله عنه، أو لأنه لم يبلغه من وجه يثق به، أو لعدم تفطنه لوجه الدلالة منه، أو لقلة اعتنائه بمعرفته، أو لنوع تأويل يتأوله عليه، أو ظنه أنه منسوخ، ونحو ذلك، وما من الفقهاء أحد إلا وقد خفيت عليه بعض السنة، وإنما المنكر الذي لم يكن يعرف في الماضين الإفتاء بالحيل، وقد ذكر عن بعض أهل الرأي تصريح، أنه قال: ما نقموا علينا من أنا عمدنا إلى أشياء كان حراما عليهم فاحتلنا فيها حتى صارت حلالا"

والآثار التي ذكرها الشيخ تجدها في تاريخ بغداد في إمام أهل الرأي باسمه ولم ترد في أحد غيره فمن هنا يعلم أن كلام السلف ما كان عبثاً ولا كان تحاملاً ولا ظلماً ودفاعات بعض المتأخرين ضعيفة هم أنفسهم نقضوها في مكان آخر وعلماء أهل الحديث أعذر الناس إن كان هناك سبيل للعذر ولكنهم لا يعظمون الناس على الدين حتى يقيموا لهم عذراً في غير محل فدين الله فوق كل شيء وقد نبهت على أن أهل الرأي مع هذه الأصول الفاسدة قبلوا الكثير من الأحاديث الصحيحة التي يردها الحداثيون لأنه لا مجال لردها فعاد احتجاجهم بأهل الرأي حجة عليهم.
متى تسقط القوامة؟

كان قد أرسل لي أحد الأخوة قبل عامين أو ثلاثة مقطعاً لرجل على قناة روتانا ينسب للفقهاء أنهم يقولون بأن الرجل إذا لم ينفق على الزوجة تسقط قوامته

ويريد أنها تبقى زوجةً له ولكنها لا تطيعه في القرار في البيت بل تخرج وتكتسب.

ومثل هذا قد يستدل بما في كتب عدد من متأخري الشافعية والحنابلة كقول الشيرازي في المهذب: "وإن اختارت المقام بعد الإعسار لم يلزمها التمكين من الاستمتاع ولها أن تخرج من منزله لأن التمكين في مقابلة النفقة فلا يجب مع عدمها وإن اختارت المقام معه على الإعسار ثم عن لها أن تفسخ فلها أن تفسخ لأن النفقة يتجدد وجوبها في كل يوم فيتجدد حق الفسخ وإن تزوجت بفقير مع العلم بحاله ثم أعسر بالنفقة فلها أن تفسخ لأن حق الفسخ يتجدد بالإعسار بتجدد النفقة".

وكمثل قول ابن قدامة المقدسي في المغني: "(6478) فصل: إذا رضيت بالمقام مع ذلك، لم يلزمها التمكين من الاستمتاع؛ لأنه لم يسلم إليها عوضه، فلم يلزمها تسليمه، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع، لم يجب تسليمه إليه، وعليه تخلية سبيلها، لتكتسب لها، وتحصل ما تنفقه على نفسها؛ لأن في حبسها بغير نفقة إضرارا بها".

وقد فهم كثيرون من هذا الكلام أن الرجل إذا لم يوفر للمرأة ما تريد فلها الفسخ على كلام هؤلاء الفقهاء أو لها البقاء على ذمته ولكن تذهب لبيت أهلها أو لا تمكنه من نفسها أو حتى تكتسب.

واليوم نحن في زمان الهوس الاستهلاكي الرأسمالي كثير من التحسينات نزلت منزلة الضروريات، فصار العرف هو التبذير والله المستعان، وسأذكر من كلام هؤلاء الفقهاء المتأخرين أنفسهم بيان المقدار الذي معه عندهم يحق لها الفسخ أو عدم الطاعة ولا تكون ناشزاً.

جاء في المغني والكافي وغيرها من كتب الحنابلة: "ومن لم يجد إلا قوت يوم بيوم، فليس بمعسر بالنفقة؛ لأن هذا هو الواجب. وإن كان يجد في أول النهار ما يغديها، وفي آخره ما يعشيها، فلا خيار لها".

وهذا أحد الوجوه عند الشافعية فما بالك بمن يوفر لها ثلاث وجبات فهذا لا تسقط قوامته أبداً.

والواقع أن هذا فقط في كلام المتأخرين وأخذه الحنابلة من الشافعية، فإن ابن قدامة قام بحنبلة بعض كتب الشافعية ويبدو له أنه كان ينتفع كثيراً بالبيان للعمراني وينقل منها بعض الفروع ويتبعه الحنابلة الآخرون، وما وجدت هذا الفرع في كلام المتقدمين.

بل كلام المتقدمين ليس فيه إلا الفسخ، بمعنى إما زوجية بكل الحقوق والواجبات وإما طلاق، وأما زواج تكون فيه المرأة زوجة ولكن لا ولاية له عليها فهذا ما وجدته في كلام المتقدمين، والذي يرجع لكتب الشافعية القائلين بذلك يجد بينهم خلافاً شديداً في تفاصيل الأمر حتى أن بعضهم ذكر أنه يجوز لها الخروج في النهار دون الليل أو يجوز لها الخروج في وقت الخيار له وهو ثلاثة أيام.

والواقع أن مذهب المتقدمين هو الأقوم، لأن الاكتساب الواجب ليس من شأن النساء خصوصاً من كان الأصل فيهن القرار في البيوت، ولا فائدة ترجى من منع التمكين من النفس إذا كان إعساره اضطرارياً -وإلا فالبخيل يُلزَم بالنفقة قضائيا- سوى فتنة الطرفين، فإما أن تبقى معه بالمعروف على الحقوق المعلومة أو تفارقه وتذهب إلى أهلها وأوليائها وتتزوج بآخر بعد انقضاء العدة أو تكون في صيانة أهلها، وأما بقاؤها معه على معصية أمره بالمعروف في التمكين من النفس فهذا يوجب البغضاء، وقياسه على سقوط نفقتها بالامتناع قياس مع الفارق، فنحن نتكلم عن رجل أعسر اضطراراً وليس مختاراً ولو أنها عجزت عن التمكين من نفسها لمرض لاستأنس كثير من أهل العصر لديمومة النفقة لأنها مضطرة للامتناع، ثم ألا تراه ينفق عليها في حال الطلاق، وأما المنع من الخروج فهذا حق توجبه الغيرة إلا إذا كانت تكتسب كسباً مباحاً اضطروا إليه فهذا لا يمنع منه في العادة ولكنه يصحبها محرماً، وأما إباحة الخروج والدخول لها مطلقاً فهذا أمرٌ لا يجري على أصول الشريعة وتجاوزٌ لحدود الضرورة.


وسأذكر فيما يلي فروع الفقهاء التي يذكرون فيها حق الزوجة في الطلاق أو الفسخ، والتي جعلها بعض المتأخرين حقاً في إسقاط القوامة مع بقاء الزواج وهذا لا قائل به من المتقدمين بهذا التفصيل، وأخذه بعض المعاصرين وجعله أصلاً في إسقاط القوامة وإن كان الرجل يوفر الأساسيات الكبرى ولكنه قصر في بعض الأمور وهذا ما لم يقل به أحد قط.

الفرع الأول: إذا لم ينفق النفقة الواجبة:

جاء في الإشراف على مسائل الخلاف للبغدادي: "مسألة: إذا أعسر بالنفقة ثبت لها المطالبة بالفراق، خلافاً لأبي حنيفة؛ لقوله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف"، وقوله تعالى: "فإمسأك بمعروف أو تسريح بإحسان"، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تقول امرأتك أنفق علي أو طلقني» وهذا إخبار عما لها أن تفعله، ولأن النفقة في مقابلة الاستمتاع، فلمّا كان إذا نشزت لا نفقة لها بمنع الاستمتاع، فكذلك إذا لم يجد النفقة من جهته فلها مفارقته، ولأنه لما كان لها مفارقته في الإيلاء والعنة وضررهما أيسر من ضرورة عدم النفقة، فكان في عدم النفقة أولى".
=
=
فهنا قولان فيمن أعسر، قول من يقول ليس لها المطالبة، وقول من يقول لها المطالبة بالفراق، ولا يوجد قول ثالث أنها تقيم معه على النشوز عن أمره!

بل إنها إذا اختارت المقام معه على فقره فإن قوامته عليها كما هي، وإنما يتكلم الفقهاء بأن لها الحق بالمطالبة فإن لم تطالب بقيت معه على الزوجية بكل حقوقها وواجباتها، هذا في المعسر وأما البخيل القادر فهذا تأخذ من ماله ما يكفيها ويُلزِمه القاضي بهذا.

قال الشافعي في الأم: "وإذا أعسر بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم خيرت فاختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقه لأن اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم يجب لها وهي كالمرأة تنكح الرجل تراه معسرا لأنها قد تعفو ذلك ثم يوسر بعد عسرته فينفق عليها".

فلاحظ أنه لا يوجد سوى خيار الفرقة أو المقام معه على الزوجية.

الفرع الثاني: المرأة والرجل يكونان عبدين فتعتق المرأة ويبقى الرجل عبداً فيكون لها خيار مفارقته:

قال ابن قدامة في المغني: "(5515) مسألة؛ قال: وإذا عتقت الأمة، وزوجها عبد، فلها الخيار في فسخ النكاح. أجمع أهل العلم على هذا، ذكره ابن المنذر، وابن عبد البر، وغيرهما
والأصل فيه خبر بريرة، قالت عائشة: «كاتبت بريرة، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زوجها، وكان عبدا، فاختارت نفسها.» قال عروة: ولو كان حراما ما خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه مالك، في " الموطأ "، وأبو داود، والنسائي.، ولأن عليها ضررا في كونها حرة تحت عبد، فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر، فبان عبدا، فإن اختارت الفسخ فلها فراقه، وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك؛ لأنها أسقطت حقها. وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله تعالى".

لاحظ أن لها حق الفسخ وإذا اختارت المقام معه فلا حق لها بعد ذلك، وهذا معناه أن القوامة تعود له ويصير الطلاق بيده هو، وما ذكروا خياراً ثالثاً أن تبقى معه على غير القوامة فقط زوج بلا أمر أو نهي.

الفرع الثالث: المرأة تشترط على الرجل شرطاً فلا يفي به:

فهنا في قول عدد من الفقهاء لها الفسخ فإن لم تفسخ ثبت حق الزوجية، جاء في كفاية النبيه شرح التنبيه: "وكذا لو أثبتنا لها حق الفسخ، فلم تفسخ، لكن يجب عليها أن تأوي إلى المنزل ليلاً، وله أن يستمتع بها في الليل؛ لأنه زمن الفرغة".

وهذا الكلام في حق المحبوس بدين! وهو يثبت في حق كل امرأة لها حق الفسخ فلم تفسخ فإن الزواج يعود على حقوقه بينهما كما هي.

والفسخ يتم قضائياً على ما فصَّل الفقهاء.

الفرع الرابع: من جعل أمر زوجته بيدها:

وهو الرجل يجعل أمر زوجته بيدها أو يقول لها اختاري فتختاره ولا تطلق نفسها مع أنها لها الحق بذلك فإذا طلقت نفسها انتهى الزواج ودخلت في العدة وأما إن اختارته فعلى الصحيح لا يكون طلاقاً وتعود في الزوجية لا خيار لها بعد ذلك نهائياً حتى يخيرها مرة أخرى.

وهذا فرع فقهي مشهور في حديث في الصحيح لذا لا أطيل الكلام عليه.

فإن قيل: أليس إسقاط بعض حقوق الرجل أولى من هدم المؤسسة الزوجية من أساسها؟

فيقال: المؤسسة الزوجية القوامة ركنها الأعظم فإذا سقطت ذهب الزواج أصلاً، ثم إن القوامة لا تعني الأوامر المطلقة بل الأمر مقيد بالمعروف، وأنت كلما أضعفت القوامة انتهيت إلى هدم المؤسسة الزوجية، وتأمل حالات الطلاق الكثيرة لما أُضعِفت القوامة قانونياً.

ليس أحد الجنسين ملكاً ولا أحدهما شيطاناً، الطاعة قُيِّدت بالمعروف، وكل جنس جائز عليه أن يظلم الآخر في حقه وهناك وسائل شرعية للتعامل مع الأمر، ولكن لما طغت عقدة المظلومية وأيديلوجيا الضحية صار الخطاب الشرعي المتزن منفِّراً للبعض.

وفي النهاية، منظومة الزواج ليست عالماً وردياً، بل فيها غنم وغرم، وكل فرد عليه حقوق وله واجبات على ما قسم الله العليم بكل شيء سبحانه، وشيطنة جنس في مقابل جنس آخر هو الذي أدى إلى شيطنة منظومة القوامة من أصلها، والكل يرى اليوم سوء قوانين الأسرة وأنها شجعت على الطلاق، فخيار الفسخ الذي يتكلم عنه الفقهاء هو وفقًا لشروطهم وقيودهم لا التلاعب المعاصر المشين.

واليوم الحماس لنشر هذا الفرع الفقهي لأن المؤسسة الرأسمالية تريد خروج النساء للعمل بشكل منظم، وعامة الأعمال لا تراعى فيها الشروط الشرعية -التي يقولها بعض المشترطين مع عدم النظر للواقع الرأسمالي العام- وفيها من الفتن الشيء العظيم، وقد قالت أم المؤمنين: (لو أدرك رسول الله ما أحدثت النساء لمنعهن من الخروج للمساجد) فما بالك بالحال اليوم؟.
باب فيمن علق عيوبه على طلب قضية عادلة 👇
حين تجتمع عاطفة الأمومة مع الموعظة

جاء في كتاب الأوراق في أخبار الشعراء للصولي :" أمر أبى القاسم يوسف بن القاسم
قال أبو بكر: حدّثنى عون بن محمد الكندى، قال: حدّثنى أحمد ابن يوسف عن أبيه، قال: لما قدم أبى بغداد قصده اخوانه وداعوه، فلزم الشراب معهم والسماع، فقالت له أمه: يا بني قد ترى كثرتنا وما يلزمك من نفقتنا، وان أدمت الشراب أضعتنا وأفقرتنا مع شينه لك فى دنياك، وتزويده لك الوزر الى أخراك. فقال: حسبك! والله لا ولج لى رأسا أبدا، فما شرب حتى مات.

أقول : تأملت كثيراً في موعظة هذه المرأة لابنها لما ابتلي بشرب الخمر فيها حنان الأمومة مع شفقة الواعظ وفصاحته

وقلت في نفسي أتصلح أن تخاطب الأمهات أولادها بمثل هذا في أيامنا وقد رأيت كثيراً ممن ابتلي بالمخدرات الثقيلة أو الخفيفة أو الخمور

هذه المرأة خاطبت ولدها بالمروءة ثم وعظته بأمر الآخرة قالت له أنك إذا أدمنت هذه الأمرو ضيعتنا واحتجنا إلى غيرك واستذلنا الناس

ولكن في زمان الفردانية هل يصلح أن نكلم الشاب بمثل هذا ؟

ثم في منظومة الأهداف المعلمنة ذكر الآخرة ضعيف التأثير على النفوس.
Forwarded from Traditional Muslimah
أَمثال هذه العقليات ذات الخطابيات المتباكية مقتبسة من نساء القرن التاسع عشر أَو كتابات المستشرقين وأتباعهم حينما يريدون التحشيد ضد الحرملك المسلم كما فعلت فاطمة المرنيسي في غثاءٍ ما زالت تردده كاهنات النسوية العربيات ذوات الدقة القديمة المتعايشات في ذلك الجو الثقافي اليساري المنحط.

ولا أقول إطلاقا "التقدميات"، لأن خطاب المتؤخرات لم يعد تلك الحيل المستهلكة الكلاسيكية من زواج القاصرات أو "حرمانهن التعليم وحبسهن في البيوت".

شاهدت الاستبيان الذي نشرته قبل قليل؛ حيث شاركت في غالب أمره: نساء محافظات/دينات. من الطبقة المتوسطة، أردات واحدة منهن أن تكتب لي: أمية؟

منعني والدي من إكمال دراستي، حاربني أبي السلفي من الدخول للجامعة، العقلية البدوية الصحراوية الإسلاموية الصعيدية الريفية الحاراتية الضيعتيَّة حبستني في قعر الدار وحرمتني التعليم، حقي الطبيعي في الحياة (لا أدري من أين أتى ذلك الحق؟!)=ولا واحدة!

أقل امرأة فيهن كتبت: ثانوية وظروفٌ اجتماعية منعتني وحتما ستكون أما الفقر أو الزواج، ولكني امرأة أملك ثقافة عالية وأتعلم باستمرار!

غالب نساء المجتمعات العربية متعلمات تعليما عاليا والتعليم يعني أن البيت هو الاستثناء والأصل هو الخروج. واللاتي حُرمن التعليم منهن، كان بفعل فاعل أقوى من "كمالية الدراسة". الفقر أو الظروف المحيطة، فلو أردنا التباكي عليهن لقلنا: كيف نصلح وضعهن الاجتماعي وهو من باب أولى، لا أتباكى على امرأة في أقصى الصعيد أو الريف لا تجد ماءً صالحا للشرب أو خدمات بيئية أو خبزا تسد به رمقها، لأقول محرومة من التعليم، محبوسة في المنزل!

طبعا يحق لنا السخرية من أولئك العثراوت؛ يردن ادعاء التحرر والثورجية وما زالت أفكارهن غبية غير ملائمة للعصر، يحاربن مشكلات غير موجودة!

مكتفيات بحدوتات أول سنوات الليبرالية من نسخ ولصق.

عزيزاتي تابعن مراهقات السوشيال ميديا، جو العدمية لم يعد ترند وكتابات سيمون دي بوافوار لم تعد رائجة، وقصص المظلومية والضحية أمست من عالم موازي=المراهقات اليوم يطالبن برعاية الشذوذ والاكتفاء بالنساء والتحول.
كن متجددات يا كواهن الأعشاش.

هذه المسخرة تُعلِّمنا، كيف تم استغفال عقولنا لأننا نفتقد حس النقد وتبين لي سؤال الحاضر: ما الذي خسرناه من مبادئ في تعليم الحكومات؟!
في رحاب أخلاق السلف عند الخصومة

قال ابن أبي شيبة في المصنف [26048]:
حدثنا وكيع، عن شعبة، عن يحيى بن الحصين، عن طارق بن شهاب، قال:
كان بين خالد بن الوليد وبين سعد كلام، قال: فتناول رجل خالدا عند سعد.
قال: فقال سعد: مه، فإن ما بيننا لم يبلغ ديننا.

سعد هذا هو ابن أبي وقاص

في المطالب العالية : قال إسحاق: أخبرنا زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة، قال: كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر ، فذكروا عليا رضي الله عنه فشتموه، فقال سعد رضي الله عنه: مهلا عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنا أصبنا ذنبا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله عز وجل: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68)} وأرجو أن تكون رحمة من الله تعالى سبقت لنا، فقال بعضهم: إن كان والله يبغضك ويسميك الأخينس ، فضحك سعد رضي الله عنه حتى استعلاه الضحك، ثم قال: أوليس الرجل قد يجد على أخيه في الأمر ، يكون بينه وبينه، ثم لا يبلغ ذلك أمانته، وذكر كلمة أخرى.

جاء في تاريخ بغداد أخبرني الأزهري، قال: حدثنا محمد بن المظفر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدثنا إبراهيم بن أورمة الأصبهاني، قال: حدثني عباس العنبري، عن علي ابن المديني، قال: جاء رجل إلى عبد الرحمن بن مهدي، فجعل يعرض بوكيع، قال: وكان بين عبد الرحمن بن مهدي وبين وكيع بعض ما يكون بين الناس.
قال: فقال عبد الرحمن للذي جعل يعرض بوكيع: قم عنا، بلغ من الأمر أن تعرض بشيخنا؟ وكيع شيخنا وكبيرنا، ومن حملنا عنه العلم

وهذا إسناد صحيح عبد الرحمن بن مهدي ووكيع أقران وليس أحدهما شيخاً للآخر وهما شيخا أحمد ولكن ابن مهدي أراد تأديب هذا المتكلم

قال المروذي :

ذُكر لأبي عبدالله ( يعني #الإمام_أحمد ) رجل

فقال: ما أعلم إلا خيراً

قيل له: قولك فيه خلاف قوله فيك ( يعني هو يتكلم فيك )

فتبسم

وقال: ما أعلم إلا خيراً، هو أعلم وما يقول

تريد أن أقول ما لا أعلم ؟!

وقال: رحم الله سالماً( يعني ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب )، زحمت راحلته راحلة رجل

فقال الرجل لسالم: أراك شيخ سوء

فقال( سالم ) : ما أبعدتَ ...!

[ الورع للمروذي 618 ]

وأخبار إنصاف أهل الحديث لا تدخل في الحصر ولا عجب فهم من ائتمنوا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

واليوم يأتي إنسان هو من أفجر خلق الله في الخصومات ثم يعرض بهؤلاء الأئمة أنهم ظلموا أهل الرأي

قال بشار عواد معروف وشعيب الأرناؤوطي في تحرير تقريب التهذيب في ترجمة إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة :" وما أنصفه بعضُ المحدثين، ولا أنصفوا جدَّه، رحمهما الله"

ويا ليت شعري من ينصف إن لم ينصف المحدثون ؟

وهما يعتمدان على أهل الحديث في كل تحقيقاتهما حتى إذا جاء الكلام على أئمة أهل الرأي اتهموا المحدثين بالظلم مع أن إسماعيل هذا الذي يدافعان عنه ممن أشعل المحنة في المحدثين في القول بخلق القرآن

قد أجمعت الأمة ومعها أهل الرأي على اعتماد كلام أهل الحديث في كل الرواة ومن أراد أن يخالف كلام الواحد منهم يأتي بكلام نظيره لا أن يخالف من عند نفسه ثم يتهم جمهورهم بل وما أجمعوا عليه بالجور والظلم فإن في هذا تقوية لجانب الزنادقة

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء :" ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هم أكثر الناس صوابا، وأندرهم خطأ، وأشدهم إنصافا، وأبعدهم عن التحامل.
وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح، فتمسك به، واعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه، فتندم، ومن شذ منهم، فلا عبرة به.
فخل عنك العناء، وأعط القوس باريها، فوالله لولا الحفاظ الأكابر، لخطبت الزنادقة على المنابر، ولئن خطب خاطب من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام، وبلسان الشريعة، وبجاه السنة، وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فنعوذ بالله من الخذلان"

والشذوذ كذلك مطرح والمتمسك سائر على الهوى ولا عبرة للمتأخرين في هذه القضايا بل المعول على من تقدم.
أبو هريرة والنساء ثم أبو هريرة والكلاب

مما جادت به قريحة بعض الحداثيين أن الصحابي الجليل أبا هريرة كان عنده عقدة من النساء وهذه انعكست على رواياته

واستدلوا على ذلك بما في تاريخ ابن أبي خيثمة 1561- حدثنا محمد بن بكار، قال: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس؛ قال: كان أبو هريرة يقول لا تكنوني أبا هريرة؛ كناني رسول الله: أبا هر"، قال: ثكلتك أمك والذكر خير من الأنثى.

ولك أن تتساءل أين هي روايات أبي هريرة التي فيها إزراء على الناس فيما يزعمون وعامتهم يجدون إشكالات في أحكام في القرآن مثل المواريث والتعدد ؟

الحداثي المنتسب لملة الإسلام والذي لا يصدق روايات الثقات المتواترة هل كلف نفسه عناء النظر في إسناد هذه الرواية ليعلم صدقها من كذبها ؟

أم أنه ينظر في الكتب فيصحح ويعتمد ما يوافق هواه وما يمكن أن يبني عليها تحليلاته النفسية العجيبة ويرفض كل ما سوى ذلك

هذا أنموذج لما يتكرر في كتابات القوم والتي كثير منها يكون مأخوذاً من كتب المنصرين والإمامية

الرواية المذكورة هنا في سندها أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي هو ضعيف في الحديث وتغير قبل موته تغيراً شديداً وقد تكون هذه الرواية بعد التغير

ومحمد بن قيس الذي يروي عن أبي هريرة لم يسمع منه وروايته عنه مرسلة ولم يسمع من أي صحابي لهذا هو مذكور في التهذيب في الطبقة السادسة الذين عاصروا صغار التابعين وما سمعوا من الصحابة

ثم إن رواية ( كناني رسول الله أبا هر ) رواية لها طرق كثيرة وليس فيها زيادة ( الذكر خير من الأنثى )

وقال البخاري في صحيحه باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا وقال أبو حازم عن أبي هريرة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هر

وقد تواتر عن تلاميذ أبي هريرة أنهم كانوا يسمونه ( أبا هريرة ) وهكذا اسمه في عامة المصادر الحديثية فلو كان يغضب من هذا الاسم ما تتابع الناس على نعته به بل هو كان ينعت نفسه به بروايات لا تحصى

ثم إن حديث ( أمك ثم أمك ثم أمك ) من رواية أبي هريرة في الصحيحين

وحديث أن المرأة تموت بنفاسها شهيدة روي من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء خمسة الحديث وفيه المرأة تموت بجمع رواه مالك والترمذي

وحديث ( خياركم خيركم لأهله ) والذين دائماً يستدل به هذه الأيام على الزوجة من رواية أبي هريرة عند أبي داود والترمذي

وحديث المرأة البغي التي دخلت الجنة بسقي الكلب رواه أبو هريرة واليوم الناس يحملون هذا الحديث ما لا يحتمل وكذلك حديث ( تصدق الليلة على زانية ) والذي في آخره ( أما الزانية فلعلها يعني أن تستعف به) وهذا الحديث مداره على أبي هريرة فقط

ولكن أبا هريرة كفر إحسانه كما كفر إحسان غيره ، والكلمة التي بينا ضعفها لا شيء فيها ولكن لبيان انعدام المنهجية عند القوم بل على قواعدهم ينبغي أن يكون أبا هريرة من أنصار المرأة والواقع أن السلف ما كانوا أنصار امرأة أو رجل بل كانوا ينصرون الشرع الذي يبين حقوق وواجبات الجميع ولكن ما تصنع بالهوس العصري بالمظلومية

هذا الملف الأول انتهينا منه ثم يأتي الملف الآخر وهو ما ذكره أحمد عبده ماهر من أن أبا هريرة كان عنده عقدة من الكلاب ! ولهذا الأحاديث في الكلاب من وضعه !

وقد مر معنا المرأة البغي التي سقت كلباً وأن راويه هو أبو هريرة

وأما حديث نجاسة سؤر الكلب ( سبع مرات إحداهن بالتراب ) فهذا رواه أبو هريرة ولكن رواه معه عبد الله بن مغفل فلم ينفرد به أبو هريرة

وأما حديث النهي عن اتخاذ كلب غير كلب الحراسة والصيد فهذا رواه سفيان بن أبي زهير وعبد الله بن عمر وأحاديثم في الصحيحين وتابعهم أيضاً عبد الله بن مغفل

وأما حديث يقطع الصلاة ثلاثة فرواه أبو ذر والحكم الغفاري وقال الترمذي في جامعه : وفي الباب عن أبي سعيد، والحكم الغفاري، وأبي هريرة، وأنس،: حديث أبي ذر حديث حسن صحيح.

واللطيف أن حديث التخفيف في سؤر الهرة وقوله ( إنها من الطوافين عليكم والطوافات ) لم يروه أبو هريرة وإنما رواه أبو قتادة الأنصاري وهو في الموطأ والسنن الأربعة

وهؤلاء الذين يتهمون الصحابة إنما يسقطون نفسياتهم المريضة على الصحابة الكرام فهو لما كان متحيزاً للثقافة الغربية ويرفض كل ما سواها ويفتري الكذب في نصرتها افترض ذلك في غيره ، كمثل المتأخرين الذين فشا فيهم التحاسد على الدنيا فصاروا يتهمون أئمة الجرح والتعديل أنهم يتتابعون على جرح بعض الناس حسداً ! وهذا المحسود المزعوم دونهم باتفاق العقلاء.
اللهم ثقة كثقة هاجر

قبل قليل في حوار مع أحد الفضلاء حول موضوع المسلمات اللواتي يحببن الله ورسوله ولكنهن بفعل ضغط الحداثة يجدن في أنفسهن حرجا من بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأةومنهن من تجاهد ذلك الوسواس غير أنه ربما وسوس لها الشيطان أنها مع هذه المجاهدة وهذا التسليم الظاهر للنصوص أنها بذلك فقدت إيمانها وليس كذلك

وفي ثنايا الحديث تذكرت هاجر أم إسماعيل

حين سألت نبي الله إبراهيم : يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء.

فلما سألته مرارا ولم يرد عليها قالت : آلله الذي أمرك بهذا؟ قال نعم

فقالت كلمتها العجيبة : إذن لا يضيعنا.

وهذا ما ينبغي أَن نستيقن منه جميعا أَن السير على أمر الله والتسليم له وإن كان ظاهره المشقة مبدأيا فإن مآله للخير وعدم الضياع

وهكذا ينبغي أَن تقف المسلمة لكل شيطان من الجن أو الإنس يوسوس لها في الأحكام الشرعية فتقول له : الله أمرنا بهذا ولن يضيعنا

اللهم ثقة بالله كثقة هاجر.
الأشعري المعاصر والإسفاف العلمي

أرسل لي غير واحد من الأخوة مقطعاً لرجل أشعري معاصر شهير كنت قد رددت عليه في السابق في أمر بناء الكنائس وأمر اعتبار النقاب مباحاً فحسب واعتبار ذلك مذهباً معتبراً والواقع أن النقاب قربة فوق المباح باتفاق

وهذا المقطع في أعظم موضوع وهو موضوع صفات الله عز وجل وقبل الخوض في الأمر رسالة موجهة لمن سيتضايقون من الحديث في هذا الملف ويرون مبحث أسماء الله وصفاته أصغر ( تعالى عما يقولون ) من أن يولى الاهتمام

أقول لهم اعتبروا هذا الأمر قضية علمية تخصصية فقد تكلم إنسان بكلام ونسبه لعلماء السلف والخلف وكلامه ( إسفاف علمي ) ينبغي أن يرد عليه ومما اتفق عليه المسلمون والكفار _ خلا شرذمة من الحركيين _ أن الرجل إذا تكلم بباطل في أي مجال من المجالات جاز للمشتغلين بهذا المجال أن يبينوا غلطه

في هذا المقطع ينتهي الرجل إلى أن الناس متفقون على التفويض بمعنى أنهم لا يعلمون معنى نصوص الصفات ثم ذكر أن الأشعرية عندهم طريق ( ثاني ) والواقع هذا طريق أغلبهم وهو تأويل النصوص بصرفها عن ظواهرها

العجيب أنه في هذا المقطع ذم المعتزلة وسماهم معطلة واستشهد بالإمام الترمذي في دعواه التفويض

وإليك كلام الترمذي الذي هو يستشهد به قال الترمذي في الجامع :" وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات: ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال: كيف [ص:42] هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف "، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا تشبيه، وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد هاهنا القوة "، وقال إسحاق بن إبراهيم: " إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع، فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد، وسمع، وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]"

الترمذي هنا يذكر أن تأويل اليد بالقدرة هو قول الجهمية وصاحب الفيديو يذكره قولاً لأهل السنة وهو يستشهد بالترمذي !

ويذم المعتزلة ونسي أن قول المعتزلة في الصفات التي ذكرها في الفيديو هو كقول أصحابه الأشعرية

وإذا كان السلف يفوضون بمعنى لا يثبتون ظواهر الصفات والجهمية ينفون الظواهر بالتأويل لكانوا في حقيقة مذهبهم شيئاً واحداً كالأشعرية المتأخرين الذين رضوا بالمسلكين معاً ولكن الجهمية ذموا المسلمين والمسلمون ذموا الجهمية لأن الخلاف حقيقي

وهذا واضح من قول إسحاق ( التشبيه أن تقول يد كيد ) فهذا واضح في أنه يثبت ظاهر الصفة ولا يوافق الجهمية على اعتبار إثبات الظاهر تشبيهاً يجب تأويله

وصاحب الفيديو جاء إلى المعنى الذي يفهمه كل مسلم من الصفات واعتبره تشبيهاً فقال أن التشبيه يعني اشتراك الصفة الإلهية مع صفة المخلوق بأي معنى من المعاني

وهذا الكلام وإن كان ظاهره التنزيه لكنه عين كلام الجهمية الأوائل ف( الاشتراك المعنوي ) لا يساوي التشبيه فالله عز وجل موجود ونحن موجودون وليس الوجود كالوجود ولكن العدم منتفي في حق الخالق والمخلوق الموجود

وهذا ما يقوله متقدمي الأشعرية في صفتي ( السمع ) و ( البصر ) فهم يثبتون سمعاً لله على معنى السمع المعروف ولكن ليس كسمع المخلوقات وكذلك البصر والحياة والقدرة وغيرها من الصفات ( وإن كان بعض متأخريهم ينكر هذا ولكن كلام المتقدمين واضح )

وهذا ما يفهمه أي مسلم حين يقرأ ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) أو ( يحبهم الله ويحبونه )
=