السيرة النبوية 208
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ملوك الأرض للإسلام 3
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثامن بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
أيضا من البعوث: بعث النبي صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى المنذر بن الحارث ملك سورية. فقال هذا الرجل: من يأخذ مني ملكي!؟ أنا أسير إليه. ولم يسلم، ولم يؤمن.
وبعث أيضا صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي، وقيل شجاع بن وهب نفسه الذي ذهب إلى ملك سورية، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس. وقيل إنه أرسل دحية بن خليفة الكلبي. فلما أعطاه، غضب كسرى، ومزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.. فدعا عليه صلوات الله وسلامه عليه. وقال: "مزق الله ملكه". (1) فمزق الله ملكه.
وقيل إن سبب الغضب: لماذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قبل هذا المجرم ملك الفرس، كبرا وغضبا أن يقدم اسم النبي صلى الله عليه وسلم عليه، لأنه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى كذا وكذا..
فاستجاب الله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم خرج أصحابه بعد ذلك فاتحين لأرض فارس، فمزق الله ملك هذا الظالم.
وبعث أيضا النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فلما رأى الكتاب قبله، وأكرم حاطبا وأحسن إليه، ثم أعطاه هدايا للنبي صلى الله عليه وسلم. منها بغلة بسرجها، وجاريتان؛ وهما مارية أم إبراهيم التي تسرى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرى اسمها سيرين، أهداها لمحمد بن قيس أحد الصحابة، وقيل أهداها لحسان بن ثابت، وقيل هن ثلاث جوار.
ثم أراد المقوقس أن يختبر حاطب بن أبي بلتع، وهذا أيضا ذكره بعض أهل العلم في الأجوبة المفحمة وسرعة الرد على أسئلة من أراد أن يوقع بك حين يسألك سؤالا، فمن الفطنة الرد عليه بمثل حجته، فإن المقوقس لما سمع من حاطب ما سمع، كان منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج من مكة وأصبح في المدينة، فقال المقوقس: سبحان الله، نبي ويطرد! يريد أن يورد عليه لو كان نبيا ما طرد ولأعانه الله ولأيده ولنصره.. فرد عليه حاطب رضي الله عنه فقال: سبحان الله، أنبي ويصلب!؟ لأن المقوقس كان نصرانيا.. فإذا كنت تعتقد أنه صلب في دينك، فكيف يصلب ولم ينصره الله. فقال المقوقس: إنك رجل حكيم.
وبقي المقوقس على دينه ولم يدخل في الإسلام، ولكنه أكرم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه هذه الهدايا وغيرها. (2)
أيضا بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب اليمامة، وهي في نجد، وكذلك أرسل إلى صاحب عمان في جزيرة العرب، وأرسل غير ذلك -كما ذكرنا- إلى النجاشي غير الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية، وأمن جهة قريش وأن تؤلب عليه العرب، تفرغ لما كان يدعو إليه قريشا من قبل، فقال: "ذروني والناس".. لكنهم كانوا يحاربونه ويعذبون أصحابه ويفتنونهم في دينهم.. فلما أمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدأ في دعوة الناس إلى الإسلام، فأرسل إلى هؤلاء الملوك.
وهذا أيها الإخوة دليل واضح على أن المسلم ينبغي عليه أن تكون حياته كلها لله.. أن يدعو الناس بلسانه، أن يدعو الناس بأخلاقه، أن يدعو الناس بالإحسان إليهم، أن يدعو الناس بأن يكون صادقا أمينا. نحن نوقن ونؤمن أن الإسلام حين يطبقه صاحبه المسلم، فإنه سيكون داعية بتعامله وقوله وفعله وبكل ما يدعو إلى أن يدخل هذا الإنسان في دين الله حين يرى هذه الأخلاق. وقد دخل إلى دين الله عز وجل كثيرون في مشارق الدنيا ومغاربها حين رأوا أخلاق المسلمين.
فلا تقف ولا تبخل على نفسك أن تقابل الله عز وجل وقد دعوت إلى دينه، فرب كلمة نفع الله بها على يديك سواء علمت أم لم تعلم.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------------
(1) صحيح البخاري، 4424؛ وفيه: فَحَسِبْتُ أنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ، قالَ: فَدَعا عليهم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.
(2) البداية والنهاية، ابن كثير، 6/492.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثامنة_بعد_المائة_الثانية
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ملوك الأرض للإسلام 3
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثامن بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
أيضا من البعوث: بعث النبي صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى المنذر بن الحارث ملك سورية. فقال هذا الرجل: من يأخذ مني ملكي!؟ أنا أسير إليه. ولم يسلم، ولم يؤمن.
وبعث أيضا صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي، وقيل شجاع بن وهب نفسه الذي ذهب إلى ملك سورية، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس. وقيل إنه أرسل دحية بن خليفة الكلبي. فلما أعطاه، غضب كسرى، ومزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.. فدعا عليه صلوات الله وسلامه عليه. وقال: "مزق الله ملكه". (1) فمزق الله ملكه.
وقيل إن سبب الغضب: لماذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قبل هذا المجرم ملك الفرس، كبرا وغضبا أن يقدم اسم النبي صلى الله عليه وسلم عليه، لأنه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى كذا وكذا..
فاستجاب الله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم خرج أصحابه بعد ذلك فاتحين لأرض فارس، فمزق الله ملك هذا الظالم.
وبعث أيضا النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فلما رأى الكتاب قبله، وأكرم حاطبا وأحسن إليه، ثم أعطاه هدايا للنبي صلى الله عليه وسلم. منها بغلة بسرجها، وجاريتان؛ وهما مارية أم إبراهيم التي تسرى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرى اسمها سيرين، أهداها لمحمد بن قيس أحد الصحابة، وقيل أهداها لحسان بن ثابت، وقيل هن ثلاث جوار.
ثم أراد المقوقس أن يختبر حاطب بن أبي بلتع، وهذا أيضا ذكره بعض أهل العلم في الأجوبة المفحمة وسرعة الرد على أسئلة من أراد أن يوقع بك حين يسألك سؤالا، فمن الفطنة الرد عليه بمثل حجته، فإن المقوقس لما سمع من حاطب ما سمع، كان منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج من مكة وأصبح في المدينة، فقال المقوقس: سبحان الله، نبي ويطرد! يريد أن يورد عليه لو كان نبيا ما طرد ولأعانه الله ولأيده ولنصره.. فرد عليه حاطب رضي الله عنه فقال: سبحان الله، أنبي ويصلب!؟ لأن المقوقس كان نصرانيا.. فإذا كنت تعتقد أنه صلب في دينك، فكيف يصلب ولم ينصره الله. فقال المقوقس: إنك رجل حكيم.
وبقي المقوقس على دينه ولم يدخل في الإسلام، ولكنه أكرم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه هذه الهدايا وغيرها. (2)
أيضا بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب اليمامة، وهي في نجد، وكذلك أرسل إلى صاحب عمان في جزيرة العرب، وأرسل غير ذلك -كما ذكرنا- إلى النجاشي غير الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية، وأمن جهة قريش وأن تؤلب عليه العرب، تفرغ لما كان يدعو إليه قريشا من قبل، فقال: "ذروني والناس".. لكنهم كانوا يحاربونه ويعذبون أصحابه ويفتنونهم في دينهم.. فلما أمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدأ في دعوة الناس إلى الإسلام، فأرسل إلى هؤلاء الملوك.
وهذا أيها الإخوة دليل واضح على أن المسلم ينبغي عليه أن تكون حياته كلها لله.. أن يدعو الناس بلسانه، أن يدعو الناس بأخلاقه، أن يدعو الناس بالإحسان إليهم، أن يدعو الناس بأن يكون صادقا أمينا. نحن نوقن ونؤمن أن الإسلام حين يطبقه صاحبه المسلم، فإنه سيكون داعية بتعامله وقوله وفعله وبكل ما يدعو إلى أن يدخل هذا الإنسان في دين الله حين يرى هذه الأخلاق. وقد دخل إلى دين الله عز وجل كثيرون في مشارق الدنيا ومغاربها حين رأوا أخلاق المسلمين.
فلا تقف ولا تبخل على نفسك أن تقابل الله عز وجل وقد دعوت إلى دينه، فرب كلمة نفع الله بها على يديك سواء علمت أم لم تعلم.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------------
(1) صحيح البخاري، 4424؛ وفيه: فَحَسِبْتُ أنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ، قالَ: فَدَعا عليهم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.
(2) البداية والنهاية، ابن كثير، 6/492.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثامنة_بعد_المائة_الثانية
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 209
غزوة ذات السلاسل
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس التاسع بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
من السرايا التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة غزوة ذات السلاسل.. سميت بذات السلاسل لبئر كان لبلي وهي قبيلة من قضاعة ممن شاركوا في قتال المسلمين في مؤتة. وقيل لأنهم ربطوا أنفسهم بسلاسل حتى لا يفروا..
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جيشا بقيادة عمرو بن العاص(1)، وقيل إن سبب ذلك أن العاص بن وائل والد عمرو أخواله من بلي، فأرسل عمرا لعله يتألفهم إذا علموا أن والده ابن أختهم.
فمضى رضي الله عنه حتى وصل إلى بئر من آبارهم، وهم على حدود بلاد الشام، سمع بأنهم يجمعون له، فخشيهم وأرسل يطلب مددا من النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه جيشا فيه كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر، وأمر عليهم أبا عبيدة.
لما وصل الجيش إلى عمرو بن العاص اختلفا، فقال أبو عبيدة: أنا أمير على من معي. وقال عمرو بن العاص: إنما أنت مدد لي وأنا الأمير؛ فالإمارة لي.. وهنا وقع خلاف.. لكن أبا عبيدة رضي الله عنه وأرضاه تنازل عن هذا..(2) وسيأتينا إن شاء الله أنه أيضا حين عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد عن إمرة جيش المسلمين، لم يخبر أبو عبيدة خالدا ولا المسلمين حتى انتهت معركة اليرموك. وهذا من فضله رضي الله عنه، وكان طيب القلب متواضعا.. وقد جاء في بعض الأحاديث أن سبب تنازل أبي عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسلهم قال له: «تطاوعا ولا تختلفا».
فصار عمرو أمير المسلمين، أميرا على أبي بكر وعمر وأبي عبيدة مع أنهم أقدم سابقة وهجرة وأفضل منه.. وهذا أيها الإخوة فيه دليل على أن المرء يقبل بما كتبه الله له، ولا تقوده نفسه إلى أن يطلب حظا من الدنيا، ويقول أنا خير منه، أو خير من هذا، أو لماذا يكون هذا أميرا علي أو مديرا علي، أو متنفذا ومتحكما في.
فإن الله عز وجل قد يبتلي العبد ببلاء يكون الامتحان فيه خاصا أو مختصا بجانب خضوعه لأمر الله ولقضاء الله وقدره، فيقبل ما كتبه الله له، يقبل به فإنه لا يدري، فإن عاقبة الأمور بيد الله سبحانه وتعالى، وإبليس إنما خرج من رحمة الله لأنه اعترض على سجود من أمرهم الله بالسجود لآدم وهم الملائكة، فقال: أنا خير منه. فنظر إلى الخيرية، ولم ينظر إلى من خلقه وخلق آدم. فكانت عاقبته أن خرج من رحمة الله سبحانه.
لما صار عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه أميرا على الناس، ما ترك مكانا يجتمع فيه الناس لقتاله إلا سبقهم. ففرقهم وشتتهم وطلبهم في كل مكان سمع بوجودهم، ودوخ بلي، هذه القبيلة وهي من قضاعة، وغنموا غنائم، ثم عاد رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة.
وقعت واقعة في هذه الغزوة، وهي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه احتلم ليلة، فلما أصبح كانت البرد شديدا، فتيمم وصلى بالناس ولم يغتسل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم -والحديث في الصحيحين- فقال: «صليت بالناس يا عمرو ولم تغتسل وأنت جنب؟» فقال: يا رسول الله، إني تأولت قول الله: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالإعادة.(3)
وأيضا جاء أن عمرو بن العاص كان قد منع الناس أن يوقدوا نارا وأن يلحقوا بهارب. فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.. وجاء في بعض كتب السير أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكر: ألا ترى كيف منع الناس من حقهم في أن يوقدوا نارا وأن يتدفئوا؟ فقال أبو بكر: يا عمر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره إذ هو أعلم بالحرب؛ فهو أعلم بما يصنع.
فلما عاد عمرو، سأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني خشيت أن يوقدوا نارا، فيرانا العدو ويستقلونا فيبيتونا -إذا نظر الأعداء إلينا ونارنا قليلة استقلوا عددنا، فهجموا علينا ونحن نيام ثم قتلونا-.. وإني خشيت إن هم لحقوا فارا، أن يكون كمين لهم فيقتلون المسلمين.(5) وهذه هي نظرة القائد.. ولم يضعه النبي صلى الله عليه وسلم قائدا إلا لحنكته وعلمه بالحروب. وهو رضي الله عنه كان أذكى أذكياء قريش ودهاة العرب. وكان عمر إذا رآه يقول: ما يليق بأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا؛(6) لذكائه وفطنته ودهائه وحكمته.
وكان إذا سمع رجلا عييا لا يستطيع الحديث ولا يفصح، كان عمر رضي الله عنه يقول: سبحان الله! الذي خلق هذا هو الذي خلق عمرو بن العاص؛ لفصاحته وبلاغته رضي الله عنه.
عاد الجيش سالما؛ قد سلمهم الله سبحانه. وهذه الغزوة تسمى ذات السلاسل وكما ذكرنا هي كانت قبل فتح مكة.
نقف على هذا. ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
------------
(1) صحيح البخاري، 4100
(2) سيرة ابن هشام، 2/624
(3) صحيح أبي داود، 334
(4) تاريخ دمشق، ابن عساكر، 46/145
(5) تاريخ دمشق، ابن عساكر، 46/144
(6) تاريخ دمشق، ابن عساكر، 46/155
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_التاسعة_بعد_المائة_الثانية
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
غزوة ذات السلاسل
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس التاسع بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
من السرايا التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة غزوة ذات السلاسل.. سميت بذات السلاسل لبئر كان لبلي وهي قبيلة من قضاعة ممن شاركوا في قتال المسلمين في مؤتة. وقيل لأنهم ربطوا أنفسهم بسلاسل حتى لا يفروا..
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جيشا بقيادة عمرو بن العاص(1)، وقيل إن سبب ذلك أن العاص بن وائل والد عمرو أخواله من بلي، فأرسل عمرا لعله يتألفهم إذا علموا أن والده ابن أختهم.
فمضى رضي الله عنه حتى وصل إلى بئر من آبارهم، وهم على حدود بلاد الشام، سمع بأنهم يجمعون له، فخشيهم وأرسل يطلب مددا من النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه جيشا فيه كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر، وأمر عليهم أبا عبيدة.
لما وصل الجيش إلى عمرو بن العاص اختلفا، فقال أبو عبيدة: أنا أمير على من معي. وقال عمرو بن العاص: إنما أنت مدد لي وأنا الأمير؛ فالإمارة لي.. وهنا وقع خلاف.. لكن أبا عبيدة رضي الله عنه وأرضاه تنازل عن هذا..(2) وسيأتينا إن شاء الله أنه أيضا حين عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد عن إمرة جيش المسلمين، لم يخبر أبو عبيدة خالدا ولا المسلمين حتى انتهت معركة اليرموك. وهذا من فضله رضي الله عنه، وكان طيب القلب متواضعا.. وقد جاء في بعض الأحاديث أن سبب تنازل أبي عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسلهم قال له: «تطاوعا ولا تختلفا».
فصار عمرو أمير المسلمين، أميرا على أبي بكر وعمر وأبي عبيدة مع أنهم أقدم سابقة وهجرة وأفضل منه.. وهذا أيها الإخوة فيه دليل على أن المرء يقبل بما كتبه الله له، ولا تقوده نفسه إلى أن يطلب حظا من الدنيا، ويقول أنا خير منه، أو خير من هذا، أو لماذا يكون هذا أميرا علي أو مديرا علي، أو متنفذا ومتحكما في.
فإن الله عز وجل قد يبتلي العبد ببلاء يكون الامتحان فيه خاصا أو مختصا بجانب خضوعه لأمر الله ولقضاء الله وقدره، فيقبل ما كتبه الله له، يقبل به فإنه لا يدري، فإن عاقبة الأمور بيد الله سبحانه وتعالى، وإبليس إنما خرج من رحمة الله لأنه اعترض على سجود من أمرهم الله بالسجود لآدم وهم الملائكة، فقال: أنا خير منه. فنظر إلى الخيرية، ولم ينظر إلى من خلقه وخلق آدم. فكانت عاقبته أن خرج من رحمة الله سبحانه.
لما صار عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه أميرا على الناس، ما ترك مكانا يجتمع فيه الناس لقتاله إلا سبقهم. ففرقهم وشتتهم وطلبهم في كل مكان سمع بوجودهم، ودوخ بلي، هذه القبيلة وهي من قضاعة، وغنموا غنائم، ثم عاد رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة.
وقعت واقعة في هذه الغزوة، وهي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه احتلم ليلة، فلما أصبح كانت البرد شديدا، فتيمم وصلى بالناس ولم يغتسل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم -والحديث في الصحيحين- فقال: «صليت بالناس يا عمرو ولم تغتسل وأنت جنب؟» فقال: يا رسول الله، إني تأولت قول الله: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالإعادة.(3)
وأيضا جاء أن عمرو بن العاص كان قد منع الناس أن يوقدوا نارا وأن يلحقوا بهارب. فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.. وجاء في بعض كتب السير أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكر: ألا ترى كيف منع الناس من حقهم في أن يوقدوا نارا وأن يتدفئوا؟ فقال أبو بكر: يا عمر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره إذ هو أعلم بالحرب؛ فهو أعلم بما يصنع.
فلما عاد عمرو، سأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني خشيت أن يوقدوا نارا، فيرانا العدو ويستقلونا فيبيتونا -إذا نظر الأعداء إلينا ونارنا قليلة استقلوا عددنا، فهجموا علينا ونحن نيام ثم قتلونا-.. وإني خشيت إن هم لحقوا فارا، أن يكون كمين لهم فيقتلون المسلمين.(5) وهذه هي نظرة القائد.. ولم يضعه النبي صلى الله عليه وسلم قائدا إلا لحنكته وعلمه بالحروب. وهو رضي الله عنه كان أذكى أذكياء قريش ودهاة العرب. وكان عمر إذا رآه يقول: ما يليق بأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا؛(6) لذكائه وفطنته ودهائه وحكمته.
وكان إذا سمع رجلا عييا لا يستطيع الحديث ولا يفصح، كان عمر رضي الله عنه يقول: سبحان الله! الذي خلق هذا هو الذي خلق عمرو بن العاص؛ لفصاحته وبلاغته رضي الله عنه.
عاد الجيش سالما؛ قد سلمهم الله سبحانه. وهذه الغزوة تسمى ذات السلاسل وكما ذكرنا هي كانت قبل فتح مكة.
نقف على هذا. ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
------------
(1) صحيح البخاري، 4100
(2) سيرة ابن هشام، 2/624
(3) صحيح أبي داود، 334
(4) تاريخ دمشق، ابن عساكر، 46/145
(5) تاريخ دمشق، ابن عساكر، 46/144
(6) تاريخ دمشق، ابن عساكر، 46/155
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_التاسعة_بعد_المائة_الثانية
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 210
سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس العاشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
من السرايا أيضا قبل فتح مكة: سرية أبي عبيدة رضي الله عنه إلى سيف البحر.
والحديث جاء في الصحيحين (1) من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في ثلاثمائة راكب، وأمر عليهم أبا عبيدة.
ذهبوا يترصدون عيرا لقريش، وهنا أيها الإخوة، وقع الإشكال لأنها كانت مدة الصلح في الحديبية، لذلك ذهب بعض أهل السير إلى أن سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر كانت قبل صلح الحديبية، وهذا أظهر؛ فإن مدة ما بين صلح الحديبية وفتح مكة لم يكن هناك رصد وترقب بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش.
هذه السرية أيها الإخوة، يقول جابر: أصابنا الجوع حتى أكل الناس الخبط.. فسمي جيش الخبط، والخبط أيها الإخوة، هو أوراق الشجر كانوا يضربونها فإذا تساقط ورقها وضعوها في ماء ثم أكلوها..
انظروا إلى أي درجة وصل الجوع بهم في هذه السرية، وهم خارجون طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، خرجوا يريدون الجهاد في سبيل الله، خرجوا أيها الإخوة في خير ما يخرج فيه العبد ومع ذلك أصابهم ما أصابهم.. الصابرون هم الذين يوفون أجرهم بغير حساب.. الآخرة وبلوغها والفلاح فيها يحتاج إلى صبر، كما أن الدنيا وبلوغ المراتب فيها يحتاج إلى صبر.
يقول: فجمع أبو عبيدة ما مع الناس من أزواد -من طعام- ثم بدأ كل يوم يعطي كل راكب من هؤلاء تمرة..
يقول جابر رضي الله عنه: فكانت تكفينا يومنا كله.. تمرة واحدة أيها الإخوة.. رضي الله عنهم وأرضاهم.. فما ملوا ولا تأففوا ولا اشتكوا..
حتى قال رجل لجابر وهو يحدثه: ما كانت تغنيكم هذه التمرة!؟ فقال له جابر رضي الله عنه: لقد وجدنا فقدها حين فنيت..
وهذا الكلمة نحتاج أن نتأملها أيها الإخوة، قال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت.. أحيانا يكون العبد في خير ونعمة وفضل، فما يعلم هذا الفضل ويشعر به ويراه رؤية الشاكرين إلا حينما يبتليه الله عز وجل فيذهب هذا الخير.. إما عافية وإما ولد وإما مال.. وما دام العبد طامعا لا يرضى بشيء فإنه لن يشبع من حياته بشيء.. يجب أن ينظر إلى ما أبقاه الله، ولا ينظر إلى ما أنقصه الله عز وجل بقدره مما كتبه من أرزاق للعباد.
بعض الخلق عنده ألف، فلا يشبع ولا يرضى، وإنما ينظر إلى من معه ألفان وثلاثة. وصاحب الثلاثة ينظر إلى من معه عشرة.. وهكذا لا يزال المرء يلهث خلف الدنيا ثم لن يصيب منها إلا ما كتب له.. إذن أين الرزق؟ الرزق في الرضا والقناعة والثقة في ما عند الله سبحانه.
يقول جابر رضي الله عنه: حتى وصلنا إلى البحر، فألقى البحر بدابة اسمعها العنبر -من دواب البحر-.. قال: فأكلنا منه نصف شهر، وادهنا.. -يدهنون أنفسهم لأن جلودهم يبست مما كانوا فيه من جوع وظمأ وصحراء وحر-..
يقول: حتى ثابت إلينا أجسامنا وصلحت..
وجاء أن أبا عبيدة أمر فأخذ ضلعان من ضلع هذا العنبر، ثم أمر رجلا على جمل أن يدخل، فدخل بين هذين الضلعين؛ وهذا يدل على أنه حوت عظيم كبير.. الظاهر والله أعلم أنه حوت.. وجاء في بعض كتب السير أن مجموعة من الصحابة دخلوا في قحف عين هذا العنبر.
وعادوا إلى المدينة، وأخذوا معهم شيئا من لحمه.. فلما عادوا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ألا جئتمونا ببعضه لنأكل! فأعطوه، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا ليبين لهم أنه كما قال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته.(2)
وهذا من رزق الله أيها الإخوة بعدما تعبوا وصدقوا وصبروا، رزقهم الله هذا، فأخرجه لهم من البحر، وإلا فمن الذي يستطيع أن يصيد مثل هذا؟.. لعظمه وحجمه.. حتى قال جابر: أكلنا منه نصف شهر، وهم ثلاثمائة، وبقي منه ما بقي، وادهنوا بدهنه.. وهذا رزق الله عز وجل لهم بعدما صبروا رضي الله عنهم وأرضاهم.
عادوا بعد ذلك إلى المدينة كما ذكرنا، وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
---------------------
(1) صحيح البخاري 4361، وصحيح مسلم 1935.
(2) صحيح الترمذي، 69.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_العاشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس العاشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
من السرايا أيضا قبل فتح مكة: سرية أبي عبيدة رضي الله عنه إلى سيف البحر.
والحديث جاء في الصحيحين (1) من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في ثلاثمائة راكب، وأمر عليهم أبا عبيدة.
ذهبوا يترصدون عيرا لقريش، وهنا أيها الإخوة، وقع الإشكال لأنها كانت مدة الصلح في الحديبية، لذلك ذهب بعض أهل السير إلى أن سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر كانت قبل صلح الحديبية، وهذا أظهر؛ فإن مدة ما بين صلح الحديبية وفتح مكة لم يكن هناك رصد وترقب بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش.
هذه السرية أيها الإخوة، يقول جابر: أصابنا الجوع حتى أكل الناس الخبط.. فسمي جيش الخبط، والخبط أيها الإخوة، هو أوراق الشجر كانوا يضربونها فإذا تساقط ورقها وضعوها في ماء ثم أكلوها..
انظروا إلى أي درجة وصل الجوع بهم في هذه السرية، وهم خارجون طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، خرجوا يريدون الجهاد في سبيل الله، خرجوا أيها الإخوة في خير ما يخرج فيه العبد ومع ذلك أصابهم ما أصابهم.. الصابرون هم الذين يوفون أجرهم بغير حساب.. الآخرة وبلوغها والفلاح فيها يحتاج إلى صبر، كما أن الدنيا وبلوغ المراتب فيها يحتاج إلى صبر.
يقول: فجمع أبو عبيدة ما مع الناس من أزواد -من طعام- ثم بدأ كل يوم يعطي كل راكب من هؤلاء تمرة..
يقول جابر رضي الله عنه: فكانت تكفينا يومنا كله.. تمرة واحدة أيها الإخوة.. رضي الله عنهم وأرضاهم.. فما ملوا ولا تأففوا ولا اشتكوا..
حتى قال رجل لجابر وهو يحدثه: ما كانت تغنيكم هذه التمرة!؟ فقال له جابر رضي الله عنه: لقد وجدنا فقدها حين فنيت..
وهذا الكلمة نحتاج أن نتأملها أيها الإخوة، قال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت.. أحيانا يكون العبد في خير ونعمة وفضل، فما يعلم هذا الفضل ويشعر به ويراه رؤية الشاكرين إلا حينما يبتليه الله عز وجل فيذهب هذا الخير.. إما عافية وإما ولد وإما مال.. وما دام العبد طامعا لا يرضى بشيء فإنه لن يشبع من حياته بشيء.. يجب أن ينظر إلى ما أبقاه الله، ولا ينظر إلى ما أنقصه الله عز وجل بقدره مما كتبه من أرزاق للعباد.
بعض الخلق عنده ألف، فلا يشبع ولا يرضى، وإنما ينظر إلى من معه ألفان وثلاثة. وصاحب الثلاثة ينظر إلى من معه عشرة.. وهكذا لا يزال المرء يلهث خلف الدنيا ثم لن يصيب منها إلا ما كتب له.. إذن أين الرزق؟ الرزق في الرضا والقناعة والثقة في ما عند الله سبحانه.
يقول جابر رضي الله عنه: حتى وصلنا إلى البحر، فألقى البحر بدابة اسمعها العنبر -من دواب البحر-.. قال: فأكلنا منه نصف شهر، وادهنا.. -يدهنون أنفسهم لأن جلودهم يبست مما كانوا فيه من جوع وظمأ وصحراء وحر-..
يقول: حتى ثابت إلينا أجسامنا وصلحت..
وجاء أن أبا عبيدة أمر فأخذ ضلعان من ضلع هذا العنبر، ثم أمر رجلا على جمل أن يدخل، فدخل بين هذين الضلعين؛ وهذا يدل على أنه حوت عظيم كبير.. الظاهر والله أعلم أنه حوت.. وجاء في بعض كتب السير أن مجموعة من الصحابة دخلوا في قحف عين هذا العنبر.
وعادوا إلى المدينة، وأخذوا معهم شيئا من لحمه.. فلما عادوا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ألا جئتمونا ببعضه لنأكل! فأعطوه، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا ليبين لهم أنه كما قال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته.(2)
وهذا من رزق الله أيها الإخوة بعدما تعبوا وصدقوا وصبروا، رزقهم الله هذا، فأخرجه لهم من البحر، وإلا فمن الذي يستطيع أن يصيد مثل هذا؟.. لعظمه وحجمه.. حتى قال جابر: أكلنا منه نصف شهر، وهم ثلاثمائة، وبقي منه ما بقي، وادهنوا بدهنه.. وهذا رزق الله عز وجل لهم بعدما صبروا رضي الله عنهم وأرضاهم.
عادوا بعد ذلك إلى المدينة كما ذكرنا، وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
---------------------
(1) صحيح البخاري 4361، وصحيح مسلم 1935.
(2) صحيح الترمذي، 69.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_العاشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 211
فتح مكة (1)
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الحادي عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
في العام الثامن من الهجرة بدأ فتح مكة؛ هذا الفتح العظيم الذي سماه الله عز وجل فتحا عظيما.
فتح مكة التي بدأ الإسلام منها، وخرج نبينا صلوات الله وسلامه عليه منها.. فعادته العرب، وآذوا أصحابه وآذوه.. وخرج منها مهاجرا إلى المدينة.
مضت سنة الله، ودارت الأيام، فعاد صلى الله عليه وسلم إليها بجيش يقارب العشرة آلاف.
وكان حين خرج منها صلى الله عليه وسلم.. خرج مع أبي بكر وعبد الله بن أريقط الدليل خائفين. ووضعت قريش -كما سبق معنا- مائة ناقة لمن يأتي بهما.. والآن سيأتينا كيف دخلها صلى الله عليه وسلم..
هذه سنة الله في خلقه.. سنة الله في عباده المؤمنين؛ {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} (1)، {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} (2).
عاد مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف.. عشرة آلاف من المؤمنين الصادقين الصابرين، من المهاجرين والأنصار وبقية العرب..
الإرهاصات التي بدأ بها فتح مكة هي -كما سبق معنا- أن خزاعة دخلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وبنو بكر دخلوا في عهد قريش.. وخزاعة كانت تقيم بجوار بني بكر.. وكان العهد الذي بينهم أن من دخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم فهو معه؛ ما أصابه يصيبهم، وما أصابهم يصيبه، وكذلك دخلت بنو بكر مع قريش؛ فما أصاب بني بكر يصيب قريشا.. وعلى هذا كان الاتفاق والعهد..
بنو بكر أرادوا أن يأخذوا ثأرهم من خزاعة، لكن صلح الحديبية أوقفهم.. ولما أراد الله فتح مكة لنبيه صلى الله عليه وسلم، نوت بنو بكر على خزاعة، فاستعانوا ببعض رجالات قريش، فأعانهم مجموعة منهم: صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما.
أمدوهم بالدروع وأمدوهم بالسيوف وقاتل بعضهم مع بني بكر ضد خزاعة.. وجاءوا -كما ذكر أهل السير- إلى ماء من مياه خزاعة يقال له "الوتير"..
فقامت بنو بكر -وخزاعة في ذلك الوقت قد أمنت، ولم يستعدوا لقتال؛ لأن بينهم وبين بني بكر هذا العهد الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش- فقتلوا فيهم مقتلة.. حتى إن رجلا من بني بكر كان يلحق رجلا من خزاعة، فهرب الخزاعي حتى دخل الحرم -حرم مكة-، فلما دخله قال رجل مع هذا البكري: قد صرنا في الحرم. قال: لا حرم اليوم. فقتله..
لما كان هذا، انطلق رجل من بني خزاعة، يقال له عمرو بن سالم الخزاعي.. ركب ناقته وانطلق إلى المدينة.. لماذا؟ ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا نقض صريح وواضح للعهد والصلح الذي كان في الحديبية.
وقد جاء أنه دخل إلى المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى الفجر بالمسلمين، ولا زال في مسجده، فدخل عليه في المسجد، ثم أنشد يقول:
يا رب إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا
وادع عباد الله يأتوا مددا
إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا (3)
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت يا عمرو بن سالم). (4)
----------
(1) سورة الصافات، الآيات 171-173.
(2) سورة السجدة، الآية 24.
(3) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/394.
(4) ضعفه الألباني، تخريج أحاديث فقه السيرة، 373.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الحادية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
فتح مكة (1)
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الحادي عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
في العام الثامن من الهجرة بدأ فتح مكة؛ هذا الفتح العظيم الذي سماه الله عز وجل فتحا عظيما.
فتح مكة التي بدأ الإسلام منها، وخرج نبينا صلوات الله وسلامه عليه منها.. فعادته العرب، وآذوا أصحابه وآذوه.. وخرج منها مهاجرا إلى المدينة.
مضت سنة الله، ودارت الأيام، فعاد صلى الله عليه وسلم إليها بجيش يقارب العشرة آلاف.
وكان حين خرج منها صلى الله عليه وسلم.. خرج مع أبي بكر وعبد الله بن أريقط الدليل خائفين. ووضعت قريش -كما سبق معنا- مائة ناقة لمن يأتي بهما.. والآن سيأتينا كيف دخلها صلى الله عليه وسلم..
هذه سنة الله في خلقه.. سنة الله في عباده المؤمنين؛ {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} (1)، {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} (2).
عاد مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف.. عشرة آلاف من المؤمنين الصادقين الصابرين، من المهاجرين والأنصار وبقية العرب..
الإرهاصات التي بدأ بها فتح مكة هي -كما سبق معنا- أن خزاعة دخلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وبنو بكر دخلوا في عهد قريش.. وخزاعة كانت تقيم بجوار بني بكر.. وكان العهد الذي بينهم أن من دخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم فهو معه؛ ما أصابه يصيبهم، وما أصابهم يصيبه، وكذلك دخلت بنو بكر مع قريش؛ فما أصاب بني بكر يصيب قريشا.. وعلى هذا كان الاتفاق والعهد..
بنو بكر أرادوا أن يأخذوا ثأرهم من خزاعة، لكن صلح الحديبية أوقفهم.. ولما أراد الله فتح مكة لنبيه صلى الله عليه وسلم، نوت بنو بكر على خزاعة، فاستعانوا ببعض رجالات قريش، فأعانهم مجموعة منهم: صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما.
أمدوهم بالدروع وأمدوهم بالسيوف وقاتل بعضهم مع بني بكر ضد خزاعة.. وجاءوا -كما ذكر أهل السير- إلى ماء من مياه خزاعة يقال له "الوتير"..
فقامت بنو بكر -وخزاعة في ذلك الوقت قد أمنت، ولم يستعدوا لقتال؛ لأن بينهم وبين بني بكر هذا العهد الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش- فقتلوا فيهم مقتلة.. حتى إن رجلا من بني بكر كان يلحق رجلا من خزاعة، فهرب الخزاعي حتى دخل الحرم -حرم مكة-، فلما دخله قال رجل مع هذا البكري: قد صرنا في الحرم. قال: لا حرم اليوم. فقتله..
لما كان هذا، انطلق رجل من بني خزاعة، يقال له عمرو بن سالم الخزاعي.. ركب ناقته وانطلق إلى المدينة.. لماذا؟ ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا نقض صريح وواضح للعهد والصلح الذي كان في الحديبية.
وقد جاء أنه دخل إلى المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى الفجر بالمسلمين، ولا زال في مسجده، فدخل عليه في المسجد، ثم أنشد يقول:
يا رب إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا
وادع عباد الله يأتوا مددا
إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا (3)
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت يا عمرو بن سالم). (4)
----------
(1) سورة الصافات، الآيات 171-173.
(2) سورة السجدة، الآية 24.
(3) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/394.
(4) ضعفه الألباني، تخريج أحاديث فقه السيرة، 373.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الحادية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 211
فتح مكة (1)
الشيخ صالح الخليفة
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يجهز جيشه ويعد العدة..
قريش لما أصبحت وعلمت بالخبر اجتمع سادتها، فعلموا أنهم قد نقضوا العهد، وأن قريشا قد أمدت بني بكر.. ولو أن بني بكر وحدهم قاتلوا لكان العهد منقوضا لأنهم تابعون لهم في هذا العهد.. فرأوا أن يرسلوا أبا سفيان ليجدد العهد ويمدده إن استطاع.
ذكر أهل السير أن أبا سفيان ذهب إلى المدينة ليطلب تمديد العهد، فذهب إلى أبي بكر وطلب منه أن يشفع عند النبي صلى الله عليه وسلم فأبى، وطلب من عمر فرده وأغلظ، وقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم! والله لو لم أجد إلا كذا وكذا لقاتلتكم به، ثم ذهب إلى علي بن أبي طالب، فقال له علي كما قال أبو بكر وعمر، ورده.. حتى طلب من فاطمة أن يشفع الحسن، وكان غلاما صغيرا، فقالت: ابني هذا لم يبلغ أن يجير في مثل هذا..
ولما دخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين، كان في بيتها فراش النبي صلى الله عليه وسلم فطوته عنه، فقال: يا بنية، والله لا أدري: أرغبت بهذا الفراش عني، أم رغبت بي عنه!؟ قالت: إنك مشرك؛ وإنك نجس، وإنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا بنية، والله لقد أصابك بعدي شر عظيم..(5) -وهكذا كان يرى الأمر-..
ثم دخل إلى المسجد، فقال له علي بن أبي طالب: ولكن أرى أن تدخل، فأنت سيد قريش، فتجير أمام الناس..
وهذا من استخفاف علي رضي الله عنه به.. وإلا فكيف يجير ولا يقبل جواره وهو سيد مكة!
ففعل هذا، ثم عاد.. وعلمت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقصدهم نصرة لحلفائه خزاعة.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
---------
(5) قال الألباني: 'ضعيف، رواه ابن إسحاق بدون إسناد". تخريج أحاديث فقه السيرة، 373.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الحادية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
فتح مكة (1)
الشيخ صالح الخليفة
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يجهز جيشه ويعد العدة..
قريش لما أصبحت وعلمت بالخبر اجتمع سادتها، فعلموا أنهم قد نقضوا العهد، وأن قريشا قد أمدت بني بكر.. ولو أن بني بكر وحدهم قاتلوا لكان العهد منقوضا لأنهم تابعون لهم في هذا العهد.. فرأوا أن يرسلوا أبا سفيان ليجدد العهد ويمدده إن استطاع.
ذكر أهل السير أن أبا سفيان ذهب إلى المدينة ليطلب تمديد العهد، فذهب إلى أبي بكر وطلب منه أن يشفع عند النبي صلى الله عليه وسلم فأبى، وطلب من عمر فرده وأغلظ، وقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم! والله لو لم أجد إلا كذا وكذا لقاتلتكم به، ثم ذهب إلى علي بن أبي طالب، فقال له علي كما قال أبو بكر وعمر، ورده.. حتى طلب من فاطمة أن يشفع الحسن، وكان غلاما صغيرا، فقالت: ابني هذا لم يبلغ أن يجير في مثل هذا..
ولما دخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين، كان في بيتها فراش النبي صلى الله عليه وسلم فطوته عنه، فقال: يا بنية، والله لا أدري: أرغبت بهذا الفراش عني، أم رغبت بي عنه!؟ قالت: إنك مشرك؛ وإنك نجس، وإنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا بنية، والله لقد أصابك بعدي شر عظيم..(5) -وهكذا كان يرى الأمر-..
ثم دخل إلى المسجد، فقال له علي بن أبي طالب: ولكن أرى أن تدخل، فأنت سيد قريش، فتجير أمام الناس..
وهذا من استخفاف علي رضي الله عنه به.. وإلا فكيف يجير ولا يقبل جواره وهو سيد مكة!
ففعل هذا، ثم عاد.. وعلمت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقصدهم نصرة لحلفائه خزاعة.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
---------
(5) قال الألباني: 'ضعيف، رواه ابن إسحاق بدون إسناد". تخريج أحاديث فقه السيرة، 373.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الحادية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 212
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثاني عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو قريش، أرسل الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه رسالة لقريش؛ يريد أن يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم لمكة؛ وليحذرهم.. وأراد من ذلك كما سيأتينا بعد قليل أن تكون له يد عند قريش لأنه ليس من أنفس قبائلهم.
جاء الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعا علي بن أبي طالب والمقداد والزبير بن العوام، ثم قال لهم: (اذهبوا حتى تصلوا روضة خاخ) -مكان بين مكة والمدينة- (ستجدون ظعينة) - أي امرأة على ناقتها- (معها كتاب قد أرسله حاطب إلى أهل مكة).
مضوا.. وقيل إنهما علي والزبير فقط، حتى وصلا إلى روضة خاخ، فرأيا المرأة، فقالت لها: أعطنا الكتاب الذي أعطاك إياه حاطب. فقالت: ليس معي شيء..
فانظروا ماذا قال علي والزبير رضي الله عنهما لها: والله ما كذبنا ولا كذبنا، -أي الذي قال لها هذا لا يكذب؛ وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نكذب عليك ولا نفتري.. فإما أن تخرجيه وإلا جردناك من ثيابك.. فلما علمت الحق منهما، وأنهما صادقان في ما يقولان، أخرجته -قيل: من حجزتها؛ وهي مكان ربط القميص أو الإزار من وسط البدن، -وقيل: من عقيصتها أي من ظفائر شعرها.. فأعطتهما ثم عادا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا فسأله: لم فعلت ذلك؟ وهذا أيها الإخوة فيه درس عظيم لكل والد وأم ومرب ومعلم ولكل مسلم؛ حين يأتيك من يخبرك بخبر، فإنه يجب أن تثبت أولا، ثم تسأل من جاءك الخبر عنه -لو فعل ذلك-: لم فعله؟
نحن لا نعلم ما الذي تخفيه صدور الناس ودوافعها، وما كل الدوافع واحدة، وخاصة في من كانت له سابقة من خير أو معروف أو إحسان.. وهذا من واجب المسلم علينا..
فقال حاطب للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعجل علي يا رسول الله، والله ما كفرت بعد إسلام، ولا ارتددت عن ديني، ولكني لم أكن من أنفس قبائل قريش، فأردت أن يكون لي بسبب هذا الكتاب حظوة عند قريش فيحسنوا إلى أهلي وإلى مالي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد صدق.
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنقه؛ فقد نافق.
قال: يا عمر، إنه من أهل بدر، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. (1)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن فعل حاطب ليس كفرا؛ لأنها موالاة خاصة للرحم. فهي ذنب انتقص به إيمانه. (2) وكذلك قالها غير واحد من أهل العلم.
وهذا كان بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه. وإلا فالأصل أن مثل هذا أنه موالاة لغير المسلمين وإعانة لهم على المسلمين. لكن النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطبا، وقال ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.
استنفر النبي صلى الله عليه وسلم القبائل التي حول المدينة ولم يخبر أحدا إلى أين يريد أن يمضي. وقال: اللهم أعم عنا قريشا.
فجاءت القبائل التي أسلمت كغفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع وسليم.. كلهم جاءوا حتى إن مزينة جاء منها ألف مقاتل، وكذلك من سليم وغيرها.
المهاجرون والأنصار كلهم كانوا مع الجيش، فاكتمل الجيش واستوعب وأوعب عشرة آلاف مقاتل.
خرجوا أيها الإخوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يدرون أين يمضون.. حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم منطقة يقال لها: كديد؛ وهي تبعد عن مكة 86 كيلا. فأمرهم بالإفطار، فأفطروا ليكون أقوى لهم. (3) وسبب ذلك أنها كانت في رمضان من العام الثامن للهجرة.
----------------
(1) صحيح البخاري 6259، وصحيح مسلم 2494.
(2) مجموع الفتاوى، 7/ 522-523.
(3) صحيح البخاري 1944، صحيح مسلم 1113.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثاني عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو قريش، أرسل الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه رسالة لقريش؛ يريد أن يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم لمكة؛ وليحذرهم.. وأراد من ذلك كما سيأتينا بعد قليل أن تكون له يد عند قريش لأنه ليس من أنفس قبائلهم.
جاء الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعا علي بن أبي طالب والمقداد والزبير بن العوام، ثم قال لهم: (اذهبوا حتى تصلوا روضة خاخ) -مكان بين مكة والمدينة- (ستجدون ظعينة) - أي امرأة على ناقتها- (معها كتاب قد أرسله حاطب إلى أهل مكة).
مضوا.. وقيل إنهما علي والزبير فقط، حتى وصلا إلى روضة خاخ، فرأيا المرأة، فقالت لها: أعطنا الكتاب الذي أعطاك إياه حاطب. فقالت: ليس معي شيء..
فانظروا ماذا قال علي والزبير رضي الله عنهما لها: والله ما كذبنا ولا كذبنا، -أي الذي قال لها هذا لا يكذب؛ وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نكذب عليك ولا نفتري.. فإما أن تخرجيه وإلا جردناك من ثيابك.. فلما علمت الحق منهما، وأنهما صادقان في ما يقولان، أخرجته -قيل: من حجزتها؛ وهي مكان ربط القميص أو الإزار من وسط البدن، -وقيل: من عقيصتها أي من ظفائر شعرها.. فأعطتهما ثم عادا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا فسأله: لم فعلت ذلك؟ وهذا أيها الإخوة فيه درس عظيم لكل والد وأم ومرب ومعلم ولكل مسلم؛ حين يأتيك من يخبرك بخبر، فإنه يجب أن تثبت أولا، ثم تسأل من جاءك الخبر عنه -لو فعل ذلك-: لم فعله؟
نحن لا نعلم ما الذي تخفيه صدور الناس ودوافعها، وما كل الدوافع واحدة، وخاصة في من كانت له سابقة من خير أو معروف أو إحسان.. وهذا من واجب المسلم علينا..
فقال حاطب للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعجل علي يا رسول الله، والله ما كفرت بعد إسلام، ولا ارتددت عن ديني، ولكني لم أكن من أنفس قبائل قريش، فأردت أن يكون لي بسبب هذا الكتاب حظوة عند قريش فيحسنوا إلى أهلي وإلى مالي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد صدق.
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنقه؛ فقد نافق.
قال: يا عمر، إنه من أهل بدر، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. (1)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن فعل حاطب ليس كفرا؛ لأنها موالاة خاصة للرحم. فهي ذنب انتقص به إيمانه. (2) وكذلك قالها غير واحد من أهل العلم.
وهذا كان بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه. وإلا فالأصل أن مثل هذا أنه موالاة لغير المسلمين وإعانة لهم على المسلمين. لكن النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطبا، وقال ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.
استنفر النبي صلى الله عليه وسلم القبائل التي حول المدينة ولم يخبر أحدا إلى أين يريد أن يمضي. وقال: اللهم أعم عنا قريشا.
فجاءت القبائل التي أسلمت كغفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع وسليم.. كلهم جاءوا حتى إن مزينة جاء منها ألف مقاتل، وكذلك من سليم وغيرها.
المهاجرون والأنصار كلهم كانوا مع الجيش، فاكتمل الجيش واستوعب وأوعب عشرة آلاف مقاتل.
خرجوا أيها الإخوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يدرون أين يمضون.. حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم منطقة يقال لها: كديد؛ وهي تبعد عن مكة 86 كيلا. فأمرهم بالإفطار، فأفطروا ليكون أقوى لهم. (3) وسبب ذلك أنها كانت في رمضان من العام الثامن للهجرة.
----------------
(1) صحيح البخاري 6259، وصحيح مسلم 2494.
(2) مجموع الفتاوى، 7/ 522-523.
(3) صحيح البخاري 1944، صحيح مسلم 1113.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز