السيرة النبوية 212
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثاني عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو قريش، أرسل الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه رسالة لقريش؛ يريد أن يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم لمكة؛ وليحذرهم.. وأراد من ذلك كما سيأتينا بعد قليل أن تكون له يد عند قريش لأنه ليس من أنفس قبائلهم.
جاء الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعا علي بن أبي طالب والمقداد والزبير بن العوام، ثم قال لهم: (اذهبوا حتى تصلوا روضة خاخ) -مكان بين مكة والمدينة- (ستجدون ظعينة) - أي امرأة على ناقتها- (معها كتاب قد أرسله حاطب إلى أهل مكة).
مضوا.. وقيل إنهما علي والزبير فقط، حتى وصلا إلى روضة خاخ، فرأيا المرأة، فقالت لها: أعطنا الكتاب الذي أعطاك إياه حاطب. فقالت: ليس معي شيء..
فانظروا ماذا قال علي والزبير رضي الله عنهما لها: والله ما كذبنا ولا كذبنا، -أي الذي قال لها هذا لا يكذب؛ وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نكذب عليك ولا نفتري.. فإما أن تخرجيه وإلا جردناك من ثيابك.. فلما علمت الحق منهما، وأنهما صادقان في ما يقولان، أخرجته -قيل: من حجزتها؛ وهي مكان ربط القميص أو الإزار من وسط البدن، -وقيل: من عقيصتها أي من ظفائر شعرها.. فأعطتهما ثم عادا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا فسأله: لم فعلت ذلك؟ وهذا أيها الإخوة فيه درس عظيم لكل والد وأم ومرب ومعلم ولكل مسلم؛ حين يأتيك من يخبرك بخبر، فإنه يجب أن تثبت أولا، ثم تسأل من جاءك الخبر عنه -لو فعل ذلك-: لم فعله؟
نحن لا نعلم ما الذي تخفيه صدور الناس ودوافعها، وما كل الدوافع واحدة، وخاصة في من كانت له سابقة من خير أو معروف أو إحسان.. وهذا من واجب المسلم علينا..
فقال حاطب للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعجل علي يا رسول الله، والله ما كفرت بعد إسلام، ولا ارتددت عن ديني، ولكني لم أكن من أنفس قبائل قريش، فأردت أن يكون لي بسبب هذا الكتاب حظوة عند قريش فيحسنوا إلى أهلي وإلى مالي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد صدق.
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنقه؛ فقد نافق.
قال: يا عمر، إنه من أهل بدر، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. (1)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن فعل حاطب ليس كفرا؛ لأنها موالاة خاصة للرحم. فهي ذنب انتقص به إيمانه. (2) وكذلك قالها غير واحد من أهل العلم.
وهذا كان بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه. وإلا فالأصل أن مثل هذا أنه موالاة لغير المسلمين وإعانة لهم على المسلمين. لكن النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطبا، وقال ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.
استنفر النبي صلى الله عليه وسلم القبائل التي حول المدينة ولم يخبر أحدا إلى أين يريد أن يمضي. وقال: اللهم أعم عنا قريشا.
فجاءت القبائل التي أسلمت كغفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع وسليم.. كلهم جاءوا حتى إن مزينة جاء منها ألف مقاتل، وكذلك من سليم وغيرها.
المهاجرون والأنصار كلهم كانوا مع الجيش، فاكتمل الجيش واستوعب وأوعب عشرة آلاف مقاتل.
خرجوا أيها الإخوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يدرون أين يمضون.. حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم منطقة يقال لها: كديد؛ وهي تبعد عن مكة 86 كيلا. فأمرهم بالإفطار، فأفطروا ليكون أقوى لهم. (3) وسبب ذلك أنها كانت في رمضان من العام الثامن للهجرة.
----------------
(1) صحيح البخاري 6259، وصحيح مسلم 2494.
(2) مجموع الفتاوى، 7/ 522-523.
(3) صحيح البخاري 1944، صحيح مسلم 1113.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الدرس الثاني عشر بعد المائتين في سيرته صلى الله عليه وسلم.
لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو قريش، أرسل الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه رسالة لقريش؛ يريد أن يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم لمكة؛ وليحذرهم.. وأراد من ذلك كما سيأتينا بعد قليل أن تكون له يد عند قريش لأنه ليس من أنفس قبائلهم.
جاء الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعا علي بن أبي طالب والمقداد والزبير بن العوام، ثم قال لهم: (اذهبوا حتى تصلوا روضة خاخ) -مكان بين مكة والمدينة- (ستجدون ظعينة) - أي امرأة على ناقتها- (معها كتاب قد أرسله حاطب إلى أهل مكة).
مضوا.. وقيل إنهما علي والزبير فقط، حتى وصلا إلى روضة خاخ، فرأيا المرأة، فقالت لها: أعطنا الكتاب الذي أعطاك إياه حاطب. فقالت: ليس معي شيء..
فانظروا ماذا قال علي والزبير رضي الله عنهما لها: والله ما كذبنا ولا كذبنا، -أي الذي قال لها هذا لا يكذب؛ وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نكذب عليك ولا نفتري.. فإما أن تخرجيه وإلا جردناك من ثيابك.. فلما علمت الحق منهما، وأنهما صادقان في ما يقولان، أخرجته -قيل: من حجزتها؛ وهي مكان ربط القميص أو الإزار من وسط البدن، -وقيل: من عقيصتها أي من ظفائر شعرها.. فأعطتهما ثم عادا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا فسأله: لم فعلت ذلك؟ وهذا أيها الإخوة فيه درس عظيم لكل والد وأم ومرب ومعلم ولكل مسلم؛ حين يأتيك من يخبرك بخبر، فإنه يجب أن تثبت أولا، ثم تسأل من جاءك الخبر عنه -لو فعل ذلك-: لم فعله؟
نحن لا نعلم ما الذي تخفيه صدور الناس ودوافعها، وما كل الدوافع واحدة، وخاصة في من كانت له سابقة من خير أو معروف أو إحسان.. وهذا من واجب المسلم علينا..
فقال حاطب للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعجل علي يا رسول الله، والله ما كفرت بعد إسلام، ولا ارتددت عن ديني، ولكني لم أكن من أنفس قبائل قريش، فأردت أن يكون لي بسبب هذا الكتاب حظوة عند قريش فيحسنوا إلى أهلي وإلى مالي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد صدق.
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنقه؛ فقد نافق.
قال: يا عمر، إنه من أهل بدر، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. (1)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن فعل حاطب ليس كفرا؛ لأنها موالاة خاصة للرحم. فهي ذنب انتقص به إيمانه. (2) وكذلك قالها غير واحد من أهل العلم.
وهذا كان بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه. وإلا فالأصل أن مثل هذا أنه موالاة لغير المسلمين وإعانة لهم على المسلمين. لكن النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطبا، وقال ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.
استنفر النبي صلى الله عليه وسلم القبائل التي حول المدينة ولم يخبر أحدا إلى أين يريد أن يمضي. وقال: اللهم أعم عنا قريشا.
فجاءت القبائل التي أسلمت كغفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع وسليم.. كلهم جاءوا حتى إن مزينة جاء منها ألف مقاتل، وكذلك من سليم وغيرها.
المهاجرون والأنصار كلهم كانوا مع الجيش، فاكتمل الجيش واستوعب وأوعب عشرة آلاف مقاتل.
خرجوا أيها الإخوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يدرون أين يمضون.. حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم منطقة يقال لها: كديد؛ وهي تبعد عن مكة 86 كيلا. فأمرهم بالإفطار، فأفطروا ليكون أقوى لهم. (3) وسبب ذلك أنها كانت في رمضان من العام الثامن للهجرة.
----------------
(1) صحيح البخاري 6259، وصحيح مسلم 2494.
(2) مجموع الفتاوى، 7/ 522-523.
(3) صحيح البخاري 1944، صحيح مسلم 1113.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
السيرة النبوية 212
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة
في خروجه صلى الله عليه وسلم قدر الله أن يخرج بعض المشركين يريدون المدينة للإسلام، فأسلموا ثم عادوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.. منهم أبو سفيان بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أخوه من الرضاعة كذلك، وكان يهجو المسلمين وكان يقاتل المسلمين عشرين سنة مع المشركين. ثم خرج قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، خرج مسلما صادقا مؤمنا.. وسبحان الله.. لا يدري المرء متى تكون هداية الله له.
أسلم فكان من خيار الصحابة بعد ذلك، حتى إنه ثبت في حنين لما ولى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت إلا القلة، كان منهم أبو سفيان رضي الله عنه.(1)
وكذلك أيها الإخوة، وهذا من العجب الذي يطول فيه التأمل: عبد الله بن أبي أمية؛ هو أخو أم المؤمنين أم سلمة..(2) لكن لو عدنا في بدايات السيرة عند موت أبي طالب: اللذان كانا على رأس أبي طالب يقولان: كيف تموت على غير ملة أبيك!؟ كان أبو جهل وهذا عبد الله بن أبي أمية.. ومع ذلك فإنه قد خرج مؤمنا مسلما، وصدق في إيمانه ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم كجندي في المعركة في مكة، بل وقتل رضي الله عنه شهيدا في حصار الطائف..(3) ما طال به الزمن حتى قتل شهيدا.
لا ندري أيها الإخوة، رجل قد يكون منافحا عن الكفر مؤيدا له محاربا للإسلام، ثم تأتيه رحمة الله وهدايته، فيكون كما كان عبد الله بن أبي أمية رضي الله عنه وأرضاه.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
----------------
(1) صحيح مسلم، 1775.
(2) قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية رضي الله عنهما رواها الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/167، من حديث طويل رجاله رجال الصحيح.
(3) أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، 3/176.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز
فتح مكة 2
الشيخ صالح الخليفة
في خروجه صلى الله عليه وسلم قدر الله أن يخرج بعض المشركين يريدون المدينة للإسلام، فأسلموا ثم عادوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.. منهم أبو سفيان بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أخوه من الرضاعة كذلك، وكان يهجو المسلمين وكان يقاتل المسلمين عشرين سنة مع المشركين. ثم خرج قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، خرج مسلما صادقا مؤمنا.. وسبحان الله.. لا يدري المرء متى تكون هداية الله له.
أسلم فكان من خيار الصحابة بعد ذلك، حتى إنه ثبت في حنين لما ولى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت إلا القلة، كان منهم أبو سفيان رضي الله عنه.(1)
وكذلك أيها الإخوة، وهذا من العجب الذي يطول فيه التأمل: عبد الله بن أبي أمية؛ هو أخو أم المؤمنين أم سلمة..(2) لكن لو عدنا في بدايات السيرة عند موت أبي طالب: اللذان كانا على رأس أبي طالب يقولان: كيف تموت على غير ملة أبيك!؟ كان أبو جهل وهذا عبد الله بن أبي أمية.. ومع ذلك فإنه قد خرج مؤمنا مسلما، وصدق في إيمانه ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم كجندي في المعركة في مكة، بل وقتل رضي الله عنه شهيدا في حصار الطائف..(3) ما طال به الزمن حتى قتل شهيدا.
لا ندري أيها الإخوة، رجل قد يكون منافحا عن الكفر مؤيدا له محاربا للإسلام، ثم تأتيه رحمة الله وهدايته، فيكون كما كان عبد الله بن أبي أمية رضي الله عنه وأرضاه.
نقف على هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
----------------
(1) صحيح مسلم، 1775.
(2) قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية رضي الله عنهما رواها الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/167، من حديث طويل رجاله رجال الصحيح.
(3) أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، 3/176.
#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الثانية_عشرة_بعد_المائتين
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز