((صِبْغَةَ اللَّهِ ً ))

This media is not supported in your browser

662 views"الإسلام_ديني", 08:07

السيرة النبوية (25)
تأملات في قصة بداية الوحي 2
الشيخ صالح الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

نستأنف أيها الإخوة بدايات مبعثه صلى الله عليه وسلم وبدايات الوحي.
فأقول: إن هذه اللحظات وهذه الأيام التي بدأ فيها الوحي كانت هي الفاصل بين عهد وعهد؛ بين حياة وحياة. كانت أياما لها ما بعدها من الأمور العظيمة؛ من تغير الناس والقبائل والمدن والدول على وجه الأرض جميعا. ولذلك قال الله جل وعلا لنبيه: {قم فأنذر}(1)، وقال: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا}(2)، وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}(3).

أيها الإخوة، فلنعش هذه الأحداث، ونحن نستحضر أنه سيخرج للدنيا كلها، سيخرج إليهم بشيء ما سمع الخلق بمثله، ولا ظنوا أن يأتي أحد فيقول ما قاله صلى الله عليه وسلم.

فكيف استطاع هذا النبي العظيم صلوات الله وسلامه عليه أن يخرج من بين أهله وعشيرته فيقف أمامهم مؤمنا بالله موحدا له، ويقول لهم: كل دينكم وعباداتكم وأصنامكم وأزلامكم تحت قدمي؛ كفر بالله لا تنفعكم في الدنيا ولا في الآخرة. ومكة من أكبر المدن التي يتوافد لها الخلق. وكانوا يسمون بأهل الحرم، ويسمون بالحمس؛ وهم أهل مكة، لهم السقاية والرفادة..

ثم يخرج واحد من بينهم فيسفه أحلامهم ويبطل آلهتهم ويقول لهم: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".(4)

من فوائد هذه البداية، أيها الإخوة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى غار حراء. وهذه طبيعة النفوس المؤمنة؛ فإنها تبغض أشد ما تبغض ما يفعله الجهال من عبادة غير الله عز وجل وتقديس القبور والأولياء والتبرك بالأضرحة، ودعاء الأولياء من دون الله سبحانه وتعالى.

فكان صلى الله عليه وسلم يخرج من هذا المكان الذي قد امتلأ كفرا وشركا بالله عز وجل، يخرج إلى غار حراء فيبقى بعيدا. يبقى، أيها الإخوة، يتعبد -والعبادة في وقته صلى الله عليه وسلم وقبل أن يوحى إليه كان جلها إن لم يكن كلها في شيء واحد، وهو الذي يجب أن ننتبه إليه، أيها الإخوة..

يا أيها الإخوة، يا أيتها الأخوات، هذا الأمر العظيم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج فيبقى في غار حراء شهرا كاملا، يقوم متعبدا لله عز وجل، شهرا كاملا بهذا الأمر.. ما هو؟.. إنه التفكر.. التفكر، أيها الإخوة، الذي غفل عنه كثير من الناس. والقرآن مليء بدعوات الله عز وجل للمؤمنين بالتدبر والتفكر والتأمل. ولذلك، هو من أعظم الأسباب التي تقرب العبد إلى ربه وتزيد من إيمانه؛ حينما ينظر إلى عظيم خلق الله وإلى عظيم حكمة الله.

حينما يتأمل المؤمن، أيها الإخوة، في آيات الله عز وجل فيرى الآيات وهي تتابع في ذلك {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا}(5). وأيضا، {ألم يروا} {ألم تروا} {أولم ينظروا}، وفي قوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}(6) حتى في الإبل. بل قال تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}(7). كثير من الناس قد غفل عن هذا؛ فلا يتأملون ولا يتدبرون..

أيها الإخوة، منذ خلق الله آدم وأنزله إلى الأرض إلى يومنا، هؤلاء الخلق.. مليارات البشر.. لا أحد يشبه أحدا؛ تختلف ألوانهم وأجسادهم وأبشارهم. وفوق هذا كله، نفوسهم ومشاربهم، تفكيرهم وعقولهم.. هذا الخلق العظيم الذي بلغ المليارات في زماننا. وتأملوا، جيلا بعد جيل ومع ذلك لا يتفق اثنان. {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه}(8).

هذا التدبر والتأمل في الملكوت، في السماء، في عظيم خلق الله، في دقة هذا الخلق، وفي إتقانه؛ {ولا الليل سابق النهار}(9)، و{الشمس والقمر بحسبان}(10)، {وكل في فلك يسبحون}(11). {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}(12).. دقة متناهية لا يمكن أن يدركها الإنسان..

هذا هو الله، أيها الإخوة، الذي بعث نبينا صلى الله عليه وسلم رحمة منه سبحانه وتعالى بأهل الأرض وبالخلق، وهو غني عنهم. فبعث خير عباده صلى الله عليه وسلم بهذا الدين العظيم. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

نقف على هذا. ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

--------------------
(1) سورة المدثر، الآية 2.
(2) سورة المزمل، الآيتان 1-2.
(3) سورة المزمل، الآية 5.
(4) زوائد المسند، 16023، تخريج شعيب الأرناؤوط، صحيح لغيره.
(5) سورة سبأ، الآية 46.
(6) سورة الغاشية، الآية 17.
(7) سورة الذاريات، الآية 21.
(8) سورة لقمان، الآية 11.
(9) سورة يس، الآية 40.
(10) سورة الرحمن، الآية 5.
(11) سورة يس، الآية 40.
(12) سورة يس، الآية 38.

#سلسلة_دروس_في_السيرة_النبوية
#الشيخ_صالح_الخليفة
#الحلقة_الخامسة_والعشرون
#انتقاء_الإسلام_ديني
#تفريغ_منتدى_النجاح_والتميز

754 views"الإسلام_ديني", 08:07