أحمد سيف حاشد
343 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
كلية الحقوق
(3)
حامد وأصفاره وزميلنا قائد
احمد سيف حاشد

الأستاذ حامد يدرّسنا مادة نظرية الدولة والقانون.. تعد هذه المادة من أهم المواد الدراسية في سنة أولى حقوق، وتستولي على نصيب الأسد في جدول الحصص الدراسية.. الأستاذ حامد يتصف بالحزم والجدية والإلمام في مادته، وأكثر من ذلك بالبخل الشديد في منح الدرجات لطلابه.. صحيح أن محاضر المادة دكتور روسي، فيما الأستاذ حامد يتولى الترجمة، ولكنه في الحقيقة كان الأكثر حضورا وفاعلية، ويتولى كل تفاصيل تدريس المادة، من ألفها إلى ياءها ما عدا إعداد المحاضرة، وبعض الحضور الشكلي للمحاضر.. كان الأستاذ حامد مهابا، وفارضا نفسه على الجميع..

أول اختبار حقيقي في هذه المادة بدا صادماً في نتائجه للجميع.. أول مادة يتم اختبارها في دفعتنا، وإعلان نتائجها في القاعة الكبرى.. إنه يوما لا يُنسى .. لقد أعطى ذلك الإعلان إلى حد ما ملمح أوّلي للمستوى التعليمي لكل طالب.. ربما هذا أول تعارف فعلي بين الطلاب، من حيث القدرة على التفوق، واختبار القدرة على التعاطي مع الدراسية الجامعية.. أكبر نتيجة تم إحرازها كان سبعة من عشرة.. حُزناها قلة قليلة لا نتعدّى الأربعة أو الخمسة طلاب.. بدينا محل دهشة وتساؤل الزملاء عن كيفية إحرازنا مثل تلك النتائج التي نلناها من أشد البخل وطأة.. كيف انتزعناها من بين فكي الأسد.. بدا الواحد منّا أمام زملائه كمن أجترح مأثرة أو معجزة، وسط خيبة كبيرة ومدوية، وفشل عريض طال أكبر عدد من طلاب الدفعة.. لقد كنّا أشبه بالناجين من الغرق..

لا أذكر إن طالبة نالت درجة سبعة من عشرة إن لم تخنِ الذاكرة.. أكثر فتاة حصدت على خمس درجات.. نتائج الطالبات في أغلبها كانت متدنية جدا، بسبب حفظ المادة من الكرّاس وعدم العودة إلى المراجع.. ومع ذلك نتيجة الخمس درجات بدت جيدة عند المقارنة بما دونها.. رقم لم ينله إلا القليل.. أما السبع درجات فتقدم لك التميز، وتجعل البنان تشير إليك..

صفر من عشرة سمعناه يتكرر ومعه الواحد والاثنان.. سماع الصفر كان يدوّي كثيرا في القاعة، وينزل على أصحابه كالصاعقة.. أما الواحد والاثنان ينزلا على أصحابه كطلقات المدفعية.. الخيبة كبيرة والنتائج صادمة، والوجوه بعد السماع تغرق بالخجل الوخيم، أما من يحصل على خمس أو حتى أربع درجات، فيقول في سر نفسه "اللهما لك الحمد والشكر"..

كانت رسالة الأستاذ حامد للطلاب من خلال هذه النتيجة هو أقرأوا من خارج الكُرّاس.. الدرس في الكراس مجرد عناوين.. لم تُمنح السبع درجات إلا لمن قرأ المراجع وأجاد الجواب.. أستشعر الجميع أن الجامعة شيء مختلف، وأن هذا الاختبار هو أول وأهم اختبار عرفناه في الجامعة، وعرفنا فيه أيضا قيمة الجامعة، وماذا يعني التعليم الجامعي..

لنا مع هذا الاستاذ القدير عدد من الطرائف.. ففي أحد “سيمنارات” النقاش كان صديقي وزميلي قائد حسن حزام إذا تصدّى للإجابة على سؤال الأستاذ؛ أستطرد وأفاض في الجواب، يبدأ مُسهبا من مطلع الكلام ليعدو ألف ميل، ولا يصل إلى الجواب إلا بعد طلوع الروح.. لا يعجبه أن يقطف الجواب مباشرة، بل يبدأ من وعادها نطفة، ولا يصل للجواب الذي يريده الأستاذ إلا بعد الولادة ، بل وبلوغ الفطام..

سأل الأستاذ زميلنا في إحدى المرات عن المرحلة الشيوعية، فبدأ زميلنا بالجواب والتسلسل من المرحلة المشاعية، وهذا يعني أن جوابه سيعبر العبودية والاقطاعية والرأسمالية والاشتراكية ولا يصل إلى الشيوعية إلا بعد مشقة مضنيه، ووقت سيتطاول ولن تدركه الساعات الطوال، وإن استعجل سيصل إلى المطلوب آخر النهار.. ففاجأنا الأستاذ حامد وأستأذن من الطلبة ليذهب إلى الشيخ عثمان، وأبلغنا أنه عندما يصل زميلنا المرحلة الشيوعية نتصل به ليأتي يكمل السمنار ههههههههه لحظتها كدنا ننتحر ضحكا..

كان عندما يوجه الأستاذ حامد سؤال إلى زميلنا قائد نظل جميعا نترقب الجواب بشغف، ونحبس أنفاسنا في صدورنا حتى لا ننفجر ضحكا، ونتذكر السالفة السابقة، حالما كاد الاستاذ يغادر القاعة إلى الشيخ عثمان.. ومع ذلك يظل زميلي قائد أعز أصدقائي وأطيبهم وأنقاهم وآمنهم.. كافح كثيرا ليكمل دراسته الجامعة بسبب ظروفه المادية الصعبة.. كان لديه زوجة وأطفال ومسؤولية، تحمل والده البسيط كامل الأعباء حتى أكمل ولده قائد الدراسة وصار بعدها قاضيا..

يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
اصداء من الوتس:
ماميز الحزب عن كتله الغثاء السياسي في الوطن انه نقد نفسه ونقد بصدق كل مراحله.. وليس هناك مشكل ان نشر احدهم مثل هكذا نقد او وقفه مع النفس.

الحزب الاشتراكي سواء الان او بعد عقد من الزمان بحاجه لكل نقد بناء ونقد ايجابي يصحح المسار ويوضح النهج ويزيل التراب عن التاريخ النضالي والذي يحاول البعض من ساسه الحزب تركه وراء ظهرهم والعودة لحضيرة الرجعيه الدينية والقوى الظلامية او العصبيات المقيته...واتذكر كتاباتنا النقدية عن انبطاح قيادة الحزب بتعز وكان يقال لنا ليس وقته الان...حتي وصل الجميع الي منعطفات الانزلاق اللا أخلاقي في التبعيه لحزب سالم الدست التي صارت سمه من سمات قيادة الحزب الاشتراكي بتعز(فرع الاصلاح) ...ووصل الجميع لنفس القناعات التي تحدثنا عنها قبل ثلاث او اربع سنوات.

تابعت الحلقات التي نشرها النائب المناضل/احمدسيف حاشد حول احداث يناير١٩٨٦م وكانت كتابات شاعرية اكثر منها تاريخية ...وتسطير لحظات الفزع والجنون والحقد والسواد الذي حل في تلك المرحله السوداء لحظات ابكتنا وانا اقرائها واحزنتنا...وجل كتابات النائب/احمدسيف حاشد خلال عامين...والتي هي مذكرات شخصية تشرح حال كل يمني..معاناته...آلامه..واحزانه...شجنه..وعشقه ...وحلمه...وتخوفاته..فهي بالمجمل رائعه وشيقه...واتمني ان يخرج هذا العمل بشكل كتاب..فهو رواية اكثر منه مذكرات شخصيه..

*لنحسن الظن حول هكذا كتابات ناقده حول مرحله من مراحل العنفوان الحزبي ....والذي نتمنى عودته الي حياتنا الحزبية الراكده الان..قيادة نائمة في القاهره والرياض....وقيادة منكفئه في المحافظات الجنوبية وتنصلت من قيادة المشهد السياسي...وقيادة في كيس وزنبيل(الاصلاح) بتعز.*
*تلك المرحله بكل عنفوانها وزخمها وألقها واخطائها لنحاكمهافي سياقها التاريخي ..ونستفد منها..ونحولها دروس وتاريخ..*

واعتذر عن الاطالة..
مودتي،،
اصداء من الوتس
انتظر انتظر.. الجامعة وشوارعها كما قسمناها نحن الطلبة/ خلف قاعة جمال عبد الناصر يقع، " شارع الحب"..." شارع الغلابه." " مقر " الفلاسفه والخ من المسميات كلها تأتي من هذا السرد...
انت تيقظ موميا من سباتها العميق..! سأنتظر تاريخا من الجمال يسرب هنا..

و. ش
اصداء من الوتس:
رحلة معاناة، وسيروره مؤلمه، لكنها تصنع الحياة، تتكامل لتبلور شكلا من أشكال التحدي، لتصيغ الشخصية، من السياقات الزمانية والمكانيه، ولتصنع إرادة وأدوات معرفه تمكن من الإستمرار لقادم مجهول.
التمكن من الأدوات سلاح المستقبل.
لغة عامرة بمضمون الحدث، نابعة من القلب، تصل للقلب والعقل، بصدق الشعور، ووصف الحالة ببراءة وتلقائيه وموضوعية،.
تجربة غنية بالأحداث، التي ربما عشناها بصور مختلفه، لكن التمسك بالأمل للحياة والإنتقال للأفضل كانت مشتركات الانتقال من الشمال للجنوب، فعلا ورفضا لواقع مرير.
إرادة بحثا عن الأمل.
ما يحز في النفس، إستمراو مرارة التجربة، الجهل والإستبداد يطور أدواته أيضا.
سلام.🙏🏻💐🌼
كلية الحقوق
(4)
“نور” اللحجية الجميلة
• في سنة أولى من كلية الحقوق كانت “نور” الأكثر جمالا ودهشة بين الجميع.. نور تنتمي لمحافظة لحج.. لم أكن أعلم أن في لحج كل هذا الجمال الغامر، وهذا السحر المبين الذي يملا المحيط ويفيض.. جمالها يسلب الألباب والقلوب، ويجردنا من كل سلاح ومقاومة؛ لنأتي إليها طائعين خانعين مستسلمين.. ما كل هذا الضعف الذي بات يعتريني، ويستولى على كل شيء فيني يا الله.. جمال لا أقوى على تحدّيه، بل لطالما كشف مدى ضعفي وهشاشتي التي باتت لا تحتمل نسمة هواء حتى تخور وتنهار ركاما من حطام..

• أختلس النظرة من نور كلص، وبقلب مرتجف ومرتعش.. أنا أكره أفعال اللصوص يا الله؛ فلماذا تحولني إلى لص رعديد، وأكثر منه غير محترف؟! هذا الجمال الفارط صيرني خائفا ومتميا، وأنا الذي أثور على نفسي على أن أكون جبانا أو ذليلا.. أنا المتيم بنور، وقد صرت مملوكا لها، وعلى وجهي أهيم.. لقد صارت سيدتي ولها فصل الكلام؛ فهل هي تقبل عبوديتي إلى الأبد..

• أعشق الحرية حد الموت، ولكن هذا الجمال المفرط بات يستعبدني.. جمال يمارس الطغيان، حتى حولنّي إلى عبد خائف مرتعد؟! أنا المدموغ بالإنكار، ولكن في حضرة الجمال أعترف، إن جمالها حجة الله الدامغة على وجوده في الأرض الذي يهتز قلبها من شدته..

• أستفتح بها كل صباح.. انتظر قدومها كسفينة نجاة، أو كأسير ينتظر فاتح عظيم.. انتظرها ساعات طوال لاغتنم لحظة في غفلة الزمن المدجج بالعيون؛ لأختلس نظرة تلتاع بشوق كالحريق.. كل العيون ترمقها بجرأة إلا خجلي ينتظرها ساعات طوال ليغتنم لحظة بلمح البصر، وخلسة من رقابة كل العيون.. أشعر أن العيون كلها راصدة، تراقب كل شيء، وتعدم أمامي خلستي الفاشلة في معظم الأحيان..

• عيوني المتعبة تترصد غفلة لتقترب من ملكوت الإله وممالكه.. أنا محب ولست شيطان رجيم.. أريد أن أدونوا وأقترب لاسترق نظرة أو كلمة في غفلة الشهب الحارسة.. أستلهم الوحي والعلم والسر العظيم.. أحاول أعبر ببصري من ثغرة الرعب اللعين في غفلة الحراس، لاسترق سرا من السموات العلى، لأمارس كهانة الحب الجميل..

***

• كنت أجلس بقاعة المحاضرات الرئيسية في أول الصف، فيما كانت نور أغلب الأحيان تجلس آخر الصف أو في مؤخرة القاعة في الاتجاه الآخر.. كنت أحرج أن أجلس آخر الصف، وأشعر بخجل أن أزاحم الهائمين عليها وهم كُثر يتزاحمون.. كان خجلي يحول أن لا أبدو أمام الآخرين طائشا أو مراهقاً يشبه الصبية الغر في التصرفات المتهورة..

• كان الأستاذ إذا سأل الطالب سؤال أو أجاب الطالب على سؤال الأستاذ، وكان موقع الطالب أو الطالبة في الوسط أو المؤخرة، أقتنص الفرصة، وأوهم العيون أنني أهتم بجواب السؤال، فيما أنا في الحقيقة أختلس نظرة عجولة من وجه “نور” كنت أعصر عنقي حتى اسمع الطقطقة، أدور برأسي نحوها كالحلزون؛ لأرمق وأسرق نظرة على حين غفلة من الزمن والعيون..

• كنت شديد الحذر من أن ترمقني أحد الأعين وأنا أصوب سهامي نحو نور، فيما هي مشغولة في دائرة أضيق من الجوار.. كنت شديد الحذر وأنا أتحاشى العيون لأصل إلى عين نور.. حذري من العيون يشبه حذر جندي الهندسة وهو يسير في حقل ملغوم، ومعي بغيتي الباحثة عن نظره من جمال الله وابداعه في نور أودعه.. إنها نظرة عاشق ولع كتوم.

• نور اختفت فجاءة ولا أدري أين ذهبت!! لم تعد تأتي إلى الكلية كل صباح.. نور غادرت الكلية للأبد، ولكن لا أدري إلى أين!! نور كانت الجمال والدهشة كلها .. نور على نور ونار.. قبس من سر ووحي عظيم.. معجزة لا يأتي بمثلها إلا الرحمن الرحيم..

يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
😂😂😂 ما صحة ما ورد في البلاغ؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم.
بلاغ هام..
وصلنا مصاب من بلاد خولان.. وبعد الفحص تبين أنه مصاب بفيروس كورونا يومنا هذا في مستشفى الكويت فقمنا باتخاذ الاجراءت الطبية مع المصاب حفاظا على حياته وصحته, فقام المصاب بالاتصال ببعض اقاربه وحضرت 16 سيارة مدججة بالاسلحة واخذوا المريض بالقوة.. وقمنا بابلاغ وزير الصحة بهذا التصرف الهمجي, فهذا مصاب وهو رهن الحجر الصحي للعلاج وليس مختطفا, فكيف نتعامل مع هؤلاء البشر..
يا أصحاب خولان هذا مش هو الرويشان ولا هو مختطف هذا انسان مصاب ونحن نقوم بواجبنا الطبي كي تتحسن صحته ويعود الى حياته الطبيعية, فما الحل مع هولاء البشر, لكن طالما وأنتم لا تفهمون فهنيئا لكم الكورونا. اقل شي عشر سيارات بمن فيها ستصابون بالفيروس ممن حضرتم بموكب 16 سيارة لإخراج صاحبكم.. والله على ما أقول شهيد.

حسن محمد الحمدي
طبيب مناوب للحالات الطارئة.
كلية الحقوق
(5)
مادة "الكساح"
اللغة الإنجليزية هي خيبتي الكبيرة التي رافقتني طوال دراستي في كل المراحل، بما فيها السنتين المقررة في الجامعة.. العاهة التي عانيت منها طويلا، ولم استطع مغادرة فشلي فيها.. الكساح الذي لم أتعافِ منه إلى اليوم.. المادة الوحيدة الذي يجتاحني فيها القلق منذ الصباح الباكر، ويستغرقني الإحراج وأنا أحضر درسها الذي يطول، وأشعر أنه يشبه في طوله يوم القيامة.. الوحيدة التي أحس خلالها بالعجز الثقيل، وفقدان طاقتي الإيجابية كاملة.. تفترسني دون أن أقاوم، وليس لدي فيها ما أقوله..

أشعر بالعك والاكتئاب لمجرد أن أتذكّرها.. إن أردت تفسدُ ضحكتي المجلجلة في الكلية ذكرنّي بها.. ساعة في درسها أشهد فيها أهوال القيامة.. ساعة تساوى خمسون ألف سنة مما تعدون.. عثرتي وكساحي في الجامعة، التي لم يشاركنِ فيها، غير زميلي وصديقي عبيد صالح الشعيبي..

أشتاق لكل المساقات الدراسية، وأحرص أن أكون في الصف الأول دوما في مواجهة الأستاذ عين بعين، ولكن إذا ما أتت مادة الإنجليزي أهرول إلى الصف الأخير في الفصل.. أكثر من يشاركني هذه الهرولة زميلي عبيد.. كنّا نحاول الاختباء من نظرة الأستاذ في السنة الأولى والاستاذة في السنة الثانية خلف أجساد ورؤوس زملائنا الذين يجلسون أمامنا في الصفوف.. لو أصابني الزهيمر سأنسى الوجوه كلها، إلا وجوه مدرّسي مادة الإنجليزي.. إنها إحدى عقدي الدائمة في الحياة..

إحدى المرات كان زميلي عبيد يحاول مثلي يخبئ رأسه خلف الرؤوس، وعندما أدرك الأستاذ ما يفعله صديقي حاول القبض عليه بسؤال.. اذا مال رأس عبيد يسارا، مال معه رأس الأستاذ؛ ويقول له “نعم أنت” ويوجه له السؤال.. ولكنه بدلا من أن يجيب على سؤال الأستاذ، يميل عبيد رأسه إلى اليمين، فيميل الأستاذ إلى اليمين، ويجعله تحت ناظريه حتى يقنصه، ويقول له مرة ثانية “نعم أنت.. أنت”، فلم يبقِ لزميلي عبيد إلا أن يحاول يطأطئ رأسه في الوسط والانحناء برأسه إلى الأسفل حاجبا رأسه برأس زميلة الذي يقف أمامه؛ فيقف الأستاذ على أطراف أصابعه، ويحدده بيديه، فيفقد زميلي عبيد كل حيلته، وبدلا أن يجيب على السؤال يرد على الأستاذ: مش أنا يا أستاذ، هذا صاحبي الذي بجانبي، ويشير إليّ؛ فينفجر الطلاب في الصف بالقهقهة..

كان يلتبس على زميلي عبيد حروف “السيc” و “الإسs” فيسألني لأنجده عندما يسأله الاستاذ، ولكن بدلا من أن أساعده في التمييز بينهما أشيره بأنه “آرr” فينفجر بالضحك الزملاء في الجوار.. بعض الطلاب وفي كل حصة لمادة الإنجليزي ينتظرون بفارغ الصبر ما يأتي منّا ليضحكوا.. كان كل منّا أحيانا أشبه بالممثل الإنجليزي “مستر بن” في أدواره الصامتة، وما ننطقه يبدو كوميديا كاملة تضحك الجميع..

طلبت منّي مدرِّسة مادة الانجليزي في إحدى حصصها أن أركّب سؤالا باللغة الإنجليزية.. طارت الكلمات من رأسي تحت هلع مباغتتها لي بالسؤال.. وفجأة تذكرت كلمة “سليب” الإنجليزية، وأضفت إليها السؤال والضمير!: فصار السؤال: أين تنامين؟! فضحك الجميع وأولهم مدرِّسة المادة..

أما زميلي عبيد فأراد البوح بما يعتمل في رأسه من هاجس في تلك اللحظة؛ فألتمس منها طلبا حالما سألته أن يأتي بجملة إنجليزية فيها سؤال، عندما كان يرنو من النافذة المطلّة على الميدان، ثم صارح المعلمة بقوله: يا أستاذة.. في الحصة حقك مستعد أن أحمل كيس ملح، وأظل احمله وأجري حول الميدان، حتى تكملي وقت حصتك ثم تناديني بالعودة إلى الصف، ولكن لا تسأليني!.. فقرح الجميع بالضحك..

كنّا في كل حصة ينتظرنا بعض الزملاء ماذا سنقول إن تم سؤالنا؛ ليقهقهوا.. فيما أنا وزميلي طيلة حصة مادة الإنجليزي نسأل الله السلامة.. السلامة فقط هو دعانا ومبتغانا طوال الدرس.. لا نسأل غيرها.. وعندما تنتهي الحصة؛ نتنفس الصعداء، وتتجدد لدينا الحياة في ذلك اليوم؛ وكأننا عبرنا السراط المستقيم بسلام..

كنّا أوفيا أنا وزميلي عبيد لبعض حتى يوم امتحان هذه المادة.. كان جلوسنا يوم الامتحان مع بعض جنبا إلى جنب وهو ما لفت وأثار فضول وضحك زملاءنا.. صرنا مثل خيري وأخيه.. بدا الأمر محل غرابة زملائنا.. كنت أستخدم في الإجابة على أسئلة قطعة القراءة من خلال البحث عن الكلمات في السؤال، ثم أبحث عن الكلمات المشابهة لها في قطعة القراءة، وأعرف أنه الجواب الصحيح.. ثم أكتب الاجابة من النقطة إلى النقطة.. كانت تلك القاعدة التي نسير عليها نوفق فيها إلى حد بعيد، إلا عندما يمكرنا السؤال..

كنت اعتمد على المقارنة والحدس عند الإجابة.. وأحيانا أشعر وأنا أبحث عن إجابة أنني أشبه بالأعمى الذي يعتمد على عصاه في البحث عن الطريق.. وأحيانا اعتمد على شجاعة صديقي عبيد، فأنا لطالما خانتني شجاعتي في مواقف كتلك..

وعندما يمر الوقت المخصص للامتحان، ويمنح المدرس أو المدرِّسة خمس دقائق اضافية، أكتب فيها أي شيء ولا أترك سؤال إلا وكتبت إجابه له، جلها لا يفهمها لا عربي ولا إنجليزي..

خطي في الإنجليزي جميل وأنيق ، وما أكتبه في الوقت الضائع قبل نفاذ الوقت، لا يستط
ع أحد فهم معناه، ولا أعرف المعنى حتى أنا، وأدرك مليّا أن الأستاذ أيضا لن يفهم شيء، ولا استطيع أن أقرأ شعوره وهو يقرأ، ولكن أدرك أن أقل ردة فعل لديه هو الابتسام، وهذا يكفي.. وربما حدِّث نفسه أن هذا الطالب غريب ومتميز حتى في جهالته.. المهم بالنسبة لي أن أحاول ولا أرد سؤال بخيبته دون جواب.. أكتب أي شيء.. إنه الوقت الضائع الذي لا أضيعه، حتى وإن كان الضياع هو ما أكتبه..

وفي المحصلة لا نسعى أنا وصديقي إلا أن نحصد نصف الدرجة وهي النجاح بالكاد.. أذكر أحد المرات في أيام الحصاد كانت درجاتي في الإنجليزي 26 من 50 قلت في نفسي أن الدرجة الزائدة للإجابة التي اكتبها، وما أكتبه أصلا في الوقت الضائع غير موجود حتى في قواميس اللغة الإنجليزية.. لا أحد يفهم معناها حتى أنا، ولا تعدو غير شرف المحاولة اليائسة، إن لم تكن طلاسم تجلب لي الحظ ومقبول النجاح..
اصداء..
خليل الصريمي:
ههههههههههه
ذكرتني بعمي عقيل كان لا يجيد الانجليزية مطلقا وهو في الجامعه سنة ثالثة تجارة وبعد الامتحان ظهرت درجته ضعيف جدا. فماذا تعتقد علم عمي علي هذه النتيجه
قال انا دارني اني ضعيف لكن تضيف جدا وكانها دعست على رقبتي ههههههه
لكنه كان ذكيا جدا في كل المواد الاخرى
لذا انا لا اتعجب لان لدينا شبيه
هههههههه
لكني احب واحترم واقدر صراحتك ومصداقيتك ليس كمن يدعي انه حاصل على درجة الدكتوراه وهو حمار لا يفهم ولا يعي شي
اصداء..
خليل الصريمي:
ههههههههههه
ذكرتني بعمي عقيل كان لا يجيد الانجليزية مطلقا وهو في الجامعه سنة ثالثة تجارة وبعد الامتحان ظهرت درجته ضعيف جدا. فماذا تعتقد علم عمي علي هذه النتيجه
قال انا دارني اني ضعيف لكن تضيف جدا وكانها دعست على رقبتي ههههههه
لكنه كان ذكيا جدا في كل المواد الاخرى
لذا انا لا اتعجب لان لدينا شبيه
هههههههه
لكني احب واحترم واقدر صراحتك ومصداقيتك ليس كمن يدعي انه حاصل على درجة الدكتوراه وهو حمار لا يفهم ولا يعي شي
اصداء .. من الوتس

جمال .ا:
ياعاشق النور ذكرتني بأجمل ذكرياتي في سنة أولى حب بكلية التجارة..
يا الله كأنك تسرد تسرد ما مررت به وتصف مشاعري وما كان يختلج به صدري عندما تدخل أحلام قاعة المحاضرة..هي فتاة عدنية تميل بشرتها إلى السمرة طفولية هي تقاطيع وجهها توحى لك ببرائة ونقاء قلبها وصدق وعفوية مشاعرها ، تعلقت بها طوال الترم الأول حتي اختفت أحلامي كما اختفت نورك .. 🌴
اصداء من الوتس:
جميل جدا انا التحقت بكليه الحقوق بالعام الفين وخمسه الفين وسته وتخرجت في العام الفين وتسعه في المبني الجديد في مدينه الشعب اجمل ايام حياتي تذوقت الحياه حبيت وانحبت لا زال اتذكر كل قاعه وكل زقاق وكل الزوياء مشتاق لتلك الايام احن لها والتاع ايام لا تمحي من الذاكره ساكتب مذكراتي ولكن بطريقتي وسااستفيد من مذكراتك طبعا لا تشبها ولكن سا احاول ان اقلدك في الحبكه والسرد تحياتي
اصداء..
محمد اللوزي:
لقدبرهنت أنك تمتلك روحا مأخوذة بالجمال، تهيم فيه، وتتنزل أحرفا، هي هكذا نور واسع الأرجاء، يأخذتلابيب الروح، ويشرق في كينونتنا، لنعيش هذا المرتل المسيطر على الإنساني.

نور هي ما يشغل القلب، وفاتحة الرحمن، وطن بعيد المنال قريب الى الشدو، وإلى ما نتمناه.. هذا الحضور النوراني الكبير والذي غاب فجأة ليعتل الوجود ويترنح المولع بالهيام. ليس أكثر من معنى يجسد مايحضرنا ويفلت منا حين نرجوه..

لذلك يبقى البحث هو الذي لا يتوقف سعيا الى نور يأتي. يشغل القلب ويتفتح صباحات جميلة، ونافذة أمل، وحياءا نبيلا واعتزازا أيضا. يالها من معاني ثرية سخية نجدها فينا ربما كناها ذات زمن.. لذلك نشعر بنبض النور ووهجه ولانكف عن الانتظار من اجله. سلاما لنور التي شرقت وغربت وكانت محطة حياة وماتزال. فالنور هو الذي نسعى من أجله عله يسكننا لنهداء.. دمت بهذا الرقي
اصداء..
عارف الشرجبي:
ممتاز ولكن كيف اثر غيابها عنك فجأة وكيف. وهل شعرت هي بولعك بها قبل ان تغادركم. او تغادر الجامعة عموما ...
وهل حاولت البحث عن عنوانها او تسأل عنها ..
قصة كهذه التي سردتها لابد ان تلم بجوانها وتأثيرها حتى لاتظهر انها مبتورة او انك بترت آخر واهم فصل فيها رغم جمالها .
الناحية الدرامية الاهم فيها انك اشرت الى انكم جميعا كنتم تأتوت إليها صاغرين وساجدين. وهذه يوحي ان هناك نوع من التفاهم. او قريب من هدا الامر .
رغم ان اجزاء اخرى من القصة اوحت بان الاعجاب او الحب كان خلسة از من طرف واحد .ولذا جميل ان تشير إلى التأثيرات الجانبية . إن امكن ولو بشكل مقتضب . تكميلي. لكي تترك بصمة او لمسة حزن في قلب القارئ. ليتعاطف معك او يعيش تلك اللحظات الاليمة التي اعقبت الفراق ....
لاسيما الشباب من القُراء
كل يتعلم بالكلفة التي يريد
وبعضهم لا يتعلمون
وبعضهم يتعلمون ولكن بكلفة وطن
اصداء من الوتس:
معبره جدا ومحزن رحيل شقيقتاك استاذنا الكريم....وكذلك انا كانت لدي شقيقتي الصغري وكان عمرها سبع صدمت في حادث سياره ولم انسي ولن انسي منظرها امامي وهي مسجاه والدم يخرج من انفها واذنها وذكراها عند امي لا زال حاضرا ومؤثرا كما لو انها توفت قريبا وليس قبل عشرين سنه وعندها جاءني نفس الشعور بالغصه وضيق الدنيا بما عليها والتناؤلات الكثيره التي طرحتها انت طرحتها انها وكانك تحدثت عن تجربة مشتركة لدينا .....رحم الله والديك ووالدينا من صبرو وتحملو عناءنا والمشقه البالغة في تلك الظروف الصعبه جدا ....ورزقنا برهم وجمعنا بهم في مستقر رحمته نحن واخواتنا واخواننا ......بصراحة ذكريات معبره وجعلتني استرجع الك الذكريات التي لا تنسي
اصداء ..
ناصر باقزقوز :
رندا ونور وووووو
ياعم احمد طلعت زير نساء وبعدين ايش هذا النحس كل الحمائم طارت ولامسكت واحده حتى طريقتك في سرقة النظر مفضوحه ايش من سرقه حتى تطقطق الرقبة يابن حاشد الله يلعنه من يقول عنك فاسد انت فاشل في سرقه النظر والقلوب ..

انت ماتنفع الا تكون مسروق فقط رند ونور سرقن قلبك وعفاش والحوثيين والزمره والطغمه سرقوا مستقبلك ولم تترك للحضرمي المسكين والمشرف الهمداني اي شي يسرقونه لاكننا نجحنا في سرقة ضحكتك البريئه وطيبتك النادره نأتي لها منتصف الليل لنسعد ونفرح بها

امثالك ياصديقي خلقوا لكي يسعد بهم الفقراء والمظلومين ولكي تطير عنهم حمائم الجمال بعيدا وقدرهم فقط العيش مع ذكرياتها ظلمتك الحياه حتى الآن ياصديقي
السلسلة الرابعة 1 - 8
العودة إلى مسقط الرأس والواقع الذي كان
(1)
منكوبين بالبطالة وفقدان العمل
بعد سنتين من إقامتنا في عدن استغنت شركة "البس" التي كان يعمل فيها والدي عن عدد من العمال، وكان أبي من ضمنهم.. مصاب جلل، وقدر بات أكبر منّا.. أي نكبة أصابتنا يا الله؟! يا لسوء الطالع وعاثر الحظ، وخوفنا مما هو قادم ومجهول!! أبي فقد عمله، ولا بديل يعوضه، ولا من يسد لنا هذا القدر الذي بدا أمامنا ثقبا أسودا، وفراغا كونيا يريد ابتلاعنا وتغييبنا في مجاهل الجحيم..

لا رجاء سعفنا، ولا بارقة أمل تلوح في الأفق.. وجوم في السماء، وكلح في الأرض، ويأس يتمطى في الشرايين.. لم يعد هنالك من مصدر دخل لنا.. ظروفنا ازدادت سوءًا وانحدارا، وزدنا نحن عوزا وفاقة.. لم يكن أمام أبي من خيار إلا أن يعود بنا إلى قريتنا التي يهرسها بؤسا وشقاء شديدا، ومعاناة تطول، ولا نور في نهاية النفق..

ما أسود الحياة عندما تفقد عملك، وتُقطع أسباب رزقك.. فادح أصابنا، وفادح مضاعف أصاب أبي.. مأساة أسرة فقد فيها ربها دخله المحدود، وأسرة أخرى في القرية تتضور جوعا، لا دخل لها ولا عوض من غير أبي.. حكم إعدام أنزله علينا القدر دون إمهال أو إنذار..

أبي يهيم على وجهه، يبحث عن وجه الله لعله يجده.. كان الشعور بالضياع وفقدان الأمل قاسيا بل وساحقا.. أتخيل الحال أن صخرة بحجم كوكب عبوس، قذفتها السماء على رأس أبي، وأصابتنا معه في مقتل أطاح بالجميع.. الخيارات محدودة وصعبة، بل في الحقيقة ليس أمامنا من خيار.. لا عمل ولا أي فرصة تنجي لقمة عيشنا، وكل ما يمكن أن تفكر به من مساعدة غائب ومعدوم.. أنت مبلوع في لجة البحر، بلا يد ولا مجذاف ولا لوح ولا وسيلة خلاص.. لا حتى قشة ترجوها أو تمسك بها مسكة غريق.. جميعنا يغرق في التيه والمجهول وأصقاع الضياع..

عاد بنا أبي إلى القرية.. وباتت المصاب والألم مضاعف.. اسرتين تعاني الجوع، وكل شيء فيها عزيز، ولا أمل في انتظار ينقذنا من حالنا البائس، ولم تبق أمام أبي إلا المغامرة والرحيل إلى الغربة، يبحث فيها عن فرصة عمل أخرى تسعفنا من حالة البؤس والموت البطيء..

ما حدث لنا ولليمن اليوم، تجعل مأساتنا في الأمس رغم كبرها وفداحتها تبدو بحجم رأس دبوس.. ما نشهده اليوم، هو محيط من العذاب والموت والبشاعة.. نحن في زمن بات وقد تعاظمت فيه مصائبه وبشاعته.. وما كان في الأمس مصابا مقدور عليه بممكن أو بمعركة مع المستحيل، بات اليوم كوارث تفوق ما تحتمله الجبال، بل ولا تقوى عليه اليمن كلها، وقد جمع لنا العالم، وصب فوق رؤوسنا، كل بشاعته وفساده وانحطاطه وقذارته..

الفارق بين مصائب الأمس وازدحام كوارث اليوم بات خرافيا وغير معقول.. نعيش اليوم السنة السادسة حرب ضروس، وهروب إلى مزيد من التشظي والجحيم.. حروب متعددة تشب وتنشب هنا وهناك بألف رأس وأمير.. سنوات عجاف أكل فيها شعبنا دواخله، وأكل المجتمع الواحد بعضه بعض، وأكلت النار معظمه.. حروب دميمة وبشعة، سحقت شعبنا طولا وعرضا.. مـأساة بعمق سحيق، وطول وأبعاد تبدّت لنا كمحيط دون أطراف ولا خلجان ولا منتهى..

كيف لك أن تتخيل حجم الكارثة، وأنت ترى اليوم مليون ونصف المليون موظف ومتقاعد ومستفيد قد قطعت رواتبهم، وقطعت معها أسباب رزقهم.. وتكايدت أطراف الحرب مع بعضها لتتخلى عن المسؤولية حيال رواتب مليون ونصف عامل وموظف ومتقاعد، وغيرهم، يعيلون قرابة عشرة مليون إنسان، باتوا مفقرين ومعدمين، تفتك بهم الأمراض والأوبئة والمجاعة والتشرد والضياع، كما تفتك بهم الحرب منذ سنوات طوال، وفي محيطنا عالم متوحش، غارق بالبشاعة والدمامة والإجرام..

أكثر من مليون مواطن يقتل بعضه بعضا في الخنادق والجبهات، بل وحماية الحدود الأجنبية أيضا.. سلطات مُغتصِبة وأرض مُغتصَبه، وقيم إنسانية مُهدرة، وحقوق شعب مستباح، ونهب وانهيار، وجهلة وأمراء حرب يحكمون ويتسلطون.. وأكثر من هذا عدوان كبير، واحتلال همجي بشع وغير مسبوق في تاريخ اليمن من أوله إلى يوم بدأت هذه الحروب اللعينة قبل سنوات، ولا تزال.. ما حدث كان أكبر من أن يوصف، ولم يكن يخطر من قبل على بال وما كان بحسبان..

أعود إلى الماضي ومحنة والدي الذي فقد عمله.. وكان هذا قبل استقلال الجنوب من الاحتلال البريطاني.. وبعد أن ضاقت الدنيا في وجه أبي ودلهمت.. بعد أن فقدنا مصدر رزقنا وما نقتات في عدن.. عدنا إلى القرية التي جئنا منها، كأسماك السليمون التي تعود من مهجرها لتموت في مسقط الرأس، أما أبي فعليه أن يواصل الهيام والبحث عن فرصة عمل.. عليه أن يشق البر والبحر ليجد عمل نقتات منه، ولا عذر ليتخلّى عن مسؤوليته، حتى وإن كان مصابنا وقدرنا أكبر من الجميع.. فكانت وجهته هذه المرة إلى "بربرة" في الصومال الشقيق.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

(2)
العودة إلى القرية

في طريق عودتنا إلى القرية ومغادرتنا لعدن كنت أشاهد عساكر الإنجليز في النقاط والحواجز العسكرية.. كانوا يلبسون القميص الكاكي والسروال القصير وطاقية الرأس العسكرية.. الغريب أنهم كانوا يودعوننا بتعظ
لية.. قرانا متعبة مثل رجالها ونساءها وأطفالها.. كيف جئنا إلى هنا؟! ومن أين جئنا؟! وكيف وصلها أجدادنا الأوائل، قبل مئات السنين؟!

قالوا أن جدَّنا الأول جاء من حضرموت إلى هذه المناطق من "القبيطة" قبل أكثر من ثلاثمائة عام، ويدعونه بـ "الشيخ حي"، وبرفقته عمه "الشيخ أحمد" ومعهما عبدا أو أكثر، ولا ندري إن وجد في صحبتهم رجالا آخرين، ولا نعلم إن كانت لحواء معهم وجود، أو كانت هي من ضمن الوافدين..

اقترن الاسمان بلقب الشيخ، ويبدو أن سببه يرجع إلى المكانة الاجتماعية والدينية الخاصة بهما.. كانت أمي تنتسب إلى "الشيخ حي"، فيما أبي ينتسب إلى الشيخ أحمد.. الملاحظ أن الاهتمام بمزار "الشيخ حي" أكثر من الاهتمام بمزار "الشيخ أحمد" وقد لفحت بأمر أمي وتشجيعها من تراب قبر جدها، ولم ألفح أنا من تراب قبر جدي من أبي.، ولنا في المقام لاحق وتفصيل..

غير أن السؤال: ما لذي دفع أولئك الأجداد أن يتركوا عز حضرموت وأهلها الطيبين، ويأتون إلى هذه المنطقة النائية البعيدة، صعبة المراس، أو التي لا تخلوا من وعورة بادية للعيان، وربما أيضا خالية أو قليلة السكان؟! كيف يتركون حضرموت، ويتجاوزون مئات الأمكنة، في طريق يمتد قرابة الألف ميل، ليستقر بهم الحال والترحال في منطقة نائية قصيه ومجهولة، ليس فيها ما يجذب أو يغري أو يستحق المغامرة..؟!

ما الذي دفع أولئك الأجداد أن يتركون حضرموت أرضا وبحرا وسهولا وشواطئا وسكانا، ويعبرون في رحلتهم الطويلة تنوعات بيئية وسكانية كثيرة ومتعددة، دون أن يحطو الرحال في واحد منها؟! كيف يعبرون مسافة ربما يستغرق قطعها على الراحلة شهورا طويلة، لينتهي بهم المطاف في مناطق نائية بعيدة جدا عن أهلهم وذويهم، وتكون هي المستقر الذي حطو رحالهم فيه، وبنوا مساكنهم على ظهور جبالها العالية؟!

سألتُ أمي يوما عن السبب؟! فأجابتني بسماعها أنهم جاءوا من حضرموت إلى هذه المنطقة، يبحثون عن فتوى!! فزادني قولها عجب على عجب!! بلادنا ليس فيها شيوخ، ولم تشتهر بعلم أو بفتوى، وليس فيها كثير من الناس، بل أن عدد قرودها أكثر من ناسها، أو الساكنين فيها..

هل هناك أسباب سياسية واجتماعية، أو أعمال قمع وملاحقة سلطات، أو وجود اضطرابات وعدم استقرار، أو ما شابه ذلك من الأسباب، التي حملتهم على مغادرة حضرموت، والتوجه بعيدا عنها إلى مناطق قصية وحصينة، أو عصية على من كان يفكر بالملاحقة أو فرض سلطته عليها؟!! هل كان وراء اختيار هذه المناطق لتكون موطن للقادمين إليها، لما توفره لهم من أمن وسلامة وحماية؟!! أم أن مناطقنا كانت قبل 300 عام مروج خضراء وأحراش وغيول وماء وفير جذبت الباحثين عن عيش وحياة أفضل في اختيار من حطوا الرحال فيها..

***

"الشيخ حي" أو الشيخ "يحيى" يوجد له ضريح على جبل صغير في وادي صبيح، والضريح محروس بغرفة وقبة يجري طليها بالنورة البيضاء قبل موعد المولد بأيام، ويتم تجديد طلاء قبة وغرفة الضريح في الموعد المقرر بالعام الذي يليه، وكان طلاء النورة يجعل للمكان جلالا وهيبة، وتستطيع نصاعة بياضها أن تأنسك وتشعرك إنك لست وحدك.. تتطلع إلى المقام بناطريك، فيبدو المقام مهابا وآسرا في ليل كان أو نهار.. تسمع هناك من يقول لبصرك بصوت جهور: قف قليلا.. هناك ما يستحق الوقوف.

عندما يقترب موعد مولد "الشيخ حيي" يتم النداء إليه، ويسمى "التطريب" وهو إعلان موعده والذي يجري في يوم وسوق الخميس، ويتم من مكان مرتفع في السوق، ويستهل الإعلان بعبارة "الحاضر يعلم الغائب.." ما أتذكره من زمان طفولتي أنني كنت انتظر مرور العام طولا.. أشتاق لحضور هذا المولد بحرارة كل جوارحي.. شوق طفولتي يتأجج على نحو لا نظير له.. حضوري إلى ما أشتاق إليه يغمرني بشلال من سعادة لا وصف له ولا مثيل..

كان المولد أشبه بكرنفال بهيج، يحضره جمع غفير من الناس، والسعادة تحجز للأطفال المكان الذي يليق بسعادة وذكريات عصية على النسيان.. في المولد كان يبدو لي الجبل الذي فيه الولي أو المقام زهيا مثل شجرة ميلاد تلونها الأضواء الزاهية.. ترى الجبل وكأنه مغطى بمحار وأصداف ولؤلؤ ونجوم بحر.. زاهي بالحضور والأطفال والقمصان الملونة.. البيارق ترفرف عاليا في أكثر من تجمع ومكان، وبعضها يتم حملها عند صعود الزاوية إلى ردهة المكان في الجبل.. وبيارق تغطي الضريح، فيبدو مكللا بالمهابة والوقار، كملك يوم اعتراش وتتويج مُلكه.. وترى المسرات تغمر وجوه كل من حضر..

اسفل الجبل يجتمع القوم، وشجرة "الحُمر" الضخمة والوارفة تنشر ظلها على الجميع.. وهناك ضريح الشيخ أحمد في الجوار القريب، وصخب الحياة والبيع والشراء في أعنته.. الحياة هنا مشرقة ودافقة وصاخبة بعد عام من سكون.. تشعر أن هذا اليوم الجميع يحتفل به أحياء وأموت.. تذبح الذبائح، ويتناول الناس وجبة الغذاء، ولا يغادرون قبل أن ينفض الجمع للمغادرة..

وفي عصر اليوم أو قبله بقليل يحتشد الجمع في أسفل الجبل، ليقيموا الزاوية، ويبدأ السير والصعود نحو مقام "الشيخ حي" في تلة الجبل.. يتحرك الجمع رويدا رويدا وهم ينبضون ويفيض