اصداء..
ابوبكر البروي
سردك لاحداث يناير تجعل من يحمل ضمير إنساني يأن من مأسي الماضي وهناك مشاهد كثيره عماحصل في المناطق الوسطى. تحت شعار بما يـسمـى بمحاربة الشيوعية وماحصل في صعدة بما يسـماء بمحاربة الرافضه والإثناعشرية..
وهناك جرائم لاتحصى تشمل الجغرافية اليمنية شمالية وجنوبية انـظروا إلى احداث اليوم منذ اكثر من خمس سنوات.. الموت والمجاعة والتشرد يشمل كل مواطن يمني من المستفيد من صراعات الماضي والحاضر لم يـستفد منها احد إلى قلة من تجار الحروب وجماعات إقليمية تحمل عقلية بدوية عنصرية جعلت من اليمن مقلب نفايات لقضاياها الداخلية ولاطماعهاء الفوضوية التي عبثت بكل يمني ويمنية..
هل. سنجعل من احداث الماضي دروس لنبني دولتنا المستقبلية؟؟ سؤال لكل مناضل يؤمن بالعدالة الإجتماعية وبالمبادئ الإنسانية: هل سنجرم من يتغناء بالقبلية والمذهبية واي شعارات عنصرية.. ما العمل ؟ هل يكفينا مأسي الصراعات القبلية والمذهبية والشعارات الدمغوجية هل سنناضل من اجل وضع حد لهاذة الافكار العنصرية ونـجرم من يتغناء بها
ابوبكر البروي
سردك لاحداث يناير تجعل من يحمل ضمير إنساني يأن من مأسي الماضي وهناك مشاهد كثيره عماحصل في المناطق الوسطى. تحت شعار بما يـسمـى بمحاربة الشيوعية وماحصل في صعدة بما يسـماء بمحاربة الرافضه والإثناعشرية..
وهناك جرائم لاتحصى تشمل الجغرافية اليمنية شمالية وجنوبية انـظروا إلى احداث اليوم منذ اكثر من خمس سنوات.. الموت والمجاعة والتشرد يشمل كل مواطن يمني من المستفيد من صراعات الماضي والحاضر لم يـستفد منها احد إلى قلة من تجار الحروب وجماعات إقليمية تحمل عقلية بدوية عنصرية جعلت من اليمن مقلب نفايات لقضاياها الداخلية ولاطماعهاء الفوضوية التي عبثت بكل يمني ويمنية..
هل. سنجعل من احداث الماضي دروس لنبني دولتنا المستقبلية؟؟ سؤال لكل مناضل يؤمن بالعدالة الإجتماعية وبالمبادئ الإنسانية: هل سنجرم من يتغناء بالقبلية والمذهبية واي شعارات عنصرية.. ما العمل ؟ هل يكفينا مأسي الصراعات القبلية والمذهبية والشعارات الدمغوجية هل سنناضل من اجل وضع حد لهاذة الافكار العنصرية ونـجرم من يتغناء بها
السلسلة الثانية.. محدثة 1 - 4
أنا ابن الدباغ..
أبي
(1)
• كان أبي عاملا.. مُفند للجلود.. هي مهنة محتقرة عند البعض باعتبارها امتدادا لدباغة الجلود.. مهنة محتقرة عند من يتملكهم الخواء "والعنطزه"، والذين يعيشون على السلب والنهب والفساد في الأرض، والغير قادرين على فهم إن العمل طالما كان مشروعا، هو شرف كبير؛ لأن صاحبه يأكل من كده وعرق الجبين، هو ومن يعيلهم..
• كان أبي يعمل في شركة (البس) بعدن، يفنِّد الجلود، وهي الحرفة التي أعطاها الجزء الأهم من زهرة عمره وريعان شبابه.. العمل بتفنيد الجلود له أضرار صحية، ولكن يبدو أن أبي وهو يلتحق بالعمل بهذه الشركة قد آثر فرصة العمل على البطالة، وأنفذ المثل القائل "غبار العمل ولا زعفران البطالة"
• بسبب الملح والجلود والمواد الكيمائية المستخدمة أصيب أبي بضيق النَفَس، وسعال ليلي، رافقه حتى آخر أيام حياته.. جزء من طفولتي الأولى التي أتذكر بعضها بصعوبة كان في عدن حال ما كان والدي يعمل بشركة "البس"..
• بعد سنين من عمله في شركة (البس) جاء بنا من القرية لنكون معه وإلى جواره.. وفر له العمل قدرا من الدخل المحدود، ليلم به شملنا، ويفي باستقرار معيشي متواضع، وإن كان قد جاء هذا على حساب صحته بالمقام الأول.. كان إيثارا منه لم نعلمه إلا بعد نوبات السعال التي كان يعاني منها لاحقا بعد حين..
• أقمنا في (دار سعد) إحدى ضواحي عدن، وكان عمري يومها سنتين وبضعة أشهر، ومعي أختين توأم (نور وسامية) وعمرهما أقل من عام.. وفي (دار سعد) كنّا قد سكنا منزلا صغيرا استأجره والدي، ويتكون من غرفه وحمام ومطبخ وصالة.
*
...................................
(2)
ناس يروننا دونهم
• خلال أكثر من خمسين عام من عمري، لم أكن أعرف أن هناك فئات سكانية أو مجتمعية في اليمن تحتقر مهنة دباغة الجلود والعاملين فيها، وتنظر إليهم بنظره دونية.. كانت الفكرة الراسخة في ذهني إننا ننتمي إلى طبقة الفقراء فحسب، ولم أعلم أن هناك فئات سكانية، وبيئات قبلية، وبدوية، ترانا دونها إلا في فترة متأخرة من حياتي.. ما كنت ألمسه في محيطي وغير محيطي الذي أعرفه أن مهنة دباغة الجلود وتفنيدها، لا تختلف عن غيرها من المهن من وجهة نظر الوعي السائد في اليمن كله.
• ما كنت أعلمه في العهد الاشتراكي القائم في عدن ثم فيما تلاه، هو أن أبي بدأ حياته عاملا في مهنة تفنيد الجلود، وهي مهنة ذات صلة وامتداد لعمل ومهنة الدباغة، وأعرف أن أبي ينتمي للطبقة العاملة، وإننا ننتمي لطبقات الفقراء، أو قل إن شئت من أسر ذوي الدخل المحدود.. وقد وُجدت في جنوب اليمن إبان العهد الاشتراكي حماية قانونية، ونصوص عقابية لمن يعيّر أو يحتقر أو يسيء إلى أحد المواطنين بسبب انتمائه المهني، أو حتى الطبقي المتدني..
• بل أذكر في بعض ما تعلمته، من قانون العقوبات وشروحاته في كلية الحقوق بعدن، أنه إذا وجه أحدهم إهانة صاعقة أو احتقار شديد أو إساءة بالغة إليه، وأرتكب من وُجهت إليه هذه الإساءة البالغة، جريمة فعل القتل ضده، تحت تأثير الهياج النفسي الشديد الناتجة عن تلك الإساءة البالغة، فلا يقاد القاتل به..
• وتفسر الشروحات هذا النص، وتعيد السبب إلى أن فعل القتل تم ارتكابه من قبل الجاني في لحظة الهياج النفسي الشديد جرّاء الإساءة البالغة الموجه له من المجني عليه، وعلى نحو أخرجت مرتكب الفعل عن حالته الطبيعية بشدة، فطار صوابه وعقله على نحو أفقده لحظتها الوعي بتقدير أفعاله، تحت تأثير الهياج النفسي الشديد الذي تسبب فيه المجني عليه.. والقانون النافذ في الجنوب أنذك ـ هو قانون جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الصادر في العام 1976 ـ والذي قيّد القاضي بالحد الأقصى للعقوبة وهي لا تزيد عن خمس سنوات سجن.
• هذه الحماية القانونية قد دعمتها أيضا وعززتها الثقافة السائدة، أو بالأحرى الوعي الاشتراكي السائد في الجنوب، والذي كان منحاز أيديولوجيا لصالح طبقات الفقراء، أو ما كان يسميهم طبقات العمال والفلاحين، وكذا الشرائح الفئات الأخرى مثل الحرفيين والصيادين، أو من كان يعتبرهم إجمالا بـ "أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة"..
• بل ووصل الأمر بهذا الوعي إلى الحد الذي جعلنا نعتز بهذا الانتماء، ونجل فقرنا باعتزاز، ولم نشعر بأي انتقاص يوما بسبب المهنة، أو تدني المستوى الاجتماعي لنا، وأكثر من هذا، كانت توجد إجراءات اقتصادية، واهتمام لافت وبحماس فياض، يتم بذله من قبل السلطات نحو شريحة المهمشين، والعمل على رفع مستواهم الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي، وتم بذل محاولات كثيرة ومتتابعة لإعادة دمجهم في المجتمع، ولاسيما في عهد الرئيس سالم ربيع علي والمشهور بـ "سالمين"..
• وكانت من الهتافات الأخاذة والآسرة في ذلك الحين، والتي سمعتها من قبل المهمشين أثناء دراستي الإعدادية في طور الباحة في سبعينات القرن المنصرم هتاف "سالمين قدام قدام سالمين ماحناش أخدام سالمين عمال بلدية سالمين منشاش اذية " وتم منع وصف أي عامل بلدية بالخادم كما كان.
***
.........
أنا ابن الدباغ..
أبي
(1)
• كان أبي عاملا.. مُفند للجلود.. هي مهنة محتقرة عند البعض باعتبارها امتدادا لدباغة الجلود.. مهنة محتقرة عند من يتملكهم الخواء "والعنطزه"، والذين يعيشون على السلب والنهب والفساد في الأرض، والغير قادرين على فهم إن العمل طالما كان مشروعا، هو شرف كبير؛ لأن صاحبه يأكل من كده وعرق الجبين، هو ومن يعيلهم..
• كان أبي يعمل في شركة (البس) بعدن، يفنِّد الجلود، وهي الحرفة التي أعطاها الجزء الأهم من زهرة عمره وريعان شبابه.. العمل بتفنيد الجلود له أضرار صحية، ولكن يبدو أن أبي وهو يلتحق بالعمل بهذه الشركة قد آثر فرصة العمل على البطالة، وأنفذ المثل القائل "غبار العمل ولا زعفران البطالة"
• بسبب الملح والجلود والمواد الكيمائية المستخدمة أصيب أبي بضيق النَفَس، وسعال ليلي، رافقه حتى آخر أيام حياته.. جزء من طفولتي الأولى التي أتذكر بعضها بصعوبة كان في عدن حال ما كان والدي يعمل بشركة "البس"..
• بعد سنين من عمله في شركة (البس) جاء بنا من القرية لنكون معه وإلى جواره.. وفر له العمل قدرا من الدخل المحدود، ليلم به شملنا، ويفي باستقرار معيشي متواضع، وإن كان قد جاء هذا على حساب صحته بالمقام الأول.. كان إيثارا منه لم نعلمه إلا بعد نوبات السعال التي كان يعاني منها لاحقا بعد حين..
• أقمنا في (دار سعد) إحدى ضواحي عدن، وكان عمري يومها سنتين وبضعة أشهر، ومعي أختين توأم (نور وسامية) وعمرهما أقل من عام.. وفي (دار سعد) كنّا قد سكنا منزلا صغيرا استأجره والدي، ويتكون من غرفه وحمام ومطبخ وصالة.
*
...................................
(2)
ناس يروننا دونهم
• خلال أكثر من خمسين عام من عمري، لم أكن أعرف أن هناك فئات سكانية أو مجتمعية في اليمن تحتقر مهنة دباغة الجلود والعاملين فيها، وتنظر إليهم بنظره دونية.. كانت الفكرة الراسخة في ذهني إننا ننتمي إلى طبقة الفقراء فحسب، ولم أعلم أن هناك فئات سكانية، وبيئات قبلية، وبدوية، ترانا دونها إلا في فترة متأخرة من حياتي.. ما كنت ألمسه في محيطي وغير محيطي الذي أعرفه أن مهنة دباغة الجلود وتفنيدها، لا تختلف عن غيرها من المهن من وجهة نظر الوعي السائد في اليمن كله.
• ما كنت أعلمه في العهد الاشتراكي القائم في عدن ثم فيما تلاه، هو أن أبي بدأ حياته عاملا في مهنة تفنيد الجلود، وهي مهنة ذات صلة وامتداد لعمل ومهنة الدباغة، وأعرف أن أبي ينتمي للطبقة العاملة، وإننا ننتمي لطبقات الفقراء، أو قل إن شئت من أسر ذوي الدخل المحدود.. وقد وُجدت في جنوب اليمن إبان العهد الاشتراكي حماية قانونية، ونصوص عقابية لمن يعيّر أو يحتقر أو يسيء إلى أحد المواطنين بسبب انتمائه المهني، أو حتى الطبقي المتدني..
• بل أذكر في بعض ما تعلمته، من قانون العقوبات وشروحاته في كلية الحقوق بعدن، أنه إذا وجه أحدهم إهانة صاعقة أو احتقار شديد أو إساءة بالغة إليه، وأرتكب من وُجهت إليه هذه الإساءة البالغة، جريمة فعل القتل ضده، تحت تأثير الهياج النفسي الشديد الناتجة عن تلك الإساءة البالغة، فلا يقاد القاتل به..
• وتفسر الشروحات هذا النص، وتعيد السبب إلى أن فعل القتل تم ارتكابه من قبل الجاني في لحظة الهياج النفسي الشديد جرّاء الإساءة البالغة الموجه له من المجني عليه، وعلى نحو أخرجت مرتكب الفعل عن حالته الطبيعية بشدة، فطار صوابه وعقله على نحو أفقده لحظتها الوعي بتقدير أفعاله، تحت تأثير الهياج النفسي الشديد الذي تسبب فيه المجني عليه.. والقانون النافذ في الجنوب أنذك ـ هو قانون جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الصادر في العام 1976 ـ والذي قيّد القاضي بالحد الأقصى للعقوبة وهي لا تزيد عن خمس سنوات سجن.
• هذه الحماية القانونية قد دعمتها أيضا وعززتها الثقافة السائدة، أو بالأحرى الوعي الاشتراكي السائد في الجنوب، والذي كان منحاز أيديولوجيا لصالح طبقات الفقراء، أو ما كان يسميهم طبقات العمال والفلاحين، وكذا الشرائح الفئات الأخرى مثل الحرفيين والصيادين، أو من كان يعتبرهم إجمالا بـ "أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة"..
• بل ووصل الأمر بهذا الوعي إلى الحد الذي جعلنا نعتز بهذا الانتماء، ونجل فقرنا باعتزاز، ولم نشعر بأي انتقاص يوما بسبب المهنة، أو تدني المستوى الاجتماعي لنا، وأكثر من هذا، كانت توجد إجراءات اقتصادية، واهتمام لافت وبحماس فياض، يتم بذله من قبل السلطات نحو شريحة المهمشين، والعمل على رفع مستواهم الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي، وتم بذل محاولات كثيرة ومتتابعة لإعادة دمجهم في المجتمع، ولاسيما في عهد الرئيس سالم ربيع علي والمشهور بـ "سالمين"..
• وكانت من الهتافات الأخاذة والآسرة في ذلك الحين، والتي سمعتها من قبل المهمشين أثناء دراستي الإعدادية في طور الباحة في سبعينات القرن المنصرم هتاف "سالمين قدام قدام سالمين ماحناش أخدام سالمين عمال بلدية سالمين منشاش اذية " وتم منع وصف أي عامل بلدية بالخادم كما كان.
***
.........
..........................
(3)
كم أنت عظيما بهذا يا أبي
• بعد انقطاع طال بين أبي ومهنته السابقة، عاد أبي مرة أخرى إليها مضطرا، بعد أن ألجأته إليها مسيس الحاجة والعوز، وبعد أن نفذ ما يملك ويدخر من مال، وتشرد طال لسنوات، على إثر مقتل أخي علي سيف حاشد في القرية، ومُلاحقة والدي من قبل سلطة صنعاء في ذلك الحين، والتي كانت تسعى لاعتقاله دون أن يقترف أي جريمة أو ذنب غير حمله لحزن ثقيل أناخ على كاهله بمقتل ولده علي.
• استمر أبي بهذا العمل للمرة الثانية "تفنيد الجلود" قرابة السنتين أو أكثر، في بخار كائن في حي "الخساف" بـ"كريتر" وذلك في ثمانينات القرن المنصرم، لدى صديقه الودود عبد الحميد، رغم استمرار معاناة والدي من نوبات السعال الليلي، الناتجة عن عمله السابق بنفس المهنة في شركة "البس"..
• وعن مهنة والدي الذي عاد إليها مرة أخرى، يقول عامر علي سلام الذي زامن والدي لفترة في العمل: ((كان سيف حاشد رجلا عصاميا، ولي الشرف في العمل معه، في بخار عبد الحميد في "الخساف" .. حيث كان أبي علي سلام فوز يعمل سائقا عند عبد الحميد، فيما كنت أنا واخي في إجازة الصيف المدرسية نعمل أيضا في (تفنيد) الجلود.. كان يتم جلب كل أنواع الجلود المملحة والجافة من الشيخ عثمان والشيخ الدويل الى البخار، ونحن نستلمها في المستودع، حيث يقوم عمي سيف حاشد بتفنيدها (وهي عملية فرز مهمه جدا، وتحتاج لدراية وحنكة في تصنيف الجلود.. وليس أي كائن يستطيع أن يتعلمها، حيث تقسم الجلود الى نوعين، اولا جلود الماعز (التيوس) وجلود الخرفان ... وبالتالي يعتمد المفند على فحصه لكل جلد ان كان درجة أولى او ثانية او ثالثة او رابعه...!! ولكل درجة لها تسميتها... صافي درجة اولى.. كشر درجة ثانية.. واقل من ذلك ثالثة ورابعه..!! وبعد الفرز والعد أيضا نقوم بإضافة السم مع الملح المخلوط الى كل جلد، وعمل رصات خاصة لكل نوع في البخار الذي كان يتسع لكميات كبيرة من الجلود.. واثناء الطلب الخارجي نقوم بوزن الجلود على شكل بند كبيرة ندخلها في مكينة ضغط خاصة برزم الجلود، وربطها بأحكام، ونأتي بالجواني (تغليف كل بنده على حده) ووزنها ثانية للاطمئنان، ونكتب عليها بفرمات محددة أسم الدولة التي نصدّر الجلود لها، او اسم الميناء..!! ومن ثم تحمل الى الميناء ويشحن بالسفن الى أوربا (ايطاليا/ فرنسا/ وغيرها ) ويتم مراسلة الشركات عبر مكتب خاص، وكان التاجر عبد الحميد يتعامل معه.!!))
• كان عمل أبي في تفنيد الجلود هذه المرة مضطرا أكثر من المرة السابقة، وآثر والدي العمل في هذه المهنة التي يجيدها، أو كانت متأتية للعمل بها، رغم أثرها على مستوى صحته، أو بالأحرى على ما بقي لديه من صحة.. وبين العمل في بداية العمر وغاربة، عمر مديد وعمل كديد، وصحة تذوي، ولكنها تقاوم بعناد وصبر لا ينفذ..
• هكذا هم الفقراء يؤثرون العمل على الصحة، مهما كان الخطر عليها أو مهددا لها.. أنهم يؤثرون العمل على ما عداه، وإن كان فيه تراجع أو تلاشي أكبر أو محتمل للصحة.. يموتون وهم يعملون بمثابرة من أجل أن يعيلوا أسرهم بالرزق الحلال المندّى بعرق الجبين، ولو بما يفي بالحد الأدنى من كرامتهم، وكرامة أسرهم المحرومة من الكثير، ودون أن يخطر لهم بال، أو هاجس شيطان عابر، أو شيطان يجوس في الحمى، ليمارس النهب أو القتل، أو جلب "الفيد" والغنيمة من تحت ظلال السيوف، أو يجني المال الوفير من مصدر مشبوه، أو عمل غير مشروع.. إنني أعترف لأباءنا.. لقد كان آباءنا كبارا بحق وجدارة..
• عرفت أبي خلال مسيرة حياته أنه يقدس العمل، ويقدس مواعيده بدقة حد القلق، ويعمل بمثابرة دون تواني أو كسل، ويبذل جل اهتمامه وعنايته في العمل، ويسعى بمثابرة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجاز.. وينام مُرهقا ولكنه مستريح الضمير، ويقوم باكرا من فراشة، وبنشاط متجدد، ويقضه وجذوة، تستمر معه طوال ساعات العمل..
• في صنعاء خلال سنوات الحرب كتبت منشورا على صفحتي في "الفيسبوك" معتزا بمهنة والدي المتواضعة، ولأول مرة عرفت من صديقي ورفيقي القاضي عبدالوهاب قطران أن مهنة دباغة الجلود لدى بعص مناطق وقبائل الشمال مهنة محتقرة، ويعتبروا أصحابها ناقصين أصل، مثلهم مثل المزاينة والحلاقين والجزارين، ومن في مستواهم، أو دونهم.. وأزاد من الشعر بيت منتشر بين القبائل:
تجنب صحبة الأنذال تسلم
وتصحبك السلامة والمهالك
مزين ثم حجام وجزار
وقشام ودوشان ودباغ وحائك
ومهنة "تفنيد الجنود" هي امتداد لمهنة الدباغة، وذات صلة بها، كما تم إلحاق فئة الدبّاغين بفئة الجزارين استنادا إلى الصلة في المهنة، في إطار نظرة تراتبية اجتماعية تنضح بالعنصرية الفجة وعيا وممارسة..
• عرفت شيئا آخر أثناء حديثي مع زميلي ورفيقي في الكلية العسكرية "حسين" من الجوف، والذي ألتقيت به خلال فترة هذه الحرب الظالمة.. عرفت منه أن البيع والشراء إلى تاريخ غير بعيد، كانت لدى بعض قبائل الجوف معيبة على من يمتهنها، وإنها من وجهة نظر هؤلاء مهنة غير مرغوبة، وغير محترمة، ويلحق العيب بمن يما
(3)
كم أنت عظيما بهذا يا أبي
• بعد انقطاع طال بين أبي ومهنته السابقة، عاد أبي مرة أخرى إليها مضطرا، بعد أن ألجأته إليها مسيس الحاجة والعوز، وبعد أن نفذ ما يملك ويدخر من مال، وتشرد طال لسنوات، على إثر مقتل أخي علي سيف حاشد في القرية، ومُلاحقة والدي من قبل سلطة صنعاء في ذلك الحين، والتي كانت تسعى لاعتقاله دون أن يقترف أي جريمة أو ذنب غير حمله لحزن ثقيل أناخ على كاهله بمقتل ولده علي.
• استمر أبي بهذا العمل للمرة الثانية "تفنيد الجلود" قرابة السنتين أو أكثر، في بخار كائن في حي "الخساف" بـ"كريتر" وذلك في ثمانينات القرن المنصرم، لدى صديقه الودود عبد الحميد، رغم استمرار معاناة والدي من نوبات السعال الليلي، الناتجة عن عمله السابق بنفس المهنة في شركة "البس"..
• وعن مهنة والدي الذي عاد إليها مرة أخرى، يقول عامر علي سلام الذي زامن والدي لفترة في العمل: ((كان سيف حاشد رجلا عصاميا، ولي الشرف في العمل معه، في بخار عبد الحميد في "الخساف" .. حيث كان أبي علي سلام فوز يعمل سائقا عند عبد الحميد، فيما كنت أنا واخي في إجازة الصيف المدرسية نعمل أيضا في (تفنيد) الجلود.. كان يتم جلب كل أنواع الجلود المملحة والجافة من الشيخ عثمان والشيخ الدويل الى البخار، ونحن نستلمها في المستودع، حيث يقوم عمي سيف حاشد بتفنيدها (وهي عملية فرز مهمه جدا، وتحتاج لدراية وحنكة في تصنيف الجلود.. وليس أي كائن يستطيع أن يتعلمها، حيث تقسم الجلود الى نوعين، اولا جلود الماعز (التيوس) وجلود الخرفان ... وبالتالي يعتمد المفند على فحصه لكل جلد ان كان درجة أولى او ثانية او ثالثة او رابعه...!! ولكل درجة لها تسميتها... صافي درجة اولى.. كشر درجة ثانية.. واقل من ذلك ثالثة ورابعه..!! وبعد الفرز والعد أيضا نقوم بإضافة السم مع الملح المخلوط الى كل جلد، وعمل رصات خاصة لكل نوع في البخار الذي كان يتسع لكميات كبيرة من الجلود.. واثناء الطلب الخارجي نقوم بوزن الجلود على شكل بند كبيرة ندخلها في مكينة ضغط خاصة برزم الجلود، وربطها بأحكام، ونأتي بالجواني (تغليف كل بنده على حده) ووزنها ثانية للاطمئنان، ونكتب عليها بفرمات محددة أسم الدولة التي نصدّر الجلود لها، او اسم الميناء..!! ومن ثم تحمل الى الميناء ويشحن بالسفن الى أوربا (ايطاليا/ فرنسا/ وغيرها ) ويتم مراسلة الشركات عبر مكتب خاص، وكان التاجر عبد الحميد يتعامل معه.!!))
• كان عمل أبي في تفنيد الجلود هذه المرة مضطرا أكثر من المرة السابقة، وآثر والدي العمل في هذه المهنة التي يجيدها، أو كانت متأتية للعمل بها، رغم أثرها على مستوى صحته، أو بالأحرى على ما بقي لديه من صحة.. وبين العمل في بداية العمر وغاربة، عمر مديد وعمل كديد، وصحة تذوي، ولكنها تقاوم بعناد وصبر لا ينفذ..
• هكذا هم الفقراء يؤثرون العمل على الصحة، مهما كان الخطر عليها أو مهددا لها.. أنهم يؤثرون العمل على ما عداه، وإن كان فيه تراجع أو تلاشي أكبر أو محتمل للصحة.. يموتون وهم يعملون بمثابرة من أجل أن يعيلوا أسرهم بالرزق الحلال المندّى بعرق الجبين، ولو بما يفي بالحد الأدنى من كرامتهم، وكرامة أسرهم المحرومة من الكثير، ودون أن يخطر لهم بال، أو هاجس شيطان عابر، أو شيطان يجوس في الحمى، ليمارس النهب أو القتل، أو جلب "الفيد" والغنيمة من تحت ظلال السيوف، أو يجني المال الوفير من مصدر مشبوه، أو عمل غير مشروع.. إنني أعترف لأباءنا.. لقد كان آباءنا كبارا بحق وجدارة..
• عرفت أبي خلال مسيرة حياته أنه يقدس العمل، ويقدس مواعيده بدقة حد القلق، ويعمل بمثابرة دون تواني أو كسل، ويبذل جل اهتمامه وعنايته في العمل، ويسعى بمثابرة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجاز.. وينام مُرهقا ولكنه مستريح الضمير، ويقوم باكرا من فراشة، وبنشاط متجدد، ويقضه وجذوة، تستمر معه طوال ساعات العمل..
• في صنعاء خلال سنوات الحرب كتبت منشورا على صفحتي في "الفيسبوك" معتزا بمهنة والدي المتواضعة، ولأول مرة عرفت من صديقي ورفيقي القاضي عبدالوهاب قطران أن مهنة دباغة الجلود لدى بعص مناطق وقبائل الشمال مهنة محتقرة، ويعتبروا أصحابها ناقصين أصل، مثلهم مثل المزاينة والحلاقين والجزارين، ومن في مستواهم، أو دونهم.. وأزاد من الشعر بيت منتشر بين القبائل:
تجنب صحبة الأنذال تسلم
وتصحبك السلامة والمهالك
مزين ثم حجام وجزار
وقشام ودوشان ودباغ وحائك
ومهنة "تفنيد الجنود" هي امتداد لمهنة الدباغة، وذات صلة بها، كما تم إلحاق فئة الدبّاغين بفئة الجزارين استنادا إلى الصلة في المهنة، في إطار نظرة تراتبية اجتماعية تنضح بالعنصرية الفجة وعيا وممارسة..
• عرفت شيئا آخر أثناء حديثي مع زميلي ورفيقي في الكلية العسكرية "حسين" من الجوف، والذي ألتقيت به خلال فترة هذه الحرب الظالمة.. عرفت منه أن البيع والشراء إلى تاريخ غير بعيد، كانت لدى بعض قبائل الجوف معيبة على من يمتهنها، وإنها من وجهة نظر هؤلاء مهنة غير مرغوبة، وغير محترمة، ويلحق العيب بمن يما
رسها..
• هكذا يتم قلب المفاهيم والقيم رأسا على عقب، أو أن منتجي تلك القيم هم المقلوبين على رؤوسهم، وبالتالي ينتجون مفاهيما وقيما خاطئة، وبعضها مقلوبة كوضعهم المقلوب، معتقدين سويتها واستقامتها، ليتحول في نظرهم من يمارس العمل الشريف، ومن يأكل من عرق الجبين، مقذوفا بالعيب، ولعنات تلاحقه كقدر لا مفر منه، هو وبنيه ومن تناسل منهم.. تدركهم اللعنة لتدمغهم بالعيب والانتقاص والاحتقار والازدراء العنصري الناتج في حقيقته عن خواء عميق في الوعي، ومنطق سطحي رجعي ومتخلف..
• ويظل اعتزازي الكبير بعمل والدي، وبكل المهن الذي مارسها طيلة حياته، دون أن انتقص يوما من إنسانية أي فيئة اجتماعية، وأمقت التصنيف العنصري، وتراتبية الأصول التي تؤدي لحصر الأصول الناقصة واحتقارها، وأزدري الاصطفاء، وأرفض التفكير النمطي التقليدي القائم على تراتبية فيها احتقار الإنسان لأخيه الإنسان..
• زدت اعتزازا بمهن والدي، ونظرت لها ببعد آخر غير البعد الذي ينظر إليها بعض من يعانوا عقد النقص وخلل في الدماغ، وتشوّه في التربية والتنشئة الخاطئة.. في واقع كهذا، أميل إلى تقدير أكثر نحو من ينبت في الصخر كشجرة التين الشوكي أو الصبّار أو شجرة السدر، وقد تحّدت كل الظروف الطاردة للحياة، وعاشت رغم قسوة الطبيعة، وشمخت متحدية وباسقة، بل وزادت تزهر وتثمر، في أعز الفصول ضيقا، وكأن وجودها المعاند، فيه حكمة ومقاومة وتحدّي لوجع الطبيعة، وتشمخ برأسها علوا، وتزهر أطرافها بألوان زاهية، وتعطي النحل والناس رحيق العسل..
• أعتز أنني ابن هذا الأب المكافح، الذي أنتمي إليه، وصار ولده نائبا للشعب، ويمثله بما يليق به، وقد حرصت وأنا أختار أن أكون لا منتمي، أو أكون نائبا برلمانيا مستقلا بحق وحقيقة.. صاحب رأي وموقف حر ومستقل، وأن يكون "الشريم شعاري" وأن يتكثف إعلاني ووعدي الانتخابي بعبارة "انتخبوا من يمثلكم لا من يمثل بكم"
• أغلب الظن أو كما أتخيل نفسي أنني لازلت حريصا ووفيا لهذا الشعب المنكوب بمن قادوه وتسلطوا عليه من أعالي القوم وأشرافه.. لازلت وفيا للعهد والوعد الذي قطعته يوما للوطن، وقد خان أسياد القوم شعبهم، وسقطت المنازل الرفيعة في القيعان السحيقة، وسيكنس التاريخ يوما أصحاب المراتب العالية إلى مزابله المنتنة، وكل من جلبوا لهذا الشعب الكوارث العظام، ومارسوا بحقه الخيانات الكبار بتمادي بالغ، ومجاهرة فجة وصارخة، وأتوا بالعار الذي لا يُمحى ولا يزول إلى اليمن.. ليس حديث الأنا ولكن هو الاعتزاز، إن لم أعتز بهذا فما بقي للاعتزاز..
• والخلاصة أنني أمقت التفكير النمطي، في التراتبيات الاجتماعية المتخلفة، أو القائمة على الأصل، أو الحسب والنسب، أو التفكير العنصري بكل مسمياته، وأرفض العصبيات المنتنة، وضخ الكراهية التي تستهدف الوطن في عمقه ووحدته ومستقبله.. ولا بأس أن أقول هنا وفاء لأبي: كم أنت عظيما يا أبي
***
...................................
(4)
أنا ابن الدباغ .. الإنسان
• بعد ما قاله لي صديقي حسين، وما كشفه لي رفيقي عبدالوهاب قطران عن معنى انتمائي وأمثالي في المخيال الشعبي، لدى بعض قبائل ومناطق اليمن، أو بعض المجتمعات المحلية فيها، وما يلحق صاحبها من الانتقاص والنظرة الدونية، لم أخجل ولم أتخفِ ولم أحاول جبر ما بدا مكسورا، أو ستر ما أنكشف، بل على العكس، دافعت عما أعتقد باعتزاز يليق، ولم أخش من معايرة، ولم أتحرّج من عمل والدي، أو من المهن التي أرتادها خلال تاريخ حياته، بل اعتزيت بنفسي كثيرا، وبأبي الذي حفر بالصخر من أجلنا لنعيش بكرامة، واعتززت بانتمائي الذي استطاع أن يحجز له مكانا في الصخر الصلد، وبتحدي مضاعف، ليكون وأكون كما يجب..
• غير أن الأهم أنني لم أنجر إلى البحث عن عصبية صغيرة مقابلة، تقتل أو تشوّه الإنسان الكبير الذي يملاني، ويسكن وعيي، ويدأب إلى تحصيني من أي هشاشة تعتريني، ولم أتنازل عن الضابط الاخلاقي المنسجم مع هذا الإنسان الذي يسكنني، والإنسان الذي أبحث عنه خارجي، وخارج انتمائي..
• ولا يعني هذا أنني لا أقاوم، ولا أهاجم الاستصغار الذي يحيط بي، أو يحاول أن ينال منّا كشرائح وفئات مجتمعية، من حقها أن تحظى بحقوقها كاملة، وأولها حق المواطنة.. ولم ابحث يوما عن انتماء آخر لا يليق بي كإنسان أولا..
أنا لست ابن السماء .. أنا ابن الدباغ الذي يثور على واقعه كل يوم دون أن يكل أو يمل أو يستسلم لغلبة..
أنا ابن الدباغ الذي لا يستسلم لأقداره، ولا ينوخ، وإن كانت البلايا بثقل الجبال الثقال.. ابن الدباغ المجالد الذي يعترك مع ما يبتليه، ويقاوم حتى النزع الأخير..
ابن الدباغ الذي يتمرد على مجتمع لازال يقدس مستبديه.. ويقاوم نظام لا يستحي عندما يدّعي.. نظام يدعي العدل، وهو يتعالى على الوطن الكبير.. نظام يخصخص المواطنة، ويغيّب المساواة، وينشر الفقر كالظلام الكثيف، ويحبس الحرية في محبس من حديد..
أجرّم القتل ولا استسهله، ولا أشرب الدم ولا أسفكه، ولكنه متهما بشرب الكحول.. أنا ابن لأب لا يبيع الموت ولا يهديه، ولا
• هكذا يتم قلب المفاهيم والقيم رأسا على عقب، أو أن منتجي تلك القيم هم المقلوبين على رؤوسهم، وبالتالي ينتجون مفاهيما وقيما خاطئة، وبعضها مقلوبة كوضعهم المقلوب، معتقدين سويتها واستقامتها، ليتحول في نظرهم من يمارس العمل الشريف، ومن يأكل من عرق الجبين، مقذوفا بالعيب، ولعنات تلاحقه كقدر لا مفر منه، هو وبنيه ومن تناسل منهم.. تدركهم اللعنة لتدمغهم بالعيب والانتقاص والاحتقار والازدراء العنصري الناتج في حقيقته عن خواء عميق في الوعي، ومنطق سطحي رجعي ومتخلف..
• ويظل اعتزازي الكبير بعمل والدي، وبكل المهن الذي مارسها طيلة حياته، دون أن انتقص يوما من إنسانية أي فيئة اجتماعية، وأمقت التصنيف العنصري، وتراتبية الأصول التي تؤدي لحصر الأصول الناقصة واحتقارها، وأزدري الاصطفاء، وأرفض التفكير النمطي التقليدي القائم على تراتبية فيها احتقار الإنسان لأخيه الإنسان..
• زدت اعتزازا بمهن والدي، ونظرت لها ببعد آخر غير البعد الذي ينظر إليها بعض من يعانوا عقد النقص وخلل في الدماغ، وتشوّه في التربية والتنشئة الخاطئة.. في واقع كهذا، أميل إلى تقدير أكثر نحو من ينبت في الصخر كشجرة التين الشوكي أو الصبّار أو شجرة السدر، وقد تحّدت كل الظروف الطاردة للحياة، وعاشت رغم قسوة الطبيعة، وشمخت متحدية وباسقة، بل وزادت تزهر وتثمر، في أعز الفصول ضيقا، وكأن وجودها المعاند، فيه حكمة ومقاومة وتحدّي لوجع الطبيعة، وتشمخ برأسها علوا، وتزهر أطرافها بألوان زاهية، وتعطي النحل والناس رحيق العسل..
• أعتز أنني ابن هذا الأب المكافح، الذي أنتمي إليه، وصار ولده نائبا للشعب، ويمثله بما يليق به، وقد حرصت وأنا أختار أن أكون لا منتمي، أو أكون نائبا برلمانيا مستقلا بحق وحقيقة.. صاحب رأي وموقف حر ومستقل، وأن يكون "الشريم شعاري" وأن يتكثف إعلاني ووعدي الانتخابي بعبارة "انتخبوا من يمثلكم لا من يمثل بكم"
• أغلب الظن أو كما أتخيل نفسي أنني لازلت حريصا ووفيا لهذا الشعب المنكوب بمن قادوه وتسلطوا عليه من أعالي القوم وأشرافه.. لازلت وفيا للعهد والوعد الذي قطعته يوما للوطن، وقد خان أسياد القوم شعبهم، وسقطت المنازل الرفيعة في القيعان السحيقة، وسيكنس التاريخ يوما أصحاب المراتب العالية إلى مزابله المنتنة، وكل من جلبوا لهذا الشعب الكوارث العظام، ومارسوا بحقه الخيانات الكبار بتمادي بالغ، ومجاهرة فجة وصارخة، وأتوا بالعار الذي لا يُمحى ولا يزول إلى اليمن.. ليس حديث الأنا ولكن هو الاعتزاز، إن لم أعتز بهذا فما بقي للاعتزاز..
• والخلاصة أنني أمقت التفكير النمطي، في التراتبيات الاجتماعية المتخلفة، أو القائمة على الأصل، أو الحسب والنسب، أو التفكير العنصري بكل مسمياته، وأرفض العصبيات المنتنة، وضخ الكراهية التي تستهدف الوطن في عمقه ووحدته ومستقبله.. ولا بأس أن أقول هنا وفاء لأبي: كم أنت عظيما يا أبي
***
...................................
(4)
أنا ابن الدباغ .. الإنسان
• بعد ما قاله لي صديقي حسين، وما كشفه لي رفيقي عبدالوهاب قطران عن معنى انتمائي وأمثالي في المخيال الشعبي، لدى بعض قبائل ومناطق اليمن، أو بعض المجتمعات المحلية فيها، وما يلحق صاحبها من الانتقاص والنظرة الدونية، لم أخجل ولم أتخفِ ولم أحاول جبر ما بدا مكسورا، أو ستر ما أنكشف، بل على العكس، دافعت عما أعتقد باعتزاز يليق، ولم أخش من معايرة، ولم أتحرّج من عمل والدي، أو من المهن التي أرتادها خلال تاريخ حياته، بل اعتزيت بنفسي كثيرا، وبأبي الذي حفر بالصخر من أجلنا لنعيش بكرامة، واعتززت بانتمائي الذي استطاع أن يحجز له مكانا في الصخر الصلد، وبتحدي مضاعف، ليكون وأكون كما يجب..
• غير أن الأهم أنني لم أنجر إلى البحث عن عصبية صغيرة مقابلة، تقتل أو تشوّه الإنسان الكبير الذي يملاني، ويسكن وعيي، ويدأب إلى تحصيني من أي هشاشة تعتريني، ولم أتنازل عن الضابط الاخلاقي المنسجم مع هذا الإنسان الذي يسكنني، والإنسان الذي أبحث عنه خارجي، وخارج انتمائي..
• ولا يعني هذا أنني لا أقاوم، ولا أهاجم الاستصغار الذي يحيط بي، أو يحاول أن ينال منّا كشرائح وفئات مجتمعية، من حقها أن تحظى بحقوقها كاملة، وأولها حق المواطنة.. ولم ابحث يوما عن انتماء آخر لا يليق بي كإنسان أولا..
أنا لست ابن السماء .. أنا ابن الدباغ الذي يثور على واقعه كل يوم دون أن يكل أو يمل أو يستسلم لغلبة..
أنا ابن الدباغ الذي لا يستسلم لأقداره، ولا ينوخ، وإن كانت البلايا بثقل الجبال الثقال.. ابن الدباغ المجالد الذي يعترك مع ما يبتليه، ويقاوم حتى النزع الأخير..
ابن الدباغ الذي يتمرد على مجتمع لازال يقدس مستبديه.. ويقاوم نظام لا يستحي عندما يدّعي.. نظام يدعي العدل، وهو يتعالى على الوطن الكبير.. نظام يخصخص المواطنة، ويغيّب المساواة، وينشر الفقر كالظلام الكثيف، ويحبس الحرية في محبس من حديد..
أجرّم القتل ولا استسهله، ولا أشرب الدم ولا أسفكه، ولكنه متهما بشرب الكحول.. أنا ابن لأب لا يبيع الموت ولا يهديه، ولا
يجعله مقاسا للرجولة أو معبرا للبطولة..
أبي صانع الحلوى والبائع لها، يأكل من كده وعرق الجبين.. ينشر الفرح والطعم اللذيذ، ويرفض الحرب ونشر الخرائب.. أنا ابن أبي، لم ابنِ مجدا على جماجمها الكثيرة، ولم أحتفِ يوما أو أفاخر باتساع المقابر، أو بطوابير النعوش الطويلة، ولم أطرب لركام الضحايا، ولم أضخ الكراهية، وغلائل الحقد الدفين..
*
أبي أنا.. وأنا أبن أبي
لم أقِم الحزن يوما في مبيتٍ
لا أبيع الوهم والأفيون للمرضى
لا ادفع الناس أفواجا للمهالك
أنا لا أنشر الموت بين الناس وعدا
في حياة أخرى ودار ثانية..
وأداري تحت العمامة ألف جزار وجلاد وليل..
إن شربت الكيف خلسه، فإلى الله أسافر..
لا أنافق.. لا أزايد..
ولا آم القوم ثملا في صلاة كالوليد ابن عقبة
ولا أنام الليل فوق نهود العذارى
وحلمات الجواري
كالخليفة هارون الرشيد
*
• أنا لا أفاخر بهندِ ولا بمن تأكل الأكباد.. ولا أفاخر بنسب أو قبيلة أو بقاتل.. أنا بقابيل لا أكترث..
لا أتسول التاريخ زادي، ولا أدّعي فيه سلطان وميراث.. لا أدّعي أن لي حقا من قبل آدم وحواء، أو ما قبل الثريا..
أنا لست من ماء السماء، ولا سليل من علي و فاطمة.. أنا أبي الدباغ والفلاح وبائع الحلوى أنشر البهجة والفرح.. أبي الدبّاغ الذي كابد الدهر، وعانا العناء، وأقتات من عرق الجبين..
*
أنا ليست الأنا المثقلة بذاتها.. أنا الذي أقذف أنائي في وجه المستبد، غير نادم، وأناضل لإزاحة الظلم الكبير الذي يثقل كل كاهل.. الأنا التي تعتز وتفاخر إنها ليست من ماء السماء، وتقاوم من يراها إنها جاءت من روث الحمير..
أنا الحالم ابن الأحبة .. أنتمي للحلم الكبير كبر المجرة، بل كبر هذا الكون الفسيح الذي يكسر المحابس ويسافر للبعيد دون حدود أو منتهى..
*
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أبي صانع الحلوى والبائع لها، يأكل من كده وعرق الجبين.. ينشر الفرح والطعم اللذيذ، ويرفض الحرب ونشر الخرائب.. أنا ابن أبي، لم ابنِ مجدا على جماجمها الكثيرة، ولم أحتفِ يوما أو أفاخر باتساع المقابر، أو بطوابير النعوش الطويلة، ولم أطرب لركام الضحايا، ولم أضخ الكراهية، وغلائل الحقد الدفين..
*
أبي أنا.. وأنا أبن أبي
لم أقِم الحزن يوما في مبيتٍ
لا أبيع الوهم والأفيون للمرضى
لا ادفع الناس أفواجا للمهالك
أنا لا أنشر الموت بين الناس وعدا
في حياة أخرى ودار ثانية..
وأداري تحت العمامة ألف جزار وجلاد وليل..
إن شربت الكيف خلسه، فإلى الله أسافر..
لا أنافق.. لا أزايد..
ولا آم القوم ثملا في صلاة كالوليد ابن عقبة
ولا أنام الليل فوق نهود العذارى
وحلمات الجواري
كالخليفة هارون الرشيد
*
• أنا لا أفاخر بهندِ ولا بمن تأكل الأكباد.. ولا أفاخر بنسب أو قبيلة أو بقاتل.. أنا بقابيل لا أكترث..
لا أتسول التاريخ زادي، ولا أدّعي فيه سلطان وميراث.. لا أدّعي أن لي حقا من قبل آدم وحواء، أو ما قبل الثريا..
أنا لست من ماء السماء، ولا سليل من علي و فاطمة.. أنا أبي الدباغ والفلاح وبائع الحلوى أنشر البهجة والفرح.. أبي الدبّاغ الذي كابد الدهر، وعانا العناء، وأقتات من عرق الجبين..
*
أنا ليست الأنا المثقلة بذاتها.. أنا الذي أقذف أنائي في وجه المستبد، غير نادم، وأناضل لإزاحة الظلم الكبير الذي يثقل كل كاهل.. الأنا التي تعتز وتفاخر إنها ليست من ماء السماء، وتقاوم من يراها إنها جاءت من روث الحمير..
أنا الحالم ابن الأحبة .. أنتمي للحلم الكبير كبر المجرة، بل كبر هذا الكون الفسيح الذي يكسر المحابس ويسافر للبعيد دون حدود أو منتهى..
*
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
اصداء من الوتس:
في الحقيقة إن من دواعي السرور والإبتهاج والشرف أن يتكرم الأستاذ أحمد سيف حاشد بإرسال رسالة لي.
وأنا أتشرف بمعرفتك أستاذي المناضل الكبير.
لكن مع ذلك لا أخفيك القول أن رسالتك أثارت في نفسي الإستغراب والتعجب إذ كيف يقوم بالتواصل معي أستاذ كبير ومناضل عملاق مثل الأستاد أحمد حاشد ومن أين يعرفني أصلا؟!
فلو حدث العكس وقمت أنا بالتواصل معك فلن يكون هناك إستغراب أو تعجب لأنك أشهر من نار على علم ولو تواصلت أنا معك فربما أكون بتواصلي معك حبيت أن أقتبس جذوة من نضالك أو ألتمس بعض نور ثقافتك.
لكن من أنا حتى تتواصل معي أنت يا أستاذي العظيم؟!.
أما مذكراتك فلم أكمل قراءتها لكن ما قرأته منها كان قمة في الإبداع وقد أخذت بلبي بسياغتك الأكثر من رائعة.
في الحقيقة إن من دواعي السرور والإبتهاج والشرف أن يتكرم الأستاذ أحمد سيف حاشد بإرسال رسالة لي.
وأنا أتشرف بمعرفتك أستاذي المناضل الكبير.
لكن مع ذلك لا أخفيك القول أن رسالتك أثارت في نفسي الإستغراب والتعجب إذ كيف يقوم بالتواصل معي أستاذ كبير ومناضل عملاق مثل الأستاد أحمد حاشد ومن أين يعرفني أصلا؟!
فلو حدث العكس وقمت أنا بالتواصل معك فلن يكون هناك إستغراب أو تعجب لأنك أشهر من نار على علم ولو تواصلت أنا معك فربما أكون بتواصلي معك حبيت أن أقتبس جذوة من نضالك أو ألتمس بعض نور ثقافتك.
لكن من أنا حتى تتواصل معي أنت يا أستاذي العظيم؟!.
أما مذكراتك فلم أكمل قراءتها لكن ما قرأته منها كان قمة في الإبداع وقد أخذت بلبي بسياغتك الأكثر من رائعة.
أصداء..
محمد اللوزي:
ياكتابا مفتوحا نتهجاه حبا وجمالا وصدقا ونبلا. هذا أنت تفتح نافذة معنى الإرتقاء الى حيث يجب ان يكون الإنسان خاليا من عقد التميز والادعاء. وجعل البساطة والتفاني في العمل مشعلا فخر واعتزاز لكل إنسان نبيل.
أنت تكتب عالما لطالما كان مغلقا علينا فبكثير منه وأنت في هذا تبداء بأنت كما هي دونما رتوش لنجلك اكثر وندرك الحقيقة في مصداقيتك وإن كره البعض ممن يريدون البقاء في الراكد واللامعقول. ولم يدركو أنك بهذه الروح المنتصر للحياة تفعل فينا بسخاء ما نرجوه ونأمله ونسعى من أجله الحب والتعايش والبساطة والمصداقية وروعة الانتماء الى ماهو إنساني خالص ..
وأنت كذلك شاهد عصر لايروق لكثير ولكنه توثيق حقيقي لسيناريوهات تمت كانت تحتاج الى كاتب متمكن مثلك ليتناولها بشفافية واستغراق ممتع. دمت في خير أيها الراقي
محمد اللوزي:
ياكتابا مفتوحا نتهجاه حبا وجمالا وصدقا ونبلا. هذا أنت تفتح نافذة معنى الإرتقاء الى حيث يجب ان يكون الإنسان خاليا من عقد التميز والادعاء. وجعل البساطة والتفاني في العمل مشعلا فخر واعتزاز لكل إنسان نبيل.
أنت تكتب عالما لطالما كان مغلقا علينا فبكثير منه وأنت في هذا تبداء بأنت كما هي دونما رتوش لنجلك اكثر وندرك الحقيقة في مصداقيتك وإن كره البعض ممن يريدون البقاء في الراكد واللامعقول. ولم يدركو أنك بهذه الروح المنتصر للحياة تفعل فينا بسخاء ما نرجوه ونأمله ونسعى من أجله الحب والتعايش والبساطة والمصداقية وروعة الانتماء الى ماهو إنساني خالص ..
وأنت كذلك شاهد عصر لايروق لكثير ولكنه توثيق حقيقي لسيناريوهات تمت كانت تحتاج الى كاتب متمكن مثلك ليتناولها بشفافية واستغراق ممتع. دمت في خير أيها الراقي
كلية الحقوق
أنا صاحب القراطيس
(1)
ها أنا أدلف باب مسار جديد في حياتي.. نقطة تحول جديدة، ستنتهي في أغلب الأحيان إلى مهنة المحاماة أو القضاء.. في الحالتين أنا أروم العدالة.. أبحث عنها.. أريد أن أرفع الظلم عن كاهل الناس.. العدالة رسالة إنسانية رفيعة المقام.. ألم يقل فولتير "إن أعظم عمل إنساني هو رد العدالة لمن فقدها".. العدالة نبوة سامية وراحة ضمير، تستحق العبادة أكثر من العبادة التي أعتدنا عليها من الفجر حتى الثلث الأخير من الليل.. أليس نبيا من قال: "عدل ساعة خيرا من عبادة ستين عام".. ما أحوجنا للعدالة في هذا العالم الغير عادل..
الظلم نذير شؤم لخراب عميم.. قالها يوما عالم الاجتماع أبن خلدون «الظلم مؤذن بخراب العمران».. كم كان جيفارا ثائرا وعظيما وهو يقول: "أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم" الضمير الحي يرفض أن ينام طالما هناك ظلم في مكان ما من العالم، وطالما بإمكاننا أن نفعل شيء في مقاومة الظلم فلماذا لا نفعل؟! وطالما نستطيع اعتراش منصة القضاء لإقامة العدالة، فلماذا نرجيها إلى يوم القيامة؟!! لا زال ذلك الصوت الذي يقول: “ يا ما في السجون مظاليم ” يتردد على مسامعي، وصوت الظلم على المسامع لحوح وثقيل.. المظالم تحز في النفوس، وتترك ندباتها في الوعي والوجدان..
لازال أمامي من السنوات أربع، يجب أن أعطيها ما استطعت من المثابرة والجهد.. ما كان قيد الحلم والتمني قبل أربعة أعوام صار اليوم واقعا وحقيقة.. كنت كرغبة أميل للمحاماة أكثر من ميلي للادعاء. وكان ميلي للقضاء أكثر؛ لأن تحقيق العدالة متعلقة به.. القاضي وهو يمارس القضاء يكون أسرع بتا في تحقيق وإقامة العدالة.. القاضي يجب أن يكون هو المعني الأكثر في تقرير الحق، وإنصاف المظلومين، ورفع الظلم عن الكواهل.. سلطة القاضي يمكن أن تكون طريقا إلى جنة الضمير، وعلى نحو أسرع وأوجز.
ربما بدا لي الحال هكذا في البداية. ساجلت صديق في هذه المسأله لعله عبده طه إن لم تخنِ الذاكرة، أنتهت إلى أن رأيت إن في الأمر ترابط وتكامل. يجب ألا انتقص من مهنة لصالح أخرى، فيما النتيجة الأفضل تقررها المهن الثلاث. فالقاضي والادعاء والمحامي جهود متكاملة تحقق في مجموعها العدالة المرتجاة، أو هذا ما يفترض أن يكون عليه الحال.
حدثت نفسي وقلت: إن من المهم أن أجدُّ واجتهد من الآن، ولازال أمامي لأختار أربع سنوات طوال.. لا زال الأمر بعيدا، إن كان للاختيار متسع.. ولكن بإمكاني الآن أن أحب أيضا، والتفوق في الدراسة مسؤولية كبيرة يجب أن أكون بمستواها، وقد بات تحملها في متناول الإمكان..
في أول يوم دخلت كلية الحقوق شعرت أن حياة جديدة تنتظرني. أحسست أنني أقبل على حياة أعيشها أول مرة. شعرت إن الاختلاط كان حلما بعيد المنال، وتمنيت أن يتم التظاهر من أجله في المرحلة الثانوية احتجاجا لغيابه في مدرسة البروليتاريا، وعندما ولجت السلك العسكري أدركني اليأس أن أجد يوما اختلاط مما حلمت به، ولكن ها أنا اليوم أقبل عليه لأول مرة. هنا سيتحقق الحلم، وأفوز بقلب فتاة أحبها وتحبني.
كم هو سعيد أن يفوز المرء في الجامعة بفتاة يحبها وتحبه. كم هو رائع أن تجد ما يدفعك لأن تذاكر وتتفوق لتلتفت إليك عيون فتاة.. كم تشعر بالرضاء وأنت تثابر من أجل أن ترى كل يوم جمال ورقة وحياة تنبض بالنور والأمل.
ولكن خبرتي في الحب وأسر القلوب تقول أنني فاشل مع مرتبة الشرف.. فبدلا من أن أشتري دفاتر أنيقة لتدوين الدروس والملاحظات اشتريت سجلات “دكاكين”. تميزت بهم، وفوق ذلك تميزت أنني كنت أضعها كل يوم في قرطاس “كاكي” جديد لأن القرطاس السابق يتلف من استخدام يوم واحد بسبب عدم الرفق به من قبلي ومن قبل السجلات التي تكتظ داخله..
كما كانت طريقة تعاملي مع السجلات وأكياس “الكاكي” تعامل عسكري يمارس الجلافة بعيدا عن الرقة والإتكيت. وكانت بعض الطالبات يسمينني في همساتهن الخاصة فيما بينهن بـ ”صاحب القراطيس”. وأحيانا كنت أضع قرطاس بداخل قرطاس بعد أن ينبعج الأول في أحد أركانه، أو يشتط بسبب جلافة إدخال السجلات إلى داخله.
كنتُ أحب أن أكون مميزا ومنفردا في أمور شتّى، ولكن بهذه السجلات وهذه القراطيس كان تميزي أشبه بتميز فطوطة ببنطاله وقميصه..
لقد فكرتُ بالتحرر من هذا الوضع في هذه الجزئية بشراء حقيبة جلدية ولكن كان طول السجلات أطول من طول الحقيبة، كما أن الحقيبة ضيقة ولا يمكن أن تستوعب أربعه سجلات أو أكثر.
فكرت بحقيبة دبلوماسية، ولكن لا أرى من الطلبة من يحمل كراساته في حقيبة دبلوماسية.. وكانت واقعة صديقنا محمد صالح “من يافع” والمنتدب من وزارة الداخلية للدراسة في كلية الحقوق تمنعنا من أن نكرر ما فعل.. في اليوم الأول، وقبل أن نتعرف على طاقم التدريس جاء محمد صالح، وكان عمره كبير نسبيا مقارنة بنا.. جاء في بدلة مهابة ونظارة بيضاء، ويحمل حقيبة دبلوماسية، وفيها كراريسه، وما أن دخل القاعة دخلنا بعده نتزاحم ونظن أنه الأستاذ، وإذ نجده يحجز كرسي في القاعة، وعند سؤاله اكتشفنا إنه طالب وليس دكتور. ف
أنا صاحب القراطيس
(1)
ها أنا أدلف باب مسار جديد في حياتي.. نقطة تحول جديدة، ستنتهي في أغلب الأحيان إلى مهنة المحاماة أو القضاء.. في الحالتين أنا أروم العدالة.. أبحث عنها.. أريد أن أرفع الظلم عن كاهل الناس.. العدالة رسالة إنسانية رفيعة المقام.. ألم يقل فولتير "إن أعظم عمل إنساني هو رد العدالة لمن فقدها".. العدالة نبوة سامية وراحة ضمير، تستحق العبادة أكثر من العبادة التي أعتدنا عليها من الفجر حتى الثلث الأخير من الليل.. أليس نبيا من قال: "عدل ساعة خيرا من عبادة ستين عام".. ما أحوجنا للعدالة في هذا العالم الغير عادل..
الظلم نذير شؤم لخراب عميم.. قالها يوما عالم الاجتماع أبن خلدون «الظلم مؤذن بخراب العمران».. كم كان جيفارا ثائرا وعظيما وهو يقول: "أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم" الضمير الحي يرفض أن ينام طالما هناك ظلم في مكان ما من العالم، وطالما بإمكاننا أن نفعل شيء في مقاومة الظلم فلماذا لا نفعل؟! وطالما نستطيع اعتراش منصة القضاء لإقامة العدالة، فلماذا نرجيها إلى يوم القيامة؟!! لا زال ذلك الصوت الذي يقول: “ يا ما في السجون مظاليم ” يتردد على مسامعي، وصوت الظلم على المسامع لحوح وثقيل.. المظالم تحز في النفوس، وتترك ندباتها في الوعي والوجدان..
لازال أمامي من السنوات أربع، يجب أن أعطيها ما استطعت من المثابرة والجهد.. ما كان قيد الحلم والتمني قبل أربعة أعوام صار اليوم واقعا وحقيقة.. كنت كرغبة أميل للمحاماة أكثر من ميلي للادعاء. وكان ميلي للقضاء أكثر؛ لأن تحقيق العدالة متعلقة به.. القاضي وهو يمارس القضاء يكون أسرع بتا في تحقيق وإقامة العدالة.. القاضي يجب أن يكون هو المعني الأكثر في تقرير الحق، وإنصاف المظلومين، ورفع الظلم عن الكواهل.. سلطة القاضي يمكن أن تكون طريقا إلى جنة الضمير، وعلى نحو أسرع وأوجز.
ربما بدا لي الحال هكذا في البداية. ساجلت صديق في هذه المسأله لعله عبده طه إن لم تخنِ الذاكرة، أنتهت إلى أن رأيت إن في الأمر ترابط وتكامل. يجب ألا انتقص من مهنة لصالح أخرى، فيما النتيجة الأفضل تقررها المهن الثلاث. فالقاضي والادعاء والمحامي جهود متكاملة تحقق في مجموعها العدالة المرتجاة، أو هذا ما يفترض أن يكون عليه الحال.
حدثت نفسي وقلت: إن من المهم أن أجدُّ واجتهد من الآن، ولازال أمامي لأختار أربع سنوات طوال.. لا زال الأمر بعيدا، إن كان للاختيار متسع.. ولكن بإمكاني الآن أن أحب أيضا، والتفوق في الدراسة مسؤولية كبيرة يجب أن أكون بمستواها، وقد بات تحملها في متناول الإمكان..
في أول يوم دخلت كلية الحقوق شعرت أن حياة جديدة تنتظرني. أحسست أنني أقبل على حياة أعيشها أول مرة. شعرت إن الاختلاط كان حلما بعيد المنال، وتمنيت أن يتم التظاهر من أجله في المرحلة الثانوية احتجاجا لغيابه في مدرسة البروليتاريا، وعندما ولجت السلك العسكري أدركني اليأس أن أجد يوما اختلاط مما حلمت به، ولكن ها أنا اليوم أقبل عليه لأول مرة. هنا سيتحقق الحلم، وأفوز بقلب فتاة أحبها وتحبني.
كم هو سعيد أن يفوز المرء في الجامعة بفتاة يحبها وتحبه. كم هو رائع أن تجد ما يدفعك لأن تذاكر وتتفوق لتلتفت إليك عيون فتاة.. كم تشعر بالرضاء وأنت تثابر من أجل أن ترى كل يوم جمال ورقة وحياة تنبض بالنور والأمل.
ولكن خبرتي في الحب وأسر القلوب تقول أنني فاشل مع مرتبة الشرف.. فبدلا من أن أشتري دفاتر أنيقة لتدوين الدروس والملاحظات اشتريت سجلات “دكاكين”. تميزت بهم، وفوق ذلك تميزت أنني كنت أضعها كل يوم في قرطاس “كاكي” جديد لأن القرطاس السابق يتلف من استخدام يوم واحد بسبب عدم الرفق به من قبلي ومن قبل السجلات التي تكتظ داخله..
كما كانت طريقة تعاملي مع السجلات وأكياس “الكاكي” تعامل عسكري يمارس الجلافة بعيدا عن الرقة والإتكيت. وكانت بعض الطالبات يسمينني في همساتهن الخاصة فيما بينهن بـ ”صاحب القراطيس”. وأحيانا كنت أضع قرطاس بداخل قرطاس بعد أن ينبعج الأول في أحد أركانه، أو يشتط بسبب جلافة إدخال السجلات إلى داخله.
كنتُ أحب أن أكون مميزا ومنفردا في أمور شتّى، ولكن بهذه السجلات وهذه القراطيس كان تميزي أشبه بتميز فطوطة ببنطاله وقميصه..
لقد فكرتُ بالتحرر من هذا الوضع في هذه الجزئية بشراء حقيبة جلدية ولكن كان طول السجلات أطول من طول الحقيبة، كما أن الحقيبة ضيقة ولا يمكن أن تستوعب أربعه سجلات أو أكثر.
فكرت بحقيبة دبلوماسية، ولكن لا أرى من الطلبة من يحمل كراساته في حقيبة دبلوماسية.. وكانت واقعة صديقنا محمد صالح “من يافع” والمنتدب من وزارة الداخلية للدراسة في كلية الحقوق تمنعنا من أن نكرر ما فعل.. في اليوم الأول، وقبل أن نتعرف على طاقم التدريس جاء محمد صالح، وكان عمره كبير نسبيا مقارنة بنا.. جاء في بدلة مهابة ونظارة بيضاء، ويحمل حقيبة دبلوماسية، وفيها كراريسه، وما أن دخل القاعة دخلنا بعده نتزاحم ونظن أنه الأستاذ، وإذ نجده يحجز كرسي في القاعة، وعند سؤاله اكتشفنا إنه طالب وليس دكتور. ف
د. يوسف هبه:
أتابع ما تكتبه معالي النائب البرلماني الأستاذ/أحمد سيف حاشد على صفحتك في الفيس بوك.
أسلوبك في كتابة الأحداث جميل ورائع، وهي تحاكي مراحل هامة جدا في حياتكم الزاخرة بالنضال والكفاح.
ويعجبني تمردك على الظالمين والفاسدين والطغاة أيضا.
ما أجمل التشبيه والتصوير الذي تستخدمه في عرض تفاصيل القصص المؤلمة والمحزنة وربطها بواقعنا الأليم، والتحفيز والتشجيع الذي تدعو إليه بين ثنايا تلك القصص والأحداث نحو الثورة ضد الطغاة والظالمين وكذلك المناداة باحترام الدستور والقانون وعودة دولة القانون واستمراريتها.
دمت أيها الحر الرائع الثائر وأرجو منك تحويل كل تلك الكتابات والخواطر إلى كتاب،
لأنها باختصار تمثل الماضي بآلامه والحاضر بمآسيه والمستقبل بتطلعاته الواعدة بالخير لكل الشعب اليمني عامة والشرفاء منهم خاصة.
د/ يوسف حسن يوسف هبه
أستاذ القانون التجاري والبحري المساعد-جامعة الحديدة
أتابع ما تكتبه معالي النائب البرلماني الأستاذ/أحمد سيف حاشد على صفحتك في الفيس بوك.
أسلوبك في كتابة الأحداث جميل ورائع، وهي تحاكي مراحل هامة جدا في حياتكم الزاخرة بالنضال والكفاح.
ويعجبني تمردك على الظالمين والفاسدين والطغاة أيضا.
ما أجمل التشبيه والتصوير الذي تستخدمه في عرض تفاصيل القصص المؤلمة والمحزنة وربطها بواقعنا الأليم، والتحفيز والتشجيع الذي تدعو إليه بين ثنايا تلك القصص والأحداث نحو الثورة ضد الطغاة والظالمين وكذلك المناداة باحترام الدستور والقانون وعودة دولة القانون واستمراريتها.
دمت أيها الحر الرائع الثائر وأرجو منك تحويل كل تلك الكتابات والخواطر إلى كتاب،
لأنها باختصار تمثل الماضي بآلامه والحاضر بمآسيه والمستقبل بتطلعاته الواعدة بالخير لكل الشعب اليمني عامة والشرفاء منهم خاصة.
د/ يوسف حسن يوسف هبه
أستاذ القانون التجاري والبحري المساعد-جامعة الحديدة
السلسلة الثالثة 1 - 7
طفولتي في عدن
(1)
مغالبة “الحصبة”
أراد أبي أن يلم شملنا تحت سقف واحد في عدن.. أراد أن يلملم أشتات أسرتنا الصغيرة والبعيدة، بمسكن صغير في أطراف ضواحي المدينة بـ "دار سعد" يأوينا إليه، محاطين بقدر من السكينة والدعة التي نبحث عنها.. أسرتنا كانت خمستنا دون دخيل.. ولكن دخلت علينا الحصبة بدمامتها وقُبحها، وما تحمله من بشاعة وافتراس..
في عدن مرضتُ بالحصبة .. كان مرض الحصبة ينتشر ويفتك بالأطفال.. الحصبة فيروس انتقالي حاد ومعدي يصيب الأطفال، ويسبب لهم مضاعفات خطيرة في بعض الأحيان.
كان مرض الحصبة أكثر الأمراض انتشارا في سن الطفولة بصفه خاصة، ومن أعراضه ارتفاع في درجة الحرارة مصحوب برشح وسعال ورمد وطفح جلدي على جميع أجزاء الجسم.. ورغم اكتشاف لقاح الحصبة في ستينات القرن الماضي، إلا أنه لم يقوض هذا المرض ويصيره نادرا إلا في بداية التسعينات من القرن الماضي.
أول معركة ربما خضتها وأنا طفل في عدن مع هذا الفيروس القاتل للأطفال.. كان نذير موت يتهدد حياتي، ويتربص بي بإصرار واشتهاء.. كل يوم يمُرُّ وأنا لازلت على قيد الحياة كان يعني لأبي وأمي معجزة من الصمود العنيد في مواجهة الموت، وربما كان يعني مرور اليوم بالنسبة لي، اجتراح بطولة خارقة على مرض يتسع وينتشر.. يفتك بالطفولة دون أن يراعي أو يكترث.. فيروس موت لا يعود من بيت فقير إلا وقد نهب من أطفالها روح من يشتهي..
غالبتُ مرض الحصبة، وقويت على المقاومة والصمود، بفضل بعض النصائح التي أسدتها جارتنا لأمي التي كانت لاتزال قليلة التجربة، أو معدومة الخبرة والمعرفة في أمور كتلك.. استفادت أمي من نصائح جارتها التي كان لديها بعض الدراية بكيفية التعاطي مع هكذا حالة، ومعرفة بالوسائل التي باستطاعتها أن تخفف من وحشية وآثار هذا المرض، فالجهل يمكن أن يضاعف الحالة ويفاقمها، وهو المساند الأول للمرض، وربما يلعب دور السبب الأول للوفاة قبل المرض إن لم يحتاط له.. تضافرت أسباب الحياة وسندت بعضها، وانتصرت على فيروس الموت، وتعافيت منه، واكتسبت مناعة منه مدى الحياة.
***
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(2)
سقم وهزال
وبعد شهور مرضت بمرض لا أعرفه.. أصابني هزال وفقدان شهية.. هزل جسمي إلى درجة جعلني أشبه بأطفال مجاعة إفريقيا الذين نشاهدهم في الصور وشاشات التلفزة.. طفولتنا كانت بائسة، نعيش فيها صراع مع الموت من أجل البقاء.. أمّا أن تغلب المرض أو يغلبك.. الموت يحوم عليك ويتربص بك كل يوم وساعة..
جارنا عبد الكريم فاضل كان صديقاً لوالدي، عندما شاهدني قال لأبي بذهول ودون مقدمات: “ابنك سيموت ولن يعيش”. جملة صغيرة ربما نزلت على رأس أبي مثل ضرب المطرقة.. أثارت مخاوفه واستنفرت اهتمامه.. ربما هذه الجملة الصغيرة والصادمة، كانت سببا لأن أتجاوز الموت وأعيش.. هذه الجملة المشبعة بالمخاوف، بدت صاعقة لأبي، وجعلته يهرع توا وعلى الفور إلى مشفى في عدن، غير أن الطبيب أخبره أن حالتي صعبة، والأمل في أن أعيش ضعيف.
شار جارنا لوالدي أن يذهب بي إلى طبيب ماهر في لحج، لربما هناك وجد بصيص أمل.. أبي الباحث عن أمل يذوي ويخفت في سواد كثيف ووخيم من اليأس، ينتابه هلع شديد.. أستطيع أن أتخيل هلع أبي وأنا في حضنه أو مسنودا بيده إلى ضلعه الحنون.. اسمع خافقه.. قلبه يدق كالطبل، صعود وهبوط أنفاسه ككير حداد.. ودمدمة هلعه تهز وجدانه وكيانه..
هذا ما شعرت به يوما أنا أيضا، عندما كنت أسابق الموت، وأحاول إنقاذ أبني فادي، عندما كان أيضا بسني تقريبا أو أكبر قليلا.. كان والدي يحاول إنقاذي، وهو مصحوبا بالهلع.. الشعور إنك تسابق الموت وتمنعه عن انتزاع طفلك من بين يديك، شعور كثيف الحضور، ولا يمكن نسيانه مهما طال بك العمر.. لقد عشت مثل هذه اللحظة الكثيفة طفلا كما عشتها أبا.. سارع والدي لإنقاذي من موت محقق بات يثقل جفوني المسبلة..
و في لحج قال الطبيب لوالدي بأن حالتي سيئة جداً، وأنني لم أعد أحتمل الإبر، ولن استطيع أن أتحمَّل المرض أكثر، ولكن “لعل وعسى” قرر لي وصفة علاج دون إبر..
استجاب جسمي للعلاج وأخذت حالتي تتحسن ببطء، بدأت أقبل على الطعام بنهم يزداد كل يوم، ومن أجلي كان أبي يجلب لنا رطل من اللحم في اليوم أتناوله كله لوحدي، ولا أترك لأهلي شيئا منه يأكلونه. هذا ما كانت تحكيه لي أمي.. كانوا إذا أعطوني قطعة منه، ما ألبث أن أعود أطلب أخرى، حتى أنتهي من آخر قطعة اشتراها والدي.. استطيع أن أتخيل سعادة أبي وأمي.. أستطيع أن أتخيل لحظتها قلب أمي صرة فرح، يكاد أن يطير من بين جوانحها.. أتخيل أبي والسعادة تغمره، وتتفتح أسارير وجهه كزنابق على شرفات عريس.. يا له من شعور أخاذ وآسر..
نجوت وتعافيت، بل وصرت مشاغباً وشقياً.. كنت أخرِّب الجدران وأخربشها.. أكسر زير الماء.. أرمي بمجالس الأكل على أي شيء.. اكسر الزجاج .. أرمي بأواني الطعام.. ارتكب كل الحماقات وأرمي كل ما تطاله يدي على ما تقع عليه عيني.. فيما كانت أمي تبكي من أفعالي أحيانا، وتغضب أحيانا أخرى، وتعاقبني بقسوة في
طفولتي في عدن
(1)
مغالبة “الحصبة”
أراد أبي أن يلم شملنا تحت سقف واحد في عدن.. أراد أن يلملم أشتات أسرتنا الصغيرة والبعيدة، بمسكن صغير في أطراف ضواحي المدينة بـ "دار سعد" يأوينا إليه، محاطين بقدر من السكينة والدعة التي نبحث عنها.. أسرتنا كانت خمستنا دون دخيل.. ولكن دخلت علينا الحصبة بدمامتها وقُبحها، وما تحمله من بشاعة وافتراس..
في عدن مرضتُ بالحصبة .. كان مرض الحصبة ينتشر ويفتك بالأطفال.. الحصبة فيروس انتقالي حاد ومعدي يصيب الأطفال، ويسبب لهم مضاعفات خطيرة في بعض الأحيان.
كان مرض الحصبة أكثر الأمراض انتشارا في سن الطفولة بصفه خاصة، ومن أعراضه ارتفاع في درجة الحرارة مصحوب برشح وسعال ورمد وطفح جلدي على جميع أجزاء الجسم.. ورغم اكتشاف لقاح الحصبة في ستينات القرن الماضي، إلا أنه لم يقوض هذا المرض ويصيره نادرا إلا في بداية التسعينات من القرن الماضي.
أول معركة ربما خضتها وأنا طفل في عدن مع هذا الفيروس القاتل للأطفال.. كان نذير موت يتهدد حياتي، ويتربص بي بإصرار واشتهاء.. كل يوم يمُرُّ وأنا لازلت على قيد الحياة كان يعني لأبي وأمي معجزة من الصمود العنيد في مواجهة الموت، وربما كان يعني مرور اليوم بالنسبة لي، اجتراح بطولة خارقة على مرض يتسع وينتشر.. يفتك بالطفولة دون أن يراعي أو يكترث.. فيروس موت لا يعود من بيت فقير إلا وقد نهب من أطفالها روح من يشتهي..
غالبتُ مرض الحصبة، وقويت على المقاومة والصمود، بفضل بعض النصائح التي أسدتها جارتنا لأمي التي كانت لاتزال قليلة التجربة، أو معدومة الخبرة والمعرفة في أمور كتلك.. استفادت أمي من نصائح جارتها التي كان لديها بعض الدراية بكيفية التعاطي مع هكذا حالة، ومعرفة بالوسائل التي باستطاعتها أن تخفف من وحشية وآثار هذا المرض، فالجهل يمكن أن يضاعف الحالة ويفاقمها، وهو المساند الأول للمرض، وربما يلعب دور السبب الأول للوفاة قبل المرض إن لم يحتاط له.. تضافرت أسباب الحياة وسندت بعضها، وانتصرت على فيروس الموت، وتعافيت منه، واكتسبت مناعة منه مدى الحياة.
***
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(2)
سقم وهزال
وبعد شهور مرضت بمرض لا أعرفه.. أصابني هزال وفقدان شهية.. هزل جسمي إلى درجة جعلني أشبه بأطفال مجاعة إفريقيا الذين نشاهدهم في الصور وشاشات التلفزة.. طفولتنا كانت بائسة، نعيش فيها صراع مع الموت من أجل البقاء.. أمّا أن تغلب المرض أو يغلبك.. الموت يحوم عليك ويتربص بك كل يوم وساعة..
جارنا عبد الكريم فاضل كان صديقاً لوالدي، عندما شاهدني قال لأبي بذهول ودون مقدمات: “ابنك سيموت ولن يعيش”. جملة صغيرة ربما نزلت على رأس أبي مثل ضرب المطرقة.. أثارت مخاوفه واستنفرت اهتمامه.. ربما هذه الجملة الصغيرة والصادمة، كانت سببا لأن أتجاوز الموت وأعيش.. هذه الجملة المشبعة بالمخاوف، بدت صاعقة لأبي، وجعلته يهرع توا وعلى الفور إلى مشفى في عدن، غير أن الطبيب أخبره أن حالتي صعبة، والأمل في أن أعيش ضعيف.
شار جارنا لوالدي أن يذهب بي إلى طبيب ماهر في لحج، لربما هناك وجد بصيص أمل.. أبي الباحث عن أمل يذوي ويخفت في سواد كثيف ووخيم من اليأس، ينتابه هلع شديد.. أستطيع أن أتخيل هلع أبي وأنا في حضنه أو مسنودا بيده إلى ضلعه الحنون.. اسمع خافقه.. قلبه يدق كالطبل، صعود وهبوط أنفاسه ككير حداد.. ودمدمة هلعه تهز وجدانه وكيانه..
هذا ما شعرت به يوما أنا أيضا، عندما كنت أسابق الموت، وأحاول إنقاذ أبني فادي، عندما كان أيضا بسني تقريبا أو أكبر قليلا.. كان والدي يحاول إنقاذي، وهو مصحوبا بالهلع.. الشعور إنك تسابق الموت وتمنعه عن انتزاع طفلك من بين يديك، شعور كثيف الحضور، ولا يمكن نسيانه مهما طال بك العمر.. لقد عشت مثل هذه اللحظة الكثيفة طفلا كما عشتها أبا.. سارع والدي لإنقاذي من موت محقق بات يثقل جفوني المسبلة..
و في لحج قال الطبيب لوالدي بأن حالتي سيئة جداً، وأنني لم أعد أحتمل الإبر، ولن استطيع أن أتحمَّل المرض أكثر، ولكن “لعل وعسى” قرر لي وصفة علاج دون إبر..
استجاب جسمي للعلاج وأخذت حالتي تتحسن ببطء، بدأت أقبل على الطعام بنهم يزداد كل يوم، ومن أجلي كان أبي يجلب لنا رطل من اللحم في اليوم أتناوله كله لوحدي، ولا أترك لأهلي شيئا منه يأكلونه. هذا ما كانت تحكيه لي أمي.. كانوا إذا أعطوني قطعة منه، ما ألبث أن أعود أطلب أخرى، حتى أنتهي من آخر قطعة اشتراها والدي.. استطيع أن أتخيل سعادة أبي وأمي.. أستطيع أن أتخيل لحظتها قلب أمي صرة فرح، يكاد أن يطير من بين جوانحها.. أتخيل أبي والسعادة تغمره، وتتفتح أسارير وجهه كزنابق على شرفات عريس.. يا له من شعور أخاذ وآسر..
نجوت وتعافيت، بل وصرت مشاغباً وشقياً.. كنت أخرِّب الجدران وأخربشها.. أكسر زير الماء.. أرمي بمجالس الأكل على أي شيء.. اكسر الزجاج .. أرمي بأواني الطعام.. ارتكب كل الحماقات وأرمي كل ما تطاله يدي على ما تقع عليه عيني.. فيما كانت أمي تبكي من أفعالي أحيانا، وتغضب أحيانا أخرى، وتعاقبني بقسوة في
معظم الأحيان, كان بكائي الصارخ والضجيج يملأ البيت كل ساعة، حتى شكا الجيران ومؤجر البيت إلى أبي بسبب إزعاجي وبكائي.. كنت مزعجا لأهلي وللجيران والمؤجر .. لم أكف عن الشقاوة والبكاء والضجيج والصراخ.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(3)
بؤس وشقاوة
كان أبي يقضي بحدود العشر ساعات في العمل المضنى والجهيد، من أجل إبقاءنا على قيد الحياة، وسد لقمة عيشنا المتواضعة، وكذا عيش أسرته الأخرى التي يعيلها في القرية، والتي تنتظر بفارغ الصبر ما يأتيها من والدي المثقل بمسؤولية إعاشتنا جميعا..
كانت الحياة صعبة، وصراعنا كان هو من أجل البقاء، فالستر واستمرارنا بالحياة هي أقصى ما نحلم به ونريد.
كانت أمي تطلب من أبي أن يغلق علينا الباب من الخارج، خوفاً من أن يطالها قول أو شائعة، فهي ابنة “شيخ” كما كانت تصف نفسها وتعتز، وكان أبي لا يرفض طلبها، ويغلق الباب علينا من الخارج حتى يعود من العمل آخر النهار.
كانت أمي شديدة الحياء والمحافظة والتوجس إلى درجة حبس نفسها بين الجدران.. لا تفتح نافذة ولا باب.. أبي هو وحده من يفتح الباب ومن يغلقه، فيما كانت أمي تشغل وقتها بالتنظيف، وغسل الملابس والطبخ والقيام بجميع أعمال البيت..
ولكن لماذا أنا أيضا يتم حبسي ولا يُسمح لي أن أخرج للشارع لألعب مع الاطفال أو أطل عليهم من نافذة.. أريد أن أرى ماذا يحدث خارج جدران البيت.. أريد أرى الوجوه والناس والحركة وصخب الحياة..
كل ساعات النهار والليل ـ عدا النوم ـ نظري يرتطم بالجدران وسقف البيت.. لا يوجد شق في نافذة ولا خرم مفتاح في باب..
أسمع بعض ما يحدث خارج البيت ولكنني لا أراه.. فضولي مقموعا بجدران من اسمنت، وخشب من ساج، ولا مجال ولا أمل أن أرى ماذا يحدث في الشارع من ضوضاء وعراك وقهقهه..
أريد أن اعرف العالم خارج حيطان بيتنا.. أريد أن أرى أبناء الجيران و(شمس) المجنونة على سريرها في الشارع، والمحوطة بالصرر والقراطيس والأشياء الفارغة التي رأيتها ذات مرة عندما خرجت مع أبي مريضا من أجل العلاج..
أريد أن أرى كل التفاصيل خارج حيطان البيت المتواضع الذي نستأجره.. ليس أمامي من طريق أن أرى العالم خارج جدران بيتنا.. كل شيء ضيق في البيت كصدري الضيق، وجمجمتي الصغيرة.. أشعر أنني أقضي أيامي في قمقم صغير مغلق بالحديد، يحصرني ويحاصرني ويكتم أنفاسي.. فكان طبيعيا أن أكون شقيا، وأن يجد هذا الحرمان والمعاناة انعكاسه في سلوكي الشقي والمتمرد بين جدران البيت وسقفه وحصاره.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(4)
الموت يداهمنا.. تساؤل ..
لماذا الموت يا إلهي؟! أعلم أنك حكيم، ولكن السؤال أيضا يبحث عن الحكمة والبيان؟! نحن شغوفون بالمعرفة، وربما جُبلنا على هذا، وربما في المعرفة تحدي وجودي للإنسان.. إننا نحاول فهم ما لا يتأتى فهمه، وإماطة اللثام عنه، وكشف ألغازه ومجاهله، ومعرفة ما لا نعرفه، حتى وإن كان عصيا عن الفهم والمعرفة منذ البداية، أو تحتاج الإجابة على الأسئلة إلى مداها الزمني المستحق، إلا أن شرف المحاولة فيه ممارسة وجودية، تجعلنا نستحق هذا الوجود الذي نعيشه..
المعرفة ربما لا تأتي بالتسليم، أو بتجاهل مالا ينبغي تجاهله، ولكنها تأتي من اعتمال العقل والتجربة، واثارت الأسئلة، ومناقشة الفرضيات والنظريات، أو استبدالها أو تصحيحها.. فالخواء لا يقدم علم أو معرفة أو فهم.. ينبغي للأسئلة لتفعل فعلها، أن تنفذ إلى الدخل وتغوص في العمق، ويجري البحث عن الإجابة عليها، وبذل ما في الوسع والاستطاعة من الجهد؛ لاكتشاف ما هو مجهول وغامض، وإزالة كل لبس أو غبش.. سلطان العلم هو ما نحتاجه لننفذ به إلى أقطار السموات العُلا، والأشياء الكبيرة كما قالوا تبدأ بسؤال صغير".. وقيل "إنما شفاء العي السؤال".
الأسئلة هي بوابات المعرفة، وهي السبيل إلى ما نسعى إليه من يقين، أو هي وسيلة تدلنا من أجل الوصول إليه.. نحن هنا نسأل أو نتسأل لنبدد حيرة، تجلي شيئا من معرفة، أو ناصية من علم، أو دليل أو وسيلة، في خدمة الإنسان ومستقبله..
ما كان في دروب الأمس عصيا على الفهم والعلم، أو مستحيلا عليه، صار اليوم معلوما أو واقعا مفهوما وماثلا أمام العيون، ويغدو المستحيل ممكنا، وما كان اليوم عصيا على الفهم والعلم، ربما يصير غدا بديهية معرفية، وما لا نطول جوابه اليوم، سنطوله غدا، وغدا لا ينفذ ولا ينتهي في درب الزمن الطويل أو السرمدي..
المستقبل الذي نروم ونعمل لأجله، سيفكك كثير من أسرار الكون وغموضه.. فالكون مكنوز بالأسرار الهائلة التي لا تنتهي، وربما تفوق كل تصور وخيال.. والمعرفة لا حدود لها.. وطالما بقي إنسان في وجوده، سيظل يحتار ويسأل ويتسأل حتى يصل ويطمئن إلى ما يمكن الوصول إليه، أو يظل يعدل فيما كان يظنه يقين، حتى يصل إليه، أو الحد الأدنى منه، ويستمر تراكم العلم لاكتشاف المزيد، ويستمر الإنسان في حصاد المعرفة، وفي مدى ربما لا ينتهي..
يتسأل البعض: إن كان الموت ضرورة والحياة ضرورة فأنت يا الله على كل شيء قدير.. ماذا كان سيحدث إن عُدمت الضرورات، ولم يخلق
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(3)
بؤس وشقاوة
كان أبي يقضي بحدود العشر ساعات في العمل المضنى والجهيد، من أجل إبقاءنا على قيد الحياة، وسد لقمة عيشنا المتواضعة، وكذا عيش أسرته الأخرى التي يعيلها في القرية، والتي تنتظر بفارغ الصبر ما يأتيها من والدي المثقل بمسؤولية إعاشتنا جميعا..
كانت الحياة صعبة، وصراعنا كان هو من أجل البقاء، فالستر واستمرارنا بالحياة هي أقصى ما نحلم به ونريد.
كانت أمي تطلب من أبي أن يغلق علينا الباب من الخارج، خوفاً من أن يطالها قول أو شائعة، فهي ابنة “شيخ” كما كانت تصف نفسها وتعتز، وكان أبي لا يرفض طلبها، ويغلق الباب علينا من الخارج حتى يعود من العمل آخر النهار.
كانت أمي شديدة الحياء والمحافظة والتوجس إلى درجة حبس نفسها بين الجدران.. لا تفتح نافذة ولا باب.. أبي هو وحده من يفتح الباب ومن يغلقه، فيما كانت أمي تشغل وقتها بالتنظيف، وغسل الملابس والطبخ والقيام بجميع أعمال البيت..
ولكن لماذا أنا أيضا يتم حبسي ولا يُسمح لي أن أخرج للشارع لألعب مع الاطفال أو أطل عليهم من نافذة.. أريد أن أرى ماذا يحدث خارج جدران البيت.. أريد أرى الوجوه والناس والحركة وصخب الحياة..
كل ساعات النهار والليل ـ عدا النوم ـ نظري يرتطم بالجدران وسقف البيت.. لا يوجد شق في نافذة ولا خرم مفتاح في باب..
أسمع بعض ما يحدث خارج البيت ولكنني لا أراه.. فضولي مقموعا بجدران من اسمنت، وخشب من ساج، ولا مجال ولا أمل أن أرى ماذا يحدث في الشارع من ضوضاء وعراك وقهقهه..
أريد أن اعرف العالم خارج حيطان بيتنا.. أريد أن أرى أبناء الجيران و(شمس) المجنونة على سريرها في الشارع، والمحوطة بالصرر والقراطيس والأشياء الفارغة التي رأيتها ذات مرة عندما خرجت مع أبي مريضا من أجل العلاج..
أريد أن أرى كل التفاصيل خارج حيطان البيت المتواضع الذي نستأجره.. ليس أمامي من طريق أن أرى العالم خارج جدران بيتنا.. كل شيء ضيق في البيت كصدري الضيق، وجمجمتي الصغيرة.. أشعر أنني أقضي أيامي في قمقم صغير مغلق بالحديد، يحصرني ويحاصرني ويكتم أنفاسي.. فكان طبيعيا أن أكون شقيا، وأن يجد هذا الحرمان والمعاناة انعكاسه في سلوكي الشقي والمتمرد بين جدران البيت وسقفه وحصاره.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(4)
الموت يداهمنا.. تساؤل ..
لماذا الموت يا إلهي؟! أعلم أنك حكيم، ولكن السؤال أيضا يبحث عن الحكمة والبيان؟! نحن شغوفون بالمعرفة، وربما جُبلنا على هذا، وربما في المعرفة تحدي وجودي للإنسان.. إننا نحاول فهم ما لا يتأتى فهمه، وإماطة اللثام عنه، وكشف ألغازه ومجاهله، ومعرفة ما لا نعرفه، حتى وإن كان عصيا عن الفهم والمعرفة منذ البداية، أو تحتاج الإجابة على الأسئلة إلى مداها الزمني المستحق، إلا أن شرف المحاولة فيه ممارسة وجودية، تجعلنا نستحق هذا الوجود الذي نعيشه..
المعرفة ربما لا تأتي بالتسليم، أو بتجاهل مالا ينبغي تجاهله، ولكنها تأتي من اعتمال العقل والتجربة، واثارت الأسئلة، ومناقشة الفرضيات والنظريات، أو استبدالها أو تصحيحها.. فالخواء لا يقدم علم أو معرفة أو فهم.. ينبغي للأسئلة لتفعل فعلها، أن تنفذ إلى الدخل وتغوص في العمق، ويجري البحث عن الإجابة عليها، وبذل ما في الوسع والاستطاعة من الجهد؛ لاكتشاف ما هو مجهول وغامض، وإزالة كل لبس أو غبش.. سلطان العلم هو ما نحتاجه لننفذ به إلى أقطار السموات العُلا، والأشياء الكبيرة كما قالوا تبدأ بسؤال صغير".. وقيل "إنما شفاء العي السؤال".
الأسئلة هي بوابات المعرفة، وهي السبيل إلى ما نسعى إليه من يقين، أو هي وسيلة تدلنا من أجل الوصول إليه.. نحن هنا نسأل أو نتسأل لنبدد حيرة، تجلي شيئا من معرفة، أو ناصية من علم، أو دليل أو وسيلة، في خدمة الإنسان ومستقبله..
ما كان في دروب الأمس عصيا على الفهم والعلم، أو مستحيلا عليه، صار اليوم معلوما أو واقعا مفهوما وماثلا أمام العيون، ويغدو المستحيل ممكنا، وما كان اليوم عصيا على الفهم والعلم، ربما يصير غدا بديهية معرفية، وما لا نطول جوابه اليوم، سنطوله غدا، وغدا لا ينفذ ولا ينتهي في درب الزمن الطويل أو السرمدي..
المستقبل الذي نروم ونعمل لأجله، سيفكك كثير من أسرار الكون وغموضه.. فالكون مكنوز بالأسرار الهائلة التي لا تنتهي، وربما تفوق كل تصور وخيال.. والمعرفة لا حدود لها.. وطالما بقي إنسان في وجوده، سيظل يحتار ويسأل ويتسأل حتى يصل ويطمئن إلى ما يمكن الوصول إليه، أو يظل يعدل فيما كان يظنه يقين، حتى يصل إليه، أو الحد الأدنى منه، ويستمر تراكم العلم لاكتشاف المزيد، ويستمر الإنسان في حصاد المعرفة، وفي مدى ربما لا ينتهي..
يتسأل البعض: إن كان الموت ضرورة والحياة ضرورة فأنت يا الله على كل شيء قدير.. ماذا كان سيحدث إن عُدمت الضرورات، ولم يخلق
وانا اكتب وانشر تفاصيل حياتي اخوض ايضا معركة مع المستبدين وقطعانهم الذين يريدون تحديد ماذا نكتب وعما نكتب
ومتى وماذا ايضا نتنفس
ومتى وماذا ايضا نتنفس
الله الخلائق، ولم تشهد الأكوان والعوالم حياة ولا موت؟!
ثم يجيب: ربما لو حدث هذا لانعدم الحزن الوخيم الذي يملئ هذا الوجود على اتساع ما نتخيله..
هكذا أحيانا يجوس ويتمرد علينا السؤال في محبسه، ولاسيما عندما تصير كلفة السؤال أو الإجابة عليه حياة صاحبه..
أنا أكره الموت يا الله، عندما يخطف منا من نعزّهم ونحبّهم.. البقاء غريزة قوية فينا أو جاءت معنا عندما جئنا، لا دخل لنا فيها، ولا حولا ولا قوة.. أكره الموت عندما يخطف منا حبيبا أو عزيزا أو كريما..
الموت رهيب جدا.. الموت سكونا موحشا.. ربما عدما وفراغا يدوم.. ربما الموت فراق للأبد، ورحيل بلا نهاية.. الموت خراب وحزن ثقيل جدا على بني البشر.. هذا ما أشعر به عند رحيل كل عزيز وحبيب، فيما الموت عند الميت ربما شيء مغاير ومختلف..
الموت حالة ربما تتأخر، ولكن مجيئها في حكم الأكيد.. كبار المسلَّمات ربما تكون محل ظن وشك، وأما الموت فحقيقة ويقين.. هو ناموس كما قيل، لا يقبل الشك ولا التفاوض.. ولكن لا يدري الجميع أو الكثير أو البعض بيقين ماذا يحدث لنا بعد الموت والغياب الطويل..
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(5)
موت الأختين
أسرتنا الصغيرة في عدن ـ كما قلت سالفا ـ كانت تتكون من أبي وأمي وأنا وأختين توأم، نور وسامية.. أسرة صغيرة وبسيطة تربص بها الموت مليا حتى ظفر بالزهرتين..
جاء الموت على نحو غريب وغامض، لا زلت أجهل سببه وتفسيره إلى اليوم. شيء أخذ من أسرتنا الصغيرة الأختين (نور، وسامية) وكدت أكون أنا الثالث لولا اللطائف.
أختي نور ماتت، وكان عمرها لا يتجاوز العام .. كانت تصرخ فجأة صراخ طافح وقوي، وما أن يتم حملها تسكت، وعندما يتم وضعها على الأرض تعود بنفس الصراخ، حتى يكاد ينقطع نفسها، فيتم المسارعة لحملها من قبل أبي أو أمي، فتكف عن الصراخ، ويستمر هذا الحال فترة طويلة إلى أن تنام محمولة.. وفجأة صرخت ولم تستعد أنفاسها، وماتت في الحال.
أختي (سامية) عندما كان عمرها أكثر من عام، تكرر معها نفس الحال والأعراض.. تصرخ فجأة دون سبب معروف، ثم يتم المسارعة لحملها من قبل أبي أو أمي فتسكت، وعندما يتم إنزالها إلى القاع أو الفراش، تصرخ مجددا وبصوت قارح، فيتم حملها بسرعة، وينتهي الأمر إلى أن تنام محمولة..
وفي يوم صرخت أختي سامية، فسارع أبي لحملها، ولكن أنقطع نفَسها، ولم تعد، ولم نعرف سببا لموتها إلى اليوم.. قال البعض هراء: ماتت لأن البيت التي نحن فيها مسكونة بالجن، وقال آخرون ماتت "فرحة".. وأي فرحة إذاً وصرخة موتها يشق الجدار.
كنت أحب أختي سامية، كانت جميلة وبهية.. كانت حياتها خاطفة وسريعة.. حياة قصيرة كلحظة عاشق.. كحلم عَجول.. أما أختي نور فكانت حياتها أقصر وأسرع وتفاصيلها عصية على الذاكرة، بعد خمسين عاماً من طفولة باكرة.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(6)
فقدان موحش وغياب لا ينتهي
لازلت أذكر سامية وهي مسجاة على الفراش.. كانت الرغبة تستبد بي لأعرف ماذا حدث!! كان الغموض عندي بكثافة مجرة مملوءة بالأسرار العصية على الفهم..
كنت أنظر إليها مشدوها كأنني أشاهدها واكتشفها لأول مرة.. رغم الموت كان وجهها نابضا بالنور، وعيونها مشرقة رغم السكون، كانت تلبس ثوبا بلون دم الغزال.. لا زال هذا اللون أثيرا لنفسي وإن كان يذكرني بفراق طويل..
لم أكن أدرك حينها إن الموت خطفها وغيبها للأبد.. لم استوعب أنها لم تعد بيننا وإنها لن تعود..
كنت ابحث عنها على الدوام وابكي وأقول لأمي ابحثي عنها في مكان نومها، أريد أختي، أريد ألعب معها.. لم تحتمل أمي كلماتي الموجعة التي تنز دما وحرقة.. كانت تحاول تبلع غصصها وتداري حسرتها البالغة، فيفضحها انهمار دموعها، فتنفجر بالبكاء وأبكي معها دون أن أعرف السبب..
كرهت الموت من حينها، غير أن أمي كانت تعزيني، وتخفف من وجعي ووجعها، وتقول إنها في السماء، وإنها مرتاحة هناك، وسعيدة بين بنات الحور، وإنها تأكل التفاح واللحم وكل أنواع الفاكهة.. كل ما أنا محروم منه في الدنيا الفانية هي تأكله، وتنعم به في الحياة الثانية..
ربما بعد حين هممت بمغادرة هذا الدنيا الفانية إلى دار الآخرة، لاستمتع بتلك الحياة الرغيدة، وأعوض كل حرمان عشته في هذه الدنيا، ولكن شق علي أن أترك أمي وحدها تنتحب بقية عمرها.. رأيت أن المغادرة بمفردي دونها أنانية تبتليني، ورأيت إن البقاء عذاب لا ينتهي إلا برحيلي.. هكذا بات الأمر سيان، وكأنني أدور في مدار من عذاب لا يريد أن ينتهي.
أخبرتني أمي أنني سألتقي بأختي نور وسامية يوم القيامة.. ومتى ستأتي يوم القيامة؟! إنني أكره الموت والفراق الطويل؟! العجيب إن أمي بعد حين، كانت تقول لي أن الإخوة لا يلتقون في الدار الثانية إلا يوم القيامة، أما بعد القيامة، فلا وصل ولا لقاء بين الإخوة، بنينا أو بنات.. ربما كانت أمي أو من جلب لها هذا القول، يقصد تعميق أواصر الأخوة وتوثيق المحبة بين الإخوة في هذه الدنيا، ولكن كان الأمر بالنسبة لي يعني حزن عميق على فراق لازال بعيد، وحسرة طويلة من الفراق الأبدي البعيد ي
ثم يجيب: ربما لو حدث هذا لانعدم الحزن الوخيم الذي يملئ هذا الوجود على اتساع ما نتخيله..
هكذا أحيانا يجوس ويتمرد علينا السؤال في محبسه، ولاسيما عندما تصير كلفة السؤال أو الإجابة عليه حياة صاحبه..
أنا أكره الموت يا الله، عندما يخطف منا من نعزّهم ونحبّهم.. البقاء غريزة قوية فينا أو جاءت معنا عندما جئنا، لا دخل لنا فيها، ولا حولا ولا قوة.. أكره الموت عندما يخطف منا حبيبا أو عزيزا أو كريما..
الموت رهيب جدا.. الموت سكونا موحشا.. ربما عدما وفراغا يدوم.. ربما الموت فراق للأبد، ورحيل بلا نهاية.. الموت خراب وحزن ثقيل جدا على بني البشر.. هذا ما أشعر به عند رحيل كل عزيز وحبيب، فيما الموت عند الميت ربما شيء مغاير ومختلف..
الموت حالة ربما تتأخر، ولكن مجيئها في حكم الأكيد.. كبار المسلَّمات ربما تكون محل ظن وشك، وأما الموت فحقيقة ويقين.. هو ناموس كما قيل، لا يقبل الشك ولا التفاوض.. ولكن لا يدري الجميع أو الكثير أو البعض بيقين ماذا يحدث لنا بعد الموت والغياب الطويل..
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(5)
موت الأختين
أسرتنا الصغيرة في عدن ـ كما قلت سالفا ـ كانت تتكون من أبي وأمي وأنا وأختين توأم، نور وسامية.. أسرة صغيرة وبسيطة تربص بها الموت مليا حتى ظفر بالزهرتين..
جاء الموت على نحو غريب وغامض، لا زلت أجهل سببه وتفسيره إلى اليوم. شيء أخذ من أسرتنا الصغيرة الأختين (نور، وسامية) وكدت أكون أنا الثالث لولا اللطائف.
أختي نور ماتت، وكان عمرها لا يتجاوز العام .. كانت تصرخ فجأة صراخ طافح وقوي، وما أن يتم حملها تسكت، وعندما يتم وضعها على الأرض تعود بنفس الصراخ، حتى يكاد ينقطع نفسها، فيتم المسارعة لحملها من قبل أبي أو أمي، فتكف عن الصراخ، ويستمر هذا الحال فترة طويلة إلى أن تنام محمولة.. وفجأة صرخت ولم تستعد أنفاسها، وماتت في الحال.
أختي (سامية) عندما كان عمرها أكثر من عام، تكرر معها نفس الحال والأعراض.. تصرخ فجأة دون سبب معروف، ثم يتم المسارعة لحملها من قبل أبي أو أمي فتسكت، وعندما يتم إنزالها إلى القاع أو الفراش، تصرخ مجددا وبصوت قارح، فيتم حملها بسرعة، وينتهي الأمر إلى أن تنام محمولة..
وفي يوم صرخت أختي سامية، فسارع أبي لحملها، ولكن أنقطع نفَسها، ولم تعد، ولم نعرف سببا لموتها إلى اليوم.. قال البعض هراء: ماتت لأن البيت التي نحن فيها مسكونة بالجن، وقال آخرون ماتت "فرحة".. وأي فرحة إذاً وصرخة موتها يشق الجدار.
كنت أحب أختي سامية، كانت جميلة وبهية.. كانت حياتها خاطفة وسريعة.. حياة قصيرة كلحظة عاشق.. كحلم عَجول.. أما أختي نور فكانت حياتها أقصر وأسرع وتفاصيلها عصية على الذاكرة، بعد خمسين عاماً من طفولة باكرة.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(6)
فقدان موحش وغياب لا ينتهي
لازلت أذكر سامية وهي مسجاة على الفراش.. كانت الرغبة تستبد بي لأعرف ماذا حدث!! كان الغموض عندي بكثافة مجرة مملوءة بالأسرار العصية على الفهم..
كنت أنظر إليها مشدوها كأنني أشاهدها واكتشفها لأول مرة.. رغم الموت كان وجهها نابضا بالنور، وعيونها مشرقة رغم السكون، كانت تلبس ثوبا بلون دم الغزال.. لا زال هذا اللون أثيرا لنفسي وإن كان يذكرني بفراق طويل..
لم أكن أدرك حينها إن الموت خطفها وغيبها للأبد.. لم استوعب أنها لم تعد بيننا وإنها لن تعود..
كنت ابحث عنها على الدوام وابكي وأقول لأمي ابحثي عنها في مكان نومها، أريد أختي، أريد ألعب معها.. لم تحتمل أمي كلماتي الموجعة التي تنز دما وحرقة.. كانت تحاول تبلع غصصها وتداري حسرتها البالغة، فيفضحها انهمار دموعها، فتنفجر بالبكاء وأبكي معها دون أن أعرف السبب..
كرهت الموت من حينها، غير أن أمي كانت تعزيني، وتخفف من وجعي ووجعها، وتقول إنها في السماء، وإنها مرتاحة هناك، وسعيدة بين بنات الحور، وإنها تأكل التفاح واللحم وكل أنواع الفاكهة.. كل ما أنا محروم منه في الدنيا الفانية هي تأكله، وتنعم به في الحياة الثانية..
ربما بعد حين هممت بمغادرة هذا الدنيا الفانية إلى دار الآخرة، لاستمتع بتلك الحياة الرغيدة، وأعوض كل حرمان عشته في هذه الدنيا، ولكن شق علي أن أترك أمي وحدها تنتحب بقية عمرها.. رأيت أن المغادرة بمفردي دونها أنانية تبتليني، ورأيت إن البقاء عذاب لا ينتهي إلا برحيلي.. هكذا بات الأمر سيان، وكأنني أدور في مدار من عذاب لا يريد أن ينتهي.
أخبرتني أمي أنني سألتقي بأختي نور وسامية يوم القيامة.. ومتى ستأتي يوم القيامة؟! إنني أكره الموت والفراق الطويل؟! العجيب إن أمي بعد حين، كانت تقول لي أن الإخوة لا يلتقون في الدار الثانية إلا يوم القيامة، أما بعد القيامة، فلا وصل ولا لقاء بين الإخوة، بنينا أو بنات.. ربما كانت أمي أو من جلب لها هذا القول، يقصد تعميق أواصر الأخوة وتوثيق المحبة بين الإخوة في هذه الدنيا، ولكن كان الأمر بالنسبة لي يعني حزن عميق على فراق لازال بعيد، وحسرة طويلة من الفراق الأبدي البعيد ي
أتي بعد يوم القيامة..
من فرط تعلقي بأختي سامية، جاءت مولودة لاحقا، فأسموها سامية، تعويضا وتخفيفا من فراغ موحش تركه هذا الموت الذي يغيِّب عنّا من نحب.. هذا الموت القاسي والخالي من الرحمة والمشاعر.. سامية أختي الجديدة جاءت شفيفة ومرهفة وحميمة، ومسكونة بالسمو والنبل الجميل.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(7)
كدت أموت
ماتت نور وسامية وكدت أكون ثالثهما.. مررت بنفس الحال والأعراض.. كنت أصرخ فجأة كزمجرة رعد على حين غرة، فيما يسارع أبي أو أمي في حملي من الأرض أو قاع المكان، وما أن أعود للأرض مرة أخرى حتى يعود الصراخ.. وأظل محمولا حتى أنام، وأحياناً أقوم من نومي صارخا، ويتكرر المشهد، وتزداد مخاوف أبي وأمي وتوجسهما أنني للحياة مفارق.
لماذا أصرخ ؟! لا زلت أذكر.. لا أستطيع أنسى ما كنت أشاهده.. ما زال المشهد عالقا بالذاكرة، حافرا فيها، وما زال تفسيره وكنهه غامضا وعصيّا على فهمي إلى اليوم.
كنت أشاهد ثعبان أبيض يخرج من القاع.. طوله بحدود المتر.. له أرجل.. أرجله منتشرة على حافتيه ورأسه مربعا متناسق مع جسمه باستثناء أنه مميز بعينين مدورتين، وعرض رأسه أكبر بقليل من عرض جسمه، ولديه شعرتان في مقدمة رأسه وكأنها للاستشعار..
أشاهده بغته يخرج من القاع يجري؛ فأصرخ بهلع بالغ، كما كانت تصرخ الأختان (نور، سامية) صراخ قارح وناري يشق الجدار.. كزمجرة رعد يأتي بغته على نحو صادم في لحظة شرود وتيه.. صراخ ليس له موعدا يشق الليل أو النهار.. ينم عن مشاهدة أمر صادم، مرعب وفظيع.. شيء ما يجعل الفزع والجزع يشقني نصفين.
وعندما كانا يحملاني أبي أو أمي يختفي هذا الثعبان بالقاع، لا أدري كيف يختفي، ولكنه يختفي، وعندما يطرحاني على الأرض، أراه من جديد يخرج من الإسمنت، ويزحف بسرعة في قاع الغرفة، ويتكرر هذا المشهد، ومعه يتكرر الصراخ.. أبي وأمي لا يرونه، أنا كنت الوحيد الذي أراه، ولذلك لم يستطيعا اكتشاف سبب الصراخ وما أشاهده، إن كان لما أشاهده وجود.
في إحدى المرات، تكرر مشهد الصراخ وعندما لمح أبي على يدي خربشات قلم، قام بمسحها، فانتهى صراخي ولم أعد أراه.. فهم الأمر على ما كان سائدا من وعي وثقافة، وتبّدا له الأمر أنني كتبت على يدي اسم شيطان.. ولكن هذا التفسير غير مقنع، ولا يستقيم، لأن حالات كثيرة تكررت معي ومع سامية ونور، دون أن تكون هناك كتابة أو شخابيط .. كم أخشى من ظُلمنا للشيطان، وربما الشيطان بنا كان رحيم.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
من فرط تعلقي بأختي سامية، جاءت مولودة لاحقا، فأسموها سامية، تعويضا وتخفيفا من فراغ موحش تركه هذا الموت الذي يغيِّب عنّا من نحب.. هذا الموت القاسي والخالي من الرحمة والمشاعر.. سامية أختي الجديدة جاءت شفيفة ومرهفة وحميمة، ومسكونة بالسمو والنبل الجميل.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(7)
كدت أموت
ماتت نور وسامية وكدت أكون ثالثهما.. مررت بنفس الحال والأعراض.. كنت أصرخ فجأة كزمجرة رعد على حين غرة، فيما يسارع أبي أو أمي في حملي من الأرض أو قاع المكان، وما أن أعود للأرض مرة أخرى حتى يعود الصراخ.. وأظل محمولا حتى أنام، وأحياناً أقوم من نومي صارخا، ويتكرر المشهد، وتزداد مخاوف أبي وأمي وتوجسهما أنني للحياة مفارق.
لماذا أصرخ ؟! لا زلت أذكر.. لا أستطيع أنسى ما كنت أشاهده.. ما زال المشهد عالقا بالذاكرة، حافرا فيها، وما زال تفسيره وكنهه غامضا وعصيّا على فهمي إلى اليوم.
كنت أشاهد ثعبان أبيض يخرج من القاع.. طوله بحدود المتر.. له أرجل.. أرجله منتشرة على حافتيه ورأسه مربعا متناسق مع جسمه باستثناء أنه مميز بعينين مدورتين، وعرض رأسه أكبر بقليل من عرض جسمه، ولديه شعرتان في مقدمة رأسه وكأنها للاستشعار..
أشاهده بغته يخرج من القاع يجري؛ فأصرخ بهلع بالغ، كما كانت تصرخ الأختان (نور، سامية) صراخ قارح وناري يشق الجدار.. كزمجرة رعد يأتي بغته على نحو صادم في لحظة شرود وتيه.. صراخ ليس له موعدا يشق الليل أو النهار.. ينم عن مشاهدة أمر صادم، مرعب وفظيع.. شيء ما يجعل الفزع والجزع يشقني نصفين.
وعندما كانا يحملاني أبي أو أمي يختفي هذا الثعبان بالقاع، لا أدري كيف يختفي، ولكنه يختفي، وعندما يطرحاني على الأرض، أراه من جديد يخرج من الإسمنت، ويزحف بسرعة في قاع الغرفة، ويتكرر هذا المشهد، ومعه يتكرر الصراخ.. أبي وأمي لا يرونه، أنا كنت الوحيد الذي أراه، ولذلك لم يستطيعا اكتشاف سبب الصراخ وما أشاهده، إن كان لما أشاهده وجود.
في إحدى المرات، تكرر مشهد الصراخ وعندما لمح أبي على يدي خربشات قلم، قام بمسحها، فانتهى صراخي ولم أعد أراه.. فهم الأمر على ما كان سائدا من وعي وثقافة، وتبّدا له الأمر أنني كتبت على يدي اسم شيطان.. ولكن هذا التفسير غير مقنع، ولا يستقيم، لأن حالات كثيرة تكررت معي ومع سامية ونور، دون أن تكون هناك كتابة أو شخابيط .. كم أخشى من ظُلمنا للشيطان، وربما الشيطان بنا كان رحيم.
*
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كلية الحقوق
(2)
مفارقات وهوامش..
التحقت بالدراسة في كلية الحقوق في الربع الأخير من العام 1985.. أغلب الملتحقين في الكلية قادمين من أرياف اليمن.. جلّنا فقراء ومعدمين.. الدولة توفر للمعوزين السكن والتغذية ومصاريف قليلة، فيما الذين لديهم سكن في عدن كانت الدولة توفر لهم المواصلات المجانية، أما التعليم فمجاني للجميع، ورسوم التسجيل السنوية رمزية جداً.. هذا لا يعني أن الدولة توفر كل المتطلبات، أو أنك لن تعاني من وطأة الظروف، ولكن يعني أن الدولة توفر لك الكثير لمساعدتك في أن تتعلم..
كل هذا وغيره مما كان متأتيا ومتوفرا في الأمس، صار اليوم للأسف الشديد في خبر كان.. إذا قارنا ما كان عليه الحال على صعيد التعليم بما صار إليه الواقع اليوم، سننتحب من الأسى ونختنق من النشيج.. الأميّة التي تلاشت وانتهت عادت لتجتاح نصف شعبنا وتتمدد بعجل نحو المزيد.. اليوم التسرب من التعليم على أوجه.. وهشاشة التعليم بالغة السوء.. الغش صار هو القاعدة.. وما بقي من المعايير العلمية التعليمية جاري تدميرها على قدم وساق، وبصورة تبدو ممنهجة.. أما فرص المعدمين والفقراء في التعليم فصارت محدودة ومحزنة، بل وأحيانا باتت أشبه بالمستحيل أو المعجزة.. شعوبنا صارت تهرول إلى الخلف، أمام مستقبل صيرته نخب اليوم معتما وشديد القتامة، وقد تمكن التافهون من الاستيلاء على كل شيء، وتم ضرب كل مكتسب ومنجز من الماضي في صميمه ومكينه.. عشت ظروف الأمس رغم صعوبتها إلا أنني تعلمت.. ولوكانت ظرفي في الأمس قائمة اليوم، فلن أتعلم أبدأ ليس الجامعة فقط، ولكن أيضا الثانوية والإعدادية.. لقد توحش واقع اليوم في وجه الفقراء على نحو فاق أكبر الاحتمالات سوءا..
كانت قيم الاشتراكية العلمية تستحوذ على عقولنا.. كنّا نعتز بفقرنا إلى حد بعيد.. كنّا ننظر بازدراء للطلبة الذين يملكون سيارات، ويأتون بها إلى الكلية، وهم عدد قليل وضئيل.. كنّا نتعالى عليهم بفقرنا، ونعتبرهم برجوازية صغيرة، وربما يرتاب بهم بعضنا ويعتبرهم خطراً محتملا على المستقبل، وعلى الفكر الصحيح.. ومع ذلك ورغم فقرنا وعوزنا تعلمنا، وولجنا المستقبل لبعض حين، غير أن اليوم الواقع غير الواقع، والحال في أسوئه، وما كان متاحا في الأمس، للأسف لم يعد متاحا اليوم، بما فيه التعليم.
الدراسة في كلية الحقوق كانت مختلفة عمّا عهدناه من قبل.. الدكتور يلقي علينا محاضرته شفاهه، وكان علينا أن نلاحق تدوين ما يقول، وفي أكثر الأحيان لا يعيد ما قال.. كانت يدي ثقيلة تتصبب عرقا، بسبب مشكلة في الغدد.. وأبدوا في هيئتي تلك، وأنا أهرع بعد كلمات الأستاذ أشبه براكض متعثرا بحذائه في سباق الضاحية..
كنت أغبط الطالبات لأنهن في هذا السباق جياد.. كانت بعض المفردات تفوتني أو تطير منّي فتضيع الجُمل وتشرد العبارات، ولا ألحق تدوينها، ثم أحاول التجاوز بفراغ أحيانا يطول سطر أو أكثر، ثم أعمد في وقت فراغي أو مذاكرتي إلى إعادة قراءة ما سبق، ووضع المقاربات المحتملة للكلمات أو الجمل التي شردت عنّا؛ فإن أستحال الأمر أو أُشكل علينا؛ فزميلاتنا لمثل هذا الفراغ رسم ومرجع.
كان الدكتور يسجِّل لنا عقب كل محاضرة مجموعة من المراجع، وعلينا قراءة كل ما فيه صلة بالموضوع، ثم في موعد “السمنار” كل يستعرض مفهوميته.. وكانت تتبع الكلية مكتبة وفيرة بالمراجع والكتب..
كل موضوع أو درس يمر علينا يستمر معنا حتى تكتمل دورته، حيث تبدأ بالمحاضرة، مرورا بقراءة المراجع ذات الصلة، ثم السمنار أو المناقشة، ثم الاختبار، ويتوج بالامتحان مسك للختام، وتكون النتيجة هي الخلاصة أو المحصِّلة.. كانت الجامعة في عدن بكلياتها المختلفة رغم ثقل الأيديولوجيا، إلا إنها تصنع معها وعيا وابداعا وفكرا وثقافة..
ظلت ترافقني في الجامعة رغبة القراءة بصوت عالي حتى بلغت حد الاستحواذ.. صار يتملكني طبعا ولا أستطيع الفكاك منه، ولا أكتفي بهذا، بل احتاج أيضا لبني آدم يستمع لحديثي عند المذاكرة، وزائد على هذا وذاك أحتاج من يناقشني ويسألني..
كان زملائي محمد قاسم أسعد من ردفان، وعبيد صالح وصالح القُمّلي من الشعيب، وعبدالاله مشهور من يافع، وقائد حسن حزام من المعلا، ومحمد ربيع عميران من "القلوعة"، آنس لهم وأستمتع بمجيئهم إلى البيت للمذاكرة، وأحيانا يملنّي أحدهم أو يتمرد، فاستعيض عنه بآخر، وعندما يقرفني الجميع وربما يضيقون بطبعي أو أنانيتي ويتمردون، ألوذ إلى خالتي "سعيدة" التي لا تقرأ ولا تكتب، وأعلن بها إنتصاري على من قرفني..
كانت خالتي تستمع لي وأنا أشرح لها دروسي، وأتحدث إليها وعمّا قاله ماركس ولينين وأنجلس وهي “الأمِّية” صبورة وطويلة البال.. كان النعاس يداهم عيون خالتي في كل حين، وهي جالسة تستمع لي، ومن أجل أن اجعلها يقضه أطلب منها أن تردد ما أقول مرة ومرتين وثلاث لتشتد وتندمج معي ومع ما أقرأ.. كنت أشعر أنني أتنازعها مع النعاس والنوم، وعلى نحو مرهق ومُلِح حتى صرت أجيد في فترة لاحقه إدارة الاشتباك مع النوم.. آه كم كانت خالتي هذه صبورة وطيبة وودودة..
ي
(2)
مفارقات وهوامش..
التحقت بالدراسة في كلية الحقوق في الربع الأخير من العام 1985.. أغلب الملتحقين في الكلية قادمين من أرياف اليمن.. جلّنا فقراء ومعدمين.. الدولة توفر للمعوزين السكن والتغذية ومصاريف قليلة، فيما الذين لديهم سكن في عدن كانت الدولة توفر لهم المواصلات المجانية، أما التعليم فمجاني للجميع، ورسوم التسجيل السنوية رمزية جداً.. هذا لا يعني أن الدولة توفر كل المتطلبات، أو أنك لن تعاني من وطأة الظروف، ولكن يعني أن الدولة توفر لك الكثير لمساعدتك في أن تتعلم..
كل هذا وغيره مما كان متأتيا ومتوفرا في الأمس، صار اليوم للأسف الشديد في خبر كان.. إذا قارنا ما كان عليه الحال على صعيد التعليم بما صار إليه الواقع اليوم، سننتحب من الأسى ونختنق من النشيج.. الأميّة التي تلاشت وانتهت عادت لتجتاح نصف شعبنا وتتمدد بعجل نحو المزيد.. اليوم التسرب من التعليم على أوجه.. وهشاشة التعليم بالغة السوء.. الغش صار هو القاعدة.. وما بقي من المعايير العلمية التعليمية جاري تدميرها على قدم وساق، وبصورة تبدو ممنهجة.. أما فرص المعدمين والفقراء في التعليم فصارت محدودة ومحزنة، بل وأحيانا باتت أشبه بالمستحيل أو المعجزة.. شعوبنا صارت تهرول إلى الخلف، أمام مستقبل صيرته نخب اليوم معتما وشديد القتامة، وقد تمكن التافهون من الاستيلاء على كل شيء، وتم ضرب كل مكتسب ومنجز من الماضي في صميمه ومكينه.. عشت ظروف الأمس رغم صعوبتها إلا أنني تعلمت.. ولوكانت ظرفي في الأمس قائمة اليوم، فلن أتعلم أبدأ ليس الجامعة فقط، ولكن أيضا الثانوية والإعدادية.. لقد توحش واقع اليوم في وجه الفقراء على نحو فاق أكبر الاحتمالات سوءا..
كانت قيم الاشتراكية العلمية تستحوذ على عقولنا.. كنّا نعتز بفقرنا إلى حد بعيد.. كنّا ننظر بازدراء للطلبة الذين يملكون سيارات، ويأتون بها إلى الكلية، وهم عدد قليل وضئيل.. كنّا نتعالى عليهم بفقرنا، ونعتبرهم برجوازية صغيرة، وربما يرتاب بهم بعضنا ويعتبرهم خطراً محتملا على المستقبل، وعلى الفكر الصحيح.. ومع ذلك ورغم فقرنا وعوزنا تعلمنا، وولجنا المستقبل لبعض حين، غير أن اليوم الواقع غير الواقع، والحال في أسوئه، وما كان متاحا في الأمس، للأسف لم يعد متاحا اليوم، بما فيه التعليم.
الدراسة في كلية الحقوق كانت مختلفة عمّا عهدناه من قبل.. الدكتور يلقي علينا محاضرته شفاهه، وكان علينا أن نلاحق تدوين ما يقول، وفي أكثر الأحيان لا يعيد ما قال.. كانت يدي ثقيلة تتصبب عرقا، بسبب مشكلة في الغدد.. وأبدوا في هيئتي تلك، وأنا أهرع بعد كلمات الأستاذ أشبه براكض متعثرا بحذائه في سباق الضاحية..
كنت أغبط الطالبات لأنهن في هذا السباق جياد.. كانت بعض المفردات تفوتني أو تطير منّي فتضيع الجُمل وتشرد العبارات، ولا ألحق تدوينها، ثم أحاول التجاوز بفراغ أحيانا يطول سطر أو أكثر، ثم أعمد في وقت فراغي أو مذاكرتي إلى إعادة قراءة ما سبق، ووضع المقاربات المحتملة للكلمات أو الجمل التي شردت عنّا؛ فإن أستحال الأمر أو أُشكل علينا؛ فزميلاتنا لمثل هذا الفراغ رسم ومرجع.
كان الدكتور يسجِّل لنا عقب كل محاضرة مجموعة من المراجع، وعلينا قراءة كل ما فيه صلة بالموضوع، ثم في موعد “السمنار” كل يستعرض مفهوميته.. وكانت تتبع الكلية مكتبة وفيرة بالمراجع والكتب..
كل موضوع أو درس يمر علينا يستمر معنا حتى تكتمل دورته، حيث تبدأ بالمحاضرة، مرورا بقراءة المراجع ذات الصلة، ثم السمنار أو المناقشة، ثم الاختبار، ويتوج بالامتحان مسك للختام، وتكون النتيجة هي الخلاصة أو المحصِّلة.. كانت الجامعة في عدن بكلياتها المختلفة رغم ثقل الأيديولوجيا، إلا إنها تصنع معها وعيا وابداعا وفكرا وثقافة..
ظلت ترافقني في الجامعة رغبة القراءة بصوت عالي حتى بلغت حد الاستحواذ.. صار يتملكني طبعا ولا أستطيع الفكاك منه، ولا أكتفي بهذا، بل احتاج أيضا لبني آدم يستمع لحديثي عند المذاكرة، وزائد على هذا وذاك أحتاج من يناقشني ويسألني..
كان زملائي محمد قاسم أسعد من ردفان، وعبيد صالح وصالح القُمّلي من الشعيب، وعبدالاله مشهور من يافع، وقائد حسن حزام من المعلا، ومحمد ربيع عميران من "القلوعة"، آنس لهم وأستمتع بمجيئهم إلى البيت للمذاكرة، وأحيانا يملنّي أحدهم أو يتمرد، فاستعيض عنه بآخر، وعندما يقرفني الجميع وربما يضيقون بطبعي أو أنانيتي ويتمردون، ألوذ إلى خالتي "سعيدة" التي لا تقرأ ولا تكتب، وأعلن بها إنتصاري على من قرفني..
كانت خالتي تستمع لي وأنا أشرح لها دروسي، وأتحدث إليها وعمّا قاله ماركس ولينين وأنجلس وهي “الأمِّية” صبورة وطويلة البال.. كان النعاس يداهم عيون خالتي في كل حين، وهي جالسة تستمع لي، ومن أجل أن اجعلها يقضه أطلب منها أن تردد ما أقول مرة ومرتين وثلاث لتشتد وتندمج معي ومع ما أقرأ.. كنت أشعر أنني أتنازعها مع النعاس والنوم، وعلى نحو مرهق ومُلِح حتى صرت أجيد في فترة لاحقه إدارة الاشتباك مع النوم.. آه كم كانت خالتي هذه صبورة وطيبة وودودة..
ي
إذا كانت وثيقة المجلس الانتقالي بصدد فرض غرامات وعقوبات تستهدف الحريات والحقوق ومنها حق التعبير والرأي، فإنه بذلك يصير لا يقل خطرا على المستقبل وعلى حريات وحقوق الإنسان من الحوثيين، مع فارق أن الحوثيين أقل إرتهانا من المجلس الانتقالي، ويقدمون مصلحة الجماعة على غيرها من المصالح، فيما الانتقالي يقدم أجندات الخارج على أجنداته..
اصداء من الوتس _ و . ش:
التسلسل في سرد احداث هذا التاريخ ممتعاً للغاية..وجدتني هناك..على نمط الإختلاط لديكم..كان أيضا في جامعة صنعاء القديمة.." صاحب القراطيس" ذكرتني بصاحب الكرافت الوردي
" كان لنا زميل لا يلبس الا الوردي في كرافتاته" كان ينهشني الفضول لمعرفة سبب هذا اللون لدية مع الكرفات تحديدا..وكل عام وانا أجمع شجاعه كافية ومصرة على توجيه سؤالي...وعندما استجمعت شجاعتي كنت قد عرفت كيف أبداء الحديث بالسؤال عن الدروس لمدة أسبوع..ليطمئن لي، وفي الاسبوع التالي قفزت بالسؤال له فكان رده جميلا لدرجة انه أخرسني..كان رده خجلا بعض السيء وكأنه يبرر لي : زوجتي من القرية، وهي تختار لي دائما الكرفات عندما نذهب للتسوق" ....
لم يكن صاحب القراطيس الا وجهاً آخر لصاحب الكرفات الوردي..كليهما عاشقان..ولكن كلٍ كان يغني على ليلاه...
جميلة جميلة جميلة...أنتظر باقي هذه السلسلة بشغف.
و.ش
التسلسل في سرد احداث هذا التاريخ ممتعاً للغاية..وجدتني هناك..على نمط الإختلاط لديكم..كان أيضا في جامعة صنعاء القديمة.." صاحب القراطيس" ذكرتني بصاحب الكرافت الوردي
" كان لنا زميل لا يلبس الا الوردي في كرافتاته" كان ينهشني الفضول لمعرفة سبب هذا اللون لدية مع الكرفات تحديدا..وكل عام وانا أجمع شجاعه كافية ومصرة على توجيه سؤالي...وعندما استجمعت شجاعتي كنت قد عرفت كيف أبداء الحديث بالسؤال عن الدروس لمدة أسبوع..ليطمئن لي، وفي الاسبوع التالي قفزت بالسؤال له فكان رده جميلا لدرجة انه أخرسني..كان رده خجلا بعض السيء وكأنه يبرر لي : زوجتي من القرية، وهي تختار لي دائما الكرفات عندما نذهب للتسوق" ....
لم يكن صاحب القراطيس الا وجهاً آخر لصاحب الكرفات الوردي..كليهما عاشقان..ولكن كلٍ كان يغني على ليلاه...
جميلة جميلة جميلة...أنتظر باقي هذه السلسلة بشغف.
و.ش
اصداء من الوتس
محسن حيدره:
يفضل من وجهة نظري ان يألف كتاب شامل جميع مذكراته عن هذه الأحداث المؤسفة التي شهدتها حكومة اليمن الديمقراطية معززة بلقاءات كثيرة من القيادات التاريخية لتلك المرحلة على سبيل المثال مؤسسي الجبهة القومية من ابناء الشمال امثال :
الوالد العزيز ابو خلدون محمد سعيد عبدالله (محسن الشرجبي ).
والشامي ، سلطان احمد عمر اذا كان على قيد الحياة ربنا يحفظه وغيرهم الذين لاتسعفنا الذاكرة لذكرهم والذي تطور نضالهم الوطني الى جانب إخوانهم الجنويين فيما بعد إلى تاسيس الجبهة الوطنية(حزب حوشي ) .
ومن الجنوبيين الأحياء ربنا يطول في اعمارهم امثال :
علي ناصر محمد الرئيس السابق
محمد علي احمد
سالم صالح محمد
الدكتور ياسين سعيد نعمان
علي سالم البيض
حيدر العطاس
وغيرهم من القيادات التاريخية الجنوبية والشمالية الأحياء لنقل حقائق تاريخية مهمة للأجيال حتى لاتاتي فترة نفتقر فيه الى امثالهم لمعرفة حقبة زمنية حزينة وماساوية وسيئة..
وانا متاكد لن يبخلوا عليك بالحقائق حتى وان كانت ضدهم وهذا تاريخ ليس عيب فيه ان ينقل بمصداقية..
......... ياريت اخي الكريم والقدير ان تخرج مذكراتك بصورة كتاب تاريخي معزز كما اشرت انفا باللقاءات مع القيادات التاريخية الأحياء حفظكم الله ورعاكم جميعا..
انا طبعا متابع باعجاب بكل حلقاتك ليس في هذا الجروب فحسب بل بجروب السلام ايضا فالحقيقة تشعرني بنقل دقيق وصادق لتلك المرحلة وبشفافية تامة.
وفقك الله وكان في عونك دائما وابدا...
اخوك / محسن حيدره
محسن حيدره:
يفضل من وجهة نظري ان يألف كتاب شامل جميع مذكراته عن هذه الأحداث المؤسفة التي شهدتها حكومة اليمن الديمقراطية معززة بلقاءات كثيرة من القيادات التاريخية لتلك المرحلة على سبيل المثال مؤسسي الجبهة القومية من ابناء الشمال امثال :
الوالد العزيز ابو خلدون محمد سعيد عبدالله (محسن الشرجبي ).
والشامي ، سلطان احمد عمر اذا كان على قيد الحياة ربنا يحفظه وغيرهم الذين لاتسعفنا الذاكرة لذكرهم والذي تطور نضالهم الوطني الى جانب إخوانهم الجنويين فيما بعد إلى تاسيس الجبهة الوطنية(حزب حوشي ) .
ومن الجنوبيين الأحياء ربنا يطول في اعمارهم امثال :
علي ناصر محمد الرئيس السابق
محمد علي احمد
سالم صالح محمد
الدكتور ياسين سعيد نعمان
علي سالم البيض
حيدر العطاس
وغيرهم من القيادات التاريخية الجنوبية والشمالية الأحياء لنقل حقائق تاريخية مهمة للأجيال حتى لاتاتي فترة نفتقر فيه الى امثالهم لمعرفة حقبة زمنية حزينة وماساوية وسيئة..
وانا متاكد لن يبخلوا عليك بالحقائق حتى وان كانت ضدهم وهذا تاريخ ليس عيب فيه ان ينقل بمصداقية..
......... ياريت اخي الكريم والقدير ان تخرج مذكراتك بصورة كتاب تاريخي معزز كما اشرت انفا باللقاءات مع القيادات التاريخية الأحياء حفظكم الله ورعاكم جميعا..
انا طبعا متابع باعجاب بكل حلقاتك ليس في هذا الجروب فحسب بل بجروب السلام ايضا فالحقيقة تشعرني بنقل دقيق وصادق لتلك المرحلة وبشفافية تامة.
وفقك الله وكان في عونك دائما وابدا...
اخوك / محسن حيدره