#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٧)
3⃣
يعني طالما قال (وبالوالدين إحسانا) يعني أحسن بهما ولا يأتيهم أدنى أذى منك، كذلك هنا في هذه الآية الكريمة كما بينت لكم.
الله تبارك وتعالى جاء في سورة الكهف وأمره أمرا بمنتهى الدقة وأسلوب التعبير القرآني (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) يعني الأمر بالصبر هنا ليس مجرد الأمر بالصبر فقط، إنما الأمر بالصبر بأن تحبس نفسك عن أن تمتنع عن هذا الفضل، والأمر لنا لأن الأمر بالصبر هنا هو الأمر بالصبر على الطاعة. والأمر بالصبر على الطاعة هو أعلى مراتب الصبر ، يعني الصبر على الطاعة هو في المقام الأول وفي المقام الأعلى، والصبر على الطاعة يلزم الإنسان أن يصبر نفسه، يأمرها بالصبر لأن نفسك بطبيعتها ربما لا تتحمل، وربما تقول يعني ليس بالضرورة أن أفعل الآن، ليس بالضرورة أن أصلي في المكان الفلاني، أو خلف الشيخ الفلاني اللي يطول أو الشيخ اللي بيقصر أو...الخ (فاصبر نفسك) جاهد نفسك، والأمر بصبر النفس معناها الملازمة لهذا الأمر ، الملازمة والدوام لهذا الأمر. فمعنى (واصبر نفسك) أي داوم على أن تصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)
وقلت إن الله تبارك وتعالى مدحهم بفعلهم لإخلاصهم لأن (يريدون وجهه) معناها أنهم مخلصون، مخلصون في عبادتهم لله.
ثم يأمر الله نبيه (ولا تعدو عيناك عنهم) هذا ليس صبر النفس فقط، لا تصرف عينيك عنهم بالنظر إلى شيء آخر، لا تصرف نظرك عنهم ولا تُبعد نظرك عنهم، (ولا تعدو عيناك عنهم) احبس نفسك معهم حبس ملازمة ولا تسمح لعينيك أن تنظر إلى غيرهم مهما كانوا ومهما علا شأنهم في الدنيا لا تلتفت إليهم وكن مع هؤلاء (ولا تعدو عيناك عنهم) عنهم حرف تجاوز، ومجاوزة (لا تعدو عيناك عنهم) بمعنى لا تصرف عينيك عنهم إلى غيرهم.
إذن أمره بصبر النفس وأمره ألا يصرف نظره عنهم، وألا يصرف بصره عن النظر إليهم، وكما قلت. إن هذا هو الصبر على الطاعة وهو أعلى مراتب الصبر، وأعطانا الله ضابطين هنا:
الضابط الأول: أن نجاهد أنفسنا في أن تصبر على طاعة الله تبارك وتعالى فتؤديها كما ينبغي، وألا ينشغل نظرنا، وألا تنشغل عينانا عن التفكر والتدبر في تنفيذ طاعة الله تبارك وتعالى لأن العينين لو انشغلت بالداخل و الخارج لن تستطيع أن تؤدي الطاعة كما ينبغي.
و لذلك في أحد المساجد كان بعض المأمومين إذا وقف للصلاة، كان يصلي ووجهه للباب مباشرة الذي على الشارع الذي يمر منه الناس فكنت أتأمل فأجده منشغلا ويكاد ينفعل حركيا مع الذي يسير في الشارع، والذي يحدث في الشارع، ويكاد يترك الصلاة ويخرج لكي ينظر، فيه طفل يمسك بطفل آخر، أو غير ذلك، ولذلك لو ربطنا هذا بأن مريم عليها السلام - وأنا أكرر هذا كثيرا - (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) تخيرت مكانا، وتخيرت مكانا بعيدا عن أهلها حتى تستطيع أن تكون لله خاشعة وتستطيع ان تحضر قلبها.
يعني إذا صليت والتلفزيون -مثلا- أو صليتي والتلفزيون يعمل أو الأولاد يلعبون بالتأكيد ستنشغل وستنشغلين. إذن (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم) خليكوا فاكرين يعني ولا تبعد عينيك عنه، ولا تصرف عينيك عنه، لا تنشغل بغيره.
طيب يا رب الذي لا يصبر نفسه في سبيل الطاعة وفي سبيل مرضاتك ولا يجعل نظره غير منشغل بغير طاعتك ما تفسيره هذا؟ ليس له إلا أنه يريد زينة الحياة الدنيا. صحيح الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لكن لا بد أن نوقعه على حالنا يعني الذين يعبدون الله بإخلاص وبخشوع وبخضوع يقابلهم المنشغلون عن طاعة الله، إنما هم منشغلون بأمور الدنيا فهم يريدون زينة الحياة الدنيا. وأريدكم أن تنقلوا هذا إلى الواقع لكل واحد منا، يعني معلم أو معلمة لتحفيظ القرآن، هؤلاء الذين يحفظون القرآن، فيه دليل على قوة علاقتهم بالله وإيمانهم بالله فاصبر نفسك معهم ولا تعد عيناك عنهم، وكما قلت سابقا يعني لا تنفر أحدا من حفظ كلام الله، ولا تقل لأحد أنت غير صالح للحفظ، لا، الناس يعني مداركهم تتفاوت فليس الكل سواء في الإدراك، لأن يحفظ حزبا واحدا أو جزءا واحدا أليس بأفضل من كونه لا يحفظ؟ لأن تصحح له الفاتحة والمعوذات والسور القصيرة التي يستطيع أن يصلي بها أفضل من أن تبعده عن هذا المجال فأنت اصبر نفسك معهم ولا تعد عيناك عنهم.
ثم انتقل الله بعد ذلك في قوله (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه وكان أمره فرطا) نهى الله النبي صلى الله عليه وسلم وعباد الله المؤمنين ألا يطيعوا من أغفل الله قلبه عن ذكره. إغفال القلب إذا كان الله قد أغفل القلب فما ذنب صاحبه؟ يعني إذا كان الله قد أغفل القلب فما ذنب صاحبه؟ لا، هو بداية الذي غفل عن الله، وغفل عن طاعة الله فكانت عقوبته أن عاقبه الله تبارك وتعالى بأن أغفله عن ذكره، يعني هو غفل عن الله فأغفله الله عن ذكره. ولذلك في قوله (ولا تطع من أغفلنا قلبه) لها معنيان:
3⃣
يعني طالما قال (وبالوالدين إحسانا) يعني أحسن بهما ولا يأتيهم أدنى أذى منك، كذلك هنا في هذه الآية الكريمة كما بينت لكم.
الله تبارك وتعالى جاء في سورة الكهف وأمره أمرا بمنتهى الدقة وأسلوب التعبير القرآني (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) يعني الأمر بالصبر هنا ليس مجرد الأمر بالصبر فقط، إنما الأمر بالصبر بأن تحبس نفسك عن أن تمتنع عن هذا الفضل، والأمر لنا لأن الأمر بالصبر هنا هو الأمر بالصبر على الطاعة. والأمر بالصبر على الطاعة هو أعلى مراتب الصبر ، يعني الصبر على الطاعة هو في المقام الأول وفي المقام الأعلى، والصبر على الطاعة يلزم الإنسان أن يصبر نفسه، يأمرها بالصبر لأن نفسك بطبيعتها ربما لا تتحمل، وربما تقول يعني ليس بالضرورة أن أفعل الآن، ليس بالضرورة أن أصلي في المكان الفلاني، أو خلف الشيخ الفلاني اللي يطول أو الشيخ اللي بيقصر أو...الخ (فاصبر نفسك) جاهد نفسك، والأمر بصبر النفس معناها الملازمة لهذا الأمر ، الملازمة والدوام لهذا الأمر. فمعنى (واصبر نفسك) أي داوم على أن تصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)
وقلت إن الله تبارك وتعالى مدحهم بفعلهم لإخلاصهم لأن (يريدون وجهه) معناها أنهم مخلصون، مخلصون في عبادتهم لله.
ثم يأمر الله نبيه (ولا تعدو عيناك عنهم) هذا ليس صبر النفس فقط، لا تصرف عينيك عنهم بالنظر إلى شيء آخر، لا تصرف نظرك عنهم ولا تُبعد نظرك عنهم، (ولا تعدو عيناك عنهم) احبس نفسك معهم حبس ملازمة ولا تسمح لعينيك أن تنظر إلى غيرهم مهما كانوا ومهما علا شأنهم في الدنيا لا تلتفت إليهم وكن مع هؤلاء (ولا تعدو عيناك عنهم) عنهم حرف تجاوز، ومجاوزة (لا تعدو عيناك عنهم) بمعنى لا تصرف عينيك عنهم إلى غيرهم.
إذن أمره بصبر النفس وأمره ألا يصرف نظره عنهم، وألا يصرف بصره عن النظر إليهم، وكما قلت. إن هذا هو الصبر على الطاعة وهو أعلى مراتب الصبر، وأعطانا الله ضابطين هنا:
الضابط الأول: أن نجاهد أنفسنا في أن تصبر على طاعة الله تبارك وتعالى فتؤديها كما ينبغي، وألا ينشغل نظرنا، وألا تنشغل عينانا عن التفكر والتدبر في تنفيذ طاعة الله تبارك وتعالى لأن العينين لو انشغلت بالداخل و الخارج لن تستطيع أن تؤدي الطاعة كما ينبغي.
و لذلك في أحد المساجد كان بعض المأمومين إذا وقف للصلاة، كان يصلي ووجهه للباب مباشرة الذي على الشارع الذي يمر منه الناس فكنت أتأمل فأجده منشغلا ويكاد ينفعل حركيا مع الذي يسير في الشارع، والذي يحدث في الشارع، ويكاد يترك الصلاة ويخرج لكي ينظر، فيه طفل يمسك بطفل آخر، أو غير ذلك، ولذلك لو ربطنا هذا بأن مريم عليها السلام - وأنا أكرر هذا كثيرا - (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) تخيرت مكانا، وتخيرت مكانا بعيدا عن أهلها حتى تستطيع أن تكون لله خاشعة وتستطيع ان تحضر قلبها.
يعني إذا صليت والتلفزيون -مثلا- أو صليتي والتلفزيون يعمل أو الأولاد يلعبون بالتأكيد ستنشغل وستنشغلين. إذن (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم) خليكوا فاكرين يعني ولا تبعد عينيك عنه، ولا تصرف عينيك عنه، لا تنشغل بغيره.
طيب يا رب الذي لا يصبر نفسه في سبيل الطاعة وفي سبيل مرضاتك ولا يجعل نظره غير منشغل بغير طاعتك ما تفسيره هذا؟ ليس له إلا أنه يريد زينة الحياة الدنيا. صحيح الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لكن لا بد أن نوقعه على حالنا يعني الذين يعبدون الله بإخلاص وبخشوع وبخضوع يقابلهم المنشغلون عن طاعة الله، إنما هم منشغلون بأمور الدنيا فهم يريدون زينة الحياة الدنيا. وأريدكم أن تنقلوا هذا إلى الواقع لكل واحد منا، يعني معلم أو معلمة لتحفيظ القرآن، هؤلاء الذين يحفظون القرآن، فيه دليل على قوة علاقتهم بالله وإيمانهم بالله فاصبر نفسك معهم ولا تعد عيناك عنهم، وكما قلت سابقا يعني لا تنفر أحدا من حفظ كلام الله، ولا تقل لأحد أنت غير صالح للحفظ، لا، الناس يعني مداركهم تتفاوت فليس الكل سواء في الإدراك، لأن يحفظ حزبا واحدا أو جزءا واحدا أليس بأفضل من كونه لا يحفظ؟ لأن تصحح له الفاتحة والمعوذات والسور القصيرة التي يستطيع أن يصلي بها أفضل من أن تبعده عن هذا المجال فأنت اصبر نفسك معهم ولا تعد عيناك عنهم.
ثم انتقل الله بعد ذلك في قوله (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه وكان أمره فرطا) نهى الله النبي صلى الله عليه وسلم وعباد الله المؤمنين ألا يطيعوا من أغفل الله قلبه عن ذكره. إغفال القلب إذا كان الله قد أغفل القلب فما ذنب صاحبه؟ يعني إذا كان الله قد أغفل القلب فما ذنب صاحبه؟ لا، هو بداية الذي غفل عن الله، وغفل عن طاعة الله فكانت عقوبته أن عاقبه الله تبارك وتعالى بأن أغفله عن ذكره، يعني هو غفل عن الله فأغفله الله عن ذكره. ولذلك في قوله (ولا تطع من أغفلنا قلبه) لها معنيان:
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٧)
4⃣
● أغفلنا قلبه يعني وجدناه غافلا فأغفلناه.
وقلت سابقا إن الله تبارك وتعالى أرسل دلائل الهداية والإرشاد للناس جميعا وليست لفئة دون فئة، فمن أخذ بهداية الدلالة والإرشاد وفقه الله لهداية التوفيق والمعونة، ومن ضل أضله الله تبارك وتعالى. فالله تبارك وتعالى يبين أن هذا الإنسان هو الذي غفل عن الله أولا فأغفل الله قلبه عن ذكره. هذا معنى (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) و لذلك كان العطف في قوله (واتبع هواه) بالواو دون الفاء، لأن العطف بالفاء سيوهم معنى فاسدا، إنما العطف بالواو، الواو تفيد مطلق الجمع ومعنى (أغفلنا قلبه) يعني وجدناه غافلا وبما أنه غافل فهو متبع هواه، لكن لو كان العطف بالفاء لجعلت فاتبع هواه مترتبة على إغفال الله قلب هذا الإنسان فيكون المعنى فاسدا. لأنه سيكون أن الله هو الذي أغفل قلبه فترتب على ذلك أو فتسبب عن ذلك اتبع هواه، ولذلك لم يكن العطف هنا بالفاء، حتى لا تفيد هذا المعنى. واضح.
إذا يعني هذا الإنسان غفل قلبه عن الله لأنه في الأصل متبع هواه ولأن أمره فرطا في الأصل، بمعنى أن الله تبارك وتعالى عندما أسند الإغفال إلى ذاته العلية وقال (ولا تطع من أغفلنا قلبه) ولو كان العطف بالفاء في (فاتبع هواه) لكان معنى ذلك أن اتباع هواه تفرع ونشأ عن إغفال الله قلب هذا الإنسان، فربما يُفهم أنه لم يتبع هواه إلا بسبب إغفال قلبه، إنما أراد الله أن يقول لا، هو متبع هواه في الأصل فغفل عن الله وغفل عن الإيمان بالله فأغفل الله قلبه عن ذكر الله.
(وكان أمره فرطا) (أمره) يعني كل أمور حياته يعيش كالحيوان يأكل و يشرب و ينام ويمارس شهواته، ويمارس رغباته. هذه (وكان أمره فرطا) جمع بين الإفراط والتفريط فتجاوز الحد في بعده عن الله تبارك وتعالى. وبذلك غفل قلبه عن الله، فأغفله الله. (وكان أمره فرطا) بمعنى أمره تجاوز الحد في البعد عن الله، تجاوز الحد في غفلته عن الله، فهو يترك الأمور كما تأتي.
ولذلك إذا طبقنا هذا على الواقع نقول إن في الواقع من المؤمنين من هو متصف بشيء من هذا، وكل أمر، أو وكل صفة يذكرها الله في الكافرين أو في المشركين، أو في الظالمين.. إلى آخره يريد منها دلالتين اثنتين:
● أن يبين أن هذا الذي كفر وهو الذي اتبع هواه، وهو الذي غفل عن الله ولم يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، فأغفله الله، وأضله الله كما قال (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) فكان عقاب له لأنه هو الذي غفل وكان أمره فرطا واستمر على ذلك.
لو أردنا أن نطبق (وكان أمره فرطا) على بعض الناس في هذا الزمان نجد أن هناك من الناس من لا يفكر في الحلال أو في الحرام قبل اتخاذ أي خطوة، يعني لا يأتي في باله هذا حلال أم حرام، ولا يفكر، حتى إنه لا يؤدي الطاعات بإنتظار لها، وترقب واستعداد و ترتيب ونية مسبقة، إنما قد يؤديها لمجرد أنه سمع الأذان دخل يصلي، لكن كم من آذان فات، وكم من صلاة فاتت ولم يصلي، هذا يُعد أن فيه فُرط في حياته.
المؤمن معه ترمومتر مراقبة الله تبارك وتعالى، والحلال والحرام يتحرى هذا ويتحرى ذاك، إنما يعيش كالحيوان ويأكل ويشرب فقط.
وقلت سابقا إن الله تبارك وتعالى جمع بين النفس المؤمنة والنفس الكافرة في موقف واحد وفي حكم واحد. اقرأوا قول الله تعالى -وقلتها مرارا وأكررها حتى تحفظوها- (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها) (بعض آيات ربك) علامات الساعة الكبرى أو الاحتضار وبلوغ الروح الحلقوم. فإذا جاء هذا الوقت قال الله (لا ينفع نفسا إيمانها) لكنه فصّل بعد ذلك وبين أن هذه النفس تشمل نوعين إثنين: النوع الأول: لم تكن آمنت من قبل. إنسان كان كافرا ويأتي في هذه اللحظة عندما تبلغ الروح الحلقوم ويؤمن. الله يقول له لم يعد لك إيمان خلاص أُغلق الباب عليك.
النفس الثانية: هي التي تجعلنا نفكر (أو كسبت في إيمانها خيرا) هذه نفس مؤمنة إلا أنها لم تكسب الخير قط في إيمانها وهم المؤمنون إيمانا لغويا، أو إيمانا بالبطاقة، أو ولد في مجتمع مؤمن، أو أسرته مؤمنة لكنه لم يكسب الخير قط، لم يركع لله ركعة، ولم يفعل خيرا قط ابتغاء وجه الله، جمعه الله مع النفس التي لم تكن آمنت من قبل.
4⃣
● أغفلنا قلبه يعني وجدناه غافلا فأغفلناه.
وقلت سابقا إن الله تبارك وتعالى أرسل دلائل الهداية والإرشاد للناس جميعا وليست لفئة دون فئة، فمن أخذ بهداية الدلالة والإرشاد وفقه الله لهداية التوفيق والمعونة، ومن ضل أضله الله تبارك وتعالى. فالله تبارك وتعالى يبين أن هذا الإنسان هو الذي غفل عن الله أولا فأغفل الله قلبه عن ذكره. هذا معنى (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) و لذلك كان العطف في قوله (واتبع هواه) بالواو دون الفاء، لأن العطف بالفاء سيوهم معنى فاسدا، إنما العطف بالواو، الواو تفيد مطلق الجمع ومعنى (أغفلنا قلبه) يعني وجدناه غافلا وبما أنه غافل فهو متبع هواه، لكن لو كان العطف بالفاء لجعلت فاتبع هواه مترتبة على إغفال الله قلب هذا الإنسان فيكون المعنى فاسدا. لأنه سيكون أن الله هو الذي أغفل قلبه فترتب على ذلك أو فتسبب عن ذلك اتبع هواه، ولذلك لم يكن العطف هنا بالفاء، حتى لا تفيد هذا المعنى. واضح.
إذا يعني هذا الإنسان غفل قلبه عن الله لأنه في الأصل متبع هواه ولأن أمره فرطا في الأصل، بمعنى أن الله تبارك وتعالى عندما أسند الإغفال إلى ذاته العلية وقال (ولا تطع من أغفلنا قلبه) ولو كان العطف بالفاء في (فاتبع هواه) لكان معنى ذلك أن اتباع هواه تفرع ونشأ عن إغفال الله قلب هذا الإنسان، فربما يُفهم أنه لم يتبع هواه إلا بسبب إغفال قلبه، إنما أراد الله أن يقول لا، هو متبع هواه في الأصل فغفل عن الله وغفل عن الإيمان بالله فأغفل الله قلبه عن ذكر الله.
(وكان أمره فرطا) (أمره) يعني كل أمور حياته يعيش كالحيوان يأكل و يشرب و ينام ويمارس شهواته، ويمارس رغباته. هذه (وكان أمره فرطا) جمع بين الإفراط والتفريط فتجاوز الحد في بعده عن الله تبارك وتعالى. وبذلك غفل قلبه عن الله، فأغفله الله. (وكان أمره فرطا) بمعنى أمره تجاوز الحد في البعد عن الله، تجاوز الحد في غفلته عن الله، فهو يترك الأمور كما تأتي.
ولذلك إذا طبقنا هذا على الواقع نقول إن في الواقع من المؤمنين من هو متصف بشيء من هذا، وكل أمر، أو وكل صفة يذكرها الله في الكافرين أو في المشركين، أو في الظالمين.. إلى آخره يريد منها دلالتين اثنتين:
● أن يبين أن هذا الذي كفر وهو الذي اتبع هواه، وهو الذي غفل عن الله ولم يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، فأغفله الله، وأضله الله كما قال (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) فكان عقاب له لأنه هو الذي غفل وكان أمره فرطا واستمر على ذلك.
لو أردنا أن نطبق (وكان أمره فرطا) على بعض الناس في هذا الزمان نجد أن هناك من الناس من لا يفكر في الحلال أو في الحرام قبل اتخاذ أي خطوة، يعني لا يأتي في باله هذا حلال أم حرام، ولا يفكر، حتى إنه لا يؤدي الطاعات بإنتظار لها، وترقب واستعداد و ترتيب ونية مسبقة، إنما قد يؤديها لمجرد أنه سمع الأذان دخل يصلي، لكن كم من آذان فات، وكم من صلاة فاتت ولم يصلي، هذا يُعد أن فيه فُرط في حياته.
المؤمن معه ترمومتر مراقبة الله تبارك وتعالى، والحلال والحرام يتحرى هذا ويتحرى ذاك، إنما يعيش كالحيوان ويأكل ويشرب فقط.
وقلت سابقا إن الله تبارك وتعالى جمع بين النفس المؤمنة والنفس الكافرة في موقف واحد وفي حكم واحد. اقرأوا قول الله تعالى -وقلتها مرارا وأكررها حتى تحفظوها- (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها) (بعض آيات ربك) علامات الساعة الكبرى أو الاحتضار وبلوغ الروح الحلقوم. فإذا جاء هذا الوقت قال الله (لا ينفع نفسا إيمانها) لكنه فصّل بعد ذلك وبين أن هذه النفس تشمل نوعين إثنين: النوع الأول: لم تكن آمنت من قبل. إنسان كان كافرا ويأتي في هذه اللحظة عندما تبلغ الروح الحلقوم ويؤمن. الله يقول له لم يعد لك إيمان خلاص أُغلق الباب عليك.
النفس الثانية: هي التي تجعلنا نفكر (أو كسبت في إيمانها خيرا) هذه نفس مؤمنة إلا أنها لم تكسب الخير قط في إيمانها وهم المؤمنون إيمانا لغويا، أو إيمانا بالبطاقة، أو ولد في مجتمع مؤمن، أو أسرته مؤمنة لكنه لم يكسب الخير قط، لم يركع لله ركعة، ولم يفعل خيرا قط ابتغاء وجه الله، جمعه الله مع النفس التي لم تكن آمنت من قبل.
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٧)
5⃣
وأيضا لو أردنا أن نطبق ذلك على أرض الواقع. لقلنا هناك أناس كثيرين فعلا موجودون في مجتمعات مؤمنة ولكنهم لا يكسبون الخير قط، هؤلاء هم مهمتنا، ينبغي أن نأخذ بيد هؤلاء ولا أقول لا تدعوهم، لا، إنما لا تعمل عليه داعية، لأنك أنت لو عملت أنك داعية سيستهزئ بك وسيبتعد عن الطاعة والعبادة، لكن أنت تتحايل عليه حتى يستجيب لك، و حتى تستطيع أن تأخذ بيديه حتى ينجيه الله تبارك وتعالى، ويكتب الله لك أجره.
إذن هناك أناس كثيرين فيهم بعض من صفات الكافرين والمكذبين والضالين والله يذكرها حتى يُحذر المؤمن من أن يكون قلبه فيه غفلة، أو من أن يكون متبعا هواه، أو من كون أن يكون أمره فرطا.
ورب العباد لما ذكر لنا سؤال أصحاب اليمين لأهل سقر للكافرين (ما سلككم في سقر) ماذا قالوا؟ (قالوا لم نك من المصلين) هل هم مطالبون بأن يكونوا من المصلين؟ هم ليسوا مطالبين وهذه رسالة لنا احذر أن تكون فيك صفة من هذه الصفات، إحذر من أن تكون فيك صفة من صفات النفاق، من أن تكون فيك صفة من صفات الكفر، من أن تكون فيك صفة من صفات الشرك.
فالمؤمن ينبغي أن يحرر أموره كلها لتكون خالصة لله تبارك وتعالى.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من المخلِصين المخلَصين، وأن يبارك لي ولكم في وقتنا ووقتكم، وأن يجعلني الله وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصته....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
5⃣
وأيضا لو أردنا أن نطبق ذلك على أرض الواقع. لقلنا هناك أناس كثيرين فعلا موجودون في مجتمعات مؤمنة ولكنهم لا يكسبون الخير قط، هؤلاء هم مهمتنا، ينبغي أن نأخذ بيد هؤلاء ولا أقول لا تدعوهم، لا، إنما لا تعمل عليه داعية، لأنك أنت لو عملت أنك داعية سيستهزئ بك وسيبتعد عن الطاعة والعبادة، لكن أنت تتحايل عليه حتى يستجيب لك، و حتى تستطيع أن تأخذ بيديه حتى ينجيه الله تبارك وتعالى، ويكتب الله لك أجره.
إذن هناك أناس كثيرين فيهم بعض من صفات الكافرين والمكذبين والضالين والله يذكرها حتى يُحذر المؤمن من أن يكون قلبه فيه غفلة، أو من أن يكون متبعا هواه، أو من كون أن يكون أمره فرطا.
ورب العباد لما ذكر لنا سؤال أصحاب اليمين لأهل سقر للكافرين (ما سلككم في سقر) ماذا قالوا؟ (قالوا لم نك من المصلين) هل هم مطالبون بأن يكونوا من المصلين؟ هم ليسوا مطالبين وهذه رسالة لنا احذر أن تكون فيك صفة من هذه الصفات، إحذر من أن تكون فيك صفة من صفات النفاق، من أن تكون فيك صفة من صفات الكفر، من أن تكون فيك صفة من صفات الشرك.
فالمؤمن ينبغي أن يحرر أموره كلها لتكون خالصة لله تبارك وتعالى.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من المخلِصين المخلَصين، وأن يبارك لي ولكم في وقتنا ووقتكم، وأن يجعلني الله وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصته....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٨)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
وها نحن مع تدبر سورة الكهف وتوقفنا عند قول الله تبارك وتعالى (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)
بعدها (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) في الآية السابقة يبين الله تبارك وتعالى أن مكانة الإنسان عند الله تبارك وتعالى. ليست بهيئته، وليست بمكانته في الدنيا، وليست بغناه أو بفقره، إنما كما ذكر الله في كتابه الكريم (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالله تبارك وتعالى رفع شأن المؤمنين الضعفاء في الآية السابقة عندما أمر الله رسوله أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. وهذه قاعدة لا بد أن نعلمها مقياس الإنسان ليس بماله ولا بعلمه، ولا بمؤهلاته، ولا بعمله، ولا بسلطانه، إنما مكانته بقربه من الله تبارك وتعالى. فالله جلت قدرته بيّن الحرص على هذا الأمر، وهناك حكمة أخرى: أن الله تبارك وتعالى لم يشأ أن يقيم هذا الدين بهؤلاء الكبار من قريش، يعني ما أراد الله لهذا الدين أن يقوم بهم، لماذا؟ لشهرتهم في القوة وشهرتهم في السيطرة فربما يظنون أنهم هو الذين أقاموا هذا الدين، وهم الذين صنعوا محمدا صلى الله عليه وسلم، إنما أراد الله جل وعلا أن يصنع محمدا بإيمان المؤمنين حتى لو كانوا من الضعفاء. وتلك حكمة من الله تبارك وتعالى فبعد أن قال له ونهاه أن يطيع من أغفل قلبه وأذكركم أن قوله من أغفل قلبه ليس معناها من صده عن ذكر الله إنما من وجد قلبه غافلا، فأغفله الله. وهذه أيضا قاعدة نحن نعلمها وتكلمنا فيها كثيرا.
ثم بين أن هذا الذي أغفل قلبه اتبع هواه وكان أمره فرطا أي: مجاوزا للحد في كل شيء.
ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم. أن يقول لهؤلاء (الحق من ربكم) يعني أنا جئتكم بالكتاب الحق، وبالدين الحق من ربكم، ولذلك كلمة (الحق) خبر لمبتدئ محذوف: قل هو الحق من ربكم، يعني أن هذا القرآن هو الحق من ربكم. وهذه قاعدة أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له قل لهؤلاء الذين أغفلناهم عن ذكرنا، قل لهم أن هذا الذي جئتكم به هو الحق الذي لا مريت فيه ولا شك فيه.
ثم قال الله بعد ذلك، بعد أن أكد أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق قال (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هل هذه الجملة تخيير؟ يعني من شاء أن يؤمن فليؤمن، ومن شاء أن يكفر فليكفر.
عندنا في اللغة الأمر قد لا يكون منه مطلوبا، يعني قد لا يكون منه مطلوب من المخاطب ففي هذه الحالة ينصرف إلى. التهكم بالمخاطب. يعني عندما ترى ولدك مهملا في مذاكرته، ومهملا في مسؤولياته فأنت تقول له العب ما شئت، هل معنى ذلك أنك تقول له العب كما تريد؟ هل أنت تريد أن تقول له افعل ما تريد؟ وإنما السياق يقتضي أنك تتهكم به. وهذا التهكم الذي يحكمه السياق كما قال الله تعالى (اعملوا ما شئتم) هل (اعملوا ما شئتم) معناها أن كل واحد يعمل ما يشاء، من أراد أن يطيع فليطيع، ومن أراد أن يعصي فليعصي؟ بالتأكيد لا، إنما (اعملوا ما شئتم) هذه الجملة تهديد ووعيد وتهكم بهم. ولذلك قال الله بعدها (إنه بما تعملون بصير) وحتى تعرفون أن السياق هو الذي يحدد معناها، يعني جملة (اعملوا ما شئتم) هذه قالها النبي صلى الله عليه وسلم لكن بمعنى غير المعنى الموجود في قوله (اعملوا ما شئتم) التي في كتاب الله التي في سورة فصلت، متى قالها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال للنبي صلى الله عليه وسلم في قصة طلحة بن مسعود أظن، الذي كان قبل هجرة النبي بأيام أرسل رسالة لأهل مكة يخبرهم بأسرار النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرر أن يأتيكم في يوم كذا الساعة كذا وأعطاهم امرأة كانت ذاهبة من المدينة إلى مكة، والمرأة وضعت الرسالة في طرحتها، فالله تبارك وتعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، وقال له إن المرأة في الطريق الفلاني إلى مكة ومعها الرسالة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل خلفها صحابيين اثنين فأتوا بها وأتوا بالرسالة التي معها، وأحضر النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة وأجلسه أمامه وقال له اقرأ هذه الرسالة، فبالطبع يعني حاطب أُسقط في يده، فقال يعني يا رسول الله. أنا ليس لي عائلة ولا قرابة في مكة فخفت أن أكون ضعيفا بين أهل مكة أما إخواني من الصحابة فكل منهم له قبيلته، وله عشيرته وأنا لا قبيلة لي ولا عشيرة، فأردت أن أفعل هذا حتى تكون لي مكانة عند قريش. فهم عمر رضي الله عنه، وقال دعني أقتله يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم (اتركه يا عمر فلعل الله اطّلع على أهل بدر وقال لهم اعملوا ما شئتم) لأن حاطب كان قد حضر غزوة بدر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يلتمس له بعض المحامد التي تجعله يسامحه على هذا الفعل.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
وها نحن مع تدبر سورة الكهف وتوقفنا عند قول الله تبارك وتعالى (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)
بعدها (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) في الآية السابقة يبين الله تبارك وتعالى أن مكانة الإنسان عند الله تبارك وتعالى. ليست بهيئته، وليست بمكانته في الدنيا، وليست بغناه أو بفقره، إنما كما ذكر الله في كتابه الكريم (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالله تبارك وتعالى رفع شأن المؤمنين الضعفاء في الآية السابقة عندما أمر الله رسوله أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. وهذه قاعدة لا بد أن نعلمها مقياس الإنسان ليس بماله ولا بعلمه، ولا بمؤهلاته، ولا بعمله، ولا بسلطانه، إنما مكانته بقربه من الله تبارك وتعالى. فالله جلت قدرته بيّن الحرص على هذا الأمر، وهناك حكمة أخرى: أن الله تبارك وتعالى لم يشأ أن يقيم هذا الدين بهؤلاء الكبار من قريش، يعني ما أراد الله لهذا الدين أن يقوم بهم، لماذا؟ لشهرتهم في القوة وشهرتهم في السيطرة فربما يظنون أنهم هو الذين أقاموا هذا الدين، وهم الذين صنعوا محمدا صلى الله عليه وسلم، إنما أراد الله جل وعلا أن يصنع محمدا بإيمان المؤمنين حتى لو كانوا من الضعفاء. وتلك حكمة من الله تبارك وتعالى فبعد أن قال له ونهاه أن يطيع من أغفل قلبه وأذكركم أن قوله من أغفل قلبه ليس معناها من صده عن ذكر الله إنما من وجد قلبه غافلا، فأغفله الله. وهذه أيضا قاعدة نحن نعلمها وتكلمنا فيها كثيرا.
ثم بين أن هذا الذي أغفل قلبه اتبع هواه وكان أمره فرطا أي: مجاوزا للحد في كل شيء.
ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم. أن يقول لهؤلاء (الحق من ربكم) يعني أنا جئتكم بالكتاب الحق، وبالدين الحق من ربكم، ولذلك كلمة (الحق) خبر لمبتدئ محذوف: قل هو الحق من ربكم، يعني أن هذا القرآن هو الحق من ربكم. وهذه قاعدة أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له قل لهؤلاء الذين أغفلناهم عن ذكرنا، قل لهم أن هذا الذي جئتكم به هو الحق الذي لا مريت فيه ولا شك فيه.
ثم قال الله بعد ذلك، بعد أن أكد أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق قال (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هل هذه الجملة تخيير؟ يعني من شاء أن يؤمن فليؤمن، ومن شاء أن يكفر فليكفر.
عندنا في اللغة الأمر قد لا يكون منه مطلوبا، يعني قد لا يكون منه مطلوب من المخاطب ففي هذه الحالة ينصرف إلى. التهكم بالمخاطب. يعني عندما ترى ولدك مهملا في مذاكرته، ومهملا في مسؤولياته فأنت تقول له العب ما شئت، هل معنى ذلك أنك تقول له العب كما تريد؟ هل أنت تريد أن تقول له افعل ما تريد؟ وإنما السياق يقتضي أنك تتهكم به. وهذا التهكم الذي يحكمه السياق كما قال الله تعالى (اعملوا ما شئتم) هل (اعملوا ما شئتم) معناها أن كل واحد يعمل ما يشاء، من أراد أن يطيع فليطيع، ومن أراد أن يعصي فليعصي؟ بالتأكيد لا، إنما (اعملوا ما شئتم) هذه الجملة تهديد ووعيد وتهكم بهم. ولذلك قال الله بعدها (إنه بما تعملون بصير) وحتى تعرفون أن السياق هو الذي يحدد معناها، يعني جملة (اعملوا ما شئتم) هذه قالها النبي صلى الله عليه وسلم لكن بمعنى غير المعنى الموجود في قوله (اعملوا ما شئتم) التي في كتاب الله التي في سورة فصلت، متى قالها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال للنبي صلى الله عليه وسلم في قصة طلحة بن مسعود أظن، الذي كان قبل هجرة النبي بأيام أرسل رسالة لأهل مكة يخبرهم بأسرار النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرر أن يأتيكم في يوم كذا الساعة كذا وأعطاهم امرأة كانت ذاهبة من المدينة إلى مكة، والمرأة وضعت الرسالة في طرحتها، فالله تبارك وتعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، وقال له إن المرأة في الطريق الفلاني إلى مكة ومعها الرسالة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل خلفها صحابيين اثنين فأتوا بها وأتوا بالرسالة التي معها، وأحضر النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة وأجلسه أمامه وقال له اقرأ هذه الرسالة، فبالطبع يعني حاطب أُسقط في يده، فقال يعني يا رسول الله. أنا ليس لي عائلة ولا قرابة في مكة فخفت أن أكون ضعيفا بين أهل مكة أما إخواني من الصحابة فكل منهم له قبيلته، وله عشيرته وأنا لا قبيلة لي ولا عشيرة، فأردت أن أفعل هذا حتى تكون لي مكانة عند قريش. فهم عمر رضي الله عنه، وقال دعني أقتله يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم (اتركه يا عمر فلعل الله اطّلع على أهل بدر وقال لهم اعملوا ما شئتم) لأن حاطب كان قد حضر غزوة بدر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يلتمس له بعض المحامد التي تجعله يسامحه على هذا الفعل.
تدبر سورة الكهف (١٩)
فضيلة الشيخ أ.د / محمود شمس حفظه الله
#تدبر_سورة_الكهف (١٩)
⇐من قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف ٣٠]
⇐من قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف ٣٠]
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٩)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين. وبعد :فإني أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدورنا وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم، الذين هم أهل الله وخاصته. وها نحن نلتقي وتدبر سورة الكهف.
توقفت في اللقاء السابق عند قول الله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقلت إن الأمر إذا ورد ينبغي أن يكون له مطلوبا بعد أن يصدر الأمر، يعني عندما آمر أي إنسان بأي أمر افعل كذا، فأنا أطلب منه هذا الفعل، فإذا كان الأمر ليس مطلوبا منه أي فعل فإنه يكون على غير ما وضع له، فلا بد أن ننظر فيه لأنه إما تهكم وإما تهديد ووعيد كما قلت في اللقاء السابق.
عندما أقول لابني الكسول العب كما تشاء، ألا تقولون لأولادكم أحيانا هذا: العب كما تشاء، هل أنت تطالبه بأن يلعب أم أنك توبخه وتبكته وتحاول أن تلفت نظره إلى أنه مهمل وكسول؟ فالأمر عندما لا يكون له مطلوبا لابد أن نفهمه على سبيل التهديد، على سبيل الوعيد لأن الله تبارك وتعالى لو كان قوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) بإعطاء الحرية للجميع أن الذي شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء يكفر فليكفر فلماذا يعذب الله من كفر؟ ما كان ينبغي أن يعذبه، إنما رب العباد يريد أن يبين أن هذا الأمر هو تهكم بأصحاب العقول التي لا تفهم ولا تعي ولذلك ذكر بعدها (إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها)، والظالمون هم في الأصل يطلقون على المشركين (إن الشرك لظلم عظيم) وفي نفس الوقت يطلق على كل ظالم لنفسه، فأول ظلم للنفس أن يترك الإنسان ما أمره الله به ولا يؤمن به ويتبع هواه في تلك الدنيا، فهذا ظالم لأنه ظلم نفسه بأن يعرضها لهذا العذاب الأليم. إذن (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هذا تهديد ووعيد لهؤلاء.
(إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها) السرادق: يكون مغلق من ثلاثة جوانب في مفهومنا نحن، لكن رب العباد قصد سرادقا يكون مغلقا من كل الاتجاهات.
هذا السرادق يسمى في دول الخليج - ما أدري هنا عندنا هنا في السعودية- أظن اسمه بيت الشَّعر أو بيت الشِّعر، ما أدري - يعني حاجة زي كده يعني- فيكون مغلقا من كل النواحي، لأن السرادق لو كان فيه ناحية مفتوحة فهو سيعطيهم الأمل في الخروج، الله تبارك وتعالى يريد أن يبين أنه لا أمل في خروجكم من هذا السرادق، لأن النار تحيط بكم في هذا السرادق.
ثم يبين الله تبارك وتعالى بعد ذلك (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) يبين الله في هذه الجملة العذاب المعنوي والعذاب الحسي لأنه يقول: وإن يستغيثوا من شدة النار ولهيب النار، هم يستغيثون بماء كي يبرد عليهم هذه النار، فالله تبارك وتعالى يقول (يغاثوا بماء) قوله (يغاثوا بماء) تفتح باب الأمل أمامهم أنهم سيغاثون بماء يُبرد نارهم لكن الله تبارك وتعالى أتى بوصف لهذا الماء جعله عذابا فوق العذاب، يعني بعد أن أعطاهم الأمل في أن هناك ماء سيُعطى لهم، والماء معروف أنه يُبرد الحرارة فإذا بالماء (كالمهل يشوي الوجوه) وهذا يسمى تأكيد الشيء بما يشبه ضده، يعني تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهناك تأكيد للذم بما يشبه المدح، وتأكيد للمدح بما يشبه الذم، تأكيد المدح بما يشبه الذم: عندما أمدح إنسانا أو شيئا ثم آتي بأداة استثناء تُوهم أني سأذمه فإذا بي أزيد في مدحه، يعني بعد أن توهم المُستمع أني سأذمه فإذا بي أمدحه هذا يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم.
عندما أقول فلان كريم إلا أنه، وصفته بالكرم وأتيت بأداة استثناء أداة الاستثناء تُوهم أني سأذمه بعد (إلا) فإذا بي أمدحه إلا أنه يكرم عدوه، يعني "يكرم عدوه" زادته مدحا، لكن هنا وإن يستغيثوا يغاثوا ويغاثوا بماء فإلى هنا كأن ها هنا مدحا لهم بأن الله سيغيثهم بماء والماء هو المطلوب لأنه كما ذكر الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) فالله تبارك وتعالى يتهكم بهم ها هنا ويؤكد الذم بما يشبه المدح، كما قال الله تعالى أيضا في سورة النبأ (فذوقوا فلن نزيدكم إلا) هنا الكلام يوهم أن الله تبارك وتعالى سيزيدهم شيئا ينفعهم لأن أصل استعمال الذوق أو التذوق إنما هو في الشيء الطيب فإذا استعمله الله في الشيء الخبيث فهو تهكم، لكن إلى (إلا) لم يكن هناك ما يشير إلى هذا التهكم، يعني (فذوقوا فلن نزيدكم إلا) ما بعدها (إلا عذابا) إذاً (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين. وبعد :فإني أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدورنا وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم، الذين هم أهل الله وخاصته. وها نحن نلتقي وتدبر سورة الكهف.
توقفت في اللقاء السابق عند قول الله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقلت إن الأمر إذا ورد ينبغي أن يكون له مطلوبا بعد أن يصدر الأمر، يعني عندما آمر أي إنسان بأي أمر افعل كذا، فأنا أطلب منه هذا الفعل، فإذا كان الأمر ليس مطلوبا منه أي فعل فإنه يكون على غير ما وضع له، فلا بد أن ننظر فيه لأنه إما تهكم وإما تهديد ووعيد كما قلت في اللقاء السابق.
عندما أقول لابني الكسول العب كما تشاء، ألا تقولون لأولادكم أحيانا هذا: العب كما تشاء، هل أنت تطالبه بأن يلعب أم أنك توبخه وتبكته وتحاول أن تلفت نظره إلى أنه مهمل وكسول؟ فالأمر عندما لا يكون له مطلوبا لابد أن نفهمه على سبيل التهديد، على سبيل الوعيد لأن الله تبارك وتعالى لو كان قوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) بإعطاء الحرية للجميع أن الذي شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء يكفر فليكفر فلماذا يعذب الله من كفر؟ ما كان ينبغي أن يعذبه، إنما رب العباد يريد أن يبين أن هذا الأمر هو تهكم بأصحاب العقول التي لا تفهم ولا تعي ولذلك ذكر بعدها (إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها)، والظالمون هم في الأصل يطلقون على المشركين (إن الشرك لظلم عظيم) وفي نفس الوقت يطلق على كل ظالم لنفسه، فأول ظلم للنفس أن يترك الإنسان ما أمره الله به ولا يؤمن به ويتبع هواه في تلك الدنيا، فهذا ظالم لأنه ظلم نفسه بأن يعرضها لهذا العذاب الأليم. إذن (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هذا تهديد ووعيد لهؤلاء.
(إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها) السرادق: يكون مغلق من ثلاثة جوانب في مفهومنا نحن، لكن رب العباد قصد سرادقا يكون مغلقا من كل الاتجاهات.
هذا السرادق يسمى في دول الخليج - ما أدري هنا عندنا هنا في السعودية- أظن اسمه بيت الشَّعر أو بيت الشِّعر، ما أدري - يعني حاجة زي كده يعني- فيكون مغلقا من كل النواحي، لأن السرادق لو كان فيه ناحية مفتوحة فهو سيعطيهم الأمل في الخروج، الله تبارك وتعالى يريد أن يبين أنه لا أمل في خروجكم من هذا السرادق، لأن النار تحيط بكم في هذا السرادق.
ثم يبين الله تبارك وتعالى بعد ذلك (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) يبين الله في هذه الجملة العذاب المعنوي والعذاب الحسي لأنه يقول: وإن يستغيثوا من شدة النار ولهيب النار، هم يستغيثون بماء كي يبرد عليهم هذه النار، فالله تبارك وتعالى يقول (يغاثوا بماء) قوله (يغاثوا بماء) تفتح باب الأمل أمامهم أنهم سيغاثون بماء يُبرد نارهم لكن الله تبارك وتعالى أتى بوصف لهذا الماء جعله عذابا فوق العذاب، يعني بعد أن أعطاهم الأمل في أن هناك ماء سيُعطى لهم، والماء معروف أنه يُبرد الحرارة فإذا بالماء (كالمهل يشوي الوجوه) وهذا يسمى تأكيد الشيء بما يشبه ضده، يعني تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهناك تأكيد للذم بما يشبه المدح، وتأكيد للمدح بما يشبه الذم، تأكيد المدح بما يشبه الذم: عندما أمدح إنسانا أو شيئا ثم آتي بأداة استثناء تُوهم أني سأذمه فإذا بي أزيد في مدحه، يعني بعد أن توهم المُستمع أني سأذمه فإذا بي أمدحه هذا يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم.
عندما أقول فلان كريم إلا أنه، وصفته بالكرم وأتيت بأداة استثناء أداة الاستثناء تُوهم أني سأذمه بعد (إلا) فإذا بي أمدحه إلا أنه يكرم عدوه، يعني "يكرم عدوه" زادته مدحا، لكن هنا وإن يستغيثوا يغاثوا ويغاثوا بماء فإلى هنا كأن ها هنا مدحا لهم بأن الله سيغيثهم بماء والماء هو المطلوب لأنه كما ذكر الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) فالله تبارك وتعالى يتهكم بهم ها هنا ويؤكد الذم بما يشبه المدح، كما قال الله تعالى أيضا في سورة النبأ (فذوقوا فلن نزيدكم إلا) هنا الكلام يوهم أن الله تبارك وتعالى سيزيدهم شيئا ينفعهم لأن أصل استعمال الذوق أو التذوق إنما هو في الشيء الطيب فإذا استعمله الله في الشيء الخبيث فهو تهكم، لكن إلى (إلا) لم يكن هناك ما يشير إلى هذا التهكم، يعني (فذوقوا فلن نزيدكم إلا) ما بعدها (إلا عذابا) إذاً (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه)
تدبر سورة الكهف (٢٠)
فضيلة الشيخ أ.د / محمود شمس حفظه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٠)
⇐ من قوله تعالى: ﴿أُو۟لَـٰۤئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَیَلۡبَسُونَ ثِیَابًا خُضۡرࣰا مِّن سُندُسࣲ وَإِسۡتَبۡرَقࣲ مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقࣰا﴾ [الكهف ٣١]
⇐ من قوله تعالى: ﴿أُو۟لَـٰۤئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَیَلۡبَسُونَ ثِیَابًا خُضۡرࣰا مِّن سُندُسࣲ وَإِسۡتَبۡرَقࣲ مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقࣰا﴾ [الكهف ٣١]
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة العشرون
الحمد لله رب العالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله سبحانك لا عِلمَ لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليمُ الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين وبعد: فإني أُحييكُم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرحَ صدورنا وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهلُ الله وخاصتُه
وها نحنُ نلتقي في لقائنا هذا و ( تدبر سورة الكهف ).
تكلمتُ في اللقاء السابقِ عن قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) وبينتُ كيف نصل إلى أحسن العمل من خلال التفكُر في مُلك الله وملكوت الله ومن خلال أن نفهم جيداً أن الأرض وما عليها زينة مُنتهية وأن نضع الموتَ أمام أعيُننا دائماً حتى ننجحَ في هذا الابتلاء وهذا الاختبار من الله تبارك وتعالى. واليوم نبدأ ونُكمل وكنتُ قد توقفتُ عند السِر في قولهِ : ( إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) ما معنى ( لَا نُضِيعُ )؟
( لَا نُضِيعُ ) في الأصل تُطلق على ضياعُ الشيئِ أو كونُهُ قد أُتلِف لكن الإضاعةُ هنا تُطلق على منع التمكُن من الانتفاع فمعنى ( إِنَّا لَا نُضِيعُ ) : إنا لا نمنع أحداً أن ينتفِع بأجرِهِ على أحسن العمل الذي فعلهُ في الدُنيا ، إذن اللهُ تبارك وتعالى يؤكد بأنهُ لن يضيع أجر من أحسن عملا ، وقوله : ( إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) إجمالٌ يتطلبُ تفصيلاً لأن قولهُ: ( لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) إجمال والإنسانُ في هذه الحالة يُثار لديه سؤال بعد هذا الإجمال لابُد من إثارة سؤال وما هذا الأجرُ يا الله ؟ وما هذا الأجرُ الذي لن يضيع؟ فيأتي اللهُ تبارك وتعالى بالإجابةِ على السؤال (أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ) اللهُ تبارك وتعالى كما قُلتُ سابقاً نعيمُ الجنةِ أكبرُ بكثيرٍ مما قد ذكرهُ اللهُ تبارك وتعالى لكن اللهَ ترغيباً لنا يذكُرُ ما نفهمهُ بعقولنا أو نستطيع أن نتخيله بما نراهُ نعيماً في الدنيا فاللهُ تبارك وتعالى بيَّن لنا أن هؤلاءِ مكانتهم عند الله عظيمة باستعمال اسم الإشارة الذي يدلُ على بُعد مكانتهم عند الله جل وعلا ، فاسمُ الإشارة هُنا للبعيد والبُعدُ بُعدُ مكانةٍ وليسَ بُعدُ مكان ( أُولَٰئِكَ)، وقولهُ: ( لَهُمْ ) اللامُ هُنا تُفيدُ المِلك والخصوصية يعني لهم وحدهم ، فهؤلاء ( لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ) قولهُ :(جَنَّاتُ عَدْنٍ ) كلمة (عَدْنٍ) ذُكِرت أظن في ها هُنا وفي سورة التوبة وأظنُ في سورة الصف وفي سورة البيِّنة ، كلمة ( عَدْن ) تعني أنها دارُ خُلدٍ وإستقرارٌ مُستمِر ، دارُ إقامة مُستمرة ، يعني معنى ( جَنَّاتُ عَدْنٍ) : أنها دارُ إقامة مُستقِرةٍ ، ذَكرَ اللهُ شيئاً من وصفها في سورة التوبة قال : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ) أي إن المساكن التي سيقيمون فيها هي جناتُ عدنٍ فتكون مساكن طيبة خالية من أي مُنغِص ومن أي رائحةٍ لا تُعجِبُ الإنسان في الدُنيا فضلاً عن رائحةٍ الجنة التي يعيشون فيها ويقيمون فيها، ثم وصفَ اللهُ تلكَ الجنة بقولهِ : ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ) الأنهارُ تجري من تحتهم أم تجري من تحتها؟أاحياناً ربُ العباد يقول : ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِا الْأَنْهَارُ ) فتكونُ الأنهار تجري من تحت الجنة، وأما ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ) فالأنهارُ تجري من تحتهم أي أنهم يشعرون بنعيم ذلك ويشعرون بهذا التلذُذ وتلك اللذة لأن الأنهار عندما تجري من تحتهم فهذا نعيمٌ من النعيم الذي وعدَ اللهُ به عبادهُ في الجنة أسألُ الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم من أهلها. إذاً (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) نُلاحِظ هُنا أنه ذكر ( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ) قبل ( وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) بينما في سورة الإنسان قال : ( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ )
الحمد لله رب العالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله سبحانك لا عِلمَ لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليمُ الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين وبعد: فإني أُحييكُم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرحَ صدورنا وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهلُ الله وخاصتُه
وها نحنُ نلتقي في لقائنا هذا و ( تدبر سورة الكهف ).
تكلمتُ في اللقاء السابقِ عن قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) وبينتُ كيف نصل إلى أحسن العمل من خلال التفكُر في مُلك الله وملكوت الله ومن خلال أن نفهم جيداً أن الأرض وما عليها زينة مُنتهية وأن نضع الموتَ أمام أعيُننا دائماً حتى ننجحَ في هذا الابتلاء وهذا الاختبار من الله تبارك وتعالى. واليوم نبدأ ونُكمل وكنتُ قد توقفتُ عند السِر في قولهِ : ( إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) ما معنى ( لَا نُضِيعُ )؟
( لَا نُضِيعُ ) في الأصل تُطلق على ضياعُ الشيئِ أو كونُهُ قد أُتلِف لكن الإضاعةُ هنا تُطلق على منع التمكُن من الانتفاع فمعنى ( إِنَّا لَا نُضِيعُ ) : إنا لا نمنع أحداً أن ينتفِع بأجرِهِ على أحسن العمل الذي فعلهُ في الدُنيا ، إذن اللهُ تبارك وتعالى يؤكد بأنهُ لن يضيع أجر من أحسن عملا ، وقوله : ( إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) إجمالٌ يتطلبُ تفصيلاً لأن قولهُ: ( لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) إجمال والإنسانُ في هذه الحالة يُثار لديه سؤال بعد هذا الإجمال لابُد من إثارة سؤال وما هذا الأجرُ يا الله ؟ وما هذا الأجرُ الذي لن يضيع؟ فيأتي اللهُ تبارك وتعالى بالإجابةِ على السؤال (أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ) اللهُ تبارك وتعالى كما قُلتُ سابقاً نعيمُ الجنةِ أكبرُ بكثيرٍ مما قد ذكرهُ اللهُ تبارك وتعالى لكن اللهَ ترغيباً لنا يذكُرُ ما نفهمهُ بعقولنا أو نستطيع أن نتخيله بما نراهُ نعيماً في الدنيا فاللهُ تبارك وتعالى بيَّن لنا أن هؤلاءِ مكانتهم عند الله عظيمة باستعمال اسم الإشارة الذي يدلُ على بُعد مكانتهم عند الله جل وعلا ، فاسمُ الإشارة هُنا للبعيد والبُعدُ بُعدُ مكانةٍ وليسَ بُعدُ مكان ( أُولَٰئِكَ)، وقولهُ: ( لَهُمْ ) اللامُ هُنا تُفيدُ المِلك والخصوصية يعني لهم وحدهم ، فهؤلاء ( لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ) قولهُ :(جَنَّاتُ عَدْنٍ ) كلمة (عَدْنٍ) ذُكِرت أظن في ها هُنا وفي سورة التوبة وأظنُ في سورة الصف وفي سورة البيِّنة ، كلمة ( عَدْن ) تعني أنها دارُ خُلدٍ وإستقرارٌ مُستمِر ، دارُ إقامة مُستمرة ، يعني معنى ( جَنَّاتُ عَدْنٍ) : أنها دارُ إقامة مُستقِرةٍ ، ذَكرَ اللهُ شيئاً من وصفها في سورة التوبة قال : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ) أي إن المساكن التي سيقيمون فيها هي جناتُ عدنٍ فتكون مساكن طيبة خالية من أي مُنغِص ومن أي رائحةٍ لا تُعجِبُ الإنسان في الدُنيا فضلاً عن رائحةٍ الجنة التي يعيشون فيها ويقيمون فيها، ثم وصفَ اللهُ تلكَ الجنة بقولهِ : ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ) الأنهارُ تجري من تحتهم أم تجري من تحتها؟أاحياناً ربُ العباد يقول : ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِا الْأَنْهَارُ ) فتكونُ الأنهار تجري من تحت الجنة، وأما ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ) فالأنهارُ تجري من تحتهم أي أنهم يشعرون بنعيم ذلك ويشعرون بهذا التلذُذ وتلك اللذة لأن الأنهار عندما تجري من تحتهم فهذا نعيمٌ من النعيم الذي وعدَ اللهُ به عبادهُ في الجنة أسألُ الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم من أهلها. إذاً (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) نُلاحِظ هُنا أنه ذكر ( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ) قبل ( وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) بينما في سورة الإنسان قال : ( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ )
تدبر سورة الكهف (٢١)
فضيلة الشيخ أ.د / محمود شمس حفظه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢١)
⇐ من قوله تعالى: ﴿وَاضرِب لَهُم مَثَلًا رَجُلَينِ جَعَلنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَينِ مِن أَعنابٍ وَحَفَفناهُما بِنَخلٍ وَجَعَلنا بَينَهُما زَرعًا﴾ [الكهف: ٣٢]
⇐ من قوله تعالى: ﴿وَاضرِب لَهُم مَثَلًا رَجُلَينِ جَعَلنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَينِ مِن أَعنابٍ وَحَفَفناهُما بِنَخلٍ وَجَعَلنا بَينَهُما زَرعًا﴾ [الكهف: ٣٢]
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٢١)
الحَمْدُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ : (سُبْحَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين، وَبَعْدُ: فإني أحييكم بتحية الإسلام السّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وإني لأسأل الله أن يشرح صدورنا ، وأن يجعلني وَإِيَّاكُمْ من أهل القرآن الكريم الَّذِينَ هم أهل الله وخاصته، وها نحن نلتقي في لقائنا هذا وتدبر سورة الكهف.
توقفت في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى : (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَبٍ وَحَفَفْتَهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) هذا المثل الَّذِي يضربه الله تبارك وتعالى معطوفٌ عَلَى قوله : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُم) لأنَّ قوله: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُم) بيّن الله فيما بعده نموذجين للمؤمن وللكافر، فلما بيّن الله هذين النموذجين، وبيّن مصير كل من النموذجين أراد أن يضرب لهم مثلا هاهنا لكافر ولمؤمن أَيْضًا ويبين لنا مدى تعلق الكافر بالدنيا وبمتاع الدنيا واعتبار الدنيا غاية، وكيف أنَّ المؤمن فهم حقيقة الدنيا فما أخذ منها إلَّا بقدر حاجته وحاجة أولاده وأسرته.ثُمَّ بين الله مآل الكافر المشرك الذي تعلق بنعم الدنيا ونسبها إلى نفسه، وبين المؤمن المُوحد بالله، وفي سياق القصة يعلمنا الله أسلوب الحوار في الدَّعْوَة، وأسلوب الحوار في كل حياتنا اليومية؛ لأنَّ بالحوار تنجح جميع العلاقات الأسرية وكل تعامل قائمٌ عَلَى الحوار هو تعامل ناجح بفضل الله تبارك وتعالى إذا كان المتحاورين مؤمنين.
الله تبارك وتعالى يبدأ هذه القصة أو هذا المثل الَّذِي لم يُذكر أبدًا إِلَّا في سورة الكهف، وقلت سابقا إنَّ لضرب المثل هاهنا غاية أخرى وهي: أنَّ سورة الكهف ذكر الله فيها قصصا لم تتكرر في غيرها :
القصة الأولى: قصة أصحاب الكهف فلم تُذكر في غير هذه السورة، وهي قصة تقوم عَلَى حقيقة اليقين والإيمان بالله جل وعلا والعقيدة الصحيحة، وحُسْن التَّوَكُل عَلَى اللهِ جل وعلا، ويبين الله من خلال ما يذكر بعد ذلك أنَّ هناك من العوامل ما يجعل إيمان المؤمن يختل، وعقيدة المؤمن تختل، ويقينه يختل، وحُسن توكله عَلَى الله يختل، ما هذه الأمور؟
أول أمرٍ: هو طغيان حب المال في القلب، وأنا أقول طغيان حب المال، وليس حب المال؛ لأنَّ حب المال فطرة، إِنَّمَا القضية في الطغيان، كيف أعرف أني أحب المال أو أنَّ المال عندي طاغ في حبِّي عَلَى أمور أخرى؟ أو كيف أعرف بين الحب للمال وطغيان الحب للمال؟
أولًا: أحرص عَلَى جمعه من حلال وإيداعه في حلال، وإنفاقه في حلال، إذن إذا حرصت عَلَى ذلك فإني بذلك أحب المال الحب الفطري، وإذا دُعيتُ إِلَى خيرٍ وَإِلَى صدقةٍ، وَإِلَى إنفاق في سبيل الله فإن حبي للعطاء يستعلي عَلَى حبي للمال؛ إذن أن تحب المال حبًّا فطريًّا وَهذَا لا يعيبك، إذًا علامات حب المال الحب الفطري المحمود هو ماذا؟ أنك تجمعه من حلال، وتدخره في حلال، وتنفقه في الحلال، وإذا دُعيت إِلَى الإنفاق وَإِلَى الصَّدَقَة وَإِلَى الخير؛ تؤثر حُبك للعطاء عَلَى حبك للمال؛ أنت بذلك تحب المال حب فطري.
وطغيان حب المال له علامات عكسية، يعني: عكس العلامات الَّتِي مضت وهي: أني أجمع المال من حِلَّ أو من حرام، أو من مكان فيه شبهة لا مانع، أنت بذلك طغى حب المال عليك، وأدخِره ولا أبالي إذا كان في حلال أو في غير حلال، أنت بذلك يطغى حب المال عليك، وأُنفقه في غير حلالٍ، حَتَّى لو أنفقته في حلال وكنت مسرفًا أكثر من اللازم فأنت أيضًا إسرافك أكثر من اللازم وتفتخر بكثرة الإسراف فيما يفيد وفيما لا يفيد هذَا أَيْضًا يوصلك إِلَى طغيان حب المال في قلبك، لأنَّ الله عاب عَلَى الإنسان الكافر المشرك (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالَا لُبَدًا) المال اللُّبَد هو المال المتلبد، وَالشَّيْء المُتلَبِّد، هو الشَّيء الكثيف الكثير، الشعر يتلبد إذا كان كثيفًا وثقيلًا، فَهَذَا يفتخر بأن يُهلك المال الكثير كمن يقول بأنه ينفق في الليلة الألف ريال أو الألف جنيه، هو يفتخر بذلك وَهذَا لا يدعو إلى أن يفتخر إلَّا إذا كان قد أنفقه في الخير، فإذا كان قد أطعم به مسكينًا، أو أنه كسا يتيمًا، أو بحث عن عريان، أو بحث عن محتاج فلا مانع.
إذًا طغيان حب المال في القلب إذا دُعيت إِلَى العطاء يستعلي حبك للمال عَلَى حبك للعطاء، فأنت بذلك المال يطغى في قلبك حبه، وكذلك تنسب النعمة إلى نفسك، وتنسب المال إِلَى نفسك وَإِلَى ذكائك وَإِلَى شطارتك كما ذَكَرَ الله عن قارون: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾
الحَمْدُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ : (سُبْحَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين، وَبَعْدُ: فإني أحييكم بتحية الإسلام السّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وإني لأسأل الله أن يشرح صدورنا ، وأن يجعلني وَإِيَّاكُمْ من أهل القرآن الكريم الَّذِينَ هم أهل الله وخاصته، وها نحن نلتقي في لقائنا هذا وتدبر سورة الكهف.
توقفت في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى : (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَبٍ وَحَفَفْتَهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) هذا المثل الَّذِي يضربه الله تبارك وتعالى معطوفٌ عَلَى قوله : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُم) لأنَّ قوله: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُم) بيّن الله فيما بعده نموذجين للمؤمن وللكافر، فلما بيّن الله هذين النموذجين، وبيّن مصير كل من النموذجين أراد أن يضرب لهم مثلا هاهنا لكافر ولمؤمن أَيْضًا ويبين لنا مدى تعلق الكافر بالدنيا وبمتاع الدنيا واعتبار الدنيا غاية، وكيف أنَّ المؤمن فهم حقيقة الدنيا فما أخذ منها إلَّا بقدر حاجته وحاجة أولاده وأسرته.ثُمَّ بين الله مآل الكافر المشرك الذي تعلق بنعم الدنيا ونسبها إلى نفسه، وبين المؤمن المُوحد بالله، وفي سياق القصة يعلمنا الله أسلوب الحوار في الدَّعْوَة، وأسلوب الحوار في كل حياتنا اليومية؛ لأنَّ بالحوار تنجح جميع العلاقات الأسرية وكل تعامل قائمٌ عَلَى الحوار هو تعامل ناجح بفضل الله تبارك وتعالى إذا كان المتحاورين مؤمنين.
الله تبارك وتعالى يبدأ هذه القصة أو هذا المثل الَّذِي لم يُذكر أبدًا إِلَّا في سورة الكهف، وقلت سابقا إنَّ لضرب المثل هاهنا غاية أخرى وهي: أنَّ سورة الكهف ذكر الله فيها قصصا لم تتكرر في غيرها :
القصة الأولى: قصة أصحاب الكهف فلم تُذكر في غير هذه السورة، وهي قصة تقوم عَلَى حقيقة اليقين والإيمان بالله جل وعلا والعقيدة الصحيحة، وحُسْن التَّوَكُل عَلَى اللهِ جل وعلا، ويبين الله من خلال ما يذكر بعد ذلك أنَّ هناك من العوامل ما يجعل إيمان المؤمن يختل، وعقيدة المؤمن تختل، ويقينه يختل، وحُسن توكله عَلَى الله يختل، ما هذه الأمور؟
أول أمرٍ: هو طغيان حب المال في القلب، وأنا أقول طغيان حب المال، وليس حب المال؛ لأنَّ حب المال فطرة، إِنَّمَا القضية في الطغيان، كيف أعرف أني أحب المال أو أنَّ المال عندي طاغ في حبِّي عَلَى أمور أخرى؟ أو كيف أعرف بين الحب للمال وطغيان الحب للمال؟
أولًا: أحرص عَلَى جمعه من حلال وإيداعه في حلال، وإنفاقه في حلال، إذن إذا حرصت عَلَى ذلك فإني بذلك أحب المال الحب الفطري، وإذا دُعيتُ إِلَى خيرٍ وَإِلَى صدقةٍ، وَإِلَى إنفاق في سبيل الله فإن حبي للعطاء يستعلي عَلَى حبي للمال؛ إذن أن تحب المال حبًّا فطريًّا وَهذَا لا يعيبك، إذًا علامات حب المال الحب الفطري المحمود هو ماذا؟ أنك تجمعه من حلال، وتدخره في حلال، وتنفقه في الحلال، وإذا دُعيت إِلَى الإنفاق وَإِلَى الصَّدَقَة وَإِلَى الخير؛ تؤثر حُبك للعطاء عَلَى حبك للمال؛ أنت بذلك تحب المال حب فطري.
وطغيان حب المال له علامات عكسية، يعني: عكس العلامات الَّتِي مضت وهي: أني أجمع المال من حِلَّ أو من حرام، أو من مكان فيه شبهة لا مانع، أنت بذلك طغى حب المال عليك، وأدخِره ولا أبالي إذا كان في حلال أو في غير حلال، أنت بذلك يطغى حب المال عليك، وأُنفقه في غير حلالٍ، حَتَّى لو أنفقته في حلال وكنت مسرفًا أكثر من اللازم فأنت أيضًا إسرافك أكثر من اللازم وتفتخر بكثرة الإسراف فيما يفيد وفيما لا يفيد هذَا أَيْضًا يوصلك إِلَى طغيان حب المال في قلبك، لأنَّ الله عاب عَلَى الإنسان الكافر المشرك (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالَا لُبَدًا) المال اللُّبَد هو المال المتلبد، وَالشَّيْء المُتلَبِّد، هو الشَّيء الكثيف الكثير، الشعر يتلبد إذا كان كثيفًا وثقيلًا، فَهَذَا يفتخر بأن يُهلك المال الكثير كمن يقول بأنه ينفق في الليلة الألف ريال أو الألف جنيه، هو يفتخر بذلك وَهذَا لا يدعو إلى أن يفتخر إلَّا إذا كان قد أنفقه في الخير، فإذا كان قد أطعم به مسكينًا، أو أنه كسا يتيمًا، أو بحث عن عريان، أو بحث عن محتاج فلا مانع.
إذًا طغيان حب المال في القلب إذا دُعيت إِلَى العطاء يستعلي حبك للمال عَلَى حبك للعطاء، فأنت بذلك المال يطغى في قلبك حبه، وكذلك تنسب النعمة إلى نفسك، وتنسب المال إِلَى نفسك وَإِلَى ذكائك وَإِلَى شطارتك كما ذَكَرَ الله عن قارون: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾
تدبر سورة الكهف (٢٢)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفطه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٢)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرࣱ فَقَالَ لِصَـٰحِبِهِۦ وَهُوَ یُحَاوِرُهُۥۤ أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالࣰا وَأَعَزُّ نَفَرࣰا﴾ [الكهف ٣٤]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرࣱ فَقَالَ لِصَـٰحِبِهِۦ وَهُوَ یُحَاوِرُهُۥۤ أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالࣰا وَأَعَزُّ نَفَرࣰا﴾ [الكهف ٣٤]
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٢٢)
الحَمْدُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِيْنَ، سُبْحاَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين؛ وَبَعْدُ: فإني أحييكم بتحية الإسلام السّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. وإني لأسأل الله أن يشرح صدورنا وأن يجعلني وَإِيَّاكُمْ من أهل القرآن الكريم الَّذِينَ هم أهل الله وخاصته، وها نحن نلتقي في لقائنا هذا وتدبر سورة الكهف.
توقفنا في اللقاء الماضي عند قول الله تبارك وتعالى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرُ فَقَالَ لِصَاحِبهِ، وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) وقلت في قوله تَعَالَى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ) قراءتان:
القراءة الأولى بفتح الثاء والميم: ثَمَرٌ، وَهُذَا جمع لكلمة «ثَمَرة».
والقراءة الأخرى: (وَكَانَ لَهُ ثُمُرُ) ، و(الثَّمَر) هو جمع لكلمة: ثمار، فالـ الثَّمَر - بفتح الثاء والميم - هو الثَّمَر المأكول، هو الثَّمَرِ الَّذِي يخرج من الزرع ويكون مأكولا، وَأَمَّا (الثُّمُر) فيعني: الأموال، وَهَذَا دليلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الرجل صاحب الجنتين كانت له أموال غير الثمر الَّذِي يأتيه من الجَنَّة،
وقيل: كان المال هو العائد بالنسبة لهذا الثَّمَر، بمعنى: أنه لم يكن ثمر الجنتين يكفيه لأكله فَقَطَّ، وَإِنَّمَا كان يكفيه لأكله ويزيد، فالزيادة هذه كانت تعُمُّ عَلَى الجميع فيبيعها ويأخذ ثمرها ولذلك قلت إنَّ الإنسان ينبغي ألا يقتصر في عمله على ما يكفيه لأكله هو وأولاده وَإِنَّمَا لَا بُدَّ أن يعمل حسابه إما أن يتصدق بالفائض أو بالزائد، وَإِمَّا أن يبيعه، يعني حَتَّى لو أنه سيبيعه فقد قدَّم خدمةً لمن لا يستطيع العمل؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى رفع بعض العباد فوق بعض درجات للتسخير والخدمة، يعني هذا يستطيع أن يزرع وغيره لا يستطيع أن يزرع وقد يكون عنده المال لكنه هل سيأكل المال أم سيحتاج إِلَى ثمار يشتريها؟ سيحتاج إِلَى ثمار يشتريها؛ إذًا الَّذِي يعمل ليوفّر لغيره ولو بيعًا وشراءً هو أَيْضًا يقدِّم خدمةً للمجتمع لأن المجتمع يحتاج الثمار ويحتاج الزرع ليأكل حَتَّى لو كان لديهم الأموال فإنهم لن يأكلوا الأموال؛ ولذلك أحيانًا الإنسان يكون معه المال لكنه لا يجد ما يأكله، فَالَّذِي يعمل ليبيع لغيره هو أَيْضًا يقدِّم خدمةً؛ إذًا هو يعمل ليبيع لغيره، وليتصدق عَلَى غيره، لَا بُدَّ أن يكون عند الإنسان هذه الغايات. وقلت: إنَّ هذا هو معنى: ﴿ وَالَّذِينَ هُم لِلزَّكَاة فَاعِلُونَ ﴾، والله عبّر بقوله: ﴿ فَاعِلُونَ ﴾ هاهنا لأنَّ الفعل هو المؤدَّى بحبِّ كما وصف الله الأنبياء بقوله: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ ﴾ ففعل الخيرات هو فعل الإنسان بحبّ، فمعنى: ﴿وَالَّذِينَ هُم لِلزَّكَوةِ فَاعِلُونَ ﴾ أي: فاعلون لِلزَّكَاةَ، بمعنى أنهم يزرعون ويجتهدون لتكون لديهم صدقات يخرجونها، وعلى الأقل إن لم يستطيعوا أن يتصدقوا فليبيعوا ما زرعوه ليجد النَّاس هذا الصنف من الخضروات أو من المأكولات ليشتريه بقيمته. إذًا مهمة الإنسان أنه لا يعمل بقدر حاجته واحتياجاته فَقَطْ وَإِنَّمَا لَا بُدَّ أن يكون نافعًا للغير؛ لأنَّ القوي إذا عمل عَلَى قدر طاقته وحاجته وَفَقَط فمن أين يأكل الَّذِي لا يستطيع العمل، وَالَّذِي لا يقدر عَلَى العمل؟ لأنه ليس كل الناس يقدرون عَلَى العمل. فعَلَى الإنسان أن يخطط هكذا أن يعمل ليكون لديه الفائض إما لبيعه وَإِمَّا للتصدق به، يعني: أنت لست مجبرًا عَلَى أن تتصدق لكنك تعمل لنفسك وتعمل لأولادك.
إذاً (وَكَانَ لَهُ ثَمَرُ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) الفاء هاهنا تُسمى «فاء التَّفْرِيع»، وهذه لها دلالة هاهنا لَا بُدَّ أن نفهمها..
الحَمْدُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِيْنَ، سُبْحاَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين؛ وَبَعْدُ: فإني أحييكم بتحية الإسلام السّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. وإني لأسأل الله أن يشرح صدورنا وأن يجعلني وَإِيَّاكُمْ من أهل القرآن الكريم الَّذِينَ هم أهل الله وخاصته، وها نحن نلتقي في لقائنا هذا وتدبر سورة الكهف.
توقفنا في اللقاء الماضي عند قول الله تبارك وتعالى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرُ فَقَالَ لِصَاحِبهِ، وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) وقلت في قوله تَعَالَى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ) قراءتان:
القراءة الأولى بفتح الثاء والميم: ثَمَرٌ، وَهُذَا جمع لكلمة «ثَمَرة».
والقراءة الأخرى: (وَكَانَ لَهُ ثُمُرُ) ، و(الثَّمَر) هو جمع لكلمة: ثمار، فالـ الثَّمَر - بفتح الثاء والميم - هو الثَّمَر المأكول، هو الثَّمَرِ الَّذِي يخرج من الزرع ويكون مأكولا، وَأَمَّا (الثُّمُر) فيعني: الأموال، وَهَذَا دليلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الرجل صاحب الجنتين كانت له أموال غير الثمر الَّذِي يأتيه من الجَنَّة،
وقيل: كان المال هو العائد بالنسبة لهذا الثَّمَر، بمعنى: أنه لم يكن ثمر الجنتين يكفيه لأكله فَقَطَّ، وَإِنَّمَا كان يكفيه لأكله ويزيد، فالزيادة هذه كانت تعُمُّ عَلَى الجميع فيبيعها ويأخذ ثمرها ولذلك قلت إنَّ الإنسان ينبغي ألا يقتصر في عمله على ما يكفيه لأكله هو وأولاده وَإِنَّمَا لَا بُدَّ أن يعمل حسابه إما أن يتصدق بالفائض أو بالزائد، وَإِمَّا أن يبيعه، يعني حَتَّى لو أنه سيبيعه فقد قدَّم خدمةً لمن لا يستطيع العمل؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى رفع بعض العباد فوق بعض درجات للتسخير والخدمة، يعني هذا يستطيع أن يزرع وغيره لا يستطيع أن يزرع وقد يكون عنده المال لكنه هل سيأكل المال أم سيحتاج إِلَى ثمار يشتريها؟ سيحتاج إِلَى ثمار يشتريها؛ إذًا الَّذِي يعمل ليوفّر لغيره ولو بيعًا وشراءً هو أَيْضًا يقدِّم خدمةً للمجتمع لأن المجتمع يحتاج الثمار ويحتاج الزرع ليأكل حَتَّى لو كان لديهم الأموال فإنهم لن يأكلوا الأموال؛ ولذلك أحيانًا الإنسان يكون معه المال لكنه لا يجد ما يأكله، فَالَّذِي يعمل ليبيع لغيره هو أَيْضًا يقدِّم خدمةً؛ إذًا هو يعمل ليبيع لغيره، وليتصدق عَلَى غيره، لَا بُدَّ أن يكون عند الإنسان هذه الغايات. وقلت: إنَّ هذا هو معنى: ﴿ وَالَّذِينَ هُم لِلزَّكَاة فَاعِلُونَ ﴾، والله عبّر بقوله: ﴿ فَاعِلُونَ ﴾ هاهنا لأنَّ الفعل هو المؤدَّى بحبِّ كما وصف الله الأنبياء بقوله: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ ﴾ ففعل الخيرات هو فعل الإنسان بحبّ، فمعنى: ﴿وَالَّذِينَ هُم لِلزَّكَوةِ فَاعِلُونَ ﴾ أي: فاعلون لِلزَّكَاةَ، بمعنى أنهم يزرعون ويجتهدون لتكون لديهم صدقات يخرجونها، وعلى الأقل إن لم يستطيعوا أن يتصدقوا فليبيعوا ما زرعوه ليجد النَّاس هذا الصنف من الخضروات أو من المأكولات ليشتريه بقيمته. إذًا مهمة الإنسان أنه لا يعمل بقدر حاجته واحتياجاته فَقَطْ وَإِنَّمَا لَا بُدَّ أن يكون نافعًا للغير؛ لأنَّ القوي إذا عمل عَلَى قدر طاقته وحاجته وَفَقَط فمن أين يأكل الَّذِي لا يستطيع العمل، وَالَّذِي لا يقدر عَلَى العمل؟ لأنه ليس كل الناس يقدرون عَلَى العمل. فعَلَى الإنسان أن يخطط هكذا أن يعمل ليكون لديه الفائض إما لبيعه وَإِمَّا للتصدق به، يعني: أنت لست مجبرًا عَلَى أن تتصدق لكنك تعمل لنفسك وتعمل لأولادك.
إذاً (وَكَانَ لَهُ ثَمَرُ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) الفاء هاهنا تُسمى «فاء التَّفْرِيع»، وهذه لها دلالة هاهنا لَا بُدَّ أن نفهمها..
تدبر سورة الكهف (٢٣)
فضيلة الشيخ أ.د / محمود شمس حفظه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٣)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَلَوۡلَاۤ إِذۡ دَخَلۡتَ جَنَّتَكَ قُلۡتَ مَا شَاۤءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالࣰا وَوَلَدࣰا﴾ [الكهف ٣٩]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَلَوۡلَاۤ إِذۡ دَخَلۡتَ جَنَّتَكَ قُلۡتَ مَا شَاۤءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالࣰا وَوَلَدࣰا﴾ [الكهف ٣٩]
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٢٣)
بسمِ اللَهِ الَرحمَنَ الَرحيم
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّىٰ اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلَىٰ آلهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِيْنَ. سُبْحَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاً إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين، وَبَعْدُ: فإني أحييكم بتحية الإسلام: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
وإني لأسأل اللّٰه أن يشرح صدورنا وأن يجعلني وَإِيَّاكُمْ من أهل القرآن الكريم الَّذِينَ هم أهل اللّٰه وخاصته. وها نحن نلتقي في لقائنا هذَا وتدبُّر سورة الكهف.
توقفت في اللقاء السَّابِق عند قول اللّٰه تبارك وتعالى: ( لَكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّى وَلَآ أُشْرِكُ بِرَبي أَحَدًا) وقلت: إنَّ صاحب الجنتين نسب النعمة لذاته، ونسب النعمة لنفسه ونسي المُنعِم الحق وبدأ يتعالىٰ ويتكبَّر عَلَىٰ أخيه الفقير، ويتكبر عليه بنعمة اللّٰه تبارك وتعالى مع أنَّ الإنسان لا يملك جلب النعمة، ولا يملك حفظ النعمة، يعني: أنتَ وأنتِ لا تملكين جلب نعمةٍ لك، وإذا أتتك النعمة لا تملكين حفظها، فالله هو المُنعِم الحق عَلَىٰ العِباد، وهو واهب النعم للعِباد، وهو الَّذِي يعلمنا السبيل إِلَىٰ الحفاظ عَلَىٰ النعمة؛ إذًا عندنا جلب نعمة، وعندنا كيفية الحفاظ عَلَىٰ النعمة الَّتِي جُلبت، اللّٰه يعلِّمنا سبيل حفظ النعمة؛ لأنَّ الإنسان -كما نعلم- مُركب من نفس، والنفس لها جانبان:
●نفس تشتهي
●ووجدانٌ يردعها.
يعني: النَّفس تشتهي وتريد أن تجلب ما تشتهيه من أي طريق، لكن هناك وجدانٌ داخليٌّ وهو ما نسميه بـالضمير يردع هذِه النَّفْس الَّتِي تحاول جلب تلك النعمة من أي طريق، فالله يعلّمنا سبيل استقبال النعمة، إذا أنعم اللّٰه عليك بنعمة لكي تحفظ تلك النعمة، ولكي يحفظ الله عليك تلك النعمة، عليك أن تُحسِن استقبالها وتُحسِن استقبال النعمة:
● أولا: أن ترد النعمة إِلَى المُنعِم، أي نعمة أنعم اللّٰه بها عليك سواء أكانت جنة أي: حديقة، أو بستان، أو حَتَّىٰ أولاد، أو حَتَّى نظرت في المرآة لنفسك، يعني كل نعمةٍ أنت فيها أيَّا كانت، ولذلك قالَ اللّٰه مخاطبًا الإنسان: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ)، جنتك أنت، لكي تحافظ عَلَىٰ النعمة الَّتي أنعم اللّٰه بها عليك، فما بالك إذا دخلت جنة غيرك؟ يعني إذا دخلت جنتك أنت مطالبٌ بأن تقول: (مَا شَآءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ) فما بالك إذا دخلت عَلَىٰ نعمة غيرك؟ أظنه من باب أولىٰ أن تقول: (مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَةَ إِلَّا بِاللَّهِ).
إذا في هذِه الآية الكريمة يعلمنا اللّٰه حُسْن استقبال النِعم، وحُسْن المحافظة عَلَىٰ النعم ألَّا تنسب النعمة إِلَّا إِلَىٰ المُنعِم الحق، فهو الَّذِي أنعم عليك، فلا تنسبها إِلَى ذكائك ولا إِلَى شطارتك، ولا إِلَى ما أخذت به من أسباب، فقد تأخذ بالأسباب لكنك لا تجد النتيجة المرجوة، فَالّذِي يملك النتيجة المرجوة هو اللّٰه تبارك وتعالى.
أداة (لَوْلًا) هي في الأصل معناها: حرف امتناعٍ لوجود، هذا أصل معناها، وتكون كذلك إذا دخلت عَلَىٰ جملةِ إسمية، يعني هي في الأصل تكون حرفًا دالًا عَلَىٰ امتناع الجواب لوجود الشَّرْط، دائمًا أمثلها لكم بقولي -حَتَّىٰ لا تنسوا-"لولا انشغالي لزرتكم" الزيارة امتنعت، طيب امتنعت الزيارة لماذا؟ امتنعت لوجود الانشغال، هذَا معنىٰ امتناع لوجود، فإذا دخلت عَلَىٰ جملةٍ اسمية فإنها تفيد ذلك، ووردت في القرآن الكريم في قول اللّٰه تَعَالَىٰ: ( لَوْلَآ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ )، (وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّلِمُونَ مَوْقُوقُونَ عِندَ رَبِِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلَآ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) أين الخبر هنا؟ الخبر هنا محذوف: لَوْلَا أَنتُمْ صددتمونا (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) يعني (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) دالٌّ عَلَىٰ الخبر وليس هو الخبر، أو دالٌّ عَلَىٰ الجواب وليس هو الجواب (لَولَا أَنتُمْ) صددتمونا (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ))، فإذا دخلت عَلَىٰ فعل فَإِمَّا أن يكون الفعل مضارعًا، وَإِمَّا أن يكون الفعل ماضيًا:
إذا دخلت عَلَىٰ فعلٍ مضارعٍ فهي تدل عَلَىٰ الحثِّ الحثيث وهو الحضّ، التحضيض (فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) إِلَىٰ آخر ما ورد في القرآن الكريم، (لَوَلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) هذِه تدل عَلَىٰ حثِّ العِباد عَلَىٰ الاستغفار.
بسمِ اللَهِ الَرحمَنَ الَرحيم
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّىٰ اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلَىٰ آلهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِيْنَ. سُبْحَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاً إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين، وَبَعْدُ: فإني أحييكم بتحية الإسلام: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
وإني لأسأل اللّٰه أن يشرح صدورنا وأن يجعلني وَإِيَّاكُمْ من أهل القرآن الكريم الَّذِينَ هم أهل اللّٰه وخاصته. وها نحن نلتقي في لقائنا هذَا وتدبُّر سورة الكهف.
توقفت في اللقاء السَّابِق عند قول اللّٰه تبارك وتعالى: ( لَكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّى وَلَآ أُشْرِكُ بِرَبي أَحَدًا) وقلت: إنَّ صاحب الجنتين نسب النعمة لذاته، ونسب النعمة لنفسه ونسي المُنعِم الحق وبدأ يتعالىٰ ويتكبَّر عَلَىٰ أخيه الفقير، ويتكبر عليه بنعمة اللّٰه تبارك وتعالى مع أنَّ الإنسان لا يملك جلب النعمة، ولا يملك حفظ النعمة، يعني: أنتَ وأنتِ لا تملكين جلب نعمةٍ لك، وإذا أتتك النعمة لا تملكين حفظها، فالله هو المُنعِم الحق عَلَىٰ العِباد، وهو واهب النعم للعِباد، وهو الَّذِي يعلمنا السبيل إِلَىٰ الحفاظ عَلَىٰ النعمة؛ إذًا عندنا جلب نعمة، وعندنا كيفية الحفاظ عَلَىٰ النعمة الَّتِي جُلبت، اللّٰه يعلِّمنا سبيل حفظ النعمة؛ لأنَّ الإنسان -كما نعلم- مُركب من نفس، والنفس لها جانبان:
●نفس تشتهي
●ووجدانٌ يردعها.
يعني: النَّفس تشتهي وتريد أن تجلب ما تشتهيه من أي طريق، لكن هناك وجدانٌ داخليٌّ وهو ما نسميه بـالضمير يردع هذِه النَّفْس الَّتِي تحاول جلب تلك النعمة من أي طريق، فالله يعلّمنا سبيل استقبال النعمة، إذا أنعم اللّٰه عليك بنعمة لكي تحفظ تلك النعمة، ولكي يحفظ الله عليك تلك النعمة، عليك أن تُحسِن استقبالها وتُحسِن استقبال النعمة:
● أولا: أن ترد النعمة إِلَى المُنعِم، أي نعمة أنعم اللّٰه بها عليك سواء أكانت جنة أي: حديقة، أو بستان، أو حَتَّىٰ أولاد، أو حَتَّى نظرت في المرآة لنفسك، يعني كل نعمةٍ أنت فيها أيَّا كانت، ولذلك قالَ اللّٰه مخاطبًا الإنسان: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ)، جنتك أنت، لكي تحافظ عَلَىٰ النعمة الَّتي أنعم اللّٰه بها عليك، فما بالك إذا دخلت جنة غيرك؟ يعني إذا دخلت جنتك أنت مطالبٌ بأن تقول: (مَا شَآءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ) فما بالك إذا دخلت عَلَىٰ نعمة غيرك؟ أظنه من باب أولىٰ أن تقول: (مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَةَ إِلَّا بِاللَّهِ).
إذا في هذِه الآية الكريمة يعلمنا اللّٰه حُسْن استقبال النِعم، وحُسْن المحافظة عَلَىٰ النعم ألَّا تنسب النعمة إِلَّا إِلَىٰ المُنعِم الحق، فهو الَّذِي أنعم عليك، فلا تنسبها إِلَى ذكائك ولا إِلَى شطارتك، ولا إِلَى ما أخذت به من أسباب، فقد تأخذ بالأسباب لكنك لا تجد النتيجة المرجوة، فَالّذِي يملك النتيجة المرجوة هو اللّٰه تبارك وتعالى.
أداة (لَوْلًا) هي في الأصل معناها: حرف امتناعٍ لوجود، هذا أصل معناها، وتكون كذلك إذا دخلت عَلَىٰ جملةِ إسمية، يعني هي في الأصل تكون حرفًا دالًا عَلَىٰ امتناع الجواب لوجود الشَّرْط، دائمًا أمثلها لكم بقولي -حَتَّىٰ لا تنسوا-"لولا انشغالي لزرتكم" الزيارة امتنعت، طيب امتنعت الزيارة لماذا؟ امتنعت لوجود الانشغال، هذَا معنىٰ امتناع لوجود، فإذا دخلت عَلَىٰ جملةٍ اسمية فإنها تفيد ذلك، ووردت في القرآن الكريم في قول اللّٰه تَعَالَىٰ: ( لَوْلَآ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ )، (وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّلِمُونَ مَوْقُوقُونَ عِندَ رَبِِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلَآ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) أين الخبر هنا؟ الخبر هنا محذوف: لَوْلَا أَنتُمْ صددتمونا (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) يعني (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) دالٌّ عَلَىٰ الخبر وليس هو الخبر، أو دالٌّ عَلَىٰ الجواب وليس هو الجواب (لَولَا أَنتُمْ) صددتمونا (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ))، فإذا دخلت عَلَىٰ فعل فَإِمَّا أن يكون الفعل مضارعًا، وَإِمَّا أن يكون الفعل ماضيًا:
إذا دخلت عَلَىٰ فعلٍ مضارعٍ فهي تدل عَلَىٰ الحثِّ الحثيث وهو الحضّ، التحضيض (فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) إِلَىٰ آخر ما ورد في القرآن الكريم، (لَوَلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) هذِه تدل عَلَىٰ حثِّ العِباد عَلَىٰ الاستغفار.
تدبر سورة الكهف (٢٤)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفطه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٤)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةࣱ یَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا﴾ [الكهف ٤٣]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةࣱ یَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا﴾ [الكهف ٤٣]
تدبر سورة الكهف (٢٥)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفطه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٥)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱلۡبَـٰقِیَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف ٤٦]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱلۡبَـٰقِیَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف ٤٦]
تدبر سورة الكهف (٢٦)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفظه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٦)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَیَوۡمَ نُسَیِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةࣰ وَحَشَرۡنَـٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدࣰا﴾ [الكهف ٤٧]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَیَوۡمَ نُسَیِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةࣰ وَحَشَرۡنَـٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدࣰا﴾ [الكهف ٤٧]
تدبر سورة الكهف (٢٧)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفطه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٧)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَعُرِضُوا۟ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفࣰّا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدࣰا﴾ [الكهف ٤٨]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَعُرِضُوا۟ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفࣰّا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدࣰا﴾ [الكهف ٤٨]
تدبر سورة الكهف (٢٨)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفطه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٨)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَـٰوَیۡلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلۡكِتَـٰبِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَاهَاۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرࣰاۗ وَلَا یَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدࣰا﴾ [الكهف ٤٩]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَـٰوَیۡلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلۡكِتَـٰبِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَاهَاۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرࣰاۗ وَلَا یَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدࣰا﴾ [الكهف ٤٩]
تدبر سورة الكهف (٢٩)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفطه الله
#تدبر_سورة_الكهف (٢٩)
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَـٰوَیۡلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلۡكِتَـٰبِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَاهَاۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرࣰاۗ وَلَا یَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدࣰا﴾ [الكهف ٤٩]
☜ تدبر سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَـٰوَیۡلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلۡكِتَـٰبِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَاهَاۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرࣰاۗ وَلَا یَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدࣰا﴾ [الكهف ٤٩]