تفريغ محاضرات تدبر سورة الكهف/ د. محمود شمس
16 subscribers
46 links
تفريغ محاضرات تدبر سورة الكهف / د. محمود شمس
Download Telegram
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                             1⃣   

وقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..) [ الكهف: ١٣-١٤]
(وربطنا على قلوبهم)
الفعل (ربط) عند أهل اللغة يتعدى بنفسه بدون حرف جر فأقول: ربطت الشنطة، وربطت الكيس ...الخ ، لكنه لم يرد في القرآن الكريم إلا متعديا بحرف الاستعلاء. وقد ورد في ثلاثة مواطن:
الموضع الأول: في سورة الأنفال في غزوة بدر في قوله تعالى: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم)
● وهنا (وربطنا على قلوبهم) 
الموضع الثالث : في سورة القصص (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) 
فالفعل (ربط) في هذه المواضع الثلاثة تعدى بحرف الجر (على).
لو تدبرنا نجد أن المواضع الثلاثة أصحابها وأهلها أصحاب قلوب اطمأنت ورضيت بقضاء الله وبقدره وتهيأت نفسيا لما أُعدت له، إلا أن هناك أمرا بشريا حدث جعلهم يزحزحون عن الإيمان، ويزحزحون عن اليقين، ويزحزحون عن الثبات.
في موضع الأنفال مثلا في غزوة بدر الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا قد خرجوا لقتال ولا لغيره لكن عندما فُرض عليهم الأمر فتهيأوا نفسيا للقتال، لكن عندما علموا بالعدد وبالعدة بعدد المسلمين وبعدد المشركين وبعِدة المسلمين وبعِدة المشركين، فبالطبع لا توجد أي أوجه مقارنة بين هذا العدد وذاك العدد، وبين تلك العدة وتلك العدة، فبعضهم كاد قلبه يتزحزح عن اليقين الذي ملأه.
فالله تبارك وتعالى ربط على قلوبهم، يعني لم يربط القلب، لا.. إنما ربط على ما في القلب، القلب يملاؤه اليقين والثبات، وحسن التوكل على الله إلا أن النسبة البشرية جعلت الأمر يتحرك في قلوبهم.
فالله تبارك وتعالى ربط على الإيمان، وعلى اليقين، وعلى الثبات الذي ملأ القلوب حتى لا يتزحزح ويخرج من القلب. إذا الربط هنا ليس ربطا للقلب وإنما هو ربط على ما في القلب.
وهنا في قصة أصحاب الكهف نذهب أولا لقصة موسى ونجعل قصة أصحاب الكهف للنهاية.

https://t.me/tadaborsoratalkah
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                           2⃣

🔖 أم موسى عندما أوحى الله لها أن إذا خفت على رضيعك فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، فبالله أي امرأة وأي أم تقبل هذا؟! (إن خفت عليه فألقيه في اليم) يعني الطبيعة البشرية تقول: وإن خفت عليه ففري به إلى أرض أخرى، أو فأخفيه عن العيون، أو.. أو.. ، من باب الأخذ بالأسباب، إنما لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أوحى إليها، فقد أوحى إليها بأنك إن خفت عليه فألقيه في اليم، والله تبارك وتعالى أخبرها بخبرين وبشرها ببشارتين (إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين) هذان خبران متضمنان بشارتان.
وأيضا نهاها بنهيين قال لها (ولا تخافي ولا تحزني) وأمرها بأمرين (فألقيه في اليم ولا تخافي) هناك (أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) ولذلك في هذه الآية أمران ونهيان وبشارتان وخبران.
لكن بعد أن نفذت أمر الله تبارك وتعالى لها بدأت النسبة البشرية تتحرك فيها، والنسبة البشرية حدثتها بما قلت سابقا أنك كان بإمكانك أن تخرجي به إلى أرض أخرى، كان بإمكانك أن تُخفيه عن أعين فرعون وملأ فرعون، كان من الممكن أن تفعلي وأن تفعلي (فأصبح فؤاد أم موسى فارغا) أصبح فارغا من كل شيء إلا من قلقها على موسى.
● القلب لا يسمى فؤادا إلا إذا توقد واشتعل كالشيء المشتعل، يعني أصابه القلق فتوقد اشتعالا من قلقه. وهذا هو الفرق بين الفؤاد والقلب، يعني القلب يوصف بالفؤاد عندما يكون القلب مشتعلا متوقدا. ولذلك حتى في قوله تعالى(وأفئدتهم هواء) أي خالية وخاوية وفارغة، أفئدتهم لا تحمل شيئا. إذن القلب يوصف بالفؤاد عندما يكون مشتعلا متوقدا. ولذلك يقال عن الفؤاد إنه عين القلب، وهو عين البصيرة، وهو الذي ينقل إلى القلب إما اليقين والثبات والتوكل، وإما الخيبة والحسرة. يعني الفؤاد يتأمل في الكون فينقل إلى القلب، والقلب وعاء لما ينقله له الفؤاد.

🔖إذا (إن كادت لتبيدي به)
(لتبدي به) وليس (إن كادت لتبديه) لو قال الله إن كادت لتبديه، لكان المعنى إن كادت لتظهره، إنما (لتبدي به) كأنها تحمله على يديها وتقول يا ناس هذا وليدي وهذا طفلي، وهذا هو الفرق بين (تبدي به) و( تبديه)
(إن كادت لتبيدي به) بمعنى تأخذه على يديها وتُظهره للناس جميعا وتقول لهم انظروا هذا طفلي.
🔖 (لولا أن ربطنا على قلبها) الربط هنا أيضا ليس للقلب، إنما الربط على القلب، لأن القلب امتلأ يقينا وثباتا وحسن توكل بدليل أنها نفذت أمر الله، ولذلك التعليل الذي بعد ذلك (لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) ليثبت الإيمان في قلبها، لأن ما تعانيه إنما هو تحريك للنسبة البشرية.

🏷 وهنا في موضع سورة الكهف، أصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم والله تبارك وتعالى زادهم هدى ومن زيادته لهم للهدى أن ربط على قلوبهم، ربط على قلوبهم بمعنى أنه جعل القلب متمكنا واثقا من كمال قدرة الله تبارك وتعالى فبدأوا يتكلمون ويتصرفون ويفعلون بناء على حسن توكلهم على الله. هذا معنى (وربطنا على قلوبهم).

(إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) 
(إذ) هذا ظرف للربط، يعني ربطنا على قلوبهم وقت قيامهم، يعني لكي يقولوا ربنا رب السماوات والأرض في مجتمع مشرك ومولع بالشرك والملِك الجبار الذي يناصر الشرك والمشركين، فلكي يتمكنوا من هذا الإعلان الله تبارك وتعالى ربط على قلوبهم في هذا الوقت (إذ قاموا) يعني الربط على قلوبهم مقارن لقيامهم وقولهم.

القيام قد يكون حسيا وقد يكون قياما معنويا يدل على شدة الاهتمام.
القيام الحسي: القيام الذي يكون بعد قعود، يعني واحد كان قاعدا أو جالسا ثم قام، أي قام واقفا هذا قيام حسي.
والقيام المعنوي: أنهم اهتموا وقالوا (ربنا رب السماوات والأرض) وأعلنوها لكنهم يتكلمون وهم جالسون.
طيب هل القيام هنا قيام حسي أم قيام معنوي؟ 
يُحتمل القيام الحسي، ويُحتمل أن يكون قياما معنويا.
● قيام حسي أن يكونوا قاموا أمام الملك الجبار وقالوا هذا الكلام. هذا يحتمل، أو أنهم وقفوا خطباء في القوم ينصحونهم ويوجهون لهم هذا الكلام، فيكون القيام هنا قياما حسيا.
● وقد يكون القيام قياما معنويا أي إنهم اهتموا وقالوا وأعلنوا لكنهم تكلموا وهم جالسون، لأنهم أقدموا على عمل عظيم مهتمين بهذا القول.
ويطلق القيام على من يقوم بعمل عظيم، حتى أحيانا نقول قمت بقراءة كتاب كذا، وقمت بعمل كذا، وأنت لم تقم وتتحرك من مكانك، إنما أنت بذلت جهدا وفعلت فعلا عظيما أنك أنجزت قراءة هذا الكتاب. هذا معنى (إذ قاموا).
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                         3⃣

■ ( لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) 
(لن ندعوا من دونه إلها)
● لماذا لم يقولوا لن نعبد من دونه إلها؟ يعني لم يذكر لفظ العبودية بل لفظ الدعاء؟
● لأن الدعاء ذاته عبادة، والدعاء يشمل كل أقوال وكل أفعال تبين عبوديتهم لله تبارك وتعالى، فنحن لا نعبد إلا إياه، ولا ندعو إلا إياه، ولا نستغيث إلا به، ولا نلجأ إلا له، فلو قالوا: لن نعبد من دونه إلها قد يفهم البعض أن الدعاء أو أن الاستغاثة، أو أن اللجوء لغير الله جائز، لكن هم أتوا بالأشمل الأتم (لن ندعو من دونه إلها) لن ندعو من غير الله تبارك وتعالى إلها.
● ثم بعد ذلك (لقد قلنا إذا شططا) هذه جملة استئنافية، وهي استئناف بياني لأن التي قبلها تثير سؤالا لن ندعو من دونه إلها طيب
وماذا يعبد غيركم ممن تخاطبونهم الآن؟
فأتوا بالجواب: (لقد قلنا إذا شططا) أي لو قلنا أننا نعبد غير الله تبارك وتعالى فقولنا هذا قول شطط. وهم أشركوا أنفسهم مع القائل ولم يخاطبوهم، يعني لم يقولوا لقد قلتم إذا شططا، إنما (لقد قلنا) يعني قبل هذا القول كنا نقول معكم قولا شططا، يعني (لقد قلنا إذا) هنا تعني أننا قبل قولنا (ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) يعني لو قلنا بغير ذلك فقولنا هذا قول شطط. 
والقول الشطط هو: الإفراط في مخالفة الحق والصواب، الإفراط في القول الخاطئ، القول البعيد عن الصواب.
إذا هم أقروا بأن القول بغير ذلك هو قول شطط، ولا مانع من أن يكون هذا الأسلوب أسلوب تنزل مع الخصم، بمعنى أننا لو وافقناكم وقلنا كما تقولون (لقد قلنا إذا شططا).
وطبعا (قد) إذا دخلت على الفعل الماضي فإنها تدل على التحقيق قولا واحدا "قد قلنا"، وباللام التي تفيد التوكيد أيضا (لقد قلنا إذا شططا)، فلو أننا وافقناكم على قولكم هذا لكان معنى ذلك أننا نقول قولا مخالفا للحق والصواب وهو القول الشطط. 
في قوله تعالى (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) هذه الجملة أيضا استئناف بياني آخر لأنها ترد على سؤال مقدر، السؤال المقدر:
من ذا الذي يقول بهذا القول الشطط؟
لأنهم لم يخاطبوا القوم، لم يقولوا لقد قلتم، فربما يسأل سائل من ذا الذي قال هذا القول الشطط؟ فجاءت الإجابة (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة).
(هؤلاء) هنا اسم إشارة فلماذا يشيرون إليهم؟ يشيرون إليهم تمييزا لهم بأنكم أنتم المرادون بهذا الكلام، يعني عندما أريد أن أميز أني أخصّك بكلام فإني أقول أنت وأشير إليك بأصبعي حتى تميّز من الذي أتكلم عنه، إني أتكلم عليك أنت (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) . وأنا قلت قبل ذلك أن القرآن الكريم إذا استعمل الفعل (اتخذوا) معنى ذلك أنهم بذلوا الجهد الكبير في سبيل هذا الاتخاذ  لأنه كان من الممكن أن يقول هؤلاء قومنا عبدوا من دونه آلهة.
وفي قولهم (قومنا) دلالة على أن القومية إذا اتفقوا على الباطل فكل القوم موصوف بهذا الباطل، لأن هناك باطل وباطل يرتكب باسم القومية، ولذلك لو قرأتم في القصص القرآني تجدون كلمة (قوما) دائما ترد في الحكم عندما يحكمون على قوم النبي المرسل إليهم (ولكني أراكم قوما تجهلون) لم يقل (ولكني أراكم تجهلون) فالقومية هنا تعني اتفاقهم والترابط فيما بينهم على هذا القول الذي جعلهم يوصفون بالجهل. فقولهم (هؤلاء قومنا) القومية هي التي دعتهم إلى ذلك. ولذلك البعض يظن أن من القومية أن نبقى على عاداتنا التي عرفناها عن آبائنا، هذه قومية باطلة، هل تعلمون أن الناس في زماننا هذا يتمسكون بالعادات أكثر من تمسكهم بالعبادات، يعني تمسك الناس بالعادات أقوى بكثير من تمسكهم بالعبادات، يعني لا يتركوا عادة واحدة توارثوها، وإنما قد يهملون عبادة، وقد يهملون سُنة بحجة أنها سنة، فإذا أردت أن تصحح لهم فتلك مصيبة كبرى، كيف تصحح أنت؟! ولذلك كان رب العباد حريصا على أننا نوصّل دعوتنا بأسلوب حكيم، وبأسلوب يتصف بالحكمة.
يعني أنا قصدت بالأسلوب الحكيم هو الأسلوب الذي يتصف بالحكمة بحيث إنك تكسب قلوب من توصّل له المنهج الذي توصله قبل أن تتكلم معه. يعني رب العباد وهو يخاطب عباده المؤمنين في أنهم يقولون ما لا يفعلون، وهل هناك أخطر على المؤمن من أن يقول ما لا يفعل؟ بالطبع لا، يعني إذا كان قوله يخالف فعله فهذا شأن المنافق الذي قوله يخالف فعله، ومع ذلك لم يسلب الله عنهم الإيمان قال (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) هل سلب عنهم الإيمان؟ هل سلب وصفهم بالإيمان؟ إطلاقا، لم يسلب عنهم الإيمان.
حتى في القصاص -في القتل- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) وقال بعدها (فمن عُفي له من أخيه شيء) هذا قاتل!! وقاتلٌ مقتولا من رحمي، يعني قتل أخي أو قتل ابني أو قتل..الخ ومع ذلك لم يسلب عنه الأخوة. 
فالله تبارك وتعالى يعلمنا أننا ينبغي أن نتعلم الأسلوب الصحيح في الدعوة وفي توجيه الناس، وفي إرشاد الناس.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                         4⃣

🏷  النفس بطبيعتها لا تقبل النصيحة، ولا تقبل التوجيه، هذه فطرة في النفس، وهذا أشد عند الأزواج عندما تنصحه الزوجة، فلنراعي هذا، أن الزوج لا يقبل النصح خاصة من زوجه، إنما لا بد من مقدمة تُثني عليه، ومن مقدمة تبرز صفة طيبة فيه، حتى لا يأخذ هذا الكلام دليل نقص فيه.
هذا (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) أي عبدوا آلهة غير الله تبارك وتعالى. فبقولهم هذا بينوا وأفصحوا عمن قال القول الشطط، من الذي قال القول الشطط؟ (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) وبيّنوا أنهم فعلوا، يعني لم يقولوا فقط، إنما فعلوا (اتخذوا من دونه آلهة) فهم أرادوا بذلك أن يتعجبوا من حالهم، وأن يفضحوا صنيعهم. يعني أرادوا أن يفضحوا فعلهم.
ثم قال بعدها (لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن) يعني هم يطالبونهم بأنهم يأتون على ما يعبدونه من دون الله بسلطان بيّن.
(لولا) حرف امتناع لامتناع، فإذا دخلت على جملة إسمية تكون حرف امتناع لوجوب، عندما أقول: لولا انشغالي لزرتكم، الزيارة حصلت وإلا ما حصلت؟ ما حصلت، لماذا؟ لوجود الانشغال، إذا حرف امتناع لوجود.
لكن إذا دخلت على الفعل المضارع تدل في الأصل على التحضيض، التحضيض: الحث الشديد، لولا تُكرم والديك، لولا تشكر فلانا، لولا تفعل كذا، يعني أحضك وأحثك حثا حثيثا على هذا الفعل.
لكن ليس كل (لولا) تدخل على الفعل المضارع تكون للتحضيض لأنهم ها هنا هل أتوا بسلطان بين على اتخاذهم من دون الله آلهة؟ هل هم أتوا بسلطان بيّن؟  لو كانوا اتبعوا الحث الشديد لأتوا بسلطان بين، فلما لم يأتوا بالسلطان البيّن على اتخاذهم من دون الله آلهة كانت (لولا) هنا للتبكيت والتوبيخ. يعني تتحول من الحث الشديد إلى التوبيخ.
فلو قلت لأحد الناس: لولا تُكرم والديك، فإذا به يعقُه، فهل أنا يعني حضضته وحثثته على هذا الفعل، هو لم يلتزم بالحضّ وبالحث الذي حضضته، فتكون (لولا) توبيخا له طالما أنه لم ينفذ فهي توبيخ له.
إذا (لولا يأتون عليهم بسلطان بين) أي بحجة واضحة وبيّنة، فإذا لم يأتوا بالسلطان البيّن فهم كاذبون، ولذلك فرّع الله على قوله (لولا يأتون عليهم بسلطان بين) (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أي لا أحد أظلم منه، الذي افترى على الله كذبا.
(افترى)
عندنا افتراء، وكذب، وبهتان.
الكذب هو: الإخبار بغير الواقع. كأن يقول أحدهم: الشيخ لم يحضر المحاضرة اليوم، فهذا كذب لأنه أخبر بغير الحقيقة والواقع.

الإفك: مأخوذ من أَفَكَ، وهو قلب الحقائق، ولذلك سمى الله قرى قوم لوط المؤتفكة، يعني المنقلبة لأن الله قلبها، قلب رأسها إلى أسفل، فالإفك قلب الحقائق والواقع، وهو أشنع وأبشع وأقبح أنواع الكذب. لماذا؟
لأن فيه شيئا من الحقيقة ولأن فيه شيئا من الحقيقة لا يستطيع الإنسان أن يرُده، يعني لو أن واحدا زارك بالأمس وتكلم معك في محاضرة تدبر لسورة الكهف، وتكلمتم في هذه المحاضرة، فجاءني وقال لي لقد زرت فلانا بالأمس، هذا حصل وإلا ما حصل؟ هذا حصل، حقيقة أنه زارك وتكلمنا في محاضرة تدبر سورة الكهف، هذا أيضا حصل، وقال لي هذا الشيخ لا يفهم شيئا. يعني هو أخذ الحقيقة وساقها في البداية ثم قلبها، يعني هذه الجملة الأخيرة أنت لم تقلها لكن لأنه قدّم بمقدمات حقيقية، قلب الحقيقة إفك، والإفك معناه قلب الحقيقة إلى غير الحقيقة.
يعني أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تأخرت عن الركب أم لم تتأخر؟ تأخرت. وركبت ناقة صفوان ابن المعطل أم لم تركب؟ ركبت. فأخذ المنافقون ذلك وقالوا ما قالوا، يعني أخذوا الحقيقة وقلبوها لتتبع هواهم. هذا معنى الإفك.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                        5⃣

الافتراء: اختلاق وقائع لم تحدث. وهذه الكثير من الناس يتقنها جدا. أنه يحكي وكأنه كان موجودا، يعني واحد يقول أنا زرت فلانا بالأمس، وهو لم يزرك ولم يعرفك. وتكلمنا في كذا، برضه لم تتكلما في هذا الموضوع لأن الزيارة ما وقعت، فهو يختلق قصة لم تحدث.
طبعا الافتراء سهل تكذيبه لأني أستطيع أن أكذبه. ولذلك الكفار (وقال الذين كفروا إن هذا إلا أفك افتراه) هم لماذا نعتوا الإفك بالافتراء؟
الإفك يُنعت بالافتراء في القرآن (إلا إفك مفترى) (إفك افتراه) لماذا؟
هم أرادوا أن يصفوا القرآن بأقبح وأبشع وأشنع أنواع الكذب الذي هو الإفك، يعني يريدون أن يأتوا له بهذا الوصف لكنهم لو قالوا إفك وسكتوا لكان معنى ذلك أن للقرآن حقيقة، وأن القرآن وحي من عند الله لكن محمدا صلى الله عليه وسلم بدّل فيه وغيّر، هم لا يريدون ذلك، هم يريدون أن يقولوا إنه ليس بحقيقة في الأصل فوصفوا الإفك بأنه افتراه، يعني هو إفك وافتراه حتى يقولوا إنه ليس له حقيقة.
إذا (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) لا أحد أظلم من هذا الذي يفتري على الله كذبا.
افتروا على الله كذبا أنهم أشركوا به وعبدوا معه غيره. هذا معنى (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا).
البهتان: أن تصف الإنسان بما ليس فيه. وعندنا حديث (فإن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته) أن تصف الإنسان بما ليس فيه، فكون الإنسان يصف إنسانا بما ليس فيه فهذا هو البهتان. وورد في القرآن الكريم (قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم).
ونتوقف هاهنا الليلة عند قول الله تعالى (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) ونكمل في لقائنا القادم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٩)
                                           1⃣

قوله تعالى: (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله)
الاعتزال هو: التباعد عن مخالطة الشيء، يعني التباعد عن المخالطة. فالمراد بالاعتزال هنا في قوله (وإذا اعتزلتموهم) في دينهم وفي عقيدتهم، فأنتم ابتعدتم عن دينهم وعن عقيدتهم وما يعبدون، يعني أنتم اعتزلتموهم وما يعبدونهم.
■ وفي قوله تعالى (إلا الله)
(إلا) هاهنا أداة استثناء، والاستثناء هنا قد يكون منقطعا، وقد يكون متصلا. 
●ما معنى الاستثناء المنقطع؟ وما دلالته؟
●وما معنى الاستثناء المتصل؟ وما دلالته؟

■ فإذا كان استثناء متصلا فمعنى ذلك أن المستثنى من جنس المستثنى منه وهذا لا يكون إلا على معنى أنهم كانوا يعرفون الله ويوحدونه إلا أنهم كانوا يشركون به شيئا، فيكون هنا الاستثناء متصل والمعنى: وإذ اعتزلتموهم وكل ما يعبدونه إلا عبادتهم لله جل وعلا. يعني إذا كانوا هم يعرفون الله ويعبدونه إلا أنهم كانوا يشركون به فيكون المستثنى متصلا ويكون المعنى: وإذ اعتزلتموهم وكل ما يعبدونهم إلا عبادتهم لله تبارك وتعالى، لم تعتزلوهم في عبادتهم لله تبارك وتعالى.

■ ويكون استثناءا منقطعا بمعنى أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه. فيكون المعنى: وإذ اعتزلتموهم وكل ما يعبدون ثم أتى الاستثناء بـ (إلا) فتكون (إلا) بمعنى (غير) أي غير الله "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون غير الله تبارك وتعالى" فكان اعتزالكم لما يعبدونه السبب الرئيسي فيه أنهم يعبدون غير الله.
(وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) إذا كانوا يعرفون الله فيكون المعنى إلا عبادتهم لله، وربما يكونون لا يعرفون الله تبارك وتعالى وإنما هم أهل وثنية فإنه بذلك يكون المستثنى منقطعا وتكون (إلا) بمعنى (غير) "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون غير الله" إذا سبب اعتزالهم لهم أنهم وجدوهم يعبدون غير الله.
هذا معنى (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون)
(إلا الله) إما استثناء متصل وإما استثناء منقطع.
قوله تعالى: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته)
(فأووا) أمر بالإيواء.
(إلى الكهف) (أل) في كلمة الكهف يحتمل أن تكون للعهد فيكون المراد: فأووا إلى الكهف المعهود الذي كنتم تلجؤون إليه لعبادة الله فيه. قيل إنهم كانوا يذهبون إليه ليعبدوا الله وحده تبارك وتعالى في هذا الكهف، فإذا قوله (فأووا إلى الكهف) أي إلى الكهف المعهود الذي تعرفونه.
● وقيل إن (أل) تعريفية فإذا كانت تعريفية فأووا إلى كهف من الكهوف، يعني كهف ليس معهودا عندهم إنما تخيروا كهفا وأووا إليه.

■ فإذا أويتم إلى الكهف (ينشر لكم ربكم من رحمته)
قوله تعالى (ينشر) نشر الرحمة معناه: أن الله تبارك وتعالى ينشر رحمته على أجسادكم كلها فتشملكم رحمة الله تبارك وتعالى في كل شيء. وهذا وعد من الله تبارك وتعالى لهم بأنهم إذا أخذوا بالأسباب وهو الإيواء إلى الكهف ينشر لهم ربهم من رحمته.
(ينشر) هذا الفعل جُزم جوابا للطلب (فأووا) فهو مجزوم لأنهم أووا إلى الكهف ثقة ويقينا، ثقة في وعد الله، ويقينا في وعد الله جل وعلا، فالله وعدهم بأنهم إذا أخذوا بالأسباب ينشر لهم ربهم من رحمته، ونشر الرحمة تشمل جميع أجزاء الجسد وما يتعلق به. ومن رحمة الله تبارك وتعالى معناها أن رحمة الله ستشملهم تأكيدا. هذا معنى (ينشر لكم ربكم من رحمته).
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٩)
                                          2⃣   

🏷 تنبيه: في قوله (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته) من المُخاطِب؟ من الذي قال لهم (وإذ اعتزلتموهم)؟
هذا الخطاب فيما بينهم وبين بعضهم، يعني البعض منهم قال للبعض منهم أنكم اعتزلتموهم وما يعبدون غير الله، أو وما يعبدون إلا عبادتهم لله، كما قلت على القولين. 
ثم قوله (ينشر لكم) كان جزم الفعل (ينشر) جوابا للطلب على اعتبار أنه ثقة ويقينا في الله تبارك وتعالى، ورجاء في تحقيق وعد الله تبارك وتعالى.
إذا عرفنا أن المُخاطِب هم البعض منهم والمُخاطَب هم البعض الآخر.
إذا عبادة الله تبارك وتعالى تتطلب اعتزالا عن الأجواء التي لا تعين على الطاعة. اعتزال وابتعاد عن مخالطة الجو الذي يبعد عن طاعة الله تبارك وتعالى. فهذا لابد منه إذا أردت أن تحقق الخضوع والانقياد. إذا هذا هو الدرس الذي نستفيده أنهم اعتزلوا هؤلاء الناس واعتزلوا ما يعبدونه إلا الله أي غير الله إذا كانوا لا يعرفون الله، أو إلا عبادتهم لله على اعتبار أنهم كانوا يعرفونه لكنهم يشركون به.
■ ثم بعد ذلك قولهم (فأووا إلى الكهف) هذا يعطينا دلالة أخرى، الاعتزال الأول: اعتزال في الدين والعقيدة، يعني هناك من يعبد الله تبارك وتعالى بعقيدة فاسدة، وهناك من يعبد الله ببدع فاسدة وأنت أخذت بالأسباب لكي تصحح من وضعهم فلم يستجيبوا فما عليك إلا أن تعتزلهم وألا تشاركهم في دينهم، أو في عقيدتهم خلاص.
لكن قوله (فأووا إلى الكهف) الأمر بالإيواء يعطينا دلالة أخرى وهي: أنكم تعتزلوهم فتفارقوهم بأجسادكم، وتفارقوهم بعيدا عن أماكنهم، إذا اعتزال في المكان وبالأجساد.
إذا المرحلة الأولى: اعتزال فيما يفعلون وهم يعبدون الله على غير دين صحيح. هذا اعتزال في الدين وفي العقيدة.
(فأووا إلى الكهف) مفارقة مكانية، بعيدا عن المكان الذي يوجدون فيه، فإذا فعلتم ذلك هذا من باب الأخذ بالأسباب، فإذا أخذتم بالأسباب (ينشر  لكم ربكم من رحمته)
و(ينشر) يعني يغطي  جميع أجزاء جسدكم وجميع أجزاء المكان الذي ستعيشون فيه.

■ قوله تعالى : (ويهيئ لكم من أمركم مرفقا)
لماذا تهيئة المرفق هنا بالذات؟
يعني هم هناك في توجههم إلى الله بالدعاء قالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) إنما هم هنا يقولون لبعضهم البعض (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) والقراءة الأخرى (ويهيئ لكم من أمركم مَرفِقا)
(مِرفَقا) و(مَرفِقا) الفرق بين المِرفَق والمَرفِق:
(المِرفَق) للدلالة على كل ما يُرتفَقُ به، يُرتفَقُ به يعني: ينتفع به. فالمِرفَق المراد به آلة الارتفاق ومنه مِرفَق الإنسان، مرفق الإنسان هو في ذراعه عندما يحتاج أن يرتفِق عليه يعني يتكئ عليه فيجده موجودا فهو يرتفِق على هذه الآلة.
وقد تكون آلة الارتِفَاق التي يحتاج لها الإنسان تشبه هذا المرفق، لكنه ليس هو المراد بذاته إنما هي آلة ارتفاق، يعني آلة حاجة تعينه على الحياة، يعني منها مرافِق البيت، مَرافِق البيت تعين وتساعد على الحياة، مرافق البيت - أكرمكم الله- مثلا: المطبخ، الحمام، الأمور التي يرتَفِق عليها الإنسان في حياته وفي معيشته، هذه اسمها آلات الارتفاق.
المَرفِق: اسم مكان، واسم المكان يدل هاهنا أن الله جل وعلا يهيئ لكم مكانا صالحا للارتفاق فيه بما يساعدكم على البقاء، بما يساعدكم على الحياة.
إذا (المِرفَق) آلات الارتِفاق.
و(المَرفِق) المكان الذي تستريحون فيه وتجدون فيه كل ما تحتاجونه في حياتكم.

✳️ ولذلك انظروا وتأملوا هل هناك إنسان يعيش في مكان - يعني برهة من الزمن صغرت أو كبرت - دون أن تكون هناك مرافِق يستطيع أن يعيش بها وتعينه على حياته؟ إطلاقا..
فكان مما هيأ الله لهم من أمرهم مِرفَقا ومَرفِقا أن ضرب على آذانهم فناموا طول هذه المدة، لو لم يناموا هذه المدة أما كانوا يحتاجون إلى ما يرتفِقون به، وما يَرتفِقون عليه؟
ولذلك الله تبارك وتعالى يخبرنا أنهم أول ما بُعثوا تساءلوا فيما بينهم ثم بدأوا يفكرون في الارتفاق. أول الارتفاق يريدون طعاما لكي يقيمون به حياتهم (فقالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) إذن من تهيئة المِرفَق لهم أن ضرب الله على آذانهم وأنامهم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٩)
                                        3⃣

ولذلك إذا أراد الله تيسير أمرك لا تسأل كيف، لا تقل كيف سيكون هذا.
الله تبارك وتعالى يوقف أنظمة معمول بها في المجتمع لأجل أن تنفُذ مشيئته في عباده. وأنتم ترون ما يحدث للعالم كله في هذه الأيام، عندما أراد الله جل وعلا أن يدلل على أنه وحده يملك هذا المُلك، ويملك إدارة هذا الكون هل أتى بدبابات وصواريخ وآلات ثقيلة يهدد بها المكذبين؟ إطلاقا.. وإنما أرسل هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة.
طيب إذا كان الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة فما باله لحق بالمجتمع المؤمن؟
لحق بالمجتمع المؤمن ابتلاءا ليُمحصهم الله تبارك وتعالى، تمحيصا للعباد فيُقر المقرون بقدرة الله جل وعلا، ويُقر المنكرون سابقا إذا أقروا بذلك لله تبارك وتعالى، أو ليبقى كل واحد منهم على إنكاره.
إذا (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و (مَرفِقا) ما تحتاجونه من أدوات تساعدكم على الحياة يهيئها الله لكم.
هم في الكهف، والكهف مكان في داخل الجبل فماذا سيفعلون؟ وكيف سيتصرفون؟ ومن أين يأتون بطعامهم؟ ومن الذي سيأتيهم بالطعام؟ الحياة وممارسة الحياة تحتاج إلى ذلك، فمن تهيئة المرفق أن ضرب على آذانهم في الكهف سنين عددا، أنامهم حتى لا يحتاجون هذه المرافق ولكي يصدُق قول الله تعالى (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و(مَرفِقا)، (مِرفَقا) آلة الارتفاق ذاتها، أدوات الارتفاق. والمَرفِق المكان الذي ترتفقون فيه. إذا آلة ارتِفاق ومكان ارتفاق.  وهذا أيضا من بلاغة القراءات أن لكل قراءة دلالة في المعنى. هذا معنى (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و (ويهيئ لكم من أمركم مَرفِقا)
حسنا.. عندما أمرهم الله تبارك وتعالى بأن يأووا إلى الكهف، أن يعتزلوا هؤلاء الناس الذين يعبدون غير الله حتى لا يُفسدوا عليهم دينهم هل أمرهم أن يفروا إلى مكان أوسع ومكان فيه خدمات أفضل وخدمات أقوى وأماكن مكيفة، وأماكن فيها الخدم وفيها من يخدمهم، ومن ..الخ ؟
أبدا .. أمرهم أن يدخلوا كهفا في عمق الجبل. طيب الذين يدخلون الكهف في عمق الجبل، هؤلاء ألا يفكرون كيف نعيش الحياة؟
هم لم يفكروا في ذلك ثقة ويقينا في الله أن الله قال (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و(مَرفِقا) خلاص الثقة واليقين في الله جعلتهم يوقنون بهذا الشيء.
● الله تبارك وتعالى يرينا أنهم ذهبوا إلى هذا المكان الضيق في الأصل لكن الله تبارك وتعالى وسعّه عليهم قولا وفعلا حين أنامهم.
النائم ينام ولا يدري أين ينام، فهو يعني من الإيمان الذي وقر في قلبه يظن أنه ينام في فيلا، وفيلا مكيفة وقصور وخدم. فأنامهم الله تبارك وتعالى وهذا من تهيئة المِرفَق والمَرفِق لهم.
ومن تهيئة المِرفَق والمَرفِق أيضا أنك ترى الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه.
■ في قوله (وترى الشمس) الخطاب لكل من يصلح للخطاب. وبالتأكيد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بداية لكنه لكل من عنده الأهلية لهذا الخطاب. وبالطبع (وترى الشمس) ما في أحد سيرى هذا لأن هذا الأمر من سنين عدد لكن الله تبارك وتعالى ينقل الصورة أمامنا وكأنها حاصلة الآن، يعني رب العباد ينقل الصورة وكأنها أمام أعيننا الآن استحضارا لهذه الصورة أمام عينيك.
●(وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه)
الله تبارك وتعالى جعل الشمس لا تُسلط عليهم لا عند طلوعها ولا عند غروبها مع أن الشمس تطلع وتدخل هذا الكهف وتبقى فيه في الأصل مدة طويلة إلا أن الله تبارك وتعالى أراد أن يشير إلى أنه حفظ لهم أجسادهم وحفظ لهم حياتهم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٩)
                                     4⃣

( إذا طلعت تزَاورُ)، وقراءة أخرى (إذا طلعت تزّاوَر)، وقراءة ثالثة (إذا طلعت تزوَرُّ) عندي ثلاث قراءات:
(إذا طلعت تزَاورُ) أي جعل الشمس عند بداية طلوعها تميل عن الكهف بشكل هادي (تزاور) يعني تميل وتبتعد بهدوء وليس دفعة واحدة، إذا (تزاور) تميل وتبتعد بهدوء لأنها طلعت لا حرارة فيها قوية فكأنها تَزاوَرُ يعني تميل بهدوء حتى لا تصيب أجسادهم. 
● وقراءة (تزّاورُ) بالتشديد أي تميل وتبتعد بشكل أكثر من تَزاوَر، كأن الله تبارك وتعالى يشير إلى التدرج، أن الشمس بدأت تميل بهدوء في أول طلوعها ثم مالت بشدة أكثر من الأول، حتى لا تصيب أجسادهم.
●وقراءة (تزوَرُ) أي تميل عن الكهف بسرعة.
يعني إذاً بدأت تميل بهدوء ثم بشدة ثم بسرعة أو بقوة، يعني تميل بهدوء وبقوة وبسرعة حتى لا تصيب أجسادهم التي أراد الله أن يحفظها لهم.
من الذي يقدر على ذلك؟ إنه الله تبارك وتعالى. 
هل جعل الشمس لا تشرق على هذا الكهف بالذات؟ أبدا.. الشمس تشرق لكنها لا تُسلط على هذا الكهف ولا على من فيه وإنما تميل بسرعة وتنحدر عنهم.
ولذلك لو أن أحدكم أكرمه الله وأدى فريضة الحج في موسم الصيف ويوم الوقوف بعرفة كان يجلس في خيمة لا فيها تكييف ولا فيها شيء. عندما كانت تشرق الشمس كان البعض من آبائنا وأمهاتنا الكبار لا حل لنا إلا أن نأتي بأكياس ثلج ونضعها على وجوههم وأيديهم، يعني كل حاجّ يمسك بيديه كيس مملوء بالثلج يضعه على وجهه أحيانا ويحاول أن يضع يده على الكيس حتى يشعر باللطف في الجو. فالله تبارك وتعالى حفظ على هؤلاء ألا تشتد الشمس عليهم وإنما تزَاور فتزّاور فتزوَرُ. أرأيتم القراءات الثلاثة وكيف أفادت معنى تدريجيا أراده الله تبارك وتعالى.
● (تزَاوَر) ليست من التزاور، إنما أُخذ منها القول الزور، القول الزور هو: الميل عن الحق إلى الباطل. ففيها معنى الميل. هذا معنى (وترى الشمس إذا طلعت (تزَاوَرُ) و(تزّاوَرُ) و(تزوَرُّ).

✳️ أريد أن ألفت نظركم إلى أن الله تبارك وتعالى أسند الازورار والقرض إلى الشمس. هل الشمس تملك أن تزوَرّ أو تقرض عن أحد أو على أحد؟
هي لا تملك لكن الله تبارك وتعالى أسند لها هذه الأفعال ليقول لك إنها تزوَرُّ وتقرض عنهم بقدرة الله تبارك وتعالى وبأمر الله لها فهي تفعل ذلك دون فعل فاعل. وأنا قلت لكم إن الله تبارك وتعالى يبين كمال قدرته في أنه يجعل الشيء يُفعل به ما يُفعل دون فعل فاعل كما قلت في (ويوم تشقق السماء) وأيضا (إذا السماء انشقت) هي التي انشقت بذاتها ما في أحد يشققها، (إذا السماء انفطرت) (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت) يعني بذاتها ما في أحد عطلها. فسبحان الله رب العالمين عندما يريد شيئا يقول له كن فيكون.

■ قوله تعالى: (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) 
ما معنى (تقرضهم)؟
القرض من القطع والانصراف. (تقرضهم) يعني تعدل عنهم وتتركهم، يعني تجاوزهم لأن (القرض) معناه: مَن قرضَ شيئا أي تجاوزه عن شماله بالذات، تجاوز الشيء عن شماله. فهنا لا تقترب منهم الشمس لا في طلوعها ولا في غروبها. 
● والبعض يقول إن القرض بمعنى أنك تعطي غيرك شيئا يحتاج إليه. ومنه القرض الحسن بالمال ، فكأن الشمس تُقرضهم إياه، يعني تبتعد عنهم قرضا لهم، وإقراضا من الله تبارك وتعالى لهم، يعني هم ليس من حقهم ذلك إنما هي قدرة الله تبارك وتعالى. يعني كأن الشمس تُقرضهم كونها لا تدخل عليهم عند الغروب هذا قرض منها لهم فذلك من قدرة الله تبارك وتعالى أن الله تبارك وتعالى ضبط حركة الشمس على هذه الأفعال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. 
إذا (وإذا غربت تقرضهم) يعني لا تقترب منهم تتجاوزهم عن شمالهم بسرعة.
يعني عند طلوع الشمس كان التدرج، وعند الغروب كان التجاوز بسرعة دون التدرج.
لأن عند الشروق الشمس تبدأ هادئة فتبدأ في الميل والانحراف والبُعد عنهم بحيث تعطيهم قدرا من الشمس لا يضرهم، يعني شروق الشمس في الصباح يعطيهم قدرا لا يضرهم، وعندما تبدأ الشمس في شدة الحرارة تزوَر يعني تميل بسرعة وتتركهم. إنما عند الغروب لا.. عند الغروب الشمس تكون قوية وإذا تدرجت تخف حرارتها فالله تبارك وتعالى جعلها تتجاوزهم بسرعة حتى لا تضرهم.
وهذه كما قال الله تعالى (ذلك من آيات الله)، خلاص (من آيات الله) فكون الشمس عند شروقها وعند غروبها يحدث ذلك فذلك من آيات الله.
ونتوقف عند هذا القدر اليوم. ونكمل بحول الله وقوته في لقائنا القادم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
تدبر سورة الكهف (١٠)
فضيلة الشيخ أ.د/ محمود شمس حفظه الله
#تدبر_سورة_الكهف (١٠)

⇐ من قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِی فَجۡوَةࣲ مِّنۡهُۚ ذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِۗ مَن یَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن یُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِیࣰّا مُّرۡشِدࣰا﴾ [الكهف ١٧]
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٠)
                                           1⃣

توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كفهم ذات اليمين) وبينت القراءات الثلاثة في قراءة (تزاوَر) وهي قراءة التخفيف، و(تزّور) قراءة التثقيل، وقلت إن معنى ذلك أن الشمس عند طلوعها كانت تتدرج في البعد عنهم وعدم تسليط أشعتها عليهم فتبدأ بالتزاور، وهو التباعد الخفيف لأنها تكون بداية الاشعة الشمس غير قوية، ثم (تزاور) تبتعد أكثر، (تزور) تبتعد نهائيا. أما عند الغروب فاستعمل (تقرضهم) وتقرضهم: من قرض، وقرض غير أقرض، يعني أقرض وهو القرض الذي يقرضه الإنسان لأخيه الإنسان، والذي يقرضه لله تبارك وتعالى إذا ما تصدق، أما تقرضهم فهو بمعنى القرض أو أي القطع. فمعنى (واذا غربت تقرضهم) اي تقطعهم وتنصرف عنهم بسرعة، يعني قيل: يا دوب الشعاع يمر عليهم لكنه لا يتوقف دقيقة.
  التزاور من الزيارة، والقرض من القطع والانصراف. فكانت الشمس إذا طلعت تطلع على جانب الكهف ولا تخترق أشعتها، وإذا غربت كانت أشعتها أبعد عن الكهف وهذا كما قال الله تعالى (وهم في فجوة منه) أي في متسع من الكهف من الداخل.
■ ثم قال الله تعالى (ذلك من آيات الله)
آيات الله التي ذكرها الله في القرآن الكريم إما آيات شرعية وإما آيات كونية. 
الآيات الشرعية كآيات القرآن الكريم
والآيات الكونية هو ما يحدثه الله في كونه. ولذلك (ومن آياته أن خلقكم من تراب) هذه آية كونية، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) هذه أيضا آية كونية.
وآية الله الكونية تظهر فيها قدرة الله تبارك وتعالى، فكل آية من آيات الله الكونية لو فكرنا فيها لأدركنا كمال قدرة الله جل وعلا، فهنا عندما قال الله تعالى (ذلك من آيات الله) من آيات الله الكونية أبقى الله هؤلاء أحياء وأنامهم ثلاث مئة وتسع سنين والأرض لم تأكل أجسادهم ، وهذا كله يدل على كمال قدرة الله تبارك وتعالى وهي آية كونية.
وذِكر الله تبارك وتعالى لهؤلاء في القرآن الكريم يُخلّد ذكرهم، يجعل عباد الله يقرءون قصتهم ويعلمون كمال قدرة الله ويتعلمون منها الدروس والعبر، فهي آية من آيات الله كما ذكر الله تبارك وتعالى. ومعنى أنها آية كونية أي أن ما في داخل هذه الآية أمور لا يملكها البشر ولا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى. لا يمكن يقدر على ذلك إلا رب العباد وتلك من آيات الله الكونية في كل الآيات التي نراها.
■ ثم قال بعد ذلك (من يهدي الله فهو المهتد)
ما علاقة هذه الجملة بالقصة أو بما قبلها في سياق الآية؟
نعلم أن الله تبارك وتعالى أرسل للناس أسباب هداية الدلالة والإرشاد وبيّن أن من يأخذ بهذه الدلالة وهي هداية الدلالة والارشاد، الله وحده هو الذي يوفقه لهداية التوفيق والمعونة.
● لو تأملنا أصحاب الكهف هنا أخذوا بالأسباب، وبأسباب هداية الدلالة والإرشاد عمليا أم لا؟
أخذوا بأسباب هداية الدلالة والإرشاد عمليا فكانت منّة الله عليهم بأن وفقهم لهداية التوفيق والمعونة. إذا الذي يهديه الله تبارك وتعالى فهو المهتدي. طيب ومن لم يهديه الله تبارك وتعالى؟
وإذا قلنا كذلك فما ذنب الذي لم يهده الله تبارك وتعالى؟ ما ذنبه؟
الله يهدي من يشاء لكن بشرط أن يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، من لم يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد فلا يلومن إلا نفسه لأن هداية الله تبارك وتعالى التي هي بمعنى التوفيق لا يوفق الله لها إلا من أخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد. أنا أصّلت لهذه القضية سابقا ولا بد أن نعلمها.
ما في علم الله الذي قدره جل وعلا هذا أمر لم يُطلع الله عليه أحدا من البشر، يعني هل هناك أحد من البشر يعلم أنه سيكون من المهتدين أم من غير المهتدين؟ بالطبع لا يعلم.
هل منع الله هداية الدلالة والإرشاد عن أحد من البشر أم أن الرسل أرسلوا الى الناس عامة؟ (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) والنبي صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين والمرسلين بلغ للناس عامة، هل كان يبلغ لفئة دون فئة؟ أبدا، بلغ الجميع لكن العباد منهم من أخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، ومنهم من أعرض عن هداية الدلالة والإرشاد، فطالما أنه أعرض فهو بالتالي لم يوفق لهداية التوفيق والمعونة.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٠)
                                          2⃣   

يعني لما نقرأ في قصة أصحاب القرية التي في سورة ياسين، أصحاب القرية الله تبارك وتعالى أرسل إليهم رسولين إثنين فكذبوهما فعزز الله الإثنين بثالث وكذبوا الثالث أيضا، والرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، ولذلك موضع سورة ياسين بالذات أخّر الله فيه كلمة الرجل التي هي في الأصل فاعل يعني (وجاء من أقصى المدينة رجل) كلمة رجل فاعل للفعل جاء، والفاعل حق الفاعل أن يلي الفعل مباشر، يعني حق الفاعل أن يكون بعد الفعل فلا يؤخرإلا لسبب، إلا لدلالة في المعنى. ولذلك لم يؤخر الفاعل في سورة القصص في قصة موسى عليه السلام قال (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) طيب هنا جاء يسعى، وهناك جاء يسعى. هناك لم يتأخر الفاعل، وهنا تأخر الفاعل، إذا تأخر الفاعل هنا لعلة لابد أن نعرفها. فلِم تأخر الفاعل في موضع القصص (وجاء رجل) وجاء في موضعه؟ لأن المراد هناك من ذكر مجيء هذا الرجل إبراز رجولة الرجل، لأن من الرجولة إبعاد الأذى عن أخيك، يعني تقديم رجل في موضع سورة القصص يعطينا درسا مهما جدا وهو: أن رجولة الرجل تجعله يسعى لإبعاد الأذى عن إخوانه، فما بالنا بمن يسعى لإلحاق الأذى بإخوانه؟ يعني أصبح هناك من يسعى لإلحاق الأذى، إذا رجولة الرجل لأنه جاء يسعى (قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) ثم وجه له أمرا صريحا، أنظروا إلى رغبته في إبعاد الأذى (فاخرج إني لك من الناصحين).
لكن في قصة أصحاب القرية المراد والدلالة أن الله جل وعلا أخر الفاعل وهو كلمة رجل ليقدم عليه (من أقصى المدينة يسعى) وهو المتعلق بالرجل ليشير إلى أن هذا الرجل جاء من مكان بعيد. ما معنى جاء من مكان بعيد؟ يعني أنه لم يلتقِ بالرسل لكنه سمع بهم، الذين التقوا بالرسل وحاوروا الرسل هل آمنوا؟ لم يؤمنوا. والرجل الذي بمجرد سماعه بهم هذا الرجل اخذ بأسباب هداية الدلالة، فلما أخذ بأسباب هداية الدلالة وفقه الله لهداية التوفيق والمعونة.
إذا (وجاء من أقصى المدينة رجل) لماذا تأخر الفاعل هنا؟ إشارة إلى أن المكان الذي جاء منه مكان بعيد، بُعد المكان، اهتمامه بالدعوة كأن الدعوة إلى الله لا تتطلب قربا، ولا تتطلب قربا من رسل الله، هذا الرجل لم يلتق بالرسل والذين التقوا بالرسل لم يؤمنوا وجادلوهم وقالوا إنا تطيرنا بكم.
فهنا (من يهدي الله فهو المهتد) علاقتها تبين لنا أنك إن أخذت بأسباب هداية الدلالة وفقك الله لهداية التوفيق والمعونة وهداك الله تبارك وتعالى فتدخل في (من يهدي الله) إذا أنت الذي تأخذ بالأسباب، انت الذي تأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد.
قضية البحث عن مخرج للتنصل من المسؤولية هذه قضية قائمة الناس يلجؤون لها، يعني بعض الناس يقول لك لو أن الله قدر لي الهداية أما كنت اهتديت؟ ماذا تقول له؟ وهل أنت علمت قدر الله فيك فمن أجل ذلك لم تهتدي ولم تأخذ بأسباب هداية الدلالة؟ يعني هناك هداية الدلالة هل أنت أخذت بها؟ وهل اطلعت في علم الله أنك من الضالين؟ أنك ممن لن يهتدوا؟ أنت لا تعلم، فكان عليك أن تأخذ بأسباب هداية الدلالة حتى يوفقك الله لهداية التوفيق والمعونة.
إذا علاقة (من يهد الله فهو المهتد) علاقتها هنا: بعد أن ذكر الله باسم الإشارة (ذلك من آيات الله) أن هؤلاء أصحاب الكهف أخذوا بالأسباب وبأسباب هداية الدلالة عمليا، فلما أخذوا بأسباب هداية الدلالة عمليا بعد ذلك وفقهم الله لهداية التوفيق والمعونة.
أسباب هداية الدلالة:
أولها: الإيمان اليقيني بأن ما جاء به رسل الله هو وحي من الله ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.
هذه أول خطوة في هداية التوفيق والدلالة.
بعد ذلك تبدأ في تنفيذ ما جاء به  رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوامر تتبعها، نواهي تجتنبها.
︎هل أنت تملك أن توفق نفسك لهداية التوفيق؟ أنت لا تملك، لكن تملك أن تأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، وبعد ذلك يوفقك الله لهداية التوفيق والمعونة.

--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٠)
                                        3⃣

ولذلك لو تناقشتم مع بعض الناس الذين عاشوا فترة من الزمن وهم بعيدون عن الله، يعني كانوا في فترة من الزمن مجرد مسلم بالبطاقة هل جاءته هداية التوفيق هكذا نزلت عليه من السماء أم هو يبدأ يستيقظ ويبدأ يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد أولا. يعني بداية الطريق أنه يبدأ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد. منها مثلا - وخاصة إذا كان هو في الأصل مؤمن - منها مرافقة أهل الطاعة ومرافقة أهل الصلاح  - وستأتينا الآن بعد قليل - يعني إذا قلنا إنه كان في إهمال كبير لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الخطوة الأولى أن يلغي هذا الإهمال من حياته ويبدأ في الأخذ بالأسباب، ثم يبدأ بأن يهجر أصدقاء السوء وينبغي عليه أن يرافق الصالحين والصحبة الصالحة.
وتكلمت سابقا عن دوركم أنتم  وكل من وفقه الله لهداية التوفيق والمعونة، وأنا قلت إن تبارك وتعالى جعل أسباب النجاة من الخسران التي في سورة العصر التواصي بالحق والتواصي بالصبر. وأسباب النجاة من الخسران أربعة، معنى ذلك أن نصف أسباب النجاة من الخسران نصفها في نقل الخير للغير، في أنك تأخذ بيد الغير والدعوة العملية التي تكلمنا فيها، هناك دعوة عملية وهي أن ترافق هذا الإنسان الذي مال قلبه إلى الخير، ترافقه يا فلان أو يا فلانة تعال معي عندنا محاضرة الليلة، تعال راجع لي جزئين من القرآن، تعال سمّع لي هذا الجزء من القرآن. يعني لا تأخذه من البداية وتقول له تعال أعلمك وتقرأ عليا وأحفظك القرآن، خذه تدرج معه بحيث تقول له تعالى اسمع مني، أنا أريد أن أتعلم منك وبحسب نفسيته تتصرف.
(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) 
الله يضلل من يشاء من عباده، فإذا كان يضلل من يشاء فما ذنب الذين أضلهم؟
لا.. نحن نأتي بالقضية من بدايتها وهو أرسل الرسل وأنزل الكتب، وهداية الدلالة هداية عامة لجميع الناس لكن هؤلاء لم يأخذوا بأسباب هداية الدلالة، وطالما لم يأخذوا بأسباب هداية الدلالة فهم ضلوا، وطالما أنهم ضلوا، وحتى لا يظنوا أنهم هم الذين تجرؤوا على الله وضلوا الله يقول لهم لا.. أنتم ترغبون في ذلك فالله تبارك وتعالى وجد منكم أنكم لم ترغبوا في هذه الدلالة وهذا الإرشاد فأنتم الآن الله تبارك وتعالى يُضلكم حتى تعلموا أن الله جل وعلا هو الفعّال لما يريد.

حذف الياء في كلمة (المهتد) وإثباتها
هي وإن كانت محذوفة رسما إلا أن بعض القراء يثبتونها، وهي ثبتت رسما وثبتت قراءة في آية سورة الأعراف (من يهد الله فهو المهتدي).
قضية الرسم العثماني والإثبات والحذف هل له دلالة في المعنى؟ أنا تكلمت في هذه القضية كثيرا. وأظن يكون يعني من الأفضل أن نجعلها في محاضرة مستقلة -إن شاء الله- لكي أعطيكم المعنى المراد والمقصود ونفهم جيدا قضية الحذف والإثبات الرسم العثماني وعلاقته بالمعنى لأنها قضية خلاف بين العلماء، هل الرسم العثماني له دلالة في المعنى.
لو أردنا أن نأصل لتلك القضية من البداية نقول: القرآن الكريم نزل مقروءا أم نزل مكتوبا؟ يعني قُرئ ثم كُتب؟ أم كُتب ثم قرئ؟
ج: القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد في العالم الذي قرئ ثم كُتب. يعني أي كتاب يُكتب ثم يُقرأ. القرآن الكريم لا.. قرئ ثم كُتب. ومن هنا سننطلق إلى بيان هذه القاعدة وإن شاء الله سأوضحها لكم.
︎ (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)
(فلن تجد له وليا) يعني ناصرا ولا معينا لأن الله تبارك وتعالى مولى الذين آمنوا (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم).
(وليا مرشدا) المرشد: هو الذي يبين للحيران وجه الرَشَد، ووجه الرُّشد. الذي في حيرة الله تبارك وتعالى هو الذي يبين له وجه الرُّشد ، ووجه الرَشَد. وجاءت هنا في هذا الموضع بالذات (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أن هؤلاء أصحاب الكهف الله تبارك وتعالى أرشدهم وأعانهم ووفقهم بعد أن أخذوا بكل أسباب هداية الدلالة، الله هو الذي قال لهم (فأووا إلى الكهف) وطمأنهم بأنكم إذا أويتم إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، وينشر لكم أنتم خصيصا، يعني ينشر لكم رحمة خاصة بكم، (وينشر) نشر الرحمة لتشمل جميع أجسادهم وتشمل المكان الذي هم فيه، بل شملت الكلب الذي صاحبهم، يعني كلب رحمة الله تبارك وتعالى شملت هذا الكلب.
وهذا يدل على درس مهم جدا وهو:
أن صحبة الأخيار فيها فوائد عظيمة، المهم أن يصاحب الأخيار ولا يحاول ولا يفكر في أن يفسدهم، ففيه واحد يصاحب أخيار محاولا إفسادهم بأن يقلل من فعلهم، يقلل من عملهم. 
تأملوا هذا الكلب يعني رب العباد يصف لنا الكلب (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) باسط ذراعيه كجلسة الكلب العادية.
والوصيد هو: مدخل الكهف. كأنه لم يقم ولم يتحرك. طيب هذا الكلب يحتاج إلى طعام فهل أنامه الله كما أنام هؤلاء؟ بالتأكيد. وكان حماية لهم بدلا من أن يقوم ويعتدي عليهم، كان حماية لهم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٠)
                                     4⃣

(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) يعني معينا أو دالا له على طريق الحق والصواب لأن الله أضله وهو لم يأخذ بالأسباب، ولذلك تقريبا لا يوجد في القرآن كله (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) إلا ها هنا لأن الله تبارك وتعالى كما أخذ هؤلاء بأسباب هداية الدلالة عمليا أرشدهم عمليا أرشدهم وأعانهم ورفع شأنهم وذكرهم في كتابه الذي يتلى إلى ما شاء الله.
(ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)
هل تقليبهم كان للمحافظة على أجسادهم؟
  البعض من المفسرين قال ذلك.
لكن يعجبني من المفسرين من يقول: لا، يعني ليست قضية المحافظة على الجسد، لأن الله تبارك وتعالى الذي حفظ أرواحهم وأعادها لهم بعد ثلاثمائة سنة وجعلهم كالنائمين وأعطاهم الحياة مرة أخرى أليس بقادر أن يحفظ لهم أجسادهم؟ فيقولون تقليبهم كان إكراما لهم وتقديرا ورفعة لشأنهم، ولذلك يستدلون بأنه لو كانت القضية حتى لا تأكل الأرض أجسادهم أما كان ينبغي أن يُقلب الكلب كذلك معهم؟ 
يعني تقليب الكلب لم يذكر الله أن الكلب كان يُقلب وحفظ الله جسد الكلب. 
إذا يبين الله التقدير والمكانة والرفعة للإنسان عندما يقلب. أنا أقولها عندما يقلب أصحاب الكهف ولا يقلب الكلب.
يعني أقرب لكم المعنى وأسأل الله أن يغفر لي ولكم.
الأم التي نام أطفالها وأطالوا في النوم ماذا تفعل؟ يعني هي تريد أن تطمئن عليهم فتحنوا عليهم فتتفقدهم.
وربنا الرحمن الرحيم جل وعلا الذي أرشد هؤلاء، هو الذي أرشدهم، فطالما أرشدهم فهو حفظ أجسادهم بداية ونهاية وإكراما ورفعة لشأنهم كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. لأن القضية لو كانت يقلبهم حتى لا تأكل الأرض جسدهم، إذا لماذا لم تأكل الأرض جسد الكلب؟ هل رب العباد قال يا أرض لا تأكلي جسد الكلب وكلي جسد هؤلاء. 
يعني تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال رفعة واهتمام وعناية واحتواء، رحمة الله بعباده.
إنما حِفظ الأرض لأجسادهم هذه لا تحتاج فرب العباد بين الأخذ بالأسباب من البداية أنهم دخلوا الكهف وجعل الشمس تزاور وتقرض ولا تأتي عليهم.. وكذا. وهذه آية من آيات الله، فمن إكرام الله له أنه يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال.
وهنا نفهم لماذا قال الله هنا بالذات (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أرشدهم عمليا.

■ بعد ذلك يقول الله تعالى:
(وتحسبهم أيقاظا وهم رقود)
هم كانوا رقود أم كانوا نائمين؟ وبالطبع هناك راقد وهناك نائم. والله تبارك وتعالى عندما ذكر (ونقلبهم) قال (ذات اليمين وذات الشمال) يعني على الجنب اليمين شوية وعلى الشمال شوية، فقالوا لأن الذي ينظر لهم يظن أنهم أحياء فأجسادهم كما هي.
وقيل: إن عيونهم كانت مفتوحة. 
وقيل: إنهم كانوا يفتحون عينا ويغمضون الأخرى. وقيل: ...
يعني المهم نريد أن نقف عند إخبار الله تبارك وتعالى، الله أخبر وقال (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) الكيفية واضحة. 
لم يرهم أحد بدليل (لو اطلعت عليهم) وأنا قلت قبل ذلك أن (لو) من أدوات الشرط التي تستعمل في الشرط الافتراضي.
فيه شرط عندنا أسلوب الشرط الافتراضي الذي هو على سبيل الافتراض، (لو) هو الحرف الوحيد الذي يستعمل للشرط الافتراضي وورد في القرآن.
فقال الله (لو اطلعت عليهم) يعني الاطلاع عليهم لم يحدث.
فالمهم  (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) لأنه لو قال وهم نائمون، طب كيف "وهم نائمون" "وتحسبهم أيقاظا" إنما يعني من يراهم يظن أنهم أيقاظ لأن الإنسان قد يرقد، وقد يكون نائما.
النائم هو الذي أخذه النوم وغاب عن الإدراك الخارجي، مع إن  النائم يدرك، والنائم يستمع أحيانا في الغالب، يعني النائم يسمع لكلام المتكلم الذي يتكلم بجواره ولذلك احذروا فلا ينبغي أن تظنوا أن النائم لا يسمع، لا إنه يسمع، بدليل أن الله تبارك وتعالى عندما أراد أن ينيم أهل الكهف في هذه المدة ضرب على آذانهم، يعني عطل حاسة السمع. ولذلك لو أحد نائم وأردت أن توقظه أما تنادي عليه؟  تنادي ويسمع ويرد عليك ويستيقظ، والمنبه الذي نضعه يسمعه النائم.
اذن (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أتوقف ها هنا اليوم، ونكمل بحول الله و قوته في لقائنا القادم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١١)
                                           1⃣

توقفت في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا* وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) 
هنا في قوله تعالى : (وتحسَبهم) قراءتان:
●قراءة بفتح السين (وتحسَبهم)
●وقراءة أخرى بكسر السين (وتحسِبهم).
بفتح السين يكون ماضيها حسِب يحسَب وتكون بمعنى يظن، فيكون المعنى: وتظنهم أيقاظا وهم رقود. 
● والقراءة الأخرى - بكسر السين-  الماضي حسَب يحسِب، بمعنى يعُدّ فيكون المعنى: وتعدُّهم أيقاظا وهم رقود. 
وبالطبع هناك فرق في المعنى بين القراءتين:
● فالتي بمعنى تظن تفيد أنك تشك في ذلك ولا تملك اليقين.
●إنما (وتحسِبهم) التي بمعنى تعدُّهم فيها دلالة على يقينك من ذلك، ودلالة على أن الذي يطّلع عليهم ويراهم وهم رقود يظن أنهم يقِظون وفي حال اليقظة.
إذا في قوله تبارك وتعالى (وتحسَبهم أيقاظا وهم رقود) اليقِظ ضده النائم فلماذا كان التعبير بقوله (رقود) ولم يقل "وهم نائمون"؟
لأنه لو قال على قراءة (وتحسِبهم أيقاظا) يعني تعدُّهم أيقاظا وهم رقود، ولو قال "وهم نائمون" فسيكون هناك تناقض بين المعنيين كيف أعدُّهم أيقاظ وهم نائمون في نفس الوقت!! لأن الراقد قد يكون نائما وقد يكون غير نائما، فلكي يتناسب معنى (وتحسَبهم أيقاظا) قال الله (وهم رقود) لأنك تظن من تقليب الله لهم ومن كون أعينهم مفتوحة -كما يقول بعض المفسرين- أنهم أيقاظ، فالله تبارك وتعالى عبر بالرقود ولم يعبر بالنوم.

🏷 ثم بعد ذلك قال الله:
(ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)
(ونقلبهم) يبدأ الله المضارع (نقلب) بالنون الدالة على التعظيم لله سبحانه وتعالى ليُسند فعل التقليب لذاته العلية. ويستفاد من استعمال المضارع بنون التعظيم أن التقليب إنما كان إكراما وتقديرا لهم وليس كما يظن البعض أنه كان لسلامة أجسادهم، لأن الله تبارك وتعالى قادر على حفظ أجسادهم دون أمر هذا التقليب. فالتقليب كان إكراما وتقديرا لهم ولو كان لسلامة الأجساد لكان التقليب للكلب أيضا، لكن الكلب لم يُقلَّب ومع ذلك (باسط ذراعيه بالوصيد) يعني لم يتأثر جسده بشيء، فالتقليب من باب أولى أن نجعله إكراما وتقديرا. ويستفاد الإكرام والتقدير من التعبير بنون التعظيم لله تبارك وتعالى، فالله تبارك وتعالى هو الذي يقلبهم بنون التعظيم لله تبارك وتعالى.
و(ذات اليمين وذات الشمال) يعني ناحية اليمين وناحية الشمال.
وقلت إن ذلك إكراما لهم لأن هناك قرائن في الآية الكريمة تدل على معان لابد أن نفهمها.
يعني في الآية التالية التي ستأتي بعد ذلك الكل يقول إن قوله (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) هل الإنسان الذي يطلع عليهم يولي منهم فرارا نظرا لشكلهم المُرعب الذي هم عليه بسبب طول المدة وبسبب تغير وطول شعورهم وطول لحيتهم و...الخ كما يقول البعض. لأنهم ثلاثمائة سنين وتسعة بالتأريخ الهجري.
طيب عندما نقرأ في قول الله تعالى (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم)
طيب هم قالوا (لبثنا يوما أو بعض يوم) أليس هذا يدل على أن الذي أجاب بذلك لأن أطول مدة ينامها الإنسان هي اليوم أو بعض اليوم.
لكن ألا يدل ذلك على أنه لم يحدث تغير في شكلهم وفي ذواتهم أمامه؟
يعني الذي قال لبثنا يوما أو بعض يوم لو كان هناك تغير لدرجة الرعب في ذواتهم وفي شكلهم ما كان قال (لبثنا يوما أو بعض يوم) إنما كان سيدل ذلك على أنه رأى هذا التغير، لكن هذا يدل أيضا على أنهم لم يتغير شكلهم ولم تتغير ذواتهم.
ولذلك عندنا في الآية التي ذكرها الله أيضا في بيان كمال قدرته على البعث في العزير، الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم) لماذا قال (لبثت يوما أو بعض يوم) والله قال بل لبثت مئة عام؟
هنا رد من الله على قوله على (لبثت يوما أو بعض يوم) فالرجل يقول لبثت يوما أو بعض يوم، والله قال له بل لبثت مئة عام، والله تبارك وتعالى بين دليلا على صدق قوله وهو الذي جعله يقول ذلك، وبيّن دليلا يدل على أنه لبث مئة عام. فالطعام الذي كان يحمله الرجل وجده بحاله كما هو، الحار حار والبارد بارد، فبالطبع إذا كان الطعام لم يتغير بل وجد الطعام الذي كان حارا وجده حار كما هو فهذا دليل على أن الشيء لم يتغير. وهل أخبر الله تبارك وتعالى أن الطعام كان هناك من يوقد عليه نارا حتى يجعله حارا كما هو؟ أبدا. 
ثم قال له (أنظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس) فالحمار الذي عقلا لا يهلك بسرعة يعني يأخذ وقتا طويلا ومع ذلك وجده قد هلك. فالشيء الذي لا يستغرق إلا سويعات ويفسد بقي المئة عام ولم يفسد، لأن الله تبارك وتعالى القادر على كل شيء، والله تبارك وتعالى هو الذي يملك الزمن وهو الذي يملك المكان وهو القادر على التغير من عدمه جل وعلا.