تفريغ محاضرات تدبر سورة الكهف/ د. محمود شمس
14 subscribers
46 links
تفريغ محاضرات تدبر سورة الكهف / د. محمود شمس
Download Telegram
#المحاضرة_السادسة (١)

توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى
 (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)
هذه الجملة أو هذه الآية الكريمة بداية الحديث عن قصة أصحاب الكهف.
وعلاقة هذه الآية أو مناسبتها لما قبلها:
أن ما قبلها (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) ونعلم أن المشركين الذي دعاهم للتكذيب بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو إنكارهم للبعث والحساب والجزاء، فهم كانوا يرون أن هذا من المُحال أن يبعث الله العباد بعد أن تكون عظاما، والعظام يُفتت ويبلى ... إلخ، وكيف يحييهم الله تبارك وتعالى، فكانوا يرون أن هذا من باب الاستحالة، فلما كان هذا هو شأنهم، فالله تبارك وتعالى ذكر قصة أصحاب الكهف للدلالة على أن الله تبارك وتعالى قادر على البعث والحساب والجزاء، لأنه أنامهم فترته طويلة من الزمن ثم بعثهم مرة أخرى، وهذا يدل على كمال قدرة الله تبارك وتعالى في ذلك، فيبدأ الله الآية الكريمة بقوله (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا).

🔖 في قوله (أم) هذه يسمونها أم المنقطعة التي تكون بمعنى (بل)، و(أم) المنقطعة التي تكون بمعنى (بل) يكون ما بعدها غالبا همزة استفهام أو استفهام يُفهم به المراد من ما بعدها، فيكون التقدير هاهنا (أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا من بين آياتنا) يعني أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا أعجب من بقية الآيات، هناك آيات كثيرة أعجب بكثير من قصة أصحاب الكهف، بل هناك آيات في الإنسان نفسه أعظم دلالة على قدرة الله تبارك وتعالى، ولذلك لفت الله الأنظار إلى ذلك عندما قال (وفي أنفسكم) الإنسان في داخل نفسه كون آخر، كون كامل. هل تعلمون أن كل عضو في داخل الإنسان له درجة حرارة مختلفة عن الآخر، يعني ليست الأعضاء في درجة حرارة مستوية فيها، يعني الكل سواء، أبدا، هناك أعضاء درجة حرارتها لا تقل عن 40 درجة، وهناك أعضاء أخرى تتفاوت بين الارتفاع وبين الانخفاض، وهذه قدرة الله تبارك وتعالى، يعني الإنسان وهو نائم من ذا الذي  يحرك هذه الأعضاء التي بداخلك وتعمل ليل نهار؟ يعني أنظر قلبك يعمل، ومعدتك تعمل، والكلى تعمل والكبد يعمل و...، عالم آخر، والإنسان لا يشعر بدلالة قدرة الله على أحواله إلا عندما يفقد هذه النعم. يعني كثير من النعم نعيشها دون أن ندرك أن تلك النعمة من الله تبارك وتعالى، وأفضل دليل على ذلك ما أدركناه بعد أن رأينا هذا الفيروس الذي أصاب الله به العالم، يعني من منا كان يعُدّ خروجه وقت ما يشاء، وعودته إلى بيته وقت ما يشاء نعمة من الله تبارك وتعالى؟ هل كان أحد يشعر بذلك؟ هل كان أحد يشعر أنه يخرج ويأتي ويتحرك، ما أحد كان يشعر أن ذلك نعمة من الله تبارك وتعالى. ففي داخل الإنسان نِعم كثيرة متعددة، بل كون كامل أعظم وأعجب من آيات أصحاب الكهف وهذا هو الذي أراده الله هاهنا: أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا أعجب آية ولا يوجد أعجب منهم؟ أبدا، هناك آيات أعجب من هذه الآية.

( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم)
الكهف: شق متسع الوسط في جبل، وإذا كان ضيقا فيكون غارا، يعني الفرق بين الغار وبين الكهف أن الكهف أوسع من الغار، والغار أقل في السعة من الكهف.
وما معنى الرقيم؟
الرقيم من الرَّقم وهو الكتابة. قيل إن أصحاب الكهف كان معهم كتاب أخذوه معهم إلى كهفهم وكتبوا فيه ما كانوا يدينون به من التوحيد، وأنهم فروا إلى الكهف بدينهم، فرارا من الملك الظالم الجبار. وذكروا في هذا الكتاب الأسباب التي أدت إلى فرارهم بدينهم. وهذا هو معنى الرقيم، لأنه من المرقوم، مرقوم يعني: مكتوب فيه كما قال الله تعالى في آية أخرى (كتاب مرقوم).
(كتاب مرقوم) كتاب الفجار الذي هو فيه سجين وكتاب الأبرار الذي هو في عليين. فمعنى مرقوم يعني مكتوب فيه أحوال أهله، فكتاب الفجار٨ مكتوب فيه مدى خبثهم. وكتاب الأبرار مكتوب فيه مدى براءتهم وعلاقتهم بالله.
● وبالمناسبة: هناك كلمات في القرآن الكريم تتشابه مع بعضها والفرق بينهما حرف مفخم يقابله حرف مرقق، يعني (مرقوم) بالقاف يقابلها (مركوم) بالكاف، الفرق بينهما هو التفخيم والترقيق، التي بالكاف من التراكم يعني عندما كانوا كما يقول الله (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) مركوم: يعني متراكم بعضه على بعض، لأن الركام صفة للسحاب كما قال الله تعالى (ألم ترى أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما). وفيه (محظور) و (محذورا) وفيه (عسى) و (عصى) ، وفيه (يسحبون) بالسين و (يصحبون) بالصاد (لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون) ...الخ وهكذا كلمات في القرآن الكريم يكون بين الكلمة والأخرى حرف مفخم وحرف مرقق فينتبه لذلك.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkahf
#المحاضرة_السادسة (٢)

■ قوله (كانوا من آياتنا عجبا)
(عجبا) مصدر وأصله هنا: كانو من آياتنا العجيبة، يعني أصل عجبا هي العجيبة لكن التعبير بالمصدر فيه دلالة على المبالغة، دائما يدل على المبالغة يعني: كانوا من آياتنا أمرا عجيبا. وكما قلت إن هناك آيات لله في الكون أعجب من هذه الآية. ونعلم أن اليهود هم الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال لكن عن طريق واسطة.
إذا (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) نعم خلق السماوات والأرض والجبال أكبر من ذلك بكثير.

🏷 بعد ذلك يذكر الله تبارك وتعالى تلك القصة:
(إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداإِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)) 
أولا: هذه القصة نجد رب العباد ذكرها إجمالا في هذه الآيات يعني تقريبا ثلاث آيات ذكر فيها ملخصا للقصة كاملة بعد أن قال (فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) قال (فضربنا على أذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا)  إذا هذه القصة ذكرها الله إجمالا ثم ذكرها تفصيلا، وهذا يدل على إعجاز القرآن الكريم من زاوية أن القصة عند أهل الدنيا لا تعرف هذا الأسلوب، حتى إن أهل القصة في الدنيا الآن يحتجون على قصص القرآن ويقولون إن قصص القرآن غير خاضع لضوابط القصة عندنا.
ومن قال لكم إنه سيكون خاضعا لضوابطكم؟ من الذي يقول هذا؟ القرآن الكريم كلام الله وكل كلمة وكل حرف له دلالة لا بد أن تعلموا هذا. فمن المآخذ أنهم قالوا إن القصة في قصة أصحاب الكهف ذكر الله القصة إجمالا، ثم ذكر التفصيل وهذا غير موجود عندهم.
ثانيا: يقولون في قصة أصحاب الجنة أن الله ذكر النتيجة قبل أن يسرد القصة، والنتيجة عندهم كما تعلمون تكون آخر شيء في القصة، الله، قال (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) هذه النتيجة ثم بدأ يصد القصة بعد النتيجة، فهم يرون أن القصة في القرآن الكريم لا تخضع لضوابطهم في قصتهم. حسنا هي لا تخضع لكم أنتم الذين ينبغي أن تخضعوا لها.

🔖 إذن (إذ أوى الفتية إلى الكهف) 
(إذ) هنا إما:
● أن يكون متعلقا بالفعل (كانوا) في الآية السابقة (كانوا من آياتنا عجبا) وبدأ يبين هذه الآية التي كانت هي أصحاب الكهف (إذ أوى الفتية)
● وإما أن تكون مفعولا لفعل محذوف تقديره (أذكر) فتكون الجملة استئنافا بيانيا.
والاستئناف البياني إجابة على سؤال مقدر، يعني عندما سمع السامع قول الله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) فكأنه سأل ما قصة أصحاب الكهف؟ ومن هم أصحاب الكهف؟ وماذا فعل أصحاب الكهف؟
كل هذا ممكن نقدر منه سؤالا، فيذكر الله تبارك وتعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف).

معنى أوى إلى المكان يعني: جعل المكان مسكنا، ولذلك (فإن الجنة هي المأوى) المأوى هو المسكن، فهنا أووا إلى الكهف معنى ذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر أنهم جعلوا الكهف مسكنا.

🔖في قوله (إذ أوى الفتية) ذكر كلمة الفتية اسما ظاهرا وهي يصح أن يكون هنا ضمير: إذ أووا إلى الكهف، لأن الآية السابقة ذكرت أصحاب الكهف (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) فالدخول في القصة إذ أووا إلى الكهف، فلماذا ذكر الله الفتية ولم يذكر الضمير فقط؟
ج: (الفتية) جمع قلة لفتى، يعني كلمة فتى جمع القلة فيها فتية، وجمع الكثرة فِتيان، ولذلك وردت في سورة يوسف في قراءتين (وقال لفتيانه اجعلوا)، (وقال لفتيته اجعلوا) إذن الفتية هم جمع قلة يعني كان عددهم قليل.
وكلمة (فتى) تعني الشاب المكتمل الناضج عقلا وفكرا، يعني كلمة فتى شاب ناضج كمُل في عقله وكمُل في فكره وفي قوته يعني من الفتوة. 
● وكلمة الفتية ذُكرت هاهنا أيضا للدلالة على أنهم كانوا أترابا، يعني متساوون في سن متقاربة، التِرب هو المساوي، فالأتراب جمع لكلمة ترب، فهم كانوا أترابا يعني متقاربون في السن، وقد اكتملت فيهم أخلاق الرجولة وسداد الرأي والدفاع عن الحق، يعني لديهم القوة في الدفاع عن الحق.
فهؤلاء الفتية أووا إلى الكهف فقالوا: (ربنا آتنا من لدنك رحمة) 
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkahf
#المحاضرة_السادسة (٣)

🔖(فقالوا)  العطف بالفاء يفيد دلالة دقيقة عندنا وهي: أن أصحاب الكهف أخذوا بالأسباب البشرية أولا، يعني قبل أن يلجؤا إلى الله، وقبل أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء أووا إلى الكهف.
معنى أوى الفتية إلى الكهف ثم (فقالوا) العطف بالفاء يفيد هنا ترتيبا، ومعنى الترتيب أنهم أخذوا بالأسباب البشرية أولا، ثم توجهوا إلى الله بالدعاء.
■ والقصص عندما يذكره الله تبارك وتعالى يذكره ليعطينا العبرة، يعني ينبغي أن نعتبر من هذا القصص، فقبل أن تتوجه إلى الله بالدعاء خذ بالأسباب أولا، يعني تأخذ بالأسباب ثم تتوجه إلى الله بالدعاء. لماذا؟ 
لأن الأخذ بالأسباب ينتظر منه نتيجة وثمرة، يعني كل واحد يأخذ بالأسباب ينتظر نتيجة وثمرة للأخذ بالأسباب، فالله تبارك وتعالى يعلمنا أنك تأخذ بالأسباب البشرية ثم تتوجه إلى الله تبارك وتعالى، لأن الله جل وعلا هو القادر على أن يعطيك ويمنحك النتيجة والثمرة، يعني النتيجة والثمرة ليست في الأخذ بالأسباب إنما هي من رب العباد.
وأنا تكلمت قبل ذلك في قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) وقلت إن (وإياك نستعين) أسلوب حصر وقصر يعني لا نستعين إلا بك يا الله.
طيب كيف هذا ونحن يستعين بعضنا ببعض في الدنيا؟ بل إن الله أمرنا بالتعاون قال (وتعاونوا على البر والتقوى) فكيف نوفق بين الحصر والقصر في قوله (وإياك نستعين) وبين أننا يلجأ بعضنا لبعض؟
لأنك كل عمل في الدنيا يتطلب أخذا بالأسباب، وكل أخذ بالأسماء تُنتظر منه ثمرة ونتيجة فأنت تأخذ بكل الأسباب البشرية. لكن لا تنتظر نتيجة، ولا ثمرة من مخلوق، النتيجة والثمرة من الله وحدة تبارك وتعالى. فمعنى الحصر والقصر أنه وحده هو الذي يملك أن يعطيك النتيجة والثمرة.
يعني نحن نذهب للطبيب ويعطينا العلاج ..الخ، هذا من باب الأخذ بالأسباب فقط والطبيب لا يملك شفاء لك ولا يملك النتيجة والثمرة التي قد تأتي من وراء هذا العلاج، إنما النتيجة والثمرة من الله تبارك وتعالى وحده، فأنت تأخذ بالأسباب كلها ثم لا تطلب ولا تنتظر نتيجة إلا من الله تبارك وتعالى، في كل شؤون حياتك النتيجة والثمرة من الله تبارك وتعالى. ولذلك أحيانا الإنسان يأخذ بكل الأسباب البشرية ولا تحصل النتيجة والثمرة بالرغم أنه يكون قد طلبها من الله تبارك وتعالى، لماذا؟
ج: لأنه ركَن إلى الأسباب البشرية، يعني ظن أنه طالما أخذ بالأسباب البشرية فكأن النتيجة بالنسبة له مضمونة، فالله تبارك وتعالى يُعلم هذا الإنسان درسا إياك تتكئ على أسبابك البشرية، الأسباب بذاتها لا تنفعك وإنما لا بد أن تطلب النتيجة والثمرة من الله تبارك وتعالى. 
ولذلك قلت لكم سابقا إن الله تبارك وتعالى عندما يذكر سفينة نوح التي صنعها دائما يسميها فلك، فلك بمعنى أنها ملجأ ومأوى من أهوال واضطرابات خارجية، الناس تلجأ لها بسبب الأهوال والاضطرابات، والله تبارك وتعالى في سورة القمر ذكر أكبر الأهوال والاضطرابات التي كانت في الخارج (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) ومع ذلك قلل من شأن السفينة. وبين أنها ذات ألواح ودسر (وحملناه على ذات الواح ودسر) ذات ألواح خشبية، (ودسر) يعني مسامير أو حبال إذا كانت المسامير لم تكن معروفة، يعني الله تبارك وتعالى يقول. هي سفينة عادية، ولذلك خلي بالكم حتى نفهم القرآن سويا عندما ذكر الله تبارك وتعالى (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) تعرفون لماذا هذا الحوار؟ للدلالة على أن السفينة صنعها نوح كما يصنع أي إنسان سفينة، وجاء هنا وبين أنها ذات ألواح ودسر لكن فيها سر ليس موجودا في غيرها ما السر؟ أنها (تجري بأعيننا)
تجري بأعين الله تبارك وتعالى، وما كان بأعين الله فهو في حفظ الله، إذا قلل الله من شأن السفينة وبين أن فيها سرا. ليعلمنا لا تتكئ على الأسباب، خذوا بكل الأسباب البشرية بحيث لا تتركون سببا واحدا إلا وتأخذون به لكن النتيجة والثمرة لا تنتظرها إلا من الله وكأنك لم تأخذ بأي سبب بشري، يعني وأنت تنتظر النتيجة والثمرة من الله إياك أن يرد في بالك أنك أخذت بكل الأسباب، لا.. أطلب النتيجة من الله وحالك يدل على أنك لم تأخذ بأي سبب مع أنك أخذت بكل الأسباب البشرية.
إذا في قوله تعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا) هذه تعطينا دلالة أنهم لم يتوجهوا إلى الله بالدعاء إلا بعد أن أووا إلى الكهف، يعني خذ بالأسباب أولا ثم توجه إلى الله بالدعاء. إنما واحد مريض وفي البيت نائم يقول أنا أدعو الله تبارك وتعالى وأنا متوكل على الله، لا.. أنت لست متوكلا على الله هكذا، أنت متواكل على الله لأنك لو كنت متوكلا على الله لأخذت بكل الأسباب البشرية أحد جناحي التوكل على الله تبارك وتعالى.
إذن علينا الأخذ بالأسباب ثم نطلب النتيجة والثمرة من الله تبارك وتعالى.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#المحاضرة_السادسة (٤)

فأصحاب الكهف فعلوا ذلك (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) يعني لم يقولوا (ربنا آتنا من لدنك رحمة) إلا بعد إيوائهم إلى الكهف.

س: هل أووا إلى الكهف لمجرد الإيواء؟
 أم أنهم أووا إلى الكهف لسبب معين ولهم غاية؟ الفرار بدينهم من هذا الطاغية المتكبر الجبار، فهم بذلك فروا إلى الله تبارك وتعالى، لأن الإنسان مطالب بأن يفِر إلى الله (ففروا إلى الله) فأنت إذا فررت إلى الله فنِعم الفَرار، ونعم ما فعلت، ونعم ما صنعت.
فالفرار إلى الله نحتاج إليه في هذه الأيام، يا سلام لو أن كل إنسان منا فرّ إلى الله سبحانه وتعالى، هرب من دنياه وهرب من شواغله وجعل نفسه فارا إلى ربه.
●والفرار إلى الله معناه أنك تُخلي قلبك من كل ما يُشغله عن الله، هذه هي الخطوة الأولى في الفرار، فإذا أخليت قلبك من كل ما يُشغله، فأنت بذلك فررت إلى الله تبارك وتعالى، إنما لو كان قلبك مشغولا ومشغولا بأمور دنيا وتقول أنا أعبد ربي وأنا أستقبل شهر رمضان المبارك، أنت بذلك لم تفر إلى الله ولن تنجح في عبادة ربك.
 إذا المطلوب من الإنسان الفرار إلى الله تبارك وتعالى.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#المحاضرة_السابعة (١)

كنا توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) وقلت إنهم أخذوا بالأسباب أولا ثم توجهوا إلى الله بالدعاء.
●وهذا هو الواجب على المؤمن أن يأخذ بالأسباب كلها ثم يتوجه إلى الله بالدعاء، أما لو توجهنا إلى الله بالدعاء وتكاسلنا عن الأخذ بالأسباب فنحن ها هنا كالمتواكلين على الله تبارك وتعالى لأننا لا بد أن نأخذ بالأسباب مع الدعاء لله تبارك وتعالى.
وأيضا عندما طلبوا من الله تبارك وتعالى الدعاء طلبوا قمة أنواع الرحمة (ربنا آتنا من لدنك رحمة) من الرحمة التي هي لخاصة الخاصة.

(وهيئ لنا من أمرنا رشدا)
الرَشد والرُشد في القرآن الكريم:
🔖الرَشد -بفتح الراء والشين- يكون غالبا للأمور الدينية ولا يمنع أن يكون أيضا للأمور الدنيوية، لكن الغالب فيه أن يكون للأمور الدينية (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا)، (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) وهنا أيضا (وهيئ لنا من أمرنا رشدا) فالرَشد هنا طلبهم في الأمور التي تتعلق بالدين ولا يمنع أن يكون في أمور الدنيا. 
●الله تبارك وتعالى بيّن بعد ذلك أنه استجاب دعاءهم فورا (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) الفاء ها هنا تفيد سرعة الاستجابة أن الله تبارك وتعالى استجاب لدعائهم عندما أخذوا بالأسباب وتوجهوا إلى الله بالدعاء، الله تبارك وتعالى استجاب لهم واستجاب لهم بأن حفظهم من هؤلاء القوم الأشرار، وحفظ الله عليهم تمسكهم بدينهم فقال تعالى:
(فضربنا على آذانهم) أي أنمناهم وأغلقنا آلة السمع لأن الأذن هي جارحة السمع، الجارحة التي يسمع بها الإنسان. والأذن في الغالب هي التي توقظ الإنسان من النوم لأن حاسة السمع عندما ينام الإنسان هي تعمل ولذلك لو نادينا على أحد الناس النيام يستيقظ ويقوم، فالله تبارك وتعالى عندما أراد أن يُنيّمهم  هذه الفترة ضرب على آذانهم، وضرب على الآذان حتى يجعلهم ينامون ولا يستيقظون من الأصوات التي تدور حولهم.

ونعلم أن حاسة السمع في القرآن تتأخر عن القلب يعني في قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة)
تتقدم حاسة السمع على حاسة البصر دائما في القرآن الكريم، الحاسة كحاسة، لكن الأذن وهي الجارحة تتأخر عن جارحة الإبصار، يعني في قوله تعالي (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيدي يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) ، وأيضا (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)
السمع كحاسة يتقدم على البصر، والأذن كجارحة تتأخر عن البصر. فما الحكمة في ذلك؟
حاسة السمع تتقدم لأن الطفل يولد وهو يسمع، أما الإبصار الطفل لا يُبصر إلا بعد أسبوع، يعني في الأسبوع الأول لو أشرنا بيدينا أمام عيني الطفل لا يرى شيئا ولا يبصر شيئا، لكنه يسمع من اللحظة الأولى.
السمع أيضا هو وسيلة الدعوة إلى الخير أو إلى الشر، يعني عندما يدعو الإنسان أخاه فإنما يدعوه من طريق السمع.
ولذلك قلت سابقا إن الله تبارك وتعالى عندما ذكر الوعي، والوعي هذا يتعلق بالعقل لأن الوعي فكر وتفكير فهو يتعلق بالعقل لكن الله تبارك وتعالى ذكر الوعي في موضع وحيد في القرآن الكريم وأسنده إلى الأذن قال (وتعيها أذن واعية).

وأيضا هناك سبب طبي آخر في تقديم السمع على البصر، هذا السبب أن مركز الإبصار في الإنسان خلف الدماغ، أما مركز السمع فهو في الجانب الأيسر من الدماغ ولذلك مركز السمع متقدم على مركز الإبصار. واضح.
إذا حاسة السمع كسمع يتقدم للأسباب التي قلتها: 📍رقم واحد أن الطفل يولد به أنه يسمع وهو نائم
📍أيضا أن مركز السمع في الجانب الأيسر من الدماغ أما مركز الإبصار فهو خلف الدماغ من الخلف.
لكن الله تبارك وتعالى عندما يذكر الأذن كجارحة وليست كحاسة سمع، إنما هي ذكرت كجارحة تُذكر بعد العين لأن العين في الأمام والأذن في الجانبين، ففي الترتيب بالنسبة للجوارح البصر مُقدم على السمع ولذلك الأذن تذكر بعد العين.
ولذلك رب العباد عندما أراد لهؤلاء القوم أن يناموا هذه الفترة الطويلة ضرب على آذانهم.

🏷 وهذا يعطينا درسا تربويا مهما:
أن الله تبارك وتعالى عندما يريد لا تسأل أيها العبد كيف سيكون، وكيف سيفعل؟
يعني عندما استجاب لأصحاب الكهف ضرب على أذانهم، هل هم كانوا يتوقعون أن يضرب الله على آذانهم حتى لا يسمعوا وحتى لا يستيقظوا؟ ما كانوا يتوقعون هذا.
فأنت عندما تأخذ بالأسباب ثم تتوجه إلى الله بالدعاء وتكون صاحب يقين وحسن ظن بالله.
فليس المهم أن تدعو الله تبارك وتعالى وفقط، لا، لا بد أن يكون لديك يقين.
وإذا طلبت من الله الرحمة فاطلب قمة أنواع الرحمة وهي من لدنه لأن (لدن) ظرف أقرب من (عند)، يعني فيه (من عندنا) وفيه (من لدنا) الظرف الأقرب هو ( من لدن) والله علمنا أن ندعوه ونطلب منه قمة أنواع الرحمة.

--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#المحاضرة_السابعة (٢)

■ (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) 
كلمة (عددا) نعت لكلمة (سنين) نعت يعني صفة لها، يعني هي بمعنى سنين معدودة.
وكلمة معدودة تدل على أن السنين عددها كثير لأن العدد القليل هو الذي لا يُعدّ، يعني حتى الناس يُعبِّرون عن العدد القليل بعدد أصابع اليد، أما تقولون ذلك، أن الشيء الفلاني بمقدار أصابع اليد أو عدد أصابع اليد يعني قليل، إنما (سنين عددا) معدودة، أي: كثيرة.
وذكرها الله في آية متقدمة في نفس السورة وهي في قوله تعالى (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) تأملوا دقة التعبير القرآني (ثلاث مائة سنين وازدادو تسعا) هل هي ثلاث مائة وتسع سنين؟
س: طب لماذا لم يقل ثلاث مائة سنين وتسعا؟ 
(وازدادوا) تدلنا على أن هناك سرا في الأمر.
ما السر؟
أن المجتمع الذي يعيش فيه أهل الكهف كان عندهم العدد بالعدّ الشمسي - الذي نسميه نحن الآن الميلادي - العدد الشمسي الذي هو العدد الميلادي.
وفي قوله ثلاث (مائة سنين وازدادوا تسعا) إشارة إلى أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم سيكون العدّ عندهم بالعدّ القمري، والتأريخ لهذه الأمة سيكون بالتأريخ القمري.
ونحن عندنا الفرق بين السنة القمرية والسنة الشمسية أحد عشر يوما، وكل مئة سنة يكون الفرق ثلاث سنوات بين السنة القمرية والسنة الشمسية، فلما كانت ثلاث مئة وستزيد على العدّ القمري تسع سنوات، لأن كل مئة يزيد لها ثلاث سنوات. إذا في قوله (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) بيان للفرق بين التأريخ القمري والتأريخ الشمسي.
هذا معنى (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا).

🏷 (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا)
(بعثناهم) البعث هنا بمعنى أنهم كانوا ممنوعين من البعث والتصرف، كانوا نائمين، فلما أراد لهم أن يبتعثوا، وأن يتصرفوا، وأن يتحركوا، أيقظهم من نومهم.
🔖 (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) 
(لنعلم) بالنون الدالة على تعظيم الله سبحانه وتعالى أي: لنعلم نحن.
هل علم الله تبارك وتعالى لم يكن مسبقا؟ 
نعم الله تبارك وتعالى خلق كل شيء فقدره تقديرا، فعلم الله سابق.
إذا لماذا قال هنا (لنعلم أي الحزبين)؟
لنعلم علم وقوع الآن، العلم بوقوع الشيء الآن.
إذا هناك علم أزلي، وعلم لوقوع الشيء وظهوره.

🔖 (لنعلم أي الحزبين)  ما المراد بالحزبين؟ ما الحزبان؟ 
الحزبان هما فريقان:
قيل إن الفريق الأول هم الفتية لأن الفتية عندما سُئلوا لأن الله قال في الآية التي ستأتينا (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) فالفتية يظنون أنهم ناموا يوما أو بعض يوم، لأن اليوم أو بعض اليوم هو أقصى مدة ينامها الإنسان، يعني المعروف عند الإنسان أنه أقصى مدة له ينام يوما أو بعض اليوم، فهم قالوا بحسب فهمهم هذا.
والفريق الثاني: هم أهل المدينة التي يعيشون فيها، لأن أهل المدينة كان لديهم تأريخ اختفاء أصحاب الكهف يعني يعلمون متى اختفوا عن المجتمع. فالله تبارك وتعالى قال (لنعلم أي الحزبين).
وقيل إن الحزبين هنا حزبان كافران، وقيل هما حزبان مؤمنان. لكن القول الذي ذكرته هو الذي يتناسب مع سياق الآيات، أنهم الفتية، وأنهم أهل المدينة التي كانوا فيها. 

🔖 (أحصى لما لبثوا أمدا)
هل (أحصى) هنا أفعل التفضيل؟ لأن أحصى على وزن أفعل. أم هي فعل ماض؟ لأن الله تبارك وتعالى استعمل (وأحصى كل شيء عددا) بالفعل الماضي، وهناك في سورة المجادلة (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه).
فالبعض يرى أنه فعل ماض، قال به بعض المفسرين.
وبعض المفسرين يقول إن (أحصى) هنا أفعل التفضيل.
● طيب إذا كان أفعل التفضيل علام يدل؟ (أحصى) بمعنى ماذا؟
قالوا: يدل على أيهم أتقن للعدد، أو أتقن للسنين، أيهم أكثر إتقانا.
إذاً.. إذا قلنا إنها أفعل التفضيل فتكون بمعنى أيهم أكثر إتقانا للعدد.

🔖 ما معنى (أمدا)؟
قيل عدد ا، وقيل زمنا، يعني عددا من السنوات أو عددا من الشهور، يعني الأمد هو العدد أو الزمن، والزمن أيضا هو عدد.
هذه (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا). 

🏷 هنا الله تبارك ذكر هذه القصة إجمالا في هذه الآيات الثلاث، يعني من أول (إذ أوى الفتية إلى الكهف) إلى قوله (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) هذه هي القصة، ملخص للقصة، ثم ذكر الله بعد ذلك التفصيل للقصة. 
ولذلك أهل القصة في الدنيا يقولون إن هذه القصة مخالفة لضوابط القصة عندهم لماذا؟ 
يقولون إجمال ثم تفصيل!! لا ينفع  فالمستمع عرف القصة إجمالا فلماذا يأتي التفصيل بعد ذلك؟

--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#المحاضرة_السابعة (٣)

نقول لهم إن القرآن الكريم كتاب هداية، ومعنى كتاب هداية أن الله تبارك وتعالى يعطي المعنى الإجمالي للإثارة والتشويق حتى يتهيأ الإنسان لسرد القصة تفصيلا، لأن القصة في القرآن ليست تذكر على سبيل التسالي، ولا تذكر على سبيل السرد التاريخي، لا.. لا هي سرد تاريخي ولا هي للتسالي، إنما هي للاعتبار وللتفكر ولتثبيت الفؤاد.
وهذه القصة لم تُذكر إلا في سورة الكهف، سورة الكهف فيها ثلاث قصص، لم تُذكر إلا فيها:
●قصة أصحاب الكهف. 
●وقصة موسى مع العبد الصالح - مع الخضر-
●وقصة ذي القرنين
لم تُذكر إلا في سورة الكهف.
■ وذكر الله بعد قصة أصحاب الكهف ثلاثة أمور تزحزح اليقين من الإنسان لو أنه لم ينتبه لنفسه.

🔖القصة الأولى: صاحب الجنتين 
هذه القصة تمثل أن الإنسان يأتيه طغيان حب المال في القلب، يطغى حب المال في قلبه، لأن فطرة الإنسان أنه يحب المال، وكونه يحب المال ليس بعيب فيه، إنما العيب يبدأ عندما يُدعى إلى الإنفاق، وإلى إعطاء المسكين طعامه فيتأبى ويمتنع ولا يعطي، هاهنا أصبح المال وحب المال طغيان في قلب الإنسان. وأيضا عندما يطغى المال ويطغى حب المال في قلب الإنسان فإنه لا يفتش من حلال أم من حرام، يعني لا يدقق لأنه كل همه أن يجمع المال بعد طغيان حب المال في القلب.
إذا أول ما يزحزح اليقين من قلب الإنسان طغيان حب المال.

🔖الأمر الثاني: الاغترار بالدنيا.
ولذلك ضرب الله مثلا للحياة الدنيا في هذه السورة وحذف كل المراحل التي تكون في الدنيا، يعني قال (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض) بعدها مباشرة (فأصبح هشيما) وعطفها بالفعل.
هناك مراحل؟ أين هذه المراحل؟ 
الله تبارك وتعالى يختصرها ليعالج القلوب التي اغترت بالدنيا والتي أحبت الدنيا إشارة إلى أنك يوم ولدت أنت ميت، ولذلك أجلُك كُتب قبل أن توجد في الدنيا، وأنت ابن أربعة أشهر.
إذا يوم أن ولدت أنت ميت، انتهت الدنيا مهما طالت، ولذلك رب العباد وهو يتحدث عن الدنيا والموت والبعث ومراحل خلق الإنسان في سورة المؤمنون، يعني بعد أن قال (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة..) الخ الآية قال (ثم إنكم بعد ذلك لميتون* ثم إنكم يوم القيامة تبعثون).
ولو تأملنا سويا لأدركنا الآتي:
أن الله جل وعلا وهو يتحدث عن الموت أكد الإخبار بالموت بكل المؤكدات، فأكده بالجملة الإسمية، وأكدها بـ (إن)، وأكدها بـ (اللام) (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) طب الآن الجملة أو الخبر عندما يؤكد بالمؤكدات الثلاثة لا يخاطب به إلا المُنكر، يعني أنا أخبرك بخبر، متى أؤكد لك بالمؤكدات الثلاثة؟ إذا أنت أنكرت الخبر، لأن مراحل التوكيد تمر هكذا: أنا أخبرك أولا بجملة إسمية فأقول لك أنت ناجح، هذه جملة تدل على الثبوت والدوام، لكنك ما زلت مترددا وعندك شك في كلامي، آتيك بالمؤكد الثاني الذي هو (إن) وأقول: إنك ناجح، ما زال لديك شك لكن الشك الأول يختلف عن الشك الثاني، الشك الأول لأنك كنت خالي الذهن فكان رد الفعل لديك كأنك تشك في كلامي، يعني أنت خال الذهن من قضية النجاح فأنا فاجأتك وقلت لك أنت ناجح،
فردت فعلك أنك كالشك في كلامي، كأنك تشك، أكدت لك بالمؤكد الثاني وما زلت تشك، آتيك بالمؤكد الثالث الذي لا مؤكد بعده، آخر المؤكدات وهو اللام.
هذه اللام كان ينبغي أن تكون في أول الجملة لأنها دالة على التوكيد لكن لوجود (إن) الدالة على التوكيد فسيجتمع معي حرفين للتوكيد (إن) و(اللام) فقالوا لا بد من زحلقة أحد الحرفين، فتمت زحلقة (اللام) وبقيت (إن) في مكانها، ولذلك تسمى اللام المزحلقة.
طيب إذا كانوا بالضرورة سيزحلقون حرفا لماذا لم يزحلقوا (إن)؟
لأنها لها عمل آخر غير التوكيد وهو أنها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، فلو أٌخرت لن تعمل هذا العمل فزُحلقت (اللام).

س: هل هناك أحد من الخلق أنكر الموت؟
الموت لم ينكره أحد، طيب ربنا الآن يخاطب الإنسان بالمؤكدات الثلاثة في الموت، لماذا؟

■ لأن المؤكدات الثلاثة نظرا لحال الإنسان وانشغاله والتهائه عن الاستعداد للموت، يعني نظرا لحالة الإنسان الذي هو في غفلة وغير مستعد للموت أكد الله بالمؤكدات الثلاث، هذا يسمى عند البلاغيين: تنزيل غير المُنكِر منزلة المُنكِر.
لماذا نزله الله منزلة المُنكِر؟ لأنه في غفلة وغير مستعد للموت. 
القسَم ليس من المؤكدات التي تدخل في الإخبار أو الخبر، إنما إذا دخل على الخبر فيكون أكثر توكيدا، إنما التوكيد نفسه: الجملة الإسمية، و(اللام) و(إن) إذا دخلت، ولذلك في قوله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر)  فيه (إن) والجملة الإسمية، وفيه (اللام).

--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#المحاضرة_السابعة (٤)

طيب أتى في البعث بمؤكدين إثنين فقط (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) مع أن الناس منهم من أنكر البعث، والذين أنكروا البعث كان ينبغي أن يؤكد البعث بكل المؤكدات. فلماذا لم يؤكد الله البعث ها هنا؟
حديث القرآن عن البعث مر بمرحلتين في القرآن :
المرحلة الأولى: عرض الأدلة، مخاطبتهم بما يفهمون ومخاطبتهم بالأسلوب الذي يجذبهم لمعرفة كمال قدرة الله على البعث. هذه كانت المرحلة الأولى. ولو أخذنا سورة يونس أنموذجا لتبين لنا ذلك.
المرحلة الثانية: مرحلة اليقين بوقوع البعث ويؤمن من يؤمن ويكذب من يكذب.
فالآية هذه في مرحلة اليقين خلاص البعث واقع وحاصل فليؤمن من يؤمن، وليكذب من يكذب،
والآية التي في سورة سبأ  تؤكد ذلك (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله) أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول الله، الله هو الرزاق. 
الرزق من أسس الربوبية فلماذا قال هنا (الله)؟
لأن الله تبارك وتعالى يشير إلى أن ربكم الذي خلقكم ورزقكم هو المستحق للعبادة وللتوحيد فإذا وحدتموه وعبدتم الله حق العبادة فأنتم بذلك مؤمنون.
إذن الموت باعتبار حال الإنسان نزّل الله الناس وهم غير منكرين نزلهم منزلة المنكرين، والبعث مرحلة تحقيق يقين وثابت وليؤمن من يؤمن، وليكفر من يكفر.

بدأ الله بعد ذلك:
(نحن نقص عليك نبأهم بالحق)
س:  من الذي سيقص على النبي صلى الله عليه وسلم نبأهم؟ 
إنه الله تبارك وتعالى و (نقص عليك نبأهم بالحق) أي بالصدق الذي لا صدق بعده، يعني لا تسمعوا ولا تقرأوا لهذه القصة إلا في كتاب الله المُوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فالله يقصّ علينا نبأهم بالحق.
(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) 
(فتية) فتية بمعنى شباب، بمعنى أنهم من الفتوة، من القوة لأنهم آمنوا وتمسكوا بعقيدتهم بقوة وكان هناك الملك الظالم الجبار لكنهم لجأوا إلى الله تبارك وتعالى وطلبوا من الله أن يحميهم، فحماهم الله تبارك وتعالى. 
ولذلك قيل إن كلمة (فتية) المأخوذة من الفتوة
الخلاصة فيها أنها تعني الآتي: اجتناب المحارم واستعجال المكارم.
إذا الفتية يُوصف بها من يجتنب الحرام ومن يستعجل المكارم التي ترفع قدره. وهذا قول حسن.
● فهم لما آمنوا بربهم وأخذوا بالأسباب الله قال (وزدناهم هدى) زادهم الله هدى من عنده.

س: كيف يزيد الله عباده هدى؟ وكيف يزيد العبد هداية؟
العبد يأخذ بالأسباب أولا ويعمل بأسباب هداية الدلالة فيوفقه الله جل وعلا لهداية التوفيق والمعونة، وهو في هداية التوفيق والمعونة هو الآن اهتدى، لكن يتطلب المحافظة على الهداية والمزيد من الهداية فكيف يزيده الله هدى؟ 
يزيده الله هدى بأن ييسر له الخير وييسره لكل خير.
ومن أفضل الدعوات التي ندعوها لأنفسنا أن ندعو الله جل وعلا بأن يُيسر الخير لنا وأن يُيسرنا للخير. لأنك قد ييسر لك الخير إلا أنك لا ييسرك الله للخير، الخير مُيسر لك وتستطيع أن تفعله إلا أنك لا تفعل، فأنت الآن يسر الله لك الخير إلا أنك لم تُيسر لهذا الخير. وقد تُيسر للخير إلا أن الخير لا يُيسر لك.
في سورة يوسف فيها قراءتان:
(وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم)
(وقال لفتيته اجعلوا بضاعتهم في رحالهم)
وهذه ستقابلنا في سورة يوسف لأن السور تتداخل، وربما عندما نأتي في يوسف لا نستطيع التفصيل خلونا هنا أفصلها لكم هل الفتية هناك بنفس معنى الفتية هنا أم هناك فرق بين الفتية هنا، والفتية هناك؟
إذا زادهم الله هدى بأن يسّر الخير لهم ويسرهم للخير.
(والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)
فزيادة الهدى ليست خاصة بأصحاب الكهف إنما هي عامة لكل مؤمن.
(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) زادهم الله هدى بأن يسر لهم الخير بأن منع عنهم ظلم الملك الجبار الذي كان موجودا، وأنامهم يعني أخفاهم عن عيونه فهو ظن أنهم قد ماتوا فلم يعد يبحث عنهم، وهم لم يستيقظوا من نومتهم إلا بعد ثلاتمائة سنة. أو ثلاثمائة وتسع سنوات بالتأريخ القمري (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى).

(وربطناعلى قلوبهم)
 هذا هو التثبيت الذي طلبوه من رب العباد.
 ونتوقف اليوم عند قوله (وربطنا على قلوبهم) ونبدأ بها في اللقاء القادم بحول الله وقوته.


--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                             1⃣   

وقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..) [ الكهف: ١٣-١٤]
(وربطنا على قلوبهم)
الفعل (ربط) عند أهل اللغة يتعدى بنفسه بدون حرف جر فأقول: ربطت الشنطة، وربطت الكيس ...الخ ، لكنه لم يرد في القرآن الكريم إلا متعديا بحرف الاستعلاء. وقد ورد في ثلاثة مواطن:
الموضع الأول: في سورة الأنفال في غزوة بدر في قوله تعالى: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم)
● وهنا (وربطنا على قلوبهم) 
الموضع الثالث : في سورة القصص (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) 
فالفعل (ربط) في هذه المواضع الثلاثة تعدى بحرف الجر (على).
لو تدبرنا نجد أن المواضع الثلاثة أصحابها وأهلها أصحاب قلوب اطمأنت ورضيت بقضاء الله وبقدره وتهيأت نفسيا لما أُعدت له، إلا أن هناك أمرا بشريا حدث جعلهم يزحزحون عن الإيمان، ويزحزحون عن اليقين، ويزحزحون عن الثبات.
في موضع الأنفال مثلا في غزوة بدر الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا قد خرجوا لقتال ولا لغيره لكن عندما فُرض عليهم الأمر فتهيأوا نفسيا للقتال، لكن عندما علموا بالعدد وبالعدة بعدد المسلمين وبعدد المشركين وبعِدة المسلمين وبعِدة المشركين، فبالطبع لا توجد أي أوجه مقارنة بين هذا العدد وذاك العدد، وبين تلك العدة وتلك العدة، فبعضهم كاد قلبه يتزحزح عن اليقين الذي ملأه.
فالله تبارك وتعالى ربط على قلوبهم، يعني لم يربط القلب، لا.. إنما ربط على ما في القلب، القلب يملاؤه اليقين والثبات، وحسن التوكل على الله إلا أن النسبة البشرية جعلت الأمر يتحرك في قلوبهم.
فالله تبارك وتعالى ربط على الإيمان، وعلى اليقين، وعلى الثبات الذي ملأ القلوب حتى لا يتزحزح ويخرج من القلب. إذا الربط هنا ليس ربطا للقلب وإنما هو ربط على ما في القلب.
وهنا في قصة أصحاب الكهف نذهب أولا لقصة موسى ونجعل قصة أصحاب الكهف للنهاية.

https://t.me/tadaborsoratalkah
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                           2⃣

🔖 أم موسى عندما أوحى الله لها أن إذا خفت على رضيعك فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، فبالله أي امرأة وأي أم تقبل هذا؟! (إن خفت عليه فألقيه في اليم) يعني الطبيعة البشرية تقول: وإن خفت عليه ففري به إلى أرض أخرى، أو فأخفيه عن العيون، أو.. أو.. ، من باب الأخذ بالأسباب، إنما لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أوحى إليها، فقد أوحى إليها بأنك إن خفت عليه فألقيه في اليم، والله تبارك وتعالى أخبرها بخبرين وبشرها ببشارتين (إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين) هذان خبران متضمنان بشارتان.
وأيضا نهاها بنهيين قال لها (ولا تخافي ولا تحزني) وأمرها بأمرين (فألقيه في اليم ولا تخافي) هناك (أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) ولذلك في هذه الآية أمران ونهيان وبشارتان وخبران.
لكن بعد أن نفذت أمر الله تبارك وتعالى لها بدأت النسبة البشرية تتحرك فيها، والنسبة البشرية حدثتها بما قلت سابقا أنك كان بإمكانك أن تخرجي به إلى أرض أخرى، كان بإمكانك أن تُخفيه عن أعين فرعون وملأ فرعون، كان من الممكن أن تفعلي وأن تفعلي (فأصبح فؤاد أم موسى فارغا) أصبح فارغا من كل شيء إلا من قلقها على موسى.
● القلب لا يسمى فؤادا إلا إذا توقد واشتعل كالشيء المشتعل، يعني أصابه القلق فتوقد اشتعالا من قلقه. وهذا هو الفرق بين الفؤاد والقلب، يعني القلب يوصف بالفؤاد عندما يكون القلب مشتعلا متوقدا. ولذلك حتى في قوله تعالى(وأفئدتهم هواء) أي خالية وخاوية وفارغة، أفئدتهم لا تحمل شيئا. إذن القلب يوصف بالفؤاد عندما يكون مشتعلا متوقدا. ولذلك يقال عن الفؤاد إنه عين القلب، وهو عين البصيرة، وهو الذي ينقل إلى القلب إما اليقين والثبات والتوكل، وإما الخيبة والحسرة. يعني الفؤاد يتأمل في الكون فينقل إلى القلب، والقلب وعاء لما ينقله له الفؤاد.

🔖إذا (إن كادت لتبيدي به)
(لتبدي به) وليس (إن كادت لتبديه) لو قال الله إن كادت لتبديه، لكان المعنى إن كادت لتظهره، إنما (لتبدي به) كأنها تحمله على يديها وتقول يا ناس هذا وليدي وهذا طفلي، وهذا هو الفرق بين (تبدي به) و( تبديه)
(إن كادت لتبيدي به) بمعنى تأخذه على يديها وتُظهره للناس جميعا وتقول لهم انظروا هذا طفلي.
🔖 (لولا أن ربطنا على قلبها) الربط هنا أيضا ليس للقلب، إنما الربط على القلب، لأن القلب امتلأ يقينا وثباتا وحسن توكل بدليل أنها نفذت أمر الله، ولذلك التعليل الذي بعد ذلك (لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) ليثبت الإيمان في قلبها، لأن ما تعانيه إنما هو تحريك للنسبة البشرية.

🏷 وهنا في موضع سورة الكهف، أصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم والله تبارك وتعالى زادهم هدى ومن زيادته لهم للهدى أن ربط على قلوبهم، ربط على قلوبهم بمعنى أنه جعل القلب متمكنا واثقا من كمال قدرة الله تبارك وتعالى فبدأوا يتكلمون ويتصرفون ويفعلون بناء على حسن توكلهم على الله. هذا معنى (وربطنا على قلوبهم).

(إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) 
(إذ) هذا ظرف للربط، يعني ربطنا على قلوبهم وقت قيامهم، يعني لكي يقولوا ربنا رب السماوات والأرض في مجتمع مشرك ومولع بالشرك والملِك الجبار الذي يناصر الشرك والمشركين، فلكي يتمكنوا من هذا الإعلان الله تبارك وتعالى ربط على قلوبهم في هذا الوقت (إذ قاموا) يعني الربط على قلوبهم مقارن لقيامهم وقولهم.

القيام قد يكون حسيا وقد يكون قياما معنويا يدل على شدة الاهتمام.
القيام الحسي: القيام الذي يكون بعد قعود، يعني واحد كان قاعدا أو جالسا ثم قام، أي قام واقفا هذا قيام حسي.
والقيام المعنوي: أنهم اهتموا وقالوا (ربنا رب السماوات والأرض) وأعلنوها لكنهم يتكلمون وهم جالسون.
طيب هل القيام هنا قيام حسي أم قيام معنوي؟ 
يُحتمل القيام الحسي، ويُحتمل أن يكون قياما معنويا.
● قيام حسي أن يكونوا قاموا أمام الملك الجبار وقالوا هذا الكلام. هذا يحتمل، أو أنهم وقفوا خطباء في القوم ينصحونهم ويوجهون لهم هذا الكلام، فيكون القيام هنا قياما حسيا.
● وقد يكون القيام قياما معنويا أي إنهم اهتموا وقالوا وأعلنوا لكنهم تكلموا وهم جالسون، لأنهم أقدموا على عمل عظيم مهتمين بهذا القول.
ويطلق القيام على من يقوم بعمل عظيم، حتى أحيانا نقول قمت بقراءة كتاب كذا، وقمت بعمل كذا، وأنت لم تقم وتتحرك من مكانك، إنما أنت بذلت جهدا وفعلت فعلا عظيما أنك أنجزت قراءة هذا الكتاب. هذا معنى (إذ قاموا).
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                         3⃣

■ ( لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) 
(لن ندعوا من دونه إلها)
● لماذا لم يقولوا لن نعبد من دونه إلها؟ يعني لم يذكر لفظ العبودية بل لفظ الدعاء؟
● لأن الدعاء ذاته عبادة، والدعاء يشمل كل أقوال وكل أفعال تبين عبوديتهم لله تبارك وتعالى، فنحن لا نعبد إلا إياه، ولا ندعو إلا إياه، ولا نستغيث إلا به، ولا نلجأ إلا له، فلو قالوا: لن نعبد من دونه إلها قد يفهم البعض أن الدعاء أو أن الاستغاثة، أو أن اللجوء لغير الله جائز، لكن هم أتوا بالأشمل الأتم (لن ندعو من دونه إلها) لن ندعو من غير الله تبارك وتعالى إلها.
● ثم بعد ذلك (لقد قلنا إذا شططا) هذه جملة استئنافية، وهي استئناف بياني لأن التي قبلها تثير سؤالا لن ندعو من دونه إلها طيب
وماذا يعبد غيركم ممن تخاطبونهم الآن؟
فأتوا بالجواب: (لقد قلنا إذا شططا) أي لو قلنا أننا نعبد غير الله تبارك وتعالى فقولنا هذا قول شطط. وهم أشركوا أنفسهم مع القائل ولم يخاطبوهم، يعني لم يقولوا لقد قلتم إذا شططا، إنما (لقد قلنا) يعني قبل هذا القول كنا نقول معكم قولا شططا، يعني (لقد قلنا إذا) هنا تعني أننا قبل قولنا (ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) يعني لو قلنا بغير ذلك فقولنا هذا قول شطط. 
والقول الشطط هو: الإفراط في مخالفة الحق والصواب، الإفراط في القول الخاطئ، القول البعيد عن الصواب.
إذا هم أقروا بأن القول بغير ذلك هو قول شطط، ولا مانع من أن يكون هذا الأسلوب أسلوب تنزل مع الخصم، بمعنى أننا لو وافقناكم وقلنا كما تقولون (لقد قلنا إذا شططا).
وطبعا (قد) إذا دخلت على الفعل الماضي فإنها تدل على التحقيق قولا واحدا "قد قلنا"، وباللام التي تفيد التوكيد أيضا (لقد قلنا إذا شططا)، فلو أننا وافقناكم على قولكم هذا لكان معنى ذلك أننا نقول قولا مخالفا للحق والصواب وهو القول الشطط. 
في قوله تعالى (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) هذه الجملة أيضا استئناف بياني آخر لأنها ترد على سؤال مقدر، السؤال المقدر:
من ذا الذي يقول بهذا القول الشطط؟
لأنهم لم يخاطبوا القوم، لم يقولوا لقد قلتم، فربما يسأل سائل من ذا الذي قال هذا القول الشطط؟ فجاءت الإجابة (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة).
(هؤلاء) هنا اسم إشارة فلماذا يشيرون إليهم؟ يشيرون إليهم تمييزا لهم بأنكم أنتم المرادون بهذا الكلام، يعني عندما أريد أن أميز أني أخصّك بكلام فإني أقول أنت وأشير إليك بأصبعي حتى تميّز من الذي أتكلم عنه، إني أتكلم عليك أنت (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) . وأنا قلت قبل ذلك أن القرآن الكريم إذا استعمل الفعل (اتخذوا) معنى ذلك أنهم بذلوا الجهد الكبير في سبيل هذا الاتخاذ  لأنه كان من الممكن أن يقول هؤلاء قومنا عبدوا من دونه آلهة.
وفي قولهم (قومنا) دلالة على أن القومية إذا اتفقوا على الباطل فكل القوم موصوف بهذا الباطل، لأن هناك باطل وباطل يرتكب باسم القومية، ولذلك لو قرأتم في القصص القرآني تجدون كلمة (قوما) دائما ترد في الحكم عندما يحكمون على قوم النبي المرسل إليهم (ولكني أراكم قوما تجهلون) لم يقل (ولكني أراكم تجهلون) فالقومية هنا تعني اتفاقهم والترابط فيما بينهم على هذا القول الذي جعلهم يوصفون بالجهل. فقولهم (هؤلاء قومنا) القومية هي التي دعتهم إلى ذلك. ولذلك البعض يظن أن من القومية أن نبقى على عاداتنا التي عرفناها عن آبائنا، هذه قومية باطلة، هل تعلمون أن الناس في زماننا هذا يتمسكون بالعادات أكثر من تمسكهم بالعبادات، يعني تمسك الناس بالعادات أقوى بكثير من تمسكهم بالعبادات، يعني لا يتركوا عادة واحدة توارثوها، وإنما قد يهملون عبادة، وقد يهملون سُنة بحجة أنها سنة، فإذا أردت أن تصحح لهم فتلك مصيبة كبرى، كيف تصحح أنت؟! ولذلك كان رب العباد حريصا على أننا نوصّل دعوتنا بأسلوب حكيم، وبأسلوب يتصف بالحكمة.
يعني أنا قصدت بالأسلوب الحكيم هو الأسلوب الذي يتصف بالحكمة بحيث إنك تكسب قلوب من توصّل له المنهج الذي توصله قبل أن تتكلم معه. يعني رب العباد وهو يخاطب عباده المؤمنين في أنهم يقولون ما لا يفعلون، وهل هناك أخطر على المؤمن من أن يقول ما لا يفعل؟ بالطبع لا، يعني إذا كان قوله يخالف فعله فهذا شأن المنافق الذي قوله يخالف فعله، ومع ذلك لم يسلب الله عنهم الإيمان قال (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) هل سلب عنهم الإيمان؟ هل سلب وصفهم بالإيمان؟ إطلاقا، لم يسلب عنهم الإيمان.
حتى في القصاص -في القتل- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) وقال بعدها (فمن عُفي له من أخيه شيء) هذا قاتل!! وقاتلٌ مقتولا من رحمي، يعني قتل أخي أو قتل ابني أو قتل..الخ ومع ذلك لم يسلب عنه الأخوة. 
فالله تبارك وتعالى يعلمنا أننا ينبغي أن نتعلم الأسلوب الصحيح في الدعوة وفي توجيه الناس، وفي إرشاد الناس.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
# تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                         4⃣

🏷  النفس بطبيعتها لا تقبل النصيحة، ولا تقبل التوجيه، هذه فطرة في النفس، وهذا أشد عند الأزواج عندما تنصحه الزوجة، فلنراعي هذا، أن الزوج لا يقبل النصح خاصة من زوجه، إنما لا بد من مقدمة تُثني عليه، ومن مقدمة تبرز صفة طيبة فيه، حتى لا يأخذ هذا الكلام دليل نقص فيه.
هذا (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) أي عبدوا آلهة غير الله تبارك وتعالى. فبقولهم هذا بينوا وأفصحوا عمن قال القول الشطط، من الذي قال القول الشطط؟ (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة) وبيّنوا أنهم فعلوا، يعني لم يقولوا فقط، إنما فعلوا (اتخذوا من دونه آلهة) فهم أرادوا بذلك أن يتعجبوا من حالهم، وأن يفضحوا صنيعهم. يعني أرادوا أن يفضحوا فعلهم.
ثم قال بعدها (لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن) يعني هم يطالبونهم بأنهم يأتون على ما يعبدونه من دون الله بسلطان بيّن.
(لولا) حرف امتناع لامتناع، فإذا دخلت على جملة إسمية تكون حرف امتناع لوجوب، عندما أقول: لولا انشغالي لزرتكم، الزيارة حصلت وإلا ما حصلت؟ ما حصلت، لماذا؟ لوجود الانشغال، إذا حرف امتناع لوجود.
لكن إذا دخلت على الفعل المضارع تدل في الأصل على التحضيض، التحضيض: الحث الشديد، لولا تُكرم والديك، لولا تشكر فلانا، لولا تفعل كذا، يعني أحضك وأحثك حثا حثيثا على هذا الفعل.
لكن ليس كل (لولا) تدخل على الفعل المضارع تكون للتحضيض لأنهم ها هنا هل أتوا بسلطان بين على اتخاذهم من دون الله آلهة؟ هل هم أتوا بسلطان بيّن؟  لو كانوا اتبعوا الحث الشديد لأتوا بسلطان بين، فلما لم يأتوا بالسلطان البيّن على اتخاذهم من دون الله آلهة كانت (لولا) هنا للتبكيت والتوبيخ. يعني تتحول من الحث الشديد إلى التوبيخ.
فلو قلت لأحد الناس: لولا تُكرم والديك، فإذا به يعقُه، فهل أنا يعني حضضته وحثثته على هذا الفعل، هو لم يلتزم بالحضّ وبالحث الذي حضضته، فتكون (لولا) توبيخا له طالما أنه لم ينفذ فهي توبيخ له.
إذا (لولا يأتون عليهم بسلطان بين) أي بحجة واضحة وبيّنة، فإذا لم يأتوا بالسلطان البيّن فهم كاذبون، ولذلك فرّع الله على قوله (لولا يأتون عليهم بسلطان بين) (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أي لا أحد أظلم منه، الذي افترى على الله كذبا.
(افترى)
عندنا افتراء، وكذب، وبهتان.
الكذب هو: الإخبار بغير الواقع. كأن يقول أحدهم: الشيخ لم يحضر المحاضرة اليوم، فهذا كذب لأنه أخبر بغير الحقيقة والواقع.

الإفك: مأخوذ من أَفَكَ، وهو قلب الحقائق، ولذلك سمى الله قرى قوم لوط المؤتفكة، يعني المنقلبة لأن الله قلبها، قلب رأسها إلى أسفل، فالإفك قلب الحقائق والواقع، وهو أشنع وأبشع وأقبح أنواع الكذب. لماذا؟
لأن فيه شيئا من الحقيقة ولأن فيه شيئا من الحقيقة لا يستطيع الإنسان أن يرُده، يعني لو أن واحدا زارك بالأمس وتكلم معك في محاضرة تدبر لسورة الكهف، وتكلمتم في هذه المحاضرة، فجاءني وقال لي لقد زرت فلانا بالأمس، هذا حصل وإلا ما حصل؟ هذا حصل، حقيقة أنه زارك وتكلمنا في محاضرة تدبر سورة الكهف، هذا أيضا حصل، وقال لي هذا الشيخ لا يفهم شيئا. يعني هو أخذ الحقيقة وساقها في البداية ثم قلبها، يعني هذه الجملة الأخيرة أنت لم تقلها لكن لأنه قدّم بمقدمات حقيقية، قلب الحقيقة إفك، والإفك معناه قلب الحقيقة إلى غير الحقيقة.
يعني أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تأخرت عن الركب أم لم تتأخر؟ تأخرت. وركبت ناقة صفوان ابن المعطل أم لم تركب؟ ركبت. فأخذ المنافقون ذلك وقالوا ما قالوا، يعني أخذوا الحقيقة وقلبوها لتتبع هواهم. هذا معنى الإفك.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (٨)
                                        5⃣

الافتراء: اختلاق وقائع لم تحدث. وهذه الكثير من الناس يتقنها جدا. أنه يحكي وكأنه كان موجودا، يعني واحد يقول أنا زرت فلانا بالأمس، وهو لم يزرك ولم يعرفك. وتكلمنا في كذا، برضه لم تتكلما في هذا الموضوع لأن الزيارة ما وقعت، فهو يختلق قصة لم تحدث.
طبعا الافتراء سهل تكذيبه لأني أستطيع أن أكذبه. ولذلك الكفار (وقال الذين كفروا إن هذا إلا أفك افتراه) هم لماذا نعتوا الإفك بالافتراء؟
الإفك يُنعت بالافتراء في القرآن (إلا إفك مفترى) (إفك افتراه) لماذا؟
هم أرادوا أن يصفوا القرآن بأقبح وأبشع وأشنع أنواع الكذب الذي هو الإفك، يعني يريدون أن يأتوا له بهذا الوصف لكنهم لو قالوا إفك وسكتوا لكان معنى ذلك أن للقرآن حقيقة، وأن القرآن وحي من عند الله لكن محمدا صلى الله عليه وسلم بدّل فيه وغيّر، هم لا يريدون ذلك، هم يريدون أن يقولوا إنه ليس بحقيقة في الأصل فوصفوا الإفك بأنه افتراه، يعني هو إفك وافتراه حتى يقولوا إنه ليس له حقيقة.
إذا (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) لا أحد أظلم من هذا الذي يفتري على الله كذبا.
افتروا على الله كذبا أنهم أشركوا به وعبدوا معه غيره. هذا معنى (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا).
البهتان: أن تصف الإنسان بما ليس فيه. وعندنا حديث (فإن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته) أن تصف الإنسان بما ليس فيه، فكون الإنسان يصف إنسانا بما ليس فيه فهذا هو البهتان. وورد في القرآن الكريم (قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم).
ونتوقف هاهنا الليلة عند قول الله تعالى (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) ونكمل في لقائنا القادم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah