نُتف واضحية
2.9K subscribers
33 photos
13 videos
20 files
382 links
قِمَطرٌ لتفاريق المذاكرات، وبوادر الخواطر، يصونها، ويدلّ عليها، ويرجو بالمثاقفة فيها التّمام والدّوام.
Download Telegram
ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.

اللهم لا يخز أهلنا وأنت ربهم.

اللهم لا يخزوا بتخلينا عنهم، إنك أنت الولي النصير.

اللهم أنج المستضعين من أهل غزة وأكناف بيت المقدس، وأفرغ على المجاهدين صبرا، وثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.
•|  الغوص على الحقائق  |•

العالمُ الحاذقُ: «مَن لم يَرضَ مِن المعرفةِ بظاهرِ السِّمةِ دون البحثِ عن باطنِ العِلّةِ، ولم يَقنَعْ في الأمرِ بأوائلِ البرهانِ، حتّىٰ يَستشهِدَ لها دلائلَ الامتحان».

الخطّابيُّ في «بيان إعجاز القرآن» (ص: 25، ط المعارف).

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
•|  تعهّد المصنّف  |•

شيخنا محمّد بن محمّد عبد الله بن محمّد المامي اليعقوبيُّ، حفظه الله، ممّن بسَط اللهُ له الرِّزقَ في النَّظمِ العلميّ، جودةً، وسرعةً، وكثرةً، وهو مع ذلك لا يخرج نظمًا، ولا يرتضيه، ولا يرفعُ عنه اليدَ، إلّا بعد كثيرٍ مِن التّأمّل والتّعهّد والمراجعة والمطالعة، تلك عادتُه الّتي بلغتْني عنه قبل أن أعرفه، والّتي شهدتْها بعد اتّصالي به الاتّصالَ الخاصّ، ومداخلتي له المداخلةَ الشّديدة، وفاوضته مرّةً بعضَ ما نظَم، وطال منّا له التّعهُّدُ والتّصحيحُ والتّنقيحُ، فقال لي عفوًا منه: «أهمُّ شيءٍ في تصنيفِ الكتبِ هو التّنقيحُ، والمراجعةُ بعدَ المراجعةِ بعدَ المراجعةِ، هذا قطعًا هو أهمُّ شيءٍ».

ولا ريبَ في صدقِ ما قال، وأنّه ينزعُ بمعنى النّصيحةِ للعلم، ولأهلِه، وللنّفسِ، وشيوخُنا الموريتانيّون يُنشِدون في هذا ما عقَده العلويُّ في «طلعةِ الأنوار»، يذكر شيئًا مِن أدب التّصنيفِ الّذي قرَّره المحدّثون:

ويُكرَهُ التّصنيفُ مِن مقصِّرِ
كذاك إبرازُ سِوى المُحرَّرِ


وحرَّكتْني كلمةُ الشّيخِ أن ارتجلتُ له هذه المزدوِجات مناغيًا:

أجلُّ ما يَلزَمُه المصنِّفُ
تدقيقُه وأن تجودَ الصُّحُفُ

وأن يكونَ دائمَ المراجَعهْ
تلوَ المراجعةِ والمطالَعهْ

ينصحُ للأنامِ في ما خاطا
ويصلحُ الأوهامَ والأغلاطا


•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
•|  حكاية المذاهب الكثيرة  |•

حكايةُ الأقوالِ في المسائلِ تحتاجُ إلىٰ كثيرٍ مِن التّريُّثِ، والتّأمُّلِ، والتّفكيرِ، وملاحظةِ مخارجِ المذاهبِ، واعتبارِ أدلّتِها، وصحّةِ نقلِها، ليحسُنَ فيها الانتخابُ، ثمّ الاعتبارُ، ثمّ بناءُ المعاني ...

والأصلُ أن يحكيَ المرءُ ما يذهبُ هو إليه، ممّا قام دليلُه عنده، واتّضح نقلُه، وصحَّت وِجهتُه، وسَلِم مِن المعارِضِ، فهو الّذي يشُقُّ به طريقَ العلم، ويذهبُ في الدَّلالةِ عليه، والاستدلالِ به. وأمّا غيرُ ذٰلك مِن الأقوالِ فإذا قرُب أمرُه، ولاحتْ عليه أماراتُ الاستقامةِ، أو كثُر قائلُوه وانتشَر، ولو لم يكن مِن البيِّن في النَّظَر ... فحكايتُه لها وجهٌ. وأمّا الأقوالُ المتهافتةُ الّتي لا تستندُ إلىٰ شيءٍ، ولا خِطامَ لها ولا زِمامَ، وإنّما تُحشىٰ بها الأوعيةُ حشوًا، ويَلغىٰ بها القاصرون لَغوًا، وحقُّها الإخمالُ والإهمالُ ... فالاحتفالُ بها مِن الأمراضِ المستعصية!

وقد عُلِم أنّ خلافَ العقلاءِ قليلٌ، وأنّ عامّةَ ما كثَّر المذاهبَ ونهَج السُّبُلَ المتضاربةَ هو نقصُ النَّظرِ، والوهمُ، والتّعويلُ علىٰ ما ليس معوَّلًا، وقد فحُش ذٰلك اليومَ جدًّا، وانتهىٰ إلىٰ شيءٍ لو تابعه المتابعُ لَأَفسَد بهجةَ العلمِ، وأَذهَب محيّاه، وضيَّع أكبرَ حظِّه منه، ولا يرضىٰ بذٰلك رجلٌ يمحِّصُ الكلمةَ قبل أن يلقيَها، ويعنيه أن يكونَ صحيحَ النّظر، مستقيمَ النَّهج.

فإن يقل قائلٌ: قد يكونُ القولُ عندك علىٰ ما تصفُ، ويكون له وجهٌ مِن العلمِ خفي عليك، ولم يذهَب إليه الذّاهبُ إلّا وهو قويٌّ عنده، وله عليه الشّواهدُ! فتركُك له نقصٌ في النّصيحة، يفوت به استتمامُ النّظر.

فقل له: وهٰذا مِن الوهمِ أيضًا. ليس مِن شرطِ العالمِ أن لا يعزُبَ عنه مثقالُ ذرّةٍ، وأن يطّلعَ علىٰ ما ليس له به علمٌ، ولا ذٰلك في طَوقِه. وإنّما شرطُه أن يبلغَ الجهدَ في ما يحاولُ، ويعملَ علىٰ مبلغِ فهمِه، وأن لا يكونَ مرتابًا يلتفتُ إلىٰ كلِّ نداءٍ، ويعارضُ يقينَه البرقُ الخُلَّبُ! والعاقلُ يقولُ:

وما كلُّ برقٍ لاح لي يستفزّني
ولا كلُّ مَن لاقيتُ أرضاه مُنعِما


فإن يكن القولُ عند صاحبِه علىٰ ما وصَفتَ فليقلْ به، وليتَّسع له، ولا يلزمُ مَن لم يرَ فيه ما رأىٰ صاحبُه أن يتركَ يقينَه لمحتمَلٍ عنده موهومٍ.

وأمرُ الاختلافِ قد استَشرَى استشراءً عجيبًا، حتّىٰ إنّه يكادُ يكونُ كلُّ شيءٍ مختلَفًا فيه، ومتى استَروَح النّاشئُ لذٰلك، وأخَذ به، وشرَح له صدرًا، وجعَل تعويلَه في التّلقّي عليه، لم يَذهَب في بناءِ المعرفةِ مذهبًا، ولم يرُم فيها نظرًا، ولم يجاوز في علمِه مَقامَ الجَدَل إلىٰ مَقامِ العملِ، والعلمُ إنّما يرادُ به ما بعده مِن وجوهِ الإصلاحِ، والفلاحِ، يميزُها، ويقفُ عليها، فإذا شغَلتْ ذا العلمِ هٰذه الأمورُ فلم يتخلَّصْ مِن تحصيلِه وتحريرِه فأنّىٰ يعملُ به ويقيم عليه شأنَ الدّين والدُّنيا؟!

وشواهدُ ما ذكَرنا مِن كلامِ الأيمّةِ وتصرُّفهم كثير، وحسبُنا الدَّلالةُ.

والله أعلم.

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
لا تجد إنسانا أسرف في صرف طاقة البغض والعداء والبراء والمجالدة الكامنة عنده تجاه طائفة من المسلمين إلا وجدت قِبالها خفوتا وسكونا وغموضا لديه في صرفها تجاه الكافرين، وهم أولى وأحق بها وأهلها، ثم تجد التبريرات جاهزة لديه تنظيرا، لكن واقعه العملي في النهاية: مهادن للكافرين، هجّام على بعض المسلمين.

ولا تجد إنسانا أسرف في صرفها على أمر دنيوي، أو قضية تافهة، إلا وجدت النقص عنده في صرفها على أمر الدين، وعلى إحقاق الحق والقيام به.

ولا تجد إنسانا يزعم أنه لا يبغض أحدا مطلقا، ولا يعادي أحدا مطلقا، إلا علمت أنه دعيٌّ كاذب، أو ناقص البشرية بل الحيوانية، ملحق بعالَم الجمادات.

لا بد من حب وبغض، وولاء وبراء، ومسالمة ومحاربة، ففتش في نفسك عن جهاتها، لمَن؟ وعلام؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ وكيف؟

«كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها»
دعامة المصرف.pdf
483.6 KB
اقتضى نشرَها بعضُ الأصحاب، نفع الله بها وبارك لمَن قرأها وحفظها وسعى فيها. آمين.

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
وهذه حكايةٌ، أنشدها بعض الأصحاب الخِيَرة، تولّاه الله.
‏من أقوال الحكماء
‏[ كن مع الحق بالصدق
‏ومع الخلق بالإنصاف
‏ومع النفس بالقهر
‏ومع الكبير بالخدمة
‏ومع الصغير بالشفقة
‏ومع الصديق بالنصيحة
‏ومع العدو بالحلم
‏ومع العالم بالتواضع
‏ومع الجاهل بالصمت
. تم]
فنون في تلقي العلم وحفظه وتحصيله.
الطوفان لم يكن جريمة ولا كارثة، بل الجريمة والكارثة هي خذلان الطوفان وأهله، من قبل الطوفان ومن بعد الطوفان، وهذا الخذلان هو السبب في استحرار القتل في المسلمين في مدة متقاربة، وإلا فالعدو لم يكن مسالما، بل كان يجمع ويرصد ويحارب ويحاصر ويقتل ويأسر منذ عشرات السنين، وعلى هذا قامت دولته اللقيطة، وبه وبالخيانات والجبن والخذلان استمرت وصمدت حتى تهيأت لمثل هذا التسلط والإجرام، أفلَمَّا كشف الأبطال ظهر العدو، وفجَّروا خراريجه ودماميله النجسة ليرى النائمون الغافلون قبح ما تحتها من وسخ، وخطر ما تجمع وراءها من قيح وقذر صاروا هم المجرمين!

أيصير الصامد في وجه عدوه، الصارخ بأمّته لتصحو من نومها مجرما، ويصير النائم والداعي للنوم هو الحكيم! إن كانوا -بحسب زعمكم- هاجموا العدو ولمّا يُعدُّوا له، فالعدو قابع في دياركم ماكر بكم وبأهلكم وبمستقبل أولادكم وأحفادكم، عابث بدينكم ودمائكم وكرامتكم ودنياكم وأموالكم منذ عشرات السنين، فأين إعدادكم أنتم ومن توالونهم له؟

يا قومنا، من كان صادقا مشفقا في العزم والنصح فليوجه سهامه للعدو ولأوليائه من العرب والعجم، ثم للخاذلين لأهل الطوفان، أما هم فحريٌّ بنا إن لم نكن معهم في الساحات، أن نتوارى خجلا من حالنا، ثم نشكرهم ونقبِّل رؤوسهم وأيديهم على بذلهم وصبرهم وقيامهم بالحق نيابة عنا في وجه عدو خسيس، وعالَم ظالم متناقض متغطرس!

«ولينصرن الله مَن ينصره، إن الله لقوي عزيز»
«فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون»
Forwarded from نبع العلوم
نصيحة:
اتّخاذُ المسلم وِردًا مِن الأذكار والأدعية يداوم عليه أَنفعُ له مِن تنقّله بين أذكارٍ وأدعية مِن غير مُواظَبَةٍ عليها، قال الشيخ #أحمد_زروق الفاسي المالكي في وظيفته المسمّاة: #سفينة_النجا لمن إلى الله التجا:
"وينبغي للإنسان أن يكون له ذِكر واحد مع الصلاة عليه ﷺ يُطلِق لسانَه فيهما، فإنّ الحافِر في مَحَلٍّ واحِدٍ قد يعثر على الماء، بخلاف مَن يُكثِر الحفائر ولا يُنهِيها".

وقال -رحمه الله- فيمَن خَلَط، وأكثر على نفسه مِن الأوراد ثم فرّط، ولم يُعطِ كلّ وِردٍ حَقّه:
"ومن خَلَط في طريقته لم ينتفع بنفسه، ومن كَثّر عَدَدَ الأذكار والعبادات -غير ما صحّ في السُّنَّة- بَعُد عليه الفَتح؛ لأنّه كمَن يُرِيد حَفرَ بئرٍ يُرِيد ماءها ويَحفِر في كلّ مَوضِعٍ شِبرًا".

قال #ابن_القيم رحمه الله في #مدارج_السالكين:
"ومن تَجرِيبات السالِكين التي جَرَّبُوها فأَلفَوها صحيحةً: أنّ مَن أَدمَنَ قَولَ: يا حَيُّ يا قَيُّوم! لا إله إلا أنت؛ أورثه ذلك حَياةَ القَلبِ والعَقلِ.
وكان شيخ الإسلام #ابن_تيمية -قَدّس اللهُ رُوحَه- شَدِيدَ اللَّهَج بها جِدًّا، وقال لي يومًا: لهذين الاسمين -وهما: الحيّ القيّوم- تَأثِيرٌ عظيمٌ في حياة القلب.
وكان يُشِير إلى أنّهما الاسم الأعظم، وسمعتُه يقول: مَن واظَب على أربعين مَرّةً كلّ يومٍ بين سُنّةِ الفجر وصلاة الفجر: يا حَيّ يا قيّوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث؛ حَصَلَت له حَياةُ القلب، ولم يَمُت قَلبُه".

وقال أيضًا:
"وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: مَن واظَب على: يا حَيُّ يا قَيّوم، لا إله إلا أنت، كلّ يومٍ، بين سُنَّةِ الفجر وصلاة الفجر، أربعين مَرّةً؛ أَحيا اللهُ بها قَلبَه".

وممّن رُوي عنهم ملازمتهم لهذا الذكر شيخ الصالحية #أبوعمر_ابن_قدامة أخو الموفّق الأكبر، ذكره عنه #ابن_رجب في #ذيل_طبقات_الحنابلة، فلعلّه كان مستفيضًا بين حنابلة الصالحية فأخذه عنهم شيخُ الإسلام ابن تيمية.

‏فمَن أخذ بأخذهم، وتدرّج في تكثير أوراده وأذكاره صارَت له قُوّةً لجِسمه، وحياةً لرُوحه، ومتى تركها أحسّ بالوهن والضعف، قال ابن القيم -رحمه الله- في #الوابل_الصيب:
"وحضرتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية مرّةً، صلّى الفجر، ثم جَلس يذكر الله تعالى إلى قَرِيبٍ مِن انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ وقال: هذه غَدوَتي، ولو لم أتغدَّ هذا الغَداء لَسَقَطَت قُوَّتي، أو كلامًا قريبًا من هذا".

#علم_السلوك
#نبع_السالكين

نبع | http://t.me/nbao_n7
صلوا على رسول الله..
.
.
أخرج الشيخان عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعَةٌ ‌يُظِلُّهُمُ ‌اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».

صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار وصحابة الأبرار ومن تبعهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

فيه أن الجزاء من جنس العمل، فإن هؤلاء السبعة نالوا أجر الإظلال يوم القيامة بأعمالهم التي اشتملت على معنى يناسب ما في إظلال الله إياهم من دفع حرّ القيامة وكربها عنهم، ومن تشريف قدرهم والتنويه بأمرهم، فأما دفع حرّ القيامة عنهم فهو جزاء ما دفعوا من حرارة القلب الناشئة عن طلب الشهوة واللذة والسلطان والجاه، فإن لهذه الأمور في قلب العبد حرارة يعلمها من ابتلي بشيء منها، كما يبتلى السلطان بحرارة التجبّر وداعي القهر والبطش، وكما يبتلى الشاب بحرارة اللهو واللعب وداعي الانغماس في الشهوات والملذات: حلالها وحرامها، فجزاهم الله عن ذلك بدفع حرّ اليوم الأعظم وعطشه عنهم تحقيقا لإحسانه إلى المحسنين، وحفظه أجر العاملين. وأما تشريفهم والتنويه بأمرهم فهو جزاء حبسهم أنفسهم عن جواذب الذكر في الدنيا، ومجاهدتهم لها عن إجابة داعي الرياء والسمعة، كما حبس المتصدق نفسه عن تعريف صدقته، وكما حبس الذاكر نفسه عن إظهار خشوعه، فكان من جزاء إخلاصهما العمل لله وصونهما أنفسهما عن أن يكون لها حظ في سعيهما أن ظللهما الله تحت فسطاط التشريف والتعريف على رؤوس الخلائق في يوم يوفى فيه العاملون أعمالهم والصادقون أجورهم، نسأل الله أن يجعلنا منهم ويحشرنا في زمرتهم.
﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾

مما يهون على صاحب الحق البيِّن إعراض الناس عما عنده من الحق أن الأنبياء -وهم المؤيدون من الله الموحى إليهم وأقدر الخلق إبانة عن الحق- كان يقال للواحد منهم: ما جئتنا ببينة!
والأهواء آلهة عند بعض الناس، وهذا أحد أوجه تفسير قوله تعالى: ﴿أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا﴾!
من الأخطاء العلمية المنهجية الشائعة: عدمُ التفريق بين التشابه أو المشابهة وبين التأثير والتأثر، فترى بعضَ الناس إذا وجدَ مشابهةً في كلام اللاحق لكلام السابق جزَم وقطَع بأنه أخَذه منه أو أنه تأثَّر به فيه، - وفضلا عن كون بعض المعارف العلمية قد تكون مما يتقاسمه الناس؛ لرجوعها إلى مبدأ صحيح لا يتنازع فيه العقلاء- فإن القطع بوجود التأثر والتأثير في حدّ نفسه ليس سهلا كما يتصور البعض، بل لا بد فيه من الحصول على وثائق شفوية أو كتابية أو إثبات لقاءٍ ومخالطة تفيد ذلك التأثر والتأثير على نحوٍ مطابق للواقع وكاشفٍ عنه أو قريبٍ منه، وإلا فهي مجرد تخرصات وظنون وأوهام؛ لقيام احتمالات كثيرة قد تنفي التأثر والتأثير، مثل رجوع الكلام المتشابه بين الرجلين إلى كونه مما لا يُتنازع فيه، وكوجود مشابهة في الظروف العلمية أدَّت إلى نفس القول الأول دون معرفة به ولا اطلاع عليه أصلا.

الفاضل سامي معوّض.

https://t.me/alnatheerr/10210
•|  الحكم للعلم  |•

نقل بعضُ الأفاضل عن مرتضًى الزّبيديِّ أنّه قال في «إتحاف السّادة المتّقين»: «العِلمُ حاكمٌ علىٰ ما سواه، ولا يَحكُم عليه شيءٌ، فكلُّ شيءٍ اختُلف في وجودِه وعدمِه، وصحتِّه وفسادِه، ومنفعتِه ومَضرَّتِه ورُجحانِه ونقصانِه، وكمالِه ونقصِه، ومدحِه وذمِّه، وقُربِه وبُعدِه، وإفضائِه إلىٰ مطلوبِ كذا وعدمِ إفضائِه، وحصولِ المقصودِ به وعدمِ حصولِه، إلىٰ سائرِ جهاتِ المعلوماتِ، فإنّ العِلمَ حاكمٌ علىٰ ذٰلك كلِّه، فإذا حَكَم العِلمُ انقطَع النِّزاعُ، ووجَب الاتِّباع.

وهو الحاكم على الممالكِ والسِّياساتِ والأموالِ والأقلامِ، فمُلكٌ لا يتأيَّدُ بعِلمٍ لا يقومُ، وسيفٌ بلا عِلمٍ مِخراقُ لاعبٍ، وقلمٌ بلا علمٍ حركةُ عابثٍ، والعلمُ مُسلَّطٌ حاكمٌ علىٰ ذٰلك كلِّه، ولا يَحكُم شيءٌ مِن ذٰلك على العلمِ» انتهىٰ.

❏ فعقَدتُّ ذلك رجزًا، قلت فيه ضمن «رَجَز الحافظ»:

وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْتَكِمْ لِلْعِلْمِ
فَهْوَ عَلَىٰ مَا دُونَهُ ذُو الْحُكْمِ

وَمَن قَضَىٰ بِالْعِلْمِ لَا يُرَاعُ
فَحَقُّهُ الْوَكِيدُ الِاتِّبَاعُ

الْعِلْمُ سُلْطَانٌ لَهُ اسْتِمَاعُ
وَقَائِدٌ فِي أَمْرِهِ يُطَاعُ

وَلَا يَرُومُ حَيَّهُ نِزَاعُ
إِلَّا أَتَىٰ عَلَيْهِ الِانقِطَاعُ


•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
•|  طِيبُ محلّ العلم   |•

العلمُ شيءٌ لطيفٌ جدًّا، لا ينالُ إلّا بالذّهنِ المتوقِّد الجيّد، والبصيرةِ النّافذةِ، والمرآةِ المصقولةِ، والمحلِّ النّقيِّ الكريم الّذي كالقائمِ بالأرضِ الخاليةِ في يومِ الصَّحوِ يَرىٰ كلَّ شيءٍ علىٰ حالِه، لا تختلطُ عليه الأجسام، ولا يغترُّ بالأوهام، ولا تَضِلُّ عنه الهَوادي بالجواحرِ، ولا تنسيه الأوائلَ الأواخِرُ، بل يجعلُ كلَّ شيءٍ في مَنصِبِه، ويَرى الأمورَ علىٰ ما هي عليه، ويُسرِعُ إلى الإصابة، وينجو مِن التّلفيقِ والخطإ، وتقرُبُ منه الأوبةُ والإصلاح.

فمَن رزَقه اللهُ سعةً في الإدراك، وحسنَ تبيُّنٍ للأشياءِ، ورجاحةً في العقل، وأناةً في النَّظَرِ، فعليه بطلبِ العلم، وشكرِ نعمةِ اللهِ بالتّحصيلِ.

ومَن أراد طلَب العلمِ، وعظُمتْ فيه رغبتُه، وعزَم على البلوغِ فيه، فلْيتفقَّد الأدواتِ المعينةَ، ولْيسألِ اللهَ دوامَ التّبصيرِ، والفتحِ، وجِلاءَ الذّهنِ، وحسنَ الفهمِ، وجودةَ الذّهن، والتّسديد، فإنّما ذلك مِن الله سبحانه، ﴿يؤتِ الحكمةَ مَن يشاءُ ومَن يُؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذّكّر إلّا أولو الألبابِ﴾.

فممارسةُ العلمِ دونَ أداةٍ طيّعة، وتصريفُه مِن دونِ تبيُّنٍ، والأخذُ فيه بخبطِ العشْواءِ: ضيمٌ للعلمِ شديد، وفسادٌ في العلمِ عريضٌ، موشكةٌ أن تُرىٰ عواقبُه الوخيمة.

وجِماعُ ما وصَفتُه ما قال الشّعبيُّ: «إنّما كان يَطلُبُ هٰذا العلمَ مَن اجتمعت فيه خَصلَتان: العقلُ والنُّسُكُ، فإن كان عاقلًا ولم يكن ناسكًا قال: هٰذا أمرٌ لا يَنالُه إلّا النُّسّاكُ، فلن أطلبَه، وإن كان ناسكًا ولم يكن عاقلًا قال: هٰذا أمرٌ لا ينالُه إلّا العقلاءُ، فلن أطلُبه»، يقول الشّعبيُّ: «فلقد رَهِبتُ أن يكون يطلُبه اليومَ مَن ليس فيه واحدةٌ منهما، لا عقلٌ ولا نسكٌ»، الكلمةُ في «روضة العقلاء» لابن حبّان و«السّير» للذّهبيّ (4: 307)، قال الذّهبيُّ: «أظنُّه أراد بالعقلِ الفهمَ والذّكاء» انتهىٰ.

وكنتُ أودعتُ زبدةَ هٰذا المعنىٰ «رجَزَ الحافظ»، وذلك إذْ أقولُ:

والعلمُ لا يُنالُ إلّا بالنُّسُكْ
والعقلِ، فاصرِفْ كلَّ شيءٍ يَحبِسُكْ


ونسألُ الله الفتحَ والتّسديد، والعلمَ والفهم.

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
يا ربِّ سَلِّمْ سَلِّمْ
واعطِفْ علينا وارحَمْ
إنّ الخبيثَ المُجرِمْ
أذَلّ كلَّ مسلِمْ
وَطِئَنا بالمَنسِمْ
منتهكًا للمَوسِمْ
وأنت أقوىٰ منهمْ
نشكو اشتدادَ المُظلِمْ
فالطُفْ بنا وأَنعِمْ
يا ربعَ «غزَّةَ» اسْلَمْ
إنّ الأعزَّ الأكرَمْ
ربِّي القويُّ الأعظَمْ
يا ذا الوغى المُلثَّمْ
الأسَدَ المقدَّمْ

الباسلَ المعلَّمْ
ذا الفرَسِ المُطهَّمْ
والباترِ المثلَّمْ
أذقهمُ جهنَّمْ
مؤيَّدًا لا يُظلَمْ
في الحادثاتِ يُعصَمْ
واكوِهِم بالمِيسَمْ
واشفِ الصّدورَ واغنَمْ
أنفُ الجَبانِ الأرغَمْ
وحبلُه المُصَرَّمْ
وعِرضُه المذمَّمْ
وبيتُه المهدَّمْ

•┈┈• ❀ ❀ •┈┈•

نُتف واضحية
ما يعوقُ الطالبَ عن حقيقة العلم شيءٌ كالإكثار من المقدمات المُمهِّدات وانقضاء الأزمان النفيسة في التطويل في الكلام على مَداخل العلوم؛ فإن الحارسَ على البيوت مهما بلَغ من اليقَظة والانتباه لن يعرفَ ما في دواخلها ما لم يدخلها أو يُخالط أهلها، ولا شك أن الاطلاع على مَداخل العلوم مُهمٌّ؛ ولكنه أمر يسير يحصل بأدنى شيء من مطالعة بعض الكتب الصغيرة في هذا الغرَض، وإنما الشأن كله في مُعافَسة المسائل ومعالجتها والاصطلام بمشاكل الأبحاث وفهمها وحلِّها، هذا هو العلم على التحقيق، وبدوام النظر في كتب الفنون ينمو فهمُ الطالب ويحصلُ له نوعُ أُنس وأُلفةٍ بها حتى يصير عارفا بكثير من مناهجها وأنماطها وأغراضها وتذهب الوَحشة بينه وبينها، وبدون هذه المُخالطة يظلّ أجنبيا عنها تستعصي عليه وتنفُر منه مهما بالَغ في التغزُّل بها والثناء عليها.
عبادك يا رب!

إخواننا يا رب!

اشفِ صدورنا يا رب!
"اعلم رحمك الله أن أصل اختلاف الناس من قبل أمرين: إما جهلاً بما يدّعون، وإما جحودًا بما يعلمون، والجاهل بما يدّعي أرجى رجوعًا من الجاحد لما يعلم، ولذلك يقول الشاعر:

ما الناس غير جحود ذي مكابرة
وجاهل عن طريق الحق مصروف

هبني عذرت أخي في جهل مشكله
فكيف أعذره في جهل معروف

وإن ذا الجهل قد تُرجى إنابته
وذا الجحود فلن يرجى لتعريف

فلو كان ذو العلم ينصف في مناظرة ويقر بما يعلم ويكل ما يلزمه ويترك المكابرة والجحود لتبين الصواب بين المناظرين واتضح الحق للفريقين.

ولو أن الجاهل لزم طلب العلم والتفقه في أمر الدين وناصح نفسه لما خفي عليه موضع الصواب.
"*

* من كتاب المقالات المنسوب لأبي عليّ الجبائي.