#فائدة_لغوية

قال أبو الحسن الأخفش: يقال: ماء خِضْرِم إذا تناهى في الكثرة والسعة، فمنه سمي الرجل الذي شهد الجاهلية والإسلام مُخَضْرَما، كأنه استوفى الأمرين. قال: ويقال: أذن مُخَضْرَمة إذا كانت مقطوعة، فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام.

#العمدة لابن رشيق (ت٤٦٣)

قد قيل: لا يزال المرء مستورا وفي مندوحة ما لم يصنع شعرا أو يؤلف كتابا، لأن شعره ترجمان علمه وتأليفه عنوان عقله.

#العمدة لابن رشيق (ت٤٦٣)

قال النحاس: القريض عند أهل اللغة العربية الشعرُ الذي ليس برجز يكون مشتقًّا من (قرض الشيء) أي: قطعه، كأنه قطع جنسًا.

وقال أبو إسحاق: وهو مشتق من القرض، أي: القطع، والتفرقة بين الأشياء، كأنه ترك الرجز، وقطعه من شعره.

#العمدة لابن رشيق.

قال ابن رشيق: واسم الشاعر وإن عمَّ المقصِّد والراجز فهو بالمقصِّد أعلق، وعليه أوقع، فقيل لهذا شاعر، ولذلك راجز كأنه ليس بشاعر، كما يُقال: خطيب أو مرسل أو نحو ذلك.

#العمدة لابن رشيق.

قال ابن رشيق:
وقد رأى قوم أن مشطور الرجز ليس بشعر؛ لقول النبي ﷺ:
هَلْ أنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيْتِ
وفي سَبِيلِ اللهِ ما لَقِيْتِ

بكسر التاء، ورواية أخرى بسكونها وتحريك الياء بالفتح قبلها؛ وليس هذا دليلا، إنما الدليل في قول النبي ﷺ عدمُ القصْد والنيَّة؛ لأنه لم يقصد به الشعر، ولا نواه، فلذلك لا يعدّ شعرًا؛ وإن كان كلامًا موزونًا.

وقد رواه قوم (دميْتْ) بإسكان الياء والتاء جميعًا، ولا يكون حينئذ موزونًا.

#العمدة لابن رشيق.

سُئل أبو عمرو بن علاء: هل كانت العرب تُطيل؟ فقال: نعم، ليُسمع منها، قيل: فهل كانت توجِز؟ قال: نعم ليحفظ عنها، قال: وقال الخليل بن أحمد: العرب تُطَوِّل الكلام وتُكثِّر لتُفْهِم وتوجِز وتختصر ليُحفظ، وتستحب الإطالة عند: الإعذار، والإنذار، والترهيب، والترغيب، والإصلاح بين القبائل، كما فعل زهير والحارث بن حِلِّزة ومن شابههما، وإلَّا فالقِطَع أطيرُ في بعض المواضع، والطِّوال للمواقف والمشهودات.

#العمدة لابن رشيق.

قيل لابن الزِّبَعْرَى: إنك تُقصِّر أشعارك، فقال: لأن القصار أولجُ في المسامع، وأجولُ في المحافل، وقال كرَّةً أخرى: يكفيك في الشعر غرةٌ لائحة، وسبَّةٌ فاضحة.

وقيل للجماز: لمَ لا تُطوِّل؟ فقال: لحذقي بالفصول، وحذْفي للفضول.

#العمدة لابن رشيق.

قال ابن رشيق: وزعم الرواة أن الشعر كله إنما كان رجَزًا وقِطعًا، وإنما قُصِّد على عهد هاشم بن عبد مناف، وكان أول من قصَّده مهلهل وامرؤ القيس.

وأوّل من طوَّل الرجز وجعله كالقصيد، الأغلب العجلي شيئًا يسيرًا، وكان ذلك على عهد النبي ﷺ، ثم أتى العجَّاج فافتنَّ فيه، ... والعجاج في الرجز كامرئ القيس، ومهلهل في القصيد.

#العمدة لابن رشيق.

قال ابن رشيق:
حُكي أن الفرزدق لما وقع بينه وبين جرير ما وقع وحُكم بينهما، قال بعض الحكام: الفرزدق أشعر؛ لأنه أقواهما أَسْرَ كلام وأجراهما في أساليب الشعر وأقدرهما على التطويل وأحسنهما قِطَعًا، فقُدِّم بالقِطع كما ترى.

وفي موضعٍ آخر قال:
غير أن المطيل من الشعراء أهيب في النفوس من الموجِز وإن أجاد، على أن للموجز من فضل الاختصار ما لا ينكره المطيل، ولكن إذا كان صاحب القصائد دون صاحب القِطَع بدرجة أو نحوها، وكان صاحب القِطَع لا يقدر على التطويل إن حاوله البتَّة سُوِّيَ بينهما؛ لفضل غير المجهود على المجهود، فإنا لا نشك أن المطوّل إذا شاء جرَّد من قصيدته قطعة أبيات جيدة، ولا يقدر الآخر أن يَمُدّ من أبياته -التي هيَ قطعةٌ- قصيدةً.

والمُقصِّد قد يعجز عن الاختصار ... وبالعجز رُمِيَ الكميت.

#العمدة لابن رشيق.

كان أبو نواس قويَّ البديهة والارتجال، لا يكاد ينقطع، ولا يُروِّي إلَّا فَلْتَة، وروي أن الخطيب قال له مرة يمازحه وهما بالمسجد الجامع: أنت غير مُدافَع في الشعر ولكنك لا تخطب، فقام من فوره يقول مرتجِلًا:

منحتكُمُ يا أهلَ مصرَ نصيحتِي
ألا فخُذُوا مِنْ ناصحٍ بنَصيبِ

رماكُم أميرُ المؤمنينَ بحيَّةٍ
أكولٍ لحيَّاتِ البلادِ شَروبِ

فإنْ يكُ باقِي سِحْرَ فرعونَ فيكُمُ
فإنَّ عَصَا موسَى بكفِّ خَصيبِ

ثم التفت إليه وقال: واللهِ لا يأتي بمثلها خطيبٌ مِصْقَعٌ، فكيف رأيت؟ فاعتذر إليه، وحلف إن كنتُ إلَّا مازحًا.

#العمدة لابن رشيق.

وكان أبو العتاهية -فيما يقال- أقدرَ الناس على ارتجال وبديهة، لقُرب مأخذه وسهولة طريقه.

اجتمع عدّة من الشعراء فيهم أبو نواس، فشرب أحدهم ماء ثمّ قال: أجيزوا:
"بَرَدَ الماءَ وطَابا"
فكلهم تلعثم حتى طلع أبو العتاهية، فقال: فيم أنتم؟ فأنشدوه، فقال وما تروَّى:
"حَبّذا الماءُ شَرابا" فأتى بالقسيم رَسْلًا شبيها بصاحبه وذلك هو الذي أعوز القوم، لا وزن الكلام.

وصحب رفقة، فسمع زُقاءَ الديوك بُكرةً، فقال لرفيقه:
"هَلْ رأيتَ الصُّبحَ لاحا؟"
قال: نعم، قال:
"وسَمِعتَ الدِّيكَ صاحا؟"
قال: نعم، قال:
"إنَّما بَكَّى على المُغْـ ـتَرِّ بالدُّنيا ونَاحا"
فاستيقظ رفيقه للكلام أنه شعر فرواه، فما جرى هذا المجرى فهو الارتجال.


#العمدة لابن رشيق.

مَنْ قرأ أبواب العَروض والقوافي والأوزان من كتاب ⁧ #العمدة⁩ لابن رشيق ولديه سؤال؛ فليتفضل هنا:

https://tellonym.me/baithaq

..

قيل: أفضل البديهة بديهةُ أَمْنٍ وردت في موضع خوف.

قال ابن رشيق: ومن الشعراء مَن شعره في البديهة والروية سواء، وعند الأمن والخوف؛ لقدرته وسكون جأشه وقوة غريزته، كهدبة بن الخشرم، وطرفة بن العبد البكري، ومُرّة بن محكان السعدي إذ قال -وقد أمر مصعب بن الزبير رجلًا من بني أسد ليقتله-:

بني أَسَدٍ إن تقتلوني تُحَارِبُوا
تميمًا إذا الحَرْبُ الْعوَانُ⁽¹⁾ اشْمَعَلَّتِ⁽²⁾
ولستُ -وإن كانَتْ إليَّ حَبِيبَةً-
بباكٍ على الدُّنيا إِذا مَا تولَّتِ

وهذا شعر لو رَوَّى فيه صاحبه حولًا كاملًا على أمنٍ ودعة، وفَرْط شهوة، أو أشدّ حميّة لما أتى به فوق هذا !

#العمدة لابن رشيق.
____________________
⁽¹⁾ الحرب العَوان: التي يقع فيها القتال مرة بعد أخرى.
⁽²⁾ اشْمَعلَّت: اشتدّت.

‏قال عبد الله بن محمد بن جميل المعروف بالباحث:
البلاغة تخير اللفظ في حُسن إفهام.
#العمدة لابن رشيق القيرواني.

والشاعر مأخوذ بكل علم، مطلوب بكل مكرُمَة، لاتِّساع الشعر، واحتماله كل ما حُمِّل: من نحو، ولغة، وخبرٍ، وحساب، وفريضة، واحتاج أكثر هذه العلوم إلى شهادته، وهو مكتفٍ بذاته، مُستَغنٍ عما سواه؛ ولأنه قَيْدٌ للأخبار، وتجديدٌ للآثار، وصاحبه الذي يَذُمُّ، ويحمَد، ويهجو، ويمدح، ويعرف ما يأتي الناس من محاسنِ الأشياء، وما يذرونه، فهو على نفسه شاهد، وبحجته مأخوذ.

#العمدة لابن رشيق.

جرير هجاه شاعر يقال له، البَرْدَخْتُ، فقال: ما اسمه؟ قيل له: البَرْدَخْتُ، فقال: وما معنى البَرْدَخْتُ؟ قالوا له: الفارغ، فقال: إذًا والله لا أشغله بنفسي أبدًا، وسالمه.

#العمدة لابن رشيق.

ويجب على الشاعر أن يتواضع لمن دونه، ويعرف حق من فوقه من الشعراء؛ فإن امرأ القيس وكان شديد الظنة في شعره، كثير المنازعة لأهله، مُدِلًّا فيه بنفسه، واثقًا بقدرته، لقي التوأم اليشكري⁽¹⁾ واسمه الحارث بن قتادة، فقال له: إن كنت شاعرًا كما تقول فملِّط لي أنصاف ما أقول فأجزها، قال: نعم.

قال امرؤ القيس:
أَحَارَ ترى بُرَيقًا هَبَّ وَهنًا
فقال التوأم:
كَنارِ مَجوسَ تَسْتَعِرُ استعارًا
فقال امرؤ القيس:
أَرِقتُ لهُ ونامَ أبو شُريحٍ
فقال التوأم:
إذا ماقلتُ قد هدأ استَطارا
فقال امرؤ القيس:
كأنَّ هَزِيمَه بوراء غيبٍ
فقال التوأم:
عِشارٌ وُلَّهٌ لاقتْ عِشارا
فقال امرؤ القيس:
فلمَّا أنْ علا كَنَفَيْ أُضاخٍ
فقال التوأم:
وَهَتْ أعجازُ رَيِّقِهِ فحارا
فقال امرؤ القيس:
فلمْ يَترُك بذاتِ السِّرِّ ظبيًا
وقال التوأم:
ولمْ يَترُك بِجَهْلَتِها حِمارا


فلما رآه امرؤ القيس قد ماتنه، ولم يكن في ذلك الحَرْس أي: العصر من يماتنه أي: يقاومه ويطاوله آلى ألَّا ينازع الشعر أحدًا آخر الدهر، وروى ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء.

______________________

⁽¹⁾ هو الحارث بن قتداة بن التوأم -كما في الاشتقاق- أو الحارث بن الشؤم [كذا] اليشكري -كما في معجم البلدان- وهو الذي كان يناقض امرأ القيس، ويتعرض له، وكان امرؤ القيس مر بآل يشكر فاستنشدهم فأنشدوه، فقال: عجبت كيف لا تحترق بيوتكم عليكم نارا، فسُمُّوا بني النار.

#العمدة لابن رشيق.

‏❁ مذاكرة:

في تقديم غزوة الخندق على غزوة بني المصطلق إشكال وتعارض؛ لأنه قد ثبت أن سعد بن معاذ -رضي الله عنه- توفي بجراحته في غزوة الخندق، وثبت أيضًا أنه شهد حادثة الإفك وهي بعد الخندق..!
والخلاف في هذه المسألة ومتعلقاتها طويل، ودونكم خلاصة كلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في رفع هذا التعارض، قال:
"..فيظهر أن المريسيع "غزوة بني المصطلق" كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق؛ لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضًا فتكون بعدها فيكون سعد بن معاذ -رضي الله عنه- موجودًا في المريسيع ورُميَ بعد ذلك بسهم في الخندق ومات من جراحته في قريظة..".


#العمدة
#إحياء_البيان

وليجتنب «ألا» و «خليلي» و «قد» فلا يستكثر منها في ابتدائه؛ فإنها من علامات الضعف والتُّكلان، إلَّا للقدماء الذين جروا على عِرْق، وعملوا على شاكلة، وليجعلْه حلوًا سهلًا، وفخمًا جزلًا، فقد اختار الناس كثيرًا من الابتداءات أذكر منها هاهنا ما أمكن ليستدل به، نحو قول امرئ القيس:
قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر؛ لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد، وقوله:
ألاعِمْ صباحًا أيها الطللُ البالي

ومثله قول القطامي واسمه عمير بن شييم التغلبي:
إنا محيوكَ فاسلم أيها الطلَلُ

وكقول النابغة:
كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ
وليلٍ أقاسيهِ بطيءِ الكواكبِ
وقوله:
كتمتكَ ليلًا بالجمومينِ ساهرًا
وهمينِ همًّا مستكنًّا وظاهرا

وهذا بعض ما اختير للقدماء، ومما اختير لهم في الرثاء قول أوس بن حجر:
أيتها النفسُ أجملي جزعا
إنَّ الذي تحذرينَ قد وقعا

ومما اختير للمحدثين قول بشار بن برد:
أَبى طلَلٌ بالجِزْعِ أن يتكلما

وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه محدث، وقول أبي نواس:
لمن دِمَنٌ تزدادُ طيبَ نسيمِ
على طولِ ما أقوت وحُسنِ رسومِ
وقوله:
رَسْمُ الكرى بين الجفونِ مُحِيلُ
عَفَّى عليهِ بُكًى عليكَ طويلُ
وقوله:
أعطتكَ ريحانها العُقارُ
وحانَ من ليلنا انْسِفارُ
وقوله:
دع عنكَ لومي فإنَّ اللوم إغراءُ
وداوني بالتي كانتْ هيَ الداءُ

وما أشبه ذلك مما لو تقصيته لطال وكثر.


#العمدة لابن رشيق.