أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ
266 subscribers
1.06K photos
9 videos
2 files
85 links
شيءٌ يحتاجُ إرجاعَ البَصَرِ، وإرجاعَ الفهمِ كرّة وكرّتينِ.. كما هو نتاجُ ذلكـ.
Download Telegram
ولعل أكرَهَ الأشياءِ حُصولاً في هذه الدنيا وأخبثها نبوتا في دواخلِ البشرِ أن كل أحدٍ رآك أو عرفك، من قريب أو من بعيد، بتدخل منك أو بدونه، صلُحت نفسه أم فسُدت، قد لا يرى حرجًا من استخدامك في سِرّهِ دون اذنك، ولا يستنكِفُ أن يجعلك جُزءًا من خيالاته وأوهامه، يفرغك لأجلها مما حَوَتهُ نفسُك حقّا، ويملؤك بما حوته نفسُهُ هو، ليعبثَ بك بعدها كما يُعبثُ بالدمى. وأكرَهُ ما في الأمرِ وأعتاهُ شؤما أن من فعلَ هذا هو غالبًا صاحب النفسِ الفاسدةِ والوهمِ المريضِ الخرِبِ.

كل نفسٍ خُلِقت جعلَ اللّٰه دونها حدًّا، ولها على الآخرينَ حُرمةً، واحترامك للآخر -وفي هذا لمُلتمِسِ اللَّطائف لمحة لغوية لأصلِ الخُلُقِ في اشتقاقية اللفظينِ- اعتِبارٌ منك لحُرمَةِ نفسِهِ عليكَ، في جهركَ وسرك. وأن تعتبرَ هو أن تجعل للشيءِ في ضميرك حُضورًا وتجعل له عليكَ سلطةً!

أن تحترِم هذا معناه أن تتوقفَ عندَ الحُرمة، أن توقفكَ الحرمة!

#أدب
#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (منالـ الشعباني)
أحيانا يكون عزوفُكَ عن فعلِ شيءٍ بعينهِ عرضًا من سقامِ الروحِ وشكواها بأن شيئا فيها اسمهُ الشغفُ قد غزاهُ الزيفُ والكذبُ.

عزوفُ جسدٍ وعقلٍ،
هو في حقيقته عزوفُ روحٍ..
تأمَّل بهِ:
تجِدْ آثارَ شوقٍ حارقٍ وزُهدٍ طهورٍ وثورةٍ غاضبةٍ..
تجِد رفضًا عنيدًا لتشييءِ النبضِ، لتفريغهِ من معناه وغض النظرِ عن جلال نوره،
تجِد احتجاجا صارخًا على قصورِ البصيرةِ..

أحيانًا يكونُ عزُوفُكـ طبيعيا بسيطاً كبساطةِ "ردّ فعلٍ يلزمُ الفعلَ"،

وحتميّا كحتميّة "تحرّك خلاياك في الدم إذا ما رصٙدت عنهُ الدخيلَ."

حينما يكون الهدف حمايةِ سمةِ العفوية في البذلِ الشَّغُوفِ والصِّدقَ..
في سياحة المحبِّ ما بين معارج الكونِ، في بذلِ العابد المشتاق يطلبُ معبوده، في بحثِ الروحِ عن نافخِ الروحِ تلتمس قبسا من جماله، وإلهامًا من لطفِهِ وسماحةً من أسماءهِ.

لهذا ولأن لا بد من هذا أقولُ
لا تفسِدُوا الأشياء على أصحابها بتدخلاتكم. بتطلعاتكم، بتطلباتكم.
فما كان يتّبع قوانين السماءِ، تعطله قوانينُ البشرِ. وما كان سابحا في اتساعِ الخَلقِ يخنقه ضيقُ أفقِ البشر..

أعمالنا التي تصوغها النفس بشغفٍ، التي تجذبُ الذات لتطوف في محور الحبِّ حينًا، التي يُعبدُ بها النورُ.
أعمالنا التي نحبُّ.
التي تنفلتُ من طمعِ الكسبِ..
لا تفسدوها بمادياتكم.
فهي لنا كالحَرَمِ! لها حرمتهُ.
وهي لنا كالمَعْبَدِ، لها قداسته.
وما الحياة فعليا إلا ذاك الشيء العصيُّ عن الامتلاك الذي يسمى الشغف، الذي يأتي من نفسهِ طائعًا ويرحلُ إذا ما أفسدَ البشرُ شيئا في ذاته ومولداته.
تطهروا لهُ، تخففوا لهُ، اعتزلوا أضغاث البشرية وانصرفوا بمجامع ذواتكم إليه.

#سنن #في_استنطاق_الداء
ولعل من أفدَحِ ما صنع هذا العصر بنا أنَّهُ شتَّت اللُّحمةَ التي كانها الانسان، أنه عبث بتواصليتهِ، وشرذَمَ ذاكرتهُ قِطَعًا بفصلها بعضها عن بعضٍ. وعبث بانتماءِه لنفسه، وانتماءه لغيرِهِ.

أنه جعل إنسانيتهُ شيئا قابلاً للقسمةِ، والتوزيعِ، و"التصرف". وأوجدَ من بعدُ طرقًا في معالجة القطع تتناسبُ وصياغتهُ التفكيكية للانسان، ك"استهلاكِ" ما يُفصلُ وتفريغه من معناهِ وتكراره وبيعه وشراءه. شذرات منثورة يفصلُ بعضُها عن بعضٍ ولا يطلب منها أن يكون أحدُها استمرارا لبقية القطعِ!

هكذا وقتنا؛ جعل قسمة الانسان أمرا ممكنا حلوا مُستساغا، وأباح أن يُؤخذ بعضُهُ ويترك بعضهُ وألا يؤخذَ كله في جميع الأحوال. فلا يتحمل بعد ذلك انسانٌ مسؤولية كاملة في أن يكون انسانًا، أو أن يعاملَ انسانًا!

#في_استنطاق_الداء
فوضى الأشياء والغرفِ والملابس شيء أحتمله. بل وأحيانا آلفهُ. أما فوضى البشرِ والمعاني فهي عندي اختناقٌ لا انتهاءَ لهُ. أن يقف كل منهم في مكانٍ لا انتماء لهُ فيهِ إليه، ولا صدقَ لهُ فيهِ، ولا صدقًا إليه! ويُجمعَ الجمعُ دون شيءٍ جامع حقيقيّ يعول عليه. فكأن الجمع الهباءُ المنثور. وكأن الواحد منهم فيهم شبحٌ قائمٌ عن نفسه.

#في_استنطاق_الداء
من الأقوال المروية في بعض كتب التراث (ومنها كتاب الفتن لابن حمّاد) أنّ الشمس تُصدِر صليلاً مهيباً ساعة الغروب. وتمضي الرواية قائلةً إنه "لولا لغط أهل روميّة" لكان بوسعنا أن نسمع الصليل بأنفسنا في ديار الإسلام، فعائق السمع ليس بُعد المسافة، وإنما ضجيج الروم الواقفين بيننا وبين الشمس ساعة غروبها. تحمل هذه الرواية رمزية غريبة لمن يقرأها اليوم، وهي تحكي -بمجاز لم تقصده- شيئاً بليغاً عن انسداد حواسنا -وبعض أذهاننا وخيالنا- بضوضاء روميّة ولغط أهلها..

| بلال عوني
#في_استنطاق_الداء

https://arabi21.com/story/1479295/%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D9%81%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (أرأيتَ ثمَّ رَأيْتَ)
حُكمٌ على الآخرِ غايتُهُ جلدُ الذاتِ لا يعول عليهِ. تزكيةٌ تجودُ بها النفسُ قوامُها استنقاصُ النَّفسِ لا يعول عليها.

هذا لأن التزكيةَ الحقة لا تُعنى بالقيمة السالبة، كعنايتها بالقيمةِ المُضافةِ، ليست انتباها لنقصٍ أو ناقصٍ، بل هي تحفلُ بالنماء وتباركه. لأن التزكيةَ حمدٌ للخير -وفي المعجم زكى الشيءَ حمَدَهُ وشكرَهُ- فقوامها الانتباه الصادق للنماء والزيادة، ومعرفتهما حق المعرفة قصد بلوغهما.

#في_ما_لا_يعول_عليه
#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (أرأيت ثم رأيت)
ولعل من أفدَحِ ما صنع هذا العصر بنا أنَّهُ شتَّت اللُّحمةَ التي كانها الانسان، أنه عبث بتواصليتهِ، وشرذَمَ ذاكرتهُ قِطَعًا بفصلها بعضها عن بعضٍ. وعبث بانتماءِه لنفسه، وانتماءه لغيرِهِ.

أنه جعل إنسانيتهُ شيئا قابلاً للقسمةِ، والتوزيعِ، و"التصرف". وأوجدَ من بعدُ طرقًا في معالجة القطع تتناسبُ وصياغتهُ التفكيكية للانسان، ك"استهلاكِ" ما يُفصلُ وتفريغه من معناهِ وتكراره وبيعه وشراءه. شذرات منثورة يفصلُ بعضُها عن بعضٍ ولا يطلب منها أن يكون أحدُها استمرارا لبقية القطعِ!

هكذا وقتنا؛ جعل قسمة الانسان أمرا ممكنا حلوا مُستساغا، وأباح أن يُؤخذ بعضُهُ ويترك بعضهُ وألا يؤخذَ كله في جميع الأحوال. فلا يتحمل بعد ذلك انسانٌ مسؤولية كاملة في أن يكون انسانًا، أو أن يعاملَ انسانًا!

#في_استنطاق_الداء
أُولى نقاطِ تردِّي الإنسان وضعفه في رأيي هي عجُزهُ أن يُمَيِّز منْ مِنَ النَّاس أمكنهُ الوُثوقُ بهِ، ومن لا يكونُ محلا لثِقَتِهِ. ومن يَحسُنُ السعيُ بموازاتهِ ومن تَحسُنُ مُعاكسةُ تيَّاراتِه: من لا ينبغي اتِّباعُهُ، وتصديقهُ والتواجُدُ معه. أن ينتَبِه لكل ذلكَ وعِللهِ وأن يميز الخيّر منهم ويلوذ به. ويتمترسَ عنده وينتمي إليه، ويعرف فيه أهله، فيدفع عنه غربته، ويضُمَّ إليهِ صوْتهُ.. لا ليقال بعضُهم أولياء بعض وحسب بل ليُقالَ لتكونا أُمّةً.

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (منالـ الشعباني)
عندما تلجُ الأشياءُ عقلك وتسكُن فيه ثم تخرج منه فإنها مسخرة لأن تخرج متوالدة، متغيِّرة، مُباركا فيها كمًّا وكيفا. وإذا دخل شيء وخرج هو ذاته فهذا يعني أنك لم تُعمل عقلك فيه.
أنك لم تفعّل أقرب ملكاتك وأيسرها للاستخدام. ببساطة.

#في_استنطاق_الداء
#في_تشخيص_الدواء
#فتوح_رمضان
إن أسخفَ ما يعانيه المرء في طباعه أن يكونَ ميالا للتّصديقِ، مريضا به، أن يرغب رغبةً خالصةً نقيةً بتصديقِ كل ما يصدر عن الآخرين، بغض النظر عما يصدر عن الآخرين، تصديقًا يعفيهِ من الشكِّ في ما يقولون، والمفاضلة بينهم والتفرقة بين خيِّرهمْ وأشرّهم ومن الرزية ببعضهم بل قل بأغلبهم وما يظهرون وما يبطنون، فيُريحهُ من مداخل شيطانِهِ عليهِ. وهو طبعٌ لا محالة نابع عن طيبِ نفسٍ وجمالٍ داخليّ أصيل ولكنه طبعٌ سخيفٌ متعب لأنه تصديق يُدخلُ على الحقائقِ والمُثُلِ التي رسخت بداخلهِ الشك فيهزها ويشوب صفاءَ رؤياها كما يشوبُ الماء التراب، ويخالطُها فيفسدَها ويجعل منها شيئا آخر ينفي عنها أصلها.

هذه الحقائق التي لا تُخالِطُ إلا نفسها لتكونَ، وتُقصدُ لذاتها، وتدل على نفسها بنفسِها وتنبذُ كل باطلٍ وتفنِدُهُ، كيف ننفي عنها ما هو منها: أنها يُضرب بها الباطل، فتظهرُ هي ويفنى هو! كيف لطبع انسانيّ ما أن يجعل من ضدين سواسية، لإرضاء عاطفةٍ ما بشرية؟

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (منالـ الشعباني)
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
وما أقدر ضجيج هذا العالم على طيِّنا داخِلَهُ طيًّا، وجرّنا لِسوافه الأمور جرّا،
وابتلاعنا وهضمنا ليطرحنا منهكين مستنزفين، وتشتيت رياحنا وتبديد أصواتنا الضائعة داخلهُ هباء..

ولكن حاشى! لعل الضجيجَ على كثافته الهباءُ، ولعل أصواتنا المنفردة المُتفرِّدة الضئيلةَ الخيرُ الذي يمكثُ في الأرضِ. لعل الضجيج، ضجيجُ زبدٍ ما يلبثُ أن ينحلَّ في صفاء صفحةِ الماء؟

ثم ما أقدرهُ أن يكون مُعينا على التناسي والنِّسيان ورفيقا للذاكرة القاصرة القصيرة وحليفا على تقليب قلوبنا لتجحدَ التثبُّتَ والثبات، وتتوقّفَ عن النُّموِّ والنَّبات. وما أنسبَهُ شريكا لنا في كلّ هروب، أكان هروبا من كل ما يتكلَّفُ استيعابه جُهدا وحُبُّه صدقا وسعيا وتأملا.. أو هروبا من أنفُسِنا.
ضجيجٌ ككأسِ الخمرِ يُذهِلُ من منهُ ينهلُ بشغفٍ عن ذاتهِ، ويذهبُ بوعيِهِ، ويستدرجُهُ لكأس ثانيةٍ وثالثة ورابعة إلى لا نهاية العدِّ..

مصابنا في ديننا وقيمنا وأفهامنا ما يلبثُ أن يصبح مرضا عضالا عند الفرد وفي الجماعة..

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (منالـ الشعباني)
تعودكُ الخيباتُ وقوفا جبانًا في مُنتصفِ الأشياءِ، دون أن يبدوَ الأمرُ كارتِكابِ جُرمٍ أو اقترافِ ذنبٍ.. عادي.

المُتاحُ مخيِّبٌ بِطبعِهِ والمُأمَّلُ بِطبعِهِ غيرُ متاحٍ ..

أو هكذا يرتسمُ الأمرُ لمن قد تلبسَ شعورُ الخيبةِ شجرة روحه فأسقط ثمارها قبل مواسمِ النضوج. هذا سادتي ما يمليهِ شيطانُ اليأسِ الذي أوطأ سقف الجميعِ فأصبحَ الزيفُ بديلا مرضيا عن الحقيقةِ..

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (منالـ الشعباني)
وإذا كانَ الحُبُّ همزة وصلِ العالمِ، والقيمة التي لا بُدَّ يمُرُّ بها الجميعُ، فهو حريٌّ بأن يُجعلَ مُوصِلاً لمكارمِ الأخلاقِ والسَّويّ من الشُّعورِ والكريمِ الجليل منهُ.
لا العكس.

وذلك من باب تقديس شعائر الله، والإحسان في الفعل وإلى النفسِ ومن باب الطهارة.

الصورة : صباط دار من دور مدينة تونس

#سنن
#في_استنطاق_الداء
#آية
#سلسلة
#تعلمو_الحب
#أدب
كأن العالم كله ينظر لقوتك، ولا يراك أنت! وينتظر كسرك، أو زلتك أو يحتاج سقوطك سقوطا لا رجعة لك فيه، فقط ليجدَ في ذاتهِ دافع الجبر أو دافع الإصلاح أو همة السعي!

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (منالـ الشعباني)
لا تكن غافلاً،
أنت يقينا مُحاربٌ. منتصبٌ أبدا في ساحة القتال. وعقلُك ذاك، عدوٌّ شرسٌ لدود.
أن تسأل لماذا؟ بمثابة رفعِ الترس.
أن تسأل لم لا؟ بمثابة استلال السّيفِ من الغِمـدِ.

#في_تشخيص_الدواء
#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (منالـ الشعباني)
في مرحلةِ النُّضوجِ وخِلالهُ، تطرأُ تحوُّلاتٌ حاسمةٌ على الإنسان. تنمو العظامُ وتشتدُّ، يتفرعُ طولُ الأطرافِ، تعيشُ الخلايَا وتتجددُ، تتفجرُ الطاقاتُ وتتوزعُ، يتناسقُ العملُ في انتظامٍ وإذعانٍ عجيبينِ. يهيِّئُ الجسدُ نفسه دائما للآتي، وتتوافقُ كل الأطرافِ في نموه وتتحاورُ فيما بينها، وتقبلُ راضيةً تدافعها وتزاحمها وتبادلها. توقرُ جديدها، وتتصالحُ مع نسخها المتعاقبةِ المختلفة عن سابق أمرها. وتسجلُ تجاربها في دفترِ حمضها بعنايةٍ مذهلةٍ وتحفظُ تاريخها أتمَّ الحفظِ، وتحدد بدقة ما هو منها وما هو غريبٌ عنها، ويعانقُ الكلُّ منها أجزاءهُ جميعا بحفاوةٍ تبلغُ من الدّفئ مبلغا ينسُجُ الحياة!

كذلك، ففي هذهِ المرحلة ذاتها، يُمتحنُ العبدُ في ثباتهِ ورجاحتهِ ويحتكُّ جلدُه الغضُّ الأملسُ بخشونة التجاربِ.. تكتملُ تجربةُ العقلِ ويكتمل وعيُهُ بالوجودِ بمُصاحبةِ الظلامِ بعدَ مُصاحبة النُّورِ ومُلامسة الأذى بعدَ ملامسة اللُّطفِ.. فتتشعب أسئلتهُ وعنها إجاباتها الممكنة وتتكاثرُ تحت قدميهِ السُّبلُ والمسالكُ.

آنذاك، يكونُ من سنن النُّموّ ذاتها وتراتيبِ الكونِ المُطَّردةِ المتقنةِ أنَّ الفضيلةَ في الإنسانِ تُغادرُ منزِلَ فطرتهِ لتستقِرّ في مقامِ عقله. [ لكي يعلمَ يقينًا ماذا وكيفَ وأنى ومتى].. ومن مستقرِّها الذي بوءته تكون وظيفتها الجديدة الذودَ عن الفطرةِ فتصونُ سلامتها وبقائها، أو تنتبه لخللٍ حاصلٍ فيها فتعملَ بتمكينِها من آلياتِ المُقاربة على تقويمهِ وتفاضِلَ بينَ أحوالها.

وبذلك تصبحُ فضيلتهُ أخيرًا نتاجَ وعيهِ وينبوعَ بصيرتهِ، ويغدو هو فردا مكلّفا مسؤولاً، لهُ ما له وعليهِ ما عليهِ. فرد حرٌّ يختارُ سُبُله، تامةٌ فيهِ شروطُ خلافتهِ.

وإذا كانَ نموُّهُ البُنيويُّ مُحكمًا لا إراديًّا، لا يتدخلُ فيه المرءُ بوعيهِ بحال من الأحوالِ. فإن نضوجهُ الروحيَّ محتكمٌ إلى الوعي مرتبط به، فهو ميزانهُ ومحركهُ أو هو دائهُ وسبب تأخرهِ! وقد يتمثَّلُ الداءُ في رفضِ انتقالِ الفضيلةِ من الفطرة إلى العقلِ ومقاومةِ حدوث ذلك. إما خوفا من عقلنةِ ما كان ينسابُ طبيعيًّا طيِّبًا دونَ جُهدٍ أو تفكيرٍ فتطربُ لجودةِ أصلهِ الروحُ وتطمأن لوجودِ خيرٍ فيها النفسُ. وهو خوفٌ واهمٌ يُعاكس تياراتِ الحياة ويصادمها. أو كسلاً عن التأمل والتفكر واستنباط المنطق السليمِ الذي يترجم الفطرة السليمة، أو خشية أن يلتاثَ النقاءُ السابقُ بالشوائب والسّوءِ المُكتشفِ! أو هو شيء من هذه الأسبابِ مُجتمعة.

لا ينقدحُ الوعيُ قويًّا مضيئا إلا إذا كانت الهنات والهفوات والعيوبُ والأخطاءُ جميعُها لهُ وَقودا، ينتبه إليها ويفهمها ويعالجها ويستهلك شرها احتراقا ويستخرج خيرها نورا.

"بل الإنسان على نفسه بصيرة!"

لا يصح أن يبصر عقلك شيئا، وتلتقط فطنتك علامةً، فتتظاهر بالعُمي ونورُ بصيرتك يكادُ بشدَّةِ انقداحهِ يحرقكَ، بل هو يحرقك فعلاً! فإذا بك تنهرهُ فزعا وتستقبحُ فعلهُ وإدراكهُ الذي خلق فيهِ فتنكرُ عليهِ نفسهُ وتقول له غض بصرك عن السوء! ما هذا بغض بصر وما تلكَ بفتنةٍ! أنت تبصرُ أصلا لأن اللّٰه جعلك مبصرا واعيا، لماذا تهابون أنفسكم؟ وتعطلونَ ملكاتكم؟ كيف سبيل الإصلاح دونما وعيٍ ينيرُ بذاتهِ بقع الظلام!

#في_استنطاق_الداء
#سنن
وإنك في حالِ تعلقتَ مُقبلاً مُدبرًا معًا، أو ارتهنتَ إلى أنصاف الأحوالِ والأشياءِ، ستُسقط سهوا جوهر نفسِك، وتغيبُ عنك ثمرةُ قلبكَ دونَما أن تنتبه أو تعي، وذلكما الإخلاصُ. فإن ما علّقت به نفسك قد أحالك إلى حاله، فأنت تريدُ ولا تُريدُ، وجعلك مثيلا لهُ، فأنت مقبل بشيء منك ومُدبِرٌ مِنكَ بشيء، لا تسيرُ وإنما تُسايرهُ مسلوبًا، وأنى يفلحُ ذا الذي حُرِمَ في أمورِهِ الاخلاص.

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (أرأيت ثم رأيت)
إن أسخفَ ما يعانيه المرء في طباعه أن يكونَ ميالا للتّصديقِ، مريضا به، أن يرغب رغبةً خالصةً نقيةً بتصديقِ كل ما يصدر عن الآخرين، بغض النظر عما يصدر عن الآخرين، تصديقًا يعفيهِ من الشكِّ في ما يقولون، والمفاضلة بينهم والتفرقة بين خيِّرهمْ وأشرّهم ومن الرزية ببعضهم بل قل بأغلبهم وما يظهرون وما يبطنون، فيُريحهُ من مداخل شيطانِهِ عليهِ. وهو طبعٌ لا محالة نابع عن طيبِ نفسٍ وجمالٍ داخليّ أصيل ولكنه طبعٌ سخيفٌ متعب لأنه تصديق يُدخلُ على الحقائقِ والمُثُلِ التي رسخت بداخلهِ الشك فيهزها ويشوب صفاءَ رؤياها كما يشوبُ الماء التراب، ويخالطُها فيفسدَها ويجعل منها شيئا آخر ينفي عنها أصلها.

هذه الحقائق التي لا تُخالِطُ إلا نفسها لتكونَ، وتُقصدُ لذاتها، وتدل على نفسها بنفسِها وتنبذُ كل باطلٍ وتفنِدُهُ، كيف ننفي عنها ما هو منها: أنها يُضرب بها الباطل، فتظهرُ هي ويفنى هو! كيف لطبع انسانيّ ما أن يجعل من ضدين سواسية، لإرضاء عاطفةٍ ما بشرية؟

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (أرأيت ثم رأيت)
ولعل من أفدَحِ ما صنع هذا العصر بنا أنَّهُ شتَّت اللُّحمةَ التي كانها الانسان، أنه عبث بتواصليتهِ، وشرذَمَ ذاكرتهُ قِطَعًا بفصلها بعضها عن بعضٍ. وعبث بانتماءِه لنفسه، وانتماءه لغيرِهِ.

أنه جعل إنسانيتهُ شيئا قابلاً للقسمةِ، والتوزيعِ، و"التصرف". وأوجدَ من بعدُ طرقًا في معالجة القطع تتناسبُ وصياغتهُ التفكيكية للانسان، ك"استهلاكِ" ما يُفصلُ وتفريغه من معناهِ وتكراره وبيعه وشراءه. شذرات منثورة يفصلُ بعضُها عن بعضٍ ولا يطلب منها أن يكون أحدُها استمرارا لبقية القطعِ!

هكذا وقتنا؛ جعل قسمة الانسان أمرا ممكنا حلوا مُستساغا، وأباح أن يُؤخذ بعضُهُ ويترك بعضهُ وألا يؤخذَ كله في جميع الأحوال. فلا يتحمل بعد ذلك انسانٌ مسؤولية كاملة في أن يكون انسانًا، أو أن يعاملَ انسانًا!

#في_استنطاق_الداء
Forwarded from أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ (أرأيت ثم رأيت)
أُولى نقاطِ تردِّي الإنسان وضعفه في رأيي هي عجُزهُ أن يُمَيِّز منْ مِنَ النَّاس أمكنهُ الوُثوقُ بهِ، ومن لا يكونُ محلا لثِقَتِهِ. ومن يَحسُنُ السعيُ بموازاتهِ ومن تَحسُنُ مُعاكسةُ تيَّاراتِه: من لا ينبغي اتِّباعُهُ، وتصديقهُ والتواجُدُ معه. أن ينتَبِه لكل ذلكَ وعِللهِ وأن يميز الخيّر منهم ويلوذ به. ويتمترسَ عنده وينتمي إليه، ويعرف فيه أهله، فيدفع عنه غربته، ويضُمَّ إليهِ صوْتهُ.. لا ليقال بعضُهم أولياء بعض وحسب بل ليُقالَ لتكونا أُمّةً.

#في_استنطاق_الداء