أرأيتَ ثمَّ رَأَيْتَ
269 subscribers
1.04K photos
9 videos
2 files
85 links
شيءٌ يحتاجُ إرجاعَ البَصَرِ، وإرجاعَ الفهمِ كرّة وكرّتينِ.. كما هو نتاجُ ذلكـ.
Download Telegram
Forwarded from اقْــــرأْ
عن ذلك المُنبتّ: الذي عاشَ فلم يعِش، وكان ولم يكن، وصاحَبَ فلم يصاحِبْ، واؤتُمِن فلم يأمَنْ، وأمَنَ فلم يُؤتمن، واختار السكون دائما في الإحداثيات الخاطئة، فما سكنَ! وأحب دائما الأمكنة والأزمنة التي تنبذه وتلفظه كما تُلفظُ النواةُ. وكان يحلو له مذاق قوتهِ من غيرِ يديهِ، والانتفاعُ بغيرِ إنفاقه، وكان يناقضُ نفسهُ فكان وحدهُ عدوها حتى في عدائهِ للآخرين!

عن عاقبة هذا المُنبتِّ الذي لا أرضا -خلال مروره- قطعَ، ولا ظهرًا -بعد رحيلهِ- أبقى، تستفرد القطعة قبل الأخيرة من خماسية
مدن الملح بالخَبرِ والإخبارِ ..

وبعد أن أصبح واضحا في أذهاننا عن أي منبت يحدثنا منيف وإن كان يحدثنا عنه من خلال شخوصِ السلاطين وأصحاب القوة والجاه والمال، فهوَ ليس الفردَ وحده في شخصيته، ولا حتى المدن في تقلبها وتبدلها، بل هو المجتمع كاملا، ملموسا في خصوصيته ووحدته وحضارته.. فما ننتهي إلى هذا الجزءِ وتقع أعيننا على الغلاف بعنوانه حتى يحدثنا اللفظُ ويجاهر بما سيكون ونغرق به في التأملات.

وكما أن المنبت لا يبقِي أثرا أو وتدا ثابتًا قويا يُستندُ إليهِ من بعدهِ، لم يُبقِ منيف في هذا المقامِ من مقامات حديثه لونًا من ألوان الخُذلان والخيبةِ وأسى الإنسانِ على نفسهِ في أواخرِ الطرق وخواتيمِ الخطى إلا وعرّجَ عليهِ، بل وجعلهُ كثيفًا خانقًا كما الدُّخان. فكان لهذا الحديثِ متواصلا مسترسلا طعمُ مرارة يطغى. ممزوجا بطعمِ الجمال امتزاجا منيفيا بديعا.

جزءٌ خصصه منيف للمأساة ولا شيء غير ذلك. فكانت وقفة التفكر الملحة بعدَ المسيرِ الطويلِ. وبدت انسانية في جوهرها أخلاقية في منبتها. ثم اجتماعية وحضارية في تجليها. أما ما يبهر ويؤنس في الآن ذاته، ولا يكاد يغيب في حرفه أبدا فهو استعانَته في الإتيان بالحكاية وضبط ايقاعها كما هي طريقته الأخاذة دوما بالطبيعة والخيلِ والنساء والمنافي. كما كانت أحداثها كلها تجري في المنفى وتحتَ مطاحنِ الاغترابِ.


#مدن_الملح #المنبت #عبد_الرحمن_منيف #مراجعة