فتاوى الشيخ فركوس
13.9K subscribers
15 photos
2 videos
1 file
543 links
قال ابن القيم رحمه الله :
‏و تبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو .(بدائع التفسير (2/416)
Download Telegram
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
فتاوى الصيام ـ صوم التطوُّع

في حكم صيام التطوُّع قبل قضاء الواجب
السؤال:
هل يجوز صيامُ التطوُّع قبلَ قضاءِ رمضان؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا خلافَ في أنَّ قضاءَ الصيامِ الواجبِ أحرى مِنْ أداء التطوُّع لقوَّة الواجب وعُلُوِّ مرتبته على المُستحَبِّ؛ إِذِ الواجباتُ والفرائضُ مِنْ أحَبِّ القُرَبِ إلى الله تعالى، قال اللهُ تعالى في الحديث القدسيِّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»(١)؛ كما يتأكَّدُ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ وجوبُ تقديم قضاءِ رمضانَ على التطوُّع إذا ما خَشِيَ المكلَّفُ به فواتَ صحَّةٍ أو ضَعْفَ قُدرةٍ أو ضِيقَ وقتٍ، فإنه يَأْثَمُ بتأخير القضاء عند حصول العجز عن القيام به؛ إذ الواجبُ المطلقُ مِنْ ناحيةِ وقته أصبحَ مُقَيَّدَ الزَّمَنِ، يتعيَّن القيامُ بما هو مكلَّفٌ به في الحال وإلَّا كان مُضيِّعًا للمأمور بأدائه؛ وفي كُلِّ الأحوال ينبغي المسارعةُ إلى الطاعة بالمبادرة إلى قضاء الواجب عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٤٨﴾ [المائدة]، وقولِه تعالى: ﴿وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣﴾ [آل عمران].
كما أنَّ الحديث الواردَ في فضلِ صيامِ الأيَّام السِّتَّة مِنْ شوَّالٍ ينصُّ بظاهره أنه لا يتحصَّل على ثواب صوم الدهر إلَّا مشروطًا بصيامِ رمضانَ ثمَّ إتباعه بستٍّ مِنْ شوَّالٍ في قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»(٢)؛ إذ يَلْزَمُ مِنْ تقديم صيام السِّتِّ مِنْ شوَّالٍ على قضاءِ رمضانَ عدمُ استكمال الشهر وهو مخالفٌ لمَفاد الحديث؛ لذلك يُستحَبُّ تقديمُ قضاءِ رمضانَ ليُتبَعَ بصيامِ سِتٍّ مِنْ شوَّالٍ ـ تحقيقًا لظاهر الحديث ـ ليحوز على ثوابِ صوم الدهر.
وإنَّما ذكَرْتُ الاستحبابَ بدلًا مِنَ الوجوب لاحتمالِ توجيه الخطاب بالحكم للعامَّة؛ لأنَّ عامَّة الصائمين الذين رَغَّبَهُم الشرعُ في التطوُّع يؤدُّون صيامَ رمضانَ جميعِه؛ الأمرُ الذي يقوِّي احتمالَ كونِ لفظ الحديث في قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» قد خَرَج مخرجَ الغالبِ الأعمِّ فلا مفهومَ له؛ ويُؤكِّدُ هذا الاحتمالَ حديثُ ثوبانَ رضي الله عنه عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ»(٣)؛ فإنَّ ظاهِرَ الحديث يدلُّ على أنَّ صيامَ شهرِ رمضانَ بعشرةِ أشهرٍ؛ لأنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وكذلك في ستَّة أيَّامٍ مِنْ شوَّالٍ في كِلَا الحالتين يحصل ثوابُ صوم الدهر، سواءٌ تخلَّف القضاءُ عن التطوُّع أو تَقدَّم عليه.
فالحاصل: أنه إذا قَوِيَ هذا الاحتمالُ وظَهَر فإنه ـ بِغَضِّ النظر عن أولوية الفرض على التطوُّع والنفل ـ يتقرَّر جوازُ صيام السِّتِّ مِنْ شوَّالٍ قبل قضاءِ رمضانَ، خاصَّةً لمَنْ ضاق عليه شهرُ شوَّالٍ بالقضاء.
أمَّا صيامُ سائرِ التطوُّعات الأخرى كصيامِ عَرَفةَ أو عاشوراءَ أو أيَّامِ البِيض ونحوِها فإنه ـ على الصحيح مِنْ أقوال أهل العلم ـ يجوزُ الاشتغالُ بالتطوُّع قبل قضاءِ رمضانَ وهو مذهبُ الحنفية والشافعية وروايةٌ عن أحمد؛ إذ لم يَرِدْ في الشرع دليلٌ يمنع مِنْ ذلك، بل وَرَد مِنَ النصِّ القرآنيِّ ما يُفيدُ أنَّ وقت القضاء مُطلَقٌ في قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤، ١٨٥]، حيث يدلُّ نصُّ الآية على جوازِ تأخيرِ رمضانَ لمَنْ أفطر مُطلقًا مِنْ غيرِ اشتراط المبادرة بالفعل بعد أوَّل الإمكان، ومُطلَقيَّةُ وقتِ القضاء هو مذهبُ جماهير السلف والخلف؛ كما يدلُّ عليه ـ أيضًا ـ إقرارُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لفعلِ عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ»(٤)؛ قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وفي الحديث دلالةٌ على جوازِ تأخيرِ قضاءِ رمضانَ مُطلقًا، سواءٌ كان لعُذْرٍ أو لغير عُذرٍ؛ لأنَّ الزيادة كما بيَّنَّاه مُدْرَجةٌ(٥)؛ فلو لم تكن مرفوعةً لَكان الجوازُ مُقيَّدًا بالضرورة؛ لأنَّ للحديث حُكْمَ الرفع؛ لأنَّ الظاهر اطِّلاعُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم على ذلك، مع توفُّر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع؛ فلولا أنَّ ذلك كان جائزًا لم تُواظِبْ عائشةُ عليه»(٦).
قلت: إنما جاز تأخيرُها للقضاء مع انتفاء الشكِّ في حرصها على عدم التفويت على نفسها رضي الله عنها لفضائلِ صيام النفل أثناءَ السَّنَة، كحرصها على العمرة حيث وَجَدَتْ في نفسها أَنْ ترجع صواحباتُها بحجٍّ وعمرةٍ مُستقِلَّيْن وترجعَ هي بعمرةٍ في ضمنِ حَجَّتها، فأمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أخاها أَنْ يُعْمِرَها مِنَ التنعيم تطييبًا لقلبها(٧)؛ أمَّا مِنْ جهة المعقول فإنه في باب الواجب الموسَّع إذا جاز الاشتغالُ بالتطوُّع مِنْ جنس الواجب قبل أدائه كالرواتب القبلية للصلوات المفروضة فإنه يجوز في الواجب المُطلَق مِنْ بابٍ أَوْلى كما هو شأنُ قضاءِ رمضانَ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ شوَّال ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ أكتوبر ٢٠٠٧م
 

(١) أخرجه البخاريُّ في «الرِّقاق» باب التواضع (٦٥٠٢) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١٦٤) مِنْ حديثِ أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رضي الله عنه.
(٣) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢٢٤١٢) مِنْ حديثِ ثوبانَ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب» (١٠٠٧).
(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» باب: متى يُقْضَى قضاءُ رمضان؟ (١٩٥٠)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٤٦).
(٥) مقصودُه: الروايةُ التي أخَّرَتْ فيها القضاءَ إلى شعبانَ لمانعِ الشغل بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم.
(٦) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٩١).
(٧) «زاد المعاد» لابن القيِّم (٢/ ٩٤)، وانظر الفتوى رقم: (٧١٢) الموسومة ﺑ: «في حكم تكرار العمرة» على الموقع الرسميِّ.
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM

الفتوى رقم: ١١٠١
الصنف: فتاوى الأسرة - المرأة
في حكم الخلوة بأمِّ زوجة الأب
السؤال:
هل تجوز لي مصافحةُ أمِّ زوجةِ أبي والسّفرُ معها والخلوةُ بها؟ أو بعبارةٍ أخرى: هل هي من المحارمِ؟ أفيدونا وشكرًا لكم.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فالمعلومُ أنّ كلَّ ذكرٍ له عليك ولادةٌ مهما علا فإنّ زوجتَه محرّمةٌ عليك بمجرَّدِ العقدِ؛ لأنّه أبوك وهي زوجتُه، فزوجةُ الأبِ وزوجةُ الجدِّ -سواءً كان الجدُّ من أبٍ أو من أمٍّ- كلُّهنّ من المحرّماتِ؛ لقولِه تعالى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢].
وكلُّ ذكرٍ لك عليه ولادةٌُ مهما نزل فإنّ زوجتَه محرّمةٌ عليك؛ لأنّه ابنُك وهي حليلتُه، فزوجةُ ابنِك وزوجةُ ابنِ ابنِك مهما نزل كلُّهنّ من المحرّماتِ؛ لقولِه تعالى: ﴿وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، ويدخل في الآيةِ -أيضًا- زوجةُ ابنِ ابنتِك؛ لقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم في الحسنِ بن عليٍّ رضي اللهُ عنهما: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ»(١)، وهو ابنُ ابنتِه فاطمةَ رضي الله عنها.
هذا، ولا تتعدّى الحُرمةُ من زوجةِ الأبِ وزوجةِ الابنِ إلى الأمّهاتِ والبناتِ؛ لأنّ المحرَّماتِ من جهةِ المصاهرةِ يختصّ التّحريمُ فيهنّ بالأصلِ دون الفرعِ، وفي بعضِها يختصّ بالفرعِ دون أصلِه عند كافّةِ المذاهبِ(٢)، فللابنِ أن يتزوّجَ بأمِّ زوجةِ أبيه، كما يجوز له أن يتزوّجَ بنتَ زوجةِ أبيه -من غيرِ الأبِ- وهي الرّبيبةُ. كما لا يَحْرُم على الأبِ أن يتزوّجَ بأمِّ زوجةِ ابنِه، ويجوز له -أيضًا- أن يتزوّجَ بربيبةِ ابنِه وهي بنتُ زوجةِ ابنِه، فالتّحريمُ -إذًا- يُقْصَر على موضعِه الذي ثبت فيه، ويبقى ما عداه على الأصلِ من الجوازِ؛ لعمومِ قولِه تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤].
وبناءً عليه، فإنّ أمَّ زوجةِ أبيك ليستْ محرمًا لك، بل هي أجنبيّةٌ يَمْتنع -شرعًا- الخلوةُ بها في السّفرِ والحَضَرِ، كما لا يَحِلّ لك مصافحتُها أو تقبيلُها أو غيرُ ذلك ممّا هو ممنوعٌ مع الأجنبيّاتِ وجائزٌ مع المحارمِ.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين وسلّم تسليما.
الجزائر في: ٠٨ جمادى الأولى ١٤٣٢ﻫ
المـوافق ﻟ: ١٢ أبـريــل ٢٠١١م
(١) أخرجه البخاري في «الصلح» (٢/ ٧) رقم (٢٧٠٤) باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم للحسن بن علي رضي الله عنهما: «ابْنِي هَذَا..»، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(٢) انظر: «رد المحتار» لابن عابدين (٣/ ٣١)، «التفريع» لابن الجلاّب (٢/ ٤٤)، «روضة الطالبين» للنووي (٧/ ١١٢)، «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ٢٩٠)، «منار السبيل» لابن ضويان (٢/ ١٦٥)، «الجوهرة النيّرة» للعبّادي (٢/ ٤)، «الفقه على المذاهب الأربعة» للجزيري (٤/ ٦٢).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM

الفتوى رقم: ١٠٩١
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج
في حكم ارتفاع العروس على المِنصَّة
السؤال:
هل يجوز للعروس أن تجلس على وسادةٍ فوق كرسيّ وتضعَ رجلَيْها على وسادةٍ أخرى؟ وكثيرًا ما يكون مجلسُها عاليًا على باقي النساء الجالسات. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإن خلا المجلسُ مِن مَظاهِرِ الافتخار والتعالي والتباهي فلا بأس به؛ لأنَّ سرير العروس وكرسيَّها معروفٌ عند الأوَّلين ﺑ «المِنَصَّة» التي تقعُدُ عليها العروسُ في حفلِ الزواج، قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «فإنَّ النصَّ ـ في اللغة ـ بمعنى الظهور، كقولهم: «نصَّتِ الظبيةُ رأسَها» إذا رفَعَتْه وأظهرَتْه.
قال امرؤُ القيس:
وَجِيدٍ كَجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ

إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلَا بِمُعَطَّلِ

ومنه سُمِّيَتْ مِنَصَّةُ العروس للكرسيِّ الذي تجلس عليه لظهورِها عليه»(١).
وجاء في «تاج العروس»: «نَصَّ العروسَ يَنُصُّها نَصًّا: أَقْعَدَها على المِنَصَّة ـ بالكسر ـ لِتُرَى، وهي ما تُرْفَعُ عليه كسريرها وكرسيِّها»(٢).
غيرَ أنَّ هذا الجوازَ مشروطٌ بأنْ لا تَعْرِضَ زينتَها وحُسْنَها للرجال الأجانب، أو في موضعِ اختلاطِهم مع النساء الاختلاطَ الآثمَ المحرَّمَ، وأَنْ لا يشاركَها زوجُها في تلك المِنصَّة ومعها النساءُ الأجنبيَّاتُ عنه على وجهِ التلاقي والإحاطة؛ فإنَّ مِثْلَ هذه المَظاهِرِ إخلالٌ بالحشمة والتستُّر والأخلاقِ يأباه دينُنا الحنيف.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٧ ربيع الأوَّل ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ فبراير ٢٠١١م
(١) «روضة الناظر» لابن قدامة (١٧٧).
(٢) «تاج العروس» للزبيدي (١٨/ ١٧٩).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM

الفتوى رقم: ١٠٩٠
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج
في حكم التصديرة
السؤال:
كثيرٌ مِن النِّساء في يوم زِفافِهنَّ يَقُمْنَ بما يُسمَّى: «التصديرة»، ويُوجَدُ معها عادةً «الحِنَّاء»، وقد اجتمعت في هذه العادةِ أمورٌ كثيرةٌ منها: اعتقاد أنَّه إذا لم تُحَنَّ العروسُ فلن تُنْجِبَ الذرِّيَّة، وبعد انتهاء «الحِنَّاء» يجب إخفاءُ الإناء الذي مُزِجَتْ فيه «الحِنَّاء» لكي لا يقع في أيادٍ خبيثةٍ حاسدةٍ تستخدمه في السحر وإلحاقِ الضرر بالعروس، وكذا «الحِنَّاء» التي في يد العروس يجب أن لا تقع في يدِ أحَدٍ فيستعملَها في السحر ـ والعياذ بالله ـ، وتُمْزَج الحنَّاءُ أحيانًا بالبيض اعتقادًا منهنَّ أنَّ البيض مِن علامات الإنجاب والولادة وجلبِ السعادة للزوجين.
فبعد سَرْد هذه المعتقَدات حول هذه العادةِ فما حكمُها؟ مع العلم أنَّ النساء يُنْكِرنَ وجودَ هذه الاعتقادات، ويَتَحَجَّجْنَ بأنَّها عادةٌ وعلامةُ فرحٍ، ونيَّتُهنَّ صافيةٌ، وإذا طُلِب منهنَّ عدمُ القيام بها بناءً على أنَّها مجرَّدُ عادةٍ، وأنَّه لا يضرُّ إن لم تُفْعَل؛ أَبَيْنَ وأَصْرَرْنَ عليها. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالتصديرة ـ وإن كان المرادُ منها مُباحًا وهو أن تتصدَّر المرأةُ على مِنَصَّةٍ مُرْتفِعةٍ تعلو جَمْعَ النساء اللواتي يُحِطْنَ بها على وجهِ البروز إكرامًا لها ـ إلَّا أنَّ حُكْمَها يتغيَّر بوجودِ المحاذيرِ الشرعية الواردةِ في السؤال، منها:
أَوَّلًا: «التصديرة» فيها إسرافٌ وتبذيرٌ في الفساتين التي تَلْبَسُها العروسُ يومَ عُرسها، والتي تدفع عليها ثمنًا باهضًا، ومُعْظَمُها لا يُستعمَل بعد ذلك، كما أنَّ فيها مَدْعاةً للافتخار والمباهاة، كما أنَّ العروس تُضْطَرُّ لكشفِ عورتِها أمام مَن تُعِينُها على ارتداءِ وتغييرِ ملابسها على التَّكرار، وإذا تَضمَّنَتْ هذه المحاذيرَ مع الإسراف والتبذيرِ فلا شكَّ أنَّه لا يجوز؛ لأنَّ الله تعالى نهانا عن التبذير حيث قال ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا ٢٧﴾ [الإسراء].
ثانيًا: أمَّا عن صفةِ «الحنَّاء» الواردةِ في السؤال فالجوابُ أنَّ «النِّيَّةَ الحَسَنَةَ لَا تُبَرِّرُ الحَرَامَ بِحَالٍ»؛ فإذا كانت هذه العادةُ ممزوجةً بتلك الاعتقاداتِ فإنَّ القيامَ بفعلها ضربٌ مِن الشِّرك الذي يَزْجُرُ عنه الشرعُ، وفي الحديث عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ»(١)، وفي حديثٍ آخَرَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»(٢)، وفي حديثٍ مرفوعٍ: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»(٣).
فكلُّ عادةٍ مُحرَّمةِ الأصلِ فالتذرُّعُ بتحكيمها باطلٌ في الشرع؛ إذ إنَّ «العُرْفَ أَوِ العَادَةَ إِذَا كَانَ يُحَرِّمُ حَلَالًا أَوْ يُحِلُّ حَرَامًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَبَاطِلٌ»، والاعتدادُ به غيرُ جائزٍ شرعًا، وآثِمٌ صاحِبُه، وما دام اعتقادُه على هذا الوجهِ المنهيِّ عنه متفشِّيًا عند عامَّةِ الناس فإنَّ نَفْيَ بعضِهم لقصدِ هذا الاعتقادِ لا يُصيِّرُ هذا الفعلَ حلالًا؛ لأنَّ الأصل معروفٌ بهذا الاعتقادِ المحرَّم، والتَّمَسُّكُ بإرادة التزيُّن والتجمُّل لا ينفي بقاءَ المعتقَدِ الفاسد في آحادِ الناس؛ فيكون العملُ به بهذه الصورةِ إعانةً على الباطل والإثم، حيث قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾ [المائدة: ٢].
لذلك يُمْنَع الطريقُ المؤدِّي إلى الفساد مُطْلَقًا عملًا بمبدإ «سَدِّ الذرائع»، ولأنَّ دَفْعَ مفسدةِ الاعتقاد المحَرَّم أَوْلى مِن جَلْبِ مصلحةِ التجمُّل والتزيُّن كما هو مُقرَّرٌ في قواعدِ مَصالِحِ الأنام، أمَّا تزيُّنُ المرأة بالحنَّاء لزوجها فمعلومٌ جوازُه.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ شعبان ١٤١٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧ ديسمبر ١٩٩٨م
(١) أخرجه أبو داود في «الطبِّ» بابٌ في تعليق التمائم (٣٨٨٣)، وابن ماجه في «الطبِّ» باب تعليق التمائم (٣٥٣٠)، وأحمد (٣٦١٥)، مِن حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الصحيحة» (٣٣١) وفي «صحيح الجامع» (١٦٣٢).
(٢) أخرجه أحمد (١٧٤٢٢)، والحاكم في «المستدرك» (٧٥٠١) ولفظه: «مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، مِن حديث عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الصحيحة» (٤٩٢).
(٣) أخرجه الترمذيُّ في «الطبِّ» بابُ ما جاء في كراهية التعليق (٢٠٧٢)، وأحمد (١٨٧٨١)، والحاكم (٧٥٠٣)، مِن حديث عبد الله بن عُكَيْمٍ رضي الله عنه، والنسائيُّ في «تحريم الدم» باب الحكم في السحرة (٤٠٧٩) مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب» (٣٤٥٦)، ومحقِّقو «مسند أحمد» طبعة الرسالة (٣١/ ٧٨).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

الفتوى رقم: ١٠٨٩
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج
في شرطية الإشهاد في النكاح ولزومِ توثيقه
السؤال:
تبعًا لِما ذكرتم في فتوى «حكم التكسُّب بضربِ الدفِّ في الأعراس»، فهل يجوزُ إقامةُ الأعراس بدون ضربِ الدفِّ؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيجوز إقامةُ عُرْسٍ بدون الإعلان عنه إذا ما تحقَّق الإشهادُ مع بقيَّةِ شروط النكاح في مجلس العقد؛ لأنَّ الإشهادَ بشاهدَيْ عدلٍ هو القَدْرُ المشروطُ في صحَّة النكاح؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»(١)، وبالإشهاد يتميَّز النكاحُ عن السفاح؛ لذلك كان توثيقُ الشهادة في عقود النكاح وتدوينُها في سِجِلِّ الحالات المدنية أمرًا حتميًّا، حفاظًا على حقوق الزوجة، وإثباتًا للفراش عند الجحود، وتأمينًا لحقِّ الولد مِن تضييعِ نَسَبِه.
أمَّا إعلانُ النكاح فمُستحَبٌّ عند الجمهور خلافًا لمالكٍ وابنِ تيمية ـ رحمهم الله ـ(٢)، وقد يتأكَّد الإعلانُ عن النكاح فيما إذا شَهِد عليه الشهودُ ولم يُعْلنوه للناس، ويدلُّ على آكِدِيَّتِه ـ في هذه الحالِ ـ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ»(٣)، ويتمُّ ذلك بأيَّةِ وسيلةٍ تُخْرِج النكاحَ مِن سرِّيَّتِه ليتميَّزَ عن الزنا، غيرَ أنه يُسْتَحْسَنُ أَنْ يكون الإعلانُ بضربِ الدفِّ لكونه أَبْلَغَ في الإعلان، وقد ثَبَتَ في ذلك أحاديثُ نبويةٌ منها قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلَالِ وَالحَرَامِ: الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ»(٤).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ صفر ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ جانفي ٢٠١١م
 
(١) أخرجه ابن حبَّان في «صحيحه» (٤٠٧٥)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٧/ ١٢٥)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٥٥٧).
(٢) انظر: «المغني» لابن قدامة (٦/ ٤٥٠)، «عارضة الأحوذي» لابن العربي (٥/ ١٨ ـ ١٩)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٧/ ٢٣٩، ٣٢/ ٣٥، ١٢٧ـ ١٢٩).
(٣) أخرجه ابن حبَّان (٤٠٦٦)، وأحمد (١٦١٣٠)، والبيهقيُّ (١٥٠٥٢)، مِن حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما مرفوعًا. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «آداب الزفاف» (١٨٤) وفي «صحيح الجامع» (١٠٧٢).
(٤) أخرجه الترمذيُّ في «النكاح» بابُ ما جاء في إعلان النكاح (١٠٨٨)، والنسائيُّ في «النكاح» بابُ إعلان النكاح بالصوت وضربِ الدفِّ (٣٣٦٩)، وابن ماجه في «النكاح» باب إعلان النكاح (١٨٩٦)، وأحمد في «مسنده» (١٥٤٥١)، مِن حديث محمَّد بن حاطبٍ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٧/ ٥٠) رقم: (١٩٩٤) وفي «آداب الزفاف» (١١١).

فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss

الفتوى رقم: ١٠٨٥
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج
في حكم التكسُّب بضرب الدفِّ في الأعراس
السؤال:
هل يجوز أخذُ مُقابِلٍ ماليٍّ على الضَّرب بالدُّفِّ؟ وهل هو مِنْ باب الإجارة أو الجُعْلِ؟ وهل يَحْسُن بطالبةِ علمٍ أَنْ تضربَ به إذا كانَتْ محتاجةً حَتَّى لا تتكفَّفَ الناسَ، أم تختصُّ الرُّخصةُ فيه بالإماءِ الجواري والبناتِ الصغيرات؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فضربُ النِّساءِ الدُّفَّ في مُناسَبةِ أيَّامِ العيد أوِ العُرس ونحوِ ذلك لإشاعة الفرح وإدخالِ السُّرور وترويحِ النَّفس جائزٌ دون سائرِ آلاتِ اللَّهو والمعازف؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ»(١)، ويجوز أَنْ يكون الدُّفُّ مصحوبًا بغنائهنَّ إذا خَلَتْ كلماتُه مِنْ فُحْشٍ أو تحريضٍ على إثمٍ أو ذِكْرِ محرَّمٍ، وبصوتٍ في محيطهنَّ بحيث يحصل معه الأمنُ مِنَ الفتنة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَرَامِ وَالحَلَالِ: الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ»(٢)، والمرادُ بالدُّفِّ هو ما كان في زمنِ المتقدِّمين خاليًا مِنَ الجلاجل، ويدخل في الصَّوتِ: الغناءُ المُباحُ، وصوتُ الحاضرين بالتهنئة، والنَّغمةُ في إنشاد الشِّعر المباح(٣).
والمعلومُ أنَّ الأحاديث الصحيحة الواردةَ في ضربِ الدُّفِّ والغناءِ إنَّما فيها الإذنُ للنساء، وخُصَّ بهنَّ فلا يَلْتَحق بهنَّ الرجالُ لعموم النهيِ عن التشبُّه بهنَّ(٤).
ولا يُشترَطُ في ضربِ الدُّفِّ عند إعلان النكاح ونحوِه سنٌّ مُعيَّنةٌ ـ في حدودِ علمي ـ لأنَّ وقوعَه مِنْ بناتِ الأنصار غيرِ البالغات في حديث الرُّبَيِّع بنتِ مُعوِّذٍ رضي الله عنهما(٥) لا يَلْزَمُ منه مَنْعُه عن البالغات، وقد ثَبَتَ مِنْ حديثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى»، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلَّا فَلَا»»(٦)، وله شاهدٌ مِنْ حديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ»، قَالَ: «أَوْفِي بِنَذْرِكِ»»(٧).
هذا، وإذا كان الدُّفُّ للنِّساءِ مُباحًا استثناءً مِنْ عمومِ المعازف المحرَّمة في الإسلام فإنَّ التكسُّبَ به فرعٌ عن مشروعيَّتِه؛ فالضربُ بالدُّفِّ للنساء فعلٌ يُحتاج إليه في إعلان النكاح ونحوِه ومأذونٌ فيه شرعًا، ولا يَختصُّ الإذنُ بأَنْ يكونَ فاعلُه مِنْ أهلِ القُربة؛ فجاز الاستئجارُ عليه بدفعِ المال للدَّفَّافات لأنَّه عملٌ مُباحٌ، وقد اتَّفق الفقهاءُ على جوازِ استئجار الإنسان على الأفعال المباحة(٨).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٦ من المحرَّم ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ ديسمبر ٢٠١٠م
 
(١) أخرجه البزَّار في «مسنده» (٧٥١٣)، والضياءُ في «الأحاديث المختارة» (٢٢٠٠)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه. وقال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٣/ ١٠٠): «رجالُه ثِقاتٌ». والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٧٩٠) رقم: (٤٢٧).
(٢) أخرجه الترمذيُّ في «النكاح» بابُ ما جاء في إعلان النكاح (١٠٨٨)، والنسائيُّ في «النكاح» بابُ إعلان النكاح بالصوت وضربِ الدفِّ (٣٣٦٩)، وابنُ ماجه في «النكاح» بابُ إعلانِ النكاح (١٨٩٦)، وأحمد في «مسنده» (١٥٤٥١)، مِنْ حديثِ محمَّد بنِ حاطبٍ الجُمَحيِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٧/ ٥٠) رقم: (١٩٩٤) وفي «آداب الزفاف» (١١١).
(٣) انظر: «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (٤/ ٢٠٩).
(٤) لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»، أخرجه البخاريُّ في «اللباس» باب: المتشبِّهون بالنِّساء والمتشبِّهاتُ بالرِّجال (٥٨٨٥). وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٢٢٦)، «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (٤/ ٢١٠).
(٥) أخرجه البخاريُّ في «النكاح» بابُ ضربِ الدُّفِّ في النكاح والوليمة (٥١٤٧) عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعوِّذٍ رضي الله عنهما قالت: «جَاءَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ»، فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ»».
(٦) أخرجه الترمذيُّ في «المناقب» بابٌ في مناقبِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه (٣٦٩٠)، وأحمد في «مسنده» (٢٣٠١١)، مِنْ حديثِ بُرَيْدة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٥/ ٣٣٠) رقم: (٢٢٦١).
(٧) أخرجه أبو داود في «الأيمان والنذور» بابُ ما يُؤْمَرُ به مِنَ الوفاء بالنذر (٣٣١٢). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٨/ ٢١٣) رقم: (٢٥٨٨).
(٨) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٢٢٠ ـ ٢٢١).
فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
‏ألّف الإخنائيّ رسالة ردّ فيها على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في نهيه عن شدّ الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فتهجم عليه وغلَط في حقّه, وافترى عليه ما لم يقله, ووصفه بالضلال.
ومما قاله في ردّه: "لقد ضلّ صاحب هذه المقالة وأضلّ، وركب طريق الجهالة واستقل، وحاد في دعواه عن الحق وما جاد، وجاهر بعداوة الأنبياء وأظهر لهم العناد، فحرّم السفر لزيارة قبره وسائر القبور، وخالف في ذلك الخبر الصحيح المأثور، وهو ما ورد عنه صلى الله عليه وسلّم في الصحيح أنه قال: "زوروا القبور".. وقال: وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلّم استأذن ربه في زيارة قبر أمّه فأذن له، وأجيب في ذلك لما سأله, فعلام يحمل هذا القائل زيارته لقبر أمه ومشيه الذي منه صدر؟ فإن حمله على التحريم فقد ضلّ وكفر، وإن حمله على الجواز والنَّدْب فقد لزمتْه الحجة والتقم الحجر".
فكان جواب شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "نحن نعدل فيه ونقصد قول الحق والعدل فيه، كما أمر الله تعالى؛ فإنه أمر بالقسط على أعدائنا الكفار، فقال سبحانه وتعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى}, فكيف بإخواننا المسلمين، والمسلمون إخوة، والله يغفر له ويسدّده ويوفقه وسائر إخواننا المسلمين".
فانظر إلى إنصافه وعدله بل ودعائه لمن جاهره بالعداوة, وخالفه في العقيدة, فكيف يسوغ لمسلم أن يعادي أخاه في العقيدة, ويُبغضه ويسبّه! ويبدأه بالخصام والعداء، فبأي حجة يلقى الله يوم القيامة في عداء وبغض مسلم لم يهجره ولم يسبّه ولم يعتد عليه!