لذة احتمالية الهزيمة !
اشتهر زماننا بموضوع المسابقات الرياضية جداً حتى أنه من سمات المرء اللازمة عند كثير من الناس أن يكون مشجعاً لنادٍ رياضيٍّ لِذا كثير منهم يسأل مباشرة ( أنت تشجع النادي الفلاني أم الفلاني ) ولا يسألك هل تتابع كرة القدم أم لا بل هو يفترض مبدأياً أنك متابع ويسأل مباشرة عن النادي الذي تشجعه
واشتهر عندنا مصطلح ( رياضة حماسية ) بمعنى أنها تثير حماس الجماهير
ولو تدبرت فيما يثير حماسة الجماهير وجدتَه في الغالب يدور على تخطي ( احتمالية الفشل ) أو ( احتمالية الهزيمة )
بمعنى أن اللذة في الرياضات التنافسية تكمن في كونك يمكن أن تُهزم ثم تتخطى ذلك لهذا ( الانتصارات الصعبة ) التي تكون فيها احتمالية الهزيمة قوية؛ هي أكثر ما يثير حماس الجماهير وأكثر ما يَبقى في نفوسهم حتى بعد سنين إذا جاءوا يستذكرون المنافسات
وهذا أمر جُبلت عليه النفوس البشرية حب ( الانتصارات الصعبة ) ولكن كثيراً من الناس يجبنون عنها خوفاً من الغُرم ولكنهم يقدرون حاصديها لهذا الكل يشجِّع من يفعل ذلك في المسابقات الرياضية ويعدونه بطلاً
وهذا يأخذنا لمبحث عجيب في مفهوم اللذة ألا وهو أن اللذة التي جاءت من رحم الألم أو احتمالية وقوع الألم لها طعم خاص محبب للبشر أكثر من اللذة السهلة التي تأتي دون كبير عناء
وإنما جُبلت النفوس على هذا لأننا في حال اختبار في الدنيا، والراحة التامة إنما تكون في الجنة غير أن أصل الفطرة السليم تُحرِّفه الشياطين هنا وهناك
تأمل قوله تعالى : ( فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز )
وتذكَّر مفهوم لذة ( الفوز الصعب ) أو لذة احتمال الهزيمة
تدبَّر قوله : ( زُحزِح ) وما فيه من الإشارة لِقُرب وقوع هذا البلاء وهذا يُعظِّم النجاة منه في النفوس جداً وذلك ما نُصَّ عليه في السنة: ( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك )
ولذلك كان الإمام أحمد يوصي ابنه فيقول : "يا بُني الفائز من فاز غداً" -يعني في الآخرة-
[ تقدمة الجرح والتعديل - ترجمته ]
ووُصِفَ ذلك بأنه ( الفوز العظيم ) وعظَمة الفوز تكمن في أمرين : عظمة المغنم المأخوذ وعظمة المغرم المهرب منه، ولا مغنم أعظم من الجنة ولا مغرم أعظم من النار
وكل بلاء وألم وشر في الدنيا إنما هو موعظة تُذكِّر بالبلاء الأعظم: بلاء النار
كما أن كل نعيم يُذكِّر بنعيم الجنة والجنة مطلوبة والنار مطلوب الهروب منها، وهما ليسا في أرضنا لذا قُرِّب حال كل واحدة منهما بالأخبار الواردة في النصوص والواقع لهذا معضلة الشر أو حتى الشر المجاني بُنيَت على استبعاد هذا المعنى ولو استُحضِر لسقط ذلك لذا دائماً أقول عامة الشبهات على الدين يكفي في اسقاطها تصور حقيقته.
اشتهر زماننا بموضوع المسابقات الرياضية جداً حتى أنه من سمات المرء اللازمة عند كثير من الناس أن يكون مشجعاً لنادٍ رياضيٍّ لِذا كثير منهم يسأل مباشرة ( أنت تشجع النادي الفلاني أم الفلاني ) ولا يسألك هل تتابع كرة القدم أم لا بل هو يفترض مبدأياً أنك متابع ويسأل مباشرة عن النادي الذي تشجعه
واشتهر عندنا مصطلح ( رياضة حماسية ) بمعنى أنها تثير حماس الجماهير
ولو تدبرت فيما يثير حماسة الجماهير وجدتَه في الغالب يدور على تخطي ( احتمالية الفشل ) أو ( احتمالية الهزيمة )
بمعنى أن اللذة في الرياضات التنافسية تكمن في كونك يمكن أن تُهزم ثم تتخطى ذلك لهذا ( الانتصارات الصعبة ) التي تكون فيها احتمالية الهزيمة قوية؛ هي أكثر ما يثير حماس الجماهير وأكثر ما يَبقى في نفوسهم حتى بعد سنين إذا جاءوا يستذكرون المنافسات
وهذا أمر جُبلت عليه النفوس البشرية حب ( الانتصارات الصعبة ) ولكن كثيراً من الناس يجبنون عنها خوفاً من الغُرم ولكنهم يقدرون حاصديها لهذا الكل يشجِّع من يفعل ذلك في المسابقات الرياضية ويعدونه بطلاً
وهذا يأخذنا لمبحث عجيب في مفهوم اللذة ألا وهو أن اللذة التي جاءت من رحم الألم أو احتمالية وقوع الألم لها طعم خاص محبب للبشر أكثر من اللذة السهلة التي تأتي دون كبير عناء
وإنما جُبلت النفوس على هذا لأننا في حال اختبار في الدنيا، والراحة التامة إنما تكون في الجنة غير أن أصل الفطرة السليم تُحرِّفه الشياطين هنا وهناك
تأمل قوله تعالى : ( فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز )
وتذكَّر مفهوم لذة ( الفوز الصعب ) أو لذة احتمال الهزيمة
تدبَّر قوله : ( زُحزِح ) وما فيه من الإشارة لِقُرب وقوع هذا البلاء وهذا يُعظِّم النجاة منه في النفوس جداً وذلك ما نُصَّ عليه في السنة: ( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك )
ولذلك كان الإمام أحمد يوصي ابنه فيقول : "يا بُني الفائز من فاز غداً" -يعني في الآخرة-
[ تقدمة الجرح والتعديل - ترجمته ]
ووُصِفَ ذلك بأنه ( الفوز العظيم ) وعظَمة الفوز تكمن في أمرين : عظمة المغنم المأخوذ وعظمة المغرم المهرب منه، ولا مغنم أعظم من الجنة ولا مغرم أعظم من النار
وكل بلاء وألم وشر في الدنيا إنما هو موعظة تُذكِّر بالبلاء الأعظم: بلاء النار
كما أن كل نعيم يُذكِّر بنعيم الجنة والجنة مطلوبة والنار مطلوب الهروب منها، وهما ليسا في أرضنا لذا قُرِّب حال كل واحدة منهما بالأخبار الواردة في النصوص والواقع لهذا معضلة الشر أو حتى الشر المجاني بُنيَت على استبعاد هذا المعنى ولو استُحضِر لسقط ذلك لذا دائماً أقول عامة الشبهات على الدين يكفي في اسقاطها تصور حقيقته.
Forwarded from المواد الصوتية / عبد الله الخليفي
👆صوتية لطلبة العلم حول تعظيم دور المتكلمين العلمي 👆
في رحاب المرأة الصالحة التي حفظ المؤرخون لها ورعها
جاء في كتاب المختصر في أخبار البشر :" وماتت أم الحسن فاطمة بنت الشيخ علم الدين البرزالي، سمعت الكثير، من خلق، وحدثت وكتبت ربعة وأحكام ابن تيمية والصحيح، وحجت، وكانت تجتهد يوم الحمام أن لا تدخل حتى تصلي الظهر، وتحرص في الخروج لإدراك العصر، رحمها الله تعالى"
كتاب المختصر في أخبار البشر مؤلفه أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (المتوفى: 732هـ)
وهو ملك ومشتغل بالعلوم ومعاصر لهذه المرأة حفظ لها هذه المنقبة في كتابه ويوم الحمام الذي يتكلم عنه هو اليوم الذي تدخل فيه العروس على زوجها
وكانت تؤخذ للحمام لتجهيزها وكانت النساء آنذاك يجلسن وقتاً طويلاً في ذلك المكان حتى تفوت عليهن صلوات وقد أجاز بعض أهل العلم الجمع بين الصلوات ( الظهر والعصر ) للمشقة في ذلك اليوم وهذا اختيار ابن تيمية ويتابعه عليه صاحبه المزي وهو يتناسب مع أصول الحنابلة غير أن الشافعية الذين منهم هذه المرأة لهم تشديد في ذلك
فكانت هذه المرأة خلافاً لقريناتها حريصة على ألَّا تُطيل وتدخل بعد أن تصلي الظهر وتخرج قبل خروج وقت العصر حتى تصلي كل صلاة في وقتها فأعجبَ تصرفها هذا العلماء حتى تناقلوه بينهم وأرخه اثنان ممن عاصروها وهما الملك المؤيد وابن الوردي وكلاهما له تاريخ وقد عاصر هذه المرأة وأحببت أنا أن أحيي ذكرها والترحم عليها والحث على الاقتداء بها
وأظن اليوم يحدث للنساء يوم الزفاف نحواً من هذا
وليس هذا غريباً عن مثلها فوالدها البرزالي صاحب ابن تيمية ويبدو أنه من شدة محبته للشيخ جعلها تحفظ ( أحكام ابن تيمية ) وأحسب أن المقصود به المنتقى للمجد ابن تيمية _ جد شيخ الإسلام _ مع أنهم شافعية وللحنابلة اختصاص وعناية في جمع أحاديث الأحكام فمن المجد ابن تيمية والمنتقى إلى عبد الغني المقدسي وعمدة الأحكام إلى ابن عبد الهادي والمحرر إلى ابن عبد الوهاب ومجموع الحديث على أبواب الفقه إلى ابن قاسم وأصول الأحكام
قال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى :" واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزالي وكثيرا ما أتباعهم أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضراراً بيِّناً وحملهم على عظائم الأمور أمراً ليس هيناً وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم"
والسبكي أشعري متعصب فهو يعني بالإضرار هنا حملهم على اعتقاد السلف وهذه شهادة بسلامة اعتقاد البرزالي وكان شديد العناية بالحديث
وذكر الذهبي بسبب البرزالي اتجه للحديث لما قال له خطك يشبه خط المحدثين وكنت أتندر بذلك كلما علق شخص على سوء خطي أقول لهم : هذا خط المحدثين .
ومثل هذا الفاضل لا يُستغرب أن تكون ابنته كذلك وقد خرج الله الحي من الميت فنرى صالحة فاضلة وليس لأبيها كبير سبب في العلم
جاء في كتاب المختصر في أخبار البشر :" وماتت أم الحسن فاطمة بنت الشيخ علم الدين البرزالي، سمعت الكثير، من خلق، وحدثت وكتبت ربعة وأحكام ابن تيمية والصحيح، وحجت، وكانت تجتهد يوم الحمام أن لا تدخل حتى تصلي الظهر، وتحرص في الخروج لإدراك العصر، رحمها الله تعالى"
كتاب المختصر في أخبار البشر مؤلفه أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (المتوفى: 732هـ)
وهو ملك ومشتغل بالعلوم ومعاصر لهذه المرأة حفظ لها هذه المنقبة في كتابه ويوم الحمام الذي يتكلم عنه هو اليوم الذي تدخل فيه العروس على زوجها
وكانت تؤخذ للحمام لتجهيزها وكانت النساء آنذاك يجلسن وقتاً طويلاً في ذلك المكان حتى تفوت عليهن صلوات وقد أجاز بعض أهل العلم الجمع بين الصلوات ( الظهر والعصر ) للمشقة في ذلك اليوم وهذا اختيار ابن تيمية ويتابعه عليه صاحبه المزي وهو يتناسب مع أصول الحنابلة غير أن الشافعية الذين منهم هذه المرأة لهم تشديد في ذلك
فكانت هذه المرأة خلافاً لقريناتها حريصة على ألَّا تُطيل وتدخل بعد أن تصلي الظهر وتخرج قبل خروج وقت العصر حتى تصلي كل صلاة في وقتها فأعجبَ تصرفها هذا العلماء حتى تناقلوه بينهم وأرخه اثنان ممن عاصروها وهما الملك المؤيد وابن الوردي وكلاهما له تاريخ وقد عاصر هذه المرأة وأحببت أنا أن أحيي ذكرها والترحم عليها والحث على الاقتداء بها
وأظن اليوم يحدث للنساء يوم الزفاف نحواً من هذا
وليس هذا غريباً عن مثلها فوالدها البرزالي صاحب ابن تيمية ويبدو أنه من شدة محبته للشيخ جعلها تحفظ ( أحكام ابن تيمية ) وأحسب أن المقصود به المنتقى للمجد ابن تيمية _ جد شيخ الإسلام _ مع أنهم شافعية وللحنابلة اختصاص وعناية في جمع أحاديث الأحكام فمن المجد ابن تيمية والمنتقى إلى عبد الغني المقدسي وعمدة الأحكام إلى ابن عبد الهادي والمحرر إلى ابن عبد الوهاب ومجموع الحديث على أبواب الفقه إلى ابن قاسم وأصول الأحكام
قال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى :" واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزالي وكثيرا ما أتباعهم أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضراراً بيِّناً وحملهم على عظائم الأمور أمراً ليس هيناً وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم"
والسبكي أشعري متعصب فهو يعني بالإضرار هنا حملهم على اعتقاد السلف وهذه شهادة بسلامة اعتقاد البرزالي وكان شديد العناية بالحديث
وذكر الذهبي بسبب البرزالي اتجه للحديث لما قال له خطك يشبه خط المحدثين وكنت أتندر بذلك كلما علق شخص على سوء خطي أقول لهم : هذا خط المحدثين .
ومثل هذا الفاضل لا يُستغرب أن تكون ابنته كذلك وقد خرج الله الحي من الميت فنرى صالحة فاضلة وليس لأبيها كبير سبب في العلم
مراجعة أصلين كبيرين في مسألة العذر بالجهل
لا يطمع العاقل بحسم مسألة فيها مدد عاطفي شديد مثل مسألة العذر بالجهل ، هذه العاطفة قد تكون متعلقة بالمسألة نفسها أو بأعيان المتكلمين فيها من الفريقين غير أن هذه الدنيا لا يعدم فيها الإنصاف لهذا الكتابة هنا لمن نظن فيه إنصافاً ، والعاطفة هنا ليست مختصة بفريق دون فريق
هناك أبحاث لا تحسم المسألة بل تكون نتيجتها خاطئة وغير محررة ولكنها تكون مفيدة أيضاً في التقدم بالبحث وتسليط الضوء على نقاط كانت مظلمة في البحث مما يساعد الناظر المنصف الموفق على الوصول إلى الحق في المسألة
مما يلاحظ في بعض الكتابات التي انتصرت للقول بالعذر بالجهل أنها بنيت على أصلين كبيرين وأرى أنه بغض النظر عن النتيجة النهائية ، هذين الأصلين بحاجة إلى مراجعة وتدقيق ففيهما إشكال كبير
الأصل الأول : لا يوجد مسألة شرعية هي ظاهرة مطلقاً ولا مسألة هي خفية مطلقاً بل ذلك أمر يتفاوت فيه الناس
ويعتبر تقرير هذا الأصل ناقضاً على القائلين بعدم العذر لأنهم يقولون بأن هناك مسائل ظاهرة دائماً لا عذر فيها ومسائل خفية دائما ( يجوز فيها قيام الحجة )
وحقيقة ذكر هذا الأصل في هذا الباب مشكل لأنه لا يعضد مقالة العذر بشكل مطلق التفاوت بين الناس في اعتبار المسائل ظهوراً وخفاء يقتضي تفاوت الناس في الحكم لا أنهم كلهم معذورين أو كلهم ليسوا معذورين
بل الأمر راجع لقرائن تحتف بكل معين وهذه القرائن قد يستدل بها من يعذر ومن لا يعذر بحسب ما يحتف بالحالة
فمثلاً يأتي من يعذر ويقول : هذا الإنسان حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة أو المسألة فيها آثار اشتبهت فهو معذور
ويأتي من لا يعذر فيقول في شخص ما : هذا عالم ويعرف بالحديث وخالف السنة في مسائل كثيرة جداً واضحة بل وصرح بضعف أدلة أصحابه في الموطن الفلاني والموطن الفلاني إذن هو غير معذور
فجعل التفاوت من أدلة العذر مطلقاً خطأ بل الأمر يرجع إلى قرائن وهذه القرائن لو تدبرتها ستجد منها ما سيعود إلى ظهور المسألة وخفائها من الناحية الشرعية ولكن ضمن قرائن أخرى
وقبل النظر في القرائن أنبه على أن نفي وجود مسائل ظاهرة مطلقاً قول ما قال به عالم بل نحن عندنا مصطلحات شرعية مثل ( محكم ) ( متشابه ) ( معلوم من الدين بالاضطرار ) بل تقسيم المخالفات في الشرع إلى كفر وبدعة وخطأ اجتهادي كل ذلك
مبني على الظهور والخفاء وكذلك تقسيم المبتدعة إلى غلاة وغير غلاة كما يقال قدرية غلاة وقدرية غير غلاة ومرجئة غلاة ومرجئة غير غلاة وشيعة غلاة وشيعة غير غلاة كل ذلك مبني على وجود الظهور والخفاء وتردده في بعض المسائل لا يعني تردده فيها كلها ، وكذلك تقسيم المبتدعة إلى كفار ببدعتهم وغير كفار ببدعتهم مبني على هذا الأصل
فإن قال صاحب التأصيل : أنا لا أنكر وجود مسائل ظاهرة مطلقاً فيقال إذن استدلالك على مخالفك بهذا الأصل باطل بل سيكون حقيقة بحثك معه هل هذه المسائل من المسائل الظاهرة مطلقاً أم الخفية مطلقاً أم المترددة إلى النظر في القرائن
والخلاصة أن وجود مسائل تتردد بين الظهور والخفاء بحسب الأحوال لا يعني الاستغناء عن القرائن بل يدل ذلك على اللجوء إلى القرائن والقرائن لا تدل دائماً على الحكم بل قد تأخذك إلى الحكم الأشد كما قال أحمد في مسألة تفضيل علي على عثمان : هذا الآن شديد . يعني صار شديداً في زمانهم لانتشار الآثار
والقرائن لو أردنا النظر إليها من خلال كلام العلماء أو حتى النظر المحض لوجدناها على ثلاثة أنواع
الأول : قرائن متعلقة بنفس المتكلم من حيث إمكانية العلم والجهل فالناس ليسوا على درجة واحدة في فهم الأدلة وهذا ما قرره ابن تيمية في رده على المعتزلة القدرية الذين يرون إمكانية العلم واحدة في كل المسائل التي يسمونها في الحكم الدنيوي والأخروي معاً والقائلون بالعذر ينقلون كلامه في هذا ولا ينتبهون إلى أمر هام وهو أن كثيراً من تأصيلات القائلين بالعذر ينكت عليها بنفس تنكيت شيخ الإسلام على المعتزلة القدرية فهم جعلوا كل الناس متساوين في العذر فعاكسوا قول المعتزلة ووافقوا أصل التساوي بين كل الأفراد فالعالم معذور بتأويله والجاهل معذور بجهله فصار الجميع المسألة خفية في حقهم ولما وصف الشيخ قول المعتزلة بأنه مكابرة للحس ينطبق هذا على قول العاكسين لقول المعتزلة حيث سووا بين كل الناس في وقوع العذر
الثاني : قرائن متعلقة ببيئة الإنسان كما يقال أهل الفترة والذين بعد الفترة وكما يقال نشأ ببادية بعيدة.
=
لا يطمع العاقل بحسم مسألة فيها مدد عاطفي شديد مثل مسألة العذر بالجهل ، هذه العاطفة قد تكون متعلقة بالمسألة نفسها أو بأعيان المتكلمين فيها من الفريقين غير أن هذه الدنيا لا يعدم فيها الإنصاف لهذا الكتابة هنا لمن نظن فيه إنصافاً ، والعاطفة هنا ليست مختصة بفريق دون فريق
هناك أبحاث لا تحسم المسألة بل تكون نتيجتها خاطئة وغير محررة ولكنها تكون مفيدة أيضاً في التقدم بالبحث وتسليط الضوء على نقاط كانت مظلمة في البحث مما يساعد الناظر المنصف الموفق على الوصول إلى الحق في المسألة
مما يلاحظ في بعض الكتابات التي انتصرت للقول بالعذر بالجهل أنها بنيت على أصلين كبيرين وأرى أنه بغض النظر عن النتيجة النهائية ، هذين الأصلين بحاجة إلى مراجعة وتدقيق ففيهما إشكال كبير
الأصل الأول : لا يوجد مسألة شرعية هي ظاهرة مطلقاً ولا مسألة هي خفية مطلقاً بل ذلك أمر يتفاوت فيه الناس
ويعتبر تقرير هذا الأصل ناقضاً على القائلين بعدم العذر لأنهم يقولون بأن هناك مسائل ظاهرة دائماً لا عذر فيها ومسائل خفية دائما ( يجوز فيها قيام الحجة )
وحقيقة ذكر هذا الأصل في هذا الباب مشكل لأنه لا يعضد مقالة العذر بشكل مطلق التفاوت بين الناس في اعتبار المسائل ظهوراً وخفاء يقتضي تفاوت الناس في الحكم لا أنهم كلهم معذورين أو كلهم ليسوا معذورين
بل الأمر راجع لقرائن تحتف بكل معين وهذه القرائن قد يستدل بها من يعذر ومن لا يعذر بحسب ما يحتف بالحالة
فمثلاً يأتي من يعذر ويقول : هذا الإنسان حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة أو المسألة فيها آثار اشتبهت فهو معذور
ويأتي من لا يعذر فيقول في شخص ما : هذا عالم ويعرف بالحديث وخالف السنة في مسائل كثيرة جداً واضحة بل وصرح بضعف أدلة أصحابه في الموطن الفلاني والموطن الفلاني إذن هو غير معذور
فجعل التفاوت من أدلة العذر مطلقاً خطأ بل الأمر يرجع إلى قرائن وهذه القرائن لو تدبرتها ستجد منها ما سيعود إلى ظهور المسألة وخفائها من الناحية الشرعية ولكن ضمن قرائن أخرى
وقبل النظر في القرائن أنبه على أن نفي وجود مسائل ظاهرة مطلقاً قول ما قال به عالم بل نحن عندنا مصطلحات شرعية مثل ( محكم ) ( متشابه ) ( معلوم من الدين بالاضطرار ) بل تقسيم المخالفات في الشرع إلى كفر وبدعة وخطأ اجتهادي كل ذلك
مبني على الظهور والخفاء وكذلك تقسيم المبتدعة إلى غلاة وغير غلاة كما يقال قدرية غلاة وقدرية غير غلاة ومرجئة غلاة ومرجئة غير غلاة وشيعة غلاة وشيعة غير غلاة كل ذلك مبني على وجود الظهور والخفاء وتردده في بعض المسائل لا يعني تردده فيها كلها ، وكذلك تقسيم المبتدعة إلى كفار ببدعتهم وغير كفار ببدعتهم مبني على هذا الأصل
فإن قال صاحب التأصيل : أنا لا أنكر وجود مسائل ظاهرة مطلقاً فيقال إذن استدلالك على مخالفك بهذا الأصل باطل بل سيكون حقيقة بحثك معه هل هذه المسائل من المسائل الظاهرة مطلقاً أم الخفية مطلقاً أم المترددة إلى النظر في القرائن
والخلاصة أن وجود مسائل تتردد بين الظهور والخفاء بحسب الأحوال لا يعني الاستغناء عن القرائن بل يدل ذلك على اللجوء إلى القرائن والقرائن لا تدل دائماً على الحكم بل قد تأخذك إلى الحكم الأشد كما قال أحمد في مسألة تفضيل علي على عثمان : هذا الآن شديد . يعني صار شديداً في زمانهم لانتشار الآثار
والقرائن لو أردنا النظر إليها من خلال كلام العلماء أو حتى النظر المحض لوجدناها على ثلاثة أنواع
الأول : قرائن متعلقة بنفس المتكلم من حيث إمكانية العلم والجهل فالناس ليسوا على درجة واحدة في فهم الأدلة وهذا ما قرره ابن تيمية في رده على المعتزلة القدرية الذين يرون إمكانية العلم واحدة في كل المسائل التي يسمونها في الحكم الدنيوي والأخروي معاً والقائلون بالعذر ينقلون كلامه في هذا ولا ينتبهون إلى أمر هام وهو أن كثيراً من تأصيلات القائلين بالعذر ينكت عليها بنفس تنكيت شيخ الإسلام على المعتزلة القدرية فهم جعلوا كل الناس متساوين في العذر فعاكسوا قول المعتزلة ووافقوا أصل التساوي بين كل الأفراد فالعالم معذور بتأويله والجاهل معذور بجهله فصار الجميع المسألة خفية في حقهم ولما وصف الشيخ قول المعتزلة بأنه مكابرة للحس ينطبق هذا على قول العاكسين لقول المعتزلة حيث سووا بين كل الناس في وقوع العذر
الثاني : قرائن متعلقة ببيئة الإنسان كما يقال أهل الفترة والذين بعد الفترة وكما يقال نشأ ببادية بعيدة.
=
=
الثالث : قرائن متعلقة بنفس المسألة وواقعها في الشريعة ظهوراً وخفاء أو علاقتها بالفطرة والعقل فإن قيل أليس هذا تناقضاً ؟ فيقال لا ليس تناقضاً فكيف نعتبر قرينة البيئة وحال الشخص ولا نعتبر موقع المسألة ظهوراً وخفاء وغاية ما هنا أنها تصير قرينة من القرائن وليست الأصل الوحيد وهذا الفارق بين المسألة الظاهرة مطلقاً والمسألة التي يتفاوت فيها الناس ولا زال الناس يفرقون في نفس الخلافيات الفقهية فيقولون هذا خلاف قوي وهذا خلاف ضعيف فما بالك بغيرها ومن أنكر هذه القرينة وقع في القول بتكافؤ الأدلة أو اقترب وهو من مقالات السوفسطائية
فتنزيل اعتراضات ابن تيمية على من جعلوا العقل والفطرة فقط هما الأصل ثم القول بقول يعامل الناس بعد الوحي كأنهم على حالهم قبله ما زاد المتكلم بذلك على أن قال بقول تنطبق عليه اعتراضات الشيخ على الفريق الآخر لو تأمل !
بل بالعكس مقالة بعض المعاصرين تنتهي إلى كون الناس مع قربهم إلى الوحي هم أعذر منهم مع بعدهم من الوحي وسيأتي بيان ذلك
والعجيب أن مسألتنا هذه مما تتفاوت ظهوراً وخفاء فمن لا يعذر ليس معناه أنه جاهل أو قوله ضعيف كما يقول بعضهم بل هو شأنه شأن الواقع في الشرك يرى قوله وجيهاً وله تمام العذر ! لأنها المسائل تتفاوت ظهوراً وخفاء وهذا التفاوت يعني أن الكل معذورون !! وهذا سيعطل فائدة الأبحاث المكتوبة في العذر لأنها مهما أتيت بأدلة فلن يكون الدليل الذي تأتي به دامغاً لأنه لا يوجد أدلة دامغة لأن الناس إذا تفاوتوا في الفهم صح عذرهم جميعاً فإذا كان هذا متحققاً في الكفر والإسلام فهو متحقق ضرورة في مسائل الحكم على الأشخاص لأنها أخفى إلا على أصول الحقوقيين الذين يرون حقوق البشر أعظم !!
الأصل الثاني : هو جعل مناط التفريق بين الذي يعذر والذي لا يعذر انتساب الواقع في الشرك أو الكفر للإسلام فإذا جئتهم بنصوص تدل على إدانة الواقع في الفعل الفلاني بالشرك فسيقول لك هناك فرق بين المنتسب لملة الإسلام وغيره ولا يستويان والالتزام بهذا الأصل فرع عن إسقاط أصل الظهور والخفاء علماً أنه تقرير ضمني لأصل الظهور والخفاء فكأنهم يقولون قرينة كون هذا الأمر خفيا وقوع أناس من المنتسبين للملة به
وهذا الأصل غريب إذ يجعل العلاقة بين الإسلام والجهل طردية وليست عكسية فقديماً كانوا يقولون : فلان يعذر لأنه حديث عهد بإسلام وأما هنا فيقال يعذر لأنه منتسب لملة الإسلام !
وهذا الأصل يرد عليه كلمة ابن تيمية في بعض تقسيمات المتكلمين للأصول والفروع ( لا يطرد ولا ينعكس )
أعني أن جعلهم علامة كون الشيء خفياً أن يفعله منتسب للإسلام هذا لا يطرد فوقع في كلام كثير من العلماء الحكم على أشياء وقعت من منتسبين للملة بأنها كفر أكبر وأكفر من حال اليهود والنصارى كما قيل في أصحاب وحدة الوجود والاتحادية وكما قيل في الجهمية وكما قيل في الفلاسفة المنتسبين للملة القائلين بقدم العالم وكما قيل في الشيخية من الرافضة وكما قيل في الفرق الباطنية وكذلك غلاة الإخبارية القائلين بتحريف القرآن وهذه الفرق تستدل باستدلالات ضعيفة
وأيضاً صاحب هذا التأصيل تجده يكفر الإسماعيلية والنصيرية والبهائية والقاديانية والفلاسفة القائلين بقدم العالم وأصحاب مسيلمة كل هؤلاء مع أنهم انتسبوا لملة الإسلام ولو سألته عن الفرق لن يجد مناصاً عن تقرير أصل الظهور والخفاء
بل الناظر في كتب الردة في أي كتاب فقهي سيجدهم يتناولون نوعين من الردة نوع لا نزاع فيه وهو كفر المرء بالإسلام ودخوله في ملة أخرى أو كفره بجميع الملل ، والنوع الثاني وهو الذي يرادف الزندقة أو النفاق وهو الانتساب لملة الإسلام مع إظهار النواقض الاعتقادية أو القولية أو العملية وإذا جاز أن ينتسب المرء لملة الإسلام ويقع منه ناقض قولي مثل سب الدين فجائز أن ينتسب لملة الإسلام ويقع منه ناقض اعتقادي ولهذا بعض النواقض محل خلاف بين العلماء وذلك عائد لمنظومة الظهور والخفاء
ولو طردنا القول بأن التفاوت بين الظهور والخفاء نسبي مطلقاً لجاز أن يأتي إنسان إلى مسألة اجتهادية ما أنكر فيها عالم قط ويقول هذه المسألة اليوم صارت ظاهرة بسبب ما أظهرته من الأدلة والأوائل معذورون لعدم وقوفهم على ما وقفت عليه !
=
الثالث : قرائن متعلقة بنفس المسألة وواقعها في الشريعة ظهوراً وخفاء أو علاقتها بالفطرة والعقل فإن قيل أليس هذا تناقضاً ؟ فيقال لا ليس تناقضاً فكيف نعتبر قرينة البيئة وحال الشخص ولا نعتبر موقع المسألة ظهوراً وخفاء وغاية ما هنا أنها تصير قرينة من القرائن وليست الأصل الوحيد وهذا الفارق بين المسألة الظاهرة مطلقاً والمسألة التي يتفاوت فيها الناس ولا زال الناس يفرقون في نفس الخلافيات الفقهية فيقولون هذا خلاف قوي وهذا خلاف ضعيف فما بالك بغيرها ومن أنكر هذه القرينة وقع في القول بتكافؤ الأدلة أو اقترب وهو من مقالات السوفسطائية
فتنزيل اعتراضات ابن تيمية على من جعلوا العقل والفطرة فقط هما الأصل ثم القول بقول يعامل الناس بعد الوحي كأنهم على حالهم قبله ما زاد المتكلم بذلك على أن قال بقول تنطبق عليه اعتراضات الشيخ على الفريق الآخر لو تأمل !
بل بالعكس مقالة بعض المعاصرين تنتهي إلى كون الناس مع قربهم إلى الوحي هم أعذر منهم مع بعدهم من الوحي وسيأتي بيان ذلك
والعجيب أن مسألتنا هذه مما تتفاوت ظهوراً وخفاء فمن لا يعذر ليس معناه أنه جاهل أو قوله ضعيف كما يقول بعضهم بل هو شأنه شأن الواقع في الشرك يرى قوله وجيهاً وله تمام العذر ! لأنها المسائل تتفاوت ظهوراً وخفاء وهذا التفاوت يعني أن الكل معذورون !! وهذا سيعطل فائدة الأبحاث المكتوبة في العذر لأنها مهما أتيت بأدلة فلن يكون الدليل الذي تأتي به دامغاً لأنه لا يوجد أدلة دامغة لأن الناس إذا تفاوتوا في الفهم صح عذرهم جميعاً فإذا كان هذا متحققاً في الكفر والإسلام فهو متحقق ضرورة في مسائل الحكم على الأشخاص لأنها أخفى إلا على أصول الحقوقيين الذين يرون حقوق البشر أعظم !!
الأصل الثاني : هو جعل مناط التفريق بين الذي يعذر والذي لا يعذر انتساب الواقع في الشرك أو الكفر للإسلام فإذا جئتهم بنصوص تدل على إدانة الواقع في الفعل الفلاني بالشرك فسيقول لك هناك فرق بين المنتسب لملة الإسلام وغيره ولا يستويان والالتزام بهذا الأصل فرع عن إسقاط أصل الظهور والخفاء علماً أنه تقرير ضمني لأصل الظهور والخفاء فكأنهم يقولون قرينة كون هذا الأمر خفيا وقوع أناس من المنتسبين للملة به
وهذا الأصل غريب إذ يجعل العلاقة بين الإسلام والجهل طردية وليست عكسية فقديماً كانوا يقولون : فلان يعذر لأنه حديث عهد بإسلام وأما هنا فيقال يعذر لأنه منتسب لملة الإسلام !
وهذا الأصل يرد عليه كلمة ابن تيمية في بعض تقسيمات المتكلمين للأصول والفروع ( لا يطرد ولا ينعكس )
أعني أن جعلهم علامة كون الشيء خفياً أن يفعله منتسب للإسلام هذا لا يطرد فوقع في كلام كثير من العلماء الحكم على أشياء وقعت من منتسبين للملة بأنها كفر أكبر وأكفر من حال اليهود والنصارى كما قيل في أصحاب وحدة الوجود والاتحادية وكما قيل في الجهمية وكما قيل في الفلاسفة المنتسبين للملة القائلين بقدم العالم وكما قيل في الشيخية من الرافضة وكما قيل في الفرق الباطنية وكذلك غلاة الإخبارية القائلين بتحريف القرآن وهذه الفرق تستدل باستدلالات ضعيفة
وأيضاً صاحب هذا التأصيل تجده يكفر الإسماعيلية والنصيرية والبهائية والقاديانية والفلاسفة القائلين بقدم العالم وأصحاب مسيلمة كل هؤلاء مع أنهم انتسبوا لملة الإسلام ولو سألته عن الفرق لن يجد مناصاً عن تقرير أصل الظهور والخفاء
بل الناظر في كتب الردة في أي كتاب فقهي سيجدهم يتناولون نوعين من الردة نوع لا نزاع فيه وهو كفر المرء بالإسلام ودخوله في ملة أخرى أو كفره بجميع الملل ، والنوع الثاني وهو الذي يرادف الزندقة أو النفاق وهو الانتساب لملة الإسلام مع إظهار النواقض الاعتقادية أو القولية أو العملية وإذا جاز أن ينتسب المرء لملة الإسلام ويقع منه ناقض قولي مثل سب الدين فجائز أن ينتسب لملة الإسلام ويقع منه ناقض اعتقادي ولهذا بعض النواقض محل خلاف بين العلماء وذلك عائد لمنظومة الظهور والخفاء
ولو طردنا القول بأن التفاوت بين الظهور والخفاء نسبي مطلقاً لجاز أن يأتي إنسان إلى مسألة اجتهادية ما أنكر فيها عالم قط ويقول هذه المسألة اليوم صارت ظاهرة بسبب ما أظهرته من الأدلة والأوائل معذورون لعدم وقوفهم على ما وقفت عليه !
=
=
والخلاصة أن هناك مسائل ظاهرة مطلقاً وهناك خفية وهناك مترددة والخفاء يراد به أنواع فيراد به كفر أكبر خفي وهذا قد يظهر بعد قيام الحجة وهناك خفاء البدعة فمأخذ الكفر فيها خفي ومأخذ الإحداث جلي كمثل البدع المفسقة كبدعة الخوارج والمرجئة والشيعة المفضلة وهناك خفاء المسألة الاجتهادية وهناك خفاء المسألة الخلافية خلافاً ضعيفاً وهناك مسائل يتردد فيها نظر العلماء أين يضعونها بين هذه الأقسام وهي مسائل يسيرة والحكم فيها للعلم والكل متفقون أن هناك حجة تقوم وتبين لكن كلام الناس اليوم وكأن هذا الأمر لا حضور له
ولهذا ذلك الخلاف المدعى بين أئمة الدعوة النجدية والإمام ابن تيمية مرجعه إلى عدم فهم هذا فإذا اتفق الشخصان على أن البدعة الفلانية مكفرة وقال أحدهما هذه بدعة تتردد بين مكان ومكان وزمان زمان في ظهور الكفر فيها وقال آخر بل هي ظاهرة مطلقاً فالخلاف قريب لأن القرائن في قول من قال أنها مترددة قد تؤدي إلى حكم التكفير ولهذا كثير من أجوبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يشير فيها إلى موضوع القرائن وأن كلام الشيخ لا يفيد إلغاء حكم التكفير مطلقاً وهذا ظاهر في أجوبته ولا أدري كيف كثير ممن يناقض قول الشيخ لا ينتبه لهذا والشيخ نفسه لا ينكر وجود مسائل خفية بالتقسيمات السابقة لذا إلحاقه بالمعتزلة حيف وجور ولكن لما كان هذا الأصلان حقيقتهما إلحاق تعطيل حكم التكفير لا ضبطه وقع مثل هذه الوحشة في خلافيات يفترض أنها قريبة فالخفي يصير ظاهرا إما ببيان عالم وإما بقرائن تحتف بل لا زال في كلام علماء أهل السنة على مر الأعصار كلاماً في تكفير أعيان بعض المبتدعة ، ولهذا تجد بعضهم يمتحنك بأسماء بعض الواقعين في البدع المكفرة وكأنهم عذرهم يقيني فَلَو كانت المسألة عندي ظاهرة مطلقا ما عذرتهم ولو كانت مترددة فربما دلتني القرائن على بعدهم عن العذر ولو كانت خفية لربما رأيت في اطلاعهم على كتب بعض العلماء مقيما للحجة عليهم فلا داعي للامتحان كأنك تمتحن بصحابي أو مجدد وهذا التفصيل يخرج به المرء من مشكلة قول المعتزلة ومشكلة قول القائلين بتكافؤ الأدلة ومع الأسف كثير من المتناقشين في هذه القضية إما يميل إلى هذا بعض قول هذا أو إلى بعض قول هذا
وهذا الأصلان المشكلان في زمان الإنسانوية قد يكون أثر الخطأ فيهما أكبر من أثر الخطأ المقابل لظرف العصر وتأهب الناس في الغالب إلى نوع معين من الانحراف والله المستعان والمرء يدعو الله عز وجل أن يسدد قلبه ويكفيه شر الميل الخفي في البحث ويتحرى اتباع المتقدمين ما استطاع إلى ذلك سبيلا فهذا أبعد عن الهوى وحظوظ النفس وبعد ذلك لا يبالي بمن وافق أو خالف ممن عاصره.
والخلاصة أن هناك مسائل ظاهرة مطلقاً وهناك خفية وهناك مترددة والخفاء يراد به أنواع فيراد به كفر أكبر خفي وهذا قد يظهر بعد قيام الحجة وهناك خفاء البدعة فمأخذ الكفر فيها خفي ومأخذ الإحداث جلي كمثل البدع المفسقة كبدعة الخوارج والمرجئة والشيعة المفضلة وهناك خفاء المسألة الاجتهادية وهناك خفاء المسألة الخلافية خلافاً ضعيفاً وهناك مسائل يتردد فيها نظر العلماء أين يضعونها بين هذه الأقسام وهي مسائل يسيرة والحكم فيها للعلم والكل متفقون أن هناك حجة تقوم وتبين لكن كلام الناس اليوم وكأن هذا الأمر لا حضور له
ولهذا ذلك الخلاف المدعى بين أئمة الدعوة النجدية والإمام ابن تيمية مرجعه إلى عدم فهم هذا فإذا اتفق الشخصان على أن البدعة الفلانية مكفرة وقال أحدهما هذه بدعة تتردد بين مكان ومكان وزمان زمان في ظهور الكفر فيها وقال آخر بل هي ظاهرة مطلقاً فالخلاف قريب لأن القرائن في قول من قال أنها مترددة قد تؤدي إلى حكم التكفير ولهذا كثير من أجوبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يشير فيها إلى موضوع القرائن وأن كلام الشيخ لا يفيد إلغاء حكم التكفير مطلقاً وهذا ظاهر في أجوبته ولا أدري كيف كثير ممن يناقض قول الشيخ لا ينتبه لهذا والشيخ نفسه لا ينكر وجود مسائل خفية بالتقسيمات السابقة لذا إلحاقه بالمعتزلة حيف وجور ولكن لما كان هذا الأصلان حقيقتهما إلحاق تعطيل حكم التكفير لا ضبطه وقع مثل هذه الوحشة في خلافيات يفترض أنها قريبة فالخفي يصير ظاهرا إما ببيان عالم وإما بقرائن تحتف بل لا زال في كلام علماء أهل السنة على مر الأعصار كلاماً في تكفير أعيان بعض المبتدعة ، ولهذا تجد بعضهم يمتحنك بأسماء بعض الواقعين في البدع المكفرة وكأنهم عذرهم يقيني فَلَو كانت المسألة عندي ظاهرة مطلقا ما عذرتهم ولو كانت مترددة فربما دلتني القرائن على بعدهم عن العذر ولو كانت خفية لربما رأيت في اطلاعهم على كتب بعض العلماء مقيما للحجة عليهم فلا داعي للامتحان كأنك تمتحن بصحابي أو مجدد وهذا التفصيل يخرج به المرء من مشكلة قول المعتزلة ومشكلة قول القائلين بتكافؤ الأدلة ومع الأسف كثير من المتناقشين في هذه القضية إما يميل إلى هذا بعض قول هذا أو إلى بعض قول هذا
وهذا الأصلان المشكلان في زمان الإنسانوية قد يكون أثر الخطأ فيهما أكبر من أثر الخطأ المقابل لظرف العصر وتأهب الناس في الغالب إلى نوع معين من الانحراف والله المستعان والمرء يدعو الله عز وجل أن يسدد قلبه ويكفيه شر الميل الخفي في البحث ويتحرى اتباع المتقدمين ما استطاع إلى ذلك سبيلا فهذا أبعد عن الهوى وحظوظ النفس وبعد ذلك لا يبالي بمن وافق أو خالف ممن عاصره.
هذا من موقع يدعو للهجرة إلى كندا يذكر بكل صراحة سبب قبولهم للهجرات وهو أنهم عندهم مساحة كبيرة وعدد شعب قليل لهذا يحتاجون عددا أكبر من السكان لاستغلال الموارد فالأمر ليس ( إنسانية ) كما يقول البعض فهذه دول رأسمالية وليست جمعيات خيرية وبالتالي لا تخدعك بعض وسائل الإعلام بالحديث عن رئيس الوزراء الإنساني وفعله مع المهاجرين فهو يفعل ذلك ليستقطب المزيد وإلا فكندا مِن أشهر الدول التي تبيع السلاح على دولة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ). ولهذا حين غرد عند ضرب غزة وقال من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها إنما كان يسوِّق لبضائعه وليس للأمر علاقة بالموقف الأخلاقي نهائياً وهذا أيضاً ينطبق على الدول الأوروبية التي تعاني من شيخوخة الفرد فأمْر استقبال الهجرات أمرٌ ماديٌ مصلحيٌ بحت وهذا هو المتوقع في عالم رأسمالي.
أنا أحسن من غيري أو حالي هذه أحسن من حالتي السابقة ..
مِن الأمور التي ينبغي أن ينتبه إليها الدعاة والمربون ( وأحسب أن كثيراً منهم لاحظ ذلك ) أنك ربما وجدت شاباً مسلماً يحب اتقاء الذنوب ومع ذلك تجده مستروحاً لمتابعة المسرحيات على سبيل المثال أو حتى الأفلام ولا يتحسس كثيراً مما فيها من المنكرات فضلاً عن كرة القدم ونظائرها
والسبب في ذلك أنه ربما وقع في شراك الإباحية ورأى في هذه الأمور بديلاً مخففاً يريحه من تلك المعصية الشديدة التي أتلفت ذهنه وأفسدت عليه أحواله ، أو أنه رأى من ابتلي بهذا فرأى نفسه في حال أحسن من ذاك المبتلى
ومثل هذا الحال مشكل فعليك اتقاء عدة أمور
الأول : اتقاء أن تفهمه أن المعصية المخففة التي يفعلها هي بنفس منزلة المعصية الشديدة فإن ذلك قد يجعله يعود للمعصية الشديدة من باب القنوط
الثاني : اتقاء أن تجعله يستروح للبقاء على هذه المعصية المخففة دائماً بل تشجعه على أن يتحسن ويقلع عن كل ذلك وإن كانت حالته هذه أحسن من حالته السابقة
الثالث : أن ترشده إلى طريق التخلص من المعاصي الثقيلة عن طريق الطاعات لا المعاصي المخففة أو الأمور المشتبهة
والسبب في كون كثير ممن فيه خير يتجه للمعاصي المخففة ظنه أن طريق الطاعات معناه أن تكون مستقيماً استقامة تامة تؤدي الفروض على أحسن وجوهها وتترك كل ما فيه شبهة ولا تزِلُّ قدمك بشيء وإلا فلا؛ وهذا مما يصدُّ الكثيرين عن الاستقامة
وإنما تفهمه أن مجرد تركك للمعصية احتساباً هذه طاعة تزيدها طاعة أخرى بأن تحمد الله على تركك لها كلما تذكرتها مع الاستغفار وتنظر له في باب من أبواب يتيسر عليه من صدقة أو صلاة أو صيام أو قراءة قرآن أو أي باب وتحثه على التمسك به مع الفرائض دون تشديد عليه أو تقنيط له إن هو ترك أو قصَّر
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة :" وقال بعض السلف أن الفقيه من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ولم يؤمِّنهم مكر الله ولم يدَع القرآن رغبة عنه إلى ماسواه "
وهذه الكلمة الذهبية من السلف هي ما نحتاجه هنا، فمِن الناس مَن يُسوِّي بين المعاصي شديدها وخفيفها فيوهِم مَن ترَك الشديد أنه ليس على شيء لعدم تركه الخفيف فيُقنِّط الناس
ومنهم من يجعلهم يستهونون المعاصي اليسيرة بحجة أن هناك أخرى شديدة وهذا الذي يؤمِّن الناس من مكر الله فكثير من الخفيف هو طريق الثقيل أصلاً وأشد منهم من يعلمهم على اتباع الرخص
ومنهم من يقدِّم للناس بدائل في البدع والمحدثات والمشتبهات أو المعاصي اليسيرة ويعلمهم على ترك المعاصي الثقيلة من خلالها وهذا الضرب هو مَن ترَك كتاب الله إلى ما سواه فأعجبُ من دقة كلام السلف على قِلَّته واشتماله على معانٍ عظيمة
وأخيراً قد يجد المرء في نفسه ضعفاً أمام بعض المعاصي فهو لا يزال بخير ما دام يستغفر ويدعو الله ولا تصده هذه المعصية عن الطاعات قنوطاً ولا يستحلها أو يهون من شأنها أمناً من مكر الله عز وجل أو تجره إلى ما هو أكبر منها من أحد البابين القنوط أو الأمن من مكر الله.
مِن الأمور التي ينبغي أن ينتبه إليها الدعاة والمربون ( وأحسب أن كثيراً منهم لاحظ ذلك ) أنك ربما وجدت شاباً مسلماً يحب اتقاء الذنوب ومع ذلك تجده مستروحاً لمتابعة المسرحيات على سبيل المثال أو حتى الأفلام ولا يتحسس كثيراً مما فيها من المنكرات فضلاً عن كرة القدم ونظائرها
والسبب في ذلك أنه ربما وقع في شراك الإباحية ورأى في هذه الأمور بديلاً مخففاً يريحه من تلك المعصية الشديدة التي أتلفت ذهنه وأفسدت عليه أحواله ، أو أنه رأى من ابتلي بهذا فرأى نفسه في حال أحسن من ذاك المبتلى
ومثل هذا الحال مشكل فعليك اتقاء عدة أمور
الأول : اتقاء أن تفهمه أن المعصية المخففة التي يفعلها هي بنفس منزلة المعصية الشديدة فإن ذلك قد يجعله يعود للمعصية الشديدة من باب القنوط
الثاني : اتقاء أن تجعله يستروح للبقاء على هذه المعصية المخففة دائماً بل تشجعه على أن يتحسن ويقلع عن كل ذلك وإن كانت حالته هذه أحسن من حالته السابقة
الثالث : أن ترشده إلى طريق التخلص من المعاصي الثقيلة عن طريق الطاعات لا المعاصي المخففة أو الأمور المشتبهة
والسبب في كون كثير ممن فيه خير يتجه للمعاصي المخففة ظنه أن طريق الطاعات معناه أن تكون مستقيماً استقامة تامة تؤدي الفروض على أحسن وجوهها وتترك كل ما فيه شبهة ولا تزِلُّ قدمك بشيء وإلا فلا؛ وهذا مما يصدُّ الكثيرين عن الاستقامة
وإنما تفهمه أن مجرد تركك للمعصية احتساباً هذه طاعة تزيدها طاعة أخرى بأن تحمد الله على تركك لها كلما تذكرتها مع الاستغفار وتنظر له في باب من أبواب يتيسر عليه من صدقة أو صلاة أو صيام أو قراءة قرآن أو أي باب وتحثه على التمسك به مع الفرائض دون تشديد عليه أو تقنيط له إن هو ترك أو قصَّر
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة :" وقال بعض السلف أن الفقيه من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ولم يؤمِّنهم مكر الله ولم يدَع القرآن رغبة عنه إلى ماسواه "
وهذه الكلمة الذهبية من السلف هي ما نحتاجه هنا، فمِن الناس مَن يُسوِّي بين المعاصي شديدها وخفيفها فيوهِم مَن ترَك الشديد أنه ليس على شيء لعدم تركه الخفيف فيُقنِّط الناس
ومنهم من يجعلهم يستهونون المعاصي اليسيرة بحجة أن هناك أخرى شديدة وهذا الذي يؤمِّن الناس من مكر الله فكثير من الخفيف هو طريق الثقيل أصلاً وأشد منهم من يعلمهم على اتباع الرخص
ومنهم من يقدِّم للناس بدائل في البدع والمحدثات والمشتبهات أو المعاصي اليسيرة ويعلمهم على ترك المعاصي الثقيلة من خلالها وهذا الضرب هو مَن ترَك كتاب الله إلى ما سواه فأعجبُ من دقة كلام السلف على قِلَّته واشتماله على معانٍ عظيمة
وأخيراً قد يجد المرء في نفسه ضعفاً أمام بعض المعاصي فهو لا يزال بخير ما دام يستغفر ويدعو الله ولا تصده هذه المعصية عن الطاعات قنوطاً ولا يستحلها أو يهون من شأنها أمناً من مكر الله عز وجل أو تجره إلى ما هو أكبر منها من أحد البابين القنوط أو الأمن من مكر الله.
القول بعدم الأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة لا يتسق مع عذر المخالف وكثرة خلافيات المتكلمين !
إذا جاءك متكلم وقال لك لا نأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة لأن العقيدة لا بد فيها من اليقين !
فقل له : وما حكم من يخالف اليقين أليس يكفر أو يضلل تضليلا شديدا ؟!
وقد علم كل عاقل أنكم لا تلتزمون هذا خصوصا في هذا الزمان بل هناك خلافيات كثيرة بين الأشاعرة والماتردية بل وبين الأشاعرة أنفسهم دون أن يقع بينهم تضليل
فإما أن يضللوا ويكفروا بعضهم بعضا أو يعترفوا بأنهم اعتمدوا الظن الغالب
وبالتالي ما عللوا به عدولهم عن أخبار الآحاد هُم واقعون به أصلا وقولك يقين مخالفه لا يضلل ولا يكفر لغو من القول
قال ابن حجر الهيتمي في الإعلام بقواطع الإسلام :" فإن قلت: المعتزلة ينكرون الصفات السبعة أو الثمانية ولم تكفروهم.
قلت: هم لا ينكرون أصلها وإنما ينكرون زيادتها على الذات حذراً من تعدد القدماء فيقولون: إنه تعالى عالم بذاته قادر بذاته وهكذا.
فالجواب عن شبهتهم المذكورة أن المحذور تعدد ذوات قدماء لا تعدد صفات قائمة بذات واحدة قديمة, وكذا يقال في اختلاف الأشاعرة في نحو البقاء والقدم والوجه واليدين.وبهذا إن تأملته تعلم الجواب عن قول العز بن عبد السلام، والعجب أن الأشعرية اختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين, وفي الأحوال كالعالمية والقادرية وفي تعدد الكلام واتحاده، ومع ذلك لم يكفر بعضهم بعضاً"
هنا العز بن عبد السلام وابن حجر الهيتمي يقران أن الأشاعرة اختلفا في إثبات صفتي اليد والوجه ولم يكفر بعضهم بعضاً
وأقول : بل ولم يبدع بعضهم بعضاً ولم يتهم بعضهم بعضاً بالتجسيم وصفة العلو التي يدور حولها معظم الحوار بين متأخرى الأشاعرة وأهل السنة أظهر بكثير في النصوص من صفة الوجه واليد
وكبار الأشعرية معترفون أن عقيدتهم في أن الله داخل العالم ولا خارجه عقيدة عسيرة غاية على الفهم وعامة الناس لا يقبلونها
ثم يقال بعد ذلك أن عامة أخبار الآحاد التي يعدلون عنها هي أقوى في الدلالة على المقصود من عقلياتهم الظنية بل هذه الأخبار عامتها يفيد القطع بالقرائن وتوارد النصوص على إثبات المعاني التي يفرون منها ظاهر جدا حتى أنهم يرفضون أخبار الصفات بحجة التزام التركيب أو التجسيم أو حلول الحوادث ويوجد في ظواهر القرآن شيء كثير مما يزعم أهل الكلام أن ظاهره تجسيم لذا لا ينكرون في الأحاديث شيئا الا وفِي القرآن نظيره وكذلك أهل الحداثة.
إذا جاءك متكلم وقال لك لا نأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة لأن العقيدة لا بد فيها من اليقين !
فقل له : وما حكم من يخالف اليقين أليس يكفر أو يضلل تضليلا شديدا ؟!
وقد علم كل عاقل أنكم لا تلتزمون هذا خصوصا في هذا الزمان بل هناك خلافيات كثيرة بين الأشاعرة والماتردية بل وبين الأشاعرة أنفسهم دون أن يقع بينهم تضليل
فإما أن يضللوا ويكفروا بعضهم بعضا أو يعترفوا بأنهم اعتمدوا الظن الغالب
وبالتالي ما عللوا به عدولهم عن أخبار الآحاد هُم واقعون به أصلا وقولك يقين مخالفه لا يضلل ولا يكفر لغو من القول
قال ابن حجر الهيتمي في الإعلام بقواطع الإسلام :" فإن قلت: المعتزلة ينكرون الصفات السبعة أو الثمانية ولم تكفروهم.
قلت: هم لا ينكرون أصلها وإنما ينكرون زيادتها على الذات حذراً من تعدد القدماء فيقولون: إنه تعالى عالم بذاته قادر بذاته وهكذا.
فالجواب عن شبهتهم المذكورة أن المحذور تعدد ذوات قدماء لا تعدد صفات قائمة بذات واحدة قديمة, وكذا يقال في اختلاف الأشاعرة في نحو البقاء والقدم والوجه واليدين.وبهذا إن تأملته تعلم الجواب عن قول العز بن عبد السلام، والعجب أن الأشعرية اختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين, وفي الأحوال كالعالمية والقادرية وفي تعدد الكلام واتحاده، ومع ذلك لم يكفر بعضهم بعضاً"
هنا العز بن عبد السلام وابن حجر الهيتمي يقران أن الأشاعرة اختلفا في إثبات صفتي اليد والوجه ولم يكفر بعضهم بعضاً
وأقول : بل ولم يبدع بعضهم بعضاً ولم يتهم بعضهم بعضاً بالتجسيم وصفة العلو التي يدور حولها معظم الحوار بين متأخرى الأشاعرة وأهل السنة أظهر بكثير في النصوص من صفة الوجه واليد
وكبار الأشعرية معترفون أن عقيدتهم في أن الله داخل العالم ولا خارجه عقيدة عسيرة غاية على الفهم وعامة الناس لا يقبلونها
ثم يقال بعد ذلك أن عامة أخبار الآحاد التي يعدلون عنها هي أقوى في الدلالة على المقصود من عقلياتهم الظنية بل هذه الأخبار عامتها يفيد القطع بالقرائن وتوارد النصوص على إثبات المعاني التي يفرون منها ظاهر جدا حتى أنهم يرفضون أخبار الصفات بحجة التزام التركيب أو التجسيم أو حلول الحوادث ويوجد في ظواهر القرآن شيء كثير مما يزعم أهل الكلام أن ظاهره تجسيم لذا لا ينكرون في الأحاديث شيئا الا وفِي القرآن نظيره وكذلك أهل الحداثة.
من عجيب فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
من المسائل المعروفة في فقه الرقيق عند المسلمين وهذا مما انفردوا به عن بقية الأمم أحكام أمهات الأولاد
وأم الولد هي الجارية التي يقع عليها سيدها وتحبل منه فهذه تعتق إذا مات مباشرة ولا يجوز بيعها في قول أكثر أهل العلم
وكان عمر يرى أنها اذا حملت وأسقطت تصير أم ولد أيضا
ولا يشترط أن تلد
قال ابن أبي شيبة في المصنف 21478 - حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: قال عمر بن الخطاب في أم الولد: «أعتقها ولدها، وإن كان سقطا»
21479 - حدثنا وكيع، عن عمر بن ذر، عن محمد بن عبد الله بن قارب الثقفي، عن أبيه، أنه اشترى من رجل جارية بأربعة آلاف قد كانت أسقطت من مولاها سقطا، فبلغ ذلك عمر، فأتاه فعلاه بالدرة ضربا، وقال: «بعدما اختلطت لحومكم بلحومهن، ودماؤكم بدمائهن بعتموهن، لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها»
أقول : الأثر الثاني عجيب وهو محتمل فابن قارب هو أبو العنبس الثقفي روى عنه جمع من الثقات وذكره ابن حبان الثقات وليس في روايته ما يستنكر وهنا يحكي قصة عن أبيه الذي وصف بأنه صديق عمر بن الخطاب فهذا يحتمل
تأمل قول عمر ( لحومكم بلحومهن ) يقصد في تكون الأولاد- وإن كان سقطا - يعني صرن من أهلكم ويقبح بالإنسان أن يبيع أهله ثم استدل بحديث تحريم بيع الشحوم فكأنه يقول كما أن تحريم الشحوم يقتضي تحريم ثمنها فكذلك كما يحرم عليك بيع فرد من أهلك أو أن تهبه لأحد يتملكه فكذلك أم الولد وهذا عجيب دقيق في استخدام القياس وفِي استخدام سد الذرائع لأنه اذا بيعت أم السقط أوشك أن تباع أم المولود المكتمل
وكان ابن مسعود يستقبح فيقول : لَيْتَهُ يُنَادِي : مَنْ أَبِيعُهُ أُمَّ وَلَدِي ؟!رواه عبد الرزاق بسند قوي
وسبحان الله لما قرأت الأثر تذكرت ما يقع بين كثير من الأزواج في زماننا من المضارة الشديدة بينهم بعد الطلاق ويكون بينهم أبناء قد اختلط لحم ودم الأم والأب فيهم ولو راعوا هذا المعنى وتذكروا قوله تعالى : ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) لزال كثير من هذا البلاء والذي يتأذى منه فلذات الكبد قبل غيرهم وما قيمة لذة انتقام ترجع بالضرر على أقرب الناس عليك
رضي الله عن السلف الصالح ما أفقههم وما أحسن كلامهم
من المسائل المعروفة في فقه الرقيق عند المسلمين وهذا مما انفردوا به عن بقية الأمم أحكام أمهات الأولاد
وأم الولد هي الجارية التي يقع عليها سيدها وتحبل منه فهذه تعتق إذا مات مباشرة ولا يجوز بيعها في قول أكثر أهل العلم
وكان عمر يرى أنها اذا حملت وأسقطت تصير أم ولد أيضا
ولا يشترط أن تلد
قال ابن أبي شيبة في المصنف 21478 - حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: قال عمر بن الخطاب في أم الولد: «أعتقها ولدها، وإن كان سقطا»
21479 - حدثنا وكيع، عن عمر بن ذر، عن محمد بن عبد الله بن قارب الثقفي، عن أبيه، أنه اشترى من رجل جارية بأربعة آلاف قد كانت أسقطت من مولاها سقطا، فبلغ ذلك عمر، فأتاه فعلاه بالدرة ضربا، وقال: «بعدما اختلطت لحومكم بلحومهن، ودماؤكم بدمائهن بعتموهن، لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها»
أقول : الأثر الثاني عجيب وهو محتمل فابن قارب هو أبو العنبس الثقفي روى عنه جمع من الثقات وذكره ابن حبان الثقات وليس في روايته ما يستنكر وهنا يحكي قصة عن أبيه الذي وصف بأنه صديق عمر بن الخطاب فهذا يحتمل
تأمل قول عمر ( لحومكم بلحومهن ) يقصد في تكون الأولاد- وإن كان سقطا - يعني صرن من أهلكم ويقبح بالإنسان أن يبيع أهله ثم استدل بحديث تحريم بيع الشحوم فكأنه يقول كما أن تحريم الشحوم يقتضي تحريم ثمنها فكذلك كما يحرم عليك بيع فرد من أهلك أو أن تهبه لأحد يتملكه فكذلك أم الولد وهذا عجيب دقيق في استخدام القياس وفِي استخدام سد الذرائع لأنه اذا بيعت أم السقط أوشك أن تباع أم المولود المكتمل
وكان ابن مسعود يستقبح فيقول : لَيْتَهُ يُنَادِي : مَنْ أَبِيعُهُ أُمَّ وَلَدِي ؟!رواه عبد الرزاق بسند قوي
وسبحان الله لما قرأت الأثر تذكرت ما يقع بين كثير من الأزواج في زماننا من المضارة الشديدة بينهم بعد الطلاق ويكون بينهم أبناء قد اختلط لحم ودم الأم والأب فيهم ولو راعوا هذا المعنى وتذكروا قوله تعالى : ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) لزال كثير من هذا البلاء والذي يتأذى منه فلذات الكبد قبل غيرهم وما قيمة لذة انتقام ترجع بالضرر على أقرب الناس عليك
رضي الله عن السلف الصالح ما أفقههم وما أحسن كلامهم
هل أجاز الإمام أحمد التبرك بفضل طعام الرجل الصالح ؟
كنت قد شرحت عند حديثي على مسألة ( صدقت وبررت ) عند تثويب المؤذن أن هناك مسائل تذكر في كتب المتأخرين من المذهبيين ولا يكون لها أصل في كلام المتقدمين ولا كلام إمام المذهب
بل ربما تجدهم هم يصرحون بأنهم أخذوها من كلام رجل من مذهب آخر ولو كان عندهم نص من الإمام أو متقدمي الأصحاب لذكروه
وهنا سنتحدث عن مسألة التبرك بفضل طعام الرجل الصالح والتي رأيت البعض يدعي أن الإمام أحمد نص على جواز ذلك !
وسيأتي أن الأمر موجود في عدد من كتب متأخري الحنابلة مع تنصيصهم أنهم أخذوا الأمر من شرح النووي على مسلم وهو شافعي ! فلو كانوا وجدوا أصلاً للمسألة عن أي حنبلي لذكروه !
وقبل الدخول في المسألة لي مقال بعنوان بتر محمد الأزهري كلام ابن مفلح في التبرك في موضعين
بينت فيه ضعف ما يستدل به عن أحمد في أمر التبرك فيما ذكر في شأن ابنه صالح وذكرت رواية عنه في النهي عن التبرك وهي رواية صحيحة
قال الخلال: وأخبرنا على بن عبد الصمد الطَّيالسى, قال: مَسحتُ يدى على أحمد بن حنبل؛ ثم مسحتُ يدى على بَدنى وهو ينظر, فغضب غضبًا شديدًا؛ وجعل يَنفُض يَده, ويقول: عَمَّن أخذتم هذا؟ وأنكره إنكارا شديدًا.
وهذه الرواية دعاة التبرك يحملونها على التواضع وهذا بعيد لأن الإمام يقول ( عمن أخذتم هذا ) وهذا يبين أن الأمر محدث لهذا هذه الرواية استدل بها العديد من الحنابلة على المنع من التبرك بالميت أو الحي !
جاء في كشاف القناع على متن الإقناع للبهوتي :" (والتحدث في أمر الدنيا كذا مسحه بيديه أو بشيء عليها تبركا) وقيل: بمنعه كالقبر وأولى.
قال أبو المعالي: هو بدعة يخاف منه على الميت قال وهو قبيح في الحياة، فكذا بعد الموت، وفي الفصول: يكره قال: ولهذا منع أكثر العلماء من مس القبر، فكيف بالجسد؟ ولأنه بعد الموت كالحياة، ثم حال الحياة يكره أن يمس بدن الإنسان للاحترام وغيره سوى المصافحة وروى ابن الخلال في أخلاق أحمد: أن علي بن عبد الصمد الطيالسي مسح يده على أحمد، ثم مسحها على يديه، وهو ينظر فغضب شديدا، وجعل ينفض يده، ويقول عمن أخذتم هذا؟ وأنكره شديدا.
"
فهو هنا لا يحمل الرواية على التواضع بل يأخذ منها حكماً عاماً
وفي مطالب أولي النهى للرحيباني :" (و) كره (مسحه بيده) على الجنازة، (أو) مسحه (بشيء عليها تبركا) ، لعدم وروده، قال أبو المعالي: هو بدعة يخاف منه على الميت، قال: وهو قبيح في الحياة فكذا بعد الموت، لما روى الخلال في أخلاق أحمد: أن علي بن عبد الصمد الطيالسي مسح يده على أحمد، ثم مسحها على يديه، وهو ينظر، فغضب شديدا، وجعل ينفض يده، ويقول: عمن أخذتم هذا؟ وأنكره."
فتأمل قوله ( لعدم وروده ) ومعلوم أن العلماء قالوا ببدعية كثير من الأمور التي هي أحسن حالاً من التبرك كقول من قال ببدعية الصلاة على النبي عند الذبح وبدعية السجود على الحجر الأسود وبدعية التعريف في الأمصار وبدعية سجود الشكر فهذه أمور تنازع العلماء في مشروعيتها وقال معتبرون بالبدعية فما بالك بأمر لا يذكر عن عالم معتبر حتى أن أحمد يقول ( عمن أخذتم هذا ) وإنما ينتشر في المتأخرين وأقدم من رأيته مال لهذا من الحنابلة ابن هبيرة وما عزاه لأحمد وإنما استنبطه بالقياس على الرسول وهذا بعيد لكلمة أحمد
وتأمل قول أبي المعالي أن التمسح بالرجل في الحياة قبيح فكيف بعد الموت ؟
وقال ابن قدامة في المغني :" فصل: ومس الجنازة بالأيدي والأكمام والمناديل محدث مكروه، ولا يؤمن معه فساد الميت، وقد منع العلماء مس القبر، فمس الجسد مع خوف الأذى أولى بالمنع"
وما استثنى أمر التبرك
والآن لنأتي لأمر التبرك بالطعام أقدم من ذكره من الأصحاب المرداوي في الإنصاف حيث ذكره في موضعين من الإنصاف
فقال في باب الوليمة :" ويستحب للضيف أن يفضل شيئا، لاسيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، أو كان ثم حاجة"
وقال في باب في فوائد الطعام والشراب :" ولرب الطعام أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب، إذا لم يتأذ غيره. ويستحب للضيف أن يفضل شيئا، لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، أو كان ثم حاجة"
وقد ظن بعض المساكين أن هذا الكلام للإمام أحمد لأن قبله ذكر أثراً عن أحمد وهذا غلط فأثر أحمد هو وقال أبو بكر بن حماد: رأيت الإمام أحمد - رحمه الله - يأكل التمر، ويأخذ النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى. ورأيته يكره أن يجعل النوى مع التمر في شيء واحد.
وهنا انتهى الأثر عن أحمد وبعده كلام المرداوي بدليل ما بعده حيث يقول : وظاهر كلام الإمام أحمد - رحمه الله -، والشيخ تقي الدين: أن الخبز لا يقبل، ولا بأس بالمناهدة.
وهذا كلام المرداوي بوضوح والآن من أين جاء المرداوي بهذا الكلام وتبعه من تبعه من متأخري الحنابلة
قل النووي في شرح صحيح مسلم : يستحب للآكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضلة ليواسي بها من بعده لاسيما إن كان ممن يتبرك بفضلته.
=
كنت قد شرحت عند حديثي على مسألة ( صدقت وبررت ) عند تثويب المؤذن أن هناك مسائل تذكر في كتب المتأخرين من المذهبيين ولا يكون لها أصل في كلام المتقدمين ولا كلام إمام المذهب
بل ربما تجدهم هم يصرحون بأنهم أخذوها من كلام رجل من مذهب آخر ولو كان عندهم نص من الإمام أو متقدمي الأصحاب لذكروه
وهنا سنتحدث عن مسألة التبرك بفضل طعام الرجل الصالح والتي رأيت البعض يدعي أن الإمام أحمد نص على جواز ذلك !
وسيأتي أن الأمر موجود في عدد من كتب متأخري الحنابلة مع تنصيصهم أنهم أخذوا الأمر من شرح النووي على مسلم وهو شافعي ! فلو كانوا وجدوا أصلاً للمسألة عن أي حنبلي لذكروه !
وقبل الدخول في المسألة لي مقال بعنوان بتر محمد الأزهري كلام ابن مفلح في التبرك في موضعين
بينت فيه ضعف ما يستدل به عن أحمد في أمر التبرك فيما ذكر في شأن ابنه صالح وذكرت رواية عنه في النهي عن التبرك وهي رواية صحيحة
قال الخلال: وأخبرنا على بن عبد الصمد الطَّيالسى, قال: مَسحتُ يدى على أحمد بن حنبل؛ ثم مسحتُ يدى على بَدنى وهو ينظر, فغضب غضبًا شديدًا؛ وجعل يَنفُض يَده, ويقول: عَمَّن أخذتم هذا؟ وأنكره إنكارا شديدًا.
وهذه الرواية دعاة التبرك يحملونها على التواضع وهذا بعيد لأن الإمام يقول ( عمن أخذتم هذا ) وهذا يبين أن الأمر محدث لهذا هذه الرواية استدل بها العديد من الحنابلة على المنع من التبرك بالميت أو الحي !
جاء في كشاف القناع على متن الإقناع للبهوتي :" (والتحدث في أمر الدنيا كذا مسحه بيديه أو بشيء عليها تبركا) وقيل: بمنعه كالقبر وأولى.
قال أبو المعالي: هو بدعة يخاف منه على الميت قال وهو قبيح في الحياة، فكذا بعد الموت، وفي الفصول: يكره قال: ولهذا منع أكثر العلماء من مس القبر، فكيف بالجسد؟ ولأنه بعد الموت كالحياة، ثم حال الحياة يكره أن يمس بدن الإنسان للاحترام وغيره سوى المصافحة وروى ابن الخلال في أخلاق أحمد: أن علي بن عبد الصمد الطيالسي مسح يده على أحمد، ثم مسحها على يديه، وهو ينظر فغضب شديدا، وجعل ينفض يده، ويقول عمن أخذتم هذا؟ وأنكره شديدا.
"
فهو هنا لا يحمل الرواية على التواضع بل يأخذ منها حكماً عاماً
وفي مطالب أولي النهى للرحيباني :" (و) كره (مسحه بيده) على الجنازة، (أو) مسحه (بشيء عليها تبركا) ، لعدم وروده، قال أبو المعالي: هو بدعة يخاف منه على الميت، قال: وهو قبيح في الحياة فكذا بعد الموت، لما روى الخلال في أخلاق أحمد: أن علي بن عبد الصمد الطيالسي مسح يده على أحمد، ثم مسحها على يديه، وهو ينظر، فغضب شديدا، وجعل ينفض يده، ويقول: عمن أخذتم هذا؟ وأنكره."
فتأمل قوله ( لعدم وروده ) ومعلوم أن العلماء قالوا ببدعية كثير من الأمور التي هي أحسن حالاً من التبرك كقول من قال ببدعية الصلاة على النبي عند الذبح وبدعية السجود على الحجر الأسود وبدعية التعريف في الأمصار وبدعية سجود الشكر فهذه أمور تنازع العلماء في مشروعيتها وقال معتبرون بالبدعية فما بالك بأمر لا يذكر عن عالم معتبر حتى أن أحمد يقول ( عمن أخذتم هذا ) وإنما ينتشر في المتأخرين وأقدم من رأيته مال لهذا من الحنابلة ابن هبيرة وما عزاه لأحمد وإنما استنبطه بالقياس على الرسول وهذا بعيد لكلمة أحمد
وتأمل قول أبي المعالي أن التمسح بالرجل في الحياة قبيح فكيف بعد الموت ؟
وقال ابن قدامة في المغني :" فصل: ومس الجنازة بالأيدي والأكمام والمناديل محدث مكروه، ولا يؤمن معه فساد الميت، وقد منع العلماء مس القبر، فمس الجسد مع خوف الأذى أولى بالمنع"
وما استثنى أمر التبرك
والآن لنأتي لأمر التبرك بالطعام أقدم من ذكره من الأصحاب المرداوي في الإنصاف حيث ذكره في موضعين من الإنصاف
فقال في باب الوليمة :" ويستحب للضيف أن يفضل شيئا، لاسيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، أو كان ثم حاجة"
وقال في باب في فوائد الطعام والشراب :" ولرب الطعام أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب، إذا لم يتأذ غيره. ويستحب للضيف أن يفضل شيئا، لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، أو كان ثم حاجة"
وقد ظن بعض المساكين أن هذا الكلام للإمام أحمد لأن قبله ذكر أثراً عن أحمد وهذا غلط فأثر أحمد هو وقال أبو بكر بن حماد: رأيت الإمام أحمد - رحمه الله - يأكل التمر، ويأخذ النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى. ورأيته يكره أن يجعل النوى مع التمر في شيء واحد.
وهنا انتهى الأثر عن أحمد وبعده كلام المرداوي بدليل ما بعده حيث يقول : وظاهر كلام الإمام أحمد - رحمه الله -، والشيخ تقي الدين: أن الخبز لا يقبل، ولا بأس بالمناهدة.
وهذا كلام المرداوي بوضوح والآن من أين جاء المرداوي بهذا الكلام وتبعه من تبعه من متأخري الحنابلة
قل النووي في شرح صحيح مسلم : يستحب للآكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضلة ليواسي بها من بعده لاسيما إن كان ممن يتبرك بفضلته.
=
=
فلاحظ أنه جاء بلفظ النووي لأنه لا يوجد أي حنبلي نص على هذا وغيره صرح بالأخذ من شرح النووي على مسلم ولو تأملت كلامهم في في التبرك بالمسح وأنه لم يرد لرأيته منطبقاً على موضوع الفضلة من الطعام المبني على قياس النبي صلى الله عليه وسلم على غيره وهذا رفضه أحمد في أصح الروايات في أمر المسح فكذلك يكون في أمر الطعام
وقد يقول قائل : الحنابلة أعلم بمذهبهم ؟
فيقال : لو قلنا ابن تيمية أعلم من كل هؤلاء بمذهب أحمد لما كان بعيداً مع اعترافهم له بالاجتهاد وواضح أنهم ما وجدوا نصوصاً للإمام ولا أصحابه حتى جاءوا بكلام بعض الشافعية
ومعروف كلام الشاطبي وهو مالكي أشعري في الاعتصام حيث يقول :" إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه، مشكل في تنزيله، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم ـ بعد موته عليه السلام ـ لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر (رضي الله عنهما)، وهو كان في الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذا إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها"
وكلمة الشاطبي هذه تلتقي مع كلمة أحمد التي أقل ما يقال فيها أنها رواية في المذهب ( عمن أخذتم هذا )
وهذا وضع الجريد على القبر الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عن بريدة أنه فعله وأنا أرى جوازه ولكن بعض المشهورين منعوا ورأوا الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم ( مع ثبوت ذلك عن صحابي )
وقال ابن الحاج في المدخل: [فالجواب عن قوله عليه الصلاة والسلام: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) راجع إلى بركة ما وقع من لمسه عليه الصلاة والسلام لتلك الجريدة وقد نص على ذلك الإمام الطرطوشي رحمه الله في كتاب " سراج الملوك " له، لمَّا ذكر هذا الحديث فقال عقبه: وذلك لبركة يده عليه الصلاة والسلام وما نقل عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم فلم يصحبه عمل باقيهم رضي الله عنهم إذ لو فهموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه ولكان يقتضي أن يكون الدفن في البساتين مستحباً]
فما بالك بأخذ فضل الطعام وفضل الوضوء مما لم يرد في القرون الأولى أنهم فعلوه مع معظم قط غير النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا ابن الحاج المالكي الأشعري المعاصر لابن تيمية والمتقدم على المرداوي يقول في المدخل :" ويحذرهم من تلك البدع التي أحدثت هناك فترى من لا علم عنده يطوف بالقبر الشريف كما يطوف بالكعبة الحرام ويتمسح به ويقبله ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم يقصدون به التبرك، وذلك كله من البدع؛ لأن التبرك إنما يكون بالاتباع له - عليه الصلاة والسلام - وما كان سبب عبادة الجاهلية للأصنام إلا من هذا الباب
"
ومعلوم أن أعيان الصالحين يفتتن بهم فيتبرك بالتمسح بقبورهم بعد وفاتهم إذا اعتاد الناس على التبرك بهم في حياتهم بتبرك ممنوع فلينتبه لهذا
وبقيت مسألة وهي ما يذكرها بعض الحنابلة ( ونقلها من الشافعية أيضاً ) أنه يستحب الدفن في المقبرة التي أكثر أهلها صالحون وشهداء
قال ابن قدامة في المغني :" (1596) فصل: ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء؛ لتناله بركتهم، وكذلك في البقاع الشريفة. وقد روى البخاري ومسلم بإسنادهما «أن موسى - عليه السلام - لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر."
أقول : وهذه أيضاً من فروع المتأخرين التي لا أصل لها في كلام الأئمة واستدلال ابن قدامة الذي ذكره خاص في البقاع الشريفة فإنه سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة وهذا معناه أنه لو مات بعيداً عنها لدفن في المكان الذي مات فيه على عادة الأنبياء دون تكلف نقله إلى الأرض المقدسة ولكن أين الدليل من الكتاب أو السنة أو حتى نصوص الإمام على مسألة الدفن في المكان الذي فيه صالحون وشهداء
وفي العادة المحلة تكون فيها مقبرة واحدة وتحري أن تنقل الميت إلى مكان فيه شهداء وصالحون يقتضي تأخير الدفن ونقل الميت وكلاهما مكروه بنصوص الأئمة وقد نبه على هذا المعنى الشافعية أصحاب المسألة الأصل.
=
فلاحظ أنه جاء بلفظ النووي لأنه لا يوجد أي حنبلي نص على هذا وغيره صرح بالأخذ من شرح النووي على مسلم ولو تأملت كلامهم في في التبرك بالمسح وأنه لم يرد لرأيته منطبقاً على موضوع الفضلة من الطعام المبني على قياس النبي صلى الله عليه وسلم على غيره وهذا رفضه أحمد في أصح الروايات في أمر المسح فكذلك يكون في أمر الطعام
وقد يقول قائل : الحنابلة أعلم بمذهبهم ؟
فيقال : لو قلنا ابن تيمية أعلم من كل هؤلاء بمذهب أحمد لما كان بعيداً مع اعترافهم له بالاجتهاد وواضح أنهم ما وجدوا نصوصاً للإمام ولا أصحابه حتى جاءوا بكلام بعض الشافعية
ومعروف كلام الشاطبي وهو مالكي أشعري في الاعتصام حيث يقول :" إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه، مشكل في تنزيله، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم ـ بعد موته عليه السلام ـ لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر (رضي الله عنهما)، وهو كان في الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذا إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها"
وكلمة الشاطبي هذه تلتقي مع كلمة أحمد التي أقل ما يقال فيها أنها رواية في المذهب ( عمن أخذتم هذا )
وهذا وضع الجريد على القبر الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عن بريدة أنه فعله وأنا أرى جوازه ولكن بعض المشهورين منعوا ورأوا الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم ( مع ثبوت ذلك عن صحابي )
وقال ابن الحاج في المدخل: [فالجواب عن قوله عليه الصلاة والسلام: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) راجع إلى بركة ما وقع من لمسه عليه الصلاة والسلام لتلك الجريدة وقد نص على ذلك الإمام الطرطوشي رحمه الله في كتاب " سراج الملوك " له، لمَّا ذكر هذا الحديث فقال عقبه: وذلك لبركة يده عليه الصلاة والسلام وما نقل عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم فلم يصحبه عمل باقيهم رضي الله عنهم إذ لو فهموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه ولكان يقتضي أن يكون الدفن في البساتين مستحباً]
فما بالك بأخذ فضل الطعام وفضل الوضوء مما لم يرد في القرون الأولى أنهم فعلوه مع معظم قط غير النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا ابن الحاج المالكي الأشعري المعاصر لابن تيمية والمتقدم على المرداوي يقول في المدخل :" ويحذرهم من تلك البدع التي أحدثت هناك فترى من لا علم عنده يطوف بالقبر الشريف كما يطوف بالكعبة الحرام ويتمسح به ويقبله ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم يقصدون به التبرك، وذلك كله من البدع؛ لأن التبرك إنما يكون بالاتباع له - عليه الصلاة والسلام - وما كان سبب عبادة الجاهلية للأصنام إلا من هذا الباب
"
ومعلوم أن أعيان الصالحين يفتتن بهم فيتبرك بالتمسح بقبورهم بعد وفاتهم إذا اعتاد الناس على التبرك بهم في حياتهم بتبرك ممنوع فلينتبه لهذا
وبقيت مسألة وهي ما يذكرها بعض الحنابلة ( ونقلها من الشافعية أيضاً ) أنه يستحب الدفن في المقبرة التي أكثر أهلها صالحون وشهداء
قال ابن قدامة في المغني :" (1596) فصل: ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء؛ لتناله بركتهم، وكذلك في البقاع الشريفة. وقد روى البخاري ومسلم بإسنادهما «أن موسى - عليه السلام - لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر."
أقول : وهذه أيضاً من فروع المتأخرين التي لا أصل لها في كلام الأئمة واستدلال ابن قدامة الذي ذكره خاص في البقاع الشريفة فإنه سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة وهذا معناه أنه لو مات بعيداً عنها لدفن في المكان الذي مات فيه على عادة الأنبياء دون تكلف نقله إلى الأرض المقدسة ولكن أين الدليل من الكتاب أو السنة أو حتى نصوص الإمام على مسألة الدفن في المكان الذي فيه صالحون وشهداء
وفي العادة المحلة تكون فيها مقبرة واحدة وتحري أن تنقل الميت إلى مكان فيه شهداء وصالحون يقتضي تأخير الدفن ونقل الميت وكلاهما مكروه بنصوص الأئمة وقد نبه على هذا المعنى الشافعية أصحاب المسألة الأصل.
=
=
جاء في كفاية النبيه شرح التنبيه لابن الرفعة :" وكذا الأفضل أن يدفن بين أقوام صالحين؛ لأن أبا سعيد ذكر في كتابه "المؤتلف والمختلف" عن [ابن الحنفية] عن عليِّ - كرم الله وجهه- قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ندفن موتانا [وسط قوم صالحين]؛ فإن الموتى يتأذون بالجار السوء كما يتأذى به الأحياء، وهذا إذا كانوا في مقبرة البلد الذي مات فيه، فلو كانوا في غيرها لا ينقل إليهم؛ لأن فيه تأخير الدفن. وفي "الحاوي" أن الشافعي قال- يعني في "الأم"-: ولا أحب إذا مات الميت في بلد أن ينقل إلى غيره، وخاصة إن كان قد مات بمكة أو المدينة أو بيت المقدس.
[ثم قال الماوردي: نعم، لو كان بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس] فيختار أن ينقل إليها؛ لقوله- عليه السلام-: "من دفن بالمدينة كنت له شاهداً وله شافعاً، ومن مات بمكة فكأنما مات في سماء الدنيا"، والجمهور على منع النقل كما تقدم، لكن قال صاحب "التهذيب" و"الشامل" والبندنيجي: إنه يكره نقله، وقال القاضي الحسين وأبو الفرج الدارمي وصاحب "التتمة": يحرم نقله"
والحديث الذي ذكره حديث منكر ومع القول بحرمة النقل أو كراهيته يصير مثل هذا الفرع غير ممكن التطبيق فإما يدفن في مقبرة المحلة بصالحيها وطالحيها وأما النقل فلا ينبغي وقد كان قديماً هناك مقابر لكل مذهب ويدفن فيه أهل ذاك المذهب جميعاً علماً أنه قد لا يستبعد أفضلية مجاورة الصالحين فإن هذا من جنس مجاورتهم أحياء وفي مجاورتهم خير ولكن المعول على العمل وعلى ما ثبت فيه دليل
وبقيت مسألة أن مصطلح ( الولي ) و ( الشهيد ) إنما يكون على غلبة الظن فيما نرى وإلا فنحن لا ندري ما في البواطن ولهذا بوب البخاري ( لا يقال فلان شهيد ) وكان السلف يقولون الحي لا تؤمن عليه الفتنة وهذه الأحوال مع الأحياء من تعظيمهم والتبرك من الفتنة
جاء في سير أعلام النبلاء :" وقال أبو هشام الرفاعي: قال أبو بكر بن عياش للحسن بن الحسن بالمدينة: ما أبقت الفتنة منك? فقال: وأي فتنة رأيتني فيها? قال: رأيتهم يقبلون يدك ولا تمنعهم"
قال ابن أبي شيبة في المصنف 26839- حدثنا يزيد بن هارون ، عن العوام ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : تبع ابن مسعود ناس فجعلوا يمشون خلفه فقال : ألكم حاجة ؟ قالوا : لا ، قال : ارجعوا فإنها ذلة للتابع فتنة للمتبوع.
26840- حدثنا ابن إدريس ، عن هارون بن عنترة ، عن سليم بن حنظلة قال : أتينا أبي بن كعب لنتحدث عنده ، فلما قام قمنا نمشي معه ، فلحقه عمر فرفع عليه الدرة فقال : يا أمير المؤمنين ، اعلم ما تصنع ؟ قال : إنما ترى فتنة للمتبوع ذلة للتابع.
فإذا كان هذا حال السلف مع تقبيل الأيدي وهو أمر هين ومع المشي خلف الرجل وهو أمر هين ويرون ذلك فتنة ! فما بالك بالتمسح بالرجل وأن نقول له يستحب لك أن تترك شيئاً من طعامك ليتبرك به الناس ! شتان شتان بين أحوال الأوائل وأحوال المتأخرين إلا من تبع الأوائل حقاً ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين )
وقال ابن سعد في الطبقات 10353 - أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا ابن عون، قال: كنا عند إبراهيم, فجاء رجل, فقال: يا أبا عمران, ادع الله أن يشفيني, فرأيت أنه كرهه كراهية شديدة, حتى رأيتنا عرفنا كراهية ذلك في وجهه, أو حتى عرفت كراهية ذلك في وجهه, ثم قال: جاء رجل إلى حذيفة, فقال: ادع الله أن يغفر لي. قال: لا غفر الله لك, قال: فتنحى الرجل ناحية, فجلس, فلما كان بعد ذلك قال: أدخلك الله مدخل حذيفة, أقد رضيت الآن؟ قال: ويأتي أحدكم الرجل كأنه قد أحصى شأنه، كأنه كأنه، فذكر إبراهيم السنة, فرغب فيها وذكر ما أحدث الناس فكرهه, وقال فيه.
فهذا إبراهيم النخعي يكره مجرد ذهابك لرجل تظن فيه الصلاح والولاية وتسأله الدعاء ويذكر ذلك عن حذيفة وكان ابن تيمية يقول إنما تنتفي الكراهة إذا كان قصدك التذكير والتكثر بأخيك دون اعتقاد خاص فيه ( هذا معنى تقريره ) مع أن هذا قد يدخله إحسان الظن بهذا الرجل لما يظهر من صلاحه ومع ذلك سدوا الذريعة وشددوا وغضبوا فكيف بالتمسح به حياً وميتاً والتبرك بفضلة طعامه !
ولاحظ غضب حذيفة الشديد وغضب إبراهيم الشديد وغضب أحمد الشديد لما تمسحوا به وغضب عمر من اتباعهم لأبي بن كعب تعجب من عظمة هؤلاء الصالحين وأنهم لا يطلبون بالعلم جاهاً.
جاء في كفاية النبيه شرح التنبيه لابن الرفعة :" وكذا الأفضل أن يدفن بين أقوام صالحين؛ لأن أبا سعيد ذكر في كتابه "المؤتلف والمختلف" عن [ابن الحنفية] عن عليِّ - كرم الله وجهه- قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ندفن موتانا [وسط قوم صالحين]؛ فإن الموتى يتأذون بالجار السوء كما يتأذى به الأحياء، وهذا إذا كانوا في مقبرة البلد الذي مات فيه، فلو كانوا في غيرها لا ينقل إليهم؛ لأن فيه تأخير الدفن. وفي "الحاوي" أن الشافعي قال- يعني في "الأم"-: ولا أحب إذا مات الميت في بلد أن ينقل إلى غيره، وخاصة إن كان قد مات بمكة أو المدينة أو بيت المقدس.
[ثم قال الماوردي: نعم، لو كان بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس] فيختار أن ينقل إليها؛ لقوله- عليه السلام-: "من دفن بالمدينة كنت له شاهداً وله شافعاً، ومن مات بمكة فكأنما مات في سماء الدنيا"، والجمهور على منع النقل كما تقدم، لكن قال صاحب "التهذيب" و"الشامل" والبندنيجي: إنه يكره نقله، وقال القاضي الحسين وأبو الفرج الدارمي وصاحب "التتمة": يحرم نقله"
والحديث الذي ذكره حديث منكر ومع القول بحرمة النقل أو كراهيته يصير مثل هذا الفرع غير ممكن التطبيق فإما يدفن في مقبرة المحلة بصالحيها وطالحيها وأما النقل فلا ينبغي وقد كان قديماً هناك مقابر لكل مذهب ويدفن فيه أهل ذاك المذهب جميعاً علماً أنه قد لا يستبعد أفضلية مجاورة الصالحين فإن هذا من جنس مجاورتهم أحياء وفي مجاورتهم خير ولكن المعول على العمل وعلى ما ثبت فيه دليل
وبقيت مسألة أن مصطلح ( الولي ) و ( الشهيد ) إنما يكون على غلبة الظن فيما نرى وإلا فنحن لا ندري ما في البواطن ولهذا بوب البخاري ( لا يقال فلان شهيد ) وكان السلف يقولون الحي لا تؤمن عليه الفتنة وهذه الأحوال مع الأحياء من تعظيمهم والتبرك من الفتنة
جاء في سير أعلام النبلاء :" وقال أبو هشام الرفاعي: قال أبو بكر بن عياش للحسن بن الحسن بالمدينة: ما أبقت الفتنة منك? فقال: وأي فتنة رأيتني فيها? قال: رأيتهم يقبلون يدك ولا تمنعهم"
قال ابن أبي شيبة في المصنف 26839- حدثنا يزيد بن هارون ، عن العوام ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : تبع ابن مسعود ناس فجعلوا يمشون خلفه فقال : ألكم حاجة ؟ قالوا : لا ، قال : ارجعوا فإنها ذلة للتابع فتنة للمتبوع.
26840- حدثنا ابن إدريس ، عن هارون بن عنترة ، عن سليم بن حنظلة قال : أتينا أبي بن كعب لنتحدث عنده ، فلما قام قمنا نمشي معه ، فلحقه عمر فرفع عليه الدرة فقال : يا أمير المؤمنين ، اعلم ما تصنع ؟ قال : إنما ترى فتنة للمتبوع ذلة للتابع.
فإذا كان هذا حال السلف مع تقبيل الأيدي وهو أمر هين ومع المشي خلف الرجل وهو أمر هين ويرون ذلك فتنة ! فما بالك بالتمسح بالرجل وأن نقول له يستحب لك أن تترك شيئاً من طعامك ليتبرك به الناس ! شتان شتان بين أحوال الأوائل وأحوال المتأخرين إلا من تبع الأوائل حقاً ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين )
وقال ابن سعد في الطبقات 10353 - أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا ابن عون، قال: كنا عند إبراهيم, فجاء رجل, فقال: يا أبا عمران, ادع الله أن يشفيني, فرأيت أنه كرهه كراهية شديدة, حتى رأيتنا عرفنا كراهية ذلك في وجهه, أو حتى عرفت كراهية ذلك في وجهه, ثم قال: جاء رجل إلى حذيفة, فقال: ادع الله أن يغفر لي. قال: لا غفر الله لك, قال: فتنحى الرجل ناحية, فجلس, فلما كان بعد ذلك قال: أدخلك الله مدخل حذيفة, أقد رضيت الآن؟ قال: ويأتي أحدكم الرجل كأنه قد أحصى شأنه، كأنه كأنه، فذكر إبراهيم السنة, فرغب فيها وذكر ما أحدث الناس فكرهه, وقال فيه.
فهذا إبراهيم النخعي يكره مجرد ذهابك لرجل تظن فيه الصلاح والولاية وتسأله الدعاء ويذكر ذلك عن حذيفة وكان ابن تيمية يقول إنما تنتفي الكراهة إذا كان قصدك التذكير والتكثر بأخيك دون اعتقاد خاص فيه ( هذا معنى تقريره ) مع أن هذا قد يدخله إحسان الظن بهذا الرجل لما يظهر من صلاحه ومع ذلك سدوا الذريعة وشددوا وغضبوا فكيف بالتمسح به حياً وميتاً والتبرك بفضلة طعامه !
ولاحظ غضب حذيفة الشديد وغضب إبراهيم الشديد وغضب أحمد الشديد لما تمسحوا به وغضب عمر من اتباعهم لأبي بن كعب تعجب من عظمة هؤلاء الصالحين وأنهم لا يطلبون بالعلم جاهاً.