أحمد سيف حاشد
341 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
قولوا لمن يريد ان يسكت صوتي ويلمح بسحب الحصانة:
اريد ان أموت
يقولون أن كتاباتي تخدم العدوان!!!
نحن فقط ننتقد ما تفعلوه من اخطاء وخطايا بحق شعبنا والوطن..
ما تفعلوه هو الذي يخدم العدوان على نحن أكثر مما يفعله..
الفساد يخدم العدوان وأنتم تمعنون فيه..
تفليس القطاع العام والقطاع المختلط لصالح الهوامير والمنتفعين يخدم العدوان..
تخلي السلطة عن مواطنيها في الرواتب والتعليم والصحة يخدم العدوان وتصنع له الحوامل السياسية والوجود على الأرض..
انتعال الدستور واستباحة القوانين يخدم العدوان..
الانتهاكات اليومية للحقوق والحريات تخدم العدوان
تسليل الوظيفة العامة تخدم العدوان
اهدار مبدأ المواطنة يخدم العدوان
السوق السوداء تخدم العدوان
الجبايات الثقيلة على شعبنا تخدم العدوان
الاستيلاء على المال العام والخاص لصالح شخص او جماعة يخدم العدوان..
ممارسة الظلم الصارخ يخدم العدوان..
انتم من تخدموا العدوان لا نحن..
نحن فقط ننتقد أفعالكم التي تخدم العدوان وتضر بالوطن ومصالح المواطنين ويهدم المستقبل..
تغاريد غير مشفره
احمد سيف حاشد
(١)
قولوا لمن يريد ان يسكت صوتي ويلمح بسحب الحصانة:
اريد ان أموت

(٢)
من سقفه الموت لا يكترث بما دونه

(٣)
عدوان بقفاز آخر وبشماعة العدوان
يقولون أن كتاباتي تخدم العدوان!!!
نحن فقط ننتقد ما تفعلوه من اخطاء وخطايا بحق شعبنا والوطن..
ما تفعلوه هو الذي يخدم العدوان على نحن أكثر مما يفعله..
الفساد يخدم العدوان وأنتم تمعنون فيه..
تفليس وتفشيل القطاع العام والقطاع المختلط لصالح الهوامير والمنتفعين يخدم العدوان..
تخلي السلطة عن مسؤولياتها حيال مواطنيها في الرواتب والتعليم والصحة يخدم العدوان وتصنع له الحوامل السياسية والوجود على الأرض..
انتعال الدستور واستباحة القوانين يخدم العدوان..
الانتهاكات اليومية للحقوق والحريات تخدم العدوان
تسليل الوظيفة العامة تخدم العدوان
اهدار مبدأ المواطنة يخدم العدوان
السوق السوداء تخدم العدوان
الإدارة بالأزمات تخدم العدوان
الجبايات الثقيلة على شعبنا تخدم العدوان
الاستيلاء على المال العام والخاص لصالح شخص او جماعة يخدم العدوان..
ممارسة الظلم الصارخ يخدم العدوان..
انتم من تخدموا العدوان لا نحن..
نحن فقط ننتقد أفعالكم التي تخدم العدوان وتضر بالوطن ومصالح المواطنين ويهدم المستقبل..
انا لم استلم رشوه من شركة كمران على حساب مرضى السرطان..
انا لا زلت انسان..
"الكفر" أن لا تملك قيمة قبر !!
احمد سيف حاشد
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=712925496329046&id=100028348056925
خالتي سعيدة زوجة أبي أم أخي على.. رغم أن اسمها مشتق من السعادة إلا أنها تنتمي لحظ عاثر وغير سعيد... جميع أولادها الذكور لأبي ماتوا صغارا باستثناء أخي علي الذي نجى وعدى بما يشبه المعجزة.. كان يشاع ان نجمها "العقرب"، ولن يبق من أولادها قيد الحياة غير اثنين، وكان الحال كذلك.. بقت لديها بنت من زوجها الأول، وأخي علي من أبي.. تزوج أبي عليها أكثر من مرة ربما بدافع رغبته أن يكون لديه أبناء ذكور، واستمرت هي في عصمته، ربما لأنها كانت صبورة وطيبة.. لا أذكر أنني شاهدتها أو سمعتها يوما تشاكس أو تشتجر أو تتجنّى على أحد..

سعيده ربما في أفضل الأحوال كانت سعادتها قليلة في واقع ثقيل لمن هو قليل الحيلة.. خالتي عرفتها تتجنب أن تسيء لأحد حتى إن كال لها الغير الإساءة كيلا.. كانت صبورة جدا.. تتحمل ما يغيظها بصمت كتوم، وعندما يثقلها السبب ويكظم الغيض صدرها “تتزمل”.. كان الزامل تنفيسا عن المعاناة، وإشغال للذات عن النكد حال ما يحاصرها، فتجد في "الزامل" عبورا إلى عالم مختلف تبدو فيه هي من يحاصر الإساءة والنكد..

من يحاصر الاساءة والنكد بدلا من ان يحاصراها
كانت خالتي ملاذا لي في القرية، حال ما أهرب من الضيق والجحيم في بيت أبي الثانية التي تسكنه أمي.. أذكر أنني عشت معها فترة على شظف العيش.. البسباس والوزف والخبز لطالما كانت وجبتنا الرئيسية..

خالتي عصامية وصبورة جدا، ومجالدة للظروف التعيسة التي كنّا نعيشها.. أذكر أنني كنت أحبذ البقاء على ظهرها عند صعودها ونزولها الدرج وأثناء قيامها بأي عمل في الدار.. كفيها متشققة وحرشة استمتع بها عندما أنام، وهي تمررها على ظهري.. بديت في بعض الأحايين مستبدا عليها وأنا أرفض النزول من ظهرها، أو ألح عليها بتمرير يدها على ظهري حتى أنام..

خالتي بعد أن فقدت ابنها الوحيد وضعتُ نفسي كابن لها، وحاولت أن أرد بعض جميل و واجب مستحق.. حاولت أن أملئ فيه فراغ لا يُسد.. عندما قويت وكبرت وحصلت على مرتب شهري اخذتها معي إلى عدن هي وأولاد أخي.. ربما آثرتها على أمي التي أحببتها.. لطالما حاولت أخفف بعض ما كانت تعيشه من فقدان أخي، وأثقال بقاءها في القرية.. وأحيانا تقاسمنا الشدة والألم والعيش المُر..

حاولت أن أخفف بعض من حزنها الثقيل، وأسد بعض من فراغ كبير أعيه.. في البداية كنت أقضي إجازاتي أو بعضها عندما أعود إلى القرية في بيت أبي القديم الذي تقيم فيه خالتي.. وعندما أشتد عودي نقلتها معي إلى عدن، وعندما نقلوني بعد الوحدة عام 1990 إلى صنعاء نقلتها معي.. لازمتها ولازمتني بقية عمرها.. عشنا تلك الفترة بكل ظروفها حال ومر.. شبعنا وجوعنا معا.. أكلنا الروتي والبصل بل وأحيانا "الروتي" والبسباس بصبر مكابر وكتمان عنيد..

جاري منصر الواحدي هو من كان يعلم فقط ببعض ظروفي الخاصة.. سماني “أحمد بصله” بسبب اعتمادي على البصل كوجبة رئيسيه تمنحنا البقاء والحياة.. أختي سامية أيضا معنا وكانت مريضة وتحتاج إلى علاج مستمر ومتابعه عند الطبيب.. كنت أعيش أنا وخالتي وبنى أخي واثنتين أو ثلاث من أخواتي وأخي وزوجتي وابني فادي وابنتي سناء.. مسؤولية كبيرة وهم ثقيل.. لطالما شددت عليهم بأن لا أريد صوت حاجة يخرج من فتحت مفتاح الباب وإن متنا طوى.. كنت الصمت المكابر في زمن عشته أصارع الفاقة والجوع..

كنت لا أملك ما أسعف به ابني فادي الذي كان يعاني من الربو.. أستدين من جاري منصر أو جاري الآخر علي فضل طه، وأسابق الموت عندما أسعفه إلى المستشفى.. لا أستطيع توفير قيمة الحليب، حتى وجدت نفسي أبيع “دبلة” الزواج لتوفير الحليب لطفلي البكر فادي..

مرضت خالتي حتى اصيبت بقرحة الفراش.. تكالب عليها المرض.. هناك مرض لم أكن أعلم به كتمته عنا زمن طويل بسبب العيب.. لم أكن أعرف عنه شيئا إلا بعد وفاتها.. كنت لا أملك ثمن العلاج.. طلبت من زميلي في المعهد العالي للقضاء عبد الملك العرشي يحضر لمعاينتها، وكان قد عمل مساعد طبيب في المستشفى العسكري..

طلب شراء قربة لتركيبها.. تفاجأت أن خالتي لم تحرك يدها وهو يغرز الإبرة في يدها ليركب لها “الدريب” شاهدت دمعتين تنساح من عيون خالتي.. يا إلهي .. إنها دموع الفراق الأبدي .. أخبرني صديقي أنها منتهية والأمل ضعيف.. دقائق قليلة وفاضت روحها بصمت موحش.. غصة في حلقي كانت تذبحني بمنشار..

لم أتوقع أن تغادرنا بهذا الهدوء.. أنسلت إلى العالم الآخر بخفة وكأنها لا تريد إزعاجنا.. خرس شل لساني ودموعي تنساب بصمت يقتلني.. يا إلهي لا أملك قيمة قبر ولا كفن.. ربما أحسست إن الكفر قليل وأنا أعيش هذا الحال المكتظ بالبؤس والفقر الثقيل..

نعم .. عندما ماتت خالتي في صنعاء لم أكن أملك قيمة قبر ثلاثة آلاف ريال ولا قيمة كفن.. أذكر أن جاري منصر الواحدي ـ جنوبي ـ هو من كان يعلم بظروفي وهو من ساعدني في تكفينها وقبرها.. عندما لا تجد قبرا أو كفن يكون "الكُفر" ملاذا لمن
لا حيلة له.

قبرناها في صنعاء جوار عتيقه.. لا أدري من هي عتيقه.. فقط اسمها مكتوب على قبرها.. تأملت في اسم عتيقه كثيرا لعل يوما أبحث عن قبر خالتي ولم أجده.. لعل اسم عتيقه هو من سيكون دليلي وخصوصا أن خالتي لا اسم فوق قبرها ولا علامة..

عتيقه جارة خالتي في الأرض السفلى ودليلي إليها فوق الأرض طالما لا زلتُ حياً لعل يوما أبحث عن قبرها لأهديها بقايا دموع لم تجف بعد..

يومها رحلت عن قبرها وتمنيت لها طيب الاقامة والجوار في مجاهيل صنعاء وقبورها..

عدت إلى البيت من المقبرة.. أخبر بعض الجيران جاري منصر يريدون “مجابرتي” .. أنا لم أفهم معنى "المجابره" ولم أعشها من قبل.. ربما هي عادة جيدة في صنعاء أشبه بتضامن الجيران والأصدقاء للتخفيف من الوجع والفقدان لأهل الميت.. لم أفهم معنى "المجابره" ولم آلفها من قبل.. أنا ربما فسرتها بحالة إشفاق لا تخلو من دفع بعض التكاليف التي لم أستطع تحملها..

كانت حالتي المادية متصحرة كالقفر الأجرد.. أذكر أنني ثرت في داخلي عندما استشارني صديقي وزميلي منصر الواحدي.. كظمت غيضي.. لا أريد غير أن أعود إلى أدراجي بصمت ووحدة.. لا أريد أن أتحدث لأي أحد .. أبلغت منصر أن يبلغهم أنني لا أريد مجابرة.. يتصرف هو معهم.. وفي العشاء سندبر قيمة “نعنع” نوزعها عقب صلاة العشاء لروحها الطاهر في المسجد القريب.. هذا ما حدث بكل مرارة، وصدقه بطعم العلقم..

*

بين الأمس واليوم كثيرا من التحولات والتغيرات والتطورات عشتها وعاشها عالمي الصغير، وفي المقابل عاشت اليمن تقلبات سياسية ما كانت بحسبان.. تغيرت أنظمة وحكومات وعشنا انقلابات في السياسيات والحكام.. ورغم هذا وذاك عشنا ضحايا تلك المراحل كلها.. عشنا حالمين ولازلنا حالمين إلى اليوم.. أكلتنا الحرب مرارا وسوء الأوضاع وترديها المستمر دون قرار.. داسنا المنتصر وتنكر لنا في كل المراحل.. أحلامنا تراجعت كثيرا، ولازالت تتراجع وتنحسر طالما عاشت الحرب أكثر..

كنّا نحلم بالتعليم المجاني للجميع وواقع اليوم لم يعد فيه التعليم مجانا أو يسيرا.. كنا نحلم بأن الصحة والتطبيب سيكون للجميع، فصارت الصحة لمن يملك مالا.. كل شيء صار يتوحش في وجوهنا.. في الحرب صار التوحش مرعبا وفاجعا وصارت حساسية المشاعر متحجرة لمن يملك مشفى أو مدرسة أو جامعة.. سلطة تدعي أنها دولة وهي تتخلى عن كل مسؤولية حيال شعبها.. بل تتخلى عن كل القيم والأخلاق وما له صلة بالإنسان..

اليوم صارت مخاوفنا أكبر من أي وقت مضى أن لا يكمل أبناءنا تعليمهم الأساسي.. مخاوفنا أكبر من أن يداهمنا مرض ونحن لا نملك مالا نودعه تحت الحساب في المستشفى.. كل شيء بات يسير نحو الخصخصة والتسليع.. إن كنت لا تملك مالا فلن تستطع أن تسعف نفسك أو عزيزا من أسرتك.. أكثر المجتمع وجله صار يعاني الفقر الشديد والفاقة والعوز الأشد.. جل المجتمع بات ينسحق فيما قليلا من الهوامير يملكون كل شيء..

ابنتي "رنده" التي تدرس الطب وما كان بمقدورها أن تستمر بعد عام من دراستها الجامعية لتكمل ما بدأته.. مستقبلها مهددا وفرصتها تتلاشى في أن تتم، والبلاد صارت تُدار بالحرب وزحام من الازمات المستمرة التي تهد الحيل وتقطع النفس.. تخرجت وما كانت لتتخرج لولا مساعدة صديقي ورفيقي الإنسان النبيل والكبير جلال حنداد الذي أسعفنا بما لم تسعفنا به سلطة الحرب التي لطالما أدعت أنها سلطة المستضعفين..

عندما تخرجت لم أستطع أن أشاركها فرحها.. في يوم فرحتها وتخرجها أسبلت عيونها بالدمع المنهمر.. عتبت كثيرا أنني لم أحضر فرح تخرجها ولم أهديها غير حزني وقلة حيلتي.. لم أكن أعلم ما دارته عني من ألم إلا من دموعها التي تمردت وساحت كنهرين شقّا مجراهما بصمت في وجهها الصغير الذي كان يحتفل بحزن ثقيل بالمعاناة، فورث قلبي الموجوع أخاديده وتكاثر بالحزن الكثيف.. أحزاننا في الحرب لم يعد لها مكانا أو متسع.. جل شعبنا بات يعاني ويموت كل يوم فاقة وعوز وقتل وكمد، فيما هوامير قليلة تتربح بالحرب، وتثري وترتزق من دمنا بغير حساب..

*

يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
الترشح للبرلمان
(1)
فكرة الترشح للبرلمان
احمد سيف حاشد
يحدث أن غيري يطرح لدي فكرة، ويحدث أيضا أن الفكرة ربما تبدأ تجوس في عقلي ووجداني، ولو بعد حين قد يطول وقد يكون قصير.. ربما تكبر تلك الفكرة وتتنامى حتى تستحوذ على جل تفكيري قبل أن ابدا في تنفيذها، ومن المحتمل أيضا أن تتلاشى كالسراب عندما أقترب منها، وقد لا أشرع في التفكير فيها أصلا، لأنني أمقتها ابتداءا، أو أجدها لا تروقني او تتعارض في جلّها مع قيمي ومبادئي فأطردها من الوهلة الأولى..

الحقيقة أن فكرة الترشح للبرلمان لم تكن فكرتي في الأساس، بل كانت يومها فكرة تفوق تصوري.. ربما استقرت لاحقا في الذهن، ومنعني خجلي أن أبوح بها.. فكرت وأمعنت فيها لاحقا، وأعدت تقدير واقعيتها وصوابها مرات عديدة، حتى بدت لي فكرة تستحق المغامرة..

بذرة فكرة الترشيح لعضوية البرلمان، كانت في الأصل فكرة صديقي مجيد الشعبي، ومعه أحمد محمد سيف، و القاضي نبيل الشعبي، الذين كانت تربطني بهم أواصر صداقة حميمية ومتميزة في ذلك الوقت. وكان لأستاذي القدير محمد عبد الرب ناجي لاحقا دورا مهما في دفع الفكرة إلى الواقع، ولا انسى دور الشيخ محمد هزاع الذي كان مجيد الشعبي يعلق عليه املا كبيرا في دفع الفكرة الى الامام، وهو ما حدث لاحقا..

كان اصراري الاهم وعلى نحو مستمر ان اترشح مستقل.. شرط لم اقبل التنازل عنه، ولم امانع من دعم اي حزب، بل سعيت الى مثل هذا، دون تنازل عن فكرة الاستقلال في العضوية..

الحقيقة حتى فكرة أن أكون أمينا عاما لجمعية التعاون الخيرية لمديرية القبيطة، هي فكرتهم أيضا، و كنتُ في بادئ الأمر مستبعد الفكرة تماما.. إنها فكرتهم في الأساس، وكان صديقي محمد هزاع داعما للفكرة، و له دورا في تحقيقها، وربما ترسخت أكثر في ذهني وتمسكت بها بعد كشف وافشال عملية التزوير في انتخابات الجمعية، وإعلان حصولي على المرتبة الثانية من أصوات الناخبين في الجمعية العمومية..

ربما يبدو الأمر مخططا، و لكن على الأقل بالنسبة لي ليس كذلك، ربما أصدقائي كانت لديهم تلك الوجهة، وهي الوجهة التي تقول: “أولا الجمعية، ثم البرلمان”، ولكن الأكيد أيضا لم تكن من البداية هي وجهتي.. إنها مخطط أصدقائي إن كان يوجد ثمة تخطيط، وأظن تقييم ذلك الرجل (الغامض) فيه مقاربة حين أفصح أنني رجل تنفيذي وعملي لا رجل تخطيط واستراتيجيات.. وأظن أن صديقي مجيد هو رجل التخطيط الأول، إن وجد ثمة تخطيط.

عزمت لرحلة شاقة دون ماء ولا زاد، ولا مقاربة تنهض بفرصتي، في لجة تنافس محموم، لن تكون لصالحي، فيما خجلي يمارس طغيانه، ويمنعني من طلب المال حتى تلميحا، وطلب الدعم المالي من أي جهة له ثمنه، وللداعم شروطه، وأنا اجد نفسي قليل الحيلة، ولا أجيد المناورة والتكتيك، ولن أقبل بهذا أو ذاك.

التفكير بالترشح لعضوية مجلس النواب اليمني دون أن يكون لديك مركزا ماليا، أو داعما ماليا لا يملي عليك شروطه، هو ضرب من الجنون المغامر، بل والمستحيل، لاسيما إن أخذتُ الأمر من البداية على محمل الجد أنك ستمضي إلى النهاية فوزا أو خيبة، مهما كانت الظروف والمعوقات، وليس بغرض البيع أو المساومة أو الابتزاز أو التكتيك الانتخابي الذي يرمي لتشتيت الأصوات لصالح مرشحا آخر، بمقابل مال أو مزية أو وظيفة أو ترقية أو نحو ذلك من المصالح.

نعم .. الحقيقة وقبل البداية، لم تكن فكرة الترشح لعضوية البرلمان واردة البتة حتى في حدود الوسوسة، بل كنت أستبعدها تماما، بنفس قدر ذلك الجنون حيال ذلك المستحيل الذي تشبثت بتحقيقه بعد الإعلان عنه، حتى صيرته بمساندة رفقتي ومن إليهم ممكن التحقيق، ثم واقعا تشهده العيون..

إن تحويل المستحيل إلى ممكن، ثم إلى واقع، هو النجاح الحقيقي الأكثر لذاذة ومتعة ويستحق الفرح والزهو والاحتفال.. هذا ما أحسسته يوم إعلان نتيجة الفوز.. ولكنني لم احتفل به حتى في حدود أقل ما يجب، بل لا أذكر أنني احتفلت اصلا إلا في حدود الشكر والاعراب عن الامتنان، أثناء زيارتي للناخبين في مناطقهم بعد إعلان نتيجة الفوز..

لست ممن يميلون للتوكل، ولكنني عزمت على المغامرة وأعلنت أنني سأترشح للبرلمان.. وعندما أعلن الشيء لا أعود عنه ولا أتراجع إلى الوراء، بل أمضي فيه إلى النهاية بكل طاقتي، إنه أشبه بذلك القائد الذي يركب البحر نحو هدفه ويحرق أشرعته وسفنه حتى لا ينازعه هاجس العودة..

في قضايا شتّى أحرص على المضي فيما عزمت عليه، دون أن أخل في حال اكتشافي ارتكاب ثمة خطأ وخيما أو جسيما، أو يؤدي إلى كلفة باهظة، لا تستحقها النتيجة المرجوة، فتلزمني المراجعة فأما أن أتركها دون ندم، أو ألحق بها بعد تردد، أو أدركها بعد حين، قبل فوات الأوان، ودون أن أسمح لإرادتي بالانكسار، بل أظل أنا وإرادتي نجالد ونقوى ونكبر قدر ما في الجهد والوسع والاحتمال..

المال كان هو المستحيل الأكبر، وكانت البداية عندما بادر عبد الرحيم حسن سعيد، نائب مدير بنك اليمن الدولي، ومجموعة من شخصيات ووجاهات المديرية ـ إلى اللقاء في مقيل تم في منزله، حضره على ما اظن رئيس الج
معية محمد عبد الرب ناجي، وتم في هذا المجلس أول تبرع لصالح دعمي في الانتخابات.. بلغ التبرع يومها في حدود المائتين ألف ريال تقريبا.. وكنت يومها أرى هذا المبلغ كبيرا ومشجعا إلى حد بعيد، رغم تواضعه الجم، إلا أن أهميته الأكبر بالنسبة لي كانت في كونه البداية العملية في تحويل الفكرة إلى ممكن..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(2)
نجاح لذيذ وفشل مرير
أحمد سيف حاشد
استوطنت ذهني فكرة الترشح لعضوية البرلمان؛ وكنت قد حدثتُ نفسي:
- ربما تفوت الفرصة من يدي، وتصبح فكرة شاردة وهاربة منّي، وأصير ألهث بعدها، وهي نافرة وكأنني الموت أركض بعدها، وهي تسابق الريح، وقد صار لحاقي بها مُستصعبا، بل أكثر من مستحيل.. ربما تضيع مني دون رجعة، بسبب ترددي إن طال، أو تراخيت في التقاط اللحظة التي إن ذهبت لن تعود.. يجب التقاطها لأنها لا تأتي إلا بندرة تشبه رؤية ليلة القدر.. الفرصة لا تدق على بابنا مرتين.. إن تسربت من يدي ضاعت لحظتي التي أهدرتها، وقطعني الوقت الذي قالوا عنه "إن لم تقطعه قطعك".. ولكني غير جاهز ولا زال يلزمني الكثير..

لازلت أحدث نفسي وأقول:
- الفرصة أيضا تستحق المغامرة، طالما هي مسنودة بتحدي أخلاقي وحقوقي، بل هي فوق ذلك ممارسة لحق أصيل.. ولكن ماذا سيحدث إن أخفقتُ وأدركني الفشل؟! بلا .. يكفيني شرف المحاولة.. حتى خسارتي سأتعلم منها.. لا بأس من أدعم منازعتي مع خجلي بمقولة: “من لا يحلم أن يكون جنرالا فهو جنديا خاملا.” وأنا بطموح من لا يستسلم للهزيمة بسهولة، وأحاول أن أتعلم بسرعة.. الطموح كما قال أوسكار وايلد: "الحل الاخير للتخلص من الفشل" يعجبني طموح المتنبي واعتزازه بنفسه وشعوره بعظمته، وهو المغامر حد بلغ به ادعاء النبوة، وهو القائل أيضا:
"إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ.. فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ"

حتى وإن كان يقيني متيقنا من الفشل سأمضي.. سأجرب.. سأحاول.. الفشل أيضا قالوا أنه خطوة في طريق النجاح، وقالوا: "ربما يكون خطوة جريئة نحو العظمة" أما مصطفى السباعي فقد حظنا ونصحنا بقوله: "اتخذ من الفشل سُلّما للنجاح، ومن الهزيمة طريقا الى النصر، ومن الفقر وسيلة الى الكفاح، ومن الآلام بابا الى الخلود، ومن الظلم حافزا للتحرر، ومن القيد باعثا على الانطلاق." واحتمال الفشل كما قال آخر لا تشل إلا إرادة الرجل الضعيف.. وأظن أني معجون بالتحدي والصلابة أو هذا ما يجب أن أكون عليه..

بهذا النفس خضت المغامرة.. عزمت وقررت ومضيتُ في الطريق وغالبتُ المحبطات والمعوقات والكوابح كلها حتى ظفرت بالنجاح وأحرزت الانتصار.. سبحتُ ضد التيار ووصلت إلى مصب النهر.. ولكن ليس هذا كل شيء..

***

فمثلما ذقت طعم النجاح ذقت أيضا طعم الاخفاق المرير، والفشل الذريع، والخيبة المدوية..
ففي مستهل عهدي البرلماني عام 2003 أردت أن أترشح لرئاسة لجنة الحريات وحقوق الإنسان في المجلس، لم ينافس الشيخ محمد ناجي الشايف لرئاسة اللجنة أي عضو في اللجنة، جميعهم كانوا أعلاما بلا سارية، وقامات بلا رؤوس.. كان هو المتفق عليه.. فقررت أن أنافسه وأخرم الإجماع أو المتفق عليه، غير أنني شعرت وكأنني ارتكبت ثمة خطأ جسيم..

حاولوا ارباكي.. بديت كمن أرتكب جريرة أو كبيرة.. كان أهم من أحسست أنه فعل هذا رئيس كتلة المؤتمر سلطان البركاني ورئيس كتلة الإصلاح بافضل.. بديت وكأنني ارتكب حماقة فجة ما كان ينبغي أن أفكر فيها أصلا.. تدخلهم كان أشبه بمن يمارس حالة إنقاذ في لحظة فيها زحمة خطر..

بديتُ مربكا أمام نفسي لعدم درايتي لماذا يشعرون بهلع من أن أنافس الشيخ؟!! استطاعوا ارباكي وثنيي من الترشح والمنافسة لرئاسة اللجنة.. ساعدهم في ذلك ليس فقط قلة خبرتي في الأمر، بل وأيضا إيعاز بافضل أنهم سيقفون معي، ويسندونني لموقع نائب رئيس اللجنة "المقرر"..

لقد تراجعتُ خطوة عما كنت قد عزمت عليه.. خطوة ظلت حوافرها تركل في خوابي النفس إلى اليوم، ليس لأنني أفتقد إلى الروح الرياضية في عملية ديمقراطية تمت، رغم أنها تفتقد لأهم أساس فيها، وهي المنافسة، ولكن لأن فخا نصب لي باحتراف وغد، استجبت إليه بسهولة بلعة ماء، وبراءة طفل صغير، وارباكي كان لا يخلوا من بهلوان تبدّى أمامي وحاصرني، وأنا لستُ معتادا عليه ولم أرَ مثله من قبل..

الشيخ الشايف وقد صار لاحقا صديقي لم ينافسه أحد بل نافس نفسه.. نجح بسهولة وبحسب ما تم الاتفاق عليه من قبل الأحزاب الأربعة، المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري، فيما أنا نافست عضوين على موقع النائب "مقرر اللجنة" وهما ابن رشاد العليمي، والشيخ عبدالوهاب أم عوضه، الأول كان متفقا عليه بين الأحزاب، فيما المرشح الثاني بدا لي وكأنه تكتيكيا لضمان فوز المرشح الأول، واحتواء أي أصوات شاردة عما هو متفق عليه
..
كانت النتيجة في محصلتها خذلاني من الجميع، بما فيهم أصوات عضوين من الاشتراكي الذي لم أكن أتصوره، ربما بسبب قلة خبرتي الانتخابية تلك، حيث لم أتوقع أن صوتهما سيذهبان إلى المرشح "الضابط رجل الأمن" أو إلى "الشيخ" اللذان نافسوني، وفي الحقيقة لم أنافس إلا نفسي ولم أحصل غير صوتي.. صوتي فقط وحيدا دون رفيق.. صوت بدا لي كالمذبوح أمامي في وليمة عقد قرانهم.. أحسست أنهم يحتفلون في وليمة انتصارهم على صوتي المذبوح وحشرجاتي التي كانت تختنق..

بدا لي الفشل ذريع والخيبة مدوية، ولكن كما أعتقد أن هذا وذاك أكسبني مزيدا من الصلابة والتحدّي والعند في إثبات الذات، أو إ
ثبات أنني كنت فيما أخوضه جديرا به، وظللت أبذل خلال سنوات خلت ما في الوسع من مشقة وجهد لأثبت لنفسي وللناس أنني أكبر من قوام اللجنة مجتمعه.. لابأس أن تتم هزيمتي، غير أن الأهم لدي أن لا تُهزم إرادتي التي تزأر داخلي..

قررت أن أكون حقوقيا أكثر فاعلية وأوسع تأثيرا من هذه اللجنة التي اعتبرتها "قطيعيه" وغير مهنية، وقد كان بالفعل أغلب أعضاءها مشايخ وضباط أمن وقوات مسلحة.. كان عدد أعضاء تلك اللجنة على ما أظن خمسة عشر عضوا، قررت منازلتهم جميعا في ميدان الحقوق، والذود عن المنتهكة حقوقهم، وأظن أنني نجحت أن أكون بمفردي أكبر من تلك اللجنة مجتمعة..

لا بأس.. إنها تجربة فشل واحدة أضيفت إلى سلسلة تجاربي الفاشلة في الحب والسياسية وغيرها.. داهمتني كثير من خيبات وفشل الحب، ولكن ليس إلى الأبد، فقد طلت مناي يوما وحصدت.. ومثلها كانت خيباتي في الحياه على أصعدة عديدة، ومثلها كانت وستكون في السياسة.. لن يتأت النجاح في كثير من الأحيان دونها..

الفشل كما يقول طاغور: "هو مجموعة التجارب التي تسبق النجاح"، وفي قول لآخر "عدم المحاولة هو الفشل الحقيقي" وهوّن أحدهم منه حالما قال: "مجرد انحناءه على الطريق لا نهايته" أو على حد تعبير المناضل السياسي نيلسون مانديلا: "قمة المجد ليست في عدم الإخفاق أو الفشل.. بل في القيام بعد كل عثرة." أما نيتشه فيرى الشخص الذي لم يذق طعم الفشل في حياته هو من يعيش بلا هدف.

***
يتبع ..
بعض من تفاصيل حياتي
(3)
يوم خذلتني قيادة الإشتراكي ودعمتني قواعده !
أحمد سيف حاشد
استوطنت فكرة البرلمان، وترسخت في بالي كل يوم أكثر من سابقه.. كان هذا يجري بالموازاة مع ما أبذله من جهود مضنية في الوصول إلى الناس بطرق متعددة.. أعرفهم بنفسي من خلال زياراتي لأبناء المديرية، وأبناء دائرتي الانتخابية في مناطقهم، وفي فروع الجمعية في عواصم بعض المحافظات، وكذا من خلال ممارسة حضوري في كتاباتي وأنشطتي في الجمعية والصحيفة، ومن خلال نشطائي اللذين يساندوني، ويفتحون لي أبواب الوصول إلى أبناء دائرتي الانتخابية؛ ومنهم محمد فريد سعيد، وردمان النماري، وعبده فريد حاشد، وآخرون لا يتسع المقام هنا لذكرهم..

عقدتُ العزم، وقلت لنفسي قول الشاعر "عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ".. قدمت استقالتي من القضاء في مطلع 2003 بغرض الترشح للبرلمان.. وفي إطار هذا المسعى ألتقيت بالرفيق جار الله عمر الذي كانت تجمعني به معرفة سابقة، وجميل ومعروف اسداه لي من سنين خلت، حالما ساعدني في التفرغ من السلك العسكري للالتحاق بكلية الحقوق في جامعة عدن.

جار الله عمر كان عندما قصدته في مسعاي هذا، يعتبر الرجل الثاني أو الثالث على الأرجح في الهيكل التنظيمي القيادي للحزب الاشتراكي اليمني، وكان برفقتي يومها عضو اللجنة المركزية للحزب عبد الله بشر جازم، وشخص آخر لم أعد أتذكره.. كان اللقاء في منزل جار الله بعد موعد حدده لنا، إثر طلبي اللقاء به..

طلبت من الأستاذ جار الله أن يبذل مسعاه مع الأخ طاهر علي سيف الذي ينتوي الترشح منافسا لي في الدائرة، وكان سندي الأساس ومبرري أن فرص فوزه هذه المرة في الدائرة الانتخابية ضئيلة، رغم أنه سبق وفاز كمستقل، بمقعد الدائرة، ثلاث مرات متواليات مدعوما من قبل الحزب الاشتراكي..

أتذكر أنني طلبت من جار الله للتثبت من صحة تقديري وهو أن يجري الحزب استبيانا ميدانيا في الدائرة الانتخابية التي تجمعني مع الأستاذ طاهر؛ لمعرفة من يكون حظه أوفر في الفوز، وبديت مراهنا على فوزي، بل واستعدادي للعدول عن الترشيح في حال وجدوا إن الأمر لصالحه.. ولكن خلاصة رأي جار الله عمر كان هو الحث أن نتفق أنا وطاهر.. لم يقطع وعدا لأحد، بل أكد على أن يترشح واحدا منّا دون أن يسميه، وزاد في تأكيده أن لا نتنافس حتى لا يفشل كلانا..

كان الأستاذ طاهر علي سيف هو منافسي في البحث عن دعم الحزب الاشتراكي في الانتخابات البرلمانية، ويعتبر الأستاذ طاهر برلماني مخضرم، ومشهود له بالكفاءة والأداء البرلماني الجيد، ويملك علاقات جيدة مع العديد من الأطراف السياسية المختلفة، ولديه علاقات جيدة حتى على المستوى غير السياسي وتحديدا التجاري، وفي السياسي هو عنصر جيد ومحنك، ويجيد المناورة السياسية والانتخابية على وجه التحديد، وكان يُدعا بالثعلب أو الثعل لمهارته وقدرته على المناورة الفائقة..

فيما كنت أنا أفتقر لكل هذا، حيث أنني حديث عهد في خوض غمار السياسة التي لا تخلوا من الحبكات والمقالب الانتخابية، والمناورات السياسية، ولا أملك حيلة تلك المناورات، فضلا أنني خجول على نحو كبير، وأعاني من الرهاب الاجتماعي، وبعض الانطواء، وأكثر من هذا وذاك أنه ليس لدي أي مركز مالي داعم، ولا أملك غير راتبي المتواضع جدا، والذي أعيش منه بالكاد.. منافسة مختلة ومعتلة إلى حد بعيد من حيث المساواة في تكافؤ فرص التنافس مع الأستاذ طاهر.

ألتقيت بسكرتير أول منظمة الحزب في محافظة تعز محمد حمود الحكيمي بتنسيق وموعد مسبق، وكنت على ما أظن بمعية الأخ الصديق والرفيق الوفي محمد علوان ثابت عضو لجنة محافظة تعز، وكان من المفترض أن يجمعنا اللقاء بالأخ طاهر على سيف، وحضرت إلى المكان و الموعد المقرر، وكانت حجتي الأقوى، هو طلب مسح ميداني في الدائرة، لمعرفة من لديه الفرصة أفضل في الفوز، وعلى أساس ما يسفر عنه هذا المسح من نتائج يتقرر من منّا يبقى، ومن منّا ينسحب لصالح الآخر، وكان يقيني أن فرصتي أقوى وأرجح..

حضرت اللقاء المقرر، وتخلف عنه الأستاذ طاهر، وعندما تم الاتصال به بعد تأخره عن الموعد، أجاب أنه وصل ذمار في طريقه إلى صنعاء.. تذكرت كلمة “ثعلب” وفشل اللقاء وشعرت بالمرارة، ويبدو أن الداعي المستضيف هو الآخر شعر بالخيبة، وأحسست أنه تفهمني، وشعرت بتعاطفه معي، بعد فشل هذا اللقاء..

أكثر من ساندني من قيادة منظمة الحزب في تعز هو الرفيق محمد علوان ثابت عضو لجنة المحافظة.. أذكر في أحد اتصالاته مع أحد قيادي الحزب في صنعاء، سأله هذا القيادي: هل أنت تضمنه؛ فأجابه بحسم ودون تردد: “أضمنه برقبتي”.

عبارة “أضمنه برقبتي” كان لها وقعها الآسر والاستثنائي على مسامعي.. أحسست أنها تستحق الاستغراق بالوفاء الكبير.. لم أنسها إلى اليوم حتى وإن اختلفت مع صاحبها ذات يوم.. دأبت منذ ذلك اليوم إلى اليوم و أنا أحاول الوفاء بما استطيع نحو حزبه الذي خذلتني يوما قيادته، بل وخذلته هو معي أيضا..

لا أريد أن أخذل هذا الرفيق، الذي أنحاز معي يوما بوعي وقناعة وثقة، أظن إن تمرده وانحيازه الواعي معي
ه مصوبا نظري وجهدي نحو الفوز لا أقل منه، وبما يتفق مع تلك المقولة المشهورة: "أما أنجح أو أنجح" وإذا فقدت أفراد من القيادة العليا في الاشتراكي، فهناك متسع للرهان على قواعده وقياداته الدنيا في المديرية، وبعض القيادات الوسطى في محافظة لحج وتعز ..

الضربات القوية كما قالوا: "تهشم الزجاج لكنّها تصقل الحديد" لم أتراجع ولم أُحبط، بل عملت بتلك المقولة التي تقول: "لا تجعل العوائق تُوقف مسيرتك، إذا واجهت حائطًا، فلا تستدر لتعود خائبًا، عليك أن تُحاول تسلُّقه، أو المرور من خلاله، أو حتى الالتفاف من حوله". ظل رهاني مُنعقد على قواعد الأحزاب، وكنت قد شكلت فريق لحملتي الانتخابية جلهم من الاشتراكي، لم يخذلني منهم غير واحد على الأرجح، فيما أوفى معي البقية ودعموني على مرشح حزبهم..

وجدتُ نفسي في دائرتي الانتخابية أخوض منافسة انتخابية مع الحزب ممثلا بمرشحه طاهر على سيف، فيما جل أعضاء وقواعد الحزب وقيادة فريقي الانتخابي المساند، وعلى رأسهم الراحل الوفي أنور هزاع والأفياء محمد علوان ثابت وردمان العبسي والخرباش ونعمان وهزاع وعبدالفتاح الجرادي وغيرهم ممن ساندوني وانحازوا معي، وأوفيت معهم بعهد قطعته لهم مكتوبا أنني سأظل مستقلا، ولن أنظم إلى المؤتمر بأي حال، ولازلت إلى اليوم مستقلا ووفيا لعهد قطعته للأوفياء الرائعين، ولم أنظم إلى أي حزب إلى رغم مرور كل هذه السنين الطوال، وهذه التبدلات المخيفة في المواضع والمواقف والسياسات..

***
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
قد كلفه كثيرا، ومنها عقوبة حزبية تم اتخاذها ضده، وبهذه العقوبة أحسست بالذنب نحو رفيقي، وأحسست أكثر أنه يستحق الوفاء والإخلاص المضاعف، لصالح المُثل الكبيرة التي يحملها هو وحزبه، ومنها الانحياز للفقراء و المعدمين وعموم الكادحين..

زرتُ بعض قيادة الحزب في مقر الحزب بصنعاء أنا وقريبي عبده فريد حاشد، وأعلنت عن عزمي الترشح لمجلس النواب، وأظن أن بعضهم رحب بي، ورفع معنوياتي، فيما ناور البعض، دون الإفصاح عن القناعة الأكيدة، أو ربما التي لم تتبلور بعد..

ساندني بالتواصل، ومحاولات الاقناع، بعض رفاق الحزب القدامى في أكثر من مكان، وأذكر منهم الرفيق أمين المغلس، و يُدعى بـ”أمين تنج”، و كانت تجمعه مع أخي الراحل علي سيف حاشد صداقة حميمية عميقة وصادقة، ترجع إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي..

كانت دائرتي الانتخابية مقسومة بين محافظة تعز ولحج.. في كل واحدة منهم سبعة مركز.. الأعبوس تابعة لتعز والقبيطة صارت تتبع لحج.. أقرت منظمتي الحزب في القبيطة والأعبوس دعمي كمرشح مستقل، وأقرت سكرتارية منظمة الحزب في محافظة لحج هذا القرار، والتي كانت المراكز الانتخابية الأربعة عشر تابعة انتخابيا محافظة لحج، وتم الرفع به إلى قيادة الحزب في صنعاء..

ولكن قيادة الحزب في صنعاء بدلا من إقرار ودعم هذا القرار القاعدي، بل والمساند بقرار سكرتارية محافظة لحج، انقلبت عليه قيادة الحزب في صنعاء أو بالأحرى بعض من خاطفين القرار في قيادة الحزب، وأقرت ترشيح طاهر علي سيف عن الحزب الاشتراكي اليمني..

طلبني بعض الرفاق إلى “الراهدة” وكانوا قد كلفوا من قيادة الحزب، لإبلاغي بقرار قيادة الحزب، وطلبوا مني افساح المجال للأستاذ طاهر، بل ودعمه أيضا، ولكنني حسمت قراري إثر هذا الاجتماع، وخرجت مباشرة لأبدأ باتخاذ أول الإجراءات القانونية نحو خيار الترشح لعضوية البرلمان والمنافسة الانتخابية.

كنت أتمنى أن يكون قرار قيادة الحزب على الأقل مسببا على نحو منطقي لأحاول تفهمه، غير أن الأمر جاء على نحو قضي الأمر، و "رفعت الأقلام وجُفت الصحف"، وبالتالي ما يجب عليّ إلا أن أتقبله بصدر رحب.. شهرت بصعوبة القبول ربما لأنني لست متعودا على الطاعة بالإخضاع، ولا بالأوامر التي لا تريد أن تتفهمني، ولا تقف أمام ما أبديه من أسباب وحيثيات..

كان يفترض على قيادة الحزب المعنية بالانتخابات البرلمانية على الأقل أن تحترم قرار قواعدها وقيادتها الوسطية.. كان يفترض أن تجمعنا أنا وطاهر وتسمعنا معا، وتناقش كل منّا، وتحاول أن تتخذ قرارا أثق أنه سيكون صائبا.. الأمر لن يستغرق أكثر من ساعة، وأثق أن القرار سيكون سديدا.. أما إن يتم استصدار قرار خلسة، وبطريقة تنم عن إقصاء وفرض، وتقدير يعتريه كثير من أوجه العور والخلل، ثم يتم فرضه على المعنيين بتنفيذ القرار لمجرد أنه صادر من قيادة الحزب، وفي المقابل ترمى رأي منظمة الحزب في المديرية والمحافظة عرض الحائط،، فذلك لن يحصد إلا الخيبة المريرة والفشل الذريع..

إنها بعض من أزمة قيادة، وفجوة أستمرت بالاتساع بين المستوى الأعلى وما دونه.. إنه بعض الاستفراد بالقرار الأول، أو اختطاف القرارات من قبل بعض أفراد الصف القيادي الأول من القيادات الحزبية الدنيا والوسطى.. إنه الاعتلال التي عانت منه أحزابنا الوطنية بصورة عامة، والتي ذهبت بها اليوم بعيدا، ليس فقط بما يتصادم مع وثائقها وادبياتها وتاريخها الوطني الطويل، بل بلغت بها حد الارتهان، والتماهي مع أجندات غير يمنية، لتصل بالنتيجة إلى تهديد وجودها برمته، وتلاشيها وموتها للأبد إن ظل الحال على ما هو عليه..

استطاع منافسي طاهر أن يستصدر قرارا من قيادة الحزب في صنعاء بترشيحه عن الحزب، وبميزة أنه سينافس انتخابيا باسم الحزب، وتحت شعاره، وهو الذي دُعم من قبل بصفته مرشحا مستقلا ثلاث دورات انتخابية متعاقبة.. فيما أصريتُ أنا رغم كل التجاذبات ومزايا الدعم الحزبي أن لا أكون إلا مرشحا مستقلا، ورفضت أن أكون غير ذلك.. كنت أيضا قد رفضت عرضا آخر وهو أن أترشح عن المؤتمر الشعبي العام.. كان إصراري الأهم هو عدم الترشح باسم أي حزب، وإنما أترشح كمستقل..

وعندما كان الأستاذ طاهر مارا من جوار منزلي في القرية ألتقيت به على نحو سريع، وأذكر أنني أقسمت له لو كان هناك مؤشرات لفوزه أنني سأنسحب لصالحه، وأزعم أن قراءتي للمشهد الانتخابي كانت مقاربة للواقع، فيما يبدو أن رهانه كان على أساس التحالفات السياسية بين الاشتراكي والإصلاح، ولكن كانت "غلطة الشاطر بعشر" حيث تعرض الاشتراكي في الوقت الحرج لطعنة غادرة في ظهره من حليفه الاصلاح، عندما نكث ما تم الاتفاق عليه..

خلافا لاتفاق الاشتراكي والاصلاح، رشح الإصلاح د. عبدالودود هزاع، ومنافسا لمرشح حليفه الاشتراكي طاهر علي سيف، بعد أن بلغ ظن الإصلاح حد المؤكد إن تنافسي مع طاهر سيؤدي إلى خسارتنا معا، وأنه وحزبه سيكون الرابح، وهو من سيظفر بالفوز الأكيد والمؤكد..

وخلال تلك المرحلة لم أفقد الأمل، بل زدتُ إمعانا وإصرارا في المضي على ما أنا في
انقلاب السيارة والحظ السيء
أحمد سيف حاشد
مهمة لا بد من إنجازها على نحو لا يقبل الطعن فيها.. مهمة يجب أن تكون جديرا بها، وهي لا تحتمل التراخي أو التأجيل.. عليك أن تكون في جهوزية من أمرك إن أردت الترشح باعتبارك مرشح مستقل، وخوض غمار المنافسة الانتخابية البرلمانية.. يجب أن تتوخى الحذر؛ فالشك حارس أمين، طالما أنت تخوض معركة من هذا النوع، وبصفة مرشح مستقل، في ظروف ربما تجعلك الأسوأ حظا، وفي واقع تنعدم فيه المساواة بتكافؤ الفرص عند بدء السباق.. عليك لتنجح أن تحتاط كثيرا.. عليك أن تضع في حسبانك واعتبارك أسواء الاحتمالات لتضمن هذا النجاح..

يشترط القانون أن يجمع المرشح المستقل ما لا يقل عن ثلاثمائة توقيع، تزكية من الناخبين في أغلب مراكز الدائرة الانتخابية التي ستخوض المعركة فيها.. رمتُ إلى الحصول على أكثر من ضعف هذا الرقم، تحوطا لأي احتمال، كفخ أو تشكيك أو تزوير أو تراجع أو نحو ذلك مما يمكن أن يُطبخ، أو يفبرك ضدي، بقصد الاطاحة بي قبل الاقتراع، أو اختلاق ذريعة، للحيلولة دون وصولي بالمنافسة إلى هذا اليوم، بل وربما حتى الطعن في شرعيتي بعد اعلان فوزي.. فعندما لا تستحِ السلطة عليك أن تتوقع كل شيء..

السياسة في بلادنا قذرة وموحلة، وطريقها مرصوف بالمكيدة والجريمة والفساد، وأخلاقها ليس غارقا في الرداءة، بل هي بلا أخلاق ولا عفة ولا ذوق.. وجل ساستنا ورجال أمنهم مخادعون، وماكرون، لا تأمن لهم جانب، ولا تغمض نحوهم عين.. ليس لديهم في العفاف مبدأ أو ضمير.. يجب أن تلازمك اليقظة على الدوام.. احذر أن تغفل حتى للحظة، وضع في بالك أسوأ الاحتمالات حتى لا تدركك المكيدة، ويلحق بك الندم بعد فوات الأوان.

وفي إطار مهمة جمع توقيعات التزكية، كلفت أخي عبد الكريم سيف، وأصدقائي محمد فريد، وردمان النماري، للذهاب إلى مراكز ومناطق “الأعبوس” لجمع ما استطاعوا من توقيعات التزكية..

كانت لدى أخي عبد الكريم سيارة شاص موديل 84 متواضعة، واحتمالات عطبها واعطالها وارد في أي لحظة.. حالها لا يسر، ولكن كلفة استئجار بديلا عنها عبء مُكلف واضافي، ونحن لازلنا في أول الطريق، ولا زال مشوار الانتخابات طويل، والحاجة ماسة وملجئه لمال كثير..

شدّينا الحيل، وتمت المغامرة لإنجاز المهمة، أو حتى بعضها.. صالت وجالت السيارة هنا وهناك لجمع توقيعات التزكية، وفي حدود الساعة السابعة والنصف مساء، وبعد تجاوز جامع "قرية العقام" في منطقة “بني علي” أعبوس” أستوقف محمد فريد السيارة، بغرض الاتصال، بعد أن صادف وجود تغطية “سبستل” MTN في ذلك المكان.

وعند محاولة اعادة تشغيل السيارة، لم يقلع المحرك بسبب البطارية، وفي غياب المساعدة، اضطر محمد فريد، وردمان النماري الى دفع السيارة من الخلف، ولكن قواهما خارت قبل أن يقلع محركها.. ذهب محمد فريد وكان يتمتع بالجرأة والحنكة، لإحضار إمام الجامع، وشاب برفقته للمساعدة على دفع السيارة ليتمكنوا من اعادة تشغيل المحرك، فيما اضطر أخي السائق للنزول إلى جانب الباب لمساعدتهم والدفع معهم على أمل العودة الى كرسي السائق، حالما تبدا عجلاتها في الدوران ويشتغل المُحرّك، ولم يلاحظ ان اتجاه العجلات الامامية كانت متجها الى المنحدر..

تفاجأ الجميع أن السيارة هرولة نحو المنحدر، وكان الوقت قد فات للحيلولة دون منعها من الهرولة لمحذور المنحدر، هوت في حدود العشرين مترا لتستقر على مقدمتها في بقعة أرض ومؤخرتها إلى الاعلى، وكأنها تتوسل وتتضرع إلى السماء بالمقلوب، بعد أن صار رأسها وفاها في الطين..

أعتقد الجميع أن أخي السائق على الكرسي قابضا على مقود السيارة أثناء السقوط، ولكنهم تفاجؤوا إنه بينهم؛ وبدهشة سألوه كيف صار بينهم!! فأجابهم أنه كان يدفع السيارة معهم، فأثار نوبة ضحك، فيما كان ردمان النماري وهو الحريص المؤتمن على الكشوفات يصيح: “الكشوفات.. الكشوفات.. الكشوفات في السيارة” يقصد كشوفات توقيعات التزكية، وهي الحصاد الأول.. كانت السيارة في وضع قلق مهددا بقلبة أخرى لأي محاولة تدخّل، وكان الاخ محمد فريد يصرخ في وجه “النماري” “نحن في ايش وانت في ايش؟!”

صار ما من حيلة ولا طريق لإخراج السيارة، وكانت المسافة التي هوت فيها السيارة غير قليلة، فضلا أنها معرضة للانزلاق والانقلاب مرة أخرى..

ذهب عبدالكريم ومحمد فريد نحو القرية القريبة بحثا عن سيارة تقلهم الى طور الباحة لإحضار “شيول”، وهناك وجدا صاحب سيارة اسمة عبدالسلام. هنا بإمكانك أن تستحضر أو تتذكر مقولة شمس التبريزي قد "يأْتيك الحظُّ على هيئة شخص". اخبرهم عبد السلام بصعوبة احضار “الشيول” من طور الباحة لوعورة الطريق، وتحرك بسيارته الى موقع الحادث، وكان متعاونا جدا، ومعه حضر جمع من شباب القرية، وتوافد عدد لا باس به من الناس، وكبر الجمع، وكان ما حدث أشبه بالنكتة المدوية، وإن أخذت مشهد كرنفالي ساخر بامتياز.

كان الناس يتساءلون: اين كان السائق؟!!! فيكون الجواب: كان يدفع السيارة. فيغرقون بالاستغراب والضحك والقهقهة، ويتساءل البعض: كيف تأمنون على أنفسكم
مع هذا السائق؟!! ويكون الجواب هو قهقهة الجميع..

كان الوفي ردمان النماري قد استغل غياب محمد فريد وعبد الكريم، ولا نعرف كيف استطاع اخراج كشوفات التزكية من داخل السيارة المهددة بالانقلاب مرة ثانية، ليتفاجأ الجميع إن الكشوفات بقدرة قادر قد صارت بحوزته.. إنه رجل لا يعرف اليأس، ولا يكف عن المحاولة مدفوعا بإخلاص كبير، وإصرار على أن "ينجح أو ينجح".

ربطوا مؤخرة السيارة الى جذع احدى الاشجار، حتى يتمكنوا من الحفر لإخراج مقدمة السيارة المغروز رأسها في الطين.. اضطروا إلى هدم احد الجدران، واستمر العمل الى وقت متأخر من ليل اليوم الثاني، ثم المبيت ضيوفا منكوبين لدى احد الاهالي هناك.

تبادر السؤال إلى ذهني: هل ما حدث هو نذير شؤم؟! كان أبي إذا خرج ليلا ودعس شوكة يعود على أعقابه، ويكف عن المضي إلى مراده.. ألا يمكن اعتبار ما حدث نذير شؤم يساوي ألف شوكة، غير أن رجلا قويا صرخ داخلي صرخة الرجل القائل: "القلب الجريء يحطم الحظ السيء".. ما حدث مشهد لن يسلمني لخرافة، وتوجسا مسنودا بهشاشة.. ما بذلته من جهد بات إصرارا وعزيمة تملئني.. يستصرخني:"وامعتصماه"، تذكرت قصيدة أبو تمام في فتح عمورية وفيها:
"أينَ الرِوايَةُ بَل أَيـنَ النُجـومُ وَمـا صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَـذِبِ"
وكانت الخلاصة لابد من فتح عموريتي..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
تعديلات قانونية مخيفة يجري تمريرها
من قبل حكومة ومجلس نواب صنعاء
واستبعاد نادي القضاة ونقابة المحامين من مناقشته
(5)
حريص أن لا أكذب على الناخبين
كنت أدرك معنى أن أكون صادقا مع نفسي ومع الناس في واقع يستسيغ الأكاذيب، ويروج فيه النفاق والأباطيل.. واقع لطالما ربح فيه الكاذبون، وخسر فيه الصادقون أقدامهم بعد أن أدركتها الخيبات الكبار.. الصدق كما يقول أفلاطون بالنسبة للجزء الأكبر من البشر هو أقل ربحية من خيانة الأمانة.. وأكثر الناس باتوا مأسورين أيضا بفن الخطابة، وأنا فاشل فيها، وفي الخطابة يقول الشاعر محمود درويش إن الصدق فيها زلة لسان..

كنت وأنا أصدق القول أعرف أن الصدق ربما يكون فيه اقتحام مجازف يجلب على صاحبه جم الفشل، ويعود مع صدقه مثقلا بالخيبة واليأس، ومعه كثيرا من الهم والغم والنكد.. لطالما احتملتُ أن صدقي قد يجلب لي في النتيجة خيبة صادمة، قادرة على ابتلاعي بعجل وسرعة.. ألم يقل عبد الرحمن الكواكبي: "الصدق لا يدخل قصور الملوك"، ومثل هذا أظنه ينطبق أيضا على البرلمان الذي أتحدث عنه..

كنت أدرك أن ثمن الصدق ربما يكون مميتا وقاطعا كالسيف، أو باهض الثمن وبالغ الكلفة حد الهزيمة.. أعلم أن الصدق في حضرة الوعود الكاذبة يصادم أمنيات الأكثرية، وأن أنصار الصدق غير المكلل بالوعود والأمنيات الكاذبة قليلون، وأنصار الصدق المُر أقل من هذا القليل وأندر.

ولكني في نفس الوقت، وبنفس القدر، كنت أدرك، إن الكذب وخيم، وبالغ في السوء وفيه كثيرا من الغدر واللؤم والنذالة.. إنه خبث خبيث، ومن الكبائر، وحبله قصير، ووعده في النتيجة للواثقين بصدقه صادم ومُهلك..

"فوكنر" احد أشهر الكتّاب في الأدب الأمريكي رهن تغيير العالم بالصدق وعدم الخوف، ورفع الصوت من أجل الصدق والحقيقة، وضد الظلم والكذب والطمع.. فيما الروائي واسيني الأعرج يرى كل شيء يحتمل فرصة ثانية, إلا الصدق والثقة, عندما تنهار لن تعود، ولو منحت ألف فرصة.. وأقل ما يمكن أن نقوله بصدد الوعود الكاذبة، ما قاله الشاعر دعبل الخزاعي:

“ولا خيرَ في وعدٍ إِذا كان كاذباً … ولا خيرَ في قول إِذا لم يكن فعلُ”

عندما كان غيري يكيل الوعود كيلا لناخبيه، كنت حذرا جدا من كيل الوعود، وأكثر حذرا من استسهال اطلاقها، لأنني أعرف مهمة عضو مجلس النواب، ومهام المجالس المحلية، وفقا لنصوص الدستور والقانون.. وزائد على هذا أدرك صعوبة تحقيق الوعود في بلاد مثل اليمن، وادرك أيضا أن العضو المستقل لن تسير أموره كما يشتهي ويرتجي إن أصر على استقلاليته، والأرجح أن تجري الأمور معه على نحو معاكس، أو كما قال الشاعر: “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”..

ولذلك كانت وعودي فيما يخص تحقيق المشاريع للأهالي مبنية على قاعدة وافتراض أسوأ الاحتمالات، أو على مقولة نابليون بونابرت “أفضل طريقة للالتزام بالوعد هي ألا تعد بشيء”.

كنت أعي ان الحذر في قطع الوعود للناس ليس تنصل أو تهرب من المسؤولية، بل هو من باب الإحساس المسؤول، والشعور العميق بالمسؤولية، وجسامتها، وادراك مدى أهمية أن يفي المرء بما وعد، وأن يكون المرء جديرا بوعده، ويكون بمستوى تحدي ذلك الوعد.. وتحضرني في هذا الصدد مقولة جان جاك روسو: “أبطا الناس في قطع الوعد، هم دوما الأكثر اخلاصا في الوفاء بالوعد”.

***
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
ربما لن تستطيعوا مقاضاة حكومة صنعاء إن مرت التعديلات.. وإن استطعتم لن تستطيعوا تنفيذ الأحكام ضدها الا بمعجزة
تعديلات قانونية مخيفة يجري تمريرها
من قبل حكومة ومجلس نواب صنعاء
واستبعاد نادي القضاة ونقابة المحامين من مناقشته
ربما لن تستطيعوا مقاضاة حكومة صنعاء إن مرت التعديلات.. وإن استطعتم لن تستطيعوا تنفيذ الأحكام ضدها الا بمعجزة
المساواة في التقاضي مع الحكومة والاختصاص النوعي وكثير مما هو متعلق بالنظام العام بات مهددا بتمرير التعديلات القانونية من مجلس النواب