أحمد سيف حاشد
341 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
(10)
عيد مشبع بالخيبة !
أحمد سيف حاشد
الأطفال والصبية يفرحون بالعيد الكبير.. عيد يتم انتظاره طويلا وبصبر يكاد ينفذ في عشية مجيئه.. يتم استقباله في الصباح الباكر بفرح دافق وسرور يغمر الكون.. أما عيدي أنا فأشبه بميتم، أو أبدي عليه كطير مذبوح.. أنا المنكوب بعاثر الحظ الذي طاله قدر أفسده وسِّود صفحته..

عيدي هذا العام موجوع بأمي الهاربة عند أهلها من نكد تعاظم وشجار أستمر وزاد عمّا يحتمل.. عيدي بعيد عن أمي لا طعم له ولا لون، بل ومشبع بخيبة أكتظت داخلي حتى شعرت بالأنبعاج..!!

أشعر أن الوحشة والغربة والحزن قد سكنوني مجتمعين في أيام يفترض أن تكون بهجة وفرح.. في العيد يتسربل الصبية بالفرح ولباس العيد؛ ترى البهجة في عيونهم كالعصافير وفي محياهم نور على نور..

وجوم ورتابة وتجهم جل ليالي العام، وحدها من تكسرهُ بهجة العيد، تمزق سواده فرقعات “الطماش” ووميضها.. السرور يغمر المُهج والقلوب المتعبة.. أما أنا فشأني مُختلف.. لم يفسد هذا العيد غياب أمي فقط، ولكن أفسدته أيضا وشاية ابن جارنا..

أريد أن أهرب إلى أمي.. ولكني لا زلت أذكر المرة السابقة الذي أعادني أبي من هروبي مرغما، ومجرورا بشحمة إذني طول الطريق الطويل.. لم يكتفِ بجرِّي من إذني، ولكنه أيضا وضع حصأة بين أصابعه وشحمة الإذن وتظل أصابع أبي تضغط على الحصاه وشحمة الأذن لتزيد من وجعي وألمي، وهو يجرّني بوجه مائل وكأنه معتول.. وكلما شعرت أن الألم لم يعد يُحتمل طلبتُ منه أن ينتقل لجرّي بالإذن الثانية..

أحيانا سبب صغير وبحجم أصغر من حبة الفول، كان لدى والدي ما يكفي أن يشعل حيالي حربا عالمية.. وما يستفزه أكثر من ذلك أن لا يراني مستجديا لرحمته.. عدم استجداء رحمته كانت تعني بالنسبة له أنني أستفزه وأنتقص من هيبته وهو المهاب..

عدم مناجاة عطفه يعني أنني أتحداه وأثير غيضه وحفيظته.. أمر كهذا لديه بالغ في الجسامة وموغل في التحدي لسلطته، وداعي مثير لإعادة اعتباره ومهابته.. إذا ما داعاني لأمر وتوانيت فقط في إجابته؛ تجد وكأن الجن تلبّسوه، وركب فوق رأسه ألف طير وعفريت..

يومها حاول طعني بـ “الجنبية”، وحال المتواجدون من نسوة ورجال وفتية دون أن تطالني، وأصابت ابن عمي عبده فريد في يده، حالما كان يحاول منعها من أن تصل إلى جسدي المُنهك والمثقل بالتعب.. تحول العيد في وجهي إلى احلك من ليل، وأكثف من ظلام سرداب سحيق..

هربت منه مائة متر أو أكثر منها بقليل، فيما هو يحاول رمي بالرصاص.. تداريت بجذع شجرة الجمّيز، كنت أختلس النظر من محاذاتها، فيما كان الاختلاس يستفز أبي ويثير حماقته وحميته كما يثير المصارع الاسباني هيجان ثور خرج للتو من محبسه إلى حلبة مصارعة الثيران وقد أصابه المصارع بطعنة من سيف..

العراك على أشده؛ نسوة ورجال يحاولون انتزاع البندقية من أكف أبي، فيما هو يصر على محاولة اطلاق الرصاص.. كنت أسائل نفسي بهلع عما إذا كان بمقدور الرصاص اختراق جذع شجرة الجميز فتطال جسدي.. شيء لم أجربه ولم أسمع به ولا أدري قدرة ما يوفره جذعها من حماية.. ربما أطمن نفسي إن الجذع قادر على أن يتولى مهمة صد الرصاص! ثم أرتاب..

غير إن المسافة بيني وبين أبي لازالت قصيرة، وربما يتمكن أبي الإفلات من ماسكيه، فرجحتُ قرار بدا لي أكثر أماناً، وهو أن استفيد من لحظة العراك، وأطلق رجلاي للريح، وأنجو بهروب سريع.. هربت والذعر يضاعف سرعتي، كتب الحظ نجاتي، كما كتب أيضا مزيدا من العذاب والخيبات..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
مجانين سويسرا ألتقطها في مستهل عام 2009
أردت أن أحاوره ولكن كانت اللغة مانع أن أفعل هذا
فاكتفيت بتصويره
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
‏تحررنا من احتلال
واستعمرنا الف احتلال
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
(11)
هروب وعودة !
أحمد سيف حاشد
هربت إلى دار “الشناغب” دار جدي ـ والد أمي ـ الذي يبعد عن منزل أبي بحدود خمسة كيلو مترات، ويقع في منطقة محاذية لحدود دولة الجنوب.. هو دار حربي في أعلى أحدى الجبال متوسطة الارتفاع، ولم تكن توجد منازل في ذلك الجبل غيره، أو قريبة منه، ولكن توجد منازل في بعض الجهات المقابلة له..

في الجوار الملاصق للمنزل خزان ماء أرضي، وفي الدار كُوَّاتٌ، وشقوق طولية ضيقة، يمكن استخدامها في المراقبة، واطلاق النار من البندقية إلى الخارج، حيث تسمح بمرور ماسورة البندقية إلى الخارج بقطاع وزاوية معنية.. ويبدو إن هذا الدار قد شهد شيئا مما خصص له في زمن خلاء.

جدّي سالم مانع والد أمّي كان يملك أيضا دار أخر، وقد قطن هذا الدار في عهد طفولتي، وسكنت أمي فيه لفترة قبل مجيئي.. جدي هذا كان رجلا فاضلا ومسالما.. طيب القلب، ونقي السريرة، يقضي كثيراً من وقته في قراءة القرآن والتحدث في تفاسيره.. كان تقيا، ورعا، محبا، لا يحمل ضغينة، ولا يضمر شرا، ولم يعر بالا أو اكتراثا للسياسة، ومع ذلك دفع حياته لاحقا ثمنا لأفعال الساسة.

أقبل أبي بعد سويعات من هروبي.. رأيته من دار "الشناغب" دون أن يراني، رأيته يمتطي حماره الأبيض، كان حمار أبي يشبه الحصان، وكان والدي يهتم به.. رأيت بندقية أبي مسطوحا أمامه، يبدو مستعدا لاستخدامها في أول وهلة يراني فيها، شعرت في مَقدمه شرا ونارا.. أنخلع قلب أمي الهاربة في بيت جدي..

خرجتُ مذعورا من الدار إلى الجبل نحو حدود دولة الجنوب، "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية".. هنالك دولة ونظام لعله يتولَّى حمايتي، ولجم حماقة أبي.. ربما شيئا من هذا حدثتُ به نفسي وانا أهم بالتوجه إلى الحدود عبر مسلك وعر..

خالتي مريم أخت أمي أبلغت والدي أنني خرجت من الدار وهربت؛ كانت خالتي قوية الشخصية.. صارمة وحازمة.. تجيد الاستبسال، والمواجهة، والتحريض أيضا، وقراءة كتاب الرمل وفك طلاسمه، والتعاطي معه بما ترجوه..

أدرك أبي وجهتي، واستطاع الإسراع بحماره إلى الجانب الجنوبي الغربي من الوادي، ليقطع وجهتي، ويحول دون وصولي إلى الحدود.. أشهر بندقيته ووجهها نحو الجبل، فيما أنا كنت قد أختبئت خلف نتوء صخري في كنف الجبل حالما شاهدته يحاول قطع طريقي.. وبعد طول تفاوض مع خالتي مريم، ورجال خيريين من عابري السبيل، التزم أبي بأن لا يؤذيني، مقابل أن أعود إلى بيته.

طمئنني الجميع أن الأحوال ستكون على ما يرام، ولن يحدث لي أي مكروه؛ والدي تعهد أمام من شهد الموقف ألا يلحق بي أذى أو انتقام، نزلت من الجبل بعد ما يشبه عملية تفاوض قادته خالتي من جهتي، وعاد أبي وهو يبلع غيظه، مستشعرا بعدم الرضا؛ لأنه لم يشبع إنفعاله، ولم يشفِ غليله الفوار..

عدت بموكب يحيطني.. كانت بعض النسوة وأختي من أمي هناء إلى جواري يرافقن عودتي وخمسمائة متر تفصلنا عن مسير أبي وحماره.. كان أبي ينتظرنا في كل منعطف حتى نقترب منه.. بدأت المسافة مع السير تضيق وتضيق.. وعندما بلغنا منطقة تسمى بـ: “سوق الخميس”، لم يحتمل أبي أن أسجل عليه ما بدا له انتصاراً، استفزه منظري الذي بديت فيه المنتصر، وساورته الريبة بأنني أُشمت به، وأنال من سلطته وسلطانه..

لم يحتمل أبي ما جاس في صدره، فثار غضبه.. تمتم بالسباب المنفعل، وصوّب بندقيته بانفعال نحوي، حمتني النسوة بأجسادهن؛ وتعالى الصراخ والذعر.. تدخل المارة، وكل من كان على مقربة منّا؛ وانتهت الجلبة حينما قطع أبي على مضض عهدا آخر للناس بألا يُلحق بي سوء أو ضرر، وبر هذه المرة بوعده، ولكن على كره ومضض..

لم يطق ابي أن يشاهد ما تصوره انتصاري المستمر عليه، وحتى لا ينكث عهدا قطعه مرتين أمام مشهد من الناس؛ أعادني إلى منزلنا القديم الذي كان يسكنه أخي علي، وليس إلى منزلنا الجديد الذي يقيم فيه..

عاد أبي بعد أيام ليتصالح مع أمي وأهلها، ثم عدت إلى بيت أبي من جديد في حضرة أمي التي ندمت أشـد الندم على ما حدث، وعلى تركها لي أياماً كنت خلالها أحوج ما أكون إليها بجانبي..

ومر العيد بسلام بعد أن كاد يتحول إلى ميتم أو مجهول.. وكنت أنا السبب الأهم في استمرار زواج أبي وأمي، رغم المشكلات والخطوب المتعددة اللذان مر بهما وأفلتا منهما بأعجوبة تشبه المعجزة..

***
يتبع..
شكر لنظير القباطي على الصورة..
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
تم الإفراج الأن عن الاستاذ
أمين أحمد قاسم
شكرا لكل من تعاون
وعمل على الافراج عنه
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
(12)
منع وخذلان قدر !!
أحمد سيف حاشد
الآباء يحنون على أولادهم.. يغمرونهم بالعطف والمحبة، ويحيطونهم بالرعاية والاهتمام.. لا يردّوا لهم رجاء أو طلب إن تأتّى، أو كان تحقيقه في الوسع والمقدرة، فإن أستحال وتعذّر التمسوا منهم السماح والعذر المؤكد..

أبي ربما الوحيد الأكثر صعوبة واستجابة.. في بعضها لا رجاء يجدي معه ولا توسل.. أراه صعب المرأس حتى في يوم العيد.. أخال قلبه من حجر الصوان.. هذه هي الصورة التي علقت في ذهني عن أبي، والتي ربما ظلمته فيها إلى حد بعيد، ولمّا كبرت وصرتُ أبا ونضجت أزحت الغلو والمبالغة من هذه الصورة الداكنة، وفهمت أشياء كثيرة، وألتمستُ العذر له في كثير منها، حتى وإن كتبت بعض ما حدث بمداد من وجع الأمس..

كان يحز في نفسي أن الآباء لا يمنعون أولادهم من الذهاب للموالد البعيدة، وأفراح الأعراس، ومجالس العزاء.. أبي لا يمانع فقط، بل ومستعد أن يرتكب حماقة إن فعلتها عنوة عنه، أو تجاوزتُ قراره في المنع.. أبي يستثيره التحدّي، أو إذا أستدل أو أحس مما أفعله بوادر عصيان و تمرد، بل ربما يكفيه أن يظن، ولا حاجة إلى تقصّي وإثبات ما يخالف ظنه..

*

“الخضر”، ولي صالح لم يسبق أن حضرتُ “مولده”، أو قمت بزيارة مزاره.. كنت اسمع من الأطفال والصبية عندما يعودون من “مولده” كثيراً من الحكايات والمشاهد التي يعودون بها كل عام، ويسردونها بغبطة تموج، وفرح يكاد يطير معه صاحبه، وكأنهم ارتادوا كوكب آخر، أو زاروا سطح القمر..

عندما يسردون الحكايات يتنافسون في ذكر التفاصيل ويزيدون عليها.. أنا الوحيد الذي أجد الألم يعصرني والمرارة تذبحني لأنني ممنوعا ومقموعا، وزيارته أمل بظهر الغيب المُخيّب للأمل..

في “المولد” يأتي الناس من كل حدب وصوب.. وجوه الصبية تشع بالنور ابتهاج وفرح.. كل الوجوه تلتقي بالأعياد والموالد.. البيع والشراء في الموالد على أوجُّه.. أشياء للبيع لا تجدها إلاّ بمثل هذه المناسبة.. مشاهد لا تتكرر في المكان إلا بعد عام.. إذا فاتك إحداها أحسست إن عمرك فات منه عام أو نقص منه.

البيارق وألوانها الفاقعة تأسر اللب والنظر، وتضفي على المناسبة تميزا وهيبة.. روحانية تغمرك في بعض الأماكن والمشاهد.. حتى المبالغات في الموالد جاذبة وتأنس إليها.. والكرامات التي تسمع بحدوثها في الموالد أحيانا تفوق الخيال.. لن تكون مضطرا إلى بحثها، بل يجب أن تبدي العجب، وتصدّقها كيفما كانت، وربما تزيد عليها وتصير زيادة فوق زيادة، وخيال فوق خيال، فيه سحر ومتعة آسرة..

"المجاذيب" ترى منهم ما يدهش ويذهل.. حكايات كثيرة تجعلك تجن شوقا لأن تراها ألف مرة دون أن تتوجس أو تمل، وتحضر دهشتها وتفاصيلها بكل روحك وحواسك.. تستمتع وكأنك تزور عالم آخر يعج بالعجب، ويعلق في وعيك وشم دهشة لا تزول.

*


من أجل أن أحضر هذه المشاهد دعيت الله أسبوعا وأكثر أن يلين قلب أبي لأتمكن من حضور هذا المولد البهيج.. وبدلا من الصلاة للرب ركعتين صليت مائة، وبدلا من أن أحمُد الله وأستغفره وأسبّح لملكوته مائة فعلتها آلاف وضاعفتها على أمل أن يجعل الله قلب أبي رقيقا حتى يسمح لي بحضور “مولد” الخضر هذا العام، وهو حضور لطالما حلمت به وانتظرته، وتأجل من عام إلى آخر.

ولكن رغم صلواتي واستغفاري وتسبيحي خذلني القدر، وكانت خيبتي بطول السماء وعرضها، وظل قلب أبي صعباً وقاسيا، لم يرق ولم يلن.. أبي لا يفيد معه دعاء ولا رجاء ولا سحر ولا "قانون جذب"

أمي أيضا تبذل مساعيها من قبل أسبوع، ولكنها أخفقت وأصابتها الخيبة من انتزاع رضى وموافقة أبي.. أبي عندما يمعن في الإصرار والعناد، وتتصلب مواقفه، ربما يحتاج تغييرها قضاء وقدر، أو هذا ما أتخيله، إن لم أكن قد عشته بالفعل.. أحبّ أبي لأنني بضعة منه.. تعلمتُ منه أن أوغل في العناد ولكن فيما هو حميد، وأن لا أستسلم ولا أستكين لظلم حتى وإن أنحنيت لعاصفة..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
إلى من يسخر مما أكتب عن سيرتي..
أنا أكتب في سيرتي لأقاوم سيرة هذا الباطل الذي يفرض كل تفاصيله وسمومه حتى على الهواء الذي نتنفسه..
أن تكتب عن أي شيء حتى عن أبليس أفضل ألف مرة وبكل المقايس أن تزيِّف وعي الناس بأن الكارثة جنة تنتظر قدومهم، وأن رب المجزرة إله أو نصف إله..
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
(13)
محاولة انتحار !!
أحمد سيف حاشد
حاولت التحدِّي والذهاب عنوة مولد الخضر، ولكن أبي كتّفني وربطني إلى عمود خشبي مغروسا في قاع دكانه.. ضربني بقسوة.. استمريتُ مربوطا على العمود الخشبي حتى فوات موعد الذهاب إلى المولد.. كان الزبائن يأتون لشراء حاجاتهم من الدكان، ويمعنون النظر حيالي، وربما بعضهم يرمقوني بحسرة وشفقة، فيما حاول بعضهم تودد وتوسل أبي، دون قدرة أن ينقذوني مما أنا فيه..

وبعد فوات موعد الذهاب إلى المولد، تركني أبي على حالي وذهب إلى "رأس شرار" لـ "ينصد" الزرع، فيما أمي فكّت وثاقي، وغشتي بعطفها وكلمات الوجع والتعاطف الجم، وأمطرتني بنظرات حسرتها وقلة حيلتها مع أبي، ثم ذهبت لتجلب الماء من البئر، فيما كنتُ أنا أداري نوبة سخط واستنفار للانتقام من أبي، حتى وإن كان بإنتحاري.. أردتُ أن ألحق به أكبر قدرا من الغيظ والغضب والندم..

وبعد أن خرج الجميع من الدار، أغلقتُ بابه من الداخل، وصعدتُ إلى حجرة أبي أعلى الدار، ووجدتُ هناك سلاح والدي قد صار في متناول يدي.. أخذت بندقيته الآلية، وعمرتها وتمددت، ووضعتُ فوهتها بين عنقي ورأسي، ووضعتُ أصبعي على الزناد، وأخذت بالعد ثلاثة لأبدأ بإطلاق النار.. واحد.. اثنان، وقبل أن أطلق الرصاص بالرقم ثلاثة، سمعت خوار بقرة أمي، وكأنها تريد مني نظرة وداع أحتاجها أنا أيضا، أو ربما تريدني أن أكف عما أنتوي فعله، وربما غريزة البقاء كانت أقوى مني..

ذهبت لأراها وألقي عليها نظرة وداع أخيرة، وأول ما رأيتها شعرت أنها تترجى وتتوسل بألا أفعل.. هذا ما خلته في خاطرة مرت على بالي القلق والمضطرب.. أحسست أنها مسكونة بي ولا تريد لي بعدا أو فراقا.. قبّلت ناصيتها، ومسحت ظهرها، وراحت أكفي تداعب عنقها وضممته بحرارة مفارق.. كانت تصرفاتي معها ربما ترتقي إلى تصرفات الهنود مع البقر، كأنها إلهاً أو معبوداً مقدس..

شعرت بحبها الجارف، وبادلتها محبة غامرة.. شعرت أنها تبادلني حميمية لم أشعر بها من قبل.. غالبتُ دموعي، ولكنها كانت تنهمر سخينة.. رأيتها تشتمَّني بلهفة، وكأنها تريد أن تحتفظ بتذكار.. أحسست أنها هي أيضا تغالب دموعها.. بقرتنا المحروسة من العين بحرز معلق على رقبتها كمصد يصد العين والحسد.. وأنا المحروس أيضا بحرز السبعة العهود من الجن والشياطين، ولكن من يحرسني من قسوة أبي؟!!

ذهبت لأسرق الطحين لها، وأصب عليه الماء، وأقدمه لها كحساء وداع أخير.. امطرتها بقبل بدت لي إنها قبلات الوداع الأخير.. وفيما أنا ذاهب عنها، رأيتها ممعنة بالنظر نحوي.. أحسست أنها تتوسل وترتجي ألا أفعل وألا أرحل.. كنت أفسر الحميمية التي بيننا على مقاس تلك اللحظة التي أحس بها، أو بما ينسجم معها.. كانت مناجاة ومحاكاة لها عمق في نفسي، وتفيض بمشاعر وعواطف جياشة بدت لي حقيقية، لا وهم فيها ولا سراب..

تطلعتُ صوب الجبل والشجر والحجر أودع الجميع.. شعور وداع الأبد ليس مثله وداع.. الوداع الأبدي يجعلك ترى كثير من تفاصيل الأشياء قبل الرحيل لن تراها في أحوالك العادية أو الطبيعية.. وجدت نفسي أودع كل شيء بما فيها التفاصيل التي لا تخطر على بال، فأنا على موعد مع الموت واستيفاء الأجل.. كنت أتفرس في كل الأشياء التي يقع عليها نظري وكأنني أراها للمرة الأولى.. الجدران والخشب والأواني وملابس أمي..

تذكرت أمي وحب أمي.. أمي التي ضحت بأشياء كثيرة من أجلي.. أمي التي تشربت ألف عذاب، وصبرت لأجلي وإخوتي على حمل ما لا تحتمله الجبال.. عاشت أمي صراعاً لا تحتمله أرض ولا سماء.. كنت أشعر ببكاء السماء في كل مكروه يصيبها..

لم أكن أتخيل أن ثمة شيء يثنيني عن الانتحار والذهاب إلى جهنم، ولا حتى بقرتنا الطيبة، لكن ربما غريزة البقاء غلبتني، وربما حب أمي هو من غلبني أكثر، فلا يوجد شخص أحبني أكثر من أمي.. تذكرتها وهي تكرر لي فيما مضى قولها: “إن حدث لك مكروه سأموت كمدا وقهراً”.

لا أستطيع أن أتخيل أمي وهي تراني منتحراً ومضرجاً بدمائي.. كنت أتصور أن مشهدا كهذا سيكون صادماً وفاجعاً للإنسان الذي أهتم له؛ مشهد لا استطيع تخيُّل مأساته الثقيلة على أمي التي تحملت الكثير من أجلي.. مشهد لن يحس بمدى فاجعته غير أمي التي لا شك سيكمدها الحدث..

بسبب أمي وحبها وأخواتي أحجمت عن الحماقة لتنتصر الحياة على الموت؛ ولا بأس من احتجاج أخف ضرراً وأقل كلفة، وهو ما سأقدم عليه الآن بدلا من الانتحار..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
التفكير المسؤول بالمستقبل هذه الأيام اشبه بمن يفكر بالدور السابع قبل الأول.. التفكير الاستراتيجي في زمن الحرب..
مش مهم تكون لديك وظيفة
ولا مرتب ولا دخل شهري شريف
ولا عمل محترم تلجأ اليه
المهم نزوجك ونحنبك..
تناكحوا وتناسلوا ودبر حالك..
هو الله..
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
نكته ‏تحكي الفشل في الإدارة والاقتصاد والحرب..

حول ب 100 الف من تعز الى صنعاء
توصل للمستلم رسالة :
فلان كان يشتي يحولك زلط.
😂😂😂😅
#ملطوشة
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
(14)
بديلا عن الانتحار!!
أحمد سيف حاشد
أحجمت عن الانتحار، ولكني أريد أن أقوم بفعل أقل كلفة ومقامرة.. أريد ضجيج ما أعبّر فيه عن نفسي ورفضي للقمع الذي أجتاحني من أبي.. لن يكون هذا إلا بفعل صارخ مشبع بالتمرد والاحتجاج.. أريد أبي أن يندم على فعله المملوء بقساوة الحديد.. أريده أن يسمع بعض من جنوني، احتجاجا على قمعه.. أريد أن أرد له بعض من جنونه ولو بالقدر المتاح..

لا أستطيع أن أبلع قهري وأصمت كحجر أو خشبه.. لا بد أن أفعل شيئا أعبر عنه بأقصى ما يمكن من الاحتجاج.. أريد بوجه ما أن أعاقب أبي واسمعه بعض من احتجاجي المنتفض.. لابد من حملِه على أن يحسُ بمدى مظلمتي وظلمه لي، ويسمع قصتي كل الناس.. أريد أبي أن يندم بسبب قسوته المفرطة حيالي.. كان غضبي لا زال يركض ويرفس داخلي، والدم يثور ويغتلي في عروقي..

نزلت من الحجرة، وعرّجتُ على باب الدار لأتأكد من أغلاقه بالمزلاج والمرزح، ثم صعدتُ إلى الديوان، وضعت على الجدار المقابل علبة "طاحونية" فارغة، وثبتها بسكين، ثم وضعت أمامي شبه "صندوق" هو عبارة عن ألواح خشبية تستخدم لنقل صفائح الجاز، وتحميلها على الجِمال عند نقلها..

انبطحت خلفه، وحاولت تتبيت البندقية بيدي من خلال ألواحه الخشبية لتقلل من الارتداد أثناء إطلاق الرصاص، واطلقت لرجلاي التمدد في وضع قتالي لم آلفه، ولكن أنطبع في ذهني من صور شاهدتها في مجلات صينية وروسية وصلتني في وقت سابق من خلال أخي المنتمي لحركة القوميين العرب، وقريني عبد الباسط أخ محمد سعيد غالب الذي كان ينتمي لأحد فصائل العمل الوطني..

كنت أعرف أن البندقية تركض الرامي خلفها عند اطلاق الرصاص؛ فلزم أن أثبتها على نحو يقلل من إرتدادها، وحاولت أسدد على العلبة التي وضعتها على الجدار، فيما أصبعي جاهزة على الزناد بأمان مفتوح على الاطلاق السريع.. وبمجرد الضغط على الزناد بأصبعي المتحفزة والمتعصبة في نوبة هستره تم اطلاق ما فيه من رصاص..

لم أكن أعرف إن كل ذلك الغبار سيكتظ من الداخل على ذلك النحو الكثيف، ولفترة بدت لي غير وجيزة.. لم أعرف أن الرصاص الراجع سيفعل بالجدران ما فعل!! الحقيقة لا أدري كيف نجوت؟!! وكيف وجدت للمستحيل طريقاً؟! لعل "الخضر" كان حاضرا معي..

لم أكن أعرف أن صوت الرصاص والغبار الكثيف سيكون بذلك القدر الذي يجعل من يرى الدار من الخارج ويسمع لعلعة الرصاص في داخل الدار، يعتقد أن ثمة زلزال قد حل فيه.. صارت الجدران مخرّمة كوجه أنتشر فيه الجدري، فيما رائحة البارود كانت نفّاذة تملأ المكان..

وفي زحام الغبار حاولت أفتش عن علبة "الطاحونية" التي سددت إليها الرصاص، فوجدتها ثابته كما هي في الجدار دون إصابة أو مساس، فيما وجدت الجدران كلها مخرمة قد أصابها الرصاص المباشر والراجع.. لقد تفاجأتُ وشعرتُ بالغرابة أنني لم أصب الهدف الذي سددتُ البندقية إليه، رغم قربي منه أو عدم ابتعادي عنه أكثر من أربعة أمتار على الأرجح..

النسوة والرجال والأطفال هرعوا إلى الدار ليرون ماذا حدث!! كان أول الواصلين جارنا القريب مانع سعيد.. باب الدار مغلق، وأنا اطمئن الجميع من مفرج الديوان إنه لم يحدث شيء.. الأسئلة تتزاحم عمّا حدث، والدهشة تستبد بوجوه الحاضرين على عجل.. وبعضهم يدقوا باب الدار بقوة ويهمّون بكسره، وأمي تهرع وتتصرف كمجنونة.. تصرخ وتبكي وتنوح؛ بقلب مخلوع، ومفطور بالفجيعة..

نزلت وفتحت الباب وامي تفتش جسمي وملابسي لترى ماذا صنعت بنفسي. وعندما تأكدت من سلامتي ذهبت لتخفيني من أبي بديوان آخر في الدار.. ديوان مظلم ومملوء بحزم الزرع اليابس.. أما أبي فقد هرع من رأس "شرار" ربما لينتقم منّي أشد انتقام، ولكنه لم يجدنِ وأبلغته أمي أنني هربت إلى الجبل..

مكثت يومين في مخبئي السري لا تواسيني فيه غير أمي، وحنانها وخبزها. ومع ذلك لم أنجُ من عقاب تأجّل، ولم تنج أمي من مائة سؤال ومشكلة..

أحسست أنني مللت مخبئي وملّني هو الآخر.. طلبت من أمي أن تترك لي فسحة بين أخوتي النيام لأنام بينهم ثم توقظني قبل حلول الفجر لأعود إلى مخبئي خلسة دون أن يراني أبي.. ولكن أنكشف أمري بعد ساعة زمن.. يا لخيبة حيلتي وحيلة أمي!!

مر أبي على أخوتي النيام قرابة الساعة العاشرة ليلاً وهم يغطون بالنوم. أنا الوحيد بينهم من كنت متوجساً ويقضاً وأكاد أسمع دبيب النمل.. سمعته يعد أخوتي ويقول لأمي هناك واحد زائد في العدد، وهي تشكك وتناور وتحاول أن توهمه وتصرفه إلى موضوع آخر؛ لكن أبي جثي على ركبتيه بيننا، وبدأ يتحسس ويعد الرؤوس ويسميها لأمي، وأمي مرتعدة الفرائص تحاول أن تقرأ بكتمانها سورة ياسين، فيما أبي يعد ويتحسس الرؤوس، وما أن وصل إلى رأسي عرفني حتى أخذ يدقه بالأرض كالمطرقة، فانقَّضت أمي عليه كذئبه، وراحا يتشاجران وصوتي وصوت إخوتي المذعورين وصوت الشجار يملأ فضاء القرية وجوارها.. صراخ يمزق سكينة ليل أناخ واستتب، ويصيب أهل قريتنا وما حولها بالحيرة والأسئلة والفزع..
اقتنصتُ لحظة الشجار بين أبي وأمي ونفذت بجلدي. ركضت وقفزت من فوق الدار.. كانت مجازفة غير أن الخوف والهلع صنع المعجزة، وربما مادة الأدرينالين التي تفرزها الغدد الكظرية في حال كهذا تجنبنا ما قد يلحق بنا من ضرر محتمل..

***
يتبع..
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
اصحيح هذا؟
يريدون ان يقاعدوا ١٥٠ موظفا من موظفي مجلس النواب تحت مسمى تقاعد داخلي واحلال بديلا عنهم من شللهم وجماعتهم؟!
#القاضي_احمد_سيف_حاشد
(15)
البحث عن مكان أنام فيه !
أحمد سيف حاشد
قفزتُ من فوق الدار ولذتُ بالفرار إلى مكان غير بعيد.. تسللت إلى مقبرة صغيرة في عرض جبل ”إجت الجفيف”، شعرتُ بالوحشة والقلق والخوف.. من المستحيل أن أنام هنا ولازال الفجر بعيد.. مكان غير مأمون من مفاجأت ربما تختبي أو تقبع في الانتظار..

كنتُ أتوجس أن يخرج الأموات من قبورهم.. لا أعرف أحدا منهم، ولن يعرفني أحد منهم.. بيننا غربة وبرزخ ربما يمنع بيننا الوئام والإنسجام.. لا أريد أن أسمع عذاب الموتى وهم يتألمون.. لا أحتمل سماع منكر ونكير.. تخيلتهم مرعبين وهم يسألون الأموات في قبورهم ويجلدوهم بسياط من نار.. توقعتُ نزولهم من السماء بعد منتصف الليل ليتولوا الحساب والعقاب.. يرعبني أن أرى رجل أو إمرأة تجبر على الصلاه فوق صخرة من جهنم.. لا أحتمل سماع صوت "الولولة" والألم.. لقد سمعتُ حكايات كثيرة عن حياة الأموات في القبور..

عليّ أن أترك هذا المكان.. من المهم أن أنام في مكان أقل رعب وخوف.. أريد مكانا أكثر أماناً أيضا من الطواهش والضباع.. يجب أن لا أبعد كثيرا من البيوت.. إذا ما داهمني "طاهش" أو ضبع مفترس أجد من يسارع لنجدتي.. لقد سمعت كثيرا عن رجال كبار أكلهم "الطاهش" أو أفترستهم الضباع، ولم يبقَ منهم سوى بقايا من عظام وأطراف.. هكذا كنت أحدث نفسي وتزداد مخاوفي وروعي..

لجأت إلى مكان قريب من منزل شخص طيب يطحنه الفقر، اسمه ثابت صالح.. كان يكدح من الصباح إلى المساء بإيجار زهيد.. يحرث الأرض للناس ويحمل الأحجار الثقال على ظهره طول النهار.. يبني بيوت الناس، فيما بيته كان متواضعاً جدا، ولكن قلبه كان أكبر من قصر ملك، وأخلاقه عظيمةً، أعظم من أصحاب كل القصور.

سمع “ثابت” خطواتي في الجبل، والليل في ريفنا له أذان.. سمع حصى وأحجار صغيرة تتساقط بسب تسلقي بعض الجدران ونتوءات الجبل.. أيقن أن هناك أمرا ما.. وجه الضوء نحو الصوت وبدأ ينادي من هناك؟! كرر الأمر مرتين وثلاث.. أزداد يقينا بوجود شيء يستدعي الاهتمام..

صعد إلى المكان الذي كنت فيه.. وجدني وعرفني وألح عليّ أن أنزل لأبيت عند أسرته.. نزلت معه.. رحبت بي زوجته وكانت صديقة أمّي.. لم تصدق أنني من وجده زوجها في الجبل..

رحبت بي ترحيب الأم المحب.. أكرمتني وأشعرتني أن لدي أم ثانية وأب حنون.. سألتني عمّا حدث ولماذا كان كل ذاك الصراخ الذي سمعوه في بيتنا؟!

حكيت لها ما حدث.. اغرورقت عيناها بالدموع وسالت على وجنتيها البارزه، كشفها ضوء السراج.. شعرت بعاطفة جارفة عندهم وحب كبير أبحث عنه.. ما أجملكم أيها البسطاء الفقراء الطيبين.. قلوبكم بيضاء نقية دافقة بالحب والحنان والمعروف..

وفي الصباح نقلت بسر وكتمان زوجة ثابت صالح الخبر لأمي المريضة بسبب ما حدث لها منّي ومن أبي، وطمأنتها، وبعد يومين أو ثلاثة عدتُ لدارنا بعد مفاوضات ربما بدت صعبة، لكنها تمت على خير..

عدتُ إلى دارنا وكان أبي يشكو لأخي “علي” والذي كان مسافراً عندما حدث ما حدث.. سمعت أبي وهو يقول له”: شوف أخوك أيش أشتغل !!”.. وكان يريه جدران الديوان المجدورة بالرصاص، وما لحق بها من ضرر.. ومن يومها أخذني أخي إلى بيته في نفس القرية عند خالتي زوجة أبي الثانية التي أغرقتني بحنانها وطيبتها الغامرة..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي