(2)
رهاب يشبه الانتحار
احمد سيف حاشد
كان رهابي يخرس صوتي ويئده ويهيل عليه التراب.. يمزقه ويشتته حتى يتلاشى كالهلام.. يخنقه بقبضة من حديد قبل أن يصعد الكلام إلى فمي.. خجلي يبتلع لساني من جذرها المغروس في حنجرتي الملجومة بالرهاب.. طغيان يمارس سلطته بفجاجة على حياتي التي أثقلتني معاناتها..
كنت لازلتُ صغيرا أو حديث سن، فيما رهابي وخجلي باتا أكبر مني.. أضعاف وزني وسنين عمري العجاف.. مسحوقا أنا بخجلي ورهابي بإصرار لا يكل ولا يمل، وبتكرار لا يعرف الوهن.. خيبة ومرارة تجتاحني وأنا أقع في كل مرّة فريسة في شباكها لا أقوى على المقاومة..
لطالما عشت مأسورا بانطوائي وبالحياء المطبق بكلتي يديه على فمي المكتوم بعازل الصوت الذي يمنعني أن أطلب حاجة أو نجاة أو استغاثة.. يستطيع المرء أن يتصور مدى خجلي بصورة من يؤثر هلاكه على النطق بكلمة لا يزيد طولها عن الحرفين "قف"..
كيف لشخص أن يخجل من صوته ورفقته ويرتكب مغامرة تشبه الحمق الكبير؟! يؤثر احتمالية الخطر على أن يسمع الناس صوته؟! كيف لأحد بسبب حيائه وخجله وما يتملكه من رهاب أن يقفز من السيارة التي تقله وهي مسرعة كالعاصفة دون أن يطلب من صاحبها التوقف برهة للنزول.
*
كان عمري يومها 15 عاما أو مقاربا لهذا.. توقف أبو شنب بسيارته "اللاندروفر" عندما أشرت له بالوقوف والسماح لي بالصعود إلى السيارة، فيما كنا نسميه “تعبيرة”.. أبو شنب الشعبي كان رجلا طيبا ومعتادا على تعبير الطلاب الذين لا يملكون مالا، دون أن يأخذ منهم أجرة نقل، ولا سيما إن وجدك راجلا في الطريق وترجوه خجلا بإشارة من يدك أن يوصّلك..
كان السائق عائدا إلى منطقة “ضوكة”، فيما كنت أنا قاصدا “شعب الأعلى”، مجفلا إلى قريتي في القبيطة.. كانت السيارة مزدحمة بالركاب.. وقف لي السائق بسيارته وتسلقت على حدائدها، و ظفرت بحيز صغير في مؤخرتها.. وبعد قليل تفاجأت إن السيارة متجهة إلى غير وجهتي..
كنت أظن وجود شخص أو أكثر ممن تقلهم السيارة سيطلب من السائق التوقف للنزول منها، لعل وجهتهم تماثل وجهتي، غير أن الخيبة داهمتني، وأنا اكتشف أن الجميع على غير وجهتي.. الجميع متجه إلى “ضوكه”.. وبسبب خجلي وما يتملكني من رهاب، لم أتجاسر على أن أصرخ أو حتى أطلب الوقوف للنزول من السيارة التي تقلني.. كانت السيارة تسير بسرعة في وجهتها، وتبتلع المسافات بنهم وشراهة، فيما أنا آثرت القفز منها على طلب إيقافها.. كاد أن يقول الناس عنّي "ومن الخجل ما قتل"
قفزت من السيارة.. ارتطم جسدي على الأرض.. خلت جسدي في أول وهلة قد تطاير كالزجاج.. أرتطم ذقني على الأرض بقوة.. اصطكت أسناني واحتدمت ببعضها.. أرتطم الفكين فوق بعض حتى فقدت التمييز بين علوه وسافلة.. أحسست أن رأسي تفجر وتطاير كشظايا قنبلة.. شاهدت شررا قادحا من عيوني يخر في كل اتجاه.. شعرت أن الارتطام قد صيرني حطاما متطايرا لا يُجمع ولا يجتمع؛ فيما كان ركاب السيارة يصرخون وقد شاهدوا بغتة وقوع أحد ركابها منها دون أن يعلموا أنني فعلتها بمحض إرادة سببها الرهاب والخجل.. أوقف السائق السيارة على إثر صراخ الركاب ليرى ما الذي حدث..؟
تعددت الإصابات في جسدي,, دم يهر من سحجات وخدوش متفرقة على جسدي.. تهتكت واتسخت ملابسي.. مغبرا أنا على غير عادتي وكأنني خرجت من قبر مندثر.. الغبار والدخان كان لا يزال له في الطريق أثر.. دم يهر من الخدوش، وجرح ودم يسيل أسفل الذقن..
نزل السائق من كبينة السيارة ليرى ما حدث، فيما أنا غالبت وقع الارتطام وشرر الألم، ودفعني الحرج والخجل الأشد أن استجمع قواي، ونهضت بمكابرة لا يعرفها من هو حديث السن لأنقل لمن كان في السيارة التي وقفت أنني معافا وعلى ما يرام، فيما السائق بدا في سعادة الناجي، وكأنه هو الناجي لا أنا.. كانت مكابرتي ونهوضي السريع بدافع الخجل أيضا قوية وغالبة، ودون أن أتفوه ببنت شفة.. بديت في شكل من يتحمل مسؤولية ما حدث كاملا دون نقصان..
وبعد مشقة ومغالبة للألم وصلت إلى بيتنا في "شرار"، وأول ما شاهدت في المرآة كان ذقني الجريح.. رأيت أسفل الذقن جانباً زائداً وجانباً ناقصاً في غير اتساق.. أختل النسق والاستواء.. لا زال هذا الاختلال والعور ملحوظا إلى اليوم عند من يتفحص ذقني بالنظر..
اليوم كبرنا وصرنا والوطن نصرخ بكل صوت.. السيارة التي تقلنا بلا كابح أو فرامل.. سيارة يعترك على مقودها من لا يجيد فنا أو قيادة.. مجانين حرب لا يجيدون حتى حساب الربح من الخسارة.. السيارة تمرق بأقصى سرعة وجنون.. أستحال علينا حتى القفز منها.. باتت تهرول نحو المنحدر.. بات مصيرنا والوطن مجهولا ومرعب..
*
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=655471408741122&id=100028348056925
رهاب يشبه الانتحار
احمد سيف حاشد
كان رهابي يخرس صوتي ويئده ويهيل عليه التراب.. يمزقه ويشتته حتى يتلاشى كالهلام.. يخنقه بقبضة من حديد قبل أن يصعد الكلام إلى فمي.. خجلي يبتلع لساني من جذرها المغروس في حنجرتي الملجومة بالرهاب.. طغيان يمارس سلطته بفجاجة على حياتي التي أثقلتني معاناتها..
كنت لازلتُ صغيرا أو حديث سن، فيما رهابي وخجلي باتا أكبر مني.. أضعاف وزني وسنين عمري العجاف.. مسحوقا أنا بخجلي ورهابي بإصرار لا يكل ولا يمل، وبتكرار لا يعرف الوهن.. خيبة ومرارة تجتاحني وأنا أقع في كل مرّة فريسة في شباكها لا أقوى على المقاومة..
لطالما عشت مأسورا بانطوائي وبالحياء المطبق بكلتي يديه على فمي المكتوم بعازل الصوت الذي يمنعني أن أطلب حاجة أو نجاة أو استغاثة.. يستطيع المرء أن يتصور مدى خجلي بصورة من يؤثر هلاكه على النطق بكلمة لا يزيد طولها عن الحرفين "قف"..
كيف لشخص أن يخجل من صوته ورفقته ويرتكب مغامرة تشبه الحمق الكبير؟! يؤثر احتمالية الخطر على أن يسمع الناس صوته؟! كيف لأحد بسبب حيائه وخجله وما يتملكه من رهاب أن يقفز من السيارة التي تقله وهي مسرعة كالعاصفة دون أن يطلب من صاحبها التوقف برهة للنزول.
*
كان عمري يومها 15 عاما أو مقاربا لهذا.. توقف أبو شنب بسيارته "اللاندروفر" عندما أشرت له بالوقوف والسماح لي بالصعود إلى السيارة، فيما كنا نسميه “تعبيرة”.. أبو شنب الشعبي كان رجلا طيبا ومعتادا على تعبير الطلاب الذين لا يملكون مالا، دون أن يأخذ منهم أجرة نقل، ولا سيما إن وجدك راجلا في الطريق وترجوه خجلا بإشارة من يدك أن يوصّلك..
كان السائق عائدا إلى منطقة “ضوكة”، فيما كنت أنا قاصدا “شعب الأعلى”، مجفلا إلى قريتي في القبيطة.. كانت السيارة مزدحمة بالركاب.. وقف لي السائق بسيارته وتسلقت على حدائدها، و ظفرت بحيز صغير في مؤخرتها.. وبعد قليل تفاجأت إن السيارة متجهة إلى غير وجهتي..
كنت أظن وجود شخص أو أكثر ممن تقلهم السيارة سيطلب من السائق التوقف للنزول منها، لعل وجهتهم تماثل وجهتي، غير أن الخيبة داهمتني، وأنا اكتشف أن الجميع على غير وجهتي.. الجميع متجه إلى “ضوكه”.. وبسبب خجلي وما يتملكني من رهاب، لم أتجاسر على أن أصرخ أو حتى أطلب الوقوف للنزول من السيارة التي تقلني.. كانت السيارة تسير بسرعة في وجهتها، وتبتلع المسافات بنهم وشراهة، فيما أنا آثرت القفز منها على طلب إيقافها.. كاد أن يقول الناس عنّي "ومن الخجل ما قتل"
قفزت من السيارة.. ارتطم جسدي على الأرض.. خلت جسدي في أول وهلة قد تطاير كالزجاج.. أرتطم ذقني على الأرض بقوة.. اصطكت أسناني واحتدمت ببعضها.. أرتطم الفكين فوق بعض حتى فقدت التمييز بين علوه وسافلة.. أحسست أن رأسي تفجر وتطاير كشظايا قنبلة.. شاهدت شررا قادحا من عيوني يخر في كل اتجاه.. شعرت أن الارتطام قد صيرني حطاما متطايرا لا يُجمع ولا يجتمع؛ فيما كان ركاب السيارة يصرخون وقد شاهدوا بغتة وقوع أحد ركابها منها دون أن يعلموا أنني فعلتها بمحض إرادة سببها الرهاب والخجل.. أوقف السائق السيارة على إثر صراخ الركاب ليرى ما الذي حدث..؟
تعددت الإصابات في جسدي,, دم يهر من سحجات وخدوش متفرقة على جسدي.. تهتكت واتسخت ملابسي.. مغبرا أنا على غير عادتي وكأنني خرجت من قبر مندثر.. الغبار والدخان كان لا يزال له في الطريق أثر.. دم يهر من الخدوش، وجرح ودم يسيل أسفل الذقن..
نزل السائق من كبينة السيارة ليرى ما حدث، فيما أنا غالبت وقع الارتطام وشرر الألم، ودفعني الحرج والخجل الأشد أن استجمع قواي، ونهضت بمكابرة لا يعرفها من هو حديث السن لأنقل لمن كان في السيارة التي وقفت أنني معافا وعلى ما يرام، فيما السائق بدا في سعادة الناجي، وكأنه هو الناجي لا أنا.. كانت مكابرتي ونهوضي السريع بدافع الخجل أيضا قوية وغالبة، ودون أن أتفوه ببنت شفة.. بديت في شكل من يتحمل مسؤولية ما حدث كاملا دون نقصان..
وبعد مشقة ومغالبة للألم وصلت إلى بيتنا في "شرار"، وأول ما شاهدت في المرآة كان ذقني الجريح.. رأيت أسفل الذقن جانباً زائداً وجانباً ناقصاً في غير اتساق.. أختل النسق والاستواء.. لا زال هذا الاختلال والعور ملحوظا إلى اليوم عند من يتفحص ذقني بالنظر..
اليوم كبرنا وصرنا والوطن نصرخ بكل صوت.. السيارة التي تقلنا بلا كابح أو فرامل.. سيارة يعترك على مقودها من لا يجيد فنا أو قيادة.. مجانين حرب لا يجيدون حتى حساب الربح من الخسارة.. السيارة تمرق بأقصى سرعة وجنون.. أستحال علينا حتى القفز منها.. باتت تهرول نحو المنحدر.. بات مصيرنا والوطن مجهولا ومرعب..
*
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=655471408741122&id=100028348056925
*صنعاء .. النائب أحمد سيف حاشد يعتصم في مجلس النواب*
يمنات – خاص
أعتصم النائب أحمد سيف حاشد، لمدة ساعة، ظهر اليوم الأربعاء 23 سبتمبر/أيلول 2020، في مكتب أمين عام مجلس النواب بصنعاء.
و جاء اعتصام النائب أحمد سيف حاشد احتجاجا على منع تسليم اعضاء مجلس النواب نسخة من رد رئيس المجلس يحيى الراعي على رسالة عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، و التي طرحت في قاعة المجلس.
و قال النائب حاشد إن هذه الحالات من حالات يتم فيها تمرير بعض الامور الحساسة و المهمة على هذا النحو.
و أوضح النائب أحمد سيف حاشد أن تلك الحالات، تقرير الوفد المفاوض في السويد الذي حرصت هيئة رئاسة المجلس على عدم تسليم نسخة منه للاعضاء، و اقرار اعتماد اضافي خلال ستة أشهر في عام سابق بمبلغ أكثر من ٢٨٠ مليار ريال، خارج خطة الإنفاق “الموازنة”.
https://yemenat.net/2020/09/375892/
يمنات – خاص
أعتصم النائب أحمد سيف حاشد، لمدة ساعة، ظهر اليوم الأربعاء 23 سبتمبر/أيلول 2020، في مكتب أمين عام مجلس النواب بصنعاء.
و جاء اعتصام النائب أحمد سيف حاشد احتجاجا على منع تسليم اعضاء مجلس النواب نسخة من رد رئيس المجلس يحيى الراعي على رسالة عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، و التي طرحت في قاعة المجلس.
و قال النائب حاشد إن هذه الحالات من حالات يتم فيها تمرير بعض الامور الحساسة و المهمة على هذا النحو.
و أوضح النائب أحمد سيف حاشد أن تلك الحالات، تقرير الوفد المفاوض في السويد الذي حرصت هيئة رئاسة المجلس على عدم تسليم نسخة منه للاعضاء، و اقرار اعتماد اضافي خلال ستة أشهر في عام سابق بمبلغ أكثر من ٢٨٠ مليار ريال، خارج خطة الإنفاق “الموازنة”.
https://yemenat.net/2020/09/375892/
موقع يمنات الأخباري
صنعاء .. النائب أحمد سيف حاشد يعتصم في مجلس النواب - موقع يمنات الأخباري
يمنات - خاص أعتصم النائب أحمد سيف حاشد، لمدة ساعة، ظهر اليوم الأربعاء 23 سبتمبر/أيلول 2020، في مكتب
(3)
عندما يجتمع فيك الجوع والخجل!
احمد سيف حاشد
جعتُ كثيرا.. جالدت الفاقة والحاجة والعوَز.. عانيتُ من الهزال والضعف والضنك المُنهك للجسد والروح.. عشت سنوات طوال سوء التغذية، و“فقر الدم”، ومشكلات في الغدة الدرقية، وتورّمات مرضية في القدمين، فضلا عن الأميبيا والجارديا، ونوبات الحمى التي كانت تداهمني بين فترة وأخرى..
عندما تعتريني الحمى كان جسدي يستلذ ويستمتع بالبقاء تحت أشعة الشمس فترة أطول، وأتمنى أن تشتد حرارتها، ثم ما أن أفرغ منها، اكتشف أن الحمى تزداد وتشتد.. تستقوي وتستأسد على جسدي المنهك والهزيل.. أما ما يطلقون عليها في قريتي “شمس الميات” التي تودعنا بحمرتها وهي تذوي نحو الغروب فكانت تذكرني بسوء صحتي المتدهورة، وأخواتي الراحلات نور وسامية..
وفي مرحلة إعدادية القسم الداخلي بـ “طور الباحة” كانت وجبات القسم المقررة لا تكفيني أو تشبع جوعي إلا في حده الأدنى، لأستمر في حياة ضنكة ومنهكة، نقضي جلّها في صراع مرير، ورغبة مستميته من أجل استمرار البقاء بمعاناة ومشقة بالغة..
كانت أمي تواسيني ببعض النقود التي تجمعها لي بصعوبة ومحال، لتخفف عن كاهلي معاناة الجوع، وتحملني على البقاء والحياة من أجلي وأجلها، ومستقبل كان لا يزال غامضا ومجهولا.. وفي ثانوية القسم الداخلي في مدرسة "البروليتاريا" كان طلبة القسم الداخلي كثيرون، وكانت طوابير العشاء والغداء طويلة، وكان أحيانا ينفذ العشاء قبل أن أصل إليه، وأحيانا أدرك القليل منه، وقد أوشك على الانتهاء..
كنت مسكونا بالخجل والحياء الذي يمنعاني من المزاحمة، وتخطي من هم في الطابور قبلي، فيما كثيرون من الذين بعدي في الطابور يتخطونني بجرأة وصفاقة لأجد نفسي شيئا فشيئا آخر الطابور دون عشاء.. كنت أصل إلى قرب نافذة الاستحقاق، فأتفاجأ إن العشاء قد نفذ، وربما عند حسن الحظ أظفر بالقليل من القليل..
كنت أحيانا وبسبب خجلي أنام دون عشاء، أو أذهب أنا وصديقي محمد عبد الملك إلى أشجار “الديمن” التي تسيج جانبا من محيط المدرسة، لنقطف بعض ثمارها التي لم تنضج بعد، أو لازالت بعيدة عن النضوج.. كان الجوع أحيانا يضيِّق علينا، وكنا نتجه نحوها مضطرين، ولم نسمح لها بسبب جوعنا أن تبلغ ثمارها النضوج.. كان جوعنا أحد من المدية، وأسبق في القطاف، فيما هي تنشب بحّتها الخانقة، وأظافرها المحتجة في حناجرنا المحاصرة بالجوع.. لقد فقدت عون أمي، بسبب البعد وطول الغياب..
أحيانا كنت أذهب مع آخرين متسللا تحت جناح الليل إلى المزرعة البعيدة لأحصل على بعض حفن السمسم ونعرّج أحيانا على أشجار الليمون، لنقطف بعض حباتها، لنأكلها بقشرها، أو نستخدمها على وجباتنا لتحسينها وتحسين مذاق الفاصوليا المطبوخة على نحو رديء وسيء..
***
حللتُ ضيفا في إحدى العطل السنوية عند قريب لنا في عدن.. أظن أن نزولي إلى عدن يومها كان لعلاج مشكلة في الغدة الدرقية.. طبيب ألماني في مستشفى النصر شخّص حالتي، ولزمت فراش المستشفى فترة لم أعد أتذكر طولها، ولكنني خرجتُ من المستشفى وقد تعافيت.. واصلت الإقامة لبعض الوقت عند قريبنا عبد الكريم هزاع في حي القطيع بـ "كريتر".
في الغالب كانت وجبة الغداء الرئيسة لدى الأسرة التي أقمت لديها مكونة من الرز وسمك “الزينوب” و"الصانونة" و"العُشّار".. وجبة شهية جدا بمقياسي.. من يومها إلى اليوم وأنا أحب هذه الوجبة، واشتهيها.. المشكلة التي كنت أعاني منها هي خجلي والحياء الذي يحتلني ويتملكني إلى حد لا يصدق.. كنت لا آكل غير نصف حاجتي وأحيانا أقل من النصف بكثير..
في عدن معتادين، أو على الأقل مع الأسرة التي أقمت عندها، أن لا يتم تقديم الرز والسمك دفعة واحدة، حتى لا يرمون بفائض الوجبة الزائد عن الحاجة إلى كيس القمامة.. هي عادة حسنة ولكني يومها لم أفطن لها، ولم أكن أدرك سببها والحكمة منها.. كان كل ما تم اكمال ما في الصحن أو قبل انتهاء ما تم غرفه أولا، أغادر المائدة مباشرة، قبل أن يتم غرف كمية إضافية من دست الرز الموجود جوارنا إلى الصحن التي نأكل منه.. كنت أغادر المائدة بمجرد الانتهاء من التهام ما تم غرفه في المرة الأولى أو حتى قبل الانتهاء منها، فيما كانوا يعاودون الغرف مرات عديدة تصل إلى الثلاث والأربع غرفات.. فيما كان حرجي وخجلي هما من يحملاني على المغادرة وعدم الانتظار أو الالتفات إلى غَرفة ثانية.
بسبب خجلي وحيائي الغير طبيعيين كنت أغادر المائدة بمجرد أن يتم استغراق كمية الرز الأولى.. أما السمك فلا آكل منه إلا قليلا جدا، محكوما أيضا بخجلي وحيائي الشديد.. كنت ما استهلكه من السمك في كل لقمة لا يزيد عن حجم حبة الذرة أو نصف عجرة التمر إن بالغت في جُرأتي رغم وفرته، فضلا إن بعض لقيماتي كانت لا تصطحب سمكا بهذا الحجم أو ذاك، فيما كانت شهيتي الحقيقية إن أطلقت عقالها وعنانها لا يكفيها وجبة خمستهم من الرز والسمك و"العشّار"، أو هكذا أخال وأشعر.. ربما تلك الشهية المكبوتة والمقموعة بالحياء جعلتني أحب هذه الوجبة إلى اليوم واشتهيها بلهفة أشد..
لاحظ عبد الكريم هز
عندما يجتمع فيك الجوع والخجل!
احمد سيف حاشد
جعتُ كثيرا.. جالدت الفاقة والحاجة والعوَز.. عانيتُ من الهزال والضعف والضنك المُنهك للجسد والروح.. عشت سنوات طوال سوء التغذية، و“فقر الدم”، ومشكلات في الغدة الدرقية، وتورّمات مرضية في القدمين، فضلا عن الأميبيا والجارديا، ونوبات الحمى التي كانت تداهمني بين فترة وأخرى..
عندما تعتريني الحمى كان جسدي يستلذ ويستمتع بالبقاء تحت أشعة الشمس فترة أطول، وأتمنى أن تشتد حرارتها، ثم ما أن أفرغ منها، اكتشف أن الحمى تزداد وتشتد.. تستقوي وتستأسد على جسدي المنهك والهزيل.. أما ما يطلقون عليها في قريتي “شمس الميات” التي تودعنا بحمرتها وهي تذوي نحو الغروب فكانت تذكرني بسوء صحتي المتدهورة، وأخواتي الراحلات نور وسامية..
وفي مرحلة إعدادية القسم الداخلي بـ “طور الباحة” كانت وجبات القسم المقررة لا تكفيني أو تشبع جوعي إلا في حده الأدنى، لأستمر في حياة ضنكة ومنهكة، نقضي جلّها في صراع مرير، ورغبة مستميته من أجل استمرار البقاء بمعاناة ومشقة بالغة..
كانت أمي تواسيني ببعض النقود التي تجمعها لي بصعوبة ومحال، لتخفف عن كاهلي معاناة الجوع، وتحملني على البقاء والحياة من أجلي وأجلها، ومستقبل كان لا يزال غامضا ومجهولا.. وفي ثانوية القسم الداخلي في مدرسة "البروليتاريا" كان طلبة القسم الداخلي كثيرون، وكانت طوابير العشاء والغداء طويلة، وكان أحيانا ينفذ العشاء قبل أن أصل إليه، وأحيانا أدرك القليل منه، وقد أوشك على الانتهاء..
كنت مسكونا بالخجل والحياء الذي يمنعاني من المزاحمة، وتخطي من هم في الطابور قبلي، فيما كثيرون من الذين بعدي في الطابور يتخطونني بجرأة وصفاقة لأجد نفسي شيئا فشيئا آخر الطابور دون عشاء.. كنت أصل إلى قرب نافذة الاستحقاق، فأتفاجأ إن العشاء قد نفذ، وربما عند حسن الحظ أظفر بالقليل من القليل..
كنت أحيانا وبسبب خجلي أنام دون عشاء، أو أذهب أنا وصديقي محمد عبد الملك إلى أشجار “الديمن” التي تسيج جانبا من محيط المدرسة، لنقطف بعض ثمارها التي لم تنضج بعد، أو لازالت بعيدة عن النضوج.. كان الجوع أحيانا يضيِّق علينا، وكنا نتجه نحوها مضطرين، ولم نسمح لها بسبب جوعنا أن تبلغ ثمارها النضوج.. كان جوعنا أحد من المدية، وأسبق في القطاف، فيما هي تنشب بحّتها الخانقة، وأظافرها المحتجة في حناجرنا المحاصرة بالجوع.. لقد فقدت عون أمي، بسبب البعد وطول الغياب..
أحيانا كنت أذهب مع آخرين متسللا تحت جناح الليل إلى المزرعة البعيدة لأحصل على بعض حفن السمسم ونعرّج أحيانا على أشجار الليمون، لنقطف بعض حباتها، لنأكلها بقشرها، أو نستخدمها على وجباتنا لتحسينها وتحسين مذاق الفاصوليا المطبوخة على نحو رديء وسيء..
***
حللتُ ضيفا في إحدى العطل السنوية عند قريب لنا في عدن.. أظن أن نزولي إلى عدن يومها كان لعلاج مشكلة في الغدة الدرقية.. طبيب ألماني في مستشفى النصر شخّص حالتي، ولزمت فراش المستشفى فترة لم أعد أتذكر طولها، ولكنني خرجتُ من المستشفى وقد تعافيت.. واصلت الإقامة لبعض الوقت عند قريبنا عبد الكريم هزاع في حي القطيع بـ "كريتر".
في الغالب كانت وجبة الغداء الرئيسة لدى الأسرة التي أقمت لديها مكونة من الرز وسمك “الزينوب” و"الصانونة" و"العُشّار".. وجبة شهية جدا بمقياسي.. من يومها إلى اليوم وأنا أحب هذه الوجبة، واشتهيها.. المشكلة التي كنت أعاني منها هي خجلي والحياء الذي يحتلني ويتملكني إلى حد لا يصدق.. كنت لا آكل غير نصف حاجتي وأحيانا أقل من النصف بكثير..
في عدن معتادين، أو على الأقل مع الأسرة التي أقمت عندها، أن لا يتم تقديم الرز والسمك دفعة واحدة، حتى لا يرمون بفائض الوجبة الزائد عن الحاجة إلى كيس القمامة.. هي عادة حسنة ولكني يومها لم أفطن لها، ولم أكن أدرك سببها والحكمة منها.. كان كل ما تم اكمال ما في الصحن أو قبل انتهاء ما تم غرفه أولا، أغادر المائدة مباشرة، قبل أن يتم غرف كمية إضافية من دست الرز الموجود جوارنا إلى الصحن التي نأكل منه.. كنت أغادر المائدة بمجرد الانتهاء من التهام ما تم غرفه في المرة الأولى أو حتى قبل الانتهاء منها، فيما كانوا يعاودون الغرف مرات عديدة تصل إلى الثلاث والأربع غرفات.. فيما كان حرجي وخجلي هما من يحملاني على المغادرة وعدم الانتظار أو الالتفات إلى غَرفة ثانية.
بسبب خجلي وحيائي الغير طبيعيين كنت أغادر المائدة بمجرد أن يتم استغراق كمية الرز الأولى.. أما السمك فلا آكل منه إلا قليلا جدا، محكوما أيضا بخجلي وحيائي الشديد.. كنت ما استهلكه من السمك في كل لقمة لا يزيد عن حجم حبة الذرة أو نصف عجرة التمر إن بالغت في جُرأتي رغم وفرته، فضلا إن بعض لقيماتي كانت لا تصطحب سمكا بهذا الحجم أو ذاك، فيما كانت شهيتي الحقيقية إن أطلقت عقالها وعنانها لا يكفيها وجبة خمستهم من الرز والسمك و"العشّار"، أو هكذا أخال وأشعر.. ربما تلك الشهية المكبوتة والمقموعة بالحياء جعلتني أحب هذه الوجبة إلى اليوم واشتهيها بلهفة أشد..
لاحظ عبد الكريم هز
اع وهو رب الأسرة طغيان الحياء والخجل في يدي ووجهي وهيئتي، وبدلا من الحاحه أن أرمي حيائي وخجلي بعيدا عن مأكلي، عالج الأمر بطريقة “داوها بالتي هي كانت هي الداء”.. كانت طريقته بديعة وعلى غير ما هو متوقع أو معهود بين الناس.. فبدلا من أن يلح عليّ بأكل قطع السمك قال: "أحمد لا يعجبه السمك".. تظاهرت بموافقة لما قاله وبديت تعففي تماما عن أكل السمك.. ولم آكل سمكا في الأيام التاليات بمبرر أنني لا آكل السمك.. صرت نباتيا في سفرة وحضرة السمك..
وعندما طبخوا "زربيان" لحم وهي وجبة لذيذة، وقبل أن أمد يدي لتناول فرتيت منه، بادر بقوله: ((أحمد لا يحب لحم "الزربيان")).. فقلت بحياء وخجل: ((أيوه .. أنا ما يعجبناش لحم "الزربيان")).. تعمّدتُ تحت تأثير قوله إلى حرمان نفسي من "الزربيان" أيضا، رغم رائحته التي كانت تشويني حيّا، وتشرِّح شهيتي، وتصلبني في دواخلي وأعماقي بصمت وخفية..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تكرر بعدها مع الدجاج؛ حيث قال قبل أن أمد يدي إليها: "أحمد ما يأكلش لحم الدجاج".. فكابرت وأخبرتهم بالموافقة، وشهدت زورا على نفسي أنه لا يعجبني لحم الدجاج..
وفي اليوم الذي يليه قال وقبل أن أمد يدي إلى الغداء: أحمد لا يعجبه الرز والصانونة والعشار.. ساعتها شعرت أنه حشرني في زاوية أنا وحيائي وخجلي ودفعني نحو خيار مستحيل لا استطيع أن أجاريه.. ضحك خمستهم بقهقهة وكأنهم كانوا على موعد معها إثر ما قال، وشعرت أن ما يفعله كان بدافع دفعي إلى مغادرة خجلي وحيائي، وأن احتفظ بما هو مقدورا عليه ومعقول..
رديت عليه هذه المرة بحسم:
- يعجبني كل شيء..
***
..........................................
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
وعندما طبخوا "زربيان" لحم وهي وجبة لذيذة، وقبل أن أمد يدي لتناول فرتيت منه، بادر بقوله: ((أحمد لا يحب لحم "الزربيان")).. فقلت بحياء وخجل: ((أيوه .. أنا ما يعجبناش لحم "الزربيان")).. تعمّدتُ تحت تأثير قوله إلى حرمان نفسي من "الزربيان" أيضا، رغم رائحته التي كانت تشويني حيّا، وتشرِّح شهيتي، وتصلبني في دواخلي وأعماقي بصمت وخفية..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تكرر بعدها مع الدجاج؛ حيث قال قبل أن أمد يدي إليها: "أحمد ما يأكلش لحم الدجاج".. فكابرت وأخبرتهم بالموافقة، وشهدت زورا على نفسي أنه لا يعجبني لحم الدجاج..
وفي اليوم الذي يليه قال وقبل أن أمد يدي إلى الغداء: أحمد لا يعجبه الرز والصانونة والعشار.. ساعتها شعرت أنه حشرني في زاوية أنا وحيائي وخجلي ودفعني نحو خيار مستحيل لا استطيع أن أجاريه.. ضحك خمستهم بقهقهة وكأنهم كانوا على موعد معها إثر ما قال، وشعرت أن ما يفعله كان بدافع دفعي إلى مغادرة خجلي وحيائي، وأن احتفظ بما هو مقدورا عليه ومعقول..
رديت عليه هذه المرة بحسم:
- يعجبني كل شيء..
***
..........................................
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
(3)
عندما يجتمع فيك الجوع والخجل!
احمد سيف حاشد
جعتُ كثيرا.. جالدت الفاقة والحاجة والعوَز.. عانيتُ من الهزال والضعف والضنك المُنهك للجسد والروح.. عشت سنوات طوال سوء التغذية، و“فقر الدم”، ومشكلات في الغدة الدرقية، وتورّمات مرضية في القدمين، فضلا عن الأميبيا والجارديا، ونوبات الحمى التي كانت تداهمني بين فترة وأخرى..
عندما تعتريني الحمى كان جسدي يستلذ ويستمتع بالبقاء تحت أشعة الشمس فترة أطول، وأتمنى أن تشتد حرارتها، ثم ما أن أفرغ منها، اكتشف أن الحمى تزداد وتشتد.. تستقوي وتستأسد على جسدي المنهك والهزيل.. أما ما يطلقون عليها في قريتي “شمس الميات” التي تودعنا بحمرتها وهي تذوي نحو الغروب فكانت تذكرني بسوء صحتي المتدهورة، وأخواتي الراحلات نور وسامية..
وفي مرحلة إعدادية القسم الداخلي بـ “طور الباحة” كانت وجبات القسم المقررة لا تكفيني أو تشبع جوعي إلا في حده الأدنى، لأستمر في حياة ضنكة ومنهكة، نقضي جلّها في صراع مرير، ورغبة مستميته من أجل استمرار البقاء بمعاناة ومشقة بالغة..
كانت أمي تواسيني ببعض النقود التي تجمعها لي بصعوبة ومحال، لتخفف عن كاهلي معاناة الجوع، وتحملني على البقاء والحياة من أجلي وأجلها، ومستقبل كان لا يزال غامضا ومجهولا.. وفي ثانوية القسم الداخلي في مدرسة "البروليتاريا" كان طلبة القسم الداخلي كثيرون، وكانت طوابير العشاء والغداء طويلة، وكان أحيانا ينفذ العشاء قبل أن أصل إليه، وأحيانا أدرك القليل منه، وقد أوشك على الانتهاء..
كنت مسكونا بالخجل والحياء الذي يمنعاني من المزاحمة، وتخطي من هم في الطابور قبلي، فيما كثيرون من الذين بعدي في الطابور يتخطونني بجرأة وصفاقة لأجد نفسي شيئا فشيئا آخر الطابور دون عشاء.. كنت أصل إلى قرب نافذة الاستحقاق، فأتفاجأ إن العشاء قد نفذ، وربما عند حسن الحظ أظفر بالقليل من القليل..
كنت أحيانا وبسبب خجلي أنام دون عشاء، أو أذهب أنا وصديقي محمد عبد الملك إلى أشجار “الديمن” التي تسيج جانبا من محيط المدرسة، لنقطف بعض ثمارها التي لم تنضج بعد، أو لازالت بعيدة عن النضوج.. كان الجوع أحيانا يضيِّق علينا، وكنا نتجه نحوها مضطرين، ولم نسمح لها بسبب جوعنا أن تبلغ ثمارها النضوج.. كان جوعنا أحد من المدية، وأسبق في القطاف، فيما هي تنشب بحّتها الخانقة، وأظافرها المحتجة في حناجرنا المحاصرة بالجوع.. لقد فقدت عون أمي، بسبب البعد وطول الغياب..
أحيانا كنت أذهب مع آخرين متسللا تحت جناح الليل إلى المزرعة البعيدة لأحصل على بعض حفن السمسم ونعرّج أحيانا على أشجار الليمون، لنقطف بعض حباتها، لنأكلها بقشرها، أو نستخدمها على وجباتنا لتحسينها وتحسين مذاق الفاصوليا المطبوخة على نحو رديء وسيء..
***
حللتُ ضيفا في إحدى العطل السنوية عند قريب لنا في عدن.. أظن أن نزولي إلى عدن يومها كان لعلاج مشكلة في الغدة الدرقية.. طبيب ألماني في مستشفى النصر شخّص حالتي، ولزمت فراش المستشفى فترة لم أعد أتذكر طولها، ولكنني خرجتُ من المستشفى وقد تعافيت.. واصلت الإقامة لبعض الوقت عند قريبنا عبد الكريم هزاع في حي القطيع بـ "كريتر".
في الغالب كانت وجبة الغداء الرئيسة لدى الأسرة التي أقمت لديها مكونة من الرز وسمك “الزينوب” و"الصانونة" و"العُشّار".. وجبة شهية جدا بمقياسي.. من يومها إلى اليوم وأنا أحب هذه الوجبة، واشتهيها.. المشكلة التي كنت أعاني منها هي خجلي والحياء الذي يحتلني ويتملكني إلى حد لا يصدق.. كنت لا آكل غير نصف حاجتي وأحيانا أقل من النصف بكثير..
في عدن معتادين، أو على الأقل مع الأسرة التي أقمت عندها، أن لا يتم تقديم الرز والسمك دفعة واحدة، حتى لا يرمون بفائض الوجبة الزائد عن الحاجة إلى كيس القمامة.. هي عادة حسنة ولكني يومها لم أفطن لها، ولم أكن أدرك سببها والحكمة منها.. كان كل ما تم اكمال ما في الصحن أو قبل انتهاء ما تم غرفه أولا، أغادر المائدة مباشرة، قبل أن يتم غرف كمية إضافية من دست الرز الموجود جوارنا إلى الصحن التي نأكل منه.. كنت أغادر المائدة بمجرد الانتهاء من التهام ما تم غرفه في المرة الأولى أو حتى قبل الانتهاء منها، فيما كانوا يعاودون الغرف مرات عديدة تصل إلى الثلاث والأربع غرفات.. فيما كان حرجي وخجلي هما من يحملاني على المغادرة وعدم الانتظار أو الالتفات إلى غَرفة ثانية.
بسبب خجلي وحيائي الغير طبيعيين كنت أغادر المائدة بمجرد أن يتم استغراق كمية الرز الأولى.. أما السمك فلا آكل منه إلا قليلا جدا، محكوما أيضا بخجلي وحيائي الشديد.. كنت ما استهلكه من السمك في كل لقمة لا يزيد عن حجم حبة الذرة أو نصف عجرة التمر إن بالغت في جُرأتي رغم وفرته، فضلا إن بعض لقيماتي كانت لا تصطحب سمكا بهذا الحجم أو ذاك، فيما كانت شهيتي الحقيقية إن أطلقت عقالها وعنانها لا يكفيها وجبة خمستهم من الرز والسمك و"العشّار"، أو هكذا أخال وأشعر.. ربما تلك الشهية المكبوتة والمقموعة بالحياء جعلتني أحب هذه الوجبة إلى اليوم واشتهيها بلهفة أشد..
لاحظ عبد الكريم هز
عندما يجتمع فيك الجوع والخجل!
احمد سيف حاشد
جعتُ كثيرا.. جالدت الفاقة والحاجة والعوَز.. عانيتُ من الهزال والضعف والضنك المُنهك للجسد والروح.. عشت سنوات طوال سوء التغذية، و“فقر الدم”، ومشكلات في الغدة الدرقية، وتورّمات مرضية في القدمين، فضلا عن الأميبيا والجارديا، ونوبات الحمى التي كانت تداهمني بين فترة وأخرى..
عندما تعتريني الحمى كان جسدي يستلذ ويستمتع بالبقاء تحت أشعة الشمس فترة أطول، وأتمنى أن تشتد حرارتها، ثم ما أن أفرغ منها، اكتشف أن الحمى تزداد وتشتد.. تستقوي وتستأسد على جسدي المنهك والهزيل.. أما ما يطلقون عليها في قريتي “شمس الميات” التي تودعنا بحمرتها وهي تذوي نحو الغروب فكانت تذكرني بسوء صحتي المتدهورة، وأخواتي الراحلات نور وسامية..
وفي مرحلة إعدادية القسم الداخلي بـ “طور الباحة” كانت وجبات القسم المقررة لا تكفيني أو تشبع جوعي إلا في حده الأدنى، لأستمر في حياة ضنكة ومنهكة، نقضي جلّها في صراع مرير، ورغبة مستميته من أجل استمرار البقاء بمعاناة ومشقة بالغة..
كانت أمي تواسيني ببعض النقود التي تجمعها لي بصعوبة ومحال، لتخفف عن كاهلي معاناة الجوع، وتحملني على البقاء والحياة من أجلي وأجلها، ومستقبل كان لا يزال غامضا ومجهولا.. وفي ثانوية القسم الداخلي في مدرسة "البروليتاريا" كان طلبة القسم الداخلي كثيرون، وكانت طوابير العشاء والغداء طويلة، وكان أحيانا ينفذ العشاء قبل أن أصل إليه، وأحيانا أدرك القليل منه، وقد أوشك على الانتهاء..
كنت مسكونا بالخجل والحياء الذي يمنعاني من المزاحمة، وتخطي من هم في الطابور قبلي، فيما كثيرون من الذين بعدي في الطابور يتخطونني بجرأة وصفاقة لأجد نفسي شيئا فشيئا آخر الطابور دون عشاء.. كنت أصل إلى قرب نافذة الاستحقاق، فأتفاجأ إن العشاء قد نفذ، وربما عند حسن الحظ أظفر بالقليل من القليل..
كنت أحيانا وبسبب خجلي أنام دون عشاء، أو أذهب أنا وصديقي محمد عبد الملك إلى أشجار “الديمن” التي تسيج جانبا من محيط المدرسة، لنقطف بعض ثمارها التي لم تنضج بعد، أو لازالت بعيدة عن النضوج.. كان الجوع أحيانا يضيِّق علينا، وكنا نتجه نحوها مضطرين، ولم نسمح لها بسبب جوعنا أن تبلغ ثمارها النضوج.. كان جوعنا أحد من المدية، وأسبق في القطاف، فيما هي تنشب بحّتها الخانقة، وأظافرها المحتجة في حناجرنا المحاصرة بالجوع.. لقد فقدت عون أمي، بسبب البعد وطول الغياب..
أحيانا كنت أذهب مع آخرين متسللا تحت جناح الليل إلى المزرعة البعيدة لأحصل على بعض حفن السمسم ونعرّج أحيانا على أشجار الليمون، لنقطف بعض حباتها، لنأكلها بقشرها، أو نستخدمها على وجباتنا لتحسينها وتحسين مذاق الفاصوليا المطبوخة على نحو رديء وسيء..
***
حللتُ ضيفا في إحدى العطل السنوية عند قريب لنا في عدن.. أظن أن نزولي إلى عدن يومها كان لعلاج مشكلة في الغدة الدرقية.. طبيب ألماني في مستشفى النصر شخّص حالتي، ولزمت فراش المستشفى فترة لم أعد أتذكر طولها، ولكنني خرجتُ من المستشفى وقد تعافيت.. واصلت الإقامة لبعض الوقت عند قريبنا عبد الكريم هزاع في حي القطيع بـ "كريتر".
في الغالب كانت وجبة الغداء الرئيسة لدى الأسرة التي أقمت لديها مكونة من الرز وسمك “الزينوب” و"الصانونة" و"العُشّار".. وجبة شهية جدا بمقياسي.. من يومها إلى اليوم وأنا أحب هذه الوجبة، واشتهيها.. المشكلة التي كنت أعاني منها هي خجلي والحياء الذي يحتلني ويتملكني إلى حد لا يصدق.. كنت لا آكل غير نصف حاجتي وأحيانا أقل من النصف بكثير..
في عدن معتادين، أو على الأقل مع الأسرة التي أقمت عندها، أن لا يتم تقديم الرز والسمك دفعة واحدة، حتى لا يرمون بفائض الوجبة الزائد عن الحاجة إلى كيس القمامة.. هي عادة حسنة ولكني يومها لم أفطن لها، ولم أكن أدرك سببها والحكمة منها.. كان كل ما تم اكمال ما في الصحن أو قبل انتهاء ما تم غرفه أولا، أغادر المائدة مباشرة، قبل أن يتم غرف كمية إضافية من دست الرز الموجود جوارنا إلى الصحن التي نأكل منه.. كنت أغادر المائدة بمجرد الانتهاء من التهام ما تم غرفه في المرة الأولى أو حتى قبل الانتهاء منها، فيما كانوا يعاودون الغرف مرات عديدة تصل إلى الثلاث والأربع غرفات.. فيما كان حرجي وخجلي هما من يحملاني على المغادرة وعدم الانتظار أو الالتفات إلى غَرفة ثانية.
بسبب خجلي وحيائي الغير طبيعيين كنت أغادر المائدة بمجرد أن يتم استغراق كمية الرز الأولى.. أما السمك فلا آكل منه إلا قليلا جدا، محكوما أيضا بخجلي وحيائي الشديد.. كنت ما استهلكه من السمك في كل لقمة لا يزيد عن حجم حبة الذرة أو نصف عجرة التمر إن بالغت في جُرأتي رغم وفرته، فضلا إن بعض لقيماتي كانت لا تصطحب سمكا بهذا الحجم أو ذاك، فيما كانت شهيتي الحقيقية إن أطلقت عقالها وعنانها لا يكفيها وجبة خمستهم من الرز والسمك و"العشّار"، أو هكذا أخال وأشعر.. ربما تلك الشهية المكبوتة والمقموعة بالحياء جعلتني أحب هذه الوجبة إلى اليوم واشتهيها بلهفة أشد..
لاحظ عبد الكريم هز
اع وهو رب الأسرة طغيان الحياء والخجل في يدي ووجهي وهيئتي، وبدلا من الحاحه أن أرمي حيائي وخجلي بعيدا عن مأكلي، عالج الأمر بطريقة “داوها بالتي هي كانت هي الداء”.. كانت طريقته بديعة وعلى غير ما هو متوقع أو معهود بين الناس.. فبدلا من أن يلح عليّ بأكل قطع السمك قال: "أحمد لا يعجبه السمك".. تظاهرت بموافقة لما قاله وبديت تعففي تماما عن أكل السمك.. ولم آكل سمكا في الأيام التاليات بمبرر أنني لا آكل السمك.. صرت نباتيا في سفرة وحضرة السمك..
وعندما طبخوا "زربيان" لحم وهي وجبة لذيذة، وقبل أن أمد يدي لتناول فرتيت منه، بادر بقوله: ((أحمد لا يحب لحم "الزربيان")).. فقلت بحياء وخجل: ((أيوه .. أنا ما يعجبناش لحم "الزربيان")).. تعمّدتُ تحت تأثير قوله إلى حرمان نفسي من "الزربيان" أيضا، رغم رائحته التي كانت تشويني حيّا، وتشرِّح شهيتي، وتصلبني في دواخلي وأعماقي بصمت وخفية..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تكرر بعدها مع الدجاج؛ حيث قال قبل أن أمد يدي إليها: "أحمد ما يأكلش لحم الدجاج".. فكابرت وأخبرتهم بالموافقة، وشهدت زورا على نفسي أنه لا يعجبني لحم الدجاج..
وفي اليوم الذي يليه قال وقبل أن أمد يدي إلى الغداء: أحمد لا يعجبه الرز والصانونة والعشار.. ساعتها شعرت أنه حشرني في زاوية أنا وحيائي وخجلي ودفعني نحو خيار مستحيل لا استطيع أن أجاريه.. ضحك خمستهم بقهقهة وكأنهم كانوا على موعد معها إثر ما قال، وشعرت أن ما يفعله كان بدافع دفعي إلى مغادرة خجلي وحيائي، وأن احتفظ بما هو مقدورا عليه ومعقول..
رديت عليه هذه المرة بحسم:
- يعجبني كل شيء..
***
..........................................
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
وعندما طبخوا "زربيان" لحم وهي وجبة لذيذة، وقبل أن أمد يدي لتناول فرتيت منه، بادر بقوله: ((أحمد لا يحب لحم "الزربيان")).. فقلت بحياء وخجل: ((أيوه .. أنا ما يعجبناش لحم "الزربيان")).. تعمّدتُ تحت تأثير قوله إلى حرمان نفسي من "الزربيان" أيضا، رغم رائحته التي كانت تشويني حيّا، وتشرِّح شهيتي، وتصلبني في دواخلي وأعماقي بصمت وخفية..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تكرر بعدها مع الدجاج؛ حيث قال قبل أن أمد يدي إليها: "أحمد ما يأكلش لحم الدجاج".. فكابرت وأخبرتهم بالموافقة، وشهدت زورا على نفسي أنه لا يعجبني لحم الدجاج..
وفي اليوم الذي يليه قال وقبل أن أمد يدي إلى الغداء: أحمد لا يعجبه الرز والصانونة والعشار.. ساعتها شعرت أنه حشرني في زاوية أنا وحيائي وخجلي ودفعني نحو خيار مستحيل لا استطيع أن أجاريه.. ضحك خمستهم بقهقهة وكأنهم كانوا على موعد معها إثر ما قال، وشعرت أن ما يفعله كان بدافع دفعي إلى مغادرة خجلي وحيائي، وأن احتفظ بما هو مقدورا عليه ومعقول..
رديت عليه هذه المرة بحسم:
- يعجبني كل شيء..
***
..........................................
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
يكفي ثورة 26 سبتمبر 1962
إنها نقلت اليمن من الحكم الوراثي إلى الحكم الجمهوري
هذا بمفرده يجعلها ثورة بكل المقاييس
إنها نقلت اليمن من الحكم الوراثي إلى الحكم الجمهوري
هذا بمفرده يجعلها ثورة بكل المقاييس
إذا استطاعوا اغتيال ثورة 26سبتمبر
بعد سنوات قليلة من انتصارها
فإنهم لم ولن يستطيعوا اغتيال الوعي بها طيلة 58 عام بل إلى أن يبعثون
بعد سنوات قليلة من انتصارها
فإنهم لم ولن يستطيعوا اغتيال الوعي بها طيلة 58 عام بل إلى أن يبعثون
يكفي ثورة 26 سبتمبر على صعيد الوعي باتت تعرّي خصومها
وتفضح تخلّفهم وحقدهم الدميم
بل وتكشفهم على نحو غير مسبوق لمستقبل آتي لا محالة
وتفضح تخلّفهم وحقدهم الدميم
بل وتكشفهم على نحو غير مسبوق لمستقبل آتي لا محالة
ينالون من ثورة 26 سبتمبر ليس من أجل ثورة أكثر جذرية وأطول عمرا
ولكن من أجل إعادة وتكريس التخلف والاستبداد بصورة أكثر توحشا ورعبا
ولكن من أجل إعادة وتكريس التخلف والاستبداد بصورة أكثر توحشا ورعبا
يريدون أن يسوقون لاستبدادهم تحت عنوان إخفاق ثورة 26 سبتمبر في تحقيق أهدافها
العاقل لا يلدغ من الجحر مرتين يا هؤلاء..
لا تسمحوا أن يمكروا بنا للمرة العاشرة..
العاقل لا يلدغ من الجحر مرتين يا هؤلاء..
لا تسمحوا أن يمكروا بنا للمرة العاشرة..
ثورة 26 سبتمبر في وعينا هي:
ضد التخلف
ضد الاستبداد
ضد الاحتلال
ضد العدوان
ضد الارتهان
ضد التخلف
ضد الاستبداد
ضد الاحتلال
ضد العدوان
ضد الارتهان
ثورة 26 سبتمبر ليست أول ثورة تُهزم بعد انتصار..
وإذا لم تحقق أهدافها لا يعني إنها ملعونة وإلا صرنا أوباشا نطعن في دماء الشهداء الميامين ونسفّه أحلامهم وأحلامنا في مستقبل أفضل..
الملعون هو من يريد أن يعيد الاستبداد والتخلف تحت عنوان إخفاقها..
لسنا أغبياء ولا قاصرين لتضحكوا علينا..
لقد شربنا كل المرارات وشببنا عن الطوق..
وإذا لم تحقق أهدافها لا يعني إنها ملعونة وإلا صرنا أوباشا نطعن في دماء الشهداء الميامين ونسفّه أحلامهم وأحلامنا في مستقبل أفضل..
الملعون هو من يريد أن يعيد الاستبداد والتخلف تحت عنوان إخفاقها..
لسنا أغبياء ولا قاصرين لتضحكوا علينا..
لقد شربنا كل المرارات وشببنا عن الطوق..
ما يقال عن ثورة 26 سبتمبر يقال أيضا عن الأحزاب التي أخفقت في منع الحرب بل أنجرت للمقامرة بالوطن حد الخيانة غير أن هذا لا يعني أن نسمح أن يكون الاستبداد بديلا لها
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها
غير ان الأهم هو أن لا نسمح للاستبداد أن يكون بديلا لها يملا فراغها..
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها..
إلا أن المحال أن يكون الاستبداد هو البديل الذي نبحث عنه، وهو ما ينتظره الخبثاء أو يحاولون التهيئة له في الوعي مستغلين ذلك الفشل..
يجب أن لا نلدغ من الجحر لمرة أخرى أكثر فداحة ..
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها
غير ان الأهم هو أن لا نسمح للاستبداد أن يكون بديلا لها يملا فراغها..
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها..
إلا أن المحال أن يكون الاستبداد هو البديل الذي نبحث عنه، وهو ما ينتظره الخبثاء أو يحاولون التهيئة له في الوعي مستغلين ذلك الفشل..
يجب أن لا نلدغ من الجحر لمرة أخرى أكثر فداحة ..
استفتاء سبتمبري
احمد سيف حاشد
الذكرى الـ 58 لثورة 26 سبتمبر في وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمثابة استفتاء شامل حيال هذه الثورة بين مواطنيها على مختلف توجهاتهم ومشاربهم وانتمائتهم..
بل هو أنحيازا وتعبيرا صادقا بالانتماء الاصيل لها.
هناك خلاصات كثيرة يمكن أن يدركها الفطن من هذا الاستفتاء الذي يستحق الوقوف أمامه مطولا، والتأمل العميق فيه، والفهم والإداراك لتلك الخلاصات التي تفرض نفسها على الحاضر بقوة بعد ٥٨ عام من انطلاقها.
كثيرون هم الذين شعرون أن الثورة كأنها قامت اليوم أو في الأمس القريب لا قبل 58 عام.. فرح يستحق، وحنين وثاب يزداد ويستمر، واثبات مؤكد أن ثورة 26 سبتمبر لم تمت في وجدان الناس، بل على العكس.. تزداد ألقا واحتشادا واشتياقا مع كل عام يمر..
إنها ثورة متجذرة في وعينا منذ قيامها وضاربة في أعماقنا يستحيل على أي كان مصادرتها أو قمعها أو اختطافها من وعينا المتجذرة فيه..
"اعتبروا يا أولى الألباب"..
احمد سيف حاشد
الذكرى الـ 58 لثورة 26 سبتمبر في وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمثابة استفتاء شامل حيال هذه الثورة بين مواطنيها على مختلف توجهاتهم ومشاربهم وانتمائتهم..
بل هو أنحيازا وتعبيرا صادقا بالانتماء الاصيل لها.
هناك خلاصات كثيرة يمكن أن يدركها الفطن من هذا الاستفتاء الذي يستحق الوقوف أمامه مطولا، والتأمل العميق فيه، والفهم والإداراك لتلك الخلاصات التي تفرض نفسها على الحاضر بقوة بعد ٥٨ عام من انطلاقها.
كثيرون هم الذين شعرون أن الثورة كأنها قامت اليوم أو في الأمس القريب لا قبل 58 عام.. فرح يستحق، وحنين وثاب يزداد ويستمر، واثبات مؤكد أن ثورة 26 سبتمبر لم تمت في وجدان الناس، بل على العكس.. تزداد ألقا واحتشادا واشتياقا مع كل عام يمر..
إنها ثورة متجذرة في وعينا منذ قيامها وضاربة في أعماقنا يستحيل على أي كان مصادرتها أو قمعها أو اختطافها من وعينا المتجذرة فيه..
"اعتبروا يا أولى الألباب"..
تغاريد غير مشفرة
(1)
يكفي ثورة 26 سبتمبر 1962 إنها نقلت اليمن من الحكم الوراثي إلى الحكم الجمهوري
هذا بمفرده يجعلها ثورة بكل المقاييس..
(2)
إذا استطاعوا اغتيال ثورة 26سبتمبر بعد سنوات قليلة من انتصارها
فإنهم لم ولن يستطيعوا اغتيال الوعي بها طيلة 58 عام بل إلى يوم يبعثون
(3)
يكفي ثورة 26 سبتمبر على صعيد الوعي باتت تعرّي خصومها
وتفضح تخلّفهم وحقدهم الدميم
بل وتكشفهم على نحو غير مسبوق لمستقبل آتي لا محالة
(4)
ينالون من ثورة 26 سبتمبر ليس من أجل ثورة أكثر جذرية وأطول عمرا
ولكن من أجل إعادة وتكريس التخلف والاستبداد بصورة أكثر توحشا ورعبا
(5)
ثورة 26 سبتمبر في وعينا هي:
ضد التخلف
ضد الاستبداد
ضد الاحتلال
ضد العدوان
ضد الارتهان
(6)
ثورة 26 سبتمبر ليست أول ثورة تُهزم بعد انتصار..
وإذا لم تحقق أهدافها لا يعني إنها ملعونة وإلا صرنا أوباشا نطعن في دماء الشهداء الميامين ونسفّه أحلامهم وأحلامنا في مستقبل أفضل..
الملعون هو من يريد أن يعيد الاستبداد والتخلف تحت عنوان إخفاقها..
لسنا أغبياء ولا قاصرين لتضحكوا علينا..
لقد شربنا كل المرارات وشببنا عن الطوق..
(7)
يريدون أن يسوقون لاستبدادهم تحت عنوان إخفاق ثورة 26 سبتمبر في تحقيق أهدافها
العاقل لا يلدغ من الجحر مرتين يا هؤلاء..
لا تسمحوا أن يمكروا بنا للمرة العاشرة..
(8)
ما يقول عن ثورة 26 سبتمبر يقال أيضا على الأحزاب التي أخفقت في منع الحرب بل أنجرت للمقامرة بالوطن غير أن هذا لا يعني أن نسمح أن يكون الاستبداد بديلا لها
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها
غير ان الأهم هو أن لا نسمح للاستبداد أن يكون بديلا لها يملا فراغها..
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها..
إلا أن المحال أن يكون الاستبداد هو البديل الذي نبحث عنه، وهو ما ينتظره الخبثاء أو يحاولون التهيئة له في الوعي مستغلين ذلك الفشل..
يجب أن لا نلدغ من الجحر لمرة أخرى أكثر فداحة ..
(1)
يكفي ثورة 26 سبتمبر 1962 إنها نقلت اليمن من الحكم الوراثي إلى الحكم الجمهوري
هذا بمفرده يجعلها ثورة بكل المقاييس..
(2)
إذا استطاعوا اغتيال ثورة 26سبتمبر بعد سنوات قليلة من انتصارها
فإنهم لم ولن يستطيعوا اغتيال الوعي بها طيلة 58 عام بل إلى يوم يبعثون
(3)
يكفي ثورة 26 سبتمبر على صعيد الوعي باتت تعرّي خصومها
وتفضح تخلّفهم وحقدهم الدميم
بل وتكشفهم على نحو غير مسبوق لمستقبل آتي لا محالة
(4)
ينالون من ثورة 26 سبتمبر ليس من أجل ثورة أكثر جذرية وأطول عمرا
ولكن من أجل إعادة وتكريس التخلف والاستبداد بصورة أكثر توحشا ورعبا
(5)
ثورة 26 سبتمبر في وعينا هي:
ضد التخلف
ضد الاستبداد
ضد الاحتلال
ضد العدوان
ضد الارتهان
(6)
ثورة 26 سبتمبر ليست أول ثورة تُهزم بعد انتصار..
وإذا لم تحقق أهدافها لا يعني إنها ملعونة وإلا صرنا أوباشا نطعن في دماء الشهداء الميامين ونسفّه أحلامهم وأحلامنا في مستقبل أفضل..
الملعون هو من يريد أن يعيد الاستبداد والتخلف تحت عنوان إخفاقها..
لسنا أغبياء ولا قاصرين لتضحكوا علينا..
لقد شربنا كل المرارات وشببنا عن الطوق..
(7)
يريدون أن يسوقون لاستبدادهم تحت عنوان إخفاق ثورة 26 سبتمبر في تحقيق أهدافها
العاقل لا يلدغ من الجحر مرتين يا هؤلاء..
لا تسمحوا أن يمكروا بنا للمرة العاشرة..
(8)
ما يقول عن ثورة 26 سبتمبر يقال أيضا على الأحزاب التي أخفقت في منع الحرب بل أنجرت للمقامرة بالوطن غير أن هذا لا يعني أن نسمح أن يكون الاستبداد بديلا لها
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها
غير ان الأهم هو أن لا نسمح للاستبداد أن يكون بديلا لها يملا فراغها..
بإمكاننا أن نحاكم قيادة تلك الأحزاب
بإمكاننا نعيد صياغة تلك الأحزاب
بإمكاننا أن نشكل أحزاب جديدة بديلا عنها..
إلا أن المحال أن يكون الاستبداد هو البديل الذي نبحث عنه، وهو ما ينتظره الخبثاء أو يحاولون التهيئة له في الوعي مستغلين ذلك الفشل..
يجب أن لا نلدغ من الجحر لمرة أخرى أكثر فداحة ..
استفتاء سبتمبري
احمد سيف حاشد
الذكرى الـ 58 لثورة 26 سبتمبر في وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمثابة استفتاء شامل حيال هذه الثورة بين مواطنيها على مختلف توجهاتهم ومشاربهم وانتمائتهم..
بل هو أنحيازا وتعبيرا صادقا بالانتماء الاصيل لها.
هناك خلاصات كثيرة يمكن أن يدركها الفطن من هذا الاستفتاء الذي يستحق الوقوف أمامه مطولا، والتأمل العميق فيه، والفهم والإداراك لتلك الخلاصات التي تفرض نفسها على الحاضر بقوة بعد ٥٨ عام من انطلاقها.
كثيرون هم الذين شعروا أن الثورة كأنها قامت اليوم أو في الأمس القريب لا قبل 58 عام.. فرح يستحق، وحنين وثاب يزداد ويستمر، واثبات مؤكد أن ثورة 26 سبتمبر لم تمت في وجدان الناس، بل على العكس.. تزداد ألقا واحتشادا واشتياقا مع كل عام يمر..
إنها ثورة متجذرة في وعينا منذ قيامها وضاربة في أعماقنا يستحيل على أي كان مصادرتها أو قمعها أو اختطافها من وعينا المتجذرة فيه..
"اعتبروا يا أولى الألباب"..
احمد سيف حاشد
الذكرى الـ 58 لثورة 26 سبتمبر في وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمثابة استفتاء شامل حيال هذه الثورة بين مواطنيها على مختلف توجهاتهم ومشاربهم وانتمائتهم..
بل هو أنحيازا وتعبيرا صادقا بالانتماء الاصيل لها.
هناك خلاصات كثيرة يمكن أن يدركها الفطن من هذا الاستفتاء الذي يستحق الوقوف أمامه مطولا، والتأمل العميق فيه، والفهم والإداراك لتلك الخلاصات التي تفرض نفسها على الحاضر بقوة بعد ٥٨ عام من انطلاقها.
كثيرون هم الذين شعروا أن الثورة كأنها قامت اليوم أو في الأمس القريب لا قبل 58 عام.. فرح يستحق، وحنين وثاب يزداد ويستمر، واثبات مؤكد أن ثورة 26 سبتمبر لم تمت في وجدان الناس، بل على العكس.. تزداد ألقا واحتشادا واشتياقا مع كل عام يمر..
إنها ثورة متجذرة في وعينا منذ قيامها وضاربة في أعماقنا يستحيل على أي كان مصادرتها أو قمعها أو اختطافها من وعينا المتجذرة فيه..
"اعتبروا يا أولى الألباب"..
عندما يتحول الظلم الواقع عليك إلى عقدة عميقة في وعيك الباطن تناقض ما هو إنساني وسوي، ثم تظل عالقا بعقدتك، تكون قد وقعت في حال أسوأ مما وقع به الظالم، وصرت ترتكب الظلم أكثر مما أرتكبه الظالم عليك..
عقد الظلم تحوّل المظلوم إلى جلاد أكبر من الجلاد الذي ظلمه..
عقد الظلم تحوّل المظلوم إلى جلاد أكبر من الجلاد الذي ظلمه..