قناة أحمد عبد المنعم
109K subscribers
334 photos
76 videos
56 files
393 links
خزانة شخصية أجمعها لوقت الحاجة
Download Telegram
«مجموع الفتاوى» (6/ 57):

«فالعلم بوجوب الواجبات كمباني الإسلام الخمس وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة كالعلم بأن الله على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وأنه سميع بصير وأن القرآن كلام الله ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة؛ ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر كما أن من جحد هذه كفر.

وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية أوجب من الإقرار بالقضايا القولية؛ بل هذا هو الغالب فإن القضايا القولية يكفي فيها الإقرار بالجمل؛ وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره. وأما الأعمال الواجبة: فلا بد من معرفتها على التفصيل؛ لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مفصلة؛ ولهذا تقر الأمة من يفصلها على الإطلاق وهم الفقهاء؛ وإن كان قد ينكر على من يتكلم في تفصيل الجمل القولية؛ للحاجة الداعية إلى تفصيل الأعمال الواجبة وعدم الحاجة إلى تفصيل الجمل التي وجب الإيمان بها مجملة.

وقولنا: إنها قد تكون بمنزلتها يتضمن أشياء: (منها: أنها تنقسم إلى قطعي وظني. و (منها: أن المصيب وإن كان واحدا فالمخطئ قد يكون معفوا عنه وقد يكون مذنبا وقد يكون فاسقا وقد يكون كالمخطئ في الأحكام العملية سواء؛ لكن تلك لكثرة فروعها والحاجة إلى تفريعها: اطمأنت القلوب بوقوع التنازع فيها والاختلاف بخلاف هذه؛ لأن الاختلاف هو مفسدة لا يحتمل إلا لدرء ما هو أشد منه. فلما دعت الحاجة إلى تفريع الأعمال وكثرة فروعها وذلك مستلزم لوقوع النزاع اطمأنت القلوب فيها إلى النزاع؛ بخلاف الأمور الخبرية؛ فإن الاتفاق قد وقع فيها على الجمل؛ فإذا فصلت بلا نزاع فحسن؛ وإن وقع التنازع في تفصيلها فهو مفسدة من غير حاجة داعية إلى ذلك.
ولهذا ذم أهل الأهواء والخصومات وذم أهل الجدل في ذلك والخصومة فيه؛ لأنه شر وفساد من غير حاجة داعية إليه؛

لكن هذا القدر لا يمنع تفصيلها ومعرفة دقها وجلها، والكلام في ذلك إذا كان بعلم ولا مفسدة فيه ولا يوجب أيضا تكفير كل من أخطأ فيها إلا أن تقوم فيه شروط التكفير.
لشيخ الإسلام ابن تيمية عناية ظاهرة بمقاصد السور الكبرى، وسأنقل بعض كلامه في بعض السور: فقد عرض مقاصد سورة البقرة عرضا بديعا في سبع صفحات تحت عنوان: ما اشتملت عليه من تقرير أصول العلم، وختمها بقوله: (فتدبر تناسب القرآن وارتباط بعضه ببعض) (٤٦/١٣)
وقال سورتي الأنعام والأعراف: (وقد جمع سبحانه في هذه السورة وفي الأنعام وفي غيرهما ذنوب المشركين في نوعين: أحدهما: أمر بما لم يأمر الله به كالشرك ونهي عما لم ينه الله عنه كتحريم الطيبات. فالأول: شرع من الدين ما لم يأذن به الله. والثاني: تحريم لما لم يحرمه الله) (٨٦/١).
وقال في سورة مريم: (فهذه السورة " سورة المواهب " وهي ما وهبه الله لأنبيائه من الذرية الطيبة والعمل الصالح والعلم النافع). (٢٣١/١٥)
وقال في سورتي مريم وطه: (سورة طه " مضمونها تخفيف أمر القرآن وما أنزل الله تعالى من كتبه فهي " سورة كتبه " - كما أن مريم " سورة عباده ورسله) (٢٣٧/١٥).
وقال في سورة الأنبياء: (سورة الأنبياء " سورة الذكر وسورة الأنبياء الذين عليهم نزل الذكر).(٢٦٥/١٥).
وقال في سورة القلم: (سورة (ن) هي سورة " الخلُق " الذي هو جماع الدين الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى فيها: {وإنك لعلى خلق عظيم}) (٦١/١٦).
وكثيرا ما يكرر مقاصد سورتي الإخلاص: الكافرون والإخلاص في عدد من كتبه.
(كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ ۝٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ)

والمَعْنى: أنَّ ما قالَهُ أبُو جَهْلٍ ناشِئٌ عَنْ طُغْيانِهِ بِسَبَبِ غِناهُ كَشَأْنِ الإنْسانِ.

والتَّعْرِيفُ في الإنْسانِ لِلْجِنْسِ، أيْ: مِن طَبْعِ الإنْسانِ أنْ يَطْغى إذا أحَسَّ مِن نَفْسِهِ الِاسْتِغْناءَ،

واللّامُ مُفِيدَةٌ الِاسْتِغْراقَ العُرْفِيَّ، أيْ: أغْلَبُ النّاسِ في ذَلِكَ الزَّمانِ إلّا مَن عَصَمَهُ خُلُقُهُ أوْ دِينُهُ
.

والتَّقْدِيرُ: إنَّ الإنْسانَ لِيَطْغى لِرُؤيَتِهِ نَفْسِهِ مُسْتَغْنِيًا.


وعِلَّةُ هَذا الخُلق: أنَّ الِاسْتِغْناءَ تُحَدِّثُ صاحِبَهُ نَفْسُهُ بِأنَّهُ غَيْرُ مُحْتاجٍ إلى غَيْرِهِ، وأنَّ غَيْرَهُ مُحْتاجٌ؛ فَيَرى نَفْسَهُ أعْظَمَ مِن أهْلِ الحاجَةِ، ولا يَزالُ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ يَرْبُو في نَفْسِهِ حَتّى يَصْبُوَ خُلُقًا، حَيْثُ لا وازِعَ يَزَعُهُ مِن دِينٍ أوْ تَفْكِيرٍ صَحِيحٍ؛ فَيَطْغى عَلى النّاسِ لِشُعُورِهِ بِأنَّهُ لا يَخافُ بَأْسَهم؛ لِأنَّ لَهُ ما يَدْفَعُ بِهِ الِاعْتِداءَ مِن لامَةِ سِلاحٍ وخَدَمٍ وأعْوانٍ وعُفاةٍ ومُنْتَفِعِينَ بِمالِهِ مِن شُرَكاءَ وعُمّالٍ وأُجَراءَ فَهو في عِزَّةٍ عِنْدَ نَفْسِهِ.

فَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ الآيَةُ حَقِيقَةً نَفْسِيَّةً عَظِيمَةً مِنَ الأخْلاقِ وعِلْمِ النَّفْسِ، ونَبَّهَتْ عَلى الحَذَرِ مِن تَغَلْغُلِها في النَّفْسِ
.
....
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعى﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ المُقَدِّمَةِ والمَقْصِدِ والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ، أيْ: مَرْجِعُ الطّاغِي إلى الله،

وهَذا مَوْعِظَةٌ وتَهْدِيدٌ عَلى سَبِيلِ التَّعْرِيضِ لِمَن يَسْمَعُهُ مِنَ الطُّغاةِ، وتَعْلِيمٌ لِلنَّبِيءِ ﷺ وتَثْبِيتٌ لَهُ، أيْ: لا يَحْزُنْكَ طُغْيانُ الطّاغِي فَإنَّ مَرْجِعَهُ إلَيَّ، ومَرْجِعُ الطّاغِي إلى العَذابِ،

قالَ تَعالى: ﴿إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا لِلطّاغِينَ مَآبًا) وهو مَوْعِظَةٌ لِلطّاغِي بِأنَّ غِناهُ لا يَدْفَعُ عَنْهُ المَوْتَ، والمَوْتُ: رُجُوعٌ إلى الله كَقَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾.

وفِيهِ مَعْنًى آخَرَ وهو أنَّ اسْتِغْناءَهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ؛ لِأنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلى الله في أهَمِّ أُمُورِهِ ولا يَدْرِي ماذا يُصَيِّرُهُ إلَيْهِ رَبُّهُ مِنَ العَواقِبِ فَلا يَزِدْهُ بِغِنًى زائِفٍ في هَذِهِ الحَياةِ فَيَكُونُ الرُّجْعى مُسْتَعْمَلًا في مَجازِهِ، وهو الِاحْتِياجُ إلى المَرْجُوعِ إلَيْهِ،

وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِـ (إنَّ) مُراعًى فِيهِ المَعْنى التَّعْرِيضِيُّ؛ لِأنَّ مُعْظَمَ الطُّغاةِ يَنْسُونَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ بِحَيْثُ يُنْزِلُونَ مَنزِلَةَ مَن يُنْكِرُها
.

ابن عاشور
القرآن يختار للإنسان معاركَه، ويرسم له ميادينها، ويرشده إلى أسلحتها ودروعها، ويَزِن له همومه ومشاغله، وأفراحه وآلامه وآماله ومخاوفه، ويصرفه عن بٌنيّات الطريق كلما جرّته الحياة إليها، ويجدد ذلك في نفسه بقدر تعلّق الإنسان بمعاني القرآن ومقاصده، وهذا كله من معاني كونه نورًا وهدى وشفاء!
وكأنه ليس وراء التكرّم بإفادة الفوائد العلمية تكرّم، حيث قال: (الأكرم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فدلّ على كمال كرمه بأنه علّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم.

الزمخشري
«مجموع الفتاوى» (3/ 181):

«فلما اجتمعنا: وقد أحضرت ما كتبته من الجواب عن أسئلتهم المتقدمة الذي طلبوا تأخيره إلى اليوم: حمدت الله بخطبة الحاجة، خطبة ابن مسعود رضي الله عنه ثم قلت: إن الله تعالى أمرنا بالجماعة والائتلاف ونهانا عن الفرقة والاختلاف. وقال لنا في القرآن: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقال: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} وقال: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}، وربنا واحد وكتابنا واحد ونبينا واحد، وأصول الدين لا تحتمل التفرق والاختلاف، وأنا أقول ما يوجب الجماعة بين المسلمين وهو متفق عليه بين السلف، فإن وافق الجماعة فالحمد لله، وإلا فمن خالفني بعد ذلك: كشفت له الأسرار وهتكت الأستار وبينت المذاهب الفاسدة التي أفسدت الملل والدول، وأنا أذهب إلى سلطان الوقت على البريد وأعرفه من الأمور ما لا أقوله في هذا المجلس فإن للسلم كلاما وللحرب كلاما.

وقلت: لا شك أن الناس يتنازعون، يقول هذا أنا حنبلي ويقول هذا أنا أشعري ويجري بينهم تفرق وفتن واختلاف على أمور لا يعرفون حقيقتها.
.... رجال صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ. .﴾ [الأحزاب: ٢٣]

وساعة تسمع كلمة ﴿رِجَالٌ. .﴾ في القرآن، فاعلم أن المقام مقام جدٍّ وثبات على الحق، وفخر بعزائم صلْبة لا تلين، وقلوب رسخ فيها الإيمان رسوخ الجبال، وهؤلاء الرجال وَفَّوا العهد الذي قطعوه أمام الله على أنفسهم، بأنْ يبلُوا في سبيل نصرة الإسلام، ولو يصل الأمر إلى الشهادة.

وقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ. .﴾ قضى نحبه: أي أدَّى العهد ومات، والنحب في الأصل هو النذر، فالمراد: أدى ما نذره، أو ما عاهد الله عليه من القتال، ثم اسْتُعمِلَت (النحب) بمعنى الموت.

لكن، ما العلاقة بين النذر والموت؟ قالوا: المعنى إذا نذرتَ فاجعل الحياةَ ثمنًا للوفاء بهذا النذر، وجاء هذا التعبير ﴿فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ. .﴾ لتعلم أن الموت يجب أن يكون منك نذرًا. أي: انذر لله أنْ تموت، لكن في نُصْرة الحق وفي سبيل الله، فكأن المؤمن هو الذي ينذر نفسه وروحه لله، وكأن الموت عنده مطلوب ليكون في سبيل الله.

فالمؤمن حين يستصحب مسألة الموت ويستقرئها يرى أن جميع الخَلْق يموتون من لُدن آدم حتى الآن؛ لذلك تهون عليه حياته ما دامت في سبيل الله، فينذرها ويقدمها لله عن رضا، ولِمَ لا وقد ضحيتَ بحياة، مصيرها إلى زوال، واشتريتَ بها حياة باقية خالدة مُنعَّمة.

وحق للمؤمن أن ينذر نفسه، وأن يضحي بها في سبيل الله؛ لأن الله يقول: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بمآ آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين﴾ [آل عمران: ١٦٩ - ١٧١]


(الشعراوي)
Forwarded from أحمد وجيه
‏كما أن من الأعمال ما يكون على وفق السنّة ومنها ما يكون مبتدَعًا فكذلك المعارف منها ما يكون على جادّة السنّة ومنها ما يكون مبتدَعًا.
وللشيطان مداخل على العبد في معارفه كما أن له عليه مداخلَ في أعماله.
وعلى المسلم أن يتحرّى السنّة في معارفه كما عليه أن يتحرّاها في أعماله، فليس ثمت عاصم وراء الاستمساك بهُدى الله وسبيل رسوله، وما كان من المعارف معارضًا لهُدى الله فليس هو علمًا، بل شرّ وضلال وبدعة.
وكم من مسألة تكون بدعةً يزيّنها الشيطان ويلبسها لباس العلم والتحقيق فيضلّ بها عالم أو متعلّم، ويلقي في نفسه نشرَها والذود عنها، فإذا هو أحياها وأذاعها في الناس وهو مأمور بخلاف ذلك، ثم بعد ذلك تنتشر بين الناس ويكون خلافٌ وفسادٌ وشرّ.
كان بعض مشايخنا يُقرئ الطلاب كتب المروءات قبل كتب التأصيل العلمي، ككتب ابن المرزُبان، وابن حبان، والثعالبي وغيرها، لما في تلك الكتب من تربية الطالب على الشهامة، وإعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وترك السفالة، والرذالة.

وما تراه في الساحة العلمية وغيرها من التنابز بالألقاب، والتعيير بالسوابق، وكشف الأسرار، وتقويل الناس مالم يقولوه ليس إلا من ترك تقويم النفس بالمروءات والفتوات، وقد قيل: لو كانت المروءة سهلة لسبق إليها اللئام.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) ﴾

يقول تعالى ذكره: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ وذلك يوم القيامة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله في الدنيا ﴿مِنَ الْكُفَّارِ﴾ فيها ﴿يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم وهم في الجنة، والكفار في النار يعذّبون.

* ذكر من قال ذلك:

⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ قال: يعني: السُّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدّو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَوَاءِ الجَحِيم﴾ أي في وسط النار، وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.

(الطبري)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ

أَيِ اخْتَارَكُمْ لِلذَّبِّ عَنْ دِينِهِ وَالْتِزَامِ أَمْرِهِ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالْمُجَاهَدَةِ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجَاهِدُوا لِأَنَّ الله اخْتَارَكُمْ لَهُ.

القرطبي
وفي قولِه تعالى: ﴿تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ألاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ﴾ أنّ النَّفْسَ الصادقةَ تَحزَنُ على فَوْتِ الخيرِ لها، ولو كانَتْ مأجورةً عليه بلا عَمَلٍ، لقَصْدِها وعَجْزِها، وهذا يكونُ فيمَن عَظُمَ إيمانُه.

وقد ذكَرَ اللهُ الباكينَ الذين لا يَجِدُونَ مَحمَلًا يَحمِلُهم إلى الجهادِ في سِياقِ المدحِ لهم، وبِمِقْدارِ قوَّةِ إيمانِ العبدِ يكونُ حزنُهُ على ما فاتَهُ مِن الطاعةِ، وكلَّما ضَعُفَ إيمانُهُ، قَلَّ تأثُّرُهُ، حتّى يَبلُغَ بالمنافِقِ الفرَحُ بفَوْتِ الطاعةِ وعُذْرِهِ بتَرْكِها، ولهذا قال الله عن المؤمنينَ: ﴿تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾، وقال عن المُنافِقينَ: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾، فالعبادةُ واحدةٌ، ولكنَّ المؤمِنَ حزينٌ على فَواتِها، والمُنافِقَ راضٍ فَرِحٌ بذلك.

وفي الآيةِ: عِظَمُ الإيمانِ باللهِ وأثَرُهُ على بيعِ النفوسِ له، فيَبْكونَ أنّهم لا يَجِدُونَ مَن يأخُذُ نفوسَهُمْ إلى حيثُ مَصْرَعُها في جَنْبِ اللهِ.

واللهُ لم يَمْدَحْهم لمجرَّدِ الحَزَنِ، وإنّما لأنّ الجالِبَ له محمودٌ، وهو حُبُّ الطاعةِ وكَراهةُ فَوْتِها، ولا يَبْكي على فَوْتِ الطاعةِ إلاَّ قويُّ الإيمانِ باللهِ، كما بَكى الصحابةُ ألاَّ يَجِدُوا ما يَحمِلُهم معَهُ في سبيلِ اللهِ، وفرقٌ بينَ المؤمِنِ والمُنافِقِ، فالمؤمِنُ يُريدُ الجهادَ وهو عاجزٌ، ويَبْكِي إنْ لم يَجِدْ، والمنافِقُ يَعتذِرُ وهو غنيٌّ ويَفرَحُ لعُذْرِه: ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وهُمْ أغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾
.

الطريفي
القول في تأويل قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ الله وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم﴾، حاضًّا على جهادهم: ﴿أم حسبتم﴾ أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها، وبغير اختبار يختبركم به، فيعرف الصادقَ منكم في دينه من الكاذب فيه.

﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا﴾ ، يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيِّعين أمرَ الله في ذلك المفرِّطين.

﴿ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله﴾ ، يقول: ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين ﴿وليجة﴾، وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم.

﴿والله خبير بما تعملون﴾ يقول: والله ذو خبرة بما تعملون،من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياءَ وبطانةً، بعد ما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا.

(الطبري)
Audio
🎧تسجيل لقاء الليلة:
الدعاء ونزغات الشيطان | د.أحمد عبد المنعم

إحالات اللقاء:
درس النظر إلى السماء (1)
درس النظر إلى السماء (2) | محررًا
مقطع: تعجبات ملك

#هو_اجتباكم
#إنه_القرآن
خاطَبَ اللهُ المؤمِنِينَ وأَمَرَهُمْ بالعدلِ والقسطِ وألاَّ ينتصِرُوا لأنفسِهِمْ، فقال: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ لِله﴾، يعني: لا لأنفسِكُمْ، فتأخذوا بالثأرِ لها، فتقيموا أنفسكُمْ مقامَ اللهِ، وتظنُّوا أنكم تنتصِرونَ له.

وكثيرًا ما ينتصِرُ الرجلُ لنفسِهِ ويظنُّ أنه ينتصرُ لله، وذلك عند اختلاطِ حقِّه بحقِّ الله فيمتزجانِ، فتنشطُ النفسُ إذا بُغِيَ عليها أكثَرَ مِن نشاطِها للحقِّ مَعَ عَدَمِ البغيِ عليها
.

الطريفي