حسن مدن : أوهام ملفوفة بورق السيلفون
#الحوار_المتمدن
#حسن_مدن ذاتَ مرَّةٍ - وفي أحدِ البلدانِ العربيَّةِ ألقت الشُّرطةُ القبضَ على رجلٍ كانَ يبيعُ تأشيراتٍ مزوَّرةً للرّاغبين في الذهابِ للعملِ في البلدانِ النفطيَّة لقاءَ مبالغَ كبيرةٍ. الصَّحافةُ وصفت الرَّجلَ بأنَّه "بائعُ الوهمِ". أعجبني هذا الوصفُ؛ لأنَّ ما يقومُ به الرَّجلُ هو- فعلاً- بيعُ الوهمِ لأناسٍ تتضادُ رغباتُهم مع واقعِهم ويتطَّلعون لتحسينِ هذا الواقعِ عبرَ تحقيقِ هذه الرَّغباتِ أو بعضِها، وهي بالمناسبةِ رغباتٌ مشروعةٌ ومبرَّرةٌ، لكنَّ المسافةَ بين الرَّغبةِ والواقعِ ليستْ سهلةَ الاجتيازِ، وأحياناً تكونُ عصيَّةً. وهنا تنشأُ الأوهامُ التي وإنْ كانَ لها وجهٌ يتَّصلُ بالحُلمِ، فإنَّ وجهَها الآخرَ ضلالةٌ، جانبُ الحُلمِ في الوهمِ يتجلَّى في تصوُّرِك لواقعٍ مُتخيَّلٍ تصنعُه الرَّغباتُ المَخْفيَّةُ أو المكبوتةُ وأحياناً المُعلنةُ، أما جانبُ الضَّلالةِ فيتجلَّى في تصديقِ المرءِ بأنَّ حُلمَه قدْ تحقَّقَ أو هو على وشكِ التَّحقُّقِ. وأخطرُ ما في الوهمِ هو اليقينُ الذي يستحوذُ على الشَّخصِ الواهمِ بأنَّ وهمَه ممكناً دونَ أنْ يُخضعَه لما يمكنُ أنْ نسميَه الاختبارَ الموضوعيَّ للأشياءِ والأحوالِ. وحيثُ يعمُّ الجهلُ تتَّسعُ مساحةُ الأوهامِ؛ لأنَّ حصانةَ الإنسانِ البسيطِ العاديِّ بوجهِ الأوهامِ ضعيفةٌ وقابليَّتُه لتصديقِها كبيرةٌ، فيعوِّضُ الوهمُ ما هو غيرُ مُتَحقِّقٍ منْ سعادةٍ مرغوبةٍ. ويحدثُ أحياناً أنْ نخلقَ هذا الوهمَ بأنفسِنا وبمعرفتِنا ثمَّ نصدقُه، للدَّرجةِ التي نكادُ معها ننسى أنَّنا مَنْ خلقَ هذا الوهمَ أو ابتكرَه، وذاتَ مرَّةٍ روتْ لي سيَّدةٌ كيفَ أنَّ إحدى صديقاتِها ألحتْ عليها في جلسةٍ نسائيَّةٍ أنَ تقرأَ لها الفنجانَ، ورغمَ أنَّها ليستْ خبيرةً في ذلك، لكنَّها تطوَّعتْ بأداءِ هذه المَهمَّةِ، وراحتْ تفسِّرُ للصَّديقةِ ما تقولُه الخطوطُ التي خلَّفتْها بقايا البُنِّ في قاعِ الفنجانِ، ووجدتْ الصَّديقةُ راحةً فيما تسمعُه منْ صديقتِها؛ لأنَّ بعضَ ما قالتْه صدفَ أنْ تطابقَ أو اقتربَ منْ هواجسِها، والأمرُ الذي بدا في البدايةِ مجردَ تسليةٍ في جلسةٍ عابرةٍ، أضحى عادةً، فكلَّما شعرت المرأةُ بالضِّيقِ منْ أمرٍ لجأتْ إلى الصَّديقةِ كيْ تقرأَ لها الفنجانَ. ونفهمُ منْ هذا أنَّ للأمرِ صلةً بما يمكنُ أنْ ندعوَه قُوَّةَ الإيحاءِ. وقرأتُ مرَّةً كيفَ أنَّ الأديبَ العربيَّ الكبيرَ نجيب محفوظ لجأَ مرَّةً - وربَّما أكثر- إلى مُنجِّمٍ ليقرأَ له طالعَه، كانَ ذلك في أربعينياتِ القرنِ العشرين، وكانَ محفوظُ لمّا يزلْ شابّاً، في ذلك العُمرِ الذي يتَّصِفُ بالحساسيَّةِ العاليةِ تجاهَ المنغِّصاتِ وبواعثِ القلق، كانَ اسمُ المنجِّم (فردي)، ويقيمُ في شارعِ فؤاد باشا في القاهرة، الذي قالَ لمحفوظ: "أنا شايف حياتك ورق وأقلام، وأنه سيكون لك مستقبل كبير قوي، وإن كان من ناحية الرِّزق ستكون مستورة ما تطمعش في أكثر من كده". برأيِ نجيب محفوظ أنَّ (فردي) كانتْ عندَه فِراسةٌ شديدةٌ، رغمَ أنَّ الذي أخبرَه به ليسَ أكثرَ منْ "كلام"، ويمكنُ أنْ ينطبقَ على أيِّ موظَّفٍ مِصريٍّ، حيثُ حياتُه كلُّها ورق، ودخلُه محدودٌ. والشَّخص الذي يبيعُ التَّأشيراتِ المُزوَّرةَ، أو المُنجِّمُ (فردي) الذي كانَ نجيب محفوظ يلجأُ إليه، ليسا سوى نموذجين متواضعين لباعةِ الأوهامِ المنتشرينَ في الحياة، فصناعةُ الوهمِ حِرفةٌ تقومُ بها مؤسساتٌ كبيرةٌ عابرةٌ للقاراتِ في عصرِنا الرَّاهنِ، تُلفُّ هذه الأوهامُ بورقِ السِّيلفون وتعلِّبُها في عُلبٍ أنيقةٍ وتصدِّرُها لبقاعِ الأرضِ المختلفةِ، متوسِّلةً ......
#أوهام
#ملفوفة
#بورق
#السيلفون
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=701929
#الحوار_المتمدن
#حسن_مدن ذاتَ مرَّةٍ - وفي أحدِ البلدانِ العربيَّةِ ألقت الشُّرطةُ القبضَ على رجلٍ كانَ يبيعُ تأشيراتٍ مزوَّرةً للرّاغبين في الذهابِ للعملِ في البلدانِ النفطيَّة لقاءَ مبالغَ كبيرةٍ. الصَّحافةُ وصفت الرَّجلَ بأنَّه "بائعُ الوهمِ". أعجبني هذا الوصفُ؛ لأنَّ ما يقومُ به الرَّجلُ هو- فعلاً- بيعُ الوهمِ لأناسٍ تتضادُ رغباتُهم مع واقعِهم ويتطَّلعون لتحسينِ هذا الواقعِ عبرَ تحقيقِ هذه الرَّغباتِ أو بعضِها، وهي بالمناسبةِ رغباتٌ مشروعةٌ ومبرَّرةٌ، لكنَّ المسافةَ بين الرَّغبةِ والواقعِ ليستْ سهلةَ الاجتيازِ، وأحياناً تكونُ عصيَّةً. وهنا تنشأُ الأوهامُ التي وإنْ كانَ لها وجهٌ يتَّصلُ بالحُلمِ، فإنَّ وجهَها الآخرَ ضلالةٌ، جانبُ الحُلمِ في الوهمِ يتجلَّى في تصوُّرِك لواقعٍ مُتخيَّلٍ تصنعُه الرَّغباتُ المَخْفيَّةُ أو المكبوتةُ وأحياناً المُعلنةُ، أما جانبُ الضَّلالةِ فيتجلَّى في تصديقِ المرءِ بأنَّ حُلمَه قدْ تحقَّقَ أو هو على وشكِ التَّحقُّقِ. وأخطرُ ما في الوهمِ هو اليقينُ الذي يستحوذُ على الشَّخصِ الواهمِ بأنَّ وهمَه ممكناً دونَ أنْ يُخضعَه لما يمكنُ أنْ نسميَه الاختبارَ الموضوعيَّ للأشياءِ والأحوالِ. وحيثُ يعمُّ الجهلُ تتَّسعُ مساحةُ الأوهامِ؛ لأنَّ حصانةَ الإنسانِ البسيطِ العاديِّ بوجهِ الأوهامِ ضعيفةٌ وقابليَّتُه لتصديقِها كبيرةٌ، فيعوِّضُ الوهمُ ما هو غيرُ مُتَحقِّقٍ منْ سعادةٍ مرغوبةٍ. ويحدثُ أحياناً أنْ نخلقَ هذا الوهمَ بأنفسِنا وبمعرفتِنا ثمَّ نصدقُه، للدَّرجةِ التي نكادُ معها ننسى أنَّنا مَنْ خلقَ هذا الوهمَ أو ابتكرَه، وذاتَ مرَّةٍ روتْ لي سيَّدةٌ كيفَ أنَّ إحدى صديقاتِها ألحتْ عليها في جلسةٍ نسائيَّةٍ أنَ تقرأَ لها الفنجانَ، ورغمَ أنَّها ليستْ خبيرةً في ذلك، لكنَّها تطوَّعتْ بأداءِ هذه المَهمَّةِ، وراحتْ تفسِّرُ للصَّديقةِ ما تقولُه الخطوطُ التي خلَّفتْها بقايا البُنِّ في قاعِ الفنجانِ، ووجدتْ الصَّديقةُ راحةً فيما تسمعُه منْ صديقتِها؛ لأنَّ بعضَ ما قالتْه صدفَ أنْ تطابقَ أو اقتربَ منْ هواجسِها، والأمرُ الذي بدا في البدايةِ مجردَ تسليةٍ في جلسةٍ عابرةٍ، أضحى عادةً، فكلَّما شعرت المرأةُ بالضِّيقِ منْ أمرٍ لجأتْ إلى الصَّديقةِ كيْ تقرأَ لها الفنجانَ. ونفهمُ منْ هذا أنَّ للأمرِ صلةً بما يمكنُ أنْ ندعوَه قُوَّةَ الإيحاءِ. وقرأتُ مرَّةً كيفَ أنَّ الأديبَ العربيَّ الكبيرَ نجيب محفوظ لجأَ مرَّةً - وربَّما أكثر- إلى مُنجِّمٍ ليقرأَ له طالعَه، كانَ ذلك في أربعينياتِ القرنِ العشرين، وكانَ محفوظُ لمّا يزلْ شابّاً، في ذلك العُمرِ الذي يتَّصِفُ بالحساسيَّةِ العاليةِ تجاهَ المنغِّصاتِ وبواعثِ القلق، كانَ اسمُ المنجِّم (فردي)، ويقيمُ في شارعِ فؤاد باشا في القاهرة، الذي قالَ لمحفوظ: "أنا شايف حياتك ورق وأقلام، وأنه سيكون لك مستقبل كبير قوي، وإن كان من ناحية الرِّزق ستكون مستورة ما تطمعش في أكثر من كده". برأيِ نجيب محفوظ أنَّ (فردي) كانتْ عندَه فِراسةٌ شديدةٌ، رغمَ أنَّ الذي أخبرَه به ليسَ أكثرَ منْ "كلام"، ويمكنُ أنْ ينطبقَ على أيِّ موظَّفٍ مِصريٍّ، حيثُ حياتُه كلُّها ورق، ودخلُه محدودٌ. والشَّخص الذي يبيعُ التَّأشيراتِ المُزوَّرةَ، أو المُنجِّمُ (فردي) الذي كانَ نجيب محفوظ يلجأُ إليه، ليسا سوى نموذجين متواضعين لباعةِ الأوهامِ المنتشرينَ في الحياة، فصناعةُ الوهمِ حِرفةٌ تقومُ بها مؤسساتٌ كبيرةٌ عابرةٌ للقاراتِ في عصرِنا الرَّاهنِ، تُلفُّ هذه الأوهامُ بورقِ السِّيلفون وتعلِّبُها في عُلبٍ أنيقةٍ وتصدِّرُها لبقاعِ الأرضِ المختلفةِ، متوسِّلةً ......
#أوهام
#ملفوفة
#بورق
#السيلفون
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=701929
الحوار المتمدن
حسن مدن - أوهام ملفوفة بورق السيلفون