فاطمة ناعوت : نسورٌ كثيرةٌ … وفريسة
#الحوار_المتمدن
#فاطمة_ناعوت حين يضربُ ذكرٌ أنثى في الطريق العام، أمام أبصار الناس، غالبًا يقفُ الناسُ صامتين، ثم يمدّون أياديهم نحو جيوبهم يُخرجون هواتفهم لالتقاط الصورَ ومقاطع الفيديو. يقولُ واحدهم لنفسه: (لعلّ من حقّه أن يضربَها. فقد تكونُ الأنثى ابنتَه، زوجتَه، شقيقتَه، ابنة عمّه، أو حتى أمّه! ولا ضيرَ أن يؤدِّبَ الذكرُ "ما" يخصُّه من إناث. عادي.) ولتأكيد هذا "العادي" قد نجد تلك الأنثى بعد برهةٍ ترقصُ مع ذلك الذكر وتتناول معه وجبةً دسمةً وهما يتضاحكان. ثم يقولُ الذكرُ للناس ضاحكًا: (عادي يا جماعة. هذه الأمور عندنا "عادي" جدًّا.) وقد تقول الأنثى ضاحكةً: (عادي يا جماعة، أصلي عصبية ونرفزته. ) عزيزي القارئ رجاءً لا تُعقِّدِ الأمورَ وتدخلُ بنا في متاهات "السادية" و"المازوخية" و"متلازمة ستوكهولهم"، الحكايةُ أبسطُ من هذا بكثير. الأمر "عادي". لسبب ما تذكرتُ "كيفين كارتر"، المصوّرٌ من جوهانسبرج، بجنوب أفريقيا، الذي نذر نفسَه لتصوير وفضح ألوان التمييز العنصريّ ضدّ الملونين والمستضعفين. وكان هو أول من صوّر طريقةَ الإعدام بالطوق، المعروفة باسم Necklacing، أو القلادة، التي كانت تتمُّ بجنوب أفريقيا في منتصف الثمانينيات الماضية. إطارٌ كاوتشوكي مملوء بالبنزين يوضع حول صدر الضحية وذراعيها، ثم تُشعل النيران! يستغرق الأمرُ نحو عشرين دقيقة لكي يقضي المنكوبُ حرقًا. كانت الأسلوبَ الشائعَ للإعدام دون محاكمة للقضاء على المعارضين ومثيري القلاقل في الثمانينيات والتسعينيات الماضية. وكان أول ضحايا تلك المحرقة رجل يُدعى "ماكي سكوزانا". التقطت عدسةُ كارتر ذلك المشهدَ المروّع، وقال للصحف: (كنتُ مرتعبًا مما يفعلون. وكنتُ مرتعبًا مما أفعل. وحين بدأ الناسُ يتكلمون عن تلك الصور، شعرتُ أن ما فعلتُه ربما لم يكن سيئًا جدًّا. كوني شاهدًا على البشاعة ليس بالضرورة أمرًا بشعًا.) في مارس 1993، قام كارتر برحلة إلى السودان. وقرب قرية عيّود بالجنوب، سمع صوتًا يشبه النشيجَ الخافت. كأنما أنينُ متألمٍ أو محتضَر. مشى إلى مصدر الأنين فوجد طفلةً سمراءَ هزيلة متكورةً على نفسها تجاهدُ في الزحف نحو معسكر الإغاثة الذي مازال على بعد كيلومتر، عساها تصيب بعض طعام يقيم أودها المنهَك. توقفتِ الطفلةُ عن الزحف تسترد أنفاسها. ولم تكن عدسة كاتر وحدها التي تستعدُ لالتقاط المشهد البائس. ثمة عدسةٌ أخرى في الفضاء ترقب وتترقّب. عينُ نسر قرأت الحكايةَ كاملةً. حكايةَ البشر الذين يموتُ بعضُهم تُخمةً، ويموتُ بعضُهم جوعًا! أدرك النسرُ بحدْسه الغريزيّ أن الطفلةَ لن تقوى على استكمال مسيرة الزحف، وسوف تموتُ بعد قليل. فحطّ على مقربة منها ينتظر أن تلقى حتفها حتى يلتهمها. فالنسورُ -كما تعلمون- لا تأكلُ إلا الجيفَ النافقة. التقطت عدسة كارتر المشهدَ المروّع الذي يجمع بين كائنين جائعين. الطفلةُ المحتضرةُ، والنسرُ المنتظر. وبالطبع وقع كارتر فيما بعد تحت مقصلة النقد اللاذع لأنه اكتفى بالتصوير، دون المساعدة، لكنه برّر بأن لديه تعليماتٍ بعدم لمس المنكوبين اتقاءً للأمراض الُمعدية. وكتب صحفيٌّ من فلوريدا: (كان الرجلُ يضبط عدسته ليلتقطَ إطارًا رائعًا لمعاناة الطفلة. وكأنه أحد الضواري المتحفزة. في الحقيقة كان ثمة نسران في المشهد، لا واحد.) بيعت الصورةُ لجريدة نيويورك تايمز ونُشرت في مارس 1993. واتصل مئاتُ القراء بالجريدة ليسألوا عما إذا كانت الطفلةُ قد أُنقذت أم لا. ما حثّ الصحيفةَ على كتابة تعليق مقتضب يقول إن الطفلة كان لديها ما يكفي من القوة للابتعاد عن النسر، لكن مصيرها النهائيَّ مجهول. في الثاني من أبريل 1994 هاتفت الصحيفةُ "كارتر" لتُعلمه بفو ......
#نسورٌ
#كثيرةٌ
#وفريسة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=747902
#الحوار_المتمدن
#فاطمة_ناعوت حين يضربُ ذكرٌ أنثى في الطريق العام، أمام أبصار الناس، غالبًا يقفُ الناسُ صامتين، ثم يمدّون أياديهم نحو جيوبهم يُخرجون هواتفهم لالتقاط الصورَ ومقاطع الفيديو. يقولُ واحدهم لنفسه: (لعلّ من حقّه أن يضربَها. فقد تكونُ الأنثى ابنتَه، زوجتَه، شقيقتَه، ابنة عمّه، أو حتى أمّه! ولا ضيرَ أن يؤدِّبَ الذكرُ "ما" يخصُّه من إناث. عادي.) ولتأكيد هذا "العادي" قد نجد تلك الأنثى بعد برهةٍ ترقصُ مع ذلك الذكر وتتناول معه وجبةً دسمةً وهما يتضاحكان. ثم يقولُ الذكرُ للناس ضاحكًا: (عادي يا جماعة. هذه الأمور عندنا "عادي" جدًّا.) وقد تقول الأنثى ضاحكةً: (عادي يا جماعة، أصلي عصبية ونرفزته. ) عزيزي القارئ رجاءً لا تُعقِّدِ الأمورَ وتدخلُ بنا في متاهات "السادية" و"المازوخية" و"متلازمة ستوكهولهم"، الحكايةُ أبسطُ من هذا بكثير. الأمر "عادي". لسبب ما تذكرتُ "كيفين كارتر"، المصوّرٌ من جوهانسبرج، بجنوب أفريقيا، الذي نذر نفسَه لتصوير وفضح ألوان التمييز العنصريّ ضدّ الملونين والمستضعفين. وكان هو أول من صوّر طريقةَ الإعدام بالطوق، المعروفة باسم Necklacing، أو القلادة، التي كانت تتمُّ بجنوب أفريقيا في منتصف الثمانينيات الماضية. إطارٌ كاوتشوكي مملوء بالبنزين يوضع حول صدر الضحية وذراعيها، ثم تُشعل النيران! يستغرق الأمرُ نحو عشرين دقيقة لكي يقضي المنكوبُ حرقًا. كانت الأسلوبَ الشائعَ للإعدام دون محاكمة للقضاء على المعارضين ومثيري القلاقل في الثمانينيات والتسعينيات الماضية. وكان أول ضحايا تلك المحرقة رجل يُدعى "ماكي سكوزانا". التقطت عدسةُ كارتر ذلك المشهدَ المروّع، وقال للصحف: (كنتُ مرتعبًا مما يفعلون. وكنتُ مرتعبًا مما أفعل. وحين بدأ الناسُ يتكلمون عن تلك الصور، شعرتُ أن ما فعلتُه ربما لم يكن سيئًا جدًّا. كوني شاهدًا على البشاعة ليس بالضرورة أمرًا بشعًا.) في مارس 1993، قام كارتر برحلة إلى السودان. وقرب قرية عيّود بالجنوب، سمع صوتًا يشبه النشيجَ الخافت. كأنما أنينُ متألمٍ أو محتضَر. مشى إلى مصدر الأنين فوجد طفلةً سمراءَ هزيلة متكورةً على نفسها تجاهدُ في الزحف نحو معسكر الإغاثة الذي مازال على بعد كيلومتر، عساها تصيب بعض طعام يقيم أودها المنهَك. توقفتِ الطفلةُ عن الزحف تسترد أنفاسها. ولم تكن عدسة كاتر وحدها التي تستعدُ لالتقاط المشهد البائس. ثمة عدسةٌ أخرى في الفضاء ترقب وتترقّب. عينُ نسر قرأت الحكايةَ كاملةً. حكايةَ البشر الذين يموتُ بعضُهم تُخمةً، ويموتُ بعضُهم جوعًا! أدرك النسرُ بحدْسه الغريزيّ أن الطفلةَ لن تقوى على استكمال مسيرة الزحف، وسوف تموتُ بعد قليل. فحطّ على مقربة منها ينتظر أن تلقى حتفها حتى يلتهمها. فالنسورُ -كما تعلمون- لا تأكلُ إلا الجيفَ النافقة. التقطت عدسة كارتر المشهدَ المروّع الذي يجمع بين كائنين جائعين. الطفلةُ المحتضرةُ، والنسرُ المنتظر. وبالطبع وقع كارتر فيما بعد تحت مقصلة النقد اللاذع لأنه اكتفى بالتصوير، دون المساعدة، لكنه برّر بأن لديه تعليماتٍ بعدم لمس المنكوبين اتقاءً للأمراض الُمعدية. وكتب صحفيٌّ من فلوريدا: (كان الرجلُ يضبط عدسته ليلتقطَ إطارًا رائعًا لمعاناة الطفلة. وكأنه أحد الضواري المتحفزة. في الحقيقة كان ثمة نسران في المشهد، لا واحد.) بيعت الصورةُ لجريدة نيويورك تايمز ونُشرت في مارس 1993. واتصل مئاتُ القراء بالجريدة ليسألوا عما إذا كانت الطفلةُ قد أُنقذت أم لا. ما حثّ الصحيفةَ على كتابة تعليق مقتضب يقول إن الطفلة كان لديها ما يكفي من القوة للابتعاد عن النسر، لكن مصيرها النهائيَّ مجهول. في الثاني من أبريل 1994 هاتفت الصحيفةُ "كارتر" لتُعلمه بفو ......
#نسورٌ
#كثيرةٌ
#وفريسة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=747902
الحوار المتمدن
فاطمة ناعوت - نسورٌ كثيرةٌ … وفريسة!