محمود شقير : ظل آخر للمدينة45
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير نذهب، أنا وصديقان آخران، ذات صباح إلى بلدة شفا عمرو، التي لا تبعد كثيراً عن الناصرة، ولا تبعد كثيراً عن حيفا. نتجه إلى بيت صديقنا إلياس نصر الله (كان طالباً في الجامعة العبرية بالقدس آنذاك، وهو يعمل صحافياً في لندن هذه الأيام). مزاج الشباب الذين التقيناهم في شفا عمرو أميل إلى السخرية والرغبة في إطلاق النكات، أما نحن القادمين من القدس، فلم نكن نحبذ الإفراط في الضحك. ثم أدركنا فيما بعد، أن هذا الجزء من شعبنا، الباقي في وطنه، إنما يستعين بالسخرية وبالنكتة وبالضحك، لتحمل ما ابتلي به من جور وأذى، ولمواجهة ما تخبئه له في جعبتها السلطة الإسرائيلية من مفاجآت. نتجه من شفا عمرو إلى الناصرة. هناك، في المكتبة الشعبية، نلتقي صدفة، إميل حبيبي، ممثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الكنيست، الكاتب والصحافي الذي ينشر مقالات سياسية بشكل منتظم في صحيفة الاتحاد، وينشر كذلك بعض القصص في مجلة الجديد. لم يكن إميل قد أصدر بعد "سداسية الأيام الستة"، ولم يكن قد شرع في كتابة روايته الشهيرة "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل". يدور بيننا حديث عابر ثم نتفرق، لنلتقي بعد ذلك لقاءات كثيرة. نتوجه إلى حيفا ليلاً، ننبهر بالأضواء المنبعثة من جبل الكرمل، نجوب شوارع المدينة بلهفة، فلطالما أبصرنا بعض صورها على جدران الغرف في مدارسنا، وقد كتب تحتها بخط بارز: حيفا عروس البحر تناديكم. نسير في شوارعها على غير هدى ونحن نتنقل في مدى واسع يبدأ من ذاكرة مجروحة، وينتهي بواقع صلد لا يقيم للمشاعر الإنسانية وزنا أو قيمة. نسير، نتوقف، نتلفت، نشير بأيدينا في كل اتجاه، نتأوه، نمعن في التأمل، نقارن بين ما نختزنه في الذاكرة من قراءات، وما نراه ماثلاً أمام أعيننا من وقائع جديدة لا تمثلنا، ثم فجأة، يتوقف كل شيء، تقترب منا سيارة، يهبط منها رجال شرطة مسلحون، يحشروننا في السيارة، يقتادوننا إلى مخفر للشرطة، نخضع لتحقيق كريه، يعيد لنا الإحساس بأننا لا نملك حرية التجوال في حيفا كما نشتهي، أو كما نشاء. يطلقون سراحنا بعد التثبت من هوياتنا، نعود إلى شفا عمرو لقضاء ليلة أخيرة فيها. نحمل حقائبنا في الصباح متجهين من جديد إلى حيفا، نقصد مكاتب صحيفة الاتحاد، حيث يعمل الشاعران محمود درويش وسميح القاسم اللذان أتيح لنا، عبر ما كتبه عنهما، وعن غيرهما، غسان كنفاني قبل النكسة (التقيته العام 1965 في بيته وفي مكتبه بصحيفة المحرر البيروتية)، أن نتعرف إلى بعض ما كتباه من أشعار، كان لها في نفوسنا وقع المفاجأة، ثم واصلنا قراءة ما يقومان بنشره من أشعار في مجلة الجديد وفي صحيفة الاتحاد الحيفاويتين، فتصادف أن ذلك اليوم كان يوم عيد تعطل فيه الاتحاد، فلم يقيض لنا أن نلتقيهما، ولم يتحقق هذا اللقاء بيني وبين محمود درويش، أول مرة، إلا في بيروت، حينما وصلتها مبعداً من سجن بيت ليد العام 1975. كان محمود آنذاك يشغل موقع رئيس تحرير مجلة "شؤون فلسطينية" الصادرة عن مركز الأبحاث الفلسطيني. وما زلت أذكر ذلك اللقاء الذي أعقب تعارفنا بأشهر، وجرى في بيتي الذي سكنته بالقرب من مبنى جامعة بيروت العربية. جاء محمود إلى البيت في المساء، وانعقدت بشكل تلقائي سهرة ممتعة، حضرها الكاتب عدي مدانات القادم من عمان، والفنان مصطفى الكرد القادم من القدس، والشاعر عز الدين المناصرة والناقد السينمائي عدنان مدانات، اللذان كانا يقيمان في بيروت. انتبهت في ذلك اللقاء إلى معرفة محمود الواسعة وإلى ثقافته العميقة وحدته في بعض الأحيان ، وهو يحاور الحضور حول الأغنية الثورية شكلاً ومضموناً، والنقد الأدبي ودوره في تطوير العملية الإبداعية، وق ......
#للمدينة45
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=742770
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير نذهب، أنا وصديقان آخران، ذات صباح إلى بلدة شفا عمرو، التي لا تبعد كثيراً عن الناصرة، ولا تبعد كثيراً عن حيفا. نتجه إلى بيت صديقنا إلياس نصر الله (كان طالباً في الجامعة العبرية بالقدس آنذاك، وهو يعمل صحافياً في لندن هذه الأيام). مزاج الشباب الذين التقيناهم في شفا عمرو أميل إلى السخرية والرغبة في إطلاق النكات، أما نحن القادمين من القدس، فلم نكن نحبذ الإفراط في الضحك. ثم أدركنا فيما بعد، أن هذا الجزء من شعبنا، الباقي في وطنه، إنما يستعين بالسخرية وبالنكتة وبالضحك، لتحمل ما ابتلي به من جور وأذى، ولمواجهة ما تخبئه له في جعبتها السلطة الإسرائيلية من مفاجآت. نتجه من شفا عمرو إلى الناصرة. هناك، في المكتبة الشعبية، نلتقي صدفة، إميل حبيبي، ممثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الكنيست، الكاتب والصحافي الذي ينشر مقالات سياسية بشكل منتظم في صحيفة الاتحاد، وينشر كذلك بعض القصص في مجلة الجديد. لم يكن إميل قد أصدر بعد "سداسية الأيام الستة"، ولم يكن قد شرع في كتابة روايته الشهيرة "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل". يدور بيننا حديث عابر ثم نتفرق، لنلتقي بعد ذلك لقاءات كثيرة. نتوجه إلى حيفا ليلاً، ننبهر بالأضواء المنبعثة من جبل الكرمل، نجوب شوارع المدينة بلهفة، فلطالما أبصرنا بعض صورها على جدران الغرف في مدارسنا، وقد كتب تحتها بخط بارز: حيفا عروس البحر تناديكم. نسير في شوارعها على غير هدى ونحن نتنقل في مدى واسع يبدأ من ذاكرة مجروحة، وينتهي بواقع صلد لا يقيم للمشاعر الإنسانية وزنا أو قيمة. نسير، نتوقف، نتلفت، نشير بأيدينا في كل اتجاه، نتأوه، نمعن في التأمل، نقارن بين ما نختزنه في الذاكرة من قراءات، وما نراه ماثلاً أمام أعيننا من وقائع جديدة لا تمثلنا، ثم فجأة، يتوقف كل شيء، تقترب منا سيارة، يهبط منها رجال شرطة مسلحون، يحشروننا في السيارة، يقتادوننا إلى مخفر للشرطة، نخضع لتحقيق كريه، يعيد لنا الإحساس بأننا لا نملك حرية التجوال في حيفا كما نشتهي، أو كما نشاء. يطلقون سراحنا بعد التثبت من هوياتنا، نعود إلى شفا عمرو لقضاء ليلة أخيرة فيها. نحمل حقائبنا في الصباح متجهين من جديد إلى حيفا، نقصد مكاتب صحيفة الاتحاد، حيث يعمل الشاعران محمود درويش وسميح القاسم اللذان أتيح لنا، عبر ما كتبه عنهما، وعن غيرهما، غسان كنفاني قبل النكسة (التقيته العام 1965 في بيته وفي مكتبه بصحيفة المحرر البيروتية)، أن نتعرف إلى بعض ما كتباه من أشعار، كان لها في نفوسنا وقع المفاجأة، ثم واصلنا قراءة ما يقومان بنشره من أشعار في مجلة الجديد وفي صحيفة الاتحاد الحيفاويتين، فتصادف أن ذلك اليوم كان يوم عيد تعطل فيه الاتحاد، فلم يقيض لنا أن نلتقيهما، ولم يتحقق هذا اللقاء بيني وبين محمود درويش، أول مرة، إلا في بيروت، حينما وصلتها مبعداً من سجن بيت ليد العام 1975. كان محمود آنذاك يشغل موقع رئيس تحرير مجلة "شؤون فلسطينية" الصادرة عن مركز الأبحاث الفلسطيني. وما زلت أذكر ذلك اللقاء الذي أعقب تعارفنا بأشهر، وجرى في بيتي الذي سكنته بالقرب من مبنى جامعة بيروت العربية. جاء محمود إلى البيت في المساء، وانعقدت بشكل تلقائي سهرة ممتعة، حضرها الكاتب عدي مدانات القادم من عمان، والفنان مصطفى الكرد القادم من القدس، والشاعر عز الدين المناصرة والناقد السينمائي عدنان مدانات، اللذان كانا يقيمان في بيروت. انتبهت في ذلك اللقاء إلى معرفة محمود الواسعة وإلى ثقافته العميقة وحدته في بعض الأحيان ، وهو يحاور الحضور حول الأغنية الثورية شكلاً ومضموناً، والنقد الأدبي ودوره في تطوير العملية الإبداعية، وق ......
#للمدينة45
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=742770
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة45
محمود شقير : ظل آخر للمدينة46
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الأثناء، بعد الذهاب إلى شفاعمرو وحيفا، يعاودني الحنين إلى كتابة القصة القصيرة، فأكتب قصة بعنوان "الخروج" أقوم بنشرها في مجلة "الجديد". ولا تلبث مشاغل العمل السياسي المباشر أن تصرفني من جديد عن الكتابة القصصية، ثم أغرق في قراءة مجموعة من الوثائق عن فترة الثورة الفلسطينية الكبرى العام 1936 وما تلاها من تطورات. كانت الاعتقالات في الذكرى الثانية لهزيمة حزيران وما تلاها من شهور لا تتوقف، ولا يسلم من أذاها أحد من النشطاء السياسيين، أو من المنتمين إلى التنظيمات المسلحة. وكنت منكباً في تلك الليلة ( 27 / 7 / 1969) على قراءة الكتاب الأبيض الذي أصدرته لجنة أنجلو _ أمريكية لتقصي الحقائق في فلسطين، إثر اندلاع ثورة 1936. سمعت أصوات سيارات تتوقف عند ساحة بئرنا الغربية، خمنت أن أمراً غير عادي يحدث من حولي. نهضت مسرعاً، أخرجت بطاقة هويتي من جيب بنطالي المعلق على مشجب في غرفة نومي. فتحت باب البيت، وأنا أتأهب لمغادرته. فوجئت بالجنود وقد طوقوا البيت من جميع الجهات، فألقوا القبض علي، ثم قاموا بتفتيش البيت. وبعد ذلك، انطلقوا بي إلى سجن المسكوبية، الذي تفصله عن بيتنا مسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات. *** كانت لسجن المسكوبية سمعة مخيفة، ففي زنازينه استشهد عدد من المناضلين الوطنيين تحت التعذيب (قاسم أبو عكر مثلاً). أغادر في تلك الليلة بيتي معصوب العينين في سيارة عسكرية، يملأها الجنود. تجيش نفسي بمشاعر شتى، أتهيأ لمواجهات ساخنة وأنا أغالب خوفي مما سأتعرض له من أذى. بعد أقل من عشرين دقيقة، تتوقف السيارة. يقتادني أحدهم خارجها، ثم ينزع العصبة عن عيني. ثمة ساحة ترابية فيها أشجار سامقة، أمام مبنى قديم. أرى أشخاصاً يقفون ووجوههم متجهة نحو السور الذي يحيط بالبناية. أشعر بقشعريرة تغزو بدني. أدخل المبنى، ثمة إضاءة قوية في الداخل. الضابط المكلف باعتقالي يأمرني بأن أجلس على كرسي في زاوية الردهة. أجلس وأنا أرتجف. أحاول أن أمارس ضغطاً على عضلات وجهي وكتفي وأطرافي، لعلها تكف عن الارتجاف، فلم أفلح. أتمنى بيني وبين نفسي لو أنهم يبادرون إلى التحقيق معي فوراً، لأن الانتظار يربكني. أحدق في كل شيء تقع عليه عيناي، يغيظني الظهور الاستعراضي للمحققين، بعضلات أذرعهم النافرة. أحدهم يتوقف بالقرب مني، وهو يحدجني بنظرات حادة. أخيراً، جاء المحقق. دعاني إلى إحدى غرف التحقيق. جلس خلف مكتب وجلست قبالته. كان يتظاهر بدماثة الخلق. أخبرني أنه سيوفر علي الكثير من الضرب والإهانات لاعتقاده أنني مثقف، وينبغي علي ألا أعرض نفسي للإهانة. وقال إنه سيكتفي بطرح عشرة أسئلة علي، فإذا أجبته عنها، فإن بإمكاني العودة إلى البيت قبل شروق الشمس. بدأ بسؤال عن اسمي ومكان سكني ووظيفتي، فأجبته. ثم طلب مني أن أذكر أسماء من ألتقي بهم دائماً من أصدقائي. أخبرته أنني لا أستطيع ذلك، لأن التلفظ بأسماء أصدقائي في مكتب للتحقيق يعتبر إساءة لهم. لم تعجبه إجابتي. لاحظت فجأة أنني توقفت عن الارتجاف، وسيطر علي إحساس بالخدر، فازددت ثقة في نفسي، وتشجعت على مزيد من المواجهة.قال إن إحجامي عن ذكر أسماء أصدقائي يعني أن ثمة أمراً ما يدفعني إلى ذلك، ما يجعله يتشكك في براءتي وبراءتهم، وإلا لكنت نطقت بأسمائهم.قلت إن علاقتي بأصدقائي هي واحدة من خصوصياتي، وليس من اللياقة أن أعرّض هذه العلاقة للانتهاك. قال إن هذا الأمر يقود إلى نتائج غير سارة، منها أنني لن أخرج من هذا المكان في وقت قريب، وسوف أعرض نفسي للضرب وللإهانات. داهمني الخوف من جديد، ولكن دون ارتجاف ......
#للمدينة46
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=749234
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الأثناء، بعد الذهاب إلى شفاعمرو وحيفا، يعاودني الحنين إلى كتابة القصة القصيرة، فأكتب قصة بعنوان "الخروج" أقوم بنشرها في مجلة "الجديد". ولا تلبث مشاغل العمل السياسي المباشر أن تصرفني من جديد عن الكتابة القصصية، ثم أغرق في قراءة مجموعة من الوثائق عن فترة الثورة الفلسطينية الكبرى العام 1936 وما تلاها من تطورات. كانت الاعتقالات في الذكرى الثانية لهزيمة حزيران وما تلاها من شهور لا تتوقف، ولا يسلم من أذاها أحد من النشطاء السياسيين، أو من المنتمين إلى التنظيمات المسلحة. وكنت منكباً في تلك الليلة ( 27 / 7 / 1969) على قراءة الكتاب الأبيض الذي أصدرته لجنة أنجلو _ أمريكية لتقصي الحقائق في فلسطين، إثر اندلاع ثورة 1936. سمعت أصوات سيارات تتوقف عند ساحة بئرنا الغربية، خمنت أن أمراً غير عادي يحدث من حولي. نهضت مسرعاً، أخرجت بطاقة هويتي من جيب بنطالي المعلق على مشجب في غرفة نومي. فتحت باب البيت، وأنا أتأهب لمغادرته. فوجئت بالجنود وقد طوقوا البيت من جميع الجهات، فألقوا القبض علي، ثم قاموا بتفتيش البيت. وبعد ذلك، انطلقوا بي إلى سجن المسكوبية، الذي تفصله عن بيتنا مسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات. *** كانت لسجن المسكوبية سمعة مخيفة، ففي زنازينه استشهد عدد من المناضلين الوطنيين تحت التعذيب (قاسم أبو عكر مثلاً). أغادر في تلك الليلة بيتي معصوب العينين في سيارة عسكرية، يملأها الجنود. تجيش نفسي بمشاعر شتى، أتهيأ لمواجهات ساخنة وأنا أغالب خوفي مما سأتعرض له من أذى. بعد أقل من عشرين دقيقة، تتوقف السيارة. يقتادني أحدهم خارجها، ثم ينزع العصبة عن عيني. ثمة ساحة ترابية فيها أشجار سامقة، أمام مبنى قديم. أرى أشخاصاً يقفون ووجوههم متجهة نحو السور الذي يحيط بالبناية. أشعر بقشعريرة تغزو بدني. أدخل المبنى، ثمة إضاءة قوية في الداخل. الضابط المكلف باعتقالي يأمرني بأن أجلس على كرسي في زاوية الردهة. أجلس وأنا أرتجف. أحاول أن أمارس ضغطاً على عضلات وجهي وكتفي وأطرافي، لعلها تكف عن الارتجاف، فلم أفلح. أتمنى بيني وبين نفسي لو أنهم يبادرون إلى التحقيق معي فوراً، لأن الانتظار يربكني. أحدق في كل شيء تقع عليه عيناي، يغيظني الظهور الاستعراضي للمحققين، بعضلات أذرعهم النافرة. أحدهم يتوقف بالقرب مني، وهو يحدجني بنظرات حادة. أخيراً، جاء المحقق. دعاني إلى إحدى غرف التحقيق. جلس خلف مكتب وجلست قبالته. كان يتظاهر بدماثة الخلق. أخبرني أنه سيوفر علي الكثير من الضرب والإهانات لاعتقاده أنني مثقف، وينبغي علي ألا أعرض نفسي للإهانة. وقال إنه سيكتفي بطرح عشرة أسئلة علي، فإذا أجبته عنها، فإن بإمكاني العودة إلى البيت قبل شروق الشمس. بدأ بسؤال عن اسمي ومكان سكني ووظيفتي، فأجبته. ثم طلب مني أن أذكر أسماء من ألتقي بهم دائماً من أصدقائي. أخبرته أنني لا أستطيع ذلك، لأن التلفظ بأسماء أصدقائي في مكتب للتحقيق يعتبر إساءة لهم. لم تعجبه إجابتي. لاحظت فجأة أنني توقفت عن الارتجاف، وسيطر علي إحساس بالخدر، فازددت ثقة في نفسي، وتشجعت على مزيد من المواجهة.قال إن إحجامي عن ذكر أسماء أصدقائي يعني أن ثمة أمراً ما يدفعني إلى ذلك، ما يجعله يتشكك في براءتي وبراءتهم، وإلا لكنت نطقت بأسمائهم.قلت إن علاقتي بأصدقائي هي واحدة من خصوصياتي، وليس من اللياقة أن أعرّض هذه العلاقة للانتهاك. قال إن هذا الأمر يقود إلى نتائج غير سارة، منها أنني لن أخرج من هذا المكان في وقت قريب، وسوف أعرض نفسي للضرب وللإهانات. داهمني الخوف من جديد، ولكن دون ارتجاف ......
#للمدينة46
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=749234
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة46
محمود شقير : ظل آخر للمدينة 47
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند اقتراب الفجر، جاء ضابط المخابرات الذي اعتقلني، وقد أرهقني الوقوف طوال ساعات في مواجهة السور. طلب مني أن أتبعه، كان طويلاً نحيفاً وعلى وجهه براءة لا تؤهله لمثل هذه المهنة اللئيمة، خصوصاً حينما لاحظت أنه يراقبني بحذر، ونحن نسير جنباً إلى جنب نحو سجن المسكوبية القريب. لم أكن متيقناً من حقيقة مشاعره تجاهي، هل كان يراقبني بطرف عينه خوفاً من أن أهرب؟ فيتحمل المسؤولية عن ذلك، أم إن نحافتي المفرطة التي كانت تفوق نحافته حدّة، كانت تشعره بالإشفاق علي مما سأكابده لاحقاً في السجن على أيدي السجانين والمحققين؟ أو لعله لم يكن مقتنعاً بأن شخصاً في مثل نحافتي، يمكن أن يكون خطراً على أمن إسرائيل، إلى الحد الذي يضطره إلى الابتعاد عن زوجته وأطفاله والانشغال بأمر اعتقالي كل هذا الوقت، لا أدري بالضبط. لكنني مضيت إلى جانبه، لا أسمع سوى طرقات أحذيتنا على إسفلت الشارع الصاعد من مكاتب التحقيق إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، الذي يقع على تخوم القدس الشرقية. كنت أسير في ذلك الفجر الصيفي الهادئ، وحيداً إلى جانب ذلك الضابط الإسرائيلي الذي يأخذني إلى السجن. والقدس تنام الآن في سكون الفجر، وستصحو بعد قليل من نومها، فتعرف أنني لم أعد قادراً على التجوال في شوارعها وأزقتها، فتضيف إلى أحزانها المتراكمة حزناً جديداً. أسير صامتاً، متهيباً مما تبيته لي الأيام القادمة، ويسير الضابط صامتاً. نقترب من ساحة المسكوبية، التي لم تكن سجناً في الأصل، بل: "مؤسسة معدة لاستقبال الزوار الروس في الأعياد والمواسم، يديرها رهبان وراهبات من الروس أنفسهم، يحيط ببنائها الفخم وكنيستها الكبرى حدائق وكروم زيتون على التلال والأودية، يتألف من مجموع ذلك مناظر رائعة يرى منها جبل الطور والأبنية التاريخية البارزة بقببها ومآذنها وقواعد أجراسها، مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه مهما كان مثقلاً بالأتعاب فكراً وجسماً" وذلك كما يصفها مصطفى مراد الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين". الآن لا وجود لحدائق حول المكان. ولم أر سوى بناية قديمة متجهمة، تعلو السور المحيط بها شبكة من الأسلاك الشائكة.انفتح الباب، فألفيتني بين حشد من رجال الشرطة. جردوني من بطاقة هويتي، ومن نقودي التي كانت في جيبي، ومن ساعة يدي، ورباط حذائي، وحزامي، ثم اقتادوني عبر ممر طويل إلى حيث توجد زنزانة انفرادية، مضاءة ليل نهار، "مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه"، فلم أذق فيها طعم النوم ليلتين متواصلتين، بسبب قوة الضوء المنبعث من سقفها، وبسبب القلق الذي يتنامى في القلب كلما طال الانتظار. *** حينما تعرفت عليها، في ذلك المكتب قرب شارع يافا، حدثتها عما كابدته في السجن. لم أكن من الراغبين في اصطناع البطولات. كنت واضحاً منذ اللحظة الأولى. قلت إن ما كابدته لا يساوي عشر معشار ما كابده غيري من المعتقلين، خصوصاً أولئك الذين كانت توجه لهم تهم المشاركة في العمل المسلح ضد الاحتلال. وضعت في زنزانة لا يزيد طولها عن 90 سنتيمتراً، ولا يزيد عرضها عن 80 سنتيمتراً، في سجن صرفند العسكري. لم يكن ما واجهته أثناء ذلك على أيدي المحققين شيئاً يذكر، إذا ما قيس بما واجهه ذلك المعتقل الذي لم أعرف عنه شيئاً، سوى صراخه الرهيب الذي كان يطلقه دون توقيت معلوم. يأتي المحققون إليه في أية ساعة يشاؤون، يبدأون حفلتهم المفزعة معه، فيبدأ صراخه الذي يثير الرعب في النفوس. رويت لتميمة كل شيء. كانت تحب أن تسمي نفسها "تمام" لكي يكون اسمها مألوفاً لدي. تميمة تتألم لما ألمّ بي من أذى، أخبره ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753729
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند اقتراب الفجر، جاء ضابط المخابرات الذي اعتقلني، وقد أرهقني الوقوف طوال ساعات في مواجهة السور. طلب مني أن أتبعه، كان طويلاً نحيفاً وعلى وجهه براءة لا تؤهله لمثل هذه المهنة اللئيمة، خصوصاً حينما لاحظت أنه يراقبني بحذر، ونحن نسير جنباً إلى جنب نحو سجن المسكوبية القريب. لم أكن متيقناً من حقيقة مشاعره تجاهي، هل كان يراقبني بطرف عينه خوفاً من أن أهرب؟ فيتحمل المسؤولية عن ذلك، أم إن نحافتي المفرطة التي كانت تفوق نحافته حدّة، كانت تشعره بالإشفاق علي مما سأكابده لاحقاً في السجن على أيدي السجانين والمحققين؟ أو لعله لم يكن مقتنعاً بأن شخصاً في مثل نحافتي، يمكن أن يكون خطراً على أمن إسرائيل، إلى الحد الذي يضطره إلى الابتعاد عن زوجته وأطفاله والانشغال بأمر اعتقالي كل هذا الوقت، لا أدري بالضبط. لكنني مضيت إلى جانبه، لا أسمع سوى طرقات أحذيتنا على إسفلت الشارع الصاعد من مكاتب التحقيق إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، الذي يقع على تخوم القدس الشرقية. كنت أسير في ذلك الفجر الصيفي الهادئ، وحيداً إلى جانب ذلك الضابط الإسرائيلي الذي يأخذني إلى السجن. والقدس تنام الآن في سكون الفجر، وستصحو بعد قليل من نومها، فتعرف أنني لم أعد قادراً على التجوال في شوارعها وأزقتها، فتضيف إلى أحزانها المتراكمة حزناً جديداً. أسير صامتاً، متهيباً مما تبيته لي الأيام القادمة، ويسير الضابط صامتاً. نقترب من ساحة المسكوبية، التي لم تكن سجناً في الأصل، بل: "مؤسسة معدة لاستقبال الزوار الروس في الأعياد والمواسم، يديرها رهبان وراهبات من الروس أنفسهم، يحيط ببنائها الفخم وكنيستها الكبرى حدائق وكروم زيتون على التلال والأودية، يتألف من مجموع ذلك مناظر رائعة يرى منها جبل الطور والأبنية التاريخية البارزة بقببها ومآذنها وقواعد أجراسها، مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه مهما كان مثقلاً بالأتعاب فكراً وجسماً" وذلك كما يصفها مصطفى مراد الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين". الآن لا وجود لحدائق حول المكان. ولم أر سوى بناية قديمة متجهمة، تعلو السور المحيط بها شبكة من الأسلاك الشائكة.انفتح الباب، فألفيتني بين حشد من رجال الشرطة. جردوني من بطاقة هويتي، ومن نقودي التي كانت في جيبي، ومن ساعة يدي، ورباط حذائي، وحزامي، ثم اقتادوني عبر ممر طويل إلى حيث توجد زنزانة انفرادية، مضاءة ليل نهار، "مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه"، فلم أذق فيها طعم النوم ليلتين متواصلتين، بسبب قوة الضوء المنبعث من سقفها، وبسبب القلق الذي يتنامى في القلب كلما طال الانتظار. *** حينما تعرفت عليها، في ذلك المكتب قرب شارع يافا، حدثتها عما كابدته في السجن. لم أكن من الراغبين في اصطناع البطولات. كنت واضحاً منذ اللحظة الأولى. قلت إن ما كابدته لا يساوي عشر معشار ما كابده غيري من المعتقلين، خصوصاً أولئك الذين كانت توجه لهم تهم المشاركة في العمل المسلح ضد الاحتلال. وضعت في زنزانة لا يزيد طولها عن 90 سنتيمتراً، ولا يزيد عرضها عن 80 سنتيمتراً، في سجن صرفند العسكري. لم يكن ما واجهته أثناء ذلك على أيدي المحققين شيئاً يذكر، إذا ما قيس بما واجهه ذلك المعتقل الذي لم أعرف عنه شيئاً، سوى صراخه الرهيب الذي كان يطلقه دون توقيت معلوم. يأتي المحققون إليه في أية ساعة يشاؤون، يبدأون حفلتهم المفزعة معه، فيبدأ صراخه الذي يثير الرعب في النفوس. رويت لتميمة كل شيء. كانت تحب أن تسمي نفسها "تمام" لكي يكون اسمها مألوفاً لدي. تميمة تتألم لما ألمّ بي من أذى، أخبره ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753729
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة 47
محمود شقير : ظل آخر للمدينة48
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ها أنذا أقف حراً طليقاً خارج بوابة السجن، أعانق أفراد أسرتي الذين جاءوا منذ الصباح الباكر من يوم 27 / 5 / 1970، ينتظرون لحظة الإفراج عني. طوال الليلة التي سبقت هذه اللحظة، لم أنم من شدة الفرح، فبعد عشرة أشهر من الاعتقال الإداري، أخرج من السجن. حينما نظرت في المدى الواسع المكشوف من حولي، أدركت إلى أي حد هو بغيض هذا السجن. غادرت سجن الدامون متجهاً إلى القدس (سوف أعود إليه بعد ست وعشرين سنة من مغادرتي إياه، إثر الدعوة التي وجهها إلي الدكتور نعيم عرايدي مدير مركز أدب الطفل العربي في حيفا، للمشاركة في ندوة حول أدب الأطفال، تعقد في منتجع بيت أورن على جبل الكرمل، ليس بعيداً عن سجن الدامون. أذهب صحبة الناقد أنطوان شلحت لزيارة السجن، سنتوقف في الساحة الترابية المحاذية لبوابة السجن، التي كان أهلنا ينتظرون فيها، ريثما تتاح لهم فرصة الدخول لزيارتنا، وهي الساحة نفسها التي ما زالت أسر مقدسية تتردد عليها لزيارة الأبناء الذين ما زالوا يقبعون في السجن. سنلقي نظرة على الأسلاك الشائكة التي تحيط بالمبنى، ثم نقترب من بوابته المتجهمة، ولا نطلب من السجانين إذناً للدخول، لأننا نعرف أنهم لن يسمحوا لنا بذلك). وصلنا البيت بعد ثلاث ساعات من لحظة الانطلاق. كانت العودة إلى البيت تبعث في القلب مشاعر دافئة، وكان علي أن أعود إلى ممارسة حياتي اليومية في المدينة. وصلتني بالبريد، بعد أيام قلائل، ورقة رسمية، يتعين علي بموجبها أن أذهب إلى مكتب المخابرات، القريب من سجن المسكوبية، لمقابلة أحد المسؤولين هناك. ذهبت للمقابلة. قال المسؤول دون مقدمات: إذا عدت إلى مواصلة النشاط السياسي، فسوف نعيدك إلى السجن. غادرت مكتب المخابرات. اتجهت إلى مكتب فيليتسيا لانجر لأخبرها بما جرى معي.(تعرفت إلى فيليتسيا لانجر حينما زارتني أول مرة بعد أسبوعين من اعتقالي في سجن المسكوبية. تقدمت بطلب إلى المحكمة للإفراج عني بكفالة. جاءني شرطي، فتح باب الزنزانة التي تقع في طرف ساحة سجن المسكوبية (وضعت فيه بعد عودتي من سجن صرفند)، اقتادني الشرطي إلى الباحة الخارجية للسجن. هناك كان أبي ينتظر، فلما رآني بادي الشحوب، انقلبت سحنته، غير أنه تماسك ولم يسمح لعينيه أن تدمعا، إلا حينما عاد إلى البيت، وراح يصف لأمي ولزوجتي ولأبناء عائلتي الحالة التي وجدني فيها. أما فيليتسيا، فقد أصبحت أكثر قدرة على ضبط انفعالاتها، لكثرة ما شاهدت من مآسٍ، منذ أن تطوعت للدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. سلمت علي وحثتني على الصمود في وجه الجلادين. كانت تتأمل وجهي الشاحب بين الحين والآخر، وكنت أشعر بامتنان نحوها). غادرت مكتب فيليتسيا لانجر إلى البريد. أرسلت إلى زملائي في السجن بطاقات بريدية، تمنيت لهم فيها إفراجاً عاجلاً، ثم انهمكت في البحث عن عمل، بعد أن قرر الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، فصلي من عملي في التدريس منذ اللحظة الأولى لاعتقالي، فوجدت عملاً في المعهد العربي الذي تأسس العام 1970 باعتباره مدرسة ثانوية، تديرها هيئة عربية مرتبطة بوزارة التربية والتعليم الأردنية. عملت في المعهد عاماً واحداً مدرساً للغة العربية والفلسفة، ثم فصلت من العمل على أيدي الهيئة نفسها التي عينتني فيه، وذلك اعتماداً على تقرير قدمه مدير المعهد، يشير فيه إلى أنني وزميلاً آخر هو عادل عيد، الذي كان خارجاً من السجن الإسرائيلي أيضاً، قمنا طوال العام الدراسي بتحريض طلبة المعهد على تنظيم التظاهرات والإضرابات، وتوزيع المنشورات التي تدعو إلى مقاومة الاحتلال، ما "يتسبب في تشويش الدراسة وانتظامها في المعهد"! غير أن الهيئة ......
#للمدينة48
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=757797
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ها أنذا أقف حراً طليقاً خارج بوابة السجن، أعانق أفراد أسرتي الذين جاءوا منذ الصباح الباكر من يوم 27 / 5 / 1970، ينتظرون لحظة الإفراج عني. طوال الليلة التي سبقت هذه اللحظة، لم أنم من شدة الفرح، فبعد عشرة أشهر من الاعتقال الإداري، أخرج من السجن. حينما نظرت في المدى الواسع المكشوف من حولي، أدركت إلى أي حد هو بغيض هذا السجن. غادرت سجن الدامون متجهاً إلى القدس (سوف أعود إليه بعد ست وعشرين سنة من مغادرتي إياه، إثر الدعوة التي وجهها إلي الدكتور نعيم عرايدي مدير مركز أدب الطفل العربي في حيفا، للمشاركة في ندوة حول أدب الأطفال، تعقد في منتجع بيت أورن على جبل الكرمل، ليس بعيداً عن سجن الدامون. أذهب صحبة الناقد أنطوان شلحت لزيارة السجن، سنتوقف في الساحة الترابية المحاذية لبوابة السجن، التي كان أهلنا ينتظرون فيها، ريثما تتاح لهم فرصة الدخول لزيارتنا، وهي الساحة نفسها التي ما زالت أسر مقدسية تتردد عليها لزيارة الأبناء الذين ما زالوا يقبعون في السجن. سنلقي نظرة على الأسلاك الشائكة التي تحيط بالمبنى، ثم نقترب من بوابته المتجهمة، ولا نطلب من السجانين إذناً للدخول، لأننا نعرف أنهم لن يسمحوا لنا بذلك). وصلنا البيت بعد ثلاث ساعات من لحظة الانطلاق. كانت العودة إلى البيت تبعث في القلب مشاعر دافئة، وكان علي أن أعود إلى ممارسة حياتي اليومية في المدينة. وصلتني بالبريد، بعد أيام قلائل، ورقة رسمية، يتعين علي بموجبها أن أذهب إلى مكتب المخابرات، القريب من سجن المسكوبية، لمقابلة أحد المسؤولين هناك. ذهبت للمقابلة. قال المسؤول دون مقدمات: إذا عدت إلى مواصلة النشاط السياسي، فسوف نعيدك إلى السجن. غادرت مكتب المخابرات. اتجهت إلى مكتب فيليتسيا لانجر لأخبرها بما جرى معي.(تعرفت إلى فيليتسيا لانجر حينما زارتني أول مرة بعد أسبوعين من اعتقالي في سجن المسكوبية. تقدمت بطلب إلى المحكمة للإفراج عني بكفالة. جاءني شرطي، فتح باب الزنزانة التي تقع في طرف ساحة سجن المسكوبية (وضعت فيه بعد عودتي من سجن صرفند)، اقتادني الشرطي إلى الباحة الخارجية للسجن. هناك كان أبي ينتظر، فلما رآني بادي الشحوب، انقلبت سحنته، غير أنه تماسك ولم يسمح لعينيه أن تدمعا، إلا حينما عاد إلى البيت، وراح يصف لأمي ولزوجتي ولأبناء عائلتي الحالة التي وجدني فيها. أما فيليتسيا، فقد أصبحت أكثر قدرة على ضبط انفعالاتها، لكثرة ما شاهدت من مآسٍ، منذ أن تطوعت للدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. سلمت علي وحثتني على الصمود في وجه الجلادين. كانت تتأمل وجهي الشاحب بين الحين والآخر، وكنت أشعر بامتنان نحوها). غادرت مكتب فيليتسيا لانجر إلى البريد. أرسلت إلى زملائي في السجن بطاقات بريدية، تمنيت لهم فيها إفراجاً عاجلاً، ثم انهمكت في البحث عن عمل، بعد أن قرر الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، فصلي من عملي في التدريس منذ اللحظة الأولى لاعتقالي، فوجدت عملاً في المعهد العربي الذي تأسس العام 1970 باعتباره مدرسة ثانوية، تديرها هيئة عربية مرتبطة بوزارة التربية والتعليم الأردنية. عملت في المعهد عاماً واحداً مدرساً للغة العربية والفلسفة، ثم فصلت من العمل على أيدي الهيئة نفسها التي عينتني فيه، وذلك اعتماداً على تقرير قدمه مدير المعهد، يشير فيه إلى أنني وزميلاً آخر هو عادل عيد، الذي كان خارجاً من السجن الإسرائيلي أيضاً، قمنا طوال العام الدراسي بتحريض طلبة المعهد على تنظيم التظاهرات والإضرابات، وتوزيع المنشورات التي تدعو إلى مقاومة الاحتلال، ما "يتسبب في تشويش الدراسة وانتظامها في المعهد"! غير أن الهيئة ......
#للمدينة48
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=757797
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة48
محمود شقير : ظل آخر للمدينة49
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الفترة، توجهنا، أنا وحسين عويسات أحد مخاتير قريتنا، إلى عمان لاستصدار وثائق تتعلق بأرض البقيعة التي تملكها عشائر عرب السواحرة، ولتسليمها إلى المحامية فيليتسيا لانغر، لكي تكون حجة في يدها أمام القضاء، ولتخليصها من أيدي المحتلين إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً (في البداية أعلنوها منطقة عسكرية مغلقة، ثم راجت إشاعات عن قيام بعض السماسرة ببيعها إلى سلطات الاحتلال، وما زال أمرها مجهولاً حتى الآن). على الجسر استدعاني أحد ضباط المخابرات، وأخضعني لتحقيق سريع عن هدفي من السفر إلى عمان. لم أخبره عن غايتي من السفر، حدق في حذائي القديم الذي ركّبت له نصف نعل قبل موعد السفر بأيام، عند "كندرجي" في سوق باب خان الزيت، فاعتقد أنني أخفي رسالة سرية داخله. سألني عما خبأته هناك. قلت: لم أخبئ شيئاً. هددني بتمزيق الحذاء إذا لم أخبره بالحقيقة، فلم أكترث لتهديده. أحضر سكيناً، ومزق النعل الخاص بفردة الحذاء اليمنى، وعاود طرح سؤاله مرة أخرى، فلما رآني غير مكترث، رمى فردة الحذاء الثانية، ثم سافرت إلى عمان، وأنا أجر حذائي الممزق، وبقيت كذلك إلى أن وصلت أول محل لبيع الأحذية في عمان. عدت من عمان بعد غياب استمر ثلاثة أسابيع، خضعت على الفور لأوامر الإقامة الجبرية في القدس، لا أخرج منها إلى سواها مدة عام. *** سأترك العمل في مدرسة دار الأيتام الإسلامية، لأصبح متفرغاً حزبياً. لم يكن الأمر سهلاً في البداية. أحببت مهنة التدريس، رغم ما فيها من جهد، ورغم ما كانت تسببه لي بين الحين والآخر من كوابيس. كنت أحلم بأنني أذهب إلى المدرسة في الصباح، أدخل على طلاب الصف، وحينما أتهيأ لبدء الحصة المدرسية، أكتشف أنني نسيت في البيت، دفتر التحضير الذي دونت فيه الملاحظات التي سأستعين بها لشرح الدرس، ثم يمعن الكابوس في الضغط على أعصابي حينما أكتشف أن علي أن أشرح درساً لا أستوعب مادته جيداً، وأنني علاوة على ذلك أقف أمام الطلاب حافي القدمين، ولا يكف الكابوس عن تسلطه علي، حتى أنهض متكدراً من النوم. الجهة الأخرى التي لطالما سببّت لي الكوابيس، هي رجال مخابرات الاحتلال. كنت بسبب نشاطي الحزبي، دائم التحسب من مداهماتهم. أحلم بأنهم يحاصرون بيتنا، ثم يقتحمونه، يلقون القبض علي، ثم ينقلونني إلى زنزانة تلتمع في سقفها أضواء، تظل ترسل نحوي أشعتها إلى أن أستيقظ من النوم، وهكذا دواليك. فلما انتهيت من مهنة التدريس، لم تعد تكدرني الكوابيس المرتبطة بها، فاعتبرت ذلك مكافأة مجزية، ورحت أركز جهدي كله على العمل الحزبي، محاولاً التمويه على وضعي الجديد، بالعمل -ساعتين أو ثلاثاً بالمجان- في محل تجاري لأحد الأصدقاء، في مدينة بيت لحم، وذلك لتلافي ملاحقات جهاز المخابرات ومن يرتبط به من المخبرين المحليين، ويبدو أن الأمر لم ينطل عليهم إلى وقت طويل. أصبحت القدس بكل أزقتها وأسواقها وشوارعها وأحيائها، في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، جزءاً من كياني، ومظهراً يومياً من مظاهر حياتي، فكأنني كنت أودعها، دون أن أعلم، تمهيداً لانقطاع قسري.يتبع... ......
#للمدينة49
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764128
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الفترة، توجهنا، أنا وحسين عويسات أحد مخاتير قريتنا، إلى عمان لاستصدار وثائق تتعلق بأرض البقيعة التي تملكها عشائر عرب السواحرة، ولتسليمها إلى المحامية فيليتسيا لانغر، لكي تكون حجة في يدها أمام القضاء، ولتخليصها من أيدي المحتلين إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً (في البداية أعلنوها منطقة عسكرية مغلقة، ثم راجت إشاعات عن قيام بعض السماسرة ببيعها إلى سلطات الاحتلال، وما زال أمرها مجهولاً حتى الآن). على الجسر استدعاني أحد ضباط المخابرات، وأخضعني لتحقيق سريع عن هدفي من السفر إلى عمان. لم أخبره عن غايتي من السفر، حدق في حذائي القديم الذي ركّبت له نصف نعل قبل موعد السفر بأيام، عند "كندرجي" في سوق باب خان الزيت، فاعتقد أنني أخفي رسالة سرية داخله. سألني عما خبأته هناك. قلت: لم أخبئ شيئاً. هددني بتمزيق الحذاء إذا لم أخبره بالحقيقة، فلم أكترث لتهديده. أحضر سكيناً، ومزق النعل الخاص بفردة الحذاء اليمنى، وعاود طرح سؤاله مرة أخرى، فلما رآني غير مكترث، رمى فردة الحذاء الثانية، ثم سافرت إلى عمان، وأنا أجر حذائي الممزق، وبقيت كذلك إلى أن وصلت أول محل لبيع الأحذية في عمان. عدت من عمان بعد غياب استمر ثلاثة أسابيع، خضعت على الفور لأوامر الإقامة الجبرية في القدس، لا أخرج منها إلى سواها مدة عام. *** سأترك العمل في مدرسة دار الأيتام الإسلامية، لأصبح متفرغاً حزبياً. لم يكن الأمر سهلاً في البداية. أحببت مهنة التدريس، رغم ما فيها من جهد، ورغم ما كانت تسببه لي بين الحين والآخر من كوابيس. كنت أحلم بأنني أذهب إلى المدرسة في الصباح، أدخل على طلاب الصف، وحينما أتهيأ لبدء الحصة المدرسية، أكتشف أنني نسيت في البيت، دفتر التحضير الذي دونت فيه الملاحظات التي سأستعين بها لشرح الدرس، ثم يمعن الكابوس في الضغط على أعصابي حينما أكتشف أن علي أن أشرح درساً لا أستوعب مادته جيداً، وأنني علاوة على ذلك أقف أمام الطلاب حافي القدمين، ولا يكف الكابوس عن تسلطه علي، حتى أنهض متكدراً من النوم. الجهة الأخرى التي لطالما سببّت لي الكوابيس، هي رجال مخابرات الاحتلال. كنت بسبب نشاطي الحزبي، دائم التحسب من مداهماتهم. أحلم بأنهم يحاصرون بيتنا، ثم يقتحمونه، يلقون القبض علي، ثم ينقلونني إلى زنزانة تلتمع في سقفها أضواء، تظل ترسل نحوي أشعتها إلى أن أستيقظ من النوم، وهكذا دواليك. فلما انتهيت من مهنة التدريس، لم تعد تكدرني الكوابيس المرتبطة بها، فاعتبرت ذلك مكافأة مجزية، ورحت أركز جهدي كله على العمل الحزبي، محاولاً التمويه على وضعي الجديد، بالعمل -ساعتين أو ثلاثاً بالمجان- في محل تجاري لأحد الأصدقاء، في مدينة بيت لحم، وذلك لتلافي ملاحقات جهاز المخابرات ومن يرتبط به من المخبرين المحليين، ويبدو أن الأمر لم ينطل عليهم إلى وقت طويل. أصبحت القدس بكل أزقتها وأسواقها وشوارعها وأحيائها، في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، جزءاً من كياني، ومظهراً يومياً من مظاهر حياتي، فكأنني كنت أودعها، دون أن أعلم، تمهيداً لانقطاع قسري.يتبع... ......
#للمدينة49
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764128
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة49
محمود شقير : ظل آخر للمدينة50
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند نهاية سوق باب خان الزيت، يستطيع السائر في خط مستقيم أن يخطو خطوات عدة في فضاء مكشوف، ليجد نفسه في أول سوق العطارين. أما إذا انعطف ناحية اليسار، فسيجد نفسه في طريق عقبة السرايا، التي تشبه طريق الجبشة، في خلوها من ازدحام الناس، لندرة المحلات التجارية فيها. فليس ثمة سوى مقهى في أول الطريق. أجلس على أحد كراسي القش في المقهى، وثمة من حولي عدد من أبناء الحي، من الكهول الذين جاءوا لتمضية وقت الفراغ. وثمة سائحات وسياح يجلسون في الفسحة المبلطة ببلاط قديم، وهم يدخنون النراجيل، وعلى وجوههم نشوة الذي يعيش تجارب جديرة بالتذكر في زمن لاحق. من أمام هذا المقهى الذي يتجاوز عمره المائة عام، كنت أمر ومعي فتحي الشقاقي، فيصل العفيفي، وعادل عيد، متجهين نحو مدرسة دار الأيتام الإسلامية التي تقع في نهاية طريق عقبة السرايا. كان فتحي لم يزل في بدايات شبابه، تعمر صدره أحلام كبيرة، لم تتبلور على نحو نهائي إلا فيما بعد. نعبر الطريق مسرعين كي لا يبدأ وقت الحصة الأولى، فنصل إلى طلابنا متأخرين. وفي ساعات ما قبل المساء، نغادر المدرسة على مهل، إما عبر الباب المفضي إلى طريق الواد، وإما عبر البوابة المفضية إلى طريق عقبة السرايا، نجتاز الطريق ونحن منهمكون في نقاشات لا تتوقف، ونظل نقطع الأسواق والشوارع حتى نصل إلى مقهانا الذي اهتدينا إليه مؤخراً، في شارع عمرو بن العاص. الآن، أجلس في هذا المقهى الواقع في أول عقبة السرايا، أستشعر وقع سنوات خلت، وأناس كثر مروا من هنا، ثم ما لبثوا أن مضوا. كان فتحي الشقاقي واحداً من أهم من عرفوا هذا الطريق وساروا فيه. أحتسي القهوة، وأنا أتأمل الناس القلائل الذين يعبرون الطريق. وأستطيع تمييز أهل الحي من غيرهم من المارة انطلاقاً من ملاحظتين اثنتين: فأهل الحي، ولا سيما المتقدمون في السن منهم، لا يمكن أن يجتازوا المقهى من دون أن يطرحوا السلام على الجميع، بسبب المعرفة الأكيدة وطول الجوار. أما العابرون من غير أهل الحي، فإنهم يجتازون الطريق دون أن يشغلهم أمر المجاملات الاجتماعية، فتراهم يمرون وهم مشغولون في أحوالهم يفكرون فيها، وأحياناً ترى بعضهم، يجتاز الطريق بمفرده، وشفتاه تتلفظان بكلام متصل، فتحدق فيه ومن حوله، لتكتشف أنه إنما يحدث نفسه. أما الملاحظة الثانية التي تميز أهل الحي، فتتمثل في الخروج المتأنق، في ساعات ما بعد العصر إلى شوارع المدينة التي تقع خارج السور، فترى الملابس ما زالت محتفظة ببهائها لم "يجعلكها" سفر أو قيام أو قعود، وتكاد تلحظ من المشية المتئدة، ومن نظرات الأعين التي يوزعها العابرون والعابرات في فضاء الطريق، فيما إذا كانوا من أهل الحي أو من غير أهله، فيتملكك إحساس بالعرفان تجاههم، لأنهم يضاعفون من جو الإلفة المخيم على المكان، ويضفون بحركاتهم المتزنة المحسوبة، عذوبة تجعل للوقت طعماً آخر. غير أن لاعب كرة القدم في فريق المدرسة الرشيدية أواسط خمسينيات القرن العشرين، الذي كانت له ملامح الممثل جاك بالانس، جعلني متشككاً فيما إذا كان من سكان هذا الحي، فقد اجتاز الطريق بمشية تنم عن استمرار عشقه للرياضة بالرغم من تقدمه في السن، ولم يلتفت إلى الجالسين في المقهى لطرح السلام عليهم، فاعتبرته من غير سكان الحي، ولم أجزم في الأمر بسبب معرفتي لسلوكه المترفع الذي ينأى به عن مجاملة أقرب الناس إليه، ولم أتوقف كثيراً عند هذا الأمر، ولم أفكر بالاستفسار من أحد أبناء الحي عنه، ولم يقم أحد منهم بالتعليق عليه، فاعتبرت الأمر منتهياً كأنه لم يكن أصلاً، وواصلت تأملاتي، ثم لم ألبث أن نهضت بعد أن طال مكوثي في ال ......
#للمدينة50
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764966
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند نهاية سوق باب خان الزيت، يستطيع السائر في خط مستقيم أن يخطو خطوات عدة في فضاء مكشوف، ليجد نفسه في أول سوق العطارين. أما إذا انعطف ناحية اليسار، فسيجد نفسه في طريق عقبة السرايا، التي تشبه طريق الجبشة، في خلوها من ازدحام الناس، لندرة المحلات التجارية فيها. فليس ثمة سوى مقهى في أول الطريق. أجلس على أحد كراسي القش في المقهى، وثمة من حولي عدد من أبناء الحي، من الكهول الذين جاءوا لتمضية وقت الفراغ. وثمة سائحات وسياح يجلسون في الفسحة المبلطة ببلاط قديم، وهم يدخنون النراجيل، وعلى وجوههم نشوة الذي يعيش تجارب جديرة بالتذكر في زمن لاحق. من أمام هذا المقهى الذي يتجاوز عمره المائة عام، كنت أمر ومعي فتحي الشقاقي، فيصل العفيفي، وعادل عيد، متجهين نحو مدرسة دار الأيتام الإسلامية التي تقع في نهاية طريق عقبة السرايا. كان فتحي لم يزل في بدايات شبابه، تعمر صدره أحلام كبيرة، لم تتبلور على نحو نهائي إلا فيما بعد. نعبر الطريق مسرعين كي لا يبدأ وقت الحصة الأولى، فنصل إلى طلابنا متأخرين. وفي ساعات ما قبل المساء، نغادر المدرسة على مهل، إما عبر الباب المفضي إلى طريق الواد، وإما عبر البوابة المفضية إلى طريق عقبة السرايا، نجتاز الطريق ونحن منهمكون في نقاشات لا تتوقف، ونظل نقطع الأسواق والشوارع حتى نصل إلى مقهانا الذي اهتدينا إليه مؤخراً، في شارع عمرو بن العاص. الآن، أجلس في هذا المقهى الواقع في أول عقبة السرايا، أستشعر وقع سنوات خلت، وأناس كثر مروا من هنا، ثم ما لبثوا أن مضوا. كان فتحي الشقاقي واحداً من أهم من عرفوا هذا الطريق وساروا فيه. أحتسي القهوة، وأنا أتأمل الناس القلائل الذين يعبرون الطريق. وأستطيع تمييز أهل الحي من غيرهم من المارة انطلاقاً من ملاحظتين اثنتين: فأهل الحي، ولا سيما المتقدمون في السن منهم، لا يمكن أن يجتازوا المقهى من دون أن يطرحوا السلام على الجميع، بسبب المعرفة الأكيدة وطول الجوار. أما العابرون من غير أهل الحي، فإنهم يجتازون الطريق دون أن يشغلهم أمر المجاملات الاجتماعية، فتراهم يمرون وهم مشغولون في أحوالهم يفكرون فيها، وأحياناً ترى بعضهم، يجتاز الطريق بمفرده، وشفتاه تتلفظان بكلام متصل، فتحدق فيه ومن حوله، لتكتشف أنه إنما يحدث نفسه. أما الملاحظة الثانية التي تميز أهل الحي، فتتمثل في الخروج المتأنق، في ساعات ما بعد العصر إلى شوارع المدينة التي تقع خارج السور، فترى الملابس ما زالت محتفظة ببهائها لم "يجعلكها" سفر أو قيام أو قعود، وتكاد تلحظ من المشية المتئدة، ومن نظرات الأعين التي يوزعها العابرون والعابرات في فضاء الطريق، فيما إذا كانوا من أهل الحي أو من غير أهله، فيتملكك إحساس بالعرفان تجاههم، لأنهم يضاعفون من جو الإلفة المخيم على المكان، ويضفون بحركاتهم المتزنة المحسوبة، عذوبة تجعل للوقت طعماً آخر. غير أن لاعب كرة القدم في فريق المدرسة الرشيدية أواسط خمسينيات القرن العشرين، الذي كانت له ملامح الممثل جاك بالانس، جعلني متشككاً فيما إذا كان من سكان هذا الحي، فقد اجتاز الطريق بمشية تنم عن استمرار عشقه للرياضة بالرغم من تقدمه في السن، ولم يلتفت إلى الجالسين في المقهى لطرح السلام عليهم، فاعتبرته من غير سكان الحي، ولم أجزم في الأمر بسبب معرفتي لسلوكه المترفع الذي ينأى به عن مجاملة أقرب الناس إليه، ولم أتوقف كثيراً عند هذا الأمر، ولم أفكر بالاستفسار من أحد أبناء الحي عنه، ولم يقم أحد منهم بالتعليق عليه، فاعتبرت الأمر منتهياً كأنه لم يكن أصلاً، وواصلت تأملاتي، ثم لم ألبث أن نهضت بعد أن طال مكوثي في ال ......
#للمدينة50
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764966
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة50
محمود شقير : ظل آخر للمدينة 51
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير يمكن استشفاف بعض ملامح الحالة الراهنة في القدس الشرقية، من مقاهيها التي أغلقت أو التي ما زالت في طريقها نحو الإغلاق. يمكن أيضاً، ونحن نتتبع أحوال المقاهي، الإلماح إلى الثقافة التي تخيم على فضاء المدينة، وتدلل على ما استجد فيها من تطورات سلبية وأوضاع. لتوضيح ذلك، لا بد من التحدث عن مقاهي القدس قبل هزيمة حزيران (يونيو) 1967، لأن ذلك يلقي الضوء على الوضع الذي آلت إليه هذه المقاهي بعد اثنتين وأربعين سنة من الاحتلال. التحدث عن المقاهي يعيد إلى الذاكرة، أيام ازدهار النشاط السياسي في المدينة، وخصوصاً أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، حيث اعتاد نشطاء الأحزاب الجلوس في المقاهي والترويج للسياسات التي تتبناها أحزابهم. وجرت الاستفادة في الوقت نفسه من المقاهي التي تتسع لعدد كبير من الناس (مقهى «زعترة» داخل باب العامود مثلاً) لعقد الاجتماعات الحاشدة للمرشحين لانتخابات البرلمان الأردني، حينما كانت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية آنذاك. ولدى تبلور حركة أدبية مرتبطة بظهور مجلة «الأفق الجديد» المقدسية، خلال النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، شهد بعض مقاهي القدس حضوراً لمثقفين وأدباء من أبناء المدينة ومن خارجها، اتخذوا من هذه المقاهي أماكن لجلوسهم ولحواراتهم، سائرين في ذلك على النهج الذي سار عليه كتاب عرب وأجانب، كانت لهم مقاهيهم المختارة في مدن مثل بيروت والقاهرة ومدريد وبراغ. غير أن هذا الحضور لم يلبث أن اضمحل مع إغلاق المجلة ووقوع هزيمة حزيران. قبل الهزيمة، كانت المقاهي تشكل مع النوادي ودور السينما والمكتبات والفنادق والمطاعم، مظهراً من مظاهر النزوع المدني المرافق لنهوض الطبقة الوسطى، وما يستتبع ذلك من ميل إلى الترفيه عن النفس والتسلية، ومن علاقات اجتماعية منفتحة، وتواصل مع الأصدقاء وقضاء وقت ممتع معهم، حيث يمكن لهؤلاء الأصدقاء - إن لم يذهبوا إلى السينما أو إلى المطعم - قضاء وقت في المقهى للعب الورق، ولتدخين التمباك الذي يوضع على رؤوس النراجيل وفوقه جمرات النار، في أوقات ما بعد العصر وحتى ساعات ما بعد المساء. وأما في ساعات النهار، فالمقهى لم يكن يخلو من زبائن دائمين من الشيوخ المتقاعدين، الذين لا يطيقون البقاء في البيوت، وما يعنيه ذلك من رتابة وضجر. ولم يكن المقهى يخلو من قرويين قادمين إلى المدينة للصلاة في مسجدها الأقصى، أو للتسوق أو لبيع الخضار والفواكه ومنتجات الماشية من جبن وحليب وألبان. ولم يكن يخلو كذلك من شباب عاطلين من العمل، ومن معلمين وموظفين من أبناء الطبقة الوسطى الخارجين من دوامهم اليومي، أو ممن يقضون بعض أوقات إجازاتهم الصيفية أو غير الصيفية في المقاهي، التي لا تكلفهم سوى القليل من النفقات. تميزت مقاهي القدس آنذاك، وخصوصاً تلك الواقعة في أسواق البلدة القديمة، بطاولاتها القصيرة الأرجل التي تتساوق في القصر، مع كراسي القش التي تصطف حول الطاولات، وبأجهزة المذياع التي تبث الأغاني ونشرات الأخبار، وبالعاملين فيها من النادلين ذوي الأصوات الممطوطة المنغمة، التي كانت تعطي المقاهي نكهة ذات وقع خاص. والمحظوظون من زبائن المقاهي هم أولئك الذين كانوا يسبقون غيرهم إلى الجلوس في الفسحات المكشوفة المتاخمة للأسواق، حيث تطيب لهم مراقبة الخلق الذين هم في غدوّ ورواح. وخلال السنوات الست عشرة الماضية، أي منذ بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة الحواجز حول القدس، ومن ثم ببناء جدار الفصل، أخذت مظاهر الاضمحلال تعتري شتى مناحي الحياة في المدينة. وقد تفاقمت هذه المظاهر وازداد خطرها مع إخفاق السلطة الوطنية الف ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=766167
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير يمكن استشفاف بعض ملامح الحالة الراهنة في القدس الشرقية، من مقاهيها التي أغلقت أو التي ما زالت في طريقها نحو الإغلاق. يمكن أيضاً، ونحن نتتبع أحوال المقاهي، الإلماح إلى الثقافة التي تخيم على فضاء المدينة، وتدلل على ما استجد فيها من تطورات سلبية وأوضاع. لتوضيح ذلك، لا بد من التحدث عن مقاهي القدس قبل هزيمة حزيران (يونيو) 1967، لأن ذلك يلقي الضوء على الوضع الذي آلت إليه هذه المقاهي بعد اثنتين وأربعين سنة من الاحتلال. التحدث عن المقاهي يعيد إلى الذاكرة، أيام ازدهار النشاط السياسي في المدينة، وخصوصاً أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، حيث اعتاد نشطاء الأحزاب الجلوس في المقاهي والترويج للسياسات التي تتبناها أحزابهم. وجرت الاستفادة في الوقت نفسه من المقاهي التي تتسع لعدد كبير من الناس (مقهى «زعترة» داخل باب العامود مثلاً) لعقد الاجتماعات الحاشدة للمرشحين لانتخابات البرلمان الأردني، حينما كانت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية آنذاك. ولدى تبلور حركة أدبية مرتبطة بظهور مجلة «الأفق الجديد» المقدسية، خلال النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، شهد بعض مقاهي القدس حضوراً لمثقفين وأدباء من أبناء المدينة ومن خارجها، اتخذوا من هذه المقاهي أماكن لجلوسهم ولحواراتهم، سائرين في ذلك على النهج الذي سار عليه كتاب عرب وأجانب، كانت لهم مقاهيهم المختارة في مدن مثل بيروت والقاهرة ومدريد وبراغ. غير أن هذا الحضور لم يلبث أن اضمحل مع إغلاق المجلة ووقوع هزيمة حزيران. قبل الهزيمة، كانت المقاهي تشكل مع النوادي ودور السينما والمكتبات والفنادق والمطاعم، مظهراً من مظاهر النزوع المدني المرافق لنهوض الطبقة الوسطى، وما يستتبع ذلك من ميل إلى الترفيه عن النفس والتسلية، ومن علاقات اجتماعية منفتحة، وتواصل مع الأصدقاء وقضاء وقت ممتع معهم، حيث يمكن لهؤلاء الأصدقاء - إن لم يذهبوا إلى السينما أو إلى المطعم - قضاء وقت في المقهى للعب الورق، ولتدخين التمباك الذي يوضع على رؤوس النراجيل وفوقه جمرات النار، في أوقات ما بعد العصر وحتى ساعات ما بعد المساء. وأما في ساعات النهار، فالمقهى لم يكن يخلو من زبائن دائمين من الشيوخ المتقاعدين، الذين لا يطيقون البقاء في البيوت، وما يعنيه ذلك من رتابة وضجر. ولم يكن المقهى يخلو من قرويين قادمين إلى المدينة للصلاة في مسجدها الأقصى، أو للتسوق أو لبيع الخضار والفواكه ومنتجات الماشية من جبن وحليب وألبان. ولم يكن يخلو كذلك من شباب عاطلين من العمل، ومن معلمين وموظفين من أبناء الطبقة الوسطى الخارجين من دوامهم اليومي، أو ممن يقضون بعض أوقات إجازاتهم الصيفية أو غير الصيفية في المقاهي، التي لا تكلفهم سوى القليل من النفقات. تميزت مقاهي القدس آنذاك، وخصوصاً تلك الواقعة في أسواق البلدة القديمة، بطاولاتها القصيرة الأرجل التي تتساوق في القصر، مع كراسي القش التي تصطف حول الطاولات، وبأجهزة المذياع التي تبث الأغاني ونشرات الأخبار، وبالعاملين فيها من النادلين ذوي الأصوات الممطوطة المنغمة، التي كانت تعطي المقاهي نكهة ذات وقع خاص. والمحظوظون من زبائن المقاهي هم أولئك الذين كانوا يسبقون غيرهم إلى الجلوس في الفسحات المكشوفة المتاخمة للأسواق، حيث تطيب لهم مراقبة الخلق الذين هم في غدوّ ورواح. وخلال السنوات الست عشرة الماضية، أي منذ بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة الحواجز حول القدس، ومن ثم ببناء جدار الفصل، أخذت مظاهر الاضمحلال تعتري شتى مناحي الحياة في المدينة. وقد تفاقمت هذه المظاهر وازداد خطرها مع إخفاق السلطة الوطنية الف ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=766167
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة 51
محمود شقير : ظل آخر للمدينة52
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير نتابع أخبار الحرب، من مذياع في بيت أحد أبناء عمومتي: الجيش المصري يتمكن من اجتياز خط بارليف. نسمع أصوات سيارات تجتاز الشارع المحاذي للبيت. صاحب البيت يسارع إلى مفتاح الكهرباء، يطفئ النور. سيارات الجيش تتوقف في ساحة بئرنا الغربية (أسميناها كذلك تمييزاً لها عن بئرنا التي تقع أمام بيتنا بالذات، ولم نطلق عليها اسماً، أما البئر الأخرى التي حفرها عمي الدرويش، فإنه لم يتمها لسبب أو لآخر، فظلت كذلك حتى جاء حمارنا ذات يوم، يرعى العشب من حول فوهتها الواسعة المغطاة بلوح من الزينكو، فلما مشى فوقها، لم تحتمل جرمه الثقيل، فسقط في البئر، ما اضطر أبي وأعمامي إلى استخدام السلالم والحبال لإخراجه وهو محطم الأطراف، بادي الإعياء، فأشفقت عليه حدّ البكاء، ولم يلبث أن مات)، ينطلق الجنود منها صوب بيتنا. بعد نصف ساعة تقريباً، يغادرون المكان. أعود إلى البيت فأجد أهلي في حالة من الفزع. يخبرونني أن الجنود ورجال المخابرات فتشوا البيت، واستولوا على جواز سفري، ثم تركوا لي أمراً خطياً، حينما لم يعثروا علي، بالمثول بين أيديهم صباح اليوم التالي. كنت أخشى أن يداهموا البيت مرة أخرى. اتجهت إلى بيت العم عايد الذي يقع في منحدر وعر غير بعيد عن بيتنا. فتحت لي الباب زوجة عمي، تمام (لم ترزق سوى بثلاث بنات، وحينما رزقت بمولود ذكر، كانت معنية بأخذه إلى الفتّاح كلما ألم به مرض. كان الفتاح يعالجه بأدعية كثيرة، وأحجبة تشبكها زوجة عمي على كتف الطفل بدبوس. حذرها الفتاح من مغبة الذهاب بالطفل إلى أي طبيب، لأن ذلك سيفسد مفعول أدعيته والأحجبة، فأذعنت لكلامه. وذات مرة مرض الطفل مرضاً شديداً، فلم تذهب به إلى أي طبيب إلى أن مات، فترك ذلك في نفسها حزناً ظلل حياتها طوال سنوات). نمت في بيت عمي حتى الصباح، ثم غادرته في ساعة مبكرة إلى القدس، ومنها اتجهت إلى نابلس. قصدت بيت أحد أعضاء الحزب، بقيت فيه وقتاً. جاء عربي عواد، مسؤول الحزب الأول في الأرض المحتلة، وكان يتنقل هو الآخر سراً بعد أن جاء الجنود لاعتقاله ليلاً، ولم يعثروا عليه في البيت. مضينا معاً نصعد طريقاً في جبل جيرزيم، دخلنا شارعاً تنهض على حافته بيوت متلاصقة، انعطفنا نحو اليمين، وسرنا في طريق جانبية مسافة عشرين متراً، وقفنا أمام باب حديدي مغلق، في طرفه العلوي طاقتان صغيرتان. كانت إحدى الطاقتين مفتوحة، فلم نعد بحاجة إلى قرع الباب الذي انشق بسرعة. وجدتني وجهاً لوجه أمام عبد الله السرياني الذي اختفى من وجه المحتلين منذ العام 1968، إثر المظاهرة التي قمنا بتنظيمها انطلاقاً من الحرم الشريف بعد صلاة الجمعة، فلم يعد عبد الله إلى القدس بعد ذلك، ولم يخرج من البيت السري إلا إلى السجن حينما ألقي القبض عليه العام 1974. مكثت في هذا البيت مدة أسبوع لم أغادره إلى الخارج لحظة واحدة. بقي عربي عواد معنا عدة ساعات، ثم خرج. أما عبد الله، فقد كان يخرج في ساعات محددة ثم يعود، ليلازم البيت لا يخرج منه، ولا يدع أحداً من الجيران يشك في شيء غير عادي من حوله. كانت امرأة شابة تخرج كل صباح لنشر غسيلها في الباحة القريبة، فلا تشعر بوجودنا، لأننا نتصرف بحذر شديد داخل البيت. بعد أسبوع، انتقلت إلى مدينة البيرة للإقامة في بيت سري آخر، بقيت فيه إلى أن توقفت الحرب. أثناء إقامتي في هذا البيت قرأت عدة كتب، أحضرها أحد قياديي الحزب من البيرة، كان يأتي لتفقد أحوالي مرة كل يومين، من بينها كتاب "الحركة الاشتراكية في مصر" للدكتور رفعت السعيد. صاحب البيت الذي أقمت فيه عجوز يمشي على قدمين واهنتين ينز منهما الدم، وكان وحيداً معذباً يق ......
#للمدينة52
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=766675
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير نتابع أخبار الحرب، من مذياع في بيت أحد أبناء عمومتي: الجيش المصري يتمكن من اجتياز خط بارليف. نسمع أصوات سيارات تجتاز الشارع المحاذي للبيت. صاحب البيت يسارع إلى مفتاح الكهرباء، يطفئ النور. سيارات الجيش تتوقف في ساحة بئرنا الغربية (أسميناها كذلك تمييزاً لها عن بئرنا التي تقع أمام بيتنا بالذات، ولم نطلق عليها اسماً، أما البئر الأخرى التي حفرها عمي الدرويش، فإنه لم يتمها لسبب أو لآخر، فظلت كذلك حتى جاء حمارنا ذات يوم، يرعى العشب من حول فوهتها الواسعة المغطاة بلوح من الزينكو، فلما مشى فوقها، لم تحتمل جرمه الثقيل، فسقط في البئر، ما اضطر أبي وأعمامي إلى استخدام السلالم والحبال لإخراجه وهو محطم الأطراف، بادي الإعياء، فأشفقت عليه حدّ البكاء، ولم يلبث أن مات)، ينطلق الجنود منها صوب بيتنا. بعد نصف ساعة تقريباً، يغادرون المكان. أعود إلى البيت فأجد أهلي في حالة من الفزع. يخبرونني أن الجنود ورجال المخابرات فتشوا البيت، واستولوا على جواز سفري، ثم تركوا لي أمراً خطياً، حينما لم يعثروا علي، بالمثول بين أيديهم صباح اليوم التالي. كنت أخشى أن يداهموا البيت مرة أخرى. اتجهت إلى بيت العم عايد الذي يقع في منحدر وعر غير بعيد عن بيتنا. فتحت لي الباب زوجة عمي، تمام (لم ترزق سوى بثلاث بنات، وحينما رزقت بمولود ذكر، كانت معنية بأخذه إلى الفتّاح كلما ألم به مرض. كان الفتاح يعالجه بأدعية كثيرة، وأحجبة تشبكها زوجة عمي على كتف الطفل بدبوس. حذرها الفتاح من مغبة الذهاب بالطفل إلى أي طبيب، لأن ذلك سيفسد مفعول أدعيته والأحجبة، فأذعنت لكلامه. وذات مرة مرض الطفل مرضاً شديداً، فلم تذهب به إلى أي طبيب إلى أن مات، فترك ذلك في نفسها حزناً ظلل حياتها طوال سنوات). نمت في بيت عمي حتى الصباح، ثم غادرته في ساعة مبكرة إلى القدس، ومنها اتجهت إلى نابلس. قصدت بيت أحد أعضاء الحزب، بقيت فيه وقتاً. جاء عربي عواد، مسؤول الحزب الأول في الأرض المحتلة، وكان يتنقل هو الآخر سراً بعد أن جاء الجنود لاعتقاله ليلاً، ولم يعثروا عليه في البيت. مضينا معاً نصعد طريقاً في جبل جيرزيم، دخلنا شارعاً تنهض على حافته بيوت متلاصقة، انعطفنا نحو اليمين، وسرنا في طريق جانبية مسافة عشرين متراً، وقفنا أمام باب حديدي مغلق، في طرفه العلوي طاقتان صغيرتان. كانت إحدى الطاقتين مفتوحة، فلم نعد بحاجة إلى قرع الباب الذي انشق بسرعة. وجدتني وجهاً لوجه أمام عبد الله السرياني الذي اختفى من وجه المحتلين منذ العام 1968، إثر المظاهرة التي قمنا بتنظيمها انطلاقاً من الحرم الشريف بعد صلاة الجمعة، فلم يعد عبد الله إلى القدس بعد ذلك، ولم يخرج من البيت السري إلا إلى السجن حينما ألقي القبض عليه العام 1974. مكثت في هذا البيت مدة أسبوع لم أغادره إلى الخارج لحظة واحدة. بقي عربي عواد معنا عدة ساعات، ثم خرج. أما عبد الله، فقد كان يخرج في ساعات محددة ثم يعود، ليلازم البيت لا يخرج منه، ولا يدع أحداً من الجيران يشك في شيء غير عادي من حوله. كانت امرأة شابة تخرج كل صباح لنشر غسيلها في الباحة القريبة، فلا تشعر بوجودنا، لأننا نتصرف بحذر شديد داخل البيت. بعد أسبوع، انتقلت إلى مدينة البيرة للإقامة في بيت سري آخر، بقيت فيه إلى أن توقفت الحرب. أثناء إقامتي في هذا البيت قرأت عدة كتب، أحضرها أحد قياديي الحزب من البيرة، كان يأتي لتفقد أحوالي مرة كل يومين، من بينها كتاب "الحركة الاشتراكية في مصر" للدكتور رفعت السعيد. صاحب البيت الذي أقمت فيه عجوز يمشي على قدمين واهنتين ينز منهما الدم، وكان وحيداً معذباً يق ......
#للمدينة52
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=766675
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة52
محمود شقير : ظل آخر للمدينة53
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ذات يوم، قبل الغروب، كنت أجلس في شرفة بيتنا، وأنا أتابع الأخبار التي تتحدث عن مؤتمر السلام الذي انعقد في جنيف، لعله يتوصل إلى حل لهذا الصراع، الذي استنزف من دمنا وأعمارنا الشيء الكثير. فجأة، وأنا غارق في تصوراتي، شاهدت رجالاً بملابس مدنية يقتحمون البيت، أدركت أنهم من جهاز المخابرات الإسرائيلية. طلبوا مني أن أرافقهم إلى سجن المسكوبية. اتجهت معهم إلى ساحة بئرنا الغربية. كانت هناك سيارتا تاكسي لهما لون أبيض، ركبت في إحدى السيارتين، ومضوا بي صاعدين طريق الجبل. راح أحدهم يتحدث عما أقوم به من أنشطة سياسية تحريضية، وأخذ يخيرني بين السجن والإبعاد. وصلنا المكاتب المجاورة لسجن المسكوبية. جلست أنتظر وأنا متوجس من هذا الاعتقال. بعد نصف ساعة أدخلني الضابط إلى مكتبه، سلمني جواز سفري الذي كان استولى عليه حينما جاء لاعتقالي أثناء الحرب قبل شهرين. أخبرني أنني أستطيع العودة إلى البيت، ثم أتبع كلامه بتحذير غامض. *** أمطار كثيرة هطلت في ذلك العام. أخرج في الصباح تحت المطر، أنتظر باص "أيجد" رقم 44 ، التابع لشركة الباصات الإسرائيلية غير بعيد من بيوت المستوطنة الجديدة التي شرع الإسرائيليون في بنائها على قمة جبل المكبر وعلى أطرافه الجنوبية (لم يكن مسموحاً للباصات التابعة للشركات العربية بالسير على هذا الشارع، وظل الأمر كذلك حتى اندلعت الإنتفاضة، فتوقفت الشركة الإسرائيلية عن تسيير باصاتها على الشارع مرغمة، بسبب ما كانت تتعرض له من حجارة يقذفها نحوها الفتية والشباب). أمضي في الباص إلى المحطة المركزية بالقرب من باب العامود. أجلس في مقهى الشعب، أحتسي الشاي، وأنتظر فرصة لانقطاع المطر، أتأمل سور المدينة المواجه للمقهى، وتعبر سيارة لجيش الاحتلال بين الحين والآخر فضاء الشارع، تشق بعجلاتها ما تجمع فيه من ماء المطر، فأشعر بالحزن، ثم أعود للتحديق في السور الذي يجثم ساكناً مبللاً تحت المطر، وأدرك أن السور وحيد رغم ما يحيط به من حركة وضجيج، وأنه لم يعد قادراً على حماية المدينة من الغزو في زمن الطائرات، لذلك، فإنه يبدو كما لو أنه يعاني من ذل فادح، بعد أن تحول إلى مجرد أثر تاريخي متروك للتأمل. يستمر هطول المطر، وأتذكر أغنية الطفولة ونحن نلعب تحت المطر في ساحة بئرنا الغربية: "أمطري وزيدي.. بيتنا حديدي.. عمنا عبد الله.. ورزقنا على الله". فأبدو، للحظة، منفصلاً عن المقهى، وعن الشارع وعن سور المدينة. أغادر المقهى في لحظة صحو مؤقتة. أمضي إلى البلدة القديمة عبر باب العامود، يبدأ المطر عزفه من جديد. أجتاز البوابة التي تسح من قوسها خيوط رفيعة من المياه كأنها الدموع، أنعطف نحو طريق الجبشة، متجهاً إلى خان الأقباط. هذا اليوم، تصل جريدة "الوطن" السرية التي يصدرها الحزب، وعلي أن أستلم حصتي منها. أمضي وقتاً غير قليل في الخان، حيث الدفء وأحاديث الرفاق الذين جاءوا لاستلام حصتهم من الجريدة. أغادر الخان إلى سوق حارة النصارى، أنعطف يميناً نحو طريق أفتيموس القريبة من كنيسة القيامة. لا أرى في الطريق سوى قلة من الناس الذين يسيرون محاذرين من المطر، أدخل سوق الدباغة، أتجاوز كنيسة الفادي الإنجيلية التي يضرب المطر واجهتها المشيدة من حجر أبيض صقيل، أصل سوق باب خان الزيت من جهته المواجهة لسوق العطارين، أمشي في السوق المسقوفة مستشعراً الحماية والأمن، أنعطف يميناً نحو درب الآلام، التي لا ينفذ إليها المطر إلا من فتحات قليلة هنا وهناك. أمضي نحو طريق الواد، أدخل مطعما ......
#للمدينة53
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767049
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ذات يوم، قبل الغروب، كنت أجلس في شرفة بيتنا، وأنا أتابع الأخبار التي تتحدث عن مؤتمر السلام الذي انعقد في جنيف، لعله يتوصل إلى حل لهذا الصراع، الذي استنزف من دمنا وأعمارنا الشيء الكثير. فجأة، وأنا غارق في تصوراتي، شاهدت رجالاً بملابس مدنية يقتحمون البيت، أدركت أنهم من جهاز المخابرات الإسرائيلية. طلبوا مني أن أرافقهم إلى سجن المسكوبية. اتجهت معهم إلى ساحة بئرنا الغربية. كانت هناك سيارتا تاكسي لهما لون أبيض، ركبت في إحدى السيارتين، ومضوا بي صاعدين طريق الجبل. راح أحدهم يتحدث عما أقوم به من أنشطة سياسية تحريضية، وأخذ يخيرني بين السجن والإبعاد. وصلنا المكاتب المجاورة لسجن المسكوبية. جلست أنتظر وأنا متوجس من هذا الاعتقال. بعد نصف ساعة أدخلني الضابط إلى مكتبه، سلمني جواز سفري الذي كان استولى عليه حينما جاء لاعتقالي أثناء الحرب قبل شهرين. أخبرني أنني أستطيع العودة إلى البيت، ثم أتبع كلامه بتحذير غامض. *** أمطار كثيرة هطلت في ذلك العام. أخرج في الصباح تحت المطر، أنتظر باص "أيجد" رقم 44 ، التابع لشركة الباصات الإسرائيلية غير بعيد من بيوت المستوطنة الجديدة التي شرع الإسرائيليون في بنائها على قمة جبل المكبر وعلى أطرافه الجنوبية (لم يكن مسموحاً للباصات التابعة للشركات العربية بالسير على هذا الشارع، وظل الأمر كذلك حتى اندلعت الإنتفاضة، فتوقفت الشركة الإسرائيلية عن تسيير باصاتها على الشارع مرغمة، بسبب ما كانت تتعرض له من حجارة يقذفها نحوها الفتية والشباب). أمضي في الباص إلى المحطة المركزية بالقرب من باب العامود. أجلس في مقهى الشعب، أحتسي الشاي، وأنتظر فرصة لانقطاع المطر، أتأمل سور المدينة المواجه للمقهى، وتعبر سيارة لجيش الاحتلال بين الحين والآخر فضاء الشارع، تشق بعجلاتها ما تجمع فيه من ماء المطر، فأشعر بالحزن، ثم أعود للتحديق في السور الذي يجثم ساكناً مبللاً تحت المطر، وأدرك أن السور وحيد رغم ما يحيط به من حركة وضجيج، وأنه لم يعد قادراً على حماية المدينة من الغزو في زمن الطائرات، لذلك، فإنه يبدو كما لو أنه يعاني من ذل فادح، بعد أن تحول إلى مجرد أثر تاريخي متروك للتأمل. يستمر هطول المطر، وأتذكر أغنية الطفولة ونحن نلعب تحت المطر في ساحة بئرنا الغربية: "أمطري وزيدي.. بيتنا حديدي.. عمنا عبد الله.. ورزقنا على الله". فأبدو، للحظة، منفصلاً عن المقهى، وعن الشارع وعن سور المدينة. أغادر المقهى في لحظة صحو مؤقتة. أمضي إلى البلدة القديمة عبر باب العامود، يبدأ المطر عزفه من جديد. أجتاز البوابة التي تسح من قوسها خيوط رفيعة من المياه كأنها الدموع، أنعطف نحو طريق الجبشة، متجهاً إلى خان الأقباط. هذا اليوم، تصل جريدة "الوطن" السرية التي يصدرها الحزب، وعلي أن أستلم حصتي منها. أمضي وقتاً غير قليل في الخان، حيث الدفء وأحاديث الرفاق الذين جاءوا لاستلام حصتهم من الجريدة. أغادر الخان إلى سوق حارة النصارى، أنعطف يميناً نحو طريق أفتيموس القريبة من كنيسة القيامة. لا أرى في الطريق سوى قلة من الناس الذين يسيرون محاذرين من المطر، أدخل سوق الدباغة، أتجاوز كنيسة الفادي الإنجيلية التي يضرب المطر واجهتها المشيدة من حجر أبيض صقيل، أصل سوق باب خان الزيت من جهته المواجهة لسوق العطارين، أمشي في السوق المسقوفة مستشعراً الحماية والأمن، أنعطف يميناً نحو درب الآلام، التي لا ينفذ إليها المطر إلا من فتحات قليلة هنا وهناك. أمضي نحو طريق الواد، أدخل مطعما ......
#للمدينة53
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767049
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة53
محمود شقير : ظل آخر للمدينة54
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أدلي بشهادتي عن ذلك اليوم وما تلاه، أمام لجنة تابعة لمجلس السلم العالمي في هلسنكي، أدلي بالشهادة وفيليتسيا لانجر تصغي بتأثر، ويقوم مراسلو وسائل الإعلام المختلفة بتسجيل ما أقول: كان ذلك اليوم من شهر نيسان رائقاً معتدل الطقس. صعدت إلى قمة الجبل، وجدت أحد أقاربي واقفاً على رصيف الشارع ينتظر الباص، وثمة على مسافة مائتي متر سيارة فورد بيضاء لم تلفت انتباهنا. الساعة تقترب من العاشرة. أطل الباص من خلف الجبل. تهيأنا للصعود إليه، غير أن سيارة الفورد سارت أمام الباص وتوقفت بالقرب منا. فجأة، شعرت بأن أشخاصاً يقبضون علي، ويدفعونني إلى داخل سيارة الفورد، وقد فعلوا الشيء نفسه مع قريبي، ثم انطلقت بنا السيارة قبل أن نتمكن من تحليل المشهد ومعرفة دوافعه. جبل المكبر يبتعد، ولم أكن أعرف أنني أراه للمرة الأخيرة من نوافذ السيارة التي تمتلئ من حولنا بأفراد من المخابرات الإسرائيلية (إنهم يغيرون تكتيكهم، فبدلاً من مداهمة البيت ليلاً، فإنهم ينصبون لي كميناً في وضح النهار). أصابني قلق بسبب نسخ الجريدة السرية التي أحملها في جيبي. واصلت التفرس في وجوه من هم حولي، وبين الحين والآخر أتأمل البيوت التي تنتشر على جانبي الشارع الصاعد نحو حي رأس العامود، يطل من شرفات بعضها رجال ونساء مشغولون بهمومهم الخاصة. السيارة تتجه بنا نحو ساحة باب الساهرة، ثم تنطلق في شارع السلطان سليمان، وتواصل انطلاقها -وأنا أودع كل شيء من حولي- نحو مكاتب المخابرات المجاورة لسجن المسكوبية. رجال المخابرات يهبطون من السيارة، ويتركوننا مقيدين إلى بعضنا بعضاً أنا وقريبي أحمد (إنه أحد أحفاد العم عايد، ولم يكن منتمياً إلى أية جهة سياسية آنذاك، وقد بقي في سجن المسكوبية مدة أسبوعين دون سبب، ثم أطلقوا سراحه بعد ذلك). أمد يدي الطليقة إلى داخل جيبي، وأخرج نسخ الجريدة منها، وأدسها تحت كرسي السيارة، ما يجعلني في حل من المسؤولية عنها. أفراد المخابرات يعودون إلينا، يعصبون أعيننا، ثم يقودوننا إلى مكان ما. بعد دقائق، أسمعهم يفتحون باباً موصداً، ينزعون العصبة عن عيني، ويقذفون بي إلى داخل الزنزانة إياها التي أقمت فيها ليلتين أواخر شهر تموز العام 1969، ثم يغلقون الباب الحديدي علي. أنادي حفيد عمي لعله موجود في الزنزانة المجاورة، فلا يجيبني أحد. بعد ساعتين، جاءوا ثانية، أخرجوني من الزنزانة، اقتادوني إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، أمروني بأن أصعد في سيارة جيب عسكرية تابعة لحرس الحدود، ولم يعصبوا عيني هذه المرة لسبب لا أدريه. صعد إلى جانبي عدد من الجنود. سارت السيارة بنا نحو الباب الجديد. بدا الشارع مكتظاً بالسيارات، ما اضطر سائق سيارة الجيب إلى التوقف كل لحظة. ولم يكن هذا الأمر ساراً بالنسبة لي. فقد انتبه إلي، وأنا أجلس مكبلاً بين الجنود، مواطن إسرائيلي يركب سيارة تزحف ببطء خلفنا، فأخذ يصرخ محرضاً ضدي بصوت ممجوج، ثم هم بالنزول من السيارة للاعتداء علي. تكفل الجنود بالمهمة نيابة عنه، فانهالوا علي يصفعونني على رأسي ووجهي، وهو يطلب منهم مواصلة الصفع كلما توقفوا عنه. اقتربنا من باب العامود، وكنت أشعر بألم نفسي، علاوة على الألم الذي أستشعره في رأسي، وأنا أتلقى الصفعات، هنا في هذا المكان، غير بعيد من سور المدينة، حيث لم أتوقع يوماً أنني سأتعرض لإهانة فيه. دخلنا شارع صلاح الدين. وتذكرت أنني كنت يوم أمس حراً طليقاً أتمشى على رصيف هذا الشارع من أوله إلى آخره. وتساءلت بيني وبين نفسي: هل لهذا السبب لم يعصبوا عيني؟ لكي أشعر بالأسى وأنا أمضي مبتعداً، أم أنه لا عل ......
#للمدينة54
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768549
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أدلي بشهادتي عن ذلك اليوم وما تلاه، أمام لجنة تابعة لمجلس السلم العالمي في هلسنكي، أدلي بالشهادة وفيليتسيا لانجر تصغي بتأثر، ويقوم مراسلو وسائل الإعلام المختلفة بتسجيل ما أقول: كان ذلك اليوم من شهر نيسان رائقاً معتدل الطقس. صعدت إلى قمة الجبل، وجدت أحد أقاربي واقفاً على رصيف الشارع ينتظر الباص، وثمة على مسافة مائتي متر سيارة فورد بيضاء لم تلفت انتباهنا. الساعة تقترب من العاشرة. أطل الباص من خلف الجبل. تهيأنا للصعود إليه، غير أن سيارة الفورد سارت أمام الباص وتوقفت بالقرب منا. فجأة، شعرت بأن أشخاصاً يقبضون علي، ويدفعونني إلى داخل سيارة الفورد، وقد فعلوا الشيء نفسه مع قريبي، ثم انطلقت بنا السيارة قبل أن نتمكن من تحليل المشهد ومعرفة دوافعه. جبل المكبر يبتعد، ولم أكن أعرف أنني أراه للمرة الأخيرة من نوافذ السيارة التي تمتلئ من حولنا بأفراد من المخابرات الإسرائيلية (إنهم يغيرون تكتيكهم، فبدلاً من مداهمة البيت ليلاً، فإنهم ينصبون لي كميناً في وضح النهار). أصابني قلق بسبب نسخ الجريدة السرية التي أحملها في جيبي. واصلت التفرس في وجوه من هم حولي، وبين الحين والآخر أتأمل البيوت التي تنتشر على جانبي الشارع الصاعد نحو حي رأس العامود، يطل من شرفات بعضها رجال ونساء مشغولون بهمومهم الخاصة. السيارة تتجه بنا نحو ساحة باب الساهرة، ثم تنطلق في شارع السلطان سليمان، وتواصل انطلاقها -وأنا أودع كل شيء من حولي- نحو مكاتب المخابرات المجاورة لسجن المسكوبية. رجال المخابرات يهبطون من السيارة، ويتركوننا مقيدين إلى بعضنا بعضاً أنا وقريبي أحمد (إنه أحد أحفاد العم عايد، ولم يكن منتمياً إلى أية جهة سياسية آنذاك، وقد بقي في سجن المسكوبية مدة أسبوعين دون سبب، ثم أطلقوا سراحه بعد ذلك). أمد يدي الطليقة إلى داخل جيبي، وأخرج نسخ الجريدة منها، وأدسها تحت كرسي السيارة، ما يجعلني في حل من المسؤولية عنها. أفراد المخابرات يعودون إلينا، يعصبون أعيننا، ثم يقودوننا إلى مكان ما. بعد دقائق، أسمعهم يفتحون باباً موصداً، ينزعون العصبة عن عيني، ويقذفون بي إلى داخل الزنزانة إياها التي أقمت فيها ليلتين أواخر شهر تموز العام 1969، ثم يغلقون الباب الحديدي علي. أنادي حفيد عمي لعله موجود في الزنزانة المجاورة، فلا يجيبني أحد. بعد ساعتين، جاءوا ثانية، أخرجوني من الزنزانة، اقتادوني إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، أمروني بأن أصعد في سيارة جيب عسكرية تابعة لحرس الحدود، ولم يعصبوا عيني هذه المرة لسبب لا أدريه. صعد إلى جانبي عدد من الجنود. سارت السيارة بنا نحو الباب الجديد. بدا الشارع مكتظاً بالسيارات، ما اضطر سائق سيارة الجيب إلى التوقف كل لحظة. ولم يكن هذا الأمر ساراً بالنسبة لي. فقد انتبه إلي، وأنا أجلس مكبلاً بين الجنود، مواطن إسرائيلي يركب سيارة تزحف ببطء خلفنا، فأخذ يصرخ محرضاً ضدي بصوت ممجوج، ثم هم بالنزول من السيارة للاعتداء علي. تكفل الجنود بالمهمة نيابة عنه، فانهالوا علي يصفعونني على رأسي ووجهي، وهو يطلب منهم مواصلة الصفع كلما توقفوا عنه. اقتربنا من باب العامود، وكنت أشعر بألم نفسي، علاوة على الألم الذي أستشعره في رأسي، وأنا أتلقى الصفعات، هنا في هذا المكان، غير بعيد من سور المدينة، حيث لم أتوقع يوماً أنني سأتعرض لإهانة فيه. دخلنا شارع صلاح الدين. وتذكرت أنني كنت يوم أمس حراً طليقاً أتمشى على رصيف هذا الشارع من أوله إلى آخره. وتساءلت بيني وبين نفسي: هل لهذا السبب لم يعصبوا عيني؟ لكي أشعر بالأسى وأنا أمضي مبتعداً، أم أنه لا عل ......
#للمدينة54
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768549
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة54