محمود شقير : ظل آخر للمدينة54
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أدلي بشهادتي عن ذلك اليوم وما تلاه، أمام لجنة تابعة لمجلس السلم العالمي في هلسنكي، أدلي بالشهادة وفيليتسيا لانجر تصغي بتأثر، ويقوم مراسلو وسائل الإعلام المختلفة بتسجيل ما أقول: كان ذلك اليوم من شهر نيسان رائقاً معتدل الطقس. صعدت إلى قمة الجبل، وجدت أحد أقاربي واقفاً على رصيف الشارع ينتظر الباص، وثمة على مسافة مائتي متر سيارة فورد بيضاء لم تلفت انتباهنا. الساعة تقترب من العاشرة. أطل الباص من خلف الجبل. تهيأنا للصعود إليه، غير أن سيارة الفورد سارت أمام الباص وتوقفت بالقرب منا. فجأة، شعرت بأن أشخاصاً يقبضون علي، ويدفعونني إلى داخل سيارة الفورد، وقد فعلوا الشيء نفسه مع قريبي، ثم انطلقت بنا السيارة قبل أن نتمكن من تحليل المشهد ومعرفة دوافعه. جبل المكبر يبتعد، ولم أكن أعرف أنني أراه للمرة الأخيرة من نوافذ السيارة التي تمتلئ من حولنا بأفراد من المخابرات الإسرائيلية (إنهم يغيرون تكتيكهم، فبدلاً من مداهمة البيت ليلاً، فإنهم ينصبون لي كميناً في وضح النهار). أصابني قلق بسبب نسخ الجريدة السرية التي أحملها في جيبي. واصلت التفرس في وجوه من هم حولي، وبين الحين والآخر أتأمل البيوت التي تنتشر على جانبي الشارع الصاعد نحو حي رأس العامود، يطل من شرفات بعضها رجال ونساء مشغولون بهمومهم الخاصة. السيارة تتجه بنا نحو ساحة باب الساهرة، ثم تنطلق في شارع السلطان سليمان، وتواصل انطلاقها -وأنا أودع كل شيء من حولي- نحو مكاتب المخابرات المجاورة لسجن المسكوبية. رجال المخابرات يهبطون من السيارة، ويتركوننا مقيدين إلى بعضنا بعضاً أنا وقريبي أحمد (إنه أحد أحفاد العم عايد، ولم يكن منتمياً إلى أية جهة سياسية آنذاك، وقد بقي في سجن المسكوبية مدة أسبوعين دون سبب، ثم أطلقوا سراحه بعد ذلك). أمد يدي الطليقة إلى داخل جيبي، وأخرج نسخ الجريدة منها، وأدسها تحت كرسي السيارة، ما يجعلني في حل من المسؤولية عنها. أفراد المخابرات يعودون إلينا، يعصبون أعيننا، ثم يقودوننا إلى مكان ما. بعد دقائق، أسمعهم يفتحون باباً موصداً، ينزعون العصبة عن عيني، ويقذفون بي إلى داخل الزنزانة إياها التي أقمت فيها ليلتين أواخر شهر تموز العام 1969، ثم يغلقون الباب الحديدي علي. أنادي حفيد عمي لعله موجود في الزنزانة المجاورة، فلا يجيبني أحد. بعد ساعتين، جاءوا ثانية، أخرجوني من الزنزانة، اقتادوني إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، أمروني بأن أصعد في سيارة جيب عسكرية تابعة لحرس الحدود، ولم يعصبوا عيني هذه المرة لسبب لا أدريه. صعد إلى جانبي عدد من الجنود. سارت السيارة بنا نحو الباب الجديد. بدا الشارع مكتظاً بالسيارات، ما اضطر سائق سيارة الجيب إلى التوقف كل لحظة. ولم يكن هذا الأمر ساراً بالنسبة لي. فقد انتبه إلي، وأنا أجلس مكبلاً بين الجنود، مواطن إسرائيلي يركب سيارة تزحف ببطء خلفنا، فأخذ يصرخ محرضاً ضدي بصوت ممجوج، ثم هم بالنزول من السيارة للاعتداء علي. تكفل الجنود بالمهمة نيابة عنه، فانهالوا علي يصفعونني على رأسي ووجهي، وهو يطلب منهم مواصلة الصفع كلما توقفوا عنه. اقتربنا من باب العامود، وكنت أشعر بألم نفسي، علاوة على الألم الذي أستشعره في رأسي، وأنا أتلقى الصفعات، هنا في هذا المكان، غير بعيد من سور المدينة، حيث لم أتوقع يوماً أنني سأتعرض لإهانة فيه. دخلنا شارع صلاح الدين. وتذكرت أنني كنت يوم أمس حراً طليقاً أتمشى على رصيف هذا الشارع من أوله إلى آخره. وتساءلت بيني وبين نفسي: هل لهذا السبب لم يعصبوا عيني؟ لكي أشعر بالأسى وأنا أمضي مبتعداً، أم أنه لا عل ......
#للمدينة54
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768549
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أدلي بشهادتي عن ذلك اليوم وما تلاه، أمام لجنة تابعة لمجلس السلم العالمي في هلسنكي، أدلي بالشهادة وفيليتسيا لانجر تصغي بتأثر، ويقوم مراسلو وسائل الإعلام المختلفة بتسجيل ما أقول: كان ذلك اليوم من شهر نيسان رائقاً معتدل الطقس. صعدت إلى قمة الجبل، وجدت أحد أقاربي واقفاً على رصيف الشارع ينتظر الباص، وثمة على مسافة مائتي متر سيارة فورد بيضاء لم تلفت انتباهنا. الساعة تقترب من العاشرة. أطل الباص من خلف الجبل. تهيأنا للصعود إليه، غير أن سيارة الفورد سارت أمام الباص وتوقفت بالقرب منا. فجأة، شعرت بأن أشخاصاً يقبضون علي، ويدفعونني إلى داخل سيارة الفورد، وقد فعلوا الشيء نفسه مع قريبي، ثم انطلقت بنا السيارة قبل أن نتمكن من تحليل المشهد ومعرفة دوافعه. جبل المكبر يبتعد، ولم أكن أعرف أنني أراه للمرة الأخيرة من نوافذ السيارة التي تمتلئ من حولنا بأفراد من المخابرات الإسرائيلية (إنهم يغيرون تكتيكهم، فبدلاً من مداهمة البيت ليلاً، فإنهم ينصبون لي كميناً في وضح النهار). أصابني قلق بسبب نسخ الجريدة السرية التي أحملها في جيبي. واصلت التفرس في وجوه من هم حولي، وبين الحين والآخر أتأمل البيوت التي تنتشر على جانبي الشارع الصاعد نحو حي رأس العامود، يطل من شرفات بعضها رجال ونساء مشغولون بهمومهم الخاصة. السيارة تتجه بنا نحو ساحة باب الساهرة، ثم تنطلق في شارع السلطان سليمان، وتواصل انطلاقها -وأنا أودع كل شيء من حولي- نحو مكاتب المخابرات المجاورة لسجن المسكوبية. رجال المخابرات يهبطون من السيارة، ويتركوننا مقيدين إلى بعضنا بعضاً أنا وقريبي أحمد (إنه أحد أحفاد العم عايد، ولم يكن منتمياً إلى أية جهة سياسية آنذاك، وقد بقي في سجن المسكوبية مدة أسبوعين دون سبب، ثم أطلقوا سراحه بعد ذلك). أمد يدي الطليقة إلى داخل جيبي، وأخرج نسخ الجريدة منها، وأدسها تحت كرسي السيارة، ما يجعلني في حل من المسؤولية عنها. أفراد المخابرات يعودون إلينا، يعصبون أعيننا، ثم يقودوننا إلى مكان ما. بعد دقائق، أسمعهم يفتحون باباً موصداً، ينزعون العصبة عن عيني، ويقذفون بي إلى داخل الزنزانة إياها التي أقمت فيها ليلتين أواخر شهر تموز العام 1969، ثم يغلقون الباب الحديدي علي. أنادي حفيد عمي لعله موجود في الزنزانة المجاورة، فلا يجيبني أحد. بعد ساعتين، جاءوا ثانية، أخرجوني من الزنزانة، اقتادوني إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، أمروني بأن أصعد في سيارة جيب عسكرية تابعة لحرس الحدود، ولم يعصبوا عيني هذه المرة لسبب لا أدريه. صعد إلى جانبي عدد من الجنود. سارت السيارة بنا نحو الباب الجديد. بدا الشارع مكتظاً بالسيارات، ما اضطر سائق سيارة الجيب إلى التوقف كل لحظة. ولم يكن هذا الأمر ساراً بالنسبة لي. فقد انتبه إلي، وأنا أجلس مكبلاً بين الجنود، مواطن إسرائيلي يركب سيارة تزحف ببطء خلفنا، فأخذ يصرخ محرضاً ضدي بصوت ممجوج، ثم هم بالنزول من السيارة للاعتداء علي. تكفل الجنود بالمهمة نيابة عنه، فانهالوا علي يصفعونني على رأسي ووجهي، وهو يطلب منهم مواصلة الصفع كلما توقفوا عنه. اقتربنا من باب العامود، وكنت أشعر بألم نفسي، علاوة على الألم الذي أستشعره في رأسي، وأنا أتلقى الصفعات، هنا في هذا المكان، غير بعيد من سور المدينة، حيث لم أتوقع يوماً أنني سأتعرض لإهانة فيه. دخلنا شارع صلاح الدين. وتذكرت أنني كنت يوم أمس حراً طليقاً أتمشى على رصيف هذا الشارع من أوله إلى آخره. وتساءلت بيني وبين نفسي: هل لهذا السبب لم يعصبوا عيني؟ لكي أشعر بالأسى وأنا أمضي مبتعداً، أم أنه لا عل ......
#للمدينة54
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768549
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة54