محمود شقير : ظل آخر للمدينة53
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ذات يوم، قبل الغروب، كنت أجلس في شرفة بيتنا، وأنا أتابع الأخبار التي تتحدث عن مؤتمر السلام الذي انعقد في جنيف، لعله يتوصل إلى حل لهذا الصراع، الذي استنزف من دمنا وأعمارنا الشيء الكثير. فجأة، وأنا غارق في تصوراتي، شاهدت رجالاً بملابس مدنية يقتحمون البيت، أدركت أنهم من جهاز المخابرات الإسرائيلية. طلبوا مني أن أرافقهم إلى سجن المسكوبية. اتجهت معهم إلى ساحة بئرنا الغربية. كانت هناك سيارتا تاكسي لهما لون أبيض، ركبت في إحدى السيارتين، ومضوا بي صاعدين طريق الجبل. راح أحدهم يتحدث عما أقوم به من أنشطة سياسية تحريضية، وأخذ يخيرني بين السجن والإبعاد. وصلنا المكاتب المجاورة لسجن المسكوبية. جلست أنتظر وأنا متوجس من هذا الاعتقال. بعد نصف ساعة أدخلني الضابط إلى مكتبه، سلمني جواز سفري الذي كان استولى عليه حينما جاء لاعتقالي أثناء الحرب قبل شهرين. أخبرني أنني أستطيع العودة إلى البيت، ثم أتبع كلامه بتحذير غامض. *** أمطار كثيرة هطلت في ذلك العام. أخرج في الصباح تحت المطر، أنتظر باص "أيجد" رقم 44 ، التابع لشركة الباصات الإسرائيلية غير بعيد من بيوت المستوطنة الجديدة التي شرع الإسرائيليون في بنائها على قمة جبل المكبر وعلى أطرافه الجنوبية (لم يكن مسموحاً للباصات التابعة للشركات العربية بالسير على هذا الشارع، وظل الأمر كذلك حتى اندلعت الإنتفاضة، فتوقفت الشركة الإسرائيلية عن تسيير باصاتها على الشارع مرغمة، بسبب ما كانت تتعرض له من حجارة يقذفها نحوها الفتية والشباب). أمضي في الباص إلى المحطة المركزية بالقرب من باب العامود. أجلس في مقهى الشعب، أحتسي الشاي، وأنتظر فرصة لانقطاع المطر، أتأمل سور المدينة المواجه للمقهى، وتعبر سيارة لجيش الاحتلال بين الحين والآخر فضاء الشارع، تشق بعجلاتها ما تجمع فيه من ماء المطر، فأشعر بالحزن، ثم أعود للتحديق في السور الذي يجثم ساكناً مبللاً تحت المطر، وأدرك أن السور وحيد رغم ما يحيط به من حركة وضجيج، وأنه لم يعد قادراً على حماية المدينة من الغزو في زمن الطائرات، لذلك، فإنه يبدو كما لو أنه يعاني من ذل فادح، بعد أن تحول إلى مجرد أثر تاريخي متروك للتأمل. يستمر هطول المطر، وأتذكر أغنية الطفولة ونحن نلعب تحت المطر في ساحة بئرنا الغربية: "أمطري وزيدي.. بيتنا حديدي.. عمنا عبد الله.. ورزقنا على الله". فأبدو، للحظة، منفصلاً عن المقهى، وعن الشارع وعن سور المدينة. أغادر المقهى في لحظة صحو مؤقتة. أمضي إلى البلدة القديمة عبر باب العامود، يبدأ المطر عزفه من جديد. أجتاز البوابة التي تسح من قوسها خيوط رفيعة من المياه كأنها الدموع، أنعطف نحو طريق الجبشة، متجهاً إلى خان الأقباط. هذا اليوم، تصل جريدة "الوطن" السرية التي يصدرها الحزب، وعلي أن أستلم حصتي منها. أمضي وقتاً غير قليل في الخان، حيث الدفء وأحاديث الرفاق الذين جاءوا لاستلام حصتهم من الجريدة. أغادر الخان إلى سوق حارة النصارى، أنعطف يميناً نحو طريق أفتيموس القريبة من كنيسة القيامة. لا أرى في الطريق سوى قلة من الناس الذين يسيرون محاذرين من المطر، أدخل سوق الدباغة، أتجاوز كنيسة الفادي الإنجيلية التي يضرب المطر واجهتها المشيدة من حجر أبيض صقيل، أصل سوق باب خان الزيت من جهته المواجهة لسوق العطارين، أمشي في السوق المسقوفة مستشعراً الحماية والأمن، أنعطف يميناً نحو درب الآلام، التي لا ينفذ إليها المطر إلا من فتحات قليلة هنا وهناك. أمضي نحو طريق الواد، أدخل مطعما ......
#للمدينة53
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767049
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ذات يوم، قبل الغروب، كنت أجلس في شرفة بيتنا، وأنا أتابع الأخبار التي تتحدث عن مؤتمر السلام الذي انعقد في جنيف، لعله يتوصل إلى حل لهذا الصراع، الذي استنزف من دمنا وأعمارنا الشيء الكثير. فجأة، وأنا غارق في تصوراتي، شاهدت رجالاً بملابس مدنية يقتحمون البيت، أدركت أنهم من جهاز المخابرات الإسرائيلية. طلبوا مني أن أرافقهم إلى سجن المسكوبية. اتجهت معهم إلى ساحة بئرنا الغربية. كانت هناك سيارتا تاكسي لهما لون أبيض، ركبت في إحدى السيارتين، ومضوا بي صاعدين طريق الجبل. راح أحدهم يتحدث عما أقوم به من أنشطة سياسية تحريضية، وأخذ يخيرني بين السجن والإبعاد. وصلنا المكاتب المجاورة لسجن المسكوبية. جلست أنتظر وأنا متوجس من هذا الاعتقال. بعد نصف ساعة أدخلني الضابط إلى مكتبه، سلمني جواز سفري الذي كان استولى عليه حينما جاء لاعتقالي أثناء الحرب قبل شهرين. أخبرني أنني أستطيع العودة إلى البيت، ثم أتبع كلامه بتحذير غامض. *** أمطار كثيرة هطلت في ذلك العام. أخرج في الصباح تحت المطر، أنتظر باص "أيجد" رقم 44 ، التابع لشركة الباصات الإسرائيلية غير بعيد من بيوت المستوطنة الجديدة التي شرع الإسرائيليون في بنائها على قمة جبل المكبر وعلى أطرافه الجنوبية (لم يكن مسموحاً للباصات التابعة للشركات العربية بالسير على هذا الشارع، وظل الأمر كذلك حتى اندلعت الإنتفاضة، فتوقفت الشركة الإسرائيلية عن تسيير باصاتها على الشارع مرغمة، بسبب ما كانت تتعرض له من حجارة يقذفها نحوها الفتية والشباب). أمضي في الباص إلى المحطة المركزية بالقرب من باب العامود. أجلس في مقهى الشعب، أحتسي الشاي، وأنتظر فرصة لانقطاع المطر، أتأمل سور المدينة المواجه للمقهى، وتعبر سيارة لجيش الاحتلال بين الحين والآخر فضاء الشارع، تشق بعجلاتها ما تجمع فيه من ماء المطر، فأشعر بالحزن، ثم أعود للتحديق في السور الذي يجثم ساكناً مبللاً تحت المطر، وأدرك أن السور وحيد رغم ما يحيط به من حركة وضجيج، وأنه لم يعد قادراً على حماية المدينة من الغزو في زمن الطائرات، لذلك، فإنه يبدو كما لو أنه يعاني من ذل فادح، بعد أن تحول إلى مجرد أثر تاريخي متروك للتأمل. يستمر هطول المطر، وأتذكر أغنية الطفولة ونحن نلعب تحت المطر في ساحة بئرنا الغربية: "أمطري وزيدي.. بيتنا حديدي.. عمنا عبد الله.. ورزقنا على الله". فأبدو، للحظة، منفصلاً عن المقهى، وعن الشارع وعن سور المدينة. أغادر المقهى في لحظة صحو مؤقتة. أمضي إلى البلدة القديمة عبر باب العامود، يبدأ المطر عزفه من جديد. أجتاز البوابة التي تسح من قوسها خيوط رفيعة من المياه كأنها الدموع، أنعطف نحو طريق الجبشة، متجهاً إلى خان الأقباط. هذا اليوم، تصل جريدة "الوطن" السرية التي يصدرها الحزب، وعلي أن أستلم حصتي منها. أمضي وقتاً غير قليل في الخان، حيث الدفء وأحاديث الرفاق الذين جاءوا لاستلام حصتهم من الجريدة. أغادر الخان إلى سوق حارة النصارى، أنعطف يميناً نحو طريق أفتيموس القريبة من كنيسة القيامة. لا أرى في الطريق سوى قلة من الناس الذين يسيرون محاذرين من المطر، أدخل سوق الدباغة، أتجاوز كنيسة الفادي الإنجيلية التي يضرب المطر واجهتها المشيدة من حجر أبيض صقيل، أصل سوق باب خان الزيت من جهته المواجهة لسوق العطارين، أمشي في السوق المسقوفة مستشعراً الحماية والأمن، أنعطف يميناً نحو درب الآلام، التي لا ينفذ إليها المطر إلا من فتحات قليلة هنا وهناك. أمضي نحو طريق الواد، أدخل مطعما ......
#للمدينة53
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767049
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة53