منير المجيد : الزطّ الغجر
#الحوار_المتمدن
#منير_المجيد لا حفل زفاف مثير وملون، في أيام طفولتي، دون موسيقييهم.النساء كنّ يقرعن أبوابنا في منتصف النهار حاملات قصعات كما في المدارس العسكرية، وكنّا نصبّ فيها قليلاً من طبخة اليوم. كنّ يشكرننا مُبتسمات وكاشفات عن أسنانٍ بعضها مُلبّس بالذهب. وتلبيس الذهب، أو أيّ معدن آخر، هو واحد من المهن القليلة التي يعملون بها، هذا إن كان مزاجهم رائقاً. في الليل كنّ، تلك النساء، يتبرّجن ويرقصن على موسيقى رجالهن بزيارة وحضور الرجال الفاسقين أصحاب سيّارات الپيك أپ من كافة المناطق. هؤلاء كنّ يسمين «حجيّات» في تلك الأيام.عازف البزق الشهير «سعيد يوسف» جاء لطلب يد جارتنا الصبية المراهقة، فرفضته والدتها بقسوة «لن أدع إبنتي تتزوج من قرباطي»، فهربا ليتزوجا. يعني زواج خطيفة كما يُقال. لم أتأكّد يوماً من صحّة إنتمائه الإثني. وحينما غيّبه الموت مؤخّراً بكاه الكرد في قارّات العالم بأكملها، وسمّوه «ملك البزق الكردي».الإمرأة السفيهة يسمّونها «قرباطية». الرجل اللحوح الغشاش المخادع السارق يُدعى بالـ «قرباطي». وهكذا.والدتي كانت تسمّي الرجال بـ «مَطِرْبْ»، والنساء بـ «قَرَچي».هم أقلية منتشرة في معظم بقاع الأرض. منبوذون مكروهون معرضون للعنصرية، لا بل صاروا وقوداً لمحرقة هتلر إلى جانب اليهود.في دول البلقان وهنغاريا وبولندا واوكرانيا تجحفهم الحقوق المدنية، ودول اوروبا الغربية تنتقد تلك الدول، لكنها تتبرّم، على نحو غير رسمي، من هذه الأقلية.رؤى التوصيف لمحاولة مقاربة الشخصية الغجرية مُحالة، وتتبّع تفاصيل أحوالهم تبدو أصعب، كونهم مجموعة تعيش على الهامش، والأفضل بعيداً عن الآخرين. يحتاجوننا حين تنقص مواردهم، وإن لم نساعدهم يسرقوننا. هكذا بكل بساطة.هناك طرفة خبيثة ألّفها البولدنيون مفادها أن غجرياً أصدر كتاباً عن الطبخ، ولوصفة تحضير طبق من الدجاج، يقول في أول سطر: إبدأ بسرقة الدجاجة.بعد فتح حدود دول الإتحاد الأوروبي شهدت الدول الغربية هجرة موسمية كثيفة من غجر رومانيا وبلغاريا وهنغاريا، وأثاروا سيلاً زاخماً من المشاكل للحكومات وقوات الشرطة، وقام زعران بمطاردتهم والإعتداء عليهم.في الدانمارك كانوا يغشّون السيّاح بلعبة الكشتبانات، أو سرقة محافظ نقودهم، وأقاموا مخيمات بدائية على أطراف المدن غرقت بالقاذورات والروائح المنفرة، ثم لاحظت السلطات الدانماركية أن الشحّاذين عازفي الأوكورديون الرومانيون الذين يؤدون موسيقى فيلم العراب الرابضين على مداخل السوپرماركتات ويبادرون الزبائن بـ «غود داي»، ليسوا فقراء جاءوا لتحسين عيش عائلاتهم، بل منتظمون في مافيات غجرية معروفة، ويبنون فيللات فارهة في قراهم الرومانية.في مترو برشلونة قبض شاب على فتاة غجرية كانت قد سحبت، ببراعة عجيبة، محفظتي من جيبي. أجبرها على إعطائي ممتلكاتي التي كانت تحتوي على بطاقاتي الإئتمانية وبعض اليوروهات، وأمسك بها قائلاً انه سيسلّمها إلى السلطات. لكنها انسلّت من بين يديه كسمكة في الموقف التالي، ووقفت هناك رافعة «بعصة» لنا بعد أن تحرك المترو نحو هدفي إلى كنيسة المعماري الأشهر أنتوني غاودي «ساغرادا فاميليا».ولأنني تعلّمت درساً ولا أُلدغ مرّتين، فقد كانت ردّة فعلي إطلاق إبتسامة شفقة لصبية مرّت بقربي وانحنت لتلتقط قطعة معدنية ذهبية اللون قائلة «هذه لك، لقد سقطت منك». حدث هذا في إحدى شوارع باريس الجانبية الهادئة. في العاصمة البلغارية قصدتُ مقهى، قيل لي أنّه يجمع رجالاً من الغجر ويعزفون ويرقصون ويغنّون أغاني البلقان التي تشبه كثيراً ألحاننا الشعبية. كان المكان ساحراً، وعاملوني وكأنني واحد منهم. أعتق ......
#الزطّ
#الغجر
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=739099
#الحوار_المتمدن
#منير_المجيد لا حفل زفاف مثير وملون، في أيام طفولتي، دون موسيقييهم.النساء كنّ يقرعن أبوابنا في منتصف النهار حاملات قصعات كما في المدارس العسكرية، وكنّا نصبّ فيها قليلاً من طبخة اليوم. كنّ يشكرننا مُبتسمات وكاشفات عن أسنانٍ بعضها مُلبّس بالذهب. وتلبيس الذهب، أو أيّ معدن آخر، هو واحد من المهن القليلة التي يعملون بها، هذا إن كان مزاجهم رائقاً. في الليل كنّ، تلك النساء، يتبرّجن ويرقصن على موسيقى رجالهن بزيارة وحضور الرجال الفاسقين أصحاب سيّارات الپيك أپ من كافة المناطق. هؤلاء كنّ يسمين «حجيّات» في تلك الأيام.عازف البزق الشهير «سعيد يوسف» جاء لطلب يد جارتنا الصبية المراهقة، فرفضته والدتها بقسوة «لن أدع إبنتي تتزوج من قرباطي»، فهربا ليتزوجا. يعني زواج خطيفة كما يُقال. لم أتأكّد يوماً من صحّة إنتمائه الإثني. وحينما غيّبه الموت مؤخّراً بكاه الكرد في قارّات العالم بأكملها، وسمّوه «ملك البزق الكردي».الإمرأة السفيهة يسمّونها «قرباطية». الرجل اللحوح الغشاش المخادع السارق يُدعى بالـ «قرباطي». وهكذا.والدتي كانت تسمّي الرجال بـ «مَطِرْبْ»، والنساء بـ «قَرَچي».هم أقلية منتشرة في معظم بقاع الأرض. منبوذون مكروهون معرضون للعنصرية، لا بل صاروا وقوداً لمحرقة هتلر إلى جانب اليهود.في دول البلقان وهنغاريا وبولندا واوكرانيا تجحفهم الحقوق المدنية، ودول اوروبا الغربية تنتقد تلك الدول، لكنها تتبرّم، على نحو غير رسمي، من هذه الأقلية.رؤى التوصيف لمحاولة مقاربة الشخصية الغجرية مُحالة، وتتبّع تفاصيل أحوالهم تبدو أصعب، كونهم مجموعة تعيش على الهامش، والأفضل بعيداً عن الآخرين. يحتاجوننا حين تنقص مواردهم، وإن لم نساعدهم يسرقوننا. هكذا بكل بساطة.هناك طرفة خبيثة ألّفها البولدنيون مفادها أن غجرياً أصدر كتاباً عن الطبخ، ولوصفة تحضير طبق من الدجاج، يقول في أول سطر: إبدأ بسرقة الدجاجة.بعد فتح حدود دول الإتحاد الأوروبي شهدت الدول الغربية هجرة موسمية كثيفة من غجر رومانيا وبلغاريا وهنغاريا، وأثاروا سيلاً زاخماً من المشاكل للحكومات وقوات الشرطة، وقام زعران بمطاردتهم والإعتداء عليهم.في الدانمارك كانوا يغشّون السيّاح بلعبة الكشتبانات، أو سرقة محافظ نقودهم، وأقاموا مخيمات بدائية على أطراف المدن غرقت بالقاذورات والروائح المنفرة، ثم لاحظت السلطات الدانماركية أن الشحّاذين عازفي الأوكورديون الرومانيون الذين يؤدون موسيقى فيلم العراب الرابضين على مداخل السوپرماركتات ويبادرون الزبائن بـ «غود داي»، ليسوا فقراء جاءوا لتحسين عيش عائلاتهم، بل منتظمون في مافيات غجرية معروفة، ويبنون فيللات فارهة في قراهم الرومانية.في مترو برشلونة قبض شاب على فتاة غجرية كانت قد سحبت، ببراعة عجيبة، محفظتي من جيبي. أجبرها على إعطائي ممتلكاتي التي كانت تحتوي على بطاقاتي الإئتمانية وبعض اليوروهات، وأمسك بها قائلاً انه سيسلّمها إلى السلطات. لكنها انسلّت من بين يديه كسمكة في الموقف التالي، ووقفت هناك رافعة «بعصة» لنا بعد أن تحرك المترو نحو هدفي إلى كنيسة المعماري الأشهر أنتوني غاودي «ساغرادا فاميليا».ولأنني تعلّمت درساً ولا أُلدغ مرّتين، فقد كانت ردّة فعلي إطلاق إبتسامة شفقة لصبية مرّت بقربي وانحنت لتلتقط قطعة معدنية ذهبية اللون قائلة «هذه لك، لقد سقطت منك». حدث هذا في إحدى شوارع باريس الجانبية الهادئة. في العاصمة البلغارية قصدتُ مقهى، قيل لي أنّه يجمع رجالاً من الغجر ويعزفون ويرقصون ويغنّون أغاني البلقان التي تشبه كثيراً ألحاننا الشعبية. كان المكان ساحراً، وعاملوني وكأنني واحد منهم. أعتق ......
#الزطّ
#الغجر
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=739099
الحوار المتمدن
منير المجيد - الزطّ (الغجر)