فاطمة ناعوت : كمال الجنزوري …. وداعًا فارسَ البسطاء
#الحوار_المتمدن
#فاطمة_ناعوت ترجَّلَ الفارسُ النبيلُ عن صهوةِ جواده الذي لم يبرحه حتى اللحظة الأخيرة. رحل رجلٌ عظيمٌ نابه عشِِقَ مصرَ بكلّ جوارحه ولم يتوانَ عن خدمتها كلما نادته. رحل الذي حمل هموم الفقراء في قلبه ووضع الخطط التي تمنحهم حقهم في حياة كريمة. رئيس وزراء مصر مرتين، الذي أجمع على حبّه الناسُ، سواء في فترات عمله أو بعدها؛ في ظاهرة نادرة لا تتكرر. التقيتُ به مرات عديدة في مكتبه البسيط الأنيق بـ”الهيئة العامة للاستثمار”؛ كلما دعاني ليناقشني في مقال كتبتُه، أو لأهديَه كتابًا جديدًا صدر لي. فسجّلَ لي التاريخُ نعمةَ مُصافحة رمز إنساني وقيمة علمية وسياسية من نسيج خاص، لا يُمنحُ للأوطان إلا كلّ دهور. قال لي مرةً بأبوّة وحنوّ: (أنتِ اتظلمتِ كتير، وأنا بحب المظلومين. ) فقلتُ له: (طول عمرك نصير المظلومين، عشان كده حضرتك فارس بدون درع ). فكلُّ فارس يحتاجُ إلى دِرعٍٍ تحمي صدرَه من سِّهام الخصوم. لكنّ ذلك الرجلَ فارسٌ من طراز فريد. لا يمتشقُ سيفًا ولا يتدثّرُ بدرع. يتدرّعُ بحبِّ الناس، وفقط. يرافقه الهتافُ والتصفيقُ أينما ترجّل وحيثما جال.شجرةُ الأقدار قد تجودُ علينا بالعباقرة، وقد تجودُ بالطيبين ذوي القلوب الرؤوفة. لكنها تغدو شحيحةً حين تقرّرُ أن تصنعَ المعادلةَ الفريدة، فيقترنُ الدهاءُ الفكري والسياسي مع التحضُّر والسموّ والطفولة القلبية هكذا كان “كمال الجنزوري”. مثل ذلك النموذج البشري النادر، لا يعرفُ الدروعَ ولا الحراسات المشدّدة في الترحال، رغم ما يفرضُه بروتوكولُ المنصب الرفيع. وكيف يحتاجُ ذلك الفارسُ إلى درع، وقد منح زهورَ عقله، لصالح خير الوطن، ومنح زهورَ قلبه لصالح بسطاء الوطن؟! لهذا أجمع الناسُ على حبّه. واحترمه الخصومُ الذين تتعارض مصالحُهم مع قراراته التي تنتصرُ للفقراء. في لقائي الأخير به العام الماضي، سألني عن أحوال الدنيا والثقافة. وتشعّبَ بنا الحديثُ حول بسطاء الناس. وتذكّرتُ دورَه المشرّف مع طوائف الشعب المهمّشة، منذ كان وزيرًا للتخطيط ومرورًا بترؤسه لوزارات مصر وتنقله بين المناصب الرفيعة وصولا لأن أصبح أيقونة مصرية غالية مُتوّجًا بلقب: (وزير الغلابة). قلتُ له إن البسطاء في بلادي لا ينسون أنهم كانوا في بؤره عقله وقلبه، على مدار عقود طوال تنقّل فيها بين رفيع المناصب السيادية، ولم يتحوّل نظرُه يومًا عن هموم الفقراء والمُعوزين. وأخبرته أن سائقي الخاص، حين علم أنني على موعد معه، ظلّ طوال الطريق يتحدث عن مواقفه الكريمة مع بسطاء مصر، وشدّد عليّ أن أنقلَ له حبَّه واحترامه، لأنه لا يحلُم أن يلتقي به شخصيًّا في يوم من الأيام لينقل له ذلك بنفسه. فما كان من د. كمال الجنزوري إلا أن ضغط الزرَّ وطلب من مدير مكتبه أ. خالد العدوي، أن يأمر بصعود السائق إلى مكتبه. ولَم يصدِّق الرجلُ البسيط وقد وجد نفسَه فجأةً أمام ذاك الهرم المصري الشاهق، الذي نهض من مقعده وصافحه ثم عانقه عناقَ الصديق للصديق. ثم سمح بأن نلتقط له صورة معه. بعدما خرج سائقي من المكتب قلتُ للدكتور الجنزوري: (أشكرك كثيرًا يا دكتور كمال. ذلك العناق الأخوي سوف تدومُ ذكراه في حياة ذلك الرجل، وسوف يُخلّد في ذاكرة أبنائه.) فقال لي: (محبة البسطاء هي كنزي وثروتي، وليس المناصب الرفيعة.)ذلك الرجلُ النبيل كان يسرد ويشرح ميزانية الدولة بكل دقّة، دون أن ينظرَ في أوراق، لأن اقتصاد مصر وصالحها كان همًّه الشخصيّ، المحفورَ في عقله، مثل أسماء بناته. هو ذاته الرجلُ الذي إن خرج من مكتبه يومًا مشغولَ البال، ثم تذكّر فجأة أنه لم يُصافح مدراءَ مكتبه وطاقم السكرتارية والسُّعاة، عاد أدراجه معتذرًا، حتى يلقى عليهم سلا ......
#كمال
#الجنزوري
#وداعًا
#فارسَ
#البسطاء
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=714424
#الحوار_المتمدن
#فاطمة_ناعوت ترجَّلَ الفارسُ النبيلُ عن صهوةِ جواده الذي لم يبرحه حتى اللحظة الأخيرة. رحل رجلٌ عظيمٌ نابه عشِِقَ مصرَ بكلّ جوارحه ولم يتوانَ عن خدمتها كلما نادته. رحل الذي حمل هموم الفقراء في قلبه ووضع الخطط التي تمنحهم حقهم في حياة كريمة. رئيس وزراء مصر مرتين، الذي أجمع على حبّه الناسُ، سواء في فترات عمله أو بعدها؛ في ظاهرة نادرة لا تتكرر. التقيتُ به مرات عديدة في مكتبه البسيط الأنيق بـ”الهيئة العامة للاستثمار”؛ كلما دعاني ليناقشني في مقال كتبتُه، أو لأهديَه كتابًا جديدًا صدر لي. فسجّلَ لي التاريخُ نعمةَ مُصافحة رمز إنساني وقيمة علمية وسياسية من نسيج خاص، لا يُمنحُ للأوطان إلا كلّ دهور. قال لي مرةً بأبوّة وحنوّ: (أنتِ اتظلمتِ كتير، وأنا بحب المظلومين. ) فقلتُ له: (طول عمرك نصير المظلومين، عشان كده حضرتك فارس بدون درع ). فكلُّ فارس يحتاجُ إلى دِرعٍٍ تحمي صدرَه من سِّهام الخصوم. لكنّ ذلك الرجلَ فارسٌ من طراز فريد. لا يمتشقُ سيفًا ولا يتدثّرُ بدرع. يتدرّعُ بحبِّ الناس، وفقط. يرافقه الهتافُ والتصفيقُ أينما ترجّل وحيثما جال.شجرةُ الأقدار قد تجودُ علينا بالعباقرة، وقد تجودُ بالطيبين ذوي القلوب الرؤوفة. لكنها تغدو شحيحةً حين تقرّرُ أن تصنعَ المعادلةَ الفريدة، فيقترنُ الدهاءُ الفكري والسياسي مع التحضُّر والسموّ والطفولة القلبية هكذا كان “كمال الجنزوري”. مثل ذلك النموذج البشري النادر، لا يعرفُ الدروعَ ولا الحراسات المشدّدة في الترحال، رغم ما يفرضُه بروتوكولُ المنصب الرفيع. وكيف يحتاجُ ذلك الفارسُ إلى درع، وقد منح زهورَ عقله، لصالح خير الوطن، ومنح زهورَ قلبه لصالح بسطاء الوطن؟! لهذا أجمع الناسُ على حبّه. واحترمه الخصومُ الذين تتعارض مصالحُهم مع قراراته التي تنتصرُ للفقراء. في لقائي الأخير به العام الماضي، سألني عن أحوال الدنيا والثقافة. وتشعّبَ بنا الحديثُ حول بسطاء الناس. وتذكّرتُ دورَه المشرّف مع طوائف الشعب المهمّشة، منذ كان وزيرًا للتخطيط ومرورًا بترؤسه لوزارات مصر وتنقله بين المناصب الرفيعة وصولا لأن أصبح أيقونة مصرية غالية مُتوّجًا بلقب: (وزير الغلابة). قلتُ له إن البسطاء في بلادي لا ينسون أنهم كانوا في بؤره عقله وقلبه، على مدار عقود طوال تنقّل فيها بين رفيع المناصب السيادية، ولم يتحوّل نظرُه يومًا عن هموم الفقراء والمُعوزين. وأخبرته أن سائقي الخاص، حين علم أنني على موعد معه، ظلّ طوال الطريق يتحدث عن مواقفه الكريمة مع بسطاء مصر، وشدّد عليّ أن أنقلَ له حبَّه واحترامه، لأنه لا يحلُم أن يلتقي به شخصيًّا في يوم من الأيام لينقل له ذلك بنفسه. فما كان من د. كمال الجنزوري إلا أن ضغط الزرَّ وطلب من مدير مكتبه أ. خالد العدوي، أن يأمر بصعود السائق إلى مكتبه. ولَم يصدِّق الرجلُ البسيط وقد وجد نفسَه فجأةً أمام ذاك الهرم المصري الشاهق، الذي نهض من مقعده وصافحه ثم عانقه عناقَ الصديق للصديق. ثم سمح بأن نلتقط له صورة معه. بعدما خرج سائقي من المكتب قلتُ للدكتور الجنزوري: (أشكرك كثيرًا يا دكتور كمال. ذلك العناق الأخوي سوف تدومُ ذكراه في حياة ذلك الرجل، وسوف يُخلّد في ذاكرة أبنائه.) فقال لي: (محبة البسطاء هي كنزي وثروتي، وليس المناصب الرفيعة.)ذلك الرجلُ النبيل كان يسرد ويشرح ميزانية الدولة بكل دقّة، دون أن ينظرَ في أوراق، لأن اقتصاد مصر وصالحها كان همًّه الشخصيّ، المحفورَ في عقله، مثل أسماء بناته. هو ذاته الرجلُ الذي إن خرج من مكتبه يومًا مشغولَ البال، ثم تذكّر فجأة أنه لم يُصافح مدراءَ مكتبه وطاقم السكرتارية والسُّعاة، عاد أدراجه معتذرًا، حتى يلقى عليهم سلا ......
#كمال
#الجنزوري
#وداعًا
#فارسَ
#البسطاء
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=714424
الحوار المتمدن
فاطمة ناعوت - كمال الجنزوري …. وداعًا فارسَ البسطاء!