شريف حتاتة : خواطر فى سرادق العزاء
#الحوار_المتمدن
#شريف_حتاتة ------------------------------------- لست من الذين يحرصون على المجاملات ، فلا أسرع للتهنئة عندما يصبح أحد زملائى وزيراً .. ولا احضر الأفراح إلا نادراً .. ولا أذهب إلى سرادقات العزاء .. أنا رجل " برى" ، كما وصفى اللواء عبد الحليم حتاته ، وهو يلقى ناحيتى بنظرة فيها سخرية هادئة ، وذلك الوميض من الذكاء الذى يجذبنى إليه . أحياناً أندم على عاداتى السيئة عندما يرحل أحد الرجال أو النساء الذين يتمتعون عندى بمكانة خاصة .. لكنى لا أتعظ .. فأنا هارب من جو القتامة فى السرادقات ، والوجوه المتراصة فى جمود فوق المقاعد .. من المجاملات التى لا تنم فى أغلب الأحوال عن صدق الإحساس ، وإنما عن نسيج المصالح .. من ذلك الشعور بالسنين تزحف فى عناد فأرى الشعب عجوزاً أمامى ، رغم أن أكثر من نصف مجتمعنا فى سن الشباب .. اشتاق إلى المرح ، والضحك ، والتفاؤل .. إلى لحظات تعاش بكل ما فينا من طاقة على الاستمتاع والعمل . فى بعض الأحيان اخضع للضغوط التى تمارسها علينا التقاليد ، والأصول ، وحسن السياسة ، أو يحركنى الفضول ، أو رغبة ملحة فى لقاء المعارف ، والأصدقاء ، ومشاهدة ما طرأ على الذين اعرفهم من تغييرات ، وربما لرغبة آثمة ، فى عقد المقارنات ، ففى السرادقات نشاهد مساراً مركزاً للحياة . فى ذلك المساء ، كنت أقدم العزاء فى ابن عمى صالح نجيب .. رجل ملىء بالحيوية لا يكف عن العمل والحركة طوال النهار .. فى الصباح الباكر يحضر حلب الأبقار الفريزيان فى الحظائر التى أقامها داخل الدوار ، ثم يمتطى الجرار ويقوده بنفسه إلى الحقول .. كان بينى وبينه ضحك ، وكلام ، وساعات من الوئام وبعض المناوشات .. توفى فجأة وهو جالس أمام التليفزيون يتابع إحدى المسلسلات . السرادق المقام على شاطىء ترعة " الباجورية " فى " قرية القضابة " ، مزدحم بالناس ، بالجلاليب ، والطقيان ، بوجوه الفلاحين الخشنة السمراء . جاءت جلستى إلى جوار اللواء .. كان فى يوم ما أحد ضباط المباحث ( القلم السياسى آنذاك ) الذين القوا علىً القبض فى مدينة الإسكندرية خلال شهر يونيو سنة 1948 ، بسبب نشاطى السياسى ضد نظام الملك فاروق ، والباشوات الذين كانوا يحكمون مصر فى ظل الاحتلال البريطانى .. فى هذا الوقت كان يوزباشا ( أى رائداً ) ، ولكنه فيما بعد صعد سلم الترقيات ، ليصبح مساعداً لوزير الداخلية لشئون الأمن العام .. وكان معه فى تلك الحملة اليوزباشى ممدوح سالم ، رئيس الوزراء فى بداية عهد السادات والملازم أول (أى النقيب) سيد فهمى الذى صار وزيراً للداخلية ، فى إحدى الفترات . أودعونى فى سجن الأجانب ، لأخوض تجربتى الأولى وراء القضبان ، ولتغذى بعد أربعين سنة بعضا مما كتبته فى الروايات .. تذكرت ما حدث فى تلك الليلة البعيدة وأنا جالس إلى جواره .. تذكرت ظلام الليل قبل الفجر ، ورعشة البرد التى أصابتنى وأنا خارج من باب البيت إلى الشارع ، والإحساس بالخوف أمام المجهول ، والأصوات .. تذكرت أنه أمسك بذراعى ليهمس فى أذنى أنت فلان . خطر فى بالى انه كلما رآنى عادت إليه تلك اللحظة الحرجة فى الحياة .. ولكن للسن مميزات .. كبر هو ، وكبرت أنا ، وأصبحنا نتبادل الحديث ، كلما التقينا بود الذين خاضوا التجارب ليكتشفوا انه مهما كانت الاختلافات ، توجد دائما مساحة للتفاهم بين الناس . ولكن ه ذه المساحة تتسع فى بعض الأحيان ، وفى أحيان أخرى تتضاءل . فمنذ أسابيع جلس إلى جوارى فى السرادق فنان تربطنى به علاقة أسرية .. رسام موهوب لم أكن قد رأيته منذ سنوات .. ظل صامتاً ، واضعا ذراعيه على صدره دون حركة .. عيناه نصف المغمضتين تحملقان أمامه .. بدا غارقاً ف ......
#خواطر
#سرادق
#العزاء
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=743301
#الحوار_المتمدن
#شريف_حتاتة ------------------------------------- لست من الذين يحرصون على المجاملات ، فلا أسرع للتهنئة عندما يصبح أحد زملائى وزيراً .. ولا احضر الأفراح إلا نادراً .. ولا أذهب إلى سرادقات العزاء .. أنا رجل " برى" ، كما وصفى اللواء عبد الحليم حتاته ، وهو يلقى ناحيتى بنظرة فيها سخرية هادئة ، وذلك الوميض من الذكاء الذى يجذبنى إليه . أحياناً أندم على عاداتى السيئة عندما يرحل أحد الرجال أو النساء الذين يتمتعون عندى بمكانة خاصة .. لكنى لا أتعظ .. فأنا هارب من جو القتامة فى السرادقات ، والوجوه المتراصة فى جمود فوق المقاعد .. من المجاملات التى لا تنم فى أغلب الأحوال عن صدق الإحساس ، وإنما عن نسيج المصالح .. من ذلك الشعور بالسنين تزحف فى عناد فأرى الشعب عجوزاً أمامى ، رغم أن أكثر من نصف مجتمعنا فى سن الشباب .. اشتاق إلى المرح ، والضحك ، والتفاؤل .. إلى لحظات تعاش بكل ما فينا من طاقة على الاستمتاع والعمل . فى بعض الأحيان اخضع للضغوط التى تمارسها علينا التقاليد ، والأصول ، وحسن السياسة ، أو يحركنى الفضول ، أو رغبة ملحة فى لقاء المعارف ، والأصدقاء ، ومشاهدة ما طرأ على الذين اعرفهم من تغييرات ، وربما لرغبة آثمة ، فى عقد المقارنات ، ففى السرادقات نشاهد مساراً مركزاً للحياة . فى ذلك المساء ، كنت أقدم العزاء فى ابن عمى صالح نجيب .. رجل ملىء بالحيوية لا يكف عن العمل والحركة طوال النهار .. فى الصباح الباكر يحضر حلب الأبقار الفريزيان فى الحظائر التى أقامها داخل الدوار ، ثم يمتطى الجرار ويقوده بنفسه إلى الحقول .. كان بينى وبينه ضحك ، وكلام ، وساعات من الوئام وبعض المناوشات .. توفى فجأة وهو جالس أمام التليفزيون يتابع إحدى المسلسلات . السرادق المقام على شاطىء ترعة " الباجورية " فى " قرية القضابة " ، مزدحم بالناس ، بالجلاليب ، والطقيان ، بوجوه الفلاحين الخشنة السمراء . جاءت جلستى إلى جوار اللواء .. كان فى يوم ما أحد ضباط المباحث ( القلم السياسى آنذاك ) الذين القوا علىً القبض فى مدينة الإسكندرية خلال شهر يونيو سنة 1948 ، بسبب نشاطى السياسى ضد نظام الملك فاروق ، والباشوات الذين كانوا يحكمون مصر فى ظل الاحتلال البريطانى .. فى هذا الوقت كان يوزباشا ( أى رائداً ) ، ولكنه فيما بعد صعد سلم الترقيات ، ليصبح مساعداً لوزير الداخلية لشئون الأمن العام .. وكان معه فى تلك الحملة اليوزباشى ممدوح سالم ، رئيس الوزراء فى بداية عهد السادات والملازم أول (أى النقيب) سيد فهمى الذى صار وزيراً للداخلية ، فى إحدى الفترات . أودعونى فى سجن الأجانب ، لأخوض تجربتى الأولى وراء القضبان ، ولتغذى بعد أربعين سنة بعضا مما كتبته فى الروايات .. تذكرت ما حدث فى تلك الليلة البعيدة وأنا جالس إلى جواره .. تذكرت ظلام الليل قبل الفجر ، ورعشة البرد التى أصابتنى وأنا خارج من باب البيت إلى الشارع ، والإحساس بالخوف أمام المجهول ، والأصوات .. تذكرت أنه أمسك بذراعى ليهمس فى أذنى أنت فلان . خطر فى بالى انه كلما رآنى عادت إليه تلك اللحظة الحرجة فى الحياة .. ولكن للسن مميزات .. كبر هو ، وكبرت أنا ، وأصبحنا نتبادل الحديث ، كلما التقينا بود الذين خاضوا التجارب ليكتشفوا انه مهما كانت الاختلافات ، توجد دائما مساحة للتفاهم بين الناس . ولكن ه ذه المساحة تتسع فى بعض الأحيان ، وفى أحيان أخرى تتضاءل . فمنذ أسابيع جلس إلى جوارى فى السرادق فنان تربطنى به علاقة أسرية .. رسام موهوب لم أكن قد رأيته منذ سنوات .. ظل صامتاً ، واضعا ذراعيه على صدره دون حركة .. عيناه نصف المغمضتين تحملقان أمامه .. بدا غارقاً ف ......
#خواطر
#سرادق
#العزاء
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=743301
الحوار المتمدن
شريف حتاتة - خواطر فى سرادق العزاء