الحوار المتمدن
3.18K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
راتب شعبو : ليالي السجن، العازل والاسمنت
#الحوار_المتمدن
#راتب_شعبو في لحظة، ينكمش العالم كله ليصبح فراشاً وسخاً إلى جوار تواليت عربي. تُحشر حياتك فجأة في مساحة ضيقة محاطة بعدوانية نزقة. أربعة جدران متقاربة كأنها كانت تريد أن تتعانق، فأطبق عليها السقف في اللحظة الأخيرة ومنع عناقها، وظل ما يفصل بينها كافياً لاستيعاب فراش متسخ وتواليت عربي. بعد قليل، يهمد انفعالك المكظوم، وتستسلم. تقول في نفسك "جيد، بعد كل شيء، أن هناك صفيحة معدنية تستر التواليت". ترتب الفراش، وتجعل الرأس، كما لو على نحو غريزي، أبعد ما يمكن عن الباب الذي يفصلك عن العدوانية المباشرة. هكذا يصبح الرأس في تجاور مباشر مع التواليت. لا تهم مجاورة التواليت، المهم أن تسمح لك الوضعية باحتياط أكبر ضد ما يمكن أن يأتيك من الباب. تكتشف، بعد حين، أنك الوحيد الذي اختار أن يكون رأسه بعيداً عن الباب، وأن بقية المنكوبين جعلوا رأسهم من جهة الباب كي يكون أبعد ما يمكن عن التواليت. خوفهم من الباب كان أقل من نفورهم من التواليت. الخوف متأصل فيك أكثر، قد يكون هذا هو التفسير.تستلقي على الفراش. لماذا تقول "الفراش"؟ ليس هذا سوى عطالة في اللغة. ابتكر أي كلمة! هذا ليس فراشاً على أي حال. الفراش قد يوحي بأشياء جميلة لا وجود لها في المكان الذي صرت إليه، مثل الأمان، أو الاسترخاء، أو الرفاه، أو المرأة ... في السجن باتت اللغة أكثر قدرة على استيعاب نقص الحياة. في لغة السجن هذا مجرد "عازل"، ليس أكثر من بطانية مهترئة مخاطة إلى قطعة شادر مستطيلة كافية لاستلقاء انسان تعزل جسم المنكوب بهذا المكان، عن الاسمنت. حين تهترئ البطانيات والخيم العسكرية تتحول إلى "عوازل". استفادة قصوى من المواد التي تخنق الروح.سوف تعلم لاحقاً إن العازل يمكن أن يكون رفاهية يحلم بها من يُرمون في مثل هذا المكان في عز الشتاء دون أي عازل يقيهم الاسمنت. روى أحد هؤلاء المنكوبين أن أحد عناصر الشرطة ألقى عليه نظرة وهو في مثل هذا المكان، وحين رآه يرتجف من البرد القارس عارياً بعد أن جرد من ملابسه، وواقفاً لا يجرؤ على الجلوس على الاسمنت، أخذته الشفقة، فرمى له شيئاً تبين أنه طبق بيض فارغ، كان بالنسبة له هدية رائعة وذات قيمة كبيرة، فهي توفر له مكاناً "معزولاً" إلى حد ما، لكي يجلس وينطوي على نفسه.العازل ليس فراشاً، صحيح، ولكن حين ينكمش العالم إلى هذا الحد، يكون العازل مهماً أكثر مما نعتقد. صحيح إنه لا يحمي الورك من قساوة الاسمنت، ولكن مع الوقت، بعد قليل من الألم فوق عظمة الورك، سوف يتسمك الجلد في هذه المنطقة وينعدم الإحساس فيه، بعد ذلك لن تكترث لحقيقة أن العازل لا يحميك من قساوة الاسمنت، ما يهمك هو أن يحافظ على دوره في التخفيف من تسرب برودة الاسمنت إلى دمك، فيسمح لك أن تستلقي وتتكور في ليلة باردة، وقد يسمح لك بالنوم حين يمكن للنوم بلا عازل، في مثل هذه الليالي الباردة، أن يكون بلا يقظة.في أعلى الجدار الخلفي لهذا العالم المنكمش، توجد فتحة صغيرة تدخل منها حزمة من الضوء وتستقر على الحائط المقابل على شكل دائرة بمحيط غير منتظم. كان الصيف يافعاً في الخارج حين انهار عالمك فجأة. تعبر ذهنك فكرة تجدها ممتعة وتتسلى بها: الضوء كائن ضعيف يمكن حجبه بسهولة، ولكن لا يمكن حبسه، إذا أطبقت الحصار حول الضوء فإنه يختفي. وهو بالمقابل كائن مشاغب لا يسمح بأي قدر من الخطأ، إنه سوف يتسلل من الشقوق والثقوب والفتحات مهما تكن صغيرة، ولن يتوقف حتى يصطدم بحاجز. تكمل مسار تفكيرك: هذا يعني أن الضوء هو الأصل، حيثما لا يوجد حاجز يكون الضوء. جيد أن اختناق هذا المكان ليس كاملاً، وأن هناك ثغرة يغزوها الضوء. ثغرة صغيرة تكسر شيئاً من عزلة المكان. تستع ......
#ليالي
#السجن،
#العازل
#والاسمنت

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764748