محمد المحسن : دمع سخي..منسَكب على خد نحاسي
#الحوار_المتمدن
#محمد_المحسن "إذا أردتَ ألا تخشى الموت،فإنّ عليك ألاّ تكفّ عن التفكير فيه" (snénèque)الإهداء: إلى أبتي ذاك الذي تجاوز الثمانين بجمس عجاف،والتهم الحياةَ قبل أن يلتهمه الموت ذات مساء دامع..بعد أن استرددت برحيله حقي في البكاء..المطر يغسل الفضاء، وحبّاته تسقط على الأرض فتتناثر أشبه بخيالات تولد وتندثر، وعلى المدى تنطرح الأضواء فوق المستشفى الأكثر بياضا من العدم، تذكّر أنّ ثمّة بشرا يعيشون أيضا..لقد اكتشف الطبيب الصّارم-المرضَ الخبيث-الذي توغّل في رئة أبي وبدأ ينخرها بشراهة فجّة، مما جعله يحدّد موته برتابة إدارية مرعبة!..هذا الإكتشاف المفجع أجبرني على العودة به إلى البيت حيث سيكون الوداعأنا الآن،مثقل الذهن من رؤياه، مكدود المشاعر، إلا أنّ تألّمه لم يكن يثير من الألم بي، أكثر مما يثير سخريتي من الحياة، فإنتهاء الإنسان إلى مثل هذا المصير لا سيما بعد أكثر من نصف قرن قضاه يعطي الحياةَ حيويّته ونضارة صباه، هو ضرب من العبثيّة التي لم أستسغ كنهها بما فيه الكفاية..لقد غدا أبي في عداد الميت، وانخرط في عدّ أيّامه بصبر الأنبياء..هكذا بعد أكثر من نصف قرن أعطى فيه الحياة أضعاف ما أخذه، يحيله المرض إلى كتلة من عذاب..فجر يوم الإربعاء.. على الساعة الخامسة ألما :إنّه ليس معقولا أن يموت أبي،كما أنّه ليس معقولا أيضا أن يعيشَ على تخوم الألم،ومع ذلك فلا شموخه فوق زخّات العذاب عجّل برحيله، ولا أنا قبلت بأن يموت، رفضان في تناقض محتدم،إلا أنّهما محتدمان بصورة قدرية..وذلك هو جوهر أحزاني..قبيل إنبلاج الصّبح بقليل سرحت فيما يبدو أكثر مما ينبغي فأغفيت"..رغبت في البكاء، بكيت دون دموع..تراءى لي والدي بوجهه المهيب، ورجولته الفيّاضة، خيّل إليَّ أنّه عاتب عليَّ"أنت نسيتني-قال لي-ومن حقّك أن تنساني..فمَن غاب عن العين ينساه القلب..!"صرخت بملء العقل والقلب والدّم:" لا يا أبتي لن أنساك..لن يطويك الزّمن..لن يباعد بيننا..الزّمن لن يطوي أمثالك ممن خبروا شعاب الجبال، وقفْر البراري..ستعود كما كنت جوّاب آفاق يصبر على المكاره..ليس من السّهل أن تتوارى خلف التخوم،ولا أن تضيع ولا أن تموت..ولا أن.." استفقت على أبي يئنّ بصمت حزين..لقحته فوق ذراعيَّ ومشيت به، فشعرت كأنني أحمل كيسا من العظام..أدخلته"دورة المياه" وأمسكت بيديه حتى إنتهى،ثم حملته من جديد..كان حزنا صعب المراس يلتحف بأضلاعي..صباح يوم الخميس..على الساعة السادسة حزنا:دخلت الغرفة فرأيت أبي مسجى،وقد تميّع مرضا،وتحلّقت حوله أخواتي،انقبض قلبي بسرعة وأسرعت إلى جانبه، كانت شفتاه تتحركان وعيناه مغمضتين بعنت وألم، وهيكله هامدا ساكن النبض..اقتربت منّي أمّي وهمست في أذني بصوت مكتوم:" لا تحزن يا ابني..الحزن ماء غريب لا يغسل ما يجب غسله إلا في لحظات هاربة".." لا يا أمّي..إنني حزين..الحزن حالة من الهمود كالقهوة التي تفور وتفور، ثم تتراجع وتستقر في قاع الركوة.أنا قهوة فارت وهمدت..جسد يتلوّى في فيض الألم..أنا كتلة من ألم..ترى يا أمي، هل سيطوي الموت جناحيه الأسودين على أبي..؟ إلتفت صوبه ثانية، فرأيته يعضّ شفته السفلى بعنف وقد تيبّست يده تحت جنبه الأيمن..وتهادت الأوجاع على صفحة وجهه غائمة كأطياف مراكب الصّيد عند الغسق..عند المساء:حين الظلمة تبرك على الإمتداد على حيّ نابت في مكان ما من الجنوب..تتحرّك كائنات بشرية وسط الفراغ، وتتململ بعض الأصوات التي تحملها الأحزان وتطوّح بها بين أركان البيت..في تلك اللحظات المنفلتة من عقال الزمن..يتوجّع السكون ويصاب الصّمت النبيل بجراح يفقد على إثرها اللّيل سرّه.. ......
#سخي..منسَكب
#نحاسي
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=716046
#الحوار_المتمدن
#محمد_المحسن "إذا أردتَ ألا تخشى الموت،فإنّ عليك ألاّ تكفّ عن التفكير فيه" (snénèque)الإهداء: إلى أبتي ذاك الذي تجاوز الثمانين بجمس عجاف،والتهم الحياةَ قبل أن يلتهمه الموت ذات مساء دامع..بعد أن استرددت برحيله حقي في البكاء..المطر يغسل الفضاء، وحبّاته تسقط على الأرض فتتناثر أشبه بخيالات تولد وتندثر، وعلى المدى تنطرح الأضواء فوق المستشفى الأكثر بياضا من العدم، تذكّر أنّ ثمّة بشرا يعيشون أيضا..لقد اكتشف الطبيب الصّارم-المرضَ الخبيث-الذي توغّل في رئة أبي وبدأ ينخرها بشراهة فجّة، مما جعله يحدّد موته برتابة إدارية مرعبة!..هذا الإكتشاف المفجع أجبرني على العودة به إلى البيت حيث سيكون الوداعأنا الآن،مثقل الذهن من رؤياه، مكدود المشاعر، إلا أنّ تألّمه لم يكن يثير من الألم بي، أكثر مما يثير سخريتي من الحياة، فإنتهاء الإنسان إلى مثل هذا المصير لا سيما بعد أكثر من نصف قرن قضاه يعطي الحياةَ حيويّته ونضارة صباه، هو ضرب من العبثيّة التي لم أستسغ كنهها بما فيه الكفاية..لقد غدا أبي في عداد الميت، وانخرط في عدّ أيّامه بصبر الأنبياء..هكذا بعد أكثر من نصف قرن أعطى فيه الحياة أضعاف ما أخذه، يحيله المرض إلى كتلة من عذاب..فجر يوم الإربعاء.. على الساعة الخامسة ألما :إنّه ليس معقولا أن يموت أبي،كما أنّه ليس معقولا أيضا أن يعيشَ على تخوم الألم،ومع ذلك فلا شموخه فوق زخّات العذاب عجّل برحيله، ولا أنا قبلت بأن يموت، رفضان في تناقض محتدم،إلا أنّهما محتدمان بصورة قدرية..وذلك هو جوهر أحزاني..قبيل إنبلاج الصّبح بقليل سرحت فيما يبدو أكثر مما ينبغي فأغفيت"..رغبت في البكاء، بكيت دون دموع..تراءى لي والدي بوجهه المهيب، ورجولته الفيّاضة، خيّل إليَّ أنّه عاتب عليَّ"أنت نسيتني-قال لي-ومن حقّك أن تنساني..فمَن غاب عن العين ينساه القلب..!"صرخت بملء العقل والقلب والدّم:" لا يا أبتي لن أنساك..لن يطويك الزّمن..لن يباعد بيننا..الزّمن لن يطوي أمثالك ممن خبروا شعاب الجبال، وقفْر البراري..ستعود كما كنت جوّاب آفاق يصبر على المكاره..ليس من السّهل أن تتوارى خلف التخوم،ولا أن تضيع ولا أن تموت..ولا أن.." استفقت على أبي يئنّ بصمت حزين..لقحته فوق ذراعيَّ ومشيت به، فشعرت كأنني أحمل كيسا من العظام..أدخلته"دورة المياه" وأمسكت بيديه حتى إنتهى،ثم حملته من جديد..كان حزنا صعب المراس يلتحف بأضلاعي..صباح يوم الخميس..على الساعة السادسة حزنا:دخلت الغرفة فرأيت أبي مسجى،وقد تميّع مرضا،وتحلّقت حوله أخواتي،انقبض قلبي بسرعة وأسرعت إلى جانبه، كانت شفتاه تتحركان وعيناه مغمضتين بعنت وألم، وهيكله هامدا ساكن النبض..اقتربت منّي أمّي وهمست في أذني بصوت مكتوم:" لا تحزن يا ابني..الحزن ماء غريب لا يغسل ما يجب غسله إلا في لحظات هاربة".." لا يا أمّي..إنني حزين..الحزن حالة من الهمود كالقهوة التي تفور وتفور، ثم تتراجع وتستقر في قاع الركوة.أنا قهوة فارت وهمدت..جسد يتلوّى في فيض الألم..أنا كتلة من ألم..ترى يا أمي، هل سيطوي الموت جناحيه الأسودين على أبي..؟ إلتفت صوبه ثانية، فرأيته يعضّ شفته السفلى بعنف وقد تيبّست يده تحت جنبه الأيمن..وتهادت الأوجاع على صفحة وجهه غائمة كأطياف مراكب الصّيد عند الغسق..عند المساء:حين الظلمة تبرك على الإمتداد على حيّ نابت في مكان ما من الجنوب..تتحرّك كائنات بشرية وسط الفراغ، وتتململ بعض الأصوات التي تحملها الأحزان وتطوّح بها بين أركان البيت..في تلك اللحظات المنفلتة من عقال الزمن..يتوجّع السكون ويصاب الصّمت النبيل بجراح يفقد على إثرها اللّيل سرّه.. ......
#سخي..منسَكب
#نحاسي
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=716046
الحوار المتمدن
محمد المحسن - دمع سخي..منسَكب على خد نحاسي