شريف حتاتة : خواطر مغترب
#الحوار_المتمدن
#شريف_حتاتة ----------------------------ضوء الفجر يتسلل من زجاج النافذة . إلى جواري ترقد نوال كالطفلة ، لم تجد حضن أمها فالتقت حول نفسها. شعرها الفضى يضوى في الظلال. أميل ناحيتها. أمرعليه بلمسة من يدى كالسحابة فوق القمر يختفي خلفها.أسمع أنفاسها الهادئة تتردد. أقوم من رقدتي سانرا على قدمين حافيتين فوق البساط الدافئ. أتفادى كتل الأثاث توارت في الظلام، وأهبط على السلالم تئن أنينا خافتا. أجتاز حجرة الجلوس، وحجرة الطعام، والغرفة الشمسية المخصصة للشتاء. أفتح الباب الخلفي للمنزل، وساترا من الأسلاك، وأهبط على درجتين إلى الحديقة تحاصرني فيها الحرارة الرطبة كالبخار.صيف " نورث كارولينا " هو صيف الاستواء. فيها شجر الغابات كالجدار، يكتم الأنفاس. يتسلل ضوء الفجر بين أوراقه فيشبه بياض العيون حول السواد. مئات العيون تحملق فيً، تخشاني، وأنا من بياضها القلق خائف.. أهـي عـيـون العـبـيـد.. كانوا يعملون هنا في مزارع التبغ، وقصب السكر، والقطن تحت لفح الشمس، والكرباج ينهال على ظهورهم، فيهربون في الغابات .صنعوا أول تراكم لرأس المال في هذه القارة فنشأت الصناعة في أمريكا على أساسه. قرأت عنهم في الكتاب وأنا جالس في المنزل أقمت فيه منذ سنة. يشبه منازل أسيادهم في ذلك الزمن. أبيض وله مدخنة، وسواترها زرقاء فاتحة، والآن أرى أحفادهم ينظفون المراحيض، ويجمعون القمامة، ويفرغون أكياس الروث حول الأشجار في جامعة ديوك ، يمتد فيها الحرم على ألف فدان ، تحيطها غابة مساحتها عشرون ألف فدان تملكها الجامعة. نشأت الجامعة على أكتافهم. صبوا فيها عرقهم. فمؤسس الجامعة السيد " وليم ديوك" جمع ثروة مقدارها تسعمائة مليون دولار من مزارع التبغ، وصناعة الدخان، والسجائر، من السم الأسمر يتلف الشرايين، ويصيب خلايا الجسم بجنون التكاثر فتنمو فيها أورام السرطان. ابني " عاطف " لا يتوقف عن التدخين وأخشى عليه من هذا السم. في جامعة " ديوك " في ولاية التبغ، وصناعة السجائر ، لا أحـد من الشباب يدخن. أفكر فيه، وفي آلاف من الشباب في مصر مازالوا يشترون السجائر.ماذا أفعل هنا ؟ . أتلفت حولي. النهار ما زال محاطا بالغيوم، والجو خانق. لكن العيون اختفت. لم يعد لها أثر. كل شئ من حولي ساكن. لا نسمة هواء ترعش أوراق الشجر، ولا رفرفة عصفور أصابه القلق، ولا خطوة مبكرة تسعى إلى العمل. حتى صفير حشرات التشيكادا المنتظم توقف ، كأنها كتمت أنفاسها عندما رأتني قادما. لا شئ سوى السكون الموحش، وشعـور بأن السعادة أفلتت . ترى لماذا ؟ . أهو الوعي بالمشوار كاد ينتهي ؟ أ. م لأن الخيال جامح والواقع يلهث وراءه ؟.ارتعش شعاع ذهبي في الضـوء الشاحب. لمحت الورود في الحـديقـة تفتحت. سرت خلف البيت حتى باب المطبخ. دخلته وأخرجت المقص من درجه. عدت إلى الحديقة أتنقل بين أشجارها. أسمع صوت الفكين ينغلقان بقسوة. تميل الوردة بساقها فألتقطها بين يدى قبل أن تقع. جمعت الورود ووضعتها على منضدة. نزعت أشواكها وأوراقها الزائدة. فتحت الصنوبر، وملأت الوعاء بالماء، وأنا أستمع إلى خريره المطمئن. صعدت الدرجات إلى حجرة نوال ، حيث تقضى أيامها أمام الورق. وضعت الزهور على مكتبها.تأملتها، وفي لحظة بدا لي ، وكأننى أتأمل كل ما جرى لنا، كل ما تخلل حياتنا من فرحة، وألم .****عدت من القاهرة إلى أمريكا بعد الأجازة. هبطت بى الطائرة في مطار رالی-;- درهام ، مع الشمس الغاربة. شاشات الكومبيوتر في الممر الطويل تقول أن الساعة تجاوزت السابعة والنصف. أسرعت الخطوة. الزمن يلتهم بقسوة ما تبقى من العمر مثل السيارة الميكروباص .صعدت إليها فأخذت تنهب الطريق دون أن ......
#خواطر
#مغترب
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753292
#الحوار_المتمدن
#شريف_حتاتة ----------------------------ضوء الفجر يتسلل من زجاج النافذة . إلى جواري ترقد نوال كالطفلة ، لم تجد حضن أمها فالتقت حول نفسها. شعرها الفضى يضوى في الظلال. أميل ناحيتها. أمرعليه بلمسة من يدى كالسحابة فوق القمر يختفي خلفها.أسمع أنفاسها الهادئة تتردد. أقوم من رقدتي سانرا على قدمين حافيتين فوق البساط الدافئ. أتفادى كتل الأثاث توارت في الظلام، وأهبط على السلالم تئن أنينا خافتا. أجتاز حجرة الجلوس، وحجرة الطعام، والغرفة الشمسية المخصصة للشتاء. أفتح الباب الخلفي للمنزل، وساترا من الأسلاك، وأهبط على درجتين إلى الحديقة تحاصرني فيها الحرارة الرطبة كالبخار.صيف " نورث كارولينا " هو صيف الاستواء. فيها شجر الغابات كالجدار، يكتم الأنفاس. يتسلل ضوء الفجر بين أوراقه فيشبه بياض العيون حول السواد. مئات العيون تحملق فيً، تخشاني، وأنا من بياضها القلق خائف.. أهـي عـيـون العـبـيـد.. كانوا يعملون هنا في مزارع التبغ، وقصب السكر، والقطن تحت لفح الشمس، والكرباج ينهال على ظهورهم، فيهربون في الغابات .صنعوا أول تراكم لرأس المال في هذه القارة فنشأت الصناعة في أمريكا على أساسه. قرأت عنهم في الكتاب وأنا جالس في المنزل أقمت فيه منذ سنة. يشبه منازل أسيادهم في ذلك الزمن. أبيض وله مدخنة، وسواترها زرقاء فاتحة، والآن أرى أحفادهم ينظفون المراحيض، ويجمعون القمامة، ويفرغون أكياس الروث حول الأشجار في جامعة ديوك ، يمتد فيها الحرم على ألف فدان ، تحيطها غابة مساحتها عشرون ألف فدان تملكها الجامعة. نشأت الجامعة على أكتافهم. صبوا فيها عرقهم. فمؤسس الجامعة السيد " وليم ديوك" جمع ثروة مقدارها تسعمائة مليون دولار من مزارع التبغ، وصناعة الدخان، والسجائر، من السم الأسمر يتلف الشرايين، ويصيب خلايا الجسم بجنون التكاثر فتنمو فيها أورام السرطان. ابني " عاطف " لا يتوقف عن التدخين وأخشى عليه من هذا السم. في جامعة " ديوك " في ولاية التبغ، وصناعة السجائر ، لا أحـد من الشباب يدخن. أفكر فيه، وفي آلاف من الشباب في مصر مازالوا يشترون السجائر.ماذا أفعل هنا ؟ . أتلفت حولي. النهار ما زال محاطا بالغيوم، والجو خانق. لكن العيون اختفت. لم يعد لها أثر. كل شئ من حولي ساكن. لا نسمة هواء ترعش أوراق الشجر، ولا رفرفة عصفور أصابه القلق، ولا خطوة مبكرة تسعى إلى العمل. حتى صفير حشرات التشيكادا المنتظم توقف ، كأنها كتمت أنفاسها عندما رأتني قادما. لا شئ سوى السكون الموحش، وشعـور بأن السعادة أفلتت . ترى لماذا ؟ . أهو الوعي بالمشوار كاد ينتهي ؟ أ. م لأن الخيال جامح والواقع يلهث وراءه ؟.ارتعش شعاع ذهبي في الضـوء الشاحب. لمحت الورود في الحـديقـة تفتحت. سرت خلف البيت حتى باب المطبخ. دخلته وأخرجت المقص من درجه. عدت إلى الحديقة أتنقل بين أشجارها. أسمع صوت الفكين ينغلقان بقسوة. تميل الوردة بساقها فألتقطها بين يدى قبل أن تقع. جمعت الورود ووضعتها على منضدة. نزعت أشواكها وأوراقها الزائدة. فتحت الصنوبر، وملأت الوعاء بالماء، وأنا أستمع إلى خريره المطمئن. صعدت الدرجات إلى حجرة نوال ، حيث تقضى أيامها أمام الورق. وضعت الزهور على مكتبها.تأملتها، وفي لحظة بدا لي ، وكأننى أتأمل كل ما جرى لنا، كل ما تخلل حياتنا من فرحة، وألم .****عدت من القاهرة إلى أمريكا بعد الأجازة. هبطت بى الطائرة في مطار رالی-;- درهام ، مع الشمس الغاربة. شاشات الكومبيوتر في الممر الطويل تقول أن الساعة تجاوزت السابعة والنصف. أسرعت الخطوة. الزمن يلتهم بقسوة ما تبقى من العمر مثل السيارة الميكروباص .صعدت إليها فأخذت تنهب الطريق دون أن ......
#خواطر
#مغترب
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753292
الحوار المتمدن
شريف حتاتة - خواطر مغترب