محمود شقير : ظل آخر للمدينة46
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الأثناء، بعد الذهاب إلى شفاعمرو وحيفا، يعاودني الحنين إلى كتابة القصة القصيرة، فأكتب قصة بعنوان "الخروج" أقوم بنشرها في مجلة "الجديد". ولا تلبث مشاغل العمل السياسي المباشر أن تصرفني من جديد عن الكتابة القصصية، ثم أغرق في قراءة مجموعة من الوثائق عن فترة الثورة الفلسطينية الكبرى العام 1936 وما تلاها من تطورات. كانت الاعتقالات في الذكرى الثانية لهزيمة حزيران وما تلاها من شهور لا تتوقف، ولا يسلم من أذاها أحد من النشطاء السياسيين، أو من المنتمين إلى التنظيمات المسلحة. وكنت منكباً في تلك الليلة ( 27 / 7 / 1969) على قراءة الكتاب الأبيض الذي أصدرته لجنة أنجلو _ أمريكية لتقصي الحقائق في فلسطين، إثر اندلاع ثورة 1936. سمعت أصوات سيارات تتوقف عند ساحة بئرنا الغربية، خمنت أن أمراً غير عادي يحدث من حولي. نهضت مسرعاً، أخرجت بطاقة هويتي من جيب بنطالي المعلق على مشجب في غرفة نومي. فتحت باب البيت، وأنا أتأهب لمغادرته. فوجئت بالجنود وقد طوقوا البيت من جميع الجهات، فألقوا القبض علي، ثم قاموا بتفتيش البيت. وبعد ذلك، انطلقوا بي إلى سجن المسكوبية، الذي تفصله عن بيتنا مسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات. *** كانت لسجن المسكوبية سمعة مخيفة، ففي زنازينه استشهد عدد من المناضلين الوطنيين تحت التعذيب (قاسم أبو عكر مثلاً). أغادر في تلك الليلة بيتي معصوب العينين في سيارة عسكرية، يملأها الجنود. تجيش نفسي بمشاعر شتى، أتهيأ لمواجهات ساخنة وأنا أغالب خوفي مما سأتعرض له من أذى. بعد أقل من عشرين دقيقة، تتوقف السيارة. يقتادني أحدهم خارجها، ثم ينزع العصبة عن عيني. ثمة ساحة ترابية فيها أشجار سامقة، أمام مبنى قديم. أرى أشخاصاً يقفون ووجوههم متجهة نحو السور الذي يحيط بالبناية. أشعر بقشعريرة تغزو بدني. أدخل المبنى، ثمة إضاءة قوية في الداخل. الضابط المكلف باعتقالي يأمرني بأن أجلس على كرسي في زاوية الردهة. أجلس وأنا أرتجف. أحاول أن أمارس ضغطاً على عضلات وجهي وكتفي وأطرافي، لعلها تكف عن الارتجاف، فلم أفلح. أتمنى بيني وبين نفسي لو أنهم يبادرون إلى التحقيق معي فوراً، لأن الانتظار يربكني. أحدق في كل شيء تقع عليه عيناي، يغيظني الظهور الاستعراضي للمحققين، بعضلات أذرعهم النافرة. أحدهم يتوقف بالقرب مني، وهو يحدجني بنظرات حادة. أخيراً، جاء المحقق. دعاني إلى إحدى غرف التحقيق. جلس خلف مكتب وجلست قبالته. كان يتظاهر بدماثة الخلق. أخبرني أنه سيوفر علي الكثير من الضرب والإهانات لاعتقاده أنني مثقف، وينبغي علي ألا أعرض نفسي للإهانة. وقال إنه سيكتفي بطرح عشرة أسئلة علي، فإذا أجبته عنها، فإن بإمكاني العودة إلى البيت قبل شروق الشمس. بدأ بسؤال عن اسمي ومكان سكني ووظيفتي، فأجبته. ثم طلب مني أن أذكر أسماء من ألتقي بهم دائماً من أصدقائي. أخبرته أنني لا أستطيع ذلك، لأن التلفظ بأسماء أصدقائي في مكتب للتحقيق يعتبر إساءة لهم. لم تعجبه إجابتي. لاحظت فجأة أنني توقفت عن الارتجاف، وسيطر علي إحساس بالخدر، فازددت ثقة في نفسي، وتشجعت على مزيد من المواجهة.قال إن إحجامي عن ذكر أسماء أصدقائي يعني أن ثمة أمراً ما يدفعني إلى ذلك، ما يجعله يتشكك في براءتي وبراءتهم، وإلا لكنت نطقت بأسمائهم.قلت إن علاقتي بأصدقائي هي واحدة من خصوصياتي، وليس من اللياقة أن أعرّض هذه العلاقة للانتهاك. قال إن هذا الأمر يقود إلى نتائج غير سارة، منها أنني لن أخرج من هذا المكان في وقت قريب، وسوف أعرض نفسي للضرب وللإهانات. داهمني الخوف من جديد، ولكن دون ارتجاف ......
#للمدينة46
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=749234
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الأثناء، بعد الذهاب إلى شفاعمرو وحيفا، يعاودني الحنين إلى كتابة القصة القصيرة، فأكتب قصة بعنوان "الخروج" أقوم بنشرها في مجلة "الجديد". ولا تلبث مشاغل العمل السياسي المباشر أن تصرفني من جديد عن الكتابة القصصية، ثم أغرق في قراءة مجموعة من الوثائق عن فترة الثورة الفلسطينية الكبرى العام 1936 وما تلاها من تطورات. كانت الاعتقالات في الذكرى الثانية لهزيمة حزيران وما تلاها من شهور لا تتوقف، ولا يسلم من أذاها أحد من النشطاء السياسيين، أو من المنتمين إلى التنظيمات المسلحة. وكنت منكباً في تلك الليلة ( 27 / 7 / 1969) على قراءة الكتاب الأبيض الذي أصدرته لجنة أنجلو _ أمريكية لتقصي الحقائق في فلسطين، إثر اندلاع ثورة 1936. سمعت أصوات سيارات تتوقف عند ساحة بئرنا الغربية، خمنت أن أمراً غير عادي يحدث من حولي. نهضت مسرعاً، أخرجت بطاقة هويتي من جيب بنطالي المعلق على مشجب في غرفة نومي. فتحت باب البيت، وأنا أتأهب لمغادرته. فوجئت بالجنود وقد طوقوا البيت من جميع الجهات، فألقوا القبض علي، ثم قاموا بتفتيش البيت. وبعد ذلك، انطلقوا بي إلى سجن المسكوبية، الذي تفصله عن بيتنا مسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات. *** كانت لسجن المسكوبية سمعة مخيفة، ففي زنازينه استشهد عدد من المناضلين الوطنيين تحت التعذيب (قاسم أبو عكر مثلاً). أغادر في تلك الليلة بيتي معصوب العينين في سيارة عسكرية، يملأها الجنود. تجيش نفسي بمشاعر شتى، أتهيأ لمواجهات ساخنة وأنا أغالب خوفي مما سأتعرض له من أذى. بعد أقل من عشرين دقيقة، تتوقف السيارة. يقتادني أحدهم خارجها، ثم ينزع العصبة عن عيني. ثمة ساحة ترابية فيها أشجار سامقة، أمام مبنى قديم. أرى أشخاصاً يقفون ووجوههم متجهة نحو السور الذي يحيط بالبناية. أشعر بقشعريرة تغزو بدني. أدخل المبنى، ثمة إضاءة قوية في الداخل. الضابط المكلف باعتقالي يأمرني بأن أجلس على كرسي في زاوية الردهة. أجلس وأنا أرتجف. أحاول أن أمارس ضغطاً على عضلات وجهي وكتفي وأطرافي، لعلها تكف عن الارتجاف، فلم أفلح. أتمنى بيني وبين نفسي لو أنهم يبادرون إلى التحقيق معي فوراً، لأن الانتظار يربكني. أحدق في كل شيء تقع عليه عيناي، يغيظني الظهور الاستعراضي للمحققين، بعضلات أذرعهم النافرة. أحدهم يتوقف بالقرب مني، وهو يحدجني بنظرات حادة. أخيراً، جاء المحقق. دعاني إلى إحدى غرف التحقيق. جلس خلف مكتب وجلست قبالته. كان يتظاهر بدماثة الخلق. أخبرني أنه سيوفر علي الكثير من الضرب والإهانات لاعتقاده أنني مثقف، وينبغي علي ألا أعرض نفسي للإهانة. وقال إنه سيكتفي بطرح عشرة أسئلة علي، فإذا أجبته عنها، فإن بإمكاني العودة إلى البيت قبل شروق الشمس. بدأ بسؤال عن اسمي ومكان سكني ووظيفتي، فأجبته. ثم طلب مني أن أذكر أسماء من ألتقي بهم دائماً من أصدقائي. أخبرته أنني لا أستطيع ذلك، لأن التلفظ بأسماء أصدقائي في مكتب للتحقيق يعتبر إساءة لهم. لم تعجبه إجابتي. لاحظت فجأة أنني توقفت عن الارتجاف، وسيطر علي إحساس بالخدر، فازددت ثقة في نفسي، وتشجعت على مزيد من المواجهة.قال إن إحجامي عن ذكر أسماء أصدقائي يعني أن ثمة أمراً ما يدفعني إلى ذلك، ما يجعله يتشكك في براءتي وبراءتهم، وإلا لكنت نطقت بأسمائهم.قلت إن علاقتي بأصدقائي هي واحدة من خصوصياتي، وليس من اللياقة أن أعرّض هذه العلاقة للانتهاك. قال إن هذا الأمر يقود إلى نتائج غير سارة، منها أنني لن أخرج من هذا المكان في وقت قريب، وسوف أعرض نفسي للضرب وللإهانات. داهمني الخوف من جديد، ولكن دون ارتجاف ......
#للمدينة46
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=749234
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة46