الحوار المتمدن
3.07K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
رزان الحسيني : الفارغ والمملوء
#الحوار_المتمدن
#رزان_الحسيني على المملوء أن يكون ممتلئاً، لأن الصفة يجب أن تتبع الحالة، لا من أنتج تلك الحالة بها، ولكن الشعر حارسُ قصرٍ حازم، يجعل اللغة سجينته المُدللة دون حتى أن تعرف أنها سجينة مكانٍ ما، ولا نريد أن نقول أن الشعر سجّانٌ لّلغة لأن ما ينتج عن احتوائهِ لها لوحةً شاسعة بحريّتها، اللوحة نفسها التي اعتدنا –ما إن نرسم أساسها- أن نحرص على تلوين خلفيّتها، كأن بنا حاجة ملّحة على ملء كل ما هو فارغ، على الخلفية أن تُلوّن بشكلٍ تام دون أن تبقى قطرة بياض واحدة من الورقة فيها، علينا أن نجرّد الورقة من أصلها حتى نشعر بأصلية ألواننا. نعلّق -والتعليق من وعلى وفي هي حالتنا شبه المستمرّة- على جدراننا الجديدة ما يُشعرنا بأن البيت مسكونٌ وحقيقي، ولا نكتفي بلوحةٍ كبيرة واحدة، بل لا يسلم حتى الدرج من هوسنا بملء الفراغات، فنطفق ننثر، أينما وقع بصرنا الحزين على بقعةٍ فارغة، اللوحات الطبيعية والأكفَّ الزرقاء وصور الائمة وخطوط البسملة والصلوات وأصص النباتات الصناعية المؤذية للعين بخضرتها، ثم أصبحنا لا نُطيق حتى اللون التقليدي لحيطان البيت، فمسخناه إلى مشجّر ومنقّط ومطوّب وأزرق وبني، كل شيءٍ عدا السادة والأبيض، كل ما لا يُذكرنا بالفراغ والوجود، ولون البداية والنهاية، كل ما يصرف تركيزنا عن شبح المتضادّات. نشعر بضرورة الإفعام لأن الفجوات بداخلنا تتشمّس في التخوم، يهدهدنا الشعور بالدفء الحميمي المزيّف، ويهدّنا البرد القاحل في الفراغ، لأن الفجوات خاليةٌ، وشبيه الشيء هنا -عكس ما هو شائع- لا ينجذب إليه، بل يكرهه وينبذهُ ويتوحّش حين يواجهه. ولو لم يكن الخلو الذي تواجههُ الأشجار في الخريف يتبعهُ امتلاءً تدريجياً لجزع الإنسان وجُنّ، وما أكثر رعباً من رؤية غاليتنا شجرة السدر خاليةً من أوراقها، كابوس!حين يرتبط رؤية الفراغ بوداع المنزل، ومنظر المصطبة بخلوها من رفاقها، تُصبح الطلة على قاع البئر الفارغ في جوفنا ضبابية ملوّثة بالعوائق الشفافة، وما من تلسكوب يخترقها ويأخذ ببصيرتنا إلى ضالّتها، تُصبح عملية غربلة الذات من شوائبها أثقل من تكرير النفط الخام، تلك الأداة الحادة التي تفرض الدول بها نفسها وتتنافس عليها أخرى، وهي حارقة ومُحترقة، مثل الذات تماماً، بل تتفوق الذات عليها معلنةً، وبغرور، فرادتها وصعوبة الوصول إليها. العُري هو ما يُخيفنا لعُقدة الخلق والطرد الأولى في الطفولة، جميعنا كُنا عراةً مرةً، ونُهِرنا، ومنذ أن طُردنا بعد أن تم إلباسنا أصبح العراء والفراغ وسواسنا القهريّ، ما نلبث أن نحلّ بأرضٍ حتى نكسيها مثل ما كُسينا للمرة الأولى، وسنُكسى مرةً أخيرة، نسعى لتغليف شيءٍ لا ندرك ما هو، طمر ما لا نقدر على مواجهته، لذا حين نُجبر على المواجهة، نتحجج بأن الطريق وعر، الطريق مغبر، الطريق مليءٌ بالأثاث. التخمة الوحيدة التي لا تكون كطبقات الدهن التي تنزفها السيارة الثابتة على الأسفلت، هي تخمة الأشجار، نزعتنا إلى ملئ المرآب أو بوابة البيت بصنع حديقة -ولو بمترين- هي أفضل نزعة بشرية، ميلنا الأنانيّ إلى تكوين صداقة وثيقة مع كائنات صامتة هي أحبّ الأنانيّات، الأشجار صديقاتنا الوفيّات، الأشجار شواهد التخوم والتخبّط الذي نقع فريستهُ الدائمة. لطالما عرفنا الشيء بمتضادّاته، وبحالتنا هذه، فقد توهّمنا بمعرفة المعنى حين أصبح سميناً من إسقاطاتنا بما يكفي لملاحظته، بما يكفي للمسهِ والإعجاب به بل وحتى أخذه وتعليقه فوق الأبواب ومرآة السيارة كما لو كان تعليقةً ثقيلةً تم صُنعها يدوياً. الجرد والعراء لا يعني سوى الوحشة لدى المرء، تذكيراً يصم الآذان على وحدتهِ الأولى والأخيرة، ضوءاً شمسياً يُعمي الأبصار مثل الحقيقة ......
#الفارغ
#والمملوء

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=757875