حدريوي مصطفى (العبدي) : طيور المجوب
#الحوار_المتمدن
#حدريوي_مصطفى_(العبدي) مقدمة:تعود فاطمة بعد أربعة سنوات حيث تقاطر عرقها حبات، حبات، وتعالى غناؤها وماجت أناتها صدىً، وهي تذرع المسارب والرفقة تجني حلو الثمرات، فرولة كالدم قانية، وحلوة كالشهد مذاقا، تداري الضنك وراء بسماتها الشاحبة، وتقوّم صبرها الواهن بحمدلاتها المتواصلة؛ وتقف على حدود عرزال متهالك، تتأمل الأرض الجرداء المنبسطة أمامها، ثم تغمغم: ـ من كان يساوره أن هذه الضيعة تصير خالية على عروشها، وكأن لا ماء جرى فوقها، ولا يد قطفت ثمارها، ولا كان لها مجد وخبر.؟!في اللحظة ذاتها تقف (مرسديس) بيضاء، يترجل راكبها ، ويقف قرب فاطمة، ثم يبادرها يالسؤال:ـ أما زلت تحنين لتلك الأيام الخوالي، يا فاطمة، ليتها تعود ونبدأ من جديد، وأكون... أفضل مما كنت عليه...آه... مني آه..!تلوذ بالصمت، وكأنها ما سمعت، بل وكأن الحاضر لا وجود له...!***********أتى من حيث لا مكان! وحط الرحال على ناصية الزقاق؛ و من دكّة على باب مهجور اقتطع ركنا ـ ترعاه بفيئها أغصان شجرة تين تطل من باحة وراء سور مشروخ ـ واتخذه متكأً. لم يبال به شبح الأم عائشة الهالكة صاحبة البيت، ولم ينهره كما يتوهّم صبية الجوار حين يلعبون قرب الباب لحظة تراخي موجة الصهد عشاءً، أو حين يحاولون جني ما تدلى من ثمار الأغصان الحانية أيام القطاف ...كان شخصا عاديا، نحيلا شيئا ما وطويلا، أسبط الشعر، كث اللحية، ينتعل جزمة ويلبس "دجينا" باليا وقميصا كاكيا، بل ما كان شيئا مثيرا فيه عدا جلسته القرفصاء الانطوائية، وهيئة وقار تفيض على وجهه الهادئ، وما كان يملك من سقط متاع: معطفٍ افترشه، وجرابٍ، احتضنه احتضان الأم لوليدها، وعصاً لا حاجة له بها وهو السليم البنية، الرشيق الهيئة، الخالي من العرج.. لم يكن يغادر متكأه إلا لماما، وإنما يظل قابعا يطالع الزقاق الضيق، يمسحه وسابلتَه بعينين كسيرتين متقدتين فطنة ونباهة ، ولما يتعب ـ ربما ـ يشرع في نثر أوراق وصور أمامه ، لا أحدَ قد عرف، أو يعرف محتواها، ثم ما يفتأ ويعود ويلمُها حارصا على سلامتها من الطي والتلف.لم تهتم به ساكنة الزقاق كثيرا، سريعا ما هضمت وجوده بينها وصار وشجرةَ التين المطلة من وراء السور القديم سيان ، قد تناولته الألسن يوما أو يومين، و لكن سرعان ما تناسته..قدروا أنه رجل متعلم، خبير بالكتابة والقراءة، وازدادوا يقينا حين رآه بعضهم يخاطب سياحا مرة باللغة الإنجليزية، وبالفرنسية مرة أخرى بطلاقة وبدون لكنة وكأنه قادم من وسط باريس، أو سيد من سادة ( لندن ) وهو يقول لهم حين كانوا يحاولون أخذ صورة تذكارية لتعشيقات زُخرفية على طول إفريز ينمنم منزل أم عائشة:" تنحوا عن المكان... اغربوا عن وجهي لست تمثالا ولا المكان صرحا تاريخيا... ابتعدوا من هنا "..بلغ الخبر يوما أمّ حسن، فأتته ذات ضحى وفي يدها اليمنى شريط من تين جاف، وفي الثانية ظرف وورقة وقلم. وقالت له:أيها السيد الطيب! منذ خمس عشرة سنة، ركب حسن .. ولدي البحر ركوبا غير شرعي، ورسا ورسّى على أرض النصارى، كما أخبرني في رسالته الأولى، واشتغل في مزرعة دجاج كما أخبرني في مكالمة هاتفية، وبشرني بأنه سيرسل لي قدرا من المال عما قريب، لكن يا حبيبي لم يبق يهاتفني ويكاتبني من يومها؛ اكتب له من فضلك خطابا حضّه فيه على أن يفتكر أن له أما وحيدة هنا تنظر إشراقة وجهه الجميل، وإن عز الطلب قل له : "تكفيني بضع كلمات على خط هاتفي الأخرس!"تأملها في صمت وقال لها :أنت يائسة يا أمي، أليس كذلك؟ردت، وقد طفر ينبوع دمع من عينيها، سرعان ما مسحت أثره بظهر يدها المعروقة:ـ قل سوداوية يا ولدي!..<br ......
#طيور
#المجوب
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=681683
#الحوار_المتمدن
#حدريوي_مصطفى_(العبدي) مقدمة:تعود فاطمة بعد أربعة سنوات حيث تقاطر عرقها حبات، حبات، وتعالى غناؤها وماجت أناتها صدىً، وهي تذرع المسارب والرفقة تجني حلو الثمرات، فرولة كالدم قانية، وحلوة كالشهد مذاقا، تداري الضنك وراء بسماتها الشاحبة، وتقوّم صبرها الواهن بحمدلاتها المتواصلة؛ وتقف على حدود عرزال متهالك، تتأمل الأرض الجرداء المنبسطة أمامها، ثم تغمغم: ـ من كان يساوره أن هذه الضيعة تصير خالية على عروشها، وكأن لا ماء جرى فوقها، ولا يد قطفت ثمارها، ولا كان لها مجد وخبر.؟!في اللحظة ذاتها تقف (مرسديس) بيضاء، يترجل راكبها ، ويقف قرب فاطمة، ثم يبادرها يالسؤال:ـ أما زلت تحنين لتلك الأيام الخوالي، يا فاطمة، ليتها تعود ونبدأ من جديد، وأكون... أفضل مما كنت عليه...آه... مني آه..!تلوذ بالصمت، وكأنها ما سمعت، بل وكأن الحاضر لا وجود له...!***********أتى من حيث لا مكان! وحط الرحال على ناصية الزقاق؛ و من دكّة على باب مهجور اقتطع ركنا ـ ترعاه بفيئها أغصان شجرة تين تطل من باحة وراء سور مشروخ ـ واتخذه متكأً. لم يبال به شبح الأم عائشة الهالكة صاحبة البيت، ولم ينهره كما يتوهّم صبية الجوار حين يلعبون قرب الباب لحظة تراخي موجة الصهد عشاءً، أو حين يحاولون جني ما تدلى من ثمار الأغصان الحانية أيام القطاف ...كان شخصا عاديا، نحيلا شيئا ما وطويلا، أسبط الشعر، كث اللحية، ينتعل جزمة ويلبس "دجينا" باليا وقميصا كاكيا، بل ما كان شيئا مثيرا فيه عدا جلسته القرفصاء الانطوائية، وهيئة وقار تفيض على وجهه الهادئ، وما كان يملك من سقط متاع: معطفٍ افترشه، وجرابٍ، احتضنه احتضان الأم لوليدها، وعصاً لا حاجة له بها وهو السليم البنية، الرشيق الهيئة، الخالي من العرج.. لم يكن يغادر متكأه إلا لماما، وإنما يظل قابعا يطالع الزقاق الضيق، يمسحه وسابلتَه بعينين كسيرتين متقدتين فطنة ونباهة ، ولما يتعب ـ ربما ـ يشرع في نثر أوراق وصور أمامه ، لا أحدَ قد عرف، أو يعرف محتواها، ثم ما يفتأ ويعود ويلمُها حارصا على سلامتها من الطي والتلف.لم تهتم به ساكنة الزقاق كثيرا، سريعا ما هضمت وجوده بينها وصار وشجرةَ التين المطلة من وراء السور القديم سيان ، قد تناولته الألسن يوما أو يومين، و لكن سرعان ما تناسته..قدروا أنه رجل متعلم، خبير بالكتابة والقراءة، وازدادوا يقينا حين رآه بعضهم يخاطب سياحا مرة باللغة الإنجليزية، وبالفرنسية مرة أخرى بطلاقة وبدون لكنة وكأنه قادم من وسط باريس، أو سيد من سادة ( لندن ) وهو يقول لهم حين كانوا يحاولون أخذ صورة تذكارية لتعشيقات زُخرفية على طول إفريز ينمنم منزل أم عائشة:" تنحوا عن المكان... اغربوا عن وجهي لست تمثالا ولا المكان صرحا تاريخيا... ابتعدوا من هنا "..بلغ الخبر يوما أمّ حسن، فأتته ذات ضحى وفي يدها اليمنى شريط من تين جاف، وفي الثانية ظرف وورقة وقلم. وقالت له:أيها السيد الطيب! منذ خمس عشرة سنة، ركب حسن .. ولدي البحر ركوبا غير شرعي، ورسا ورسّى على أرض النصارى، كما أخبرني في رسالته الأولى، واشتغل في مزرعة دجاج كما أخبرني في مكالمة هاتفية، وبشرني بأنه سيرسل لي قدرا من المال عما قريب، لكن يا حبيبي لم يبق يهاتفني ويكاتبني من يومها؛ اكتب له من فضلك خطابا حضّه فيه على أن يفتكر أن له أما وحيدة هنا تنظر إشراقة وجهه الجميل، وإن عز الطلب قل له : "تكفيني بضع كلمات على خط هاتفي الأخرس!"تأملها في صمت وقال لها :أنت يائسة يا أمي، أليس كذلك؟ردت، وقد طفر ينبوع دمع من عينيها، سرعان ما مسحت أثره بظهر يدها المعروقة:ـ قل سوداوية يا ولدي!..<br ......
#طيور
#المجوب
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=681683
الحوار المتمدن
حدريوي مصطفى (العبدي) - طيور المجوب