شريف حتاتة : بائعة مناديل الورق
#الحوار_المتمدن
#شريف_حتاتة -----------------------------------ذلك المساء ، كنت أقف على الرصيف عند المدخل الخلفي لدار سينما "جالاكسي" في انتظار موعد الدخول إلى فيلم "غزو الهمجيين" الـذي تم عرضـه ضـمن مهرجان الفيلم الأوربي. في الشارع سيل من السيارات تروح وتجيء، ومنادون يزعقون بأعلى صوت لتنظيم أماكن الركن، وأبواق تتردد في توتر مستمر. علـ الرصيف زحام حول الباب، يقف أمامـه اثنـان مـن الحراس يرتديان ملابس كحلية اللون، ومـن حـولي أصوات مرحة، وضحكات، ووجوه مقبلة على الحيـاة، على سهرة فيها فرصة للاستمتاع.لمحتها تتسلل وسط التجمعات، صـغيرة الحجـم، نحيلـة الجسم. طفلة بشرتها سمراء، وعيناها سوداوان فيهما شـعلة الجوع، ونظرة تطل بعناد من بين ملامحها.. ترتدى ملابــس ممزقة صفراء اللون عبارة عن قميص وبنطلون ، تبرز منهمـا العظام لا يكسوها سوى الجلد. في يدها "باكوان" من المناديـل الورقية تتحرك بهما بين الواقفين على الرصيف. ترفع إليهم عينيها دون استجداء، دون أن تطلب منهم شيئا. لا يلتفت إليها أحد ما عدا الحارسين المنتصبين عند البـاب . فكلمـا اقتربـت منهما انقضا عليها بألفاظ غليظة وأيدى خشنة ، تدفعها بعيدا عن المكان الذي تجمع فيه رواد الفيلم . ثم ليتناول المنادون مهمـة إبعادها بأسوب يتصاعد في درجة العنف، لتهبط إلى الشـارع مخترقة طريقها بين السيارات المنطلقة ، كأن لا شئ يمكن أن يصيبها. يمر وقت قليل ، لأجدها وقد عـادت إلـى التســل وسـط التجمعات المنتظرة على الرصيف ، أغلبها من الشباب والشابات العصريين يعبرون عن رفاهيتهم بإهمال مدروس في طريقة اللبس، أو يهبطون من السيارات "الميتالك" اللامعة تفوح منهم رائحة العطر، وتتردد الكلمات الإنجليزية أو الفرنسية في أحاديثهم. حول أعناقهم السلاسل الرفيعة، وفي ملامحهم سعادة الإقدام على مشاهدة فن سینمائی رفیع نادرا ما يتاح لنا رؤيته. لا أحد يتنبه للطفلة تتحرك هنا وهنـاك. تتسـلـل بـين سيقانهم ، رافعة عينيها إليهم في صمت ، كأنها تريد أن ترى ما الذي سيفعلونه عندما تعرض عليهم مناديلها. لا أحـد سـوى حارسي الأمن يواصلان مطاردتها من المكان ، لتهبط إلى الشارع حيث يتولى المنادون مهمة إبعادها عـن محـيط دار السينما ليتكرر المشهد المرة بعد المرة، فقد ظلت مصرة على العـودة من جديد، على الزحف حتى الباب والوقوف بين الجمـوع ، رافضة الاستسلام للزجر الذي تزايد عنفاً ، كأنها قررت أن مـن حقها أن يفتح المجال أمامها.شاهدت أربعة من الأفلام المعروضة في المهرجان ، وفـي كل مرة رأيتها واقفة بين الناس. لكن في المرة الأخيرة لم تكن تحمل بين يديها "باكوين" من المناديل الورقية البيضاء. كانـت قد تسللت إلى الممر لتقف أمام إعلان عـن فـيلم إسـمـه "ذي فيليج". رأيتها صغيرة الحجم رافعة عينيهـا فـي تـأمـل إلى الصورة المعلقة أعلاها فوق الجدار، فأدركت أنه مهمـا طـال الزمن ، لن يقف شيء أمام زحفها وزحف الساكنين في الحواري الخلفية من أمثالها.وصف نساء مصر .......................أكره قراءة الصحف، وأكثر منها أكره مشاهدة التليفزيون. أكره صور القتلى، والأطفال المصابين، والهلع فـي العيـون، وابتسامات رؤساء الدول يفعلون عكس ما يقولون، وفتـاوى المشايخ تغلق أمامنا منافد الحياة، ومقالات الكتاب تنقد مـا لا يمس أسس الفساد، أو تبرر ما لا يجب تبريره. أكره الوجـوه المقررة علينا كل صباح ومساء، والعرى إلى جانب الحجـاب، وادعاء المعارضة يخفى الصفقات. لكني مضطر إلى قراءتهـا فلابد من تتبع ما يحدث في البلاد، ومحاولـة القـراءة بـين السطور لاكتشاف الحقيقة التي تختفي في المساحات البيضاء. ......
#بائعة
#مناديل
#الورق
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=763261
#الحوار_المتمدن
#شريف_حتاتة -----------------------------------ذلك المساء ، كنت أقف على الرصيف عند المدخل الخلفي لدار سينما "جالاكسي" في انتظار موعد الدخول إلى فيلم "غزو الهمجيين" الـذي تم عرضـه ضـمن مهرجان الفيلم الأوربي. في الشارع سيل من السيارات تروح وتجيء، ومنادون يزعقون بأعلى صوت لتنظيم أماكن الركن، وأبواق تتردد في توتر مستمر. علـ الرصيف زحام حول الباب، يقف أمامـه اثنـان مـن الحراس يرتديان ملابس كحلية اللون، ومـن حـولي أصوات مرحة، وضحكات، ووجوه مقبلة على الحيـاة، على سهرة فيها فرصة للاستمتاع.لمحتها تتسلل وسط التجمعات، صـغيرة الحجـم، نحيلـة الجسم. طفلة بشرتها سمراء، وعيناها سوداوان فيهما شـعلة الجوع، ونظرة تطل بعناد من بين ملامحها.. ترتدى ملابــس ممزقة صفراء اللون عبارة عن قميص وبنطلون ، تبرز منهمـا العظام لا يكسوها سوى الجلد. في يدها "باكوان" من المناديـل الورقية تتحرك بهما بين الواقفين على الرصيف. ترفع إليهم عينيها دون استجداء، دون أن تطلب منهم شيئا. لا يلتفت إليها أحد ما عدا الحارسين المنتصبين عند البـاب . فكلمـا اقتربـت منهما انقضا عليها بألفاظ غليظة وأيدى خشنة ، تدفعها بعيدا عن المكان الذي تجمع فيه رواد الفيلم . ثم ليتناول المنادون مهمـة إبعادها بأسوب يتصاعد في درجة العنف، لتهبط إلى الشـارع مخترقة طريقها بين السيارات المنطلقة ، كأن لا شئ يمكن أن يصيبها. يمر وقت قليل ، لأجدها وقد عـادت إلـى التســل وسـط التجمعات المنتظرة على الرصيف ، أغلبها من الشباب والشابات العصريين يعبرون عن رفاهيتهم بإهمال مدروس في طريقة اللبس، أو يهبطون من السيارات "الميتالك" اللامعة تفوح منهم رائحة العطر، وتتردد الكلمات الإنجليزية أو الفرنسية في أحاديثهم. حول أعناقهم السلاسل الرفيعة، وفي ملامحهم سعادة الإقدام على مشاهدة فن سینمائی رفیع نادرا ما يتاح لنا رؤيته. لا أحد يتنبه للطفلة تتحرك هنا وهنـاك. تتسـلـل بـين سيقانهم ، رافعة عينيها إليهم في صمت ، كأنها تريد أن ترى ما الذي سيفعلونه عندما تعرض عليهم مناديلها. لا أحـد سـوى حارسي الأمن يواصلان مطاردتها من المكان ، لتهبط إلى الشارع حيث يتولى المنادون مهمة إبعادها عـن محـيط دار السينما ليتكرر المشهد المرة بعد المرة، فقد ظلت مصرة على العـودة من جديد، على الزحف حتى الباب والوقوف بين الجمـوع ، رافضة الاستسلام للزجر الذي تزايد عنفاً ، كأنها قررت أن مـن حقها أن يفتح المجال أمامها.شاهدت أربعة من الأفلام المعروضة في المهرجان ، وفـي كل مرة رأيتها واقفة بين الناس. لكن في المرة الأخيرة لم تكن تحمل بين يديها "باكوين" من المناديل الورقية البيضاء. كانـت قد تسللت إلى الممر لتقف أمام إعلان عـن فـيلم إسـمـه "ذي فيليج". رأيتها صغيرة الحجم رافعة عينيهـا فـي تـأمـل إلى الصورة المعلقة أعلاها فوق الجدار، فأدركت أنه مهمـا طـال الزمن ، لن يقف شيء أمام زحفها وزحف الساكنين في الحواري الخلفية من أمثالها.وصف نساء مصر .......................أكره قراءة الصحف، وأكثر منها أكره مشاهدة التليفزيون. أكره صور القتلى، والأطفال المصابين، والهلع فـي العيـون، وابتسامات رؤساء الدول يفعلون عكس ما يقولون، وفتـاوى المشايخ تغلق أمامنا منافد الحياة، ومقالات الكتاب تنقد مـا لا يمس أسس الفساد، أو تبرر ما لا يجب تبريره. أكره الوجـوه المقررة علينا كل صباح ومساء، والعرى إلى جانب الحجـاب، وادعاء المعارضة يخفى الصفقات. لكني مضطر إلى قراءتهـا فلابد من تتبع ما يحدث في البلاد، ومحاولـة القـراءة بـين السطور لاكتشاف الحقيقة التي تختفي في المساحات البيضاء. ......
#بائعة
#مناديل
#الورق
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=763261
الحوار المتمدن
شريف حتاتة - بائعة مناديل الورق