الحوار المتمدن
3.18K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
رشيد بوصاد : في امتداح القراءة
#الحوار_المتمدن
#رشيد_بوصاد في غرفة تقطنها الروايات، والقصص، والمعاجم، وهي معها تأنس وتتحاور، انزويتُ في أحد الأركان ونسيتُ العالم الذي يحيط بي. لا حِس ولا حسيس، باستثناء شفتي اللتين كانتا تفضان بين الفينة والأخرى بَكَرة الصمت المطبق الذي يتفرد به الليل وعواصفه. لم أشعر بوحدة لا مملة ولا رتيبة في لحظة من اللحظات، لأنني كنت أقرأ في عزلة واعية ومقصودة كتاب "تاريخ القراءة" للكاتب الأرجنتيني-الكندي ألبيرتو مانغيل .(Alberto Manguel) في الصفحة الأخيرة وليست في الحقيقة بالأخيرة، (بل هي عنوان الفصل الأول من الكتاب)، كان قد استرعى انتباهي الدور الأساس والفعال الذي تلعبه القراءة باعتبارها ضرورة وجودية، وحاجة ملحة يصعب، ويستعصي، بل ويستحيل الاستغناء عنها. إننا، كما جاء على لسان ألبيرتو مانغيل، " نقرأ كي نفهم، أومن أجل التوصل إلى الفهم. إننا لا نستطيع فعل آي أمر مغاير: القراءة مثل التنفس، إنها وظيفة حياتية أساسية ".وها نحن في الصفحة الأولى من الصفحة الأخيرة مع مانغيل وهو يُعلق على صور مجموعة عالمية من أصدقاء القراءة كأرسطو الفتى لتشارلس دجورج، فرجيل للوجر توم رينغ الأكبر، القديس دومينيك لفرا أنجيليكو، باولو وفرانجيسكا لانزيلم، تلميذان مسلمان (رسام مجهول) وغيرهم من أصدقاء القراءة، فتذكرت الجاحظ باعتزاز وافتخار شديدين، ذلك العاشق للقراءة، وذلك الأديب الذي قتله علمه. (أو بالأحرى، جاهد في سبيل العلم). حدث ذلك عندما ولت رحلتي بوجهها اتجاه بغداد فتراقص المشهد أمامي: الجاحظ في دكان من دكاكين الوراقين يفترس الكتب، يلتهم الصفحات في صمت الليل، وأذني على صوت جُدجُد لعين... ومهما كان الأمر، فصاحبنا لا يعبأ به. بل لا يعترف له بالوجود في وجوده. لقد عُرف عن الجاحظ حبه وعشقه للقراءة، وملازمة الكتب، وكان إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى أخره، ولا تأخذه رأفة، ولا رحمة، ولا تعاطف. تساءلت في نفسي: أليس القارئ شبيها بأكلة اللحوم ومصاصي الدماء؟ولقد كان علمه (أي الجاحظ) هو السبب الرئيس في وفاته، حيث يقال إنه توفى من جراء سقوط قسم من مكتبته فوق رأسه، ففارق الحياة عام 868 م، وقد تجاوز التسعين سنة.إن موت الجاحظ بسبب علمه، ذكرني أيضا بالإمام ثعلب أحد أئمة النحو والأدب الذي كان إذا دعاه رجل إلى وليمة يشترط على صاحب الوليمة أن يجعل له فراغا لوضع كتاب بين يديه ليقرأ فيه: "أنا سأحضر لكن أعطيني مجالا"، ولقد كان سبب موته أنه لما خرج ذات يوم جمعة بعد العصر من المسجد وكان بيده كتاب يقرأه فجاءت فرس فصدمته فسقط في هوة وفارق الحياة في اليوم الموالي. وهذا إن دل على شيئا فإنما يدل، بصورة جلية وواضحة، على أن القراءة كانت يومئذ حاضرة صباح مساء في حياة الناس، وكانت جزءا لا يتجزأ من كيانهم وكينونتهم.. أي بتعبير مانغيل، كما قلنا سابقا، كانت القراءة مثلها مثل التنفس... ولا يمنع عنه إلا المقهور. فإذا كانت القراءة نشاط ضروري كضرورة التنفس، فإنها تعد أيضا مفتاح الحرية والتحرر. فهناك علاقة اطّرادية بين الحرية والقراءة، فكلما زاد حجم الكتب المقروءة عند المرء، زاد تحرره من كثير من المفاهيم الخاطئة، والأغلاط المميتة، وتفادى السقوط في الدوامة اليومية للجهل، وفي متاهة التخلف، وتجاوز بوعيها "الوجودية" الحيوانية المطبوعة مطلقا بالتكرار. إن القراءة هي نتاج جميع الأفعال تقريبا التي نقوم بها، فهي، في كيانها الأعمق الشفيف، ضرورة أنطولوجية، وحاجة يومية ملحة، ومتعة فائقة يعرفها حق المعرفة ذلك الإنسان الذي لا يعيش فقط على اليومي المتداول، ولا يقتات فقط بالمعتاد المعاد، أي ذلك الإنسان الذي يحقق قفزة نوعية فو ......
#امتداح
#القراءة

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=727628