حسن مدن : معاطف المثقفين
#الحوار_المتمدن
#حسن_مدن على جري عادة بعض مثقفينا و«مفكرينا»، ما أن يذاع مفهوم أو مصطلح جديد في الغرب، حتى يؤخذون به، وكالببغاء يكررونه صباح مساء، لكي يظهروا، لا في صورة المطلع على كل جديد، فليس في هذا ما يضير - فلا أجمل من أن يكون المثقف متابعاً لكل جديد في ثقافته وفي الثقافات الأخرى - وإنما لكي يخلعوا معاطفهم المعتادة، ويرتدوا المعطف الجديد بالعنوان الجديد الذي بشرّ به مفكر أو فيلسوف غربي، حتى لو كان تبشيره هذا محل خلاف شديد داخل الثقافة التي ينتمي إليها هو نفسه.ثمة حكاية أوردها جبرا إبراهيم جبرا في أحد الكتب التي تناولت فصولاً من سيرته، لعله «شارع الأميرات»، أنه عندما نشأ الولع بالأفكار الوجودية لدى بعض أدباء وكتّاب العراق في ستينات القرن العشرين، أراد هو، وبالتواطؤ مع أحد زملائه، أن يوقعهم في فخ، فكتب ما يشبه القصيدة ضمّنها جرعة عالية من المفردات التي تنم عن أن قائلها وجودي التفكير، وفي لقاء دوري لشلة الأصدقاء، قال جبرا إنه اطلع على قصيدة رائعة لشاعر فرنسي، لم أعد أذكر اسمه للأسف، منشورة في عدد أخير من إحدى الدوريات، وأنه وضع ترجمة لها سيقرأها عليهم.حين انتهى جبرا من قراءة القصيدة المزعومة، كانت غالبية الحضور في دهشة مما سمعوا، فقد انطلت «الكذبة» عليهم، ووقعوا في الفخ الذي نصبه لهم. وحده بلند الحيدري، الذي كان بين الحاضرين، من شكّك في نسبة القصيدة للشاعر الذي سمى جبرا اسمه، قائلاً إنها بعيدة عن مناخاته.أراد جبرا بهذا «المقلب» السخرية من أولئك الذين يؤخذون بالأسماء والمفاهيم حديثة الرواج، دون أن يتمثلوا فكرها ويطلعوا عليه، وهي آفة لا تخصّ زمن جبرا ورهطه في ذاك الوقت، فمازالت تعيد إنتاج نفسها حتى اليوم في صور شتى، ومن ذلك أن يقرر من يصفون أنفسهم ب«الحداثيين» أن يتحولوا بين عشيّة وضحاها إلى «ما بعد حداثيين» حين يسمعون بالمصطلح أول مرة، أو أن يقرأوا عنه مقالاً أو كتاباً.ولا بأس أيضاً أن يصبحوا بعد حين: «ما بعد ما بعد حداثيين» لأن «ما بعد الحداثة» نفسها باتت قديمة!، وآن الأوان للانتقال لما يليها، ولا بأس أيضاً أن يشمل ذلك من لم يتمثلوا الحداثة نفسها، فكراً وممارسة، في مجتمعاتنا التي ما زال ظهر حداثتها إلى الجدار، فيما لدى هؤلاء «المثقفين» من المهارة ما يكفي، لاجتراح ما يسمى في السياسة ب«حرق المراحل»، ليجدوا أنفسهم في آخر خانة بلغها فكر الغرب، فيما مجتمعاتهم ما زالت أسيرة معاطف الجمود الفكري، مرتدة حتى عن الحيز التنويري المحدود المتحقق. ......
#معاطف
#المثقفين
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=755171
#الحوار_المتمدن
#حسن_مدن على جري عادة بعض مثقفينا و«مفكرينا»، ما أن يذاع مفهوم أو مصطلح جديد في الغرب، حتى يؤخذون به، وكالببغاء يكررونه صباح مساء، لكي يظهروا، لا في صورة المطلع على كل جديد، فليس في هذا ما يضير - فلا أجمل من أن يكون المثقف متابعاً لكل جديد في ثقافته وفي الثقافات الأخرى - وإنما لكي يخلعوا معاطفهم المعتادة، ويرتدوا المعطف الجديد بالعنوان الجديد الذي بشرّ به مفكر أو فيلسوف غربي، حتى لو كان تبشيره هذا محل خلاف شديد داخل الثقافة التي ينتمي إليها هو نفسه.ثمة حكاية أوردها جبرا إبراهيم جبرا في أحد الكتب التي تناولت فصولاً من سيرته، لعله «شارع الأميرات»، أنه عندما نشأ الولع بالأفكار الوجودية لدى بعض أدباء وكتّاب العراق في ستينات القرن العشرين، أراد هو، وبالتواطؤ مع أحد زملائه، أن يوقعهم في فخ، فكتب ما يشبه القصيدة ضمّنها جرعة عالية من المفردات التي تنم عن أن قائلها وجودي التفكير، وفي لقاء دوري لشلة الأصدقاء، قال جبرا إنه اطلع على قصيدة رائعة لشاعر فرنسي، لم أعد أذكر اسمه للأسف، منشورة في عدد أخير من إحدى الدوريات، وأنه وضع ترجمة لها سيقرأها عليهم.حين انتهى جبرا من قراءة القصيدة المزعومة، كانت غالبية الحضور في دهشة مما سمعوا، فقد انطلت «الكذبة» عليهم، ووقعوا في الفخ الذي نصبه لهم. وحده بلند الحيدري، الذي كان بين الحاضرين، من شكّك في نسبة القصيدة للشاعر الذي سمى جبرا اسمه، قائلاً إنها بعيدة عن مناخاته.أراد جبرا بهذا «المقلب» السخرية من أولئك الذين يؤخذون بالأسماء والمفاهيم حديثة الرواج، دون أن يتمثلوا فكرها ويطلعوا عليه، وهي آفة لا تخصّ زمن جبرا ورهطه في ذاك الوقت، فمازالت تعيد إنتاج نفسها حتى اليوم في صور شتى، ومن ذلك أن يقرر من يصفون أنفسهم ب«الحداثيين» أن يتحولوا بين عشيّة وضحاها إلى «ما بعد حداثيين» حين يسمعون بالمصطلح أول مرة، أو أن يقرأوا عنه مقالاً أو كتاباً.ولا بأس أيضاً أن يصبحوا بعد حين: «ما بعد ما بعد حداثيين» لأن «ما بعد الحداثة» نفسها باتت قديمة!، وآن الأوان للانتقال لما يليها، ولا بأس أيضاً أن يشمل ذلك من لم يتمثلوا الحداثة نفسها، فكراً وممارسة، في مجتمعاتنا التي ما زال ظهر حداثتها إلى الجدار، فيما لدى هؤلاء «المثقفين» من المهارة ما يكفي، لاجتراح ما يسمى في السياسة ب«حرق المراحل»، ليجدوا أنفسهم في آخر خانة بلغها فكر الغرب، فيما مجتمعاتهم ما زالت أسيرة معاطف الجمود الفكري، مرتدة حتى عن الحيز التنويري المحدود المتحقق. ......
#معاطف
#المثقفين
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=755171
الحوار المتمدن
حسن مدن - معاطف المثقفين