عبد الله مهتدي : موريزكو
#الحوار_المتمدن
#عبد_الله_مهتدي قد تكون تلك البصلة التي فرمتها يد الجدة ،قربتها من أنفي لأشم رائحتها ،أتنفسها بعمق ،ولربما عصرت رذاذها داخل الفم كي تربطني بخيط الحياة الواهن هي سر العلاقة العشقية بالبصل ، إلى الحد الذي جعلني معتادا على ترك الدموع التي قد تدرف من عيني أثناء تقشير بصلة ، تحاذي عنوة حواف شفتي ،ثم ألعقها بلساني بتلذذ خارق..هكذا صار لي مع رائحة البصل حكاية..قد تفوق ما لرائحة شجر التين من مكانة غائرة في الوجدان ، وكما كتبت صديقتي يوما فلحاسة الشم هي أيضا ذاكرة...لقد كانت تلك السقطة هي ما أنا عليه الآن ...كل شيء حدث بسرعة في مساء غائم ، كنت لم أتجاوز بعد سن السادسة ،واقفا في مدخل الزقاق ، أختلس النظر وأسترق السمع لفتية يتدافعون تارة وتارة يتحدثون ،يحكون مغامراتهم على إيقاع قهقهات طفولية بريئة ،يتباهون بأحدية "جيمس" السوداء ، أو بصنادل البلاستيك الملونة ، لم يكن يسمح لي أنا كمشة اللحم الصغيرة أن أكون ندا ، فللشارع أيضا طقوس ، يد أحدهم فاجأتني بلكمة على البطن ،فسقطت على ظهري فوق دراجة نارية كان صاحبها قد ركنها بمحاذاة طوار الشارع ،كانت دواسة الدراجة النارية مهترئة إلى الحد الذي فقدت معه غطاءها المطاطي الأسود ، ليبرز جزؤها المسنن الذي توغل عميقا خلف الظهر،استقر فوق العجيزة وكاد يهشم عمودي الفقري لولا لطف الاقدار ، لا أستطيع أن أتذكر كيف استطاعوا ان يخرجوا ذاك الشيء من أسفل الظهر ..... وأنا محمول على بطني يغمرني سيل هادر من الدماء ومن الألم ،كانت السواعد التي تلقفت هذا الجسد الجريح التي كنته قد عبرت بي الزقاق، مخفورا بأصوات الصراخ ، صعدب بي إلى الطابق الأول ،وضعتني في غرفة الجدة ، مسجى على سريرها كميت ينتظر طقوس غسل وتحنيط جنازة ،كانت رائحة البصل النفاذة ما بقي يربطني بالحياة ،عدا أصوات مخلوطة ببكاء آتية من هناك ،من بعيد ، من كل اتجاه ، لم أعد اشعر بشيء ،نصفي السفلي صار مثل صخرة ثقيلة ترقد بجانبي ،كنت أحس أنني قد شطرت نصفين ،كنت أمضي رويدا رويدا إلى الصمت ، ولم أفكر حينها في الموت ، ربما كان يساوي حينها عطلا في سيارة ،أو حادثا في الطريق ،أو جرعة زائدة في الالم ..أو ربما لم أكن قد صادفته بعد...سأعرف لاحقا أنهم حملوني في سيارة الجار المهاجر صوب موريزكو......وأن الثقب الاسود بقي ينزف إلى ما لا نهاية وأن الجدة فرمت بصلا كثيرا كنت مثل رهينة تساق في كتيبة إعدام ، قلبي الصغير كان يخفق بسرعة ،وجسدي البارد يرتعشكانت الطريق إلى موريزكو مأهولة بالنحيب الخافت والمجروح ، ممزوجا بهمهمات من رافقني في سيارة الجار.وكانت أحلامي الصغيرة تتراءى لي غيبا :مقلاع ابن الجار الذي يسقط العصفور من فوق السور ،الكرة الحمراء التي يجري خلفها أطفال الحي وهم يتباهون ، أفلام الكرتون على شاشة تلفاز الجيران ،الطائرات الورقية العائمة في الفضاء.....موريزكو هل كان مشفى أم مقبرة ؟ موريزكو هل كان غابة من الصراخ أم بيت عزاء مأهول بالحزانى ؟ماذا يقول ليل موريزكو ؟ماذا تحكي تضاريسه الباردة وعتماته المقفرة ؟وكان جراحي تنزف مخلوطة برائحة البصل والدموع ،موريزكو الوحشة الجاثمة على الأنفاس حين يهجم الليل ،وتجثو العزلة على قدمين حجريتين عملاقتين ،حيث القطط الشريدة تحرس الامكنة وتستوطن العتمات ،وحيث البعوض يتربص بطرائد لم ينضج داخلها الموت بعد ،طرائد أنهكها السعال وأتعبها ضجر الإنتظارموريزكو قدري العابس أنا الخارج لتوي من "مرض الملح" إلى شرخ عميق فوق العجيزة ،أنا خائن الفرح الوحيد .موريزكو الذاكرة التي لا تشيخ ،رائحة الوجع والموت وكنت أغفو ثم ......
#موريزكو
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=696034
#الحوار_المتمدن
#عبد_الله_مهتدي قد تكون تلك البصلة التي فرمتها يد الجدة ،قربتها من أنفي لأشم رائحتها ،أتنفسها بعمق ،ولربما عصرت رذاذها داخل الفم كي تربطني بخيط الحياة الواهن هي سر العلاقة العشقية بالبصل ، إلى الحد الذي جعلني معتادا على ترك الدموع التي قد تدرف من عيني أثناء تقشير بصلة ، تحاذي عنوة حواف شفتي ،ثم ألعقها بلساني بتلذذ خارق..هكذا صار لي مع رائحة البصل حكاية..قد تفوق ما لرائحة شجر التين من مكانة غائرة في الوجدان ، وكما كتبت صديقتي يوما فلحاسة الشم هي أيضا ذاكرة...لقد كانت تلك السقطة هي ما أنا عليه الآن ...كل شيء حدث بسرعة في مساء غائم ، كنت لم أتجاوز بعد سن السادسة ،واقفا في مدخل الزقاق ، أختلس النظر وأسترق السمع لفتية يتدافعون تارة وتارة يتحدثون ،يحكون مغامراتهم على إيقاع قهقهات طفولية بريئة ،يتباهون بأحدية "جيمس" السوداء ، أو بصنادل البلاستيك الملونة ، لم يكن يسمح لي أنا كمشة اللحم الصغيرة أن أكون ندا ، فللشارع أيضا طقوس ، يد أحدهم فاجأتني بلكمة على البطن ،فسقطت على ظهري فوق دراجة نارية كان صاحبها قد ركنها بمحاذاة طوار الشارع ،كانت دواسة الدراجة النارية مهترئة إلى الحد الذي فقدت معه غطاءها المطاطي الأسود ، ليبرز جزؤها المسنن الذي توغل عميقا خلف الظهر،استقر فوق العجيزة وكاد يهشم عمودي الفقري لولا لطف الاقدار ، لا أستطيع أن أتذكر كيف استطاعوا ان يخرجوا ذاك الشيء من أسفل الظهر ..... وأنا محمول على بطني يغمرني سيل هادر من الدماء ومن الألم ،كانت السواعد التي تلقفت هذا الجسد الجريح التي كنته قد عبرت بي الزقاق، مخفورا بأصوات الصراخ ، صعدب بي إلى الطابق الأول ،وضعتني في غرفة الجدة ، مسجى على سريرها كميت ينتظر طقوس غسل وتحنيط جنازة ،كانت رائحة البصل النفاذة ما بقي يربطني بالحياة ،عدا أصوات مخلوطة ببكاء آتية من هناك ،من بعيد ، من كل اتجاه ، لم أعد اشعر بشيء ،نصفي السفلي صار مثل صخرة ثقيلة ترقد بجانبي ،كنت أحس أنني قد شطرت نصفين ،كنت أمضي رويدا رويدا إلى الصمت ، ولم أفكر حينها في الموت ، ربما كان يساوي حينها عطلا في سيارة ،أو حادثا في الطريق ،أو جرعة زائدة في الالم ..أو ربما لم أكن قد صادفته بعد...سأعرف لاحقا أنهم حملوني في سيارة الجار المهاجر صوب موريزكو......وأن الثقب الاسود بقي ينزف إلى ما لا نهاية وأن الجدة فرمت بصلا كثيرا كنت مثل رهينة تساق في كتيبة إعدام ، قلبي الصغير كان يخفق بسرعة ،وجسدي البارد يرتعشكانت الطريق إلى موريزكو مأهولة بالنحيب الخافت والمجروح ، ممزوجا بهمهمات من رافقني في سيارة الجار.وكانت أحلامي الصغيرة تتراءى لي غيبا :مقلاع ابن الجار الذي يسقط العصفور من فوق السور ،الكرة الحمراء التي يجري خلفها أطفال الحي وهم يتباهون ، أفلام الكرتون على شاشة تلفاز الجيران ،الطائرات الورقية العائمة في الفضاء.....موريزكو هل كان مشفى أم مقبرة ؟ موريزكو هل كان غابة من الصراخ أم بيت عزاء مأهول بالحزانى ؟ماذا يقول ليل موريزكو ؟ماذا تحكي تضاريسه الباردة وعتماته المقفرة ؟وكان جراحي تنزف مخلوطة برائحة البصل والدموع ،موريزكو الوحشة الجاثمة على الأنفاس حين يهجم الليل ،وتجثو العزلة على قدمين حجريتين عملاقتين ،حيث القطط الشريدة تحرس الامكنة وتستوطن العتمات ،وحيث البعوض يتربص بطرائد لم ينضج داخلها الموت بعد ،طرائد أنهكها السعال وأتعبها ضجر الإنتظارموريزكو قدري العابس أنا الخارج لتوي من "مرض الملح" إلى شرخ عميق فوق العجيزة ،أنا خائن الفرح الوحيد .موريزكو الذاكرة التي لا تشيخ ،رائحة الوجع والموت وكنت أغفو ثم ......
#موريزكو
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=696034
الحوار المتمدن
عبد الله مهتدي - موريزكو