محمود شقير : ظل آخر للمدينة32
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ولم تنقطع متابعتي للتطورات التي تعيشها المدينة. فالمدينة واصلت مداواة جراحها بعد انفصال جزئها الغربي عنها إثر نكبة 1948، حيث تشردت منها عائلات ونزحت عائلات أخرى، وأغلقت مدارس وهدمت بيوت، واهتزت مصالح تجارية كانت تترعرع في المدينة أواخر أربعينيات القرن العشرين. لم ينقطع كذلك إعجابي بالنساء ومحاولات التغلب على الخجل من التحدث معهن. حرّضتني على ذلك، السياحة التي أخذت تنتعش من جديد في المدينة. كانت أفواج السياح من مختلف الأقطار، تأتي لزيارة الأماكن المقدسة فيها، وللتجوال في أسواقها ذات الطابع الخاص. كنت أرقب بفضول، السائحات والسياح وأسعى إلى التحدث معهم، ما عزز إعجابي بجمال السائحات، وضاعف من اهتمامي بتدريب لساني على النطق باللغة الإنجليزية. ذات يوم، جاء إلى جبل المكبر فريق من الفنلنديين لتصوير لقطات سينمائية، اتخذوا من منعطفات الشارع الصعبة ميداناً لها. وقفنا، أنا وعدد من زملائي الطلاب، نتفرج عليهم وهم يرتبون المشاهد قبل تصويرها. اقتربت من امرأة شابة بينهم، اعتقدت أنها سكرتيرة المخرج، طلبت عنوانها، جرياً على عادة كانت سائدة بيننا، فأبدت تجاوباً فورياً وكتبت لي العنوان، فخبأته في جيبي ثم طرت إلى البيت، وبقيت وقتاً غير قليل أحاول تحليل خطها المتشابك، والتعرف على الحروف التي كتبتها باستعجال، فأقنعت نفسي بعد لأي، بأن اسمها "أيجا فالين" من مدينة هلسنكي، فطرّزت لها رسالة باللغة الانجليزية، استعنت بالقاموس لضبط كلماتها، وأرسلتها لها بالبريد، فلم ترسل لي أي جواب، وكان ذلك آخر عهدي بالسائحات طوال تلك السنوات. وحينما افتتحت مدرسة للبنات في جبل المكبر، أصبحت أختي أمينة واحدة من طالباتها. كانت أمينة شديدة الذكاء، وقد حازت على إعجاب معلماتها، فأبدين رغبة ذات يوم في زيارة بيتنا. كنت أستعد من أجل التقدم لامتحان المترك (شهادة الدراسة الثانوية العامة 1959)، فشعرت بالتهيب من مقابلتهن، ورحت طوال ساعات أتهيأ لذلك، دهنت حذائي بالبوية، ولمعته حتى أصبح مقبولاً، رغم ما فيه من تجاعيد، ولبست أحسن ما عندي من ملابس (بنطال جديد من الكاكي) ورحت أعدّ في ذهني الكلمات التي سأتلفظ بها أمامهن، وكنت معنياً كذلك بأن يبدو بيتنا نظيفاً مرتباً، وقد تركت هذه المهمة لأمي وأخواتي، لكنني أشرفت على ترتيب كراسي الخيزران (اشتريناها قبل عامين من المنجرة التابعة لمدرسة دار الأيتام الإسلامية التي تعلم فيها أبي سنة واحدة قبل ذلك بأربعين سنة، وأصبحتُ مدرساً فيها بعد ذلك بثلاث عشرة سنة). حينما رأيتهن قادمات من قمة الجبل إلى بيتنا، أخذت دقات قلبي تتزايد، وقررت القيام بعملية تمويه توحي بأنني لست معنياً أكثر مما ينبغي بزيارتهن، رحت أذرع البرندة المكشوفة الواسعة أمام الدار جيئة وذهاباً، وهي عادتي المفضلة أثناء الدراسة، فلما اقتربن مني، تأخرت قليلاً في الانتباه إليهن، ثم رفعت عيني عن الكتاب وسلّمت عليهن. دخلن الدار، وتبعتهن، وسار الحديث بيننا وبينهن في سهولة ويسر، ولم يعرن لهجتي القروية أي انتباه، وهي التي لطالما أرقتني كلما تحدثت مع واحدة من بنات المدينة، ولم أشعر بأن الأمر محتاج لكل هذا الارتباك. كنّ في مقتبل العمر، ولاحظت أنهن جميعاً، بالفساتين المزركشة، على قدر معقول من الجمال، رغم ما بينهن من تفاوت فيه.ولم أكن بعيداً عن المدينة وهمومها وبعض خفاياها حينما قضيت آخر عطلة صيفية مدرسية في منطقة قبة راحيل، على مشارف مدينة بيت لحم. أقام أبي خيام ورشته على قطعة أرض فسيحة هناك، وكان معنا كاتب ورشة شاب من القدس، اعتاد أن يغادر الخيام في بعض الأمسيات، كي يلتقي فتاة تعمل آذنة في مدرسة للبنات ......
#للمدينة32
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=714856
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ولم تنقطع متابعتي للتطورات التي تعيشها المدينة. فالمدينة واصلت مداواة جراحها بعد انفصال جزئها الغربي عنها إثر نكبة 1948، حيث تشردت منها عائلات ونزحت عائلات أخرى، وأغلقت مدارس وهدمت بيوت، واهتزت مصالح تجارية كانت تترعرع في المدينة أواخر أربعينيات القرن العشرين. لم ينقطع كذلك إعجابي بالنساء ومحاولات التغلب على الخجل من التحدث معهن. حرّضتني على ذلك، السياحة التي أخذت تنتعش من جديد في المدينة. كانت أفواج السياح من مختلف الأقطار، تأتي لزيارة الأماكن المقدسة فيها، وللتجوال في أسواقها ذات الطابع الخاص. كنت أرقب بفضول، السائحات والسياح وأسعى إلى التحدث معهم، ما عزز إعجابي بجمال السائحات، وضاعف من اهتمامي بتدريب لساني على النطق باللغة الإنجليزية. ذات يوم، جاء إلى جبل المكبر فريق من الفنلنديين لتصوير لقطات سينمائية، اتخذوا من منعطفات الشارع الصعبة ميداناً لها. وقفنا، أنا وعدد من زملائي الطلاب، نتفرج عليهم وهم يرتبون المشاهد قبل تصويرها. اقتربت من امرأة شابة بينهم، اعتقدت أنها سكرتيرة المخرج، طلبت عنوانها، جرياً على عادة كانت سائدة بيننا، فأبدت تجاوباً فورياً وكتبت لي العنوان، فخبأته في جيبي ثم طرت إلى البيت، وبقيت وقتاً غير قليل أحاول تحليل خطها المتشابك، والتعرف على الحروف التي كتبتها باستعجال، فأقنعت نفسي بعد لأي، بأن اسمها "أيجا فالين" من مدينة هلسنكي، فطرّزت لها رسالة باللغة الانجليزية، استعنت بالقاموس لضبط كلماتها، وأرسلتها لها بالبريد، فلم ترسل لي أي جواب، وكان ذلك آخر عهدي بالسائحات طوال تلك السنوات. وحينما افتتحت مدرسة للبنات في جبل المكبر، أصبحت أختي أمينة واحدة من طالباتها. كانت أمينة شديدة الذكاء، وقد حازت على إعجاب معلماتها، فأبدين رغبة ذات يوم في زيارة بيتنا. كنت أستعد من أجل التقدم لامتحان المترك (شهادة الدراسة الثانوية العامة 1959)، فشعرت بالتهيب من مقابلتهن، ورحت طوال ساعات أتهيأ لذلك، دهنت حذائي بالبوية، ولمعته حتى أصبح مقبولاً، رغم ما فيه من تجاعيد، ولبست أحسن ما عندي من ملابس (بنطال جديد من الكاكي) ورحت أعدّ في ذهني الكلمات التي سأتلفظ بها أمامهن، وكنت معنياً كذلك بأن يبدو بيتنا نظيفاً مرتباً، وقد تركت هذه المهمة لأمي وأخواتي، لكنني أشرفت على ترتيب كراسي الخيزران (اشتريناها قبل عامين من المنجرة التابعة لمدرسة دار الأيتام الإسلامية التي تعلم فيها أبي سنة واحدة قبل ذلك بأربعين سنة، وأصبحتُ مدرساً فيها بعد ذلك بثلاث عشرة سنة). حينما رأيتهن قادمات من قمة الجبل إلى بيتنا، أخذت دقات قلبي تتزايد، وقررت القيام بعملية تمويه توحي بأنني لست معنياً أكثر مما ينبغي بزيارتهن، رحت أذرع البرندة المكشوفة الواسعة أمام الدار جيئة وذهاباً، وهي عادتي المفضلة أثناء الدراسة، فلما اقتربن مني، تأخرت قليلاً في الانتباه إليهن، ثم رفعت عيني عن الكتاب وسلّمت عليهن. دخلن الدار، وتبعتهن، وسار الحديث بيننا وبينهن في سهولة ويسر، ولم يعرن لهجتي القروية أي انتباه، وهي التي لطالما أرقتني كلما تحدثت مع واحدة من بنات المدينة، ولم أشعر بأن الأمر محتاج لكل هذا الارتباك. كنّ في مقتبل العمر، ولاحظت أنهن جميعاً، بالفساتين المزركشة، على قدر معقول من الجمال، رغم ما بينهن من تفاوت فيه.ولم أكن بعيداً عن المدينة وهمومها وبعض خفاياها حينما قضيت آخر عطلة صيفية مدرسية في منطقة قبة راحيل، على مشارف مدينة بيت لحم. أقام أبي خيام ورشته على قطعة أرض فسيحة هناك، وكان معنا كاتب ورشة شاب من القدس، اعتاد أن يغادر الخيام في بعض الأمسيات، كي يلتقي فتاة تعمل آذنة في مدرسة للبنات ......
#للمدينة32
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=714856
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة32
محمود شقير : ظل آخر للمدينة33
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أعود بعد هذا الغياب، إلى مقهى "منى" الواقع في أول طريق الواد.أجلس في الفسحة الضيقة المحاذية لبلاط السوق. هنا في هذا المقهى كان آخر لقاءاتنا.يظهر عمر فجأة في المقهى دون أن نعرف من أين جاء. نجلس في زاوية المقهى القصية كي لا يراه أحد المخبرين. كان يتدفق حماسة، ويعلن أنه لن يسلم نفسه لهم، وسوف يتدبر أمره للبقاء في هذه المدينة. يسألنا عن آخر أخبار اتحاد المعلمين، بل إنه كان يجازف بحضور بعض الاجتماعات معنا. يقطع أزقة فرعية كثيرة لكي يصل إلى البيت الذي كنا نعقد اجتماعاتنا فيه، قرب باب الخليل. ثم راح في الآونة الأخيرة يستشعر خطر الاعتقال، وكان ذلك يثير أعصابه، لأنه كان يدرك أن ثمة الكثير الذي عليه أن ينجزه. لذلك، اختار أن يقطع النهر شرقاً لكي يعود من جديد. وهكذا فعل عمر، قطع النهر ولم يمكث هناك إلا بمقدار ما احتاجه من وقت لكي يتدرب على المهمة التي نذر نفسه من أجلها، ثم عاد محملاً بالأمل وبالإصرار، لكنهم كانوا له بالمرصاد، فلم يتمكن من البقاء طليقاً أي وقت يذكر. أعود إلى المقهى الذي كنا نجلس فيه. عمر لم يعد موجوداً بيننا. وعلى مسافة عدة أمتار، مقابل المقهى تماماً، يقع حانوت العم عايد، ذلك الرجل المسالم، بالضحكة الخافتة التي لا تزعج طفلاً أو فراشة. وأنظر إلى داخل المقهى حيث يحتشد لاعبو الورق، ومدخنو النراجيل، وأتذكر كوكبة من رجالات قريتنا، الذين كانوا يمضون وقتاً غير قليل في هذا المقهى. لقد طواهم الموت، فلم يعد المقهى يحتضن ضحكاتهم المجلجلة، وأصواتهم الصاخبة، كلما دفعتهم إلى ذلك مشكلة مفاجئة، تحتاج إلى تدخل مباشر منهم، قبل أن يستفحل مداها ويتفاقم الشر بين المتخاصمين. أعود إلى المقهى. أغادره، بعد أن تتشابك في ذهني صور الذين غابوا، وتركوا المقهى يعاني من نقصان.يتبع.. ......
#للمدينة33
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717156
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أعود بعد هذا الغياب، إلى مقهى "منى" الواقع في أول طريق الواد.أجلس في الفسحة الضيقة المحاذية لبلاط السوق. هنا في هذا المقهى كان آخر لقاءاتنا.يظهر عمر فجأة في المقهى دون أن نعرف من أين جاء. نجلس في زاوية المقهى القصية كي لا يراه أحد المخبرين. كان يتدفق حماسة، ويعلن أنه لن يسلم نفسه لهم، وسوف يتدبر أمره للبقاء في هذه المدينة. يسألنا عن آخر أخبار اتحاد المعلمين، بل إنه كان يجازف بحضور بعض الاجتماعات معنا. يقطع أزقة فرعية كثيرة لكي يصل إلى البيت الذي كنا نعقد اجتماعاتنا فيه، قرب باب الخليل. ثم راح في الآونة الأخيرة يستشعر خطر الاعتقال، وكان ذلك يثير أعصابه، لأنه كان يدرك أن ثمة الكثير الذي عليه أن ينجزه. لذلك، اختار أن يقطع النهر شرقاً لكي يعود من جديد. وهكذا فعل عمر، قطع النهر ولم يمكث هناك إلا بمقدار ما احتاجه من وقت لكي يتدرب على المهمة التي نذر نفسه من أجلها، ثم عاد محملاً بالأمل وبالإصرار، لكنهم كانوا له بالمرصاد، فلم يتمكن من البقاء طليقاً أي وقت يذكر. أعود إلى المقهى الذي كنا نجلس فيه. عمر لم يعد موجوداً بيننا. وعلى مسافة عدة أمتار، مقابل المقهى تماماً، يقع حانوت العم عايد، ذلك الرجل المسالم، بالضحكة الخافتة التي لا تزعج طفلاً أو فراشة. وأنظر إلى داخل المقهى حيث يحتشد لاعبو الورق، ومدخنو النراجيل، وأتذكر كوكبة من رجالات قريتنا، الذين كانوا يمضون وقتاً غير قليل في هذا المقهى. لقد طواهم الموت، فلم يعد المقهى يحتضن ضحكاتهم المجلجلة، وأصواتهم الصاخبة، كلما دفعتهم إلى ذلك مشكلة مفاجئة، تحتاج إلى تدخل مباشر منهم، قبل أن يستفحل مداها ويتفاقم الشر بين المتخاصمين. أعود إلى المقهى. أغادره، بعد أن تتشابك في ذهني صور الذين غابوا، وتركوا المقهى يعاني من نقصان.يتبع.. ......
#للمدينة33
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717156
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة33
محمود شقير : ظل آخر للمدينة 34
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير كانت لدي رغبة في السفر إلى مصر للدراسة في إحدى جامعاتها (مصر حيث عبد الناصر هناك وحيث ممثلو السينما المصرية وممثلاتها الجميلات، والروائيون وكتاب القصة القصيرة الذين أصبحت من المعجبين بكتاباتهم)، ولم تسمح لي أحوال أبي المادية بذلك. قدمت طلباً للحصول على وظيفة، ولم تواجهني أية تعقيدات في ذلك. صدر قرار بتعييني مدرّساً في مدرسة قرية خربثا بني حارث. ذهبت إليها وعملت فيها أربع سنوات (سوف أعمل في مهنة التدريس سنوات طويلة، أحقق نجاحاً فيها، ومع ذلك لا يفارقني الخوف من الإخفاق، سوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين درّسوني حاضرة في ذهني، أقتدي بالمعلمين الناجحين، أحرص على علاقات طيبة مع الطلبة. سوف يسكنني الرعب من معاناة بعض المدرسين: مدرس التاريخ في المدرسة الرشيدية، كانت حصته مليئة بالفوضى، لا أحد من الطلاب يصغي إليه، والصف يبدو مثل منحلة، وأحياناً يضطر مدير المدرسة إلى قرع باب الصف، والدخول إلى الحصة، لمعرفة أسباب هذا الضجيج. تنقلب سحنة المدرس من شدة الحرج، يهدر بصوت أجش، متوعداً الطلبة المشاغبين بعد خروج المدير، ولكن دون جدوى. مدرس الرياضيات النحيف ذو الصوت الرفيع، يعلق له الطلبة ذيلا طويلاً من ورق فيما هو يتجول بين المقاعد، دون أن يشعر بذلك، ودون أن يعرف سبباً للضحكات الساخرة والتلميحات الخبيثة، ثم يتمادون أكثر، فيرشقون الحبر الأزرق السائل من أقلامهم على ملابسه. وسوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين عملوا معي في مدارس مختلفة، حاضرة في ذهني: ذلك المدرس الذي كان يرتدي بدلة مترهلة، ما إن يقترب من ملعب المدرسة، حتى يتجمع من حوله الطلبة، بعضهم يشاغله بأسئلة سخيفة، فيما يقوم بعضهم الآخر بملء جيوبه بالحصى، يدخل مبنى المدرسة، ثم ينتبه إلى ما يثقل جيوبه، فيقوم بتفريغها لكي تمتلئ بالحصى من جديد، فيما هو متجه عبر الملعب إلى بيته بعد انتهاء الدوام. ذلك المدرس الذي كان يستفزه أحد الطلبة عن قصد، يشتبك المدرس معه قاصداً معاقبته، يتدخل طلبة آخرون، بحجة فض الاشتباك بين المدرس وزميلهم الطالب، يتعقد الاشتباك، فلا يدري المدرس فيما إذا كان الطلبة يقومون بفض الاشتباك، أم إنهم يمعنون في محاصرته وجره من زاوية إلى أخرى في غرفة الصف، وهو مرتبك حائر لا يعرف ماذا يفعل أو ماذا يقول!). كانت الوظيفة سبباً محفزاً لأسرتي لكي تلح علي بضرورة التفكير في الزواج، فهي مدخل إلى الاستقرار وتحصيل دخل ثابت. ولم أكن كارهاً لذلك. ربما خطر ببالي في فترة ما تأجيل هذا الأمر إلى حين الانتهاء من دراستي الجامعية في مصر. وحينما شعرت بأن ذهابي إلى مصر لم يعد ممكناً، وجدت أنه لا داعي لتأجيل فكرة الزواج، وبخاصة أن الغالبية العظمى من أبناء جيلي في ذلك الزمن كانوا يتزوجون في سن مبكرة، ما يعني أنني سأبقى مدرساً طوال حياتي، وأنني سأبني أسرة مثل غيري من صغار الموظفين. ولم يكن ذلك سيئاً بالنسبة لي في لحظة معينة، بل إنني كنت أرسم لنفسي أحلاماً وردية في ظل حياة اجتماعية هادئة، يزيدها هدوءاً دخل ثابت وتطلعات بسيطة مشتقة من وعي بسيط وعلاقات اجتماعية عادية (تعرفت إلى فتاة قروية نحيلة، دعوتها ذات مرة لكي تذهب معي إلى القدس، وافقت بعد أن اختلقت حيلة ما تبرر لأهلها هذا الذهاب. مشت إلى جواري بثوبها الفلاحي المطرز بخيوط حمراء وزرقاء وخضراء. كانت مثل حمامة وديعة وكنت مسكوناً بالخجل. جلسنا في كافتيريا اكسبرس خضر في أول طلعة حارة النصارى، ولم يكن في الصالة أحد سوانا، شربنا عصير البرتقال ودار بيننا حوار حميم لم يتكرر مثله كثيراً بسبب صعوبات اللقاء. ثم تعرفت إلى فتاة من المدينة. كانت متوسطة الجمال، ولها نهدان ضامران. ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720237
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير كانت لدي رغبة في السفر إلى مصر للدراسة في إحدى جامعاتها (مصر حيث عبد الناصر هناك وحيث ممثلو السينما المصرية وممثلاتها الجميلات، والروائيون وكتاب القصة القصيرة الذين أصبحت من المعجبين بكتاباتهم)، ولم تسمح لي أحوال أبي المادية بذلك. قدمت طلباً للحصول على وظيفة، ولم تواجهني أية تعقيدات في ذلك. صدر قرار بتعييني مدرّساً في مدرسة قرية خربثا بني حارث. ذهبت إليها وعملت فيها أربع سنوات (سوف أعمل في مهنة التدريس سنوات طويلة، أحقق نجاحاً فيها، ومع ذلك لا يفارقني الخوف من الإخفاق، سوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين درّسوني حاضرة في ذهني، أقتدي بالمعلمين الناجحين، أحرص على علاقات طيبة مع الطلبة. سوف يسكنني الرعب من معاناة بعض المدرسين: مدرس التاريخ في المدرسة الرشيدية، كانت حصته مليئة بالفوضى، لا أحد من الطلاب يصغي إليه، والصف يبدو مثل منحلة، وأحياناً يضطر مدير المدرسة إلى قرع باب الصف، والدخول إلى الحصة، لمعرفة أسباب هذا الضجيج. تنقلب سحنة المدرس من شدة الحرج، يهدر بصوت أجش، متوعداً الطلبة المشاغبين بعد خروج المدير، ولكن دون جدوى. مدرس الرياضيات النحيف ذو الصوت الرفيع، يعلق له الطلبة ذيلا طويلاً من ورق فيما هو يتجول بين المقاعد، دون أن يشعر بذلك، ودون أن يعرف سبباً للضحكات الساخرة والتلميحات الخبيثة، ثم يتمادون أكثر، فيرشقون الحبر الأزرق السائل من أقلامهم على ملابسه. وسوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين عملوا معي في مدارس مختلفة، حاضرة في ذهني: ذلك المدرس الذي كان يرتدي بدلة مترهلة، ما إن يقترب من ملعب المدرسة، حتى يتجمع من حوله الطلبة، بعضهم يشاغله بأسئلة سخيفة، فيما يقوم بعضهم الآخر بملء جيوبه بالحصى، يدخل مبنى المدرسة، ثم ينتبه إلى ما يثقل جيوبه، فيقوم بتفريغها لكي تمتلئ بالحصى من جديد، فيما هو متجه عبر الملعب إلى بيته بعد انتهاء الدوام. ذلك المدرس الذي كان يستفزه أحد الطلبة عن قصد، يشتبك المدرس معه قاصداً معاقبته، يتدخل طلبة آخرون، بحجة فض الاشتباك بين المدرس وزميلهم الطالب، يتعقد الاشتباك، فلا يدري المدرس فيما إذا كان الطلبة يقومون بفض الاشتباك، أم إنهم يمعنون في محاصرته وجره من زاوية إلى أخرى في غرفة الصف، وهو مرتبك حائر لا يعرف ماذا يفعل أو ماذا يقول!). كانت الوظيفة سبباً محفزاً لأسرتي لكي تلح علي بضرورة التفكير في الزواج، فهي مدخل إلى الاستقرار وتحصيل دخل ثابت. ولم أكن كارهاً لذلك. ربما خطر ببالي في فترة ما تأجيل هذا الأمر إلى حين الانتهاء من دراستي الجامعية في مصر. وحينما شعرت بأن ذهابي إلى مصر لم يعد ممكناً، وجدت أنه لا داعي لتأجيل فكرة الزواج، وبخاصة أن الغالبية العظمى من أبناء جيلي في ذلك الزمن كانوا يتزوجون في سن مبكرة، ما يعني أنني سأبقى مدرساً طوال حياتي، وأنني سأبني أسرة مثل غيري من صغار الموظفين. ولم يكن ذلك سيئاً بالنسبة لي في لحظة معينة، بل إنني كنت أرسم لنفسي أحلاماً وردية في ظل حياة اجتماعية هادئة، يزيدها هدوءاً دخل ثابت وتطلعات بسيطة مشتقة من وعي بسيط وعلاقات اجتماعية عادية (تعرفت إلى فتاة قروية نحيلة، دعوتها ذات مرة لكي تذهب معي إلى القدس، وافقت بعد أن اختلقت حيلة ما تبرر لأهلها هذا الذهاب. مشت إلى جواري بثوبها الفلاحي المطرز بخيوط حمراء وزرقاء وخضراء. كانت مثل حمامة وديعة وكنت مسكوناً بالخجل. جلسنا في كافتيريا اكسبرس خضر في أول طلعة حارة النصارى، ولم يكن في الصالة أحد سوانا، شربنا عصير البرتقال ودار بيننا حوار حميم لم يتكرر مثله كثيراً بسبب صعوبات اللقاء. ثم تعرفت إلى فتاة من المدينة. كانت متوسطة الجمال، ولها نهدان ضامران. ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720237
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة 34
محمود شقير : ظل آخر للمدينة35
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير وذات يوم، وردت إلى مكتبة المدرسة في القرية البعيدة، بضعة أعداد من مجلة جديدة تصدر في القدس اسمها "الأفق الجديد" التي وصفها القائمون عليها بأنها "مجلة الفكر والثقافة والأدب" وجاء على غلافها أنها تصدر كل نصف شهر (فيما بعد أصبحت تصدر شهرياً). تصفحت المجلة، فوجدت فيها قصصاً وقصائد ومقالات لكتاب لم أسمع بأسمائهم من قبل، ووجدت فيها باباً لتشجيع المواهب الجديدة، فانشد اهتمامي إلى هذا الباب، ذلك أن الصحف المحلية لم تنشر لي حتى ذلك التاريخ ما أرسلته لها من محاولات أدبية. فأكثرت من كتابة القصص، ثم ذهبت لمقابلة رئيس تحرير المجلة الشاعر أمين شنار، الذي اتخذ له مكتباً تابعاً لجريدة المنار اليومية (كانت المجلة تصدر عن مؤسسة المنار) في شارع بور سعيد بالقدس. سلمته أربع قصص قصيرة، ثم غبت عنه عدة أيام، فلما عدت إليه أخبرني أنها جميعها لا تصلح للنشر، غير أنه شجعني ببضع كلمات، وأكد لي أن لدي قابلية لكتابة القصة القصيرة، وما علي إلا أن أثابر على كتابتها، وعلى القراءة لكتابها المرموقين. فانثنيت على كتب جي دي موبسان، إدغار ألن بو، أنطون تشيخوف، يوسف إدريس وآخرين، فتعلمت منهم ما استطعت تعلمه من أسرار الكتابة القصصية. وذات يوم عدت إلى رئيس التحرير بقصة تحكي عن تلك الليلة من العام 1948 حينما هاجمت القوات الصهيونية جبل المكبر، ما اضطرنا إلى ترك بيوتنا تحت جنح الظلام، فأبدى رئيس التحرير موافقته على نشر تلك القصة على صفحات مجلة "الأفق الجديد" (العام 1962) ثم أتبعتها بقصة أخرى، فاستمددت من ذلك ثقة بالنفس، وأصبحت واحداً من كتاب المجلة المثابرين على النشر فيها إلى لحظة إغلاقها وتوقفها عن الصدور. وكنت أتابع ما تشهده القدس من بوادر نهوض ثقافي في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين، وقد جاء الاحتلال الإسرائيلي العام 1967، ليعصف بهذا النهوض ويجهضه قبل تبلوره. كانت تصدر في المدينة أربع صحف يومية هي: الجهاد، فلسطين، الدفاع، والمنار. ونشطت فيها بعض المراكز الثقافية الأجنبية، وأقيمت فيها الندوات الثقافية، وتأسست فيها العام 1966 ندوة الرسم والنحت التي رعت مواهب جديدة في هذا المضمار، واحتضنت مجلة "الأفق الجديد" جيلاً من الكتاب الشباب. كان أمين شنار شاعراً، مثقفاً، وسياسياً. وكان في فترة ما هو المسؤول الأول لحزب التحرير الإسلامي في الأردن. ورغم اختلافنا معه في وجهات النظر السياسية (كنت أعتبر نفسي ناصرياً آنذاك) فقد كان يحترم اجتهاداتنا في ميدان الكتابة الأدبية، ما أتاح لنا فرص الاهتداء لاحقاً إلى قناعاتنا الفكرية والسياسية دون ضغط أو إكراه أو احتواء. أذكر من كتاب المجلة: محمد البطراوي، نمر سرحان، فايز صياغ، وموسى صرداوي. وجاء فيما بعد يحيى يخلف، أحد طلاب معهد المعلمين في رام الله آنذاك. وكان يتردد على مقر المجلة ويكتب فيها: المرحوم د. عبد الرحيم بدر، والمرحوم محمد أبو شلباية، والمرحوم علي سعيد خلف. أما الشاعر حكمت العتيلي، فقد تابعت قصائده على صفحات المجلة، ولم أتعرف إليه شخصياً. وأما القاص صبحي شحروري فلم ألتق به في القدس، وإنما في دمشق، حيث كان يدرس الفلسفة هناك. ولم ألتق بعز الدين المناصرة وفخري قعوار إلا العام 1972 في عمان. والتقيت مرة واحدة في مقر المجلة بالقاص ماجد أبو شرار، وكان معه يومها الشاعر أحمد أبو عرقوب، ثم انقطعت أخبار ماجد عني بعد نكسة حزيران، ولم يعد ينشر قصصاً قصيرة، بعد أن اجتذبه العمل الوطني المباشر، وظل يتدرج فيه حتى أصبح واحداً من قادة حركة فتح وعضواً في لجنتها المركزية، ثم استشهد على أيدي جهاز الموساد الإسرائيلي في روما العام 1981. التقيته مرا ......
#للمدينة35
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=722331
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير وذات يوم، وردت إلى مكتبة المدرسة في القرية البعيدة، بضعة أعداد من مجلة جديدة تصدر في القدس اسمها "الأفق الجديد" التي وصفها القائمون عليها بأنها "مجلة الفكر والثقافة والأدب" وجاء على غلافها أنها تصدر كل نصف شهر (فيما بعد أصبحت تصدر شهرياً). تصفحت المجلة، فوجدت فيها قصصاً وقصائد ومقالات لكتاب لم أسمع بأسمائهم من قبل، ووجدت فيها باباً لتشجيع المواهب الجديدة، فانشد اهتمامي إلى هذا الباب، ذلك أن الصحف المحلية لم تنشر لي حتى ذلك التاريخ ما أرسلته لها من محاولات أدبية. فأكثرت من كتابة القصص، ثم ذهبت لمقابلة رئيس تحرير المجلة الشاعر أمين شنار، الذي اتخذ له مكتباً تابعاً لجريدة المنار اليومية (كانت المجلة تصدر عن مؤسسة المنار) في شارع بور سعيد بالقدس. سلمته أربع قصص قصيرة، ثم غبت عنه عدة أيام، فلما عدت إليه أخبرني أنها جميعها لا تصلح للنشر، غير أنه شجعني ببضع كلمات، وأكد لي أن لدي قابلية لكتابة القصة القصيرة، وما علي إلا أن أثابر على كتابتها، وعلى القراءة لكتابها المرموقين. فانثنيت على كتب جي دي موبسان، إدغار ألن بو، أنطون تشيخوف، يوسف إدريس وآخرين، فتعلمت منهم ما استطعت تعلمه من أسرار الكتابة القصصية. وذات يوم عدت إلى رئيس التحرير بقصة تحكي عن تلك الليلة من العام 1948 حينما هاجمت القوات الصهيونية جبل المكبر، ما اضطرنا إلى ترك بيوتنا تحت جنح الظلام، فأبدى رئيس التحرير موافقته على نشر تلك القصة على صفحات مجلة "الأفق الجديد" (العام 1962) ثم أتبعتها بقصة أخرى، فاستمددت من ذلك ثقة بالنفس، وأصبحت واحداً من كتاب المجلة المثابرين على النشر فيها إلى لحظة إغلاقها وتوقفها عن الصدور. وكنت أتابع ما تشهده القدس من بوادر نهوض ثقافي في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين، وقد جاء الاحتلال الإسرائيلي العام 1967، ليعصف بهذا النهوض ويجهضه قبل تبلوره. كانت تصدر في المدينة أربع صحف يومية هي: الجهاد، فلسطين، الدفاع، والمنار. ونشطت فيها بعض المراكز الثقافية الأجنبية، وأقيمت فيها الندوات الثقافية، وتأسست فيها العام 1966 ندوة الرسم والنحت التي رعت مواهب جديدة في هذا المضمار، واحتضنت مجلة "الأفق الجديد" جيلاً من الكتاب الشباب. كان أمين شنار شاعراً، مثقفاً، وسياسياً. وكان في فترة ما هو المسؤول الأول لحزب التحرير الإسلامي في الأردن. ورغم اختلافنا معه في وجهات النظر السياسية (كنت أعتبر نفسي ناصرياً آنذاك) فقد كان يحترم اجتهاداتنا في ميدان الكتابة الأدبية، ما أتاح لنا فرص الاهتداء لاحقاً إلى قناعاتنا الفكرية والسياسية دون ضغط أو إكراه أو احتواء. أذكر من كتاب المجلة: محمد البطراوي، نمر سرحان، فايز صياغ، وموسى صرداوي. وجاء فيما بعد يحيى يخلف، أحد طلاب معهد المعلمين في رام الله آنذاك. وكان يتردد على مقر المجلة ويكتب فيها: المرحوم د. عبد الرحيم بدر، والمرحوم محمد أبو شلباية، والمرحوم علي سعيد خلف. أما الشاعر حكمت العتيلي، فقد تابعت قصائده على صفحات المجلة، ولم أتعرف إليه شخصياً. وأما القاص صبحي شحروري فلم ألتق به في القدس، وإنما في دمشق، حيث كان يدرس الفلسفة هناك. ولم ألتق بعز الدين المناصرة وفخري قعوار إلا العام 1972 في عمان. والتقيت مرة واحدة في مقر المجلة بالقاص ماجد أبو شرار، وكان معه يومها الشاعر أحمد أبو عرقوب، ثم انقطعت أخبار ماجد عني بعد نكسة حزيران، ولم يعد ينشر قصصاً قصيرة، بعد أن اجتذبه العمل الوطني المباشر، وظل يتدرج فيه حتى أصبح واحداً من قادة حركة فتح وعضواً في لجنتها المركزية، ثم استشهد على أيدي جهاز الموساد الإسرائيلي في روما العام 1981. التقيته مرا ......
#للمدينة35
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=722331
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة35
محمود شقير : ظل آخر للمدينة36
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير واصلت الاهتمام بالقراءة. جذبتني روايات نجيب محفوظ فقرأتها تباعاً، وصرت أذهب إلى مركز المعلومات الأمريكي بالقرب من مبنى جريدة الجهاد لاستعارة الكتب. عثرت هناك على بعض روايات أرنست هيمنجواي، جون شتاينبك، وأرسكين كالدويل، فقرأتها، ثم قرأت بعض الكتب المناوئة للشيوعية التي كان هذا المركز معنياً بالترويج لها، ومن أبرزها رواية "ظلام في النهار" لآرثر كوستلر، ثم قرأت كتاب "هذه هي الشيوعية في الوطن العربي" لعبد الحفيظ محمد، الذي وزعته وزارة التربية والتعليم الأردنية على المدارس، فوجدت فيه، رغم سذاجته، بعض المعلومات التي جعلتني ممعناً في معاداتي للشيوعية، غير مستعد تحت أي ظرف لتقبلها. فيما بعد، أصبحت مهتماً بمتابعة مجلة "الآداب" البيروتية، وحققت فائدة كبيرة من متابعة الآراء النقدية التي كانت تنشر على صفحاتها لنقاد معروفين من مصر وسوريا ولبنان. وقد فتحت الآداب ذهني كذلك على الأدب الوجودي الذي كان د. سهيل إدريس ، صاحب دار الآداب ورئيس تحرير مجلتها، مواظباً على ترجمته، فقرأت لجان بول سارتر، ألبير كامو، سيمون دي بوفوار، وفرانسواز ساغان، وقرأت كذلك لكولن ولسون. وقد تأثر بعض أبناء جيلي بكتابه "اللامنتمي" ووجد فيه متكأ فكرياً يتكئ عليه. ***تسير حياتي الاجتماعية سيراً عادياً، وكنت مغتبطاً بذلك خصوصاً وأنا أتعرف إلى قطاع المعلمين الذي انتميت إليه، وكذلك وأنا أتعرف إلى أناس جدد من فلاحين ومتعلمين في القرية التي عينت معلماً فيها، بما لديهم من عادات اجتماعية ولهجة محلية وطقوس تختلف نوعاً ما عما لدي. بعد ثلاثة أشهر من تعييني في الوظيفة، ذهبت إلى فرع البنك العربي في البناية المحاذية لكلية شميدت في القدس، وقبضت راتبي الشهري، وكان مقداره تسعة عشر ديناراً أردنياً. كان للمبلغ الأول الذي أقبضه من الوظيفة رونق لا ينسى، وكان لا بد من التقيد ببعض مستلزمات الوظيفة، أقصد المظهر اللائق بموظف لديه دخل شهري ثابت، في قرية يندر فيها الموظفون. ولم يكن هذا الأمر غائباً عن بال أبي، الذي بدا مرتاحاً لأن ابنه البكر أصبح موظفاً.ذهبنا معاً إلى مخيطة إسحق الشرفا في شارع صلاح الدين، وانتقينا قماشاً ملائماً لبدلتين. فصّلهما الخياط طبقاً لمواصفات الموضة الشائعة آنذاك، الجاكيت واسع، ينطبق طرفه الأيسر على طرفه الأيمن بعد أن يشبك بزرين، ويبقى على الطرف الأيسر زران آخران للزينة وللتوازن مع الزرين اللذين على اليمين. وأما البنطال فهو فضفاض، لكنه ليس عريضاً عند القدمين، وله من أسفله ثنيتان. واشتريت ربطة عنق للمرة الأولى في حياتي، ثم ذهبت أنا وأبي إلى محل الكندرجي أبو داود في أول سوق الحدادين، الذي فصّل لي حذاء من الجلد، استلمته منه بعد أسبوعين. وكنت في أيام الجمع، أذهب إلى مطعم العائلات أو مطعم السلام في باب خان الزيت، أو مطعم شعيب في سوق العطارين، لتناول وجبة الغداء التي تتكون في العادة من اللحم المشوي واللبن والسلطة والخبز، وبعد ذلك أتوجه إلى محلات جعفر في أول باب خان الزيت لتناول الكنافة. كان الذهاب إلى مثل هذه الأماكن في ذلك الزمن يعتبر امتيازاً لا يقدر عليه إلا من يملك دخلاً ثابتاً، وكان فيه تعبير عن علاقة حميمة مع المدينة، تتوثق مع الأيام. وكان لا بد لي من مغادرة القدس إلى رام الله بعد عصر الجمعة، حيث يصطف باص خربثا بني حارث الذي يوصلني مساء إلى القرية، استعداداً لبدء الدوام المدرسي صبيحة السبت (كان من الصعب الوصول إلى القرية صباح السبت لندرة المواصلات آنذاك، حيث يتحرك الباص صباح كل يوم من القرية ويعود إليها في المساء). ولم يكن الاحتفاء بوظيفتي وقفاً على أبي ......
#للمدينة36
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=725941
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير واصلت الاهتمام بالقراءة. جذبتني روايات نجيب محفوظ فقرأتها تباعاً، وصرت أذهب إلى مركز المعلومات الأمريكي بالقرب من مبنى جريدة الجهاد لاستعارة الكتب. عثرت هناك على بعض روايات أرنست هيمنجواي، جون شتاينبك، وأرسكين كالدويل، فقرأتها، ثم قرأت بعض الكتب المناوئة للشيوعية التي كان هذا المركز معنياً بالترويج لها، ومن أبرزها رواية "ظلام في النهار" لآرثر كوستلر، ثم قرأت كتاب "هذه هي الشيوعية في الوطن العربي" لعبد الحفيظ محمد، الذي وزعته وزارة التربية والتعليم الأردنية على المدارس، فوجدت فيه، رغم سذاجته، بعض المعلومات التي جعلتني ممعناً في معاداتي للشيوعية، غير مستعد تحت أي ظرف لتقبلها. فيما بعد، أصبحت مهتماً بمتابعة مجلة "الآداب" البيروتية، وحققت فائدة كبيرة من متابعة الآراء النقدية التي كانت تنشر على صفحاتها لنقاد معروفين من مصر وسوريا ولبنان. وقد فتحت الآداب ذهني كذلك على الأدب الوجودي الذي كان د. سهيل إدريس ، صاحب دار الآداب ورئيس تحرير مجلتها، مواظباً على ترجمته، فقرأت لجان بول سارتر، ألبير كامو، سيمون دي بوفوار، وفرانسواز ساغان، وقرأت كذلك لكولن ولسون. وقد تأثر بعض أبناء جيلي بكتابه "اللامنتمي" ووجد فيه متكأ فكرياً يتكئ عليه. ***تسير حياتي الاجتماعية سيراً عادياً، وكنت مغتبطاً بذلك خصوصاً وأنا أتعرف إلى قطاع المعلمين الذي انتميت إليه، وكذلك وأنا أتعرف إلى أناس جدد من فلاحين ومتعلمين في القرية التي عينت معلماً فيها، بما لديهم من عادات اجتماعية ولهجة محلية وطقوس تختلف نوعاً ما عما لدي. بعد ثلاثة أشهر من تعييني في الوظيفة، ذهبت إلى فرع البنك العربي في البناية المحاذية لكلية شميدت في القدس، وقبضت راتبي الشهري، وكان مقداره تسعة عشر ديناراً أردنياً. كان للمبلغ الأول الذي أقبضه من الوظيفة رونق لا ينسى، وكان لا بد من التقيد ببعض مستلزمات الوظيفة، أقصد المظهر اللائق بموظف لديه دخل شهري ثابت، في قرية يندر فيها الموظفون. ولم يكن هذا الأمر غائباً عن بال أبي، الذي بدا مرتاحاً لأن ابنه البكر أصبح موظفاً.ذهبنا معاً إلى مخيطة إسحق الشرفا في شارع صلاح الدين، وانتقينا قماشاً ملائماً لبدلتين. فصّلهما الخياط طبقاً لمواصفات الموضة الشائعة آنذاك، الجاكيت واسع، ينطبق طرفه الأيسر على طرفه الأيمن بعد أن يشبك بزرين، ويبقى على الطرف الأيسر زران آخران للزينة وللتوازن مع الزرين اللذين على اليمين. وأما البنطال فهو فضفاض، لكنه ليس عريضاً عند القدمين، وله من أسفله ثنيتان. واشتريت ربطة عنق للمرة الأولى في حياتي، ثم ذهبت أنا وأبي إلى محل الكندرجي أبو داود في أول سوق الحدادين، الذي فصّل لي حذاء من الجلد، استلمته منه بعد أسبوعين. وكنت في أيام الجمع، أذهب إلى مطعم العائلات أو مطعم السلام في باب خان الزيت، أو مطعم شعيب في سوق العطارين، لتناول وجبة الغداء التي تتكون في العادة من اللحم المشوي واللبن والسلطة والخبز، وبعد ذلك أتوجه إلى محلات جعفر في أول باب خان الزيت لتناول الكنافة. كان الذهاب إلى مثل هذه الأماكن في ذلك الزمن يعتبر امتيازاً لا يقدر عليه إلا من يملك دخلاً ثابتاً، وكان فيه تعبير عن علاقة حميمة مع المدينة، تتوثق مع الأيام. وكان لا بد لي من مغادرة القدس إلى رام الله بعد عصر الجمعة، حيث يصطف باص خربثا بني حارث الذي يوصلني مساء إلى القرية، استعداداً لبدء الدوام المدرسي صبيحة السبت (كان من الصعب الوصول إلى القرية صباح السبت لندرة المواصلات آنذاك، حيث يتحرك الباص صباح كل يوم من القرية ويعود إليها في المساء). ولم يكن الاحتفاء بوظيفتي وقفاً على أبي ......
#للمدينة36
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=725941
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة36
محمود شقير : ظل آخر للمدينة37
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ولم أتمكن من حضور جنازة جدي الذي مات صيف العام 1961. كنت يومها في دمشق لتأدية امتحانات السنة الجامعية الأولى. وحينما عدت من السفر، وجدت الحزن يخيم على العائلة لفقده. حزنت، ورحت أتذكر علاقتي الطيبة بهذا الجد الذي ظل عطوفاً علي، رغم عصبيته، ورغم ما كان يعتريه من تجهم دائم في السنوات الأخيرة من عمره (مرة واحدة رأيت هذا الجد القوي يترنح تحت ضربات المرض، وكان علي وأنا على مقاعد الدراسة في القدس أن أصطحبه بعد انتهاء دوامي المدرسي، إلى عيادة الدكتور رشيد النشاشيبي في عمارة هندية بالقرب من باب العامود. انتظرني في حانوت العم عايد، أمسكت بيده ومضينا نحو العيادة. كان الضعف بادياً عليه، ولم أصدق أن هذا الجد الذي كان الرجال يهابونه ويخشون غضبه، يستسلم إلى هذا الحد لمشيئتي. أقوده، وهو مذعن تماماً، إلى الطبيب الذي فحصه، ثم وصف له دواء، تحسنت صحته بعد تناوله بساعات، فظل يحتفظ لي بمودة كبيرة جراء ذلك، ما جعلني أكثر شجاعة لدى مخاطبته أو التعامل معه). وكنت أواصل تأمل ما تشهده الحياة في القدس من تطور هنا وآخر هناك. بنيت فنادق جديدة في المدينة، وازدادت حركة السياح فيها (بعض أبناء قريتي اشتغلوا في الفنادق عمال نظافة وطهاة، وتحسنت لغتهم الانجليزية بفعل الاحتكاك اليومي بالسياح)، وانتشرت المقاهي والمطاعم والملاهي ومحلات المرطبات خارج السور، وظهرت سلع عديدة في المحلات، وأصبح البيع بالتقسيط سمة مألوفة، وانتشرت بعض الاستثمارات الفردية، وأصبح السعي وراء الربح هدفاً للعديدين ممن أخذ اليأس يصيبهم جراء سوء الأوضاع السياسية واشتداد القمع، خصوصاً بعد نجاح الانفصال بين سوريا ومصر. وبرزت إلى العيان الرغبة في السفر، إلى البرازيل والسعودية والكويت وبلدان أخرى من أجل العمل وتحصيل الرزق.والمدينة بالرغم من ذلك، واصلت حياتها المألوفة، الباعة ينادون على بضائعهم بأصواتهم الممطوطة، القرويون يعودون إلى بيوتهم قبل حلول المساء، وأهل المدينة يتمشون في شوارعها، حتى ساعات ما بعد المساء، وأنا شديد الإقبال على الحياة أبحث في المدينة وفي القرية عن مادة جديدة لقصة أكتبها بعد عودتي من دوامي المدرسي، أو بعد عودتي من أداء الامتحان الجامعي. كانت الكتابة تهب حياتي أبعاداً جديدة لم تكن في البال. ***حينما عدت من دمشق، ذهبت إلى قبر جدي، في مقبرة أحمد الساحوري، التي تقع على طرف القرية من جهة الشمال. مقبرة مثيرة للأسى بتربتها الجيرية وبصخور الحثّان فيها وبالأشواك البرية التي تنمو على مقربة من القبور وقريباً من حجارتها المتطامنة.قال لي أبي فيما بعد: حينما كنا مقيمين في البرية، اعتدنا دفن موتانا في هذه المقبرة رغم بعدها عن مضارب العشيرة.قال: كنا نحمل الميت على ظهر فرس، ونأتي به إلى المقبرة، بعضنا يأتي راكباً فرساً أو بغلة أو حماراً، وبعضنا يأتي ماشياً على قدميه.وقال في تسليم واضح: كل نفس ذائقة الموت. كنت أعرف أنه مع تقدمه في العمر أصبح يخشى الموت.في زمن مبكر عرفت هذه المقبرة، وفي ذلك الزمن عرفت شيئاً عن الموت. لا أذكر بالضبط من هو الذي مات آنذاك، غير أنني أذكر أن أمي بكت وشقت ثوبها حتى بان جزء من صدرها ولطمت خديها، فعرفت أن أمراً صعباً قد وقع. غادرت أمي بيتنا ومعها نسوة أخريات، ولم تشأ أن تأخذني معها، غير أنني مشيت في أثرها، أنا وأختي الكبرى، وكان معنا أطفال آخرون. وصلنا اشكارة الجامع، حولها كتل كبيرة من الصخور تحيط ببقعة أرض ذات تربة حمراء. وقفنا هناك وجلين ننظر من بعيد نحو المقبرة. سبقتنا أمي في ......
#للمدينة37
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=729541
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ولم أتمكن من حضور جنازة جدي الذي مات صيف العام 1961. كنت يومها في دمشق لتأدية امتحانات السنة الجامعية الأولى. وحينما عدت من السفر، وجدت الحزن يخيم على العائلة لفقده. حزنت، ورحت أتذكر علاقتي الطيبة بهذا الجد الذي ظل عطوفاً علي، رغم عصبيته، ورغم ما كان يعتريه من تجهم دائم في السنوات الأخيرة من عمره (مرة واحدة رأيت هذا الجد القوي يترنح تحت ضربات المرض، وكان علي وأنا على مقاعد الدراسة في القدس أن أصطحبه بعد انتهاء دوامي المدرسي، إلى عيادة الدكتور رشيد النشاشيبي في عمارة هندية بالقرب من باب العامود. انتظرني في حانوت العم عايد، أمسكت بيده ومضينا نحو العيادة. كان الضعف بادياً عليه، ولم أصدق أن هذا الجد الذي كان الرجال يهابونه ويخشون غضبه، يستسلم إلى هذا الحد لمشيئتي. أقوده، وهو مذعن تماماً، إلى الطبيب الذي فحصه، ثم وصف له دواء، تحسنت صحته بعد تناوله بساعات، فظل يحتفظ لي بمودة كبيرة جراء ذلك، ما جعلني أكثر شجاعة لدى مخاطبته أو التعامل معه). وكنت أواصل تأمل ما تشهده الحياة في القدس من تطور هنا وآخر هناك. بنيت فنادق جديدة في المدينة، وازدادت حركة السياح فيها (بعض أبناء قريتي اشتغلوا في الفنادق عمال نظافة وطهاة، وتحسنت لغتهم الانجليزية بفعل الاحتكاك اليومي بالسياح)، وانتشرت المقاهي والمطاعم والملاهي ومحلات المرطبات خارج السور، وظهرت سلع عديدة في المحلات، وأصبح البيع بالتقسيط سمة مألوفة، وانتشرت بعض الاستثمارات الفردية، وأصبح السعي وراء الربح هدفاً للعديدين ممن أخذ اليأس يصيبهم جراء سوء الأوضاع السياسية واشتداد القمع، خصوصاً بعد نجاح الانفصال بين سوريا ومصر. وبرزت إلى العيان الرغبة في السفر، إلى البرازيل والسعودية والكويت وبلدان أخرى من أجل العمل وتحصيل الرزق.والمدينة بالرغم من ذلك، واصلت حياتها المألوفة، الباعة ينادون على بضائعهم بأصواتهم الممطوطة، القرويون يعودون إلى بيوتهم قبل حلول المساء، وأهل المدينة يتمشون في شوارعها، حتى ساعات ما بعد المساء، وأنا شديد الإقبال على الحياة أبحث في المدينة وفي القرية عن مادة جديدة لقصة أكتبها بعد عودتي من دوامي المدرسي، أو بعد عودتي من أداء الامتحان الجامعي. كانت الكتابة تهب حياتي أبعاداً جديدة لم تكن في البال. ***حينما عدت من دمشق، ذهبت إلى قبر جدي، في مقبرة أحمد الساحوري، التي تقع على طرف القرية من جهة الشمال. مقبرة مثيرة للأسى بتربتها الجيرية وبصخور الحثّان فيها وبالأشواك البرية التي تنمو على مقربة من القبور وقريباً من حجارتها المتطامنة.قال لي أبي فيما بعد: حينما كنا مقيمين في البرية، اعتدنا دفن موتانا في هذه المقبرة رغم بعدها عن مضارب العشيرة.قال: كنا نحمل الميت على ظهر فرس، ونأتي به إلى المقبرة، بعضنا يأتي راكباً فرساً أو بغلة أو حماراً، وبعضنا يأتي ماشياً على قدميه.وقال في تسليم واضح: كل نفس ذائقة الموت. كنت أعرف أنه مع تقدمه في العمر أصبح يخشى الموت.في زمن مبكر عرفت هذه المقبرة، وفي ذلك الزمن عرفت شيئاً عن الموت. لا أذكر بالضبط من هو الذي مات آنذاك، غير أنني أذكر أن أمي بكت وشقت ثوبها حتى بان جزء من صدرها ولطمت خديها، فعرفت أن أمراً صعباً قد وقع. غادرت أمي بيتنا ومعها نسوة أخريات، ولم تشأ أن تأخذني معها، غير أنني مشيت في أثرها، أنا وأختي الكبرى، وكان معنا أطفال آخرون. وصلنا اشكارة الجامع، حولها كتل كبيرة من الصخور تحيط ببقعة أرض ذات تربة حمراء. وقفنا هناك وجلين ننظر من بعيد نحو المقبرة. سبقتنا أمي في ......
#للمدينة37
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=729541
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة37
محمود شقير : ظل آخر للمدينة38
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير لا أمل السير في شوارعها وأزقتها، أراقب الأشجار التي أخذت تزرعها البلدية على مسافات متقاربة في الشارع المؤدي إلى باب العامود لتزيينها، وللتخفيف من حرارة صيفها المعتدل أصلاً. ولم يكن شتاؤها قاسياً كذلك، وحينما يهطل المطر، فإن بعض أسواق البلدة القديمة، ذات السقوف شبه المتصلة، توفر حماية لمن يؤمها من المتسوقين. كنت أمشي تحت هذه السقوف، أستشعر طقس الشتاء دون أن يبللني المطر. وكنت أتردد على مقر مجلة "الأفق الجديد"، أجتاز مدخل البناية القديمة قبل نهاية شارع بورسعيد، أصعد درجاً نحو الطابق الثاني، هناك كان مكتب رئيس تحرير "الأفق .." الذي اعتاد استقبال الكتاب، ثم الدخول معهم في حوارات أدبية. وذات مرة أبدى ناقد مقرب من الشيوعيين، ونحن نجلس في مكتب رئيس تحرير " الأفق .."، إعجابه بما أكتب من قصص واقعية ترصد حياة البسطاء من الناس، فأخذ يمدني ببعض مؤلفات الواقعيين الروس والعرب، ثم دخلت معه ومع غيره من أعضاء الحزب الشيوعي في حوارات استمرت عامين، تطرقنا فيها إلى الكثير من القضايا الإشكالية التي كانت تضعني في مواجهة أفكار الحزب، فتبددت أوهام كثيرة من رأسي، وأضيفت إلى مداركي أفكار لم يكن لي بها علم، فتشكلت لدي قناعات جديدة (كانت تروقني بعض التصرفات الحذرة التي تدلل على أهمية الانتماء إلى حزب سري، قد يكلف هذا الانتماء صاحبه بضع سنوات في السجن، لذلك كنت أخلع حذائي وأضع النشرة السرية فيه لتفادي أي تفتيش مباغت لجيوبي، يقوم به أحد رجال المباحث وأنا سائر في الشارع!). ثم تقدمت بطلب انتساب للحزب العام 1965، بعد أن تركت مؤلفات سلامة موسى التي قرأتها في وقت سابق، وكذلك قراءاتي في الفلسفة من خلال المنهاج الجامعي، أثراً إيجابياً في نفسي (فيما بعد سأكتشف أن حسي النقدي لم يكن يقظاً إلى الحد المطلوب، فقد تكشفت تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وفي بلدان أوروبا الشرقية عن أخطاء كثيرة، ووقعت الأحزاب الحاكمة في هذه البلدان في نزعة بيروقراطية مدمرة). ذهبت ذات ظهيرة، بناء على ترتيب مسبق، إلى الطابق الثاني من مقهى الأريزونا في رام الله، وجلست أنتظر رفيقاً قيل لي إنه يضع على عينيه نظارة طبية، وإنه سيأتي وفي يده اليمنى صحيفة مطوية، فلما دخل في اللحظة المحددة خمنت أنه هو الشخص المعني، فوقفت، فتقدم نحوي، وقدم نفسه باسم متفق عليه، وقدمت نفسي باسم "ربحي"، وهو اسمي السري في الحزب لسنوات طويلة تالية.كان لذلك اليوم بهجته التي لا تنسى. تهيأت لمغادرة مقهى الأريزونا وأنا مفعم بحماسة من نوع جديد، فأنا الآن عضو فعلي في الحزب، وها أنذا أشارك في أول اجتماع حزبي مع رفيق لا أعرفه، ولا يربطني به سوى المبدأ الذي يوحدنا ويجمعنا. غادرت الأريزونا، مشيت في شوارع رام الله وأنا واقع تحت إحساس من يتهيأ لرحلة مدهشة، حافلة بالمخاطر والأمجاد. ورحت أستعرض في ذهني أبطال بعض الروايات الملتزمة التي قرأتها حتى ذلك الوقت (مثلاً: رواية الأم لمكسيم غوركي)، باعتبارهم قدوة لي في التضحية والنضال، ثم رحت أرتب في ذهني أسماء الأصدقاء الذين سأتصل بهم لضمهم إلى صفوف الحزب (اكتشفت أن هذا الأمر لم يكن سهلاً بسبب تخوف الناس من مغبة الانتماء إلى الحزب، وما قد يجره ذلك عليهم من قمع واضطهاد). وكنت آنذاك أعمل مدرساً في المدرسة الهاشمية الثانوية بمدينة البيرة. استطعت التأثير على عدد غير قليل من الطلبة وأنا أعرض أفكاري بين الحين والآخر في حصة التاريخ أو في حصة اللغة العربية. أمضيت في هذه المدرسة ثلاث سنوات، بدت لي من أجمل السنوات التي قضيتها في مهنة التدريس. ثم نقلت منها بناء على طلبي، وكنت راغباً في الع ......
#للمدينة38
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=730338
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير لا أمل السير في شوارعها وأزقتها، أراقب الأشجار التي أخذت تزرعها البلدية على مسافات متقاربة في الشارع المؤدي إلى باب العامود لتزيينها، وللتخفيف من حرارة صيفها المعتدل أصلاً. ولم يكن شتاؤها قاسياً كذلك، وحينما يهطل المطر، فإن بعض أسواق البلدة القديمة، ذات السقوف شبه المتصلة، توفر حماية لمن يؤمها من المتسوقين. كنت أمشي تحت هذه السقوف، أستشعر طقس الشتاء دون أن يبللني المطر. وكنت أتردد على مقر مجلة "الأفق الجديد"، أجتاز مدخل البناية القديمة قبل نهاية شارع بورسعيد، أصعد درجاً نحو الطابق الثاني، هناك كان مكتب رئيس تحرير "الأفق .." الذي اعتاد استقبال الكتاب، ثم الدخول معهم في حوارات أدبية. وذات مرة أبدى ناقد مقرب من الشيوعيين، ونحن نجلس في مكتب رئيس تحرير " الأفق .."، إعجابه بما أكتب من قصص واقعية ترصد حياة البسطاء من الناس، فأخذ يمدني ببعض مؤلفات الواقعيين الروس والعرب، ثم دخلت معه ومع غيره من أعضاء الحزب الشيوعي في حوارات استمرت عامين، تطرقنا فيها إلى الكثير من القضايا الإشكالية التي كانت تضعني في مواجهة أفكار الحزب، فتبددت أوهام كثيرة من رأسي، وأضيفت إلى مداركي أفكار لم يكن لي بها علم، فتشكلت لدي قناعات جديدة (كانت تروقني بعض التصرفات الحذرة التي تدلل على أهمية الانتماء إلى حزب سري، قد يكلف هذا الانتماء صاحبه بضع سنوات في السجن، لذلك كنت أخلع حذائي وأضع النشرة السرية فيه لتفادي أي تفتيش مباغت لجيوبي، يقوم به أحد رجال المباحث وأنا سائر في الشارع!). ثم تقدمت بطلب انتساب للحزب العام 1965، بعد أن تركت مؤلفات سلامة موسى التي قرأتها في وقت سابق، وكذلك قراءاتي في الفلسفة من خلال المنهاج الجامعي، أثراً إيجابياً في نفسي (فيما بعد سأكتشف أن حسي النقدي لم يكن يقظاً إلى الحد المطلوب، فقد تكشفت تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وفي بلدان أوروبا الشرقية عن أخطاء كثيرة، ووقعت الأحزاب الحاكمة في هذه البلدان في نزعة بيروقراطية مدمرة). ذهبت ذات ظهيرة، بناء على ترتيب مسبق، إلى الطابق الثاني من مقهى الأريزونا في رام الله، وجلست أنتظر رفيقاً قيل لي إنه يضع على عينيه نظارة طبية، وإنه سيأتي وفي يده اليمنى صحيفة مطوية، فلما دخل في اللحظة المحددة خمنت أنه هو الشخص المعني، فوقفت، فتقدم نحوي، وقدم نفسه باسم متفق عليه، وقدمت نفسي باسم "ربحي"، وهو اسمي السري في الحزب لسنوات طويلة تالية.كان لذلك اليوم بهجته التي لا تنسى. تهيأت لمغادرة مقهى الأريزونا وأنا مفعم بحماسة من نوع جديد، فأنا الآن عضو فعلي في الحزب، وها أنذا أشارك في أول اجتماع حزبي مع رفيق لا أعرفه، ولا يربطني به سوى المبدأ الذي يوحدنا ويجمعنا. غادرت الأريزونا، مشيت في شوارع رام الله وأنا واقع تحت إحساس من يتهيأ لرحلة مدهشة، حافلة بالمخاطر والأمجاد. ورحت أستعرض في ذهني أبطال بعض الروايات الملتزمة التي قرأتها حتى ذلك الوقت (مثلاً: رواية الأم لمكسيم غوركي)، باعتبارهم قدوة لي في التضحية والنضال، ثم رحت أرتب في ذهني أسماء الأصدقاء الذين سأتصل بهم لضمهم إلى صفوف الحزب (اكتشفت أن هذا الأمر لم يكن سهلاً بسبب تخوف الناس من مغبة الانتماء إلى الحزب، وما قد يجره ذلك عليهم من قمع واضطهاد). وكنت آنذاك أعمل مدرساً في المدرسة الهاشمية الثانوية بمدينة البيرة. استطعت التأثير على عدد غير قليل من الطلبة وأنا أعرض أفكاري بين الحين والآخر في حصة التاريخ أو في حصة اللغة العربية. أمضيت في هذه المدرسة ثلاث سنوات، بدت لي من أجمل السنوات التي قضيتها في مهنة التدريس. ثم نقلت منها بناء على طلبي، وكنت راغباً في الع ......
#للمدينة38
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=730338
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة38
محمود شقير : ظل آخر للمدينة39
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير سكنت في بيت مستأجر في قرية "بدو" وسط حي مكتظ بالبيوت. وكنت أمضي بعد الدوام إلى الصحيفة. أذرع شارع صلاح الدين بخطوات واسعة، أداوم في مكاتب الصحيفة الواقعة في شارع علي بن أبي طالب المتفرع من شارع صلاح الدين، ساعة أو ساعتين. أسلم سكرتير التحرير المواد التي قمت بتحريرها تمهيداً لنشرها، ثم أغادر مبنى الصحيفة إما عائداً إلى بيتي في جبل المكبر أو إلى بيتي المستأجر. وكنت أشعر أنني أرهق نفسي بهذا العمل المتصل، وهو لا يتم إلا على حساب تفرغي للقراءة، إذ كانت فسحة الوقت المتبقية لدي للقراءة محدودة، وقد جعلني هذا الأمر قلقاً على الدوام.غير أن عملي في الصحيفة جعلني على صلة شبه يومية بالقدس. وكنت ألاحظ ظهور نقلة في الأزياء وفي بعض مظاهر السلوك فيها وفي غيرها من مدن البلاد. فثمة شباب يطيلون شعورهم، متبعين موضة "الخنافس" التي كانت رائجة في الغرب، وكنا نستقبح هذه الموضة، وننفر من مؤيديها. ثم أخذ هذا التزمت يتراجع، حتى أصبح بعض زملائنا من المدرسين يطيلون شعورهم، فلا ننفر منهم ولا نوجه لهم أية اتهامات. وأصبح آخرون يلبسون بنطلونات ضيقة من ذوات "الخصر الساحل"، ويضعون على خصورهم أحزمة رفيعة لامعة سوداء أو بيضاء، ثم أخذوا يرتدون جاكيتات قصيرة غير فضفاضة، وأصبحت البنطلونات بلا ثنيات، فأبدينا رفضنا لتلك الموضة في البداية، ثم فرضت نفسها وأصبحت ذات انتشار. أما أزياء النساء في جبل المكبر، فقد قفزت خطوة أخرى حينما راحت بعض العائلات، التي ظهر فيها شبان مستنيرون، تشجع نساءها على ارتداء الفساتين، تماماً مثل نساء المدن، فارتدينها، وزدن عليها أحذية لها كعوب عالية. غير أن هذا الزي الجديد لم يجد رواجاً وقابلية للبقاء، إلا لدى النشء الجديد من الطالبات، أما النساء اللواتي لم يدخلن المدرسة، أو لم يلبثن فيها إلا بضع سنين، ثم غادرنها للزواج، وللبقاء داخل البيوت، فقد بقين محجمات عن ارتداء الأزياء الحديثة، ومنهن من أرغمن على عدم ارتدائها، فاستعضن عن ثوب "الحَبَر" الذي يبلغ طوله في العادة مترين أو أكثر قليلًا، بأثواب بسيطة يسمى الواحد منها "مِدْرَكَة"، وظهرت فيما بعد أنواع محسنة منها، هي فساتين "الماكسي" الطويلة التي تغطي جسد المرأة من رقبتها حتى كعبيها، فارتدينها، ولم تعد ترتدي الثوب التقليدي سوى قلة من العجائز الطاعنات في السن.كنت معنياً بمتابعة الظواهر الجديدة في المدينة وفي القرية سواء بسواء، وقد شجعتني على ذلك دراستي لعلم الاجتماع إلى جانب دراستي للفلسفة في جامعة دمشق، وكنت أغتبط وأنا أراقب تلك الظواهر، بل إنني كتبت بعض مقالات لصحيفة الجهاد لها علاقة بذلك.وكنت أراقب المدينة وهي تزدحم في أيام الجمع، بالمصلين الذين يأتون إلى المسجد الأقصى، من مختلف مدن البلاد وقراها، وتزدحم كذلك بالسياح، وبالحجاج القادمين إلى كنيسة القيامة من كل بقاع الدنيا. فتبدو المدينة كأنها في موسم أو مهرجان، لكن ذلك لم يمنع عنها العدوان. يتبع.. ......
#للمدينة39
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=732941
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير سكنت في بيت مستأجر في قرية "بدو" وسط حي مكتظ بالبيوت. وكنت أمضي بعد الدوام إلى الصحيفة. أذرع شارع صلاح الدين بخطوات واسعة، أداوم في مكاتب الصحيفة الواقعة في شارع علي بن أبي طالب المتفرع من شارع صلاح الدين، ساعة أو ساعتين. أسلم سكرتير التحرير المواد التي قمت بتحريرها تمهيداً لنشرها، ثم أغادر مبنى الصحيفة إما عائداً إلى بيتي في جبل المكبر أو إلى بيتي المستأجر. وكنت أشعر أنني أرهق نفسي بهذا العمل المتصل، وهو لا يتم إلا على حساب تفرغي للقراءة، إذ كانت فسحة الوقت المتبقية لدي للقراءة محدودة، وقد جعلني هذا الأمر قلقاً على الدوام.غير أن عملي في الصحيفة جعلني على صلة شبه يومية بالقدس. وكنت ألاحظ ظهور نقلة في الأزياء وفي بعض مظاهر السلوك فيها وفي غيرها من مدن البلاد. فثمة شباب يطيلون شعورهم، متبعين موضة "الخنافس" التي كانت رائجة في الغرب، وكنا نستقبح هذه الموضة، وننفر من مؤيديها. ثم أخذ هذا التزمت يتراجع، حتى أصبح بعض زملائنا من المدرسين يطيلون شعورهم، فلا ننفر منهم ولا نوجه لهم أية اتهامات. وأصبح آخرون يلبسون بنطلونات ضيقة من ذوات "الخصر الساحل"، ويضعون على خصورهم أحزمة رفيعة لامعة سوداء أو بيضاء، ثم أخذوا يرتدون جاكيتات قصيرة غير فضفاضة، وأصبحت البنطلونات بلا ثنيات، فأبدينا رفضنا لتلك الموضة في البداية، ثم فرضت نفسها وأصبحت ذات انتشار. أما أزياء النساء في جبل المكبر، فقد قفزت خطوة أخرى حينما راحت بعض العائلات، التي ظهر فيها شبان مستنيرون، تشجع نساءها على ارتداء الفساتين، تماماً مثل نساء المدن، فارتدينها، وزدن عليها أحذية لها كعوب عالية. غير أن هذا الزي الجديد لم يجد رواجاً وقابلية للبقاء، إلا لدى النشء الجديد من الطالبات، أما النساء اللواتي لم يدخلن المدرسة، أو لم يلبثن فيها إلا بضع سنين، ثم غادرنها للزواج، وللبقاء داخل البيوت، فقد بقين محجمات عن ارتداء الأزياء الحديثة، ومنهن من أرغمن على عدم ارتدائها، فاستعضن عن ثوب "الحَبَر" الذي يبلغ طوله في العادة مترين أو أكثر قليلًا، بأثواب بسيطة يسمى الواحد منها "مِدْرَكَة"، وظهرت فيما بعد أنواع محسنة منها، هي فساتين "الماكسي" الطويلة التي تغطي جسد المرأة من رقبتها حتى كعبيها، فارتدينها، ولم تعد ترتدي الثوب التقليدي سوى قلة من العجائز الطاعنات في السن.كنت معنياً بمتابعة الظواهر الجديدة في المدينة وفي القرية سواء بسواء، وقد شجعتني على ذلك دراستي لعلم الاجتماع إلى جانب دراستي للفلسفة في جامعة دمشق، وكنت أغتبط وأنا أراقب تلك الظواهر، بل إنني كتبت بعض مقالات لصحيفة الجهاد لها علاقة بذلك.وكنت أراقب المدينة وهي تزدحم في أيام الجمع، بالمصلين الذين يأتون إلى المسجد الأقصى، من مختلف مدن البلاد وقراها، وتزدحم كذلك بالسياح، وبالحجاج القادمين إلى كنيسة القيامة من كل بقاع الدنيا. فتبدو المدينة كأنها في موسم أو مهرجان، لكن ذلك لم يمنع عنها العدوان. يتبع.. ......
#للمدينة39
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=732941
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة39
محمود شقير : ظل آخر للمدينة40
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أدخلها بعد انقطاع قسري، فأجد الحال غير الحال، ولا يغادرني الشعور بوطأة الهزيمة. بعض التجار الذين تحطمت أبواب محالهم التجارية، إثر قيام الجيش الغازي بنهبها، يقفون أمام محالهم في حالة من الشرود. ثمة في المدينة أعداد قليلة من الناس تمشي على غير هدى، وثمة القليل من السيارات تتحرك في الشوارع التي تخترقها شاحنات الجنود، ومن خلف السور، تطل مئذنة أصابتها قنبلة، هشمت رأسها. وفي مواقع عديدة من المدينة، واجهات بيوت ومتاجر حطمتها القنابل، أو ترك بصماته عليها الرصاص. ها هي ذي المدينة منطوية على نفسها، منكسرة. أقترب من محل "جروبي" الذي كان من أكثر محلات المدينة حيوية وامتلاء بالزبائن، يقف صاحبه أبو عطا خلف الواجهة الزجاجية، مثبتاً كعادته سيجارته بين شفتيه فلا يحملها بين أصابعه إلا بعد وقت، يخبرني أن ابنه الذي استبدت به الحماسة، فذهب متطوعاً للقتال، لم يعد حتى هذه اللحظة. تجوب دوريات الجيش شوارع المدينة، وثمة جنود يرابطون على مداخلها وفي ساحاتها. أدخل البلدة القديمة. ما زال الكثير من متاجرها مغلقاً، تحت تأثير الصدمة التي سببتها لأصحابها هذه الهزيمة، أو بسبب النزوح خارج الوطن، وهو الأمر الذي شجعت عليه قوات الاحتلال، وراحت توزع المنشورات على الناس، تشجعهم فيها على الرحيل، موضحة لهم أنها ستضع تحت تصرفهم حافلات ستقوم بنقلهم كل يوم، مجاناً، إلى الجسر في رحلة الذهاب بعيداً من الوطن. فانصاع لهذه الدعاية عدد غير قليل من الناس الذين خافوا عاقبة الأمور. أجتاز باب العمود، أتذكر اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، كنت أعمل مراقباً في امتحان التوجيهية في قاعة مدرسة تراسنطة، ولم ننتبه إلى أن الحرب بدأت منذ الصباح على الجبهة المصرية إلا بعد العاشرة. غادرت القاعة، واتجهت عبر طريق الجبشة نحو باب العمود، وحينما وجدت الحوانيت مغلقة، وليس ثمة أحد في الأسواق، تهيبت الخروج إلى ساحة باب العمود، لأنها مكشوفة أمام بناية النوتردام التي ترابط فيها قوة من الجيش الإسرائيلي. انعطفت يميناً نحو طريق الشيخ لولو، وسرت فيها قاصداً باب الساهرة لعلني أعثر على سيارة تنقلني إلى جبل المكبر. وجدت الساحة التي أمام باب الساهرة موحشة لا أثر فيها لأية سيارة. بعد لحظات لعلع صوت الرصاص، ونشب القتال، فمضيت سيراً على قدميّ نحو مقبرة باب الأسباط، وهبطت في الشارع المحاذي لكنيسة ستنا مريم، ثم صعدت نحو حي رأس العامود، فاجتزته نحو حي الصلعة، ومن هناك إلى بيتي في جبل المكبر. قبل أن أصل البيت بلحظات، ابتدأ القتال على قمة الجبل، ولم يدم طويلاً. حسمته الدبابات الإسرائيلية دون عناء، فتركنا بيوتنا، مثلما فعلنا العام 1948، واتجهنا إلى بيوت أقارب لنا، يقيمون قرب وادي الديماس في منطقة "أم عراق" التي لا تستطيع أن تصلها السيارات، لوعورة الطريق الموصلة إليها، فتوزعنا على بيوت الأقارب الذين خصصوا مكاناً لإقامة النساء، ومكاناً آخر لإقامة الرجال (في الأيام القليلة التالية، ستمر عبر هذا الطريق جموع من أهالي المدينة، الذين قذفت بهم الحرب بعيداً من بيوتهم، سأرى تجاراً أعرفهم، يمضون مبتعدين نحو الشرق ومعهم زوجات بملابس مدنية وأحذية لا تتلاءم وقسوة الطرقات الممتدة بين الوديان، وسأرى أطفالاً يتصايحون وهم يتعثرون في الطرقات خلف آبائهم وأمهاتهم). كان كبيرهم "أبو خالد" الطاعن في السن يثق في عبد الناصر ثقة كبيرة. ظل يعلق الآمال على أخبار الجبهة المصرية، التي كانت تصله من مذياع ترانزستور حمله معه أحد أفراد عشيرتنا وهو يغادر بيته، فاعتبرنا مبادرته هذه تعبيراً عن الفطنة، ورحنا نلوم أنفسنا لأننا لم نفطن إلى اصطحاب مذياع ......
#للمدينة40
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=733904
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أدخلها بعد انقطاع قسري، فأجد الحال غير الحال، ولا يغادرني الشعور بوطأة الهزيمة. بعض التجار الذين تحطمت أبواب محالهم التجارية، إثر قيام الجيش الغازي بنهبها، يقفون أمام محالهم في حالة من الشرود. ثمة في المدينة أعداد قليلة من الناس تمشي على غير هدى، وثمة القليل من السيارات تتحرك في الشوارع التي تخترقها شاحنات الجنود، ومن خلف السور، تطل مئذنة أصابتها قنبلة، هشمت رأسها. وفي مواقع عديدة من المدينة، واجهات بيوت ومتاجر حطمتها القنابل، أو ترك بصماته عليها الرصاص. ها هي ذي المدينة منطوية على نفسها، منكسرة. أقترب من محل "جروبي" الذي كان من أكثر محلات المدينة حيوية وامتلاء بالزبائن، يقف صاحبه أبو عطا خلف الواجهة الزجاجية، مثبتاً كعادته سيجارته بين شفتيه فلا يحملها بين أصابعه إلا بعد وقت، يخبرني أن ابنه الذي استبدت به الحماسة، فذهب متطوعاً للقتال، لم يعد حتى هذه اللحظة. تجوب دوريات الجيش شوارع المدينة، وثمة جنود يرابطون على مداخلها وفي ساحاتها. أدخل البلدة القديمة. ما زال الكثير من متاجرها مغلقاً، تحت تأثير الصدمة التي سببتها لأصحابها هذه الهزيمة، أو بسبب النزوح خارج الوطن، وهو الأمر الذي شجعت عليه قوات الاحتلال، وراحت توزع المنشورات على الناس، تشجعهم فيها على الرحيل، موضحة لهم أنها ستضع تحت تصرفهم حافلات ستقوم بنقلهم كل يوم، مجاناً، إلى الجسر في رحلة الذهاب بعيداً من الوطن. فانصاع لهذه الدعاية عدد غير قليل من الناس الذين خافوا عاقبة الأمور. أجتاز باب العمود، أتذكر اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، كنت أعمل مراقباً في امتحان التوجيهية في قاعة مدرسة تراسنطة، ولم ننتبه إلى أن الحرب بدأت منذ الصباح على الجبهة المصرية إلا بعد العاشرة. غادرت القاعة، واتجهت عبر طريق الجبشة نحو باب العمود، وحينما وجدت الحوانيت مغلقة، وليس ثمة أحد في الأسواق، تهيبت الخروج إلى ساحة باب العمود، لأنها مكشوفة أمام بناية النوتردام التي ترابط فيها قوة من الجيش الإسرائيلي. انعطفت يميناً نحو طريق الشيخ لولو، وسرت فيها قاصداً باب الساهرة لعلني أعثر على سيارة تنقلني إلى جبل المكبر. وجدت الساحة التي أمام باب الساهرة موحشة لا أثر فيها لأية سيارة. بعد لحظات لعلع صوت الرصاص، ونشب القتال، فمضيت سيراً على قدميّ نحو مقبرة باب الأسباط، وهبطت في الشارع المحاذي لكنيسة ستنا مريم، ثم صعدت نحو حي رأس العامود، فاجتزته نحو حي الصلعة، ومن هناك إلى بيتي في جبل المكبر. قبل أن أصل البيت بلحظات، ابتدأ القتال على قمة الجبل، ولم يدم طويلاً. حسمته الدبابات الإسرائيلية دون عناء، فتركنا بيوتنا، مثلما فعلنا العام 1948، واتجهنا إلى بيوت أقارب لنا، يقيمون قرب وادي الديماس في منطقة "أم عراق" التي لا تستطيع أن تصلها السيارات، لوعورة الطريق الموصلة إليها، فتوزعنا على بيوت الأقارب الذين خصصوا مكاناً لإقامة النساء، ومكاناً آخر لإقامة الرجال (في الأيام القليلة التالية، ستمر عبر هذا الطريق جموع من أهالي المدينة، الذين قذفت بهم الحرب بعيداً من بيوتهم، سأرى تجاراً أعرفهم، يمضون مبتعدين نحو الشرق ومعهم زوجات بملابس مدنية وأحذية لا تتلاءم وقسوة الطرقات الممتدة بين الوديان، وسأرى أطفالاً يتصايحون وهم يتعثرون في الطرقات خلف آبائهم وأمهاتهم). كان كبيرهم "أبو خالد" الطاعن في السن يثق في عبد الناصر ثقة كبيرة. ظل يعلق الآمال على أخبار الجبهة المصرية، التي كانت تصله من مذياع ترانزستور حمله معه أحد أفراد عشيرتنا وهو يغادر بيته، فاعتبرنا مبادرته هذه تعبيراً عن الفطنة، ورحنا نلوم أنفسنا لأننا لم نفطن إلى اصطحاب مذياع ......
#للمدينة40
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=733904
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة40
محمود شقير : ظل آخر للمدينة41
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير جاء سليمان النجاب عقب الهزيمة، للاجتماع بأول خلية حزبية لنا في جبل المكبر. شعرت بأن ثمة أملاً للخروج من هذه الحالة المحبطة التي وجدنا أنفسنا فيها. تحدث عن الوضع الذي آلت إليه البلاد، وأكد على أهمية النهوض من جديد. في نهاية الاجتماع انتخبتُ سكرتيراً للخلية.بعد ذلك بأيام، دعيت إلى اجتماع موسع في القدس. كان علي أن أنتظر عند موقع محدد، في شارع المقدسي بوادي الجوز. وصلت الموقع في الساعة المقررة، كان حي وادي الجوز في ذلك النهار يعني لي الشيء الكثير، فها هو ذا يحتضن أول اجتماع حزبي أحضره في القدس. حفل الإجتماع بالحوارات السياسية، ولم أتحدث إلا قليلاً، لأنني شعرت بالتهيب، وأنا في حضرة قادة مرموقين (قاد الاجتماع فائق وراد الذي أمضى ثماني سنوات في سجن الجفر الصحراوي، وكان يساعده في قيادة الاجتماع نعيم الأشهب الذي أمضى سنوات عدة في العمل السري مختفياً عن أعين السلطات)، أو لأن حرماني من الجلوس في الاجتماعات الصاخبة التي كانت تنعقد في مضافة جدي، ما زال يمارس تأثيره المؤذي علي. انتخبنا في ذلك الاجتماع لجنة المنطقة التي أنيطت بها قيادة العمل الحزبي في القدس وبيت لحم والخليل. خرجت من الاجتماع وكلي همة من أجل تجنيد أعضاء جدد للحزب، ووجدت استعداداً لدى جيل الشباب للانتماء الحزبي، وذلك بسبب الرغبة في التخلص من الفراغ المربك الذي تركته الهزيمة في النفوس. ذات يوم، التقيت خالي الذي يجيد سرد الحكايات. جلسنا في محل "الأرز" للمرطبات، وهو لا يبعد عن "جروبي" سوى عشرات الأمتار. شربنا عصير البرتقال، ورحت أذكره بسنوات سابقة، حينما كان متحمساً للدكتور يعقوب زيادين، مرشح الحزب لانتخابات البرلمان، ثم عرجت على ضرورات مقاومة الاحتلال، حدثته عن الحزب، وعن أهمية الانتساب إليه. ارتبك خالي حينما عرف الهدف الحقيقي من لقائي معه، وظل يراوغ دون أن يعطيني أي جواب. كانت فترات الرعب التي عاشها خالي العام 1957 وما تلاه من أعوام، قد تركت بصماتها عليه، فاعتبر نفسه ذكياً لأنه لم يقع في الشرك الذي نصبته له، وراح فيما بعد يتحدث عن المصير الأسود الذي كنت أعده له. أما خالي الآخر الذي اضطرته ظروف العيش الصعبة إلى العمل زبّالاً في شوارع القدس (وهي مهنة مكروهة في قريتنا، ما سبّب لخالي انزعاجاً غير قليل)، فقد كان يفرح حينما يلتقيني، وكنت أنا الآخر أفرح حينما ألتقيه. لم يحدث أبداً أن تبادلت معه حديثاً في السياسة، لأنه لم يكن مستعداً لذلك. كان الحديث عن النساء يأخذ منه جلّ تفكيره. يتأبط ذراعي كلما لقينى في الشارع، وهو يجر عربة الزبالة، فكأنه يحتمي بي من أبناء قريتنا الذين يعيبون عليه العمل في هذه المهنة، وأنا أشعر بالزهو وهو يمشي إلى جواري بمثل هذه الحميمية، لأقيم الدليل، أمام القاصي والداني، على أنني نصير الكادحين والمهمّشين والفقراء، دون ترفع أو استعلاء، ثم لا نلبث أن نفترق على أمل اللقاء صدفة في أحد شوارع المدينة، لنمشي معاً بعض الوقت، ثم يذهب كل منا في اتجاه. كنت أمارس حياتي في تلك الفترة بشيء من الزهو بسبب انتمائي إلى فكرة تحظى برواجٍ ما رغم الصعوبات. نظمت في صفوف الحزب العشرات من المدرسين والطلاب والعمال في عدد من القرى المحيطة بالقدس، فاختارتني قيادة الحزب عضواً في لجنة المنطقة المنوّه عنها أعلاه، ثم عضواً في مكتب لجنة المنطقة، قبل أشهر عدة من اعتقالي الأول على أيدي سلطات الإحتلال. سبق هذا الاعتقال، قرار صادر العام 1968، عن الحاكم العسكري الإسرائيلي يقضي بنقلي نقلاً تعسفياً من مدرسة الملك غازي الثانوية، إلى مدرسة عين يبرود الإعدادية، بسبب النشاط السياسي الذي كنت أم ......
#للمدينة41
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=734997
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير جاء سليمان النجاب عقب الهزيمة، للاجتماع بأول خلية حزبية لنا في جبل المكبر. شعرت بأن ثمة أملاً للخروج من هذه الحالة المحبطة التي وجدنا أنفسنا فيها. تحدث عن الوضع الذي آلت إليه البلاد، وأكد على أهمية النهوض من جديد. في نهاية الاجتماع انتخبتُ سكرتيراً للخلية.بعد ذلك بأيام، دعيت إلى اجتماع موسع في القدس. كان علي أن أنتظر عند موقع محدد، في شارع المقدسي بوادي الجوز. وصلت الموقع في الساعة المقررة، كان حي وادي الجوز في ذلك النهار يعني لي الشيء الكثير، فها هو ذا يحتضن أول اجتماع حزبي أحضره في القدس. حفل الإجتماع بالحوارات السياسية، ولم أتحدث إلا قليلاً، لأنني شعرت بالتهيب، وأنا في حضرة قادة مرموقين (قاد الاجتماع فائق وراد الذي أمضى ثماني سنوات في سجن الجفر الصحراوي، وكان يساعده في قيادة الاجتماع نعيم الأشهب الذي أمضى سنوات عدة في العمل السري مختفياً عن أعين السلطات)، أو لأن حرماني من الجلوس في الاجتماعات الصاخبة التي كانت تنعقد في مضافة جدي، ما زال يمارس تأثيره المؤذي علي. انتخبنا في ذلك الاجتماع لجنة المنطقة التي أنيطت بها قيادة العمل الحزبي في القدس وبيت لحم والخليل. خرجت من الاجتماع وكلي همة من أجل تجنيد أعضاء جدد للحزب، ووجدت استعداداً لدى جيل الشباب للانتماء الحزبي، وذلك بسبب الرغبة في التخلص من الفراغ المربك الذي تركته الهزيمة في النفوس. ذات يوم، التقيت خالي الذي يجيد سرد الحكايات. جلسنا في محل "الأرز" للمرطبات، وهو لا يبعد عن "جروبي" سوى عشرات الأمتار. شربنا عصير البرتقال، ورحت أذكره بسنوات سابقة، حينما كان متحمساً للدكتور يعقوب زيادين، مرشح الحزب لانتخابات البرلمان، ثم عرجت على ضرورات مقاومة الاحتلال، حدثته عن الحزب، وعن أهمية الانتساب إليه. ارتبك خالي حينما عرف الهدف الحقيقي من لقائي معه، وظل يراوغ دون أن يعطيني أي جواب. كانت فترات الرعب التي عاشها خالي العام 1957 وما تلاه من أعوام، قد تركت بصماتها عليه، فاعتبر نفسه ذكياً لأنه لم يقع في الشرك الذي نصبته له، وراح فيما بعد يتحدث عن المصير الأسود الذي كنت أعده له. أما خالي الآخر الذي اضطرته ظروف العيش الصعبة إلى العمل زبّالاً في شوارع القدس (وهي مهنة مكروهة في قريتنا، ما سبّب لخالي انزعاجاً غير قليل)، فقد كان يفرح حينما يلتقيني، وكنت أنا الآخر أفرح حينما ألتقيه. لم يحدث أبداً أن تبادلت معه حديثاً في السياسة، لأنه لم يكن مستعداً لذلك. كان الحديث عن النساء يأخذ منه جلّ تفكيره. يتأبط ذراعي كلما لقينى في الشارع، وهو يجر عربة الزبالة، فكأنه يحتمي بي من أبناء قريتنا الذين يعيبون عليه العمل في هذه المهنة، وأنا أشعر بالزهو وهو يمشي إلى جواري بمثل هذه الحميمية، لأقيم الدليل، أمام القاصي والداني، على أنني نصير الكادحين والمهمّشين والفقراء، دون ترفع أو استعلاء، ثم لا نلبث أن نفترق على أمل اللقاء صدفة في أحد شوارع المدينة، لنمشي معاً بعض الوقت، ثم يذهب كل منا في اتجاه. كنت أمارس حياتي في تلك الفترة بشيء من الزهو بسبب انتمائي إلى فكرة تحظى برواجٍ ما رغم الصعوبات. نظمت في صفوف الحزب العشرات من المدرسين والطلاب والعمال في عدد من القرى المحيطة بالقدس، فاختارتني قيادة الحزب عضواً في لجنة المنطقة المنوّه عنها أعلاه، ثم عضواً في مكتب لجنة المنطقة، قبل أشهر عدة من اعتقالي الأول على أيدي سلطات الإحتلال. سبق هذا الاعتقال، قرار صادر العام 1968، عن الحاكم العسكري الإسرائيلي يقضي بنقلي نقلاً تعسفياً من مدرسة الملك غازي الثانوية، إلى مدرسة عين يبرود الإعدادية، بسبب النشاط السياسي الذي كنت أم ......
#للمدينة41
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=734997
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة41
محمود شقير : ظل آخر للمدينة42
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير بعد هذا الغياب أعود، أجلس في مقهى الباسطي ذات أصيل. أدقق النظر فيما حولي، الطقس حار، والناس يجرون أقدامهم بتثاقل فوق بلاط الطريق. أرى أحد العاملين في المقهى، وأقدر أنني أعرفه، أحاول اعتصار ذاكرتي لعلها تسعفني بشيء، فلا تستجيب لي، وألاحظ أنه هو الآخر يحاول التعرف علي. بعد ذلك يقترب مني ويسألني:- هل كنت مسجوناً في الدامون؟ فأتذكره على الفور: إنه سليمان، ابن صاحب المقهى الذي أجلس فيه.غير أنه أصبح الآن كهلاً، وقد تغيرت ملامحه. نسترسل في تذكر أيام السجن، ثم ينصرف إلى خدمة الزبائن، وأنهمك أنا في تأمل المكان الذي غبت عنه زمناً ليس بالقليل. يمتد طريق الواد هابطاً نحو المداخل العديدة التي تفضي إلى مسجديّ الصخرة والحرم. على بعد أمتار قليلة من هذا المقهى، أقام أحد كتبة الورش من زملاء أبي في شقة صغيرة. ذهب أبي لزيارته ذات مرة واصطحبني معه (قبل الذهاب إليه، اشترى لي أبي قماشاً من المخمل البني، ومضينا به إلى خياط في طريق الواد، لكي يخيطه لي بنطالاً. قال إنه سوف يسلمنا البنطال بعد أسبوع، ثم أخبره أبي أننا ذاهبان لتناول الغداء في بيت كاتب الورشة). صعدنا درجاً معتماً شديد الوعورة، وجدنا كاتب الورشة في شقته الصغيرة، يحتسي مشروباً ما من زجاجة مركونة على حافة الطاولة التي يتربع فوقها مذياع. كان يحتسي مشروبه الغامض ويستمع إلى أغنيات عذبة يبثها المذياع. ابتهجت وأنا أصغي إلى المذياع، فها هي ذي المدينة تعوضني عن مذياع جدي الذي لم يعد، بعد أن لحق به الخراب، سوى صندوق من خشب لايثير أي فضول. ثم توجست خيفة من المشروب الذي يحتسيه، وازددت عجباً حينما رأيته يقنع أبي بأن يحتسي كأساً منه. بدا شيء من التردد على أبي، ثم أقنعه كاتب الورشة بالقول إنه شراب خفيف، وإن له ميزة أساسية هي مساعدة المعدة على هضم الطعام. صب لأبي كأساً، وقال إنه أوصى صاحب الفرن المجاور أن يعد لنا صينية فيها لحم مشوي مع الخضار.ابتدأ أبي يحتسي السائل الفوّار من كأسه، واستغربت كيف يقدم أبي على مثل هذا الأمر. كنت مسكوناً بالقصص المريعة عن الخمرة وشاربيها. استمعت إلى نسوة العائلة في ظهيرة أحد الأيام، وهن يتهامسن فيما بينهن، حول أحد الرجال المعروفين في قريتنا الذي عاد من المدينة وهو سكران، فلم يتمكن من الوصول إلى بيته، فارتمى غائباً عن الوعي على قارعة الطريق، ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، فقد مر عنه أناس من أبناء القرية، فلما اقتربوا منه لمساعدته على النهوض، وجدوا ملابسه ملطخة بالقيء، ورائحة كريهة تفوح منه.خشيت أن يتعرض أبي لمكروه بسبب هذه الكأس، وازددت قلقاً حينما راح كاتب الورشة يشرح لأبي، كيف تكسرت أسنانه الأمامية وهو يتعثر على درج البيت، فأيقنت أنه كان سكراناً أثناء هبوطه الدرج فلم يتمالك نفسه من السقوط. ويبدو أن أبي لاحظ قلقي، فأخذ يطمئنني بالقول إن هذا المشروب ليس خمراً، ولا يرتكب شاربه ذنباً أو معصية. شعرت ببعض الطمأنينة، ولما لاحظت أن كاتب الورشة لم يفقد عقله بعد أن شرب عدة زجاجات مع الغداء الشهي الذي رحنا نلتهمه معاً، غضضت النظر عن الموضوع. وفيما بعد عرفت أن الرجل النحيل كان يتحايل على بؤسه، باحتساء الصودا (المفاجأة التي أدخلت السرور إلى قلبي، تمثلت في مجيء الخياط إلى بيت كاتب الورشة ومعه بنطال المخمل. قال متباهياً وهو يفرد البنطال أمام عيوننا: وجدت نفسي متحمساً للعمل بعد الإجازة، بحيث استطعت الانتهاء منه في ساعتين. خلعت بنطالي القديم ولبست البنطال الجديد، ولم تكن فيه زيادة أو نقصان، وعدت مع أبي إلى البيت عصر ذلك اليوم وأنا أرتدي البنطال). أعود إلى متابعة الخلق في السو ......
#للمدينة42
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=737111
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير بعد هذا الغياب أعود، أجلس في مقهى الباسطي ذات أصيل. أدقق النظر فيما حولي، الطقس حار، والناس يجرون أقدامهم بتثاقل فوق بلاط الطريق. أرى أحد العاملين في المقهى، وأقدر أنني أعرفه، أحاول اعتصار ذاكرتي لعلها تسعفني بشيء، فلا تستجيب لي، وألاحظ أنه هو الآخر يحاول التعرف علي. بعد ذلك يقترب مني ويسألني:- هل كنت مسجوناً في الدامون؟ فأتذكره على الفور: إنه سليمان، ابن صاحب المقهى الذي أجلس فيه.غير أنه أصبح الآن كهلاً، وقد تغيرت ملامحه. نسترسل في تذكر أيام السجن، ثم ينصرف إلى خدمة الزبائن، وأنهمك أنا في تأمل المكان الذي غبت عنه زمناً ليس بالقليل. يمتد طريق الواد هابطاً نحو المداخل العديدة التي تفضي إلى مسجديّ الصخرة والحرم. على بعد أمتار قليلة من هذا المقهى، أقام أحد كتبة الورش من زملاء أبي في شقة صغيرة. ذهب أبي لزيارته ذات مرة واصطحبني معه (قبل الذهاب إليه، اشترى لي أبي قماشاً من المخمل البني، ومضينا به إلى خياط في طريق الواد، لكي يخيطه لي بنطالاً. قال إنه سوف يسلمنا البنطال بعد أسبوع، ثم أخبره أبي أننا ذاهبان لتناول الغداء في بيت كاتب الورشة). صعدنا درجاً معتماً شديد الوعورة، وجدنا كاتب الورشة في شقته الصغيرة، يحتسي مشروباً ما من زجاجة مركونة على حافة الطاولة التي يتربع فوقها مذياع. كان يحتسي مشروبه الغامض ويستمع إلى أغنيات عذبة يبثها المذياع. ابتهجت وأنا أصغي إلى المذياع، فها هي ذي المدينة تعوضني عن مذياع جدي الذي لم يعد، بعد أن لحق به الخراب، سوى صندوق من خشب لايثير أي فضول. ثم توجست خيفة من المشروب الذي يحتسيه، وازددت عجباً حينما رأيته يقنع أبي بأن يحتسي كأساً منه. بدا شيء من التردد على أبي، ثم أقنعه كاتب الورشة بالقول إنه شراب خفيف، وإن له ميزة أساسية هي مساعدة المعدة على هضم الطعام. صب لأبي كأساً، وقال إنه أوصى صاحب الفرن المجاور أن يعد لنا صينية فيها لحم مشوي مع الخضار.ابتدأ أبي يحتسي السائل الفوّار من كأسه، واستغربت كيف يقدم أبي على مثل هذا الأمر. كنت مسكوناً بالقصص المريعة عن الخمرة وشاربيها. استمعت إلى نسوة العائلة في ظهيرة أحد الأيام، وهن يتهامسن فيما بينهن، حول أحد الرجال المعروفين في قريتنا الذي عاد من المدينة وهو سكران، فلم يتمكن من الوصول إلى بيته، فارتمى غائباً عن الوعي على قارعة الطريق، ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، فقد مر عنه أناس من أبناء القرية، فلما اقتربوا منه لمساعدته على النهوض، وجدوا ملابسه ملطخة بالقيء، ورائحة كريهة تفوح منه.خشيت أن يتعرض أبي لمكروه بسبب هذه الكأس، وازددت قلقاً حينما راح كاتب الورشة يشرح لأبي، كيف تكسرت أسنانه الأمامية وهو يتعثر على درج البيت، فأيقنت أنه كان سكراناً أثناء هبوطه الدرج فلم يتمالك نفسه من السقوط. ويبدو أن أبي لاحظ قلقي، فأخذ يطمئنني بالقول إن هذا المشروب ليس خمراً، ولا يرتكب شاربه ذنباً أو معصية. شعرت ببعض الطمأنينة، ولما لاحظت أن كاتب الورشة لم يفقد عقله بعد أن شرب عدة زجاجات مع الغداء الشهي الذي رحنا نلتهمه معاً، غضضت النظر عن الموضوع. وفيما بعد عرفت أن الرجل النحيل كان يتحايل على بؤسه، باحتساء الصودا (المفاجأة التي أدخلت السرور إلى قلبي، تمثلت في مجيء الخياط إلى بيت كاتب الورشة ومعه بنطال المخمل. قال متباهياً وهو يفرد البنطال أمام عيوننا: وجدت نفسي متحمساً للعمل بعد الإجازة، بحيث استطعت الانتهاء منه في ساعتين. خلعت بنطالي القديم ولبست البنطال الجديد، ولم تكن فيه زيادة أو نقصان، وعدت مع أبي إلى البيت عصر ذلك اليوم وأنا أرتدي البنطال). أعود إلى متابعة الخلق في السو ......
#للمدينة42
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=737111
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة42
محمود شقير : ظل آخر للمدينة43
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير لشبابيك القدس القديمة وظائف كفاحية تبدت أيام الانتفاضة الأولى على هذا النحو أو ذاك. كانت الشبابيك العالية المطلة على الأزقة والحارات، تتحول إلى مواقع لسكب الزيت المغلي ولإسقاط أصص الورد المليئة بالتراب، على جنود الاحتلال الذين يتعقبون شباب الانتفاضة.نساء البيوت هن اللواتي كن يسكبن الزيت على الجنود، ويسقطن أصص الورد على رؤوسهم، ويراقبن في الوقت نفسه تحركاتهم عبر الشبابيك، يرشدن الشباب الذين يشتبكون مع الجنود في كر وفر، إلى أين يتجهون للنجاة من الاعتقال. إبان الانتفاضة الأولى، شهدت القدس انفتاحاً في العلاقات الاجتماعية. ودخلت النساء ساحة النضال الشعبي جنباً إلى جنب الرجال، وبدأت تتخلق قيم جديدة مبنية على احترام الكائن الإنساني سواء أكان رجلاً أم امرأة، وتراجعت إلى حد ما عناصر الشك والريبة في النساء، والخوف مما يمكن أن يتعرضن له أو يعرضن أنفسهن له من ممارسات، في حالة خروجهن إلى مواقع النضال أو إلى اجتماعات اللجان الشعبية، وما يترتب على ذلك من اختلاط بينهن وبين الرجال.غير أن ذلك لم يستمر إلا لبعض الوقت. تراجعت الانتفاضة بسبب إجراءات بيروقراطية وأخطاء، وتراجعت معها القيم الجديدة التي كانت على وشك أن تتجذر في وجدان الناس. وعاد المزاج المحافظ للانتعاش من جديد، وتفاقم القمع الإسرائيلي، وتصاعدت إجراءات تهويد القدس وإحكام السيطرة على المكان.من يرصد شبابيك القدس من الخارج يجد تعبيراً ما، عن حالة الصراع على المكان. تبدو الشبابيك حائلة الألوان، يأكلها الصدأ وبعضها مخلع الأباجورات، لا يأبه بها أهلها ولا يحيطونها بالعناية اللازمة. ويترافق مظهرها الكئيب مع مظهر الحيطان الحجرية التي تبدو كالحة هي الأخرى، ينمو العشب في الشقوق البارزة بين حجارتها، وتتجمع البيوت على أنفسها كما لو أنها تحمي أنفسها من ضربة قاصمة ستأتي بعد حين. وتظهر في فضاء الأسواق في البلدة القديمة بوابات متطامنة تنفتح على سراديب معتمة تفضي إلى أدراج، تقود بدورها إلى شقق سكنية قديمة تقاوم عسف الزمان، وتؤوي ساكنيها من المقدسيين الذين يتشبثون بالبقاء في مدينتهم، رغم كل إجراءات المحتلين الإسرائيليين التي تتهددهم باقتلاع.هنا تبدو المفارقة. فالمقدسيون ليسوا معنيين بالمشهد من خارجه. ولذلك يتركون للصدأ أن يأكل شبابيكهم وأباجوراتها. يتركون هذه الأباجورات عرضة للانخلاع ولضياع اللون تحت عسف الشمس والريح والمطر. إنهم معنيون بالمشهد من داخله، أي بالحيز الذي يتسع لهم ولأبنائهم. في القدس القديمة الآن ضائقة سكنية مريعة، زادتها حدة نية سلطات الاحتلال سحب هويات المقدسيين الذين يقيمون خارج القدس، ما يعني حرمانهم من العودة إليها. هذه النية المبيتة دفعت الآلاف من أهل المدينة الذين كانوا يقيمون في رام الله وبعض مدن أخرى في الضفة الغربية، إلى العودة إلى القدس للإقامة فيها. وبالطبع، فليس من السهل الحصول على ترخيص، لإضافة غرف أو لإقامة بناء جديد. والأسر تتكاثر والأولاد بحاجة إلى مساكن وإلى حيز أكبر مما هو متوفر. والمقدسيون يتفننون، تفنن المضطر، في تكييف الحيز المتاح لهم، وإعادة تقطيعه من الداخل، لخلق فرص استيعاب جديدة، ولضمان الاستمرار في الإقامة في المدينة. ولذلك، ليس غريباً أن يستثمر المقدسيون كل حيز متاح لهم لتحويله إلى غرف للسكن، ولا تلبث أن تظهر في الحيطان القديمة شبابيك مرتجلة، يجري استنباطها لكي تهب مخزناً مكرساً لاستيعاب الأثاث القديم، أو قبواً مهجوراً لا قيمة له، شيئاً من نور وبصيصاً من حياة. إنه اعتناء لا مثيل له بالحيز الداخلي، أمام ضائقة السكن تلك.ثم إن أي اعتناء بالمشهد من خارجه ......
#للمدينة43
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=738868
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير لشبابيك القدس القديمة وظائف كفاحية تبدت أيام الانتفاضة الأولى على هذا النحو أو ذاك. كانت الشبابيك العالية المطلة على الأزقة والحارات، تتحول إلى مواقع لسكب الزيت المغلي ولإسقاط أصص الورد المليئة بالتراب، على جنود الاحتلال الذين يتعقبون شباب الانتفاضة.نساء البيوت هن اللواتي كن يسكبن الزيت على الجنود، ويسقطن أصص الورد على رؤوسهم، ويراقبن في الوقت نفسه تحركاتهم عبر الشبابيك، يرشدن الشباب الذين يشتبكون مع الجنود في كر وفر، إلى أين يتجهون للنجاة من الاعتقال. إبان الانتفاضة الأولى، شهدت القدس انفتاحاً في العلاقات الاجتماعية. ودخلت النساء ساحة النضال الشعبي جنباً إلى جنب الرجال، وبدأت تتخلق قيم جديدة مبنية على احترام الكائن الإنساني سواء أكان رجلاً أم امرأة، وتراجعت إلى حد ما عناصر الشك والريبة في النساء، والخوف مما يمكن أن يتعرضن له أو يعرضن أنفسهن له من ممارسات، في حالة خروجهن إلى مواقع النضال أو إلى اجتماعات اللجان الشعبية، وما يترتب على ذلك من اختلاط بينهن وبين الرجال.غير أن ذلك لم يستمر إلا لبعض الوقت. تراجعت الانتفاضة بسبب إجراءات بيروقراطية وأخطاء، وتراجعت معها القيم الجديدة التي كانت على وشك أن تتجذر في وجدان الناس. وعاد المزاج المحافظ للانتعاش من جديد، وتفاقم القمع الإسرائيلي، وتصاعدت إجراءات تهويد القدس وإحكام السيطرة على المكان.من يرصد شبابيك القدس من الخارج يجد تعبيراً ما، عن حالة الصراع على المكان. تبدو الشبابيك حائلة الألوان، يأكلها الصدأ وبعضها مخلع الأباجورات، لا يأبه بها أهلها ولا يحيطونها بالعناية اللازمة. ويترافق مظهرها الكئيب مع مظهر الحيطان الحجرية التي تبدو كالحة هي الأخرى، ينمو العشب في الشقوق البارزة بين حجارتها، وتتجمع البيوت على أنفسها كما لو أنها تحمي أنفسها من ضربة قاصمة ستأتي بعد حين. وتظهر في فضاء الأسواق في البلدة القديمة بوابات متطامنة تنفتح على سراديب معتمة تفضي إلى أدراج، تقود بدورها إلى شقق سكنية قديمة تقاوم عسف الزمان، وتؤوي ساكنيها من المقدسيين الذين يتشبثون بالبقاء في مدينتهم، رغم كل إجراءات المحتلين الإسرائيليين التي تتهددهم باقتلاع.هنا تبدو المفارقة. فالمقدسيون ليسوا معنيين بالمشهد من خارجه. ولذلك يتركون للصدأ أن يأكل شبابيكهم وأباجوراتها. يتركون هذه الأباجورات عرضة للانخلاع ولضياع اللون تحت عسف الشمس والريح والمطر. إنهم معنيون بالمشهد من داخله، أي بالحيز الذي يتسع لهم ولأبنائهم. في القدس القديمة الآن ضائقة سكنية مريعة، زادتها حدة نية سلطات الاحتلال سحب هويات المقدسيين الذين يقيمون خارج القدس، ما يعني حرمانهم من العودة إليها. هذه النية المبيتة دفعت الآلاف من أهل المدينة الذين كانوا يقيمون في رام الله وبعض مدن أخرى في الضفة الغربية، إلى العودة إلى القدس للإقامة فيها. وبالطبع، فليس من السهل الحصول على ترخيص، لإضافة غرف أو لإقامة بناء جديد. والأسر تتكاثر والأولاد بحاجة إلى مساكن وإلى حيز أكبر مما هو متوفر. والمقدسيون يتفننون، تفنن المضطر، في تكييف الحيز المتاح لهم، وإعادة تقطيعه من الداخل، لخلق فرص استيعاب جديدة، ولضمان الاستمرار في الإقامة في المدينة. ولذلك، ليس غريباً أن يستثمر المقدسيون كل حيز متاح لهم لتحويله إلى غرف للسكن، ولا تلبث أن تظهر في الحيطان القديمة شبابيك مرتجلة، يجري استنباطها لكي تهب مخزناً مكرساً لاستيعاب الأثاث القديم، أو قبواً مهجوراً لا قيمة له، شيئاً من نور وبصيصاً من حياة. إنه اعتناء لا مثيل له بالحيز الداخلي، أمام ضائقة السكن تلك.ثم إن أي اعتناء بالمشهد من خارجه ......
#للمدينة43
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=738868
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة43
محمود شقير : ظل آخر للمدينة44
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في زمان الهزيمة، أكثرت أنا والأصدقاء، من الجلوس في المقاهي، وفي محلات المرطبات، وذلك لطرد السأم، وللاستمرار في تقليد درج عليه أبناء الطبقة الوسطى منذ سنوات. وكنا ننطلق بين الحين والآخر نحو الجزء الغربي من المدينة، نسير في شارع يافا، أو نذهب إلى حي الطالبية، أو حي القطمون، حيث سكن الموسرون من الفلسطينيين قبل نكبة 1948، ثم اضطروا إلى مغادرة بيوتهم تحت وطأة القصف، ليسكنها من بعدهم يهود قادمون من مختلف بقاع الدنيا (سأذهب إلى حي القطمون في القدس الغربية صحبة فريق تصوير تلفزيوني، نبحث في الحي عن بيت خليل السكاكيني الذي بناه أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، لكي يستقر فيه هو وزوجته سلطانة بعد سنوات من التعب والشقاء. تموت الزوجة بعد سنتين من الإقامة في البيت، ثم تقع النكبة الفلسطينية ولا يعود خليل السكاكيني أو أي أحد من أفراد أسرته قادراً على الوصول إلى البيت. نصل البيت بعد أكثر من سبعين عاماً من تشييده. نجد في الطابق الأرضي أسرة يهودية مكونة من رجل عجوز وامرأة، وفي الطابق العلوي روضة للأطفال الإسرائيليين. تقوم المصورة بتصوير البيت من الداخل والخارج، وتقوم بتصويري وأنا أتحدث عن حياة خليل السكاكيني وحبه الشديد لزوجته، وعن دوره في إثراء الثقافة الوطنية الفلسطينية بأفكاره ذات البعد العلماني التنويري). ونعود إلى البلدة القديمة ممتلئين كدراً، بسبب النظرات المتعالية التي يمارسها علينا الجنود الإسرائيليون، ونزداد كدراً حينما نرى كثرة من أبناء مدينتنا وقد تحولوا إلى تجار بسطات، يبيعون للإسرائيليين المنتشرين في المدينة، كل ما يخطر وما لا يخطر على البال من سلع خفيفة: ملاعق، صحون، مزهريات، أمشاط، مرايا، كؤوس، عقود من لؤلؤ رخيص، قلائد من خرز ملون، جواعد، بسط مشغولة باليد، مخدات وشراشف، شلحات للنساء وحمّالات لصدورهن وسراويل داخلية وجرابات، وأشياء أخرى كثيرة. كثيرون من الناس فقدوا أعمالهم ووظائفهم، فتحولوا إلى باعة لتدبير لقمة العيش، حتى إن أناساً اضطروا إلى المتاجرة ببعض ما تحتويه بيوتهم من أثاث قديم نادر، أو مقتنيات شعبية، فأقبل المنتصرون على ارتياد أسواق المدينة لشراء ما يروقهم من سلع بأرخص الأسعار. تتحكم غريزة البقاء في الجموع الهائمة على وجوهها في الأسابيع الأولى للهزيمة، ويصبح التفكير في أمر الوطن مؤجلاً إلى حين. تهيمن أخلاقيات القطيع على المشهد المنكسر، ويلذّ للمنتصرين أن يسمعوا مفردات لغتهم وهي تتردد بمثل هذه السرعة على أفواه المهزومين: بكشاه أدوني (تفضل يا سيدي)، بكشاه جفيرت (تفضلي يا سيدة)، بليرة، بليرة أحات أدوني (بليرة، بليرة واحدة يا سيدي).وبسبب هذا الوضع غير الطبيعي، تعطلت الحياة الثقافية في المدينة، فاحتجبت صحيفة القدس عن الظهور. وأصبحت صحيفة الاتحاد الحيفاوية توزع في القدس العربية، بعد إعلان ضمها إلى إسرائيل، واعتبارها عاصمتها إلى الأبد! كانت لغة الجريدة المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفضها للاحتلال، تمدنا ببعض العزاء. كتبت قصتي الأولى بعد الاحتلال، وهي بعنوان "البلدة القديمة" أتحدث فيها عن معاناة بطلها فرج الحافي الذي قرر الذهاب من قريته إلى القدس لأداء الصلاة في مسجدها، ثم إنه تعرض للأذى على أيدي جنود الاحتلال. وكي لا أتعرض بدوري للأذى، وقّعت القصة عندما نشرتها في الاتحاد، باسم مستعار هو "ربحي حافظ". وحينما عادت صحيفة القدس للظهور أوائل العام 1968، قابلنا عودتها بفتور، معتبرين أنها محاولة لتطبيع حياتنا مع الاحتلال، فنظمنا مقاطعة لها، فلم نحرز نجاحاً يذكر ربما بسبب حاجة الناس إلى صحيفة يومية. وفيما بعد أوقفنا المقاطعة، ثم نشر ......
#للمدينة44
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=739978
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في زمان الهزيمة، أكثرت أنا والأصدقاء، من الجلوس في المقاهي، وفي محلات المرطبات، وذلك لطرد السأم، وللاستمرار في تقليد درج عليه أبناء الطبقة الوسطى منذ سنوات. وكنا ننطلق بين الحين والآخر نحو الجزء الغربي من المدينة، نسير في شارع يافا، أو نذهب إلى حي الطالبية، أو حي القطمون، حيث سكن الموسرون من الفلسطينيين قبل نكبة 1948، ثم اضطروا إلى مغادرة بيوتهم تحت وطأة القصف، ليسكنها من بعدهم يهود قادمون من مختلف بقاع الدنيا (سأذهب إلى حي القطمون في القدس الغربية صحبة فريق تصوير تلفزيوني، نبحث في الحي عن بيت خليل السكاكيني الذي بناه أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، لكي يستقر فيه هو وزوجته سلطانة بعد سنوات من التعب والشقاء. تموت الزوجة بعد سنتين من الإقامة في البيت، ثم تقع النكبة الفلسطينية ولا يعود خليل السكاكيني أو أي أحد من أفراد أسرته قادراً على الوصول إلى البيت. نصل البيت بعد أكثر من سبعين عاماً من تشييده. نجد في الطابق الأرضي أسرة يهودية مكونة من رجل عجوز وامرأة، وفي الطابق العلوي روضة للأطفال الإسرائيليين. تقوم المصورة بتصوير البيت من الداخل والخارج، وتقوم بتصويري وأنا أتحدث عن حياة خليل السكاكيني وحبه الشديد لزوجته، وعن دوره في إثراء الثقافة الوطنية الفلسطينية بأفكاره ذات البعد العلماني التنويري). ونعود إلى البلدة القديمة ممتلئين كدراً، بسبب النظرات المتعالية التي يمارسها علينا الجنود الإسرائيليون، ونزداد كدراً حينما نرى كثرة من أبناء مدينتنا وقد تحولوا إلى تجار بسطات، يبيعون للإسرائيليين المنتشرين في المدينة، كل ما يخطر وما لا يخطر على البال من سلع خفيفة: ملاعق، صحون، مزهريات، أمشاط، مرايا، كؤوس، عقود من لؤلؤ رخيص، قلائد من خرز ملون، جواعد، بسط مشغولة باليد، مخدات وشراشف، شلحات للنساء وحمّالات لصدورهن وسراويل داخلية وجرابات، وأشياء أخرى كثيرة. كثيرون من الناس فقدوا أعمالهم ووظائفهم، فتحولوا إلى باعة لتدبير لقمة العيش، حتى إن أناساً اضطروا إلى المتاجرة ببعض ما تحتويه بيوتهم من أثاث قديم نادر، أو مقتنيات شعبية، فأقبل المنتصرون على ارتياد أسواق المدينة لشراء ما يروقهم من سلع بأرخص الأسعار. تتحكم غريزة البقاء في الجموع الهائمة على وجوهها في الأسابيع الأولى للهزيمة، ويصبح التفكير في أمر الوطن مؤجلاً إلى حين. تهيمن أخلاقيات القطيع على المشهد المنكسر، ويلذّ للمنتصرين أن يسمعوا مفردات لغتهم وهي تتردد بمثل هذه السرعة على أفواه المهزومين: بكشاه أدوني (تفضل يا سيدي)، بكشاه جفيرت (تفضلي يا سيدة)، بليرة، بليرة أحات أدوني (بليرة، بليرة واحدة يا سيدي).وبسبب هذا الوضع غير الطبيعي، تعطلت الحياة الثقافية في المدينة، فاحتجبت صحيفة القدس عن الظهور. وأصبحت صحيفة الاتحاد الحيفاوية توزع في القدس العربية، بعد إعلان ضمها إلى إسرائيل، واعتبارها عاصمتها إلى الأبد! كانت لغة الجريدة المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفضها للاحتلال، تمدنا ببعض العزاء. كتبت قصتي الأولى بعد الاحتلال، وهي بعنوان "البلدة القديمة" أتحدث فيها عن معاناة بطلها فرج الحافي الذي قرر الذهاب من قريته إلى القدس لأداء الصلاة في مسجدها، ثم إنه تعرض للأذى على أيدي جنود الاحتلال. وكي لا أتعرض بدوري للأذى، وقّعت القصة عندما نشرتها في الاتحاد، باسم مستعار هو "ربحي حافظ". وحينما عادت صحيفة القدس للظهور أوائل العام 1968، قابلنا عودتها بفتور، معتبرين أنها محاولة لتطبيع حياتنا مع الاحتلال، فنظمنا مقاطعة لها، فلم نحرز نجاحاً يذكر ربما بسبب حاجة الناس إلى صحيفة يومية. وفيما بعد أوقفنا المقاطعة، ثم نشر ......
#للمدينة44
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=739978
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة44
محمود شقير : ظل آخر للمدينة45
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير نذهب، أنا وصديقان آخران، ذات صباح إلى بلدة شفا عمرو، التي لا تبعد كثيراً عن الناصرة، ولا تبعد كثيراً عن حيفا. نتجه إلى بيت صديقنا إلياس نصر الله (كان طالباً في الجامعة العبرية بالقدس آنذاك، وهو يعمل صحافياً في لندن هذه الأيام). مزاج الشباب الذين التقيناهم في شفا عمرو أميل إلى السخرية والرغبة في إطلاق النكات، أما نحن القادمين من القدس، فلم نكن نحبذ الإفراط في الضحك. ثم أدركنا فيما بعد، أن هذا الجزء من شعبنا، الباقي في وطنه، إنما يستعين بالسخرية وبالنكتة وبالضحك، لتحمل ما ابتلي به من جور وأذى، ولمواجهة ما تخبئه له في جعبتها السلطة الإسرائيلية من مفاجآت. نتجه من شفا عمرو إلى الناصرة. هناك، في المكتبة الشعبية، نلتقي صدفة، إميل حبيبي، ممثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الكنيست، الكاتب والصحافي الذي ينشر مقالات سياسية بشكل منتظم في صحيفة الاتحاد، وينشر كذلك بعض القصص في مجلة الجديد. لم يكن إميل قد أصدر بعد "سداسية الأيام الستة"، ولم يكن قد شرع في كتابة روايته الشهيرة "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل". يدور بيننا حديث عابر ثم نتفرق، لنلتقي بعد ذلك لقاءات كثيرة. نتوجه إلى حيفا ليلاً، ننبهر بالأضواء المنبعثة من جبل الكرمل، نجوب شوارع المدينة بلهفة، فلطالما أبصرنا بعض صورها على جدران الغرف في مدارسنا، وقد كتب تحتها بخط بارز: حيفا عروس البحر تناديكم. نسير في شوارعها على غير هدى ونحن نتنقل في مدى واسع يبدأ من ذاكرة مجروحة، وينتهي بواقع صلد لا يقيم للمشاعر الإنسانية وزنا أو قيمة. نسير، نتوقف، نتلفت، نشير بأيدينا في كل اتجاه، نتأوه، نمعن في التأمل، نقارن بين ما نختزنه في الذاكرة من قراءات، وما نراه ماثلاً أمام أعيننا من وقائع جديدة لا تمثلنا، ثم فجأة، يتوقف كل شيء، تقترب منا سيارة، يهبط منها رجال شرطة مسلحون، يحشروننا في السيارة، يقتادوننا إلى مخفر للشرطة، نخضع لتحقيق كريه، يعيد لنا الإحساس بأننا لا نملك حرية التجوال في حيفا كما نشتهي، أو كما نشاء. يطلقون سراحنا بعد التثبت من هوياتنا، نعود إلى شفا عمرو لقضاء ليلة أخيرة فيها. نحمل حقائبنا في الصباح متجهين من جديد إلى حيفا، نقصد مكاتب صحيفة الاتحاد، حيث يعمل الشاعران محمود درويش وسميح القاسم اللذان أتيح لنا، عبر ما كتبه عنهما، وعن غيرهما، غسان كنفاني قبل النكسة (التقيته العام 1965 في بيته وفي مكتبه بصحيفة المحرر البيروتية)، أن نتعرف إلى بعض ما كتباه من أشعار، كان لها في نفوسنا وقع المفاجأة، ثم واصلنا قراءة ما يقومان بنشره من أشعار في مجلة الجديد وفي صحيفة الاتحاد الحيفاويتين، فتصادف أن ذلك اليوم كان يوم عيد تعطل فيه الاتحاد، فلم يقيض لنا أن نلتقيهما، ولم يتحقق هذا اللقاء بيني وبين محمود درويش، أول مرة، إلا في بيروت، حينما وصلتها مبعداً من سجن بيت ليد العام 1975. كان محمود آنذاك يشغل موقع رئيس تحرير مجلة "شؤون فلسطينية" الصادرة عن مركز الأبحاث الفلسطيني. وما زلت أذكر ذلك اللقاء الذي أعقب تعارفنا بأشهر، وجرى في بيتي الذي سكنته بالقرب من مبنى جامعة بيروت العربية. جاء محمود إلى البيت في المساء، وانعقدت بشكل تلقائي سهرة ممتعة، حضرها الكاتب عدي مدانات القادم من عمان، والفنان مصطفى الكرد القادم من القدس، والشاعر عز الدين المناصرة والناقد السينمائي عدنان مدانات، اللذان كانا يقيمان في بيروت. انتبهت في ذلك اللقاء إلى معرفة محمود الواسعة وإلى ثقافته العميقة وحدته في بعض الأحيان ، وهو يحاور الحضور حول الأغنية الثورية شكلاً ومضموناً، والنقد الأدبي ودوره في تطوير العملية الإبداعية، وق ......
#للمدينة45
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=742770
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير نذهب، أنا وصديقان آخران، ذات صباح إلى بلدة شفا عمرو، التي لا تبعد كثيراً عن الناصرة، ولا تبعد كثيراً عن حيفا. نتجه إلى بيت صديقنا إلياس نصر الله (كان طالباً في الجامعة العبرية بالقدس آنذاك، وهو يعمل صحافياً في لندن هذه الأيام). مزاج الشباب الذين التقيناهم في شفا عمرو أميل إلى السخرية والرغبة في إطلاق النكات، أما نحن القادمين من القدس، فلم نكن نحبذ الإفراط في الضحك. ثم أدركنا فيما بعد، أن هذا الجزء من شعبنا، الباقي في وطنه، إنما يستعين بالسخرية وبالنكتة وبالضحك، لتحمل ما ابتلي به من جور وأذى، ولمواجهة ما تخبئه له في جعبتها السلطة الإسرائيلية من مفاجآت. نتجه من شفا عمرو إلى الناصرة. هناك، في المكتبة الشعبية، نلتقي صدفة، إميل حبيبي، ممثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الكنيست، الكاتب والصحافي الذي ينشر مقالات سياسية بشكل منتظم في صحيفة الاتحاد، وينشر كذلك بعض القصص في مجلة الجديد. لم يكن إميل قد أصدر بعد "سداسية الأيام الستة"، ولم يكن قد شرع في كتابة روايته الشهيرة "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل". يدور بيننا حديث عابر ثم نتفرق، لنلتقي بعد ذلك لقاءات كثيرة. نتوجه إلى حيفا ليلاً، ننبهر بالأضواء المنبعثة من جبل الكرمل، نجوب شوارع المدينة بلهفة، فلطالما أبصرنا بعض صورها على جدران الغرف في مدارسنا، وقد كتب تحتها بخط بارز: حيفا عروس البحر تناديكم. نسير في شوارعها على غير هدى ونحن نتنقل في مدى واسع يبدأ من ذاكرة مجروحة، وينتهي بواقع صلد لا يقيم للمشاعر الإنسانية وزنا أو قيمة. نسير، نتوقف، نتلفت، نشير بأيدينا في كل اتجاه، نتأوه، نمعن في التأمل، نقارن بين ما نختزنه في الذاكرة من قراءات، وما نراه ماثلاً أمام أعيننا من وقائع جديدة لا تمثلنا، ثم فجأة، يتوقف كل شيء، تقترب منا سيارة، يهبط منها رجال شرطة مسلحون، يحشروننا في السيارة، يقتادوننا إلى مخفر للشرطة، نخضع لتحقيق كريه، يعيد لنا الإحساس بأننا لا نملك حرية التجوال في حيفا كما نشتهي، أو كما نشاء. يطلقون سراحنا بعد التثبت من هوياتنا، نعود إلى شفا عمرو لقضاء ليلة أخيرة فيها. نحمل حقائبنا في الصباح متجهين من جديد إلى حيفا، نقصد مكاتب صحيفة الاتحاد، حيث يعمل الشاعران محمود درويش وسميح القاسم اللذان أتيح لنا، عبر ما كتبه عنهما، وعن غيرهما، غسان كنفاني قبل النكسة (التقيته العام 1965 في بيته وفي مكتبه بصحيفة المحرر البيروتية)، أن نتعرف إلى بعض ما كتباه من أشعار، كان لها في نفوسنا وقع المفاجأة، ثم واصلنا قراءة ما يقومان بنشره من أشعار في مجلة الجديد وفي صحيفة الاتحاد الحيفاويتين، فتصادف أن ذلك اليوم كان يوم عيد تعطل فيه الاتحاد، فلم يقيض لنا أن نلتقيهما، ولم يتحقق هذا اللقاء بيني وبين محمود درويش، أول مرة، إلا في بيروت، حينما وصلتها مبعداً من سجن بيت ليد العام 1975. كان محمود آنذاك يشغل موقع رئيس تحرير مجلة "شؤون فلسطينية" الصادرة عن مركز الأبحاث الفلسطيني. وما زلت أذكر ذلك اللقاء الذي أعقب تعارفنا بأشهر، وجرى في بيتي الذي سكنته بالقرب من مبنى جامعة بيروت العربية. جاء محمود إلى البيت في المساء، وانعقدت بشكل تلقائي سهرة ممتعة، حضرها الكاتب عدي مدانات القادم من عمان، والفنان مصطفى الكرد القادم من القدس، والشاعر عز الدين المناصرة والناقد السينمائي عدنان مدانات، اللذان كانا يقيمان في بيروت. انتبهت في ذلك اللقاء إلى معرفة محمود الواسعة وإلى ثقافته العميقة وحدته في بعض الأحيان ، وهو يحاور الحضور حول الأغنية الثورية شكلاً ومضموناً، والنقد الأدبي ودوره في تطوير العملية الإبداعية، وق ......
#للمدينة45
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=742770
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة45
محمود شقير : ظل آخر للمدينة46
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الأثناء، بعد الذهاب إلى شفاعمرو وحيفا، يعاودني الحنين إلى كتابة القصة القصيرة، فأكتب قصة بعنوان "الخروج" أقوم بنشرها في مجلة "الجديد". ولا تلبث مشاغل العمل السياسي المباشر أن تصرفني من جديد عن الكتابة القصصية، ثم أغرق في قراءة مجموعة من الوثائق عن فترة الثورة الفلسطينية الكبرى العام 1936 وما تلاها من تطورات. كانت الاعتقالات في الذكرى الثانية لهزيمة حزيران وما تلاها من شهور لا تتوقف، ولا يسلم من أذاها أحد من النشطاء السياسيين، أو من المنتمين إلى التنظيمات المسلحة. وكنت منكباً في تلك الليلة ( 27 / 7 / 1969) على قراءة الكتاب الأبيض الذي أصدرته لجنة أنجلو _ أمريكية لتقصي الحقائق في فلسطين، إثر اندلاع ثورة 1936. سمعت أصوات سيارات تتوقف عند ساحة بئرنا الغربية، خمنت أن أمراً غير عادي يحدث من حولي. نهضت مسرعاً، أخرجت بطاقة هويتي من جيب بنطالي المعلق على مشجب في غرفة نومي. فتحت باب البيت، وأنا أتأهب لمغادرته. فوجئت بالجنود وقد طوقوا البيت من جميع الجهات، فألقوا القبض علي، ثم قاموا بتفتيش البيت. وبعد ذلك، انطلقوا بي إلى سجن المسكوبية، الذي تفصله عن بيتنا مسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات. *** كانت لسجن المسكوبية سمعة مخيفة، ففي زنازينه استشهد عدد من المناضلين الوطنيين تحت التعذيب (قاسم أبو عكر مثلاً). أغادر في تلك الليلة بيتي معصوب العينين في سيارة عسكرية، يملأها الجنود. تجيش نفسي بمشاعر شتى، أتهيأ لمواجهات ساخنة وأنا أغالب خوفي مما سأتعرض له من أذى. بعد أقل من عشرين دقيقة، تتوقف السيارة. يقتادني أحدهم خارجها، ثم ينزع العصبة عن عيني. ثمة ساحة ترابية فيها أشجار سامقة، أمام مبنى قديم. أرى أشخاصاً يقفون ووجوههم متجهة نحو السور الذي يحيط بالبناية. أشعر بقشعريرة تغزو بدني. أدخل المبنى، ثمة إضاءة قوية في الداخل. الضابط المكلف باعتقالي يأمرني بأن أجلس على كرسي في زاوية الردهة. أجلس وأنا أرتجف. أحاول أن أمارس ضغطاً على عضلات وجهي وكتفي وأطرافي، لعلها تكف عن الارتجاف، فلم أفلح. أتمنى بيني وبين نفسي لو أنهم يبادرون إلى التحقيق معي فوراً، لأن الانتظار يربكني. أحدق في كل شيء تقع عليه عيناي، يغيظني الظهور الاستعراضي للمحققين، بعضلات أذرعهم النافرة. أحدهم يتوقف بالقرب مني، وهو يحدجني بنظرات حادة. أخيراً، جاء المحقق. دعاني إلى إحدى غرف التحقيق. جلس خلف مكتب وجلست قبالته. كان يتظاهر بدماثة الخلق. أخبرني أنه سيوفر علي الكثير من الضرب والإهانات لاعتقاده أنني مثقف، وينبغي علي ألا أعرض نفسي للإهانة. وقال إنه سيكتفي بطرح عشرة أسئلة علي، فإذا أجبته عنها، فإن بإمكاني العودة إلى البيت قبل شروق الشمس. بدأ بسؤال عن اسمي ومكان سكني ووظيفتي، فأجبته. ثم طلب مني أن أذكر أسماء من ألتقي بهم دائماً من أصدقائي. أخبرته أنني لا أستطيع ذلك، لأن التلفظ بأسماء أصدقائي في مكتب للتحقيق يعتبر إساءة لهم. لم تعجبه إجابتي. لاحظت فجأة أنني توقفت عن الارتجاف، وسيطر علي إحساس بالخدر، فازددت ثقة في نفسي، وتشجعت على مزيد من المواجهة.قال إن إحجامي عن ذكر أسماء أصدقائي يعني أن ثمة أمراً ما يدفعني إلى ذلك، ما يجعله يتشكك في براءتي وبراءتهم، وإلا لكنت نطقت بأسمائهم.قلت إن علاقتي بأصدقائي هي واحدة من خصوصياتي، وليس من اللياقة أن أعرّض هذه العلاقة للانتهاك. قال إن هذا الأمر يقود إلى نتائج غير سارة، منها أنني لن أخرج من هذا المكان في وقت قريب، وسوف أعرض نفسي للضرب وللإهانات. داهمني الخوف من جديد، ولكن دون ارتجاف ......
#للمدينة46
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=749234
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الأثناء، بعد الذهاب إلى شفاعمرو وحيفا، يعاودني الحنين إلى كتابة القصة القصيرة، فأكتب قصة بعنوان "الخروج" أقوم بنشرها في مجلة "الجديد". ولا تلبث مشاغل العمل السياسي المباشر أن تصرفني من جديد عن الكتابة القصصية، ثم أغرق في قراءة مجموعة من الوثائق عن فترة الثورة الفلسطينية الكبرى العام 1936 وما تلاها من تطورات. كانت الاعتقالات في الذكرى الثانية لهزيمة حزيران وما تلاها من شهور لا تتوقف، ولا يسلم من أذاها أحد من النشطاء السياسيين، أو من المنتمين إلى التنظيمات المسلحة. وكنت منكباً في تلك الليلة ( 27 / 7 / 1969) على قراءة الكتاب الأبيض الذي أصدرته لجنة أنجلو _ أمريكية لتقصي الحقائق في فلسطين، إثر اندلاع ثورة 1936. سمعت أصوات سيارات تتوقف عند ساحة بئرنا الغربية، خمنت أن أمراً غير عادي يحدث من حولي. نهضت مسرعاً، أخرجت بطاقة هويتي من جيب بنطالي المعلق على مشجب في غرفة نومي. فتحت باب البيت، وأنا أتأهب لمغادرته. فوجئت بالجنود وقد طوقوا البيت من جميع الجهات، فألقوا القبض علي، ثم قاموا بتفتيش البيت. وبعد ذلك، انطلقوا بي إلى سجن المسكوبية، الذي تفصله عن بيتنا مسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات. *** كانت لسجن المسكوبية سمعة مخيفة، ففي زنازينه استشهد عدد من المناضلين الوطنيين تحت التعذيب (قاسم أبو عكر مثلاً). أغادر في تلك الليلة بيتي معصوب العينين في سيارة عسكرية، يملأها الجنود. تجيش نفسي بمشاعر شتى، أتهيأ لمواجهات ساخنة وأنا أغالب خوفي مما سأتعرض له من أذى. بعد أقل من عشرين دقيقة، تتوقف السيارة. يقتادني أحدهم خارجها، ثم ينزع العصبة عن عيني. ثمة ساحة ترابية فيها أشجار سامقة، أمام مبنى قديم. أرى أشخاصاً يقفون ووجوههم متجهة نحو السور الذي يحيط بالبناية. أشعر بقشعريرة تغزو بدني. أدخل المبنى، ثمة إضاءة قوية في الداخل. الضابط المكلف باعتقالي يأمرني بأن أجلس على كرسي في زاوية الردهة. أجلس وأنا أرتجف. أحاول أن أمارس ضغطاً على عضلات وجهي وكتفي وأطرافي، لعلها تكف عن الارتجاف، فلم أفلح. أتمنى بيني وبين نفسي لو أنهم يبادرون إلى التحقيق معي فوراً، لأن الانتظار يربكني. أحدق في كل شيء تقع عليه عيناي، يغيظني الظهور الاستعراضي للمحققين، بعضلات أذرعهم النافرة. أحدهم يتوقف بالقرب مني، وهو يحدجني بنظرات حادة. أخيراً، جاء المحقق. دعاني إلى إحدى غرف التحقيق. جلس خلف مكتب وجلست قبالته. كان يتظاهر بدماثة الخلق. أخبرني أنه سيوفر علي الكثير من الضرب والإهانات لاعتقاده أنني مثقف، وينبغي علي ألا أعرض نفسي للإهانة. وقال إنه سيكتفي بطرح عشرة أسئلة علي، فإذا أجبته عنها، فإن بإمكاني العودة إلى البيت قبل شروق الشمس. بدأ بسؤال عن اسمي ومكان سكني ووظيفتي، فأجبته. ثم طلب مني أن أذكر أسماء من ألتقي بهم دائماً من أصدقائي. أخبرته أنني لا أستطيع ذلك، لأن التلفظ بأسماء أصدقائي في مكتب للتحقيق يعتبر إساءة لهم. لم تعجبه إجابتي. لاحظت فجأة أنني توقفت عن الارتجاف، وسيطر علي إحساس بالخدر، فازددت ثقة في نفسي، وتشجعت على مزيد من المواجهة.قال إن إحجامي عن ذكر أسماء أصدقائي يعني أن ثمة أمراً ما يدفعني إلى ذلك، ما يجعله يتشكك في براءتي وبراءتهم، وإلا لكنت نطقت بأسمائهم.قلت إن علاقتي بأصدقائي هي واحدة من خصوصياتي، وليس من اللياقة أن أعرّض هذه العلاقة للانتهاك. قال إن هذا الأمر يقود إلى نتائج غير سارة، منها أنني لن أخرج من هذا المكان في وقت قريب، وسوف أعرض نفسي للضرب وللإهانات. داهمني الخوف من جديد، ولكن دون ارتجاف ......
#للمدينة46
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=749234
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة46
محمود شقير : ظل آخر للمدينة 47
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند اقتراب الفجر، جاء ضابط المخابرات الذي اعتقلني، وقد أرهقني الوقوف طوال ساعات في مواجهة السور. طلب مني أن أتبعه، كان طويلاً نحيفاً وعلى وجهه براءة لا تؤهله لمثل هذه المهنة اللئيمة، خصوصاً حينما لاحظت أنه يراقبني بحذر، ونحن نسير جنباً إلى جنب نحو سجن المسكوبية القريب. لم أكن متيقناً من حقيقة مشاعره تجاهي، هل كان يراقبني بطرف عينه خوفاً من أن أهرب؟ فيتحمل المسؤولية عن ذلك، أم إن نحافتي المفرطة التي كانت تفوق نحافته حدّة، كانت تشعره بالإشفاق علي مما سأكابده لاحقاً في السجن على أيدي السجانين والمحققين؟ أو لعله لم يكن مقتنعاً بأن شخصاً في مثل نحافتي، يمكن أن يكون خطراً على أمن إسرائيل، إلى الحد الذي يضطره إلى الابتعاد عن زوجته وأطفاله والانشغال بأمر اعتقالي كل هذا الوقت، لا أدري بالضبط. لكنني مضيت إلى جانبه، لا أسمع سوى طرقات أحذيتنا على إسفلت الشارع الصاعد من مكاتب التحقيق إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، الذي يقع على تخوم القدس الشرقية. كنت أسير في ذلك الفجر الصيفي الهادئ، وحيداً إلى جانب ذلك الضابط الإسرائيلي الذي يأخذني إلى السجن. والقدس تنام الآن في سكون الفجر، وستصحو بعد قليل من نومها، فتعرف أنني لم أعد قادراً على التجوال في شوارعها وأزقتها، فتضيف إلى أحزانها المتراكمة حزناً جديداً. أسير صامتاً، متهيباً مما تبيته لي الأيام القادمة، ويسير الضابط صامتاً. نقترب من ساحة المسكوبية، التي لم تكن سجناً في الأصل، بل: "مؤسسة معدة لاستقبال الزوار الروس في الأعياد والمواسم، يديرها رهبان وراهبات من الروس أنفسهم، يحيط ببنائها الفخم وكنيستها الكبرى حدائق وكروم زيتون على التلال والأودية، يتألف من مجموع ذلك مناظر رائعة يرى منها جبل الطور والأبنية التاريخية البارزة بقببها ومآذنها وقواعد أجراسها، مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه مهما كان مثقلاً بالأتعاب فكراً وجسماً" وذلك كما يصفها مصطفى مراد الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين". الآن لا وجود لحدائق حول المكان. ولم أر سوى بناية قديمة متجهمة، تعلو السور المحيط بها شبكة من الأسلاك الشائكة.انفتح الباب، فألفيتني بين حشد من رجال الشرطة. جردوني من بطاقة هويتي، ومن نقودي التي كانت في جيبي، ومن ساعة يدي، ورباط حذائي، وحزامي، ثم اقتادوني عبر ممر طويل إلى حيث توجد زنزانة انفرادية، مضاءة ليل نهار، "مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه"، فلم أذق فيها طعم النوم ليلتين متواصلتين، بسبب قوة الضوء المنبعث من سقفها، وبسبب القلق الذي يتنامى في القلب كلما طال الانتظار. *** حينما تعرفت عليها، في ذلك المكتب قرب شارع يافا، حدثتها عما كابدته في السجن. لم أكن من الراغبين في اصطناع البطولات. كنت واضحاً منذ اللحظة الأولى. قلت إن ما كابدته لا يساوي عشر معشار ما كابده غيري من المعتقلين، خصوصاً أولئك الذين كانت توجه لهم تهم المشاركة في العمل المسلح ضد الاحتلال. وضعت في زنزانة لا يزيد طولها عن 90 سنتيمتراً، ولا يزيد عرضها عن 80 سنتيمتراً، في سجن صرفند العسكري. لم يكن ما واجهته أثناء ذلك على أيدي المحققين شيئاً يذكر، إذا ما قيس بما واجهه ذلك المعتقل الذي لم أعرف عنه شيئاً، سوى صراخه الرهيب الذي كان يطلقه دون توقيت معلوم. يأتي المحققون إليه في أية ساعة يشاؤون، يبدأون حفلتهم المفزعة معه، فيبدأ صراخه الذي يثير الرعب في النفوس. رويت لتميمة كل شيء. كانت تحب أن تسمي نفسها "تمام" لكي يكون اسمها مألوفاً لدي. تميمة تتألم لما ألمّ بي من أذى، أخبره ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753729
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند اقتراب الفجر، جاء ضابط المخابرات الذي اعتقلني، وقد أرهقني الوقوف طوال ساعات في مواجهة السور. طلب مني أن أتبعه، كان طويلاً نحيفاً وعلى وجهه براءة لا تؤهله لمثل هذه المهنة اللئيمة، خصوصاً حينما لاحظت أنه يراقبني بحذر، ونحن نسير جنباً إلى جنب نحو سجن المسكوبية القريب. لم أكن متيقناً من حقيقة مشاعره تجاهي، هل كان يراقبني بطرف عينه خوفاً من أن أهرب؟ فيتحمل المسؤولية عن ذلك، أم إن نحافتي المفرطة التي كانت تفوق نحافته حدّة، كانت تشعره بالإشفاق علي مما سأكابده لاحقاً في السجن على أيدي السجانين والمحققين؟ أو لعله لم يكن مقتنعاً بأن شخصاً في مثل نحافتي، يمكن أن يكون خطراً على أمن إسرائيل، إلى الحد الذي يضطره إلى الابتعاد عن زوجته وأطفاله والانشغال بأمر اعتقالي كل هذا الوقت، لا أدري بالضبط. لكنني مضيت إلى جانبه، لا أسمع سوى طرقات أحذيتنا على إسفلت الشارع الصاعد من مكاتب التحقيق إلى الساحة الخارجية لسجن المسكوبية، الذي يقع على تخوم القدس الشرقية. كنت أسير في ذلك الفجر الصيفي الهادئ، وحيداً إلى جانب ذلك الضابط الإسرائيلي الذي يأخذني إلى السجن. والقدس تنام الآن في سكون الفجر، وستصحو بعد قليل من نومها، فتعرف أنني لم أعد قادراً على التجوال في شوارعها وأزقتها، فتضيف إلى أحزانها المتراكمة حزناً جديداً. أسير صامتاً، متهيباً مما تبيته لي الأيام القادمة، ويسير الضابط صامتاً. نقترب من ساحة المسكوبية، التي لم تكن سجناً في الأصل، بل: "مؤسسة معدة لاستقبال الزوار الروس في الأعياد والمواسم، يديرها رهبان وراهبات من الروس أنفسهم، يحيط ببنائها الفخم وكنيستها الكبرى حدائق وكروم زيتون على التلال والأودية، يتألف من مجموع ذلك مناظر رائعة يرى منها جبل الطور والأبنية التاريخية البارزة بقببها ومآذنها وقواعد أجراسها، مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه مهما كان مثقلاً بالأتعاب فكراً وجسماً" وذلك كما يصفها مصطفى مراد الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين". الآن لا وجود لحدائق حول المكان. ولم أر سوى بناية قديمة متجهمة، تعلو السور المحيط بها شبكة من الأسلاك الشائكة.انفتح الباب، فألفيتني بين حشد من رجال الشرطة. جردوني من بطاقة هويتي، ومن نقودي التي كانت في جيبي، ومن ساعة يدي، ورباط حذائي، وحزامي، ثم اقتادوني عبر ممر طويل إلى حيث توجد زنزانة انفرادية، مضاءة ليل نهار، "مما يضمن لكل زائر راحته وانشراحه"، فلم أذق فيها طعم النوم ليلتين متواصلتين، بسبب قوة الضوء المنبعث من سقفها، وبسبب القلق الذي يتنامى في القلب كلما طال الانتظار. *** حينما تعرفت عليها، في ذلك المكتب قرب شارع يافا، حدثتها عما كابدته في السجن. لم أكن من الراغبين في اصطناع البطولات. كنت واضحاً منذ اللحظة الأولى. قلت إن ما كابدته لا يساوي عشر معشار ما كابده غيري من المعتقلين، خصوصاً أولئك الذين كانت توجه لهم تهم المشاركة في العمل المسلح ضد الاحتلال. وضعت في زنزانة لا يزيد طولها عن 90 سنتيمتراً، ولا يزيد عرضها عن 80 سنتيمتراً، في سجن صرفند العسكري. لم يكن ما واجهته أثناء ذلك على أيدي المحققين شيئاً يذكر، إذا ما قيس بما واجهه ذلك المعتقل الذي لم أعرف عنه شيئاً، سوى صراخه الرهيب الذي كان يطلقه دون توقيت معلوم. يأتي المحققون إليه في أية ساعة يشاؤون، يبدأون حفلتهم المفزعة معه، فيبدأ صراخه الذي يثير الرعب في النفوس. رويت لتميمة كل شيء. كانت تحب أن تسمي نفسها "تمام" لكي يكون اسمها مألوفاً لدي. تميمة تتألم لما ألمّ بي من أذى، أخبره ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753729
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة 47
محمود شقير : ظل آخر للمدينة48
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ها أنذا أقف حراً طليقاً خارج بوابة السجن، أعانق أفراد أسرتي الذين جاءوا منذ الصباح الباكر من يوم 27 / 5 / 1970، ينتظرون لحظة الإفراج عني. طوال الليلة التي سبقت هذه اللحظة، لم أنم من شدة الفرح، فبعد عشرة أشهر من الاعتقال الإداري، أخرج من السجن. حينما نظرت في المدى الواسع المكشوف من حولي، أدركت إلى أي حد هو بغيض هذا السجن. غادرت سجن الدامون متجهاً إلى القدس (سوف أعود إليه بعد ست وعشرين سنة من مغادرتي إياه، إثر الدعوة التي وجهها إلي الدكتور نعيم عرايدي مدير مركز أدب الطفل العربي في حيفا، للمشاركة في ندوة حول أدب الأطفال، تعقد في منتجع بيت أورن على جبل الكرمل، ليس بعيداً عن سجن الدامون. أذهب صحبة الناقد أنطوان شلحت لزيارة السجن، سنتوقف في الساحة الترابية المحاذية لبوابة السجن، التي كان أهلنا ينتظرون فيها، ريثما تتاح لهم فرصة الدخول لزيارتنا، وهي الساحة نفسها التي ما زالت أسر مقدسية تتردد عليها لزيارة الأبناء الذين ما زالوا يقبعون في السجن. سنلقي نظرة على الأسلاك الشائكة التي تحيط بالمبنى، ثم نقترب من بوابته المتجهمة، ولا نطلب من السجانين إذناً للدخول، لأننا نعرف أنهم لن يسمحوا لنا بذلك). وصلنا البيت بعد ثلاث ساعات من لحظة الانطلاق. كانت العودة إلى البيت تبعث في القلب مشاعر دافئة، وكان علي أن أعود إلى ممارسة حياتي اليومية في المدينة. وصلتني بالبريد، بعد أيام قلائل، ورقة رسمية، يتعين علي بموجبها أن أذهب إلى مكتب المخابرات، القريب من سجن المسكوبية، لمقابلة أحد المسؤولين هناك. ذهبت للمقابلة. قال المسؤول دون مقدمات: إذا عدت إلى مواصلة النشاط السياسي، فسوف نعيدك إلى السجن. غادرت مكتب المخابرات. اتجهت إلى مكتب فيليتسيا لانجر لأخبرها بما جرى معي.(تعرفت إلى فيليتسيا لانجر حينما زارتني أول مرة بعد أسبوعين من اعتقالي في سجن المسكوبية. تقدمت بطلب إلى المحكمة للإفراج عني بكفالة. جاءني شرطي، فتح باب الزنزانة التي تقع في طرف ساحة سجن المسكوبية (وضعت فيه بعد عودتي من سجن صرفند)، اقتادني الشرطي إلى الباحة الخارجية للسجن. هناك كان أبي ينتظر، فلما رآني بادي الشحوب، انقلبت سحنته، غير أنه تماسك ولم يسمح لعينيه أن تدمعا، إلا حينما عاد إلى البيت، وراح يصف لأمي ولزوجتي ولأبناء عائلتي الحالة التي وجدني فيها. أما فيليتسيا، فقد أصبحت أكثر قدرة على ضبط انفعالاتها، لكثرة ما شاهدت من مآسٍ، منذ أن تطوعت للدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. سلمت علي وحثتني على الصمود في وجه الجلادين. كانت تتأمل وجهي الشاحب بين الحين والآخر، وكنت أشعر بامتنان نحوها). غادرت مكتب فيليتسيا لانجر إلى البريد. أرسلت إلى زملائي في السجن بطاقات بريدية، تمنيت لهم فيها إفراجاً عاجلاً، ثم انهمكت في البحث عن عمل، بعد أن قرر الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، فصلي من عملي في التدريس منذ اللحظة الأولى لاعتقالي، فوجدت عملاً في المعهد العربي الذي تأسس العام 1970 باعتباره مدرسة ثانوية، تديرها هيئة عربية مرتبطة بوزارة التربية والتعليم الأردنية. عملت في المعهد عاماً واحداً مدرساً للغة العربية والفلسفة، ثم فصلت من العمل على أيدي الهيئة نفسها التي عينتني فيه، وذلك اعتماداً على تقرير قدمه مدير المعهد، يشير فيه إلى أنني وزميلاً آخر هو عادل عيد، الذي كان خارجاً من السجن الإسرائيلي أيضاً، قمنا طوال العام الدراسي بتحريض طلبة المعهد على تنظيم التظاهرات والإضرابات، وتوزيع المنشورات التي تدعو إلى مقاومة الاحتلال، ما "يتسبب في تشويش الدراسة وانتظامها في المعهد"! غير أن الهيئة ......
#للمدينة48
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=757797
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير ها أنذا أقف حراً طليقاً خارج بوابة السجن، أعانق أفراد أسرتي الذين جاءوا منذ الصباح الباكر من يوم 27 / 5 / 1970، ينتظرون لحظة الإفراج عني. طوال الليلة التي سبقت هذه اللحظة، لم أنم من شدة الفرح، فبعد عشرة أشهر من الاعتقال الإداري، أخرج من السجن. حينما نظرت في المدى الواسع المكشوف من حولي، أدركت إلى أي حد هو بغيض هذا السجن. غادرت سجن الدامون متجهاً إلى القدس (سوف أعود إليه بعد ست وعشرين سنة من مغادرتي إياه، إثر الدعوة التي وجهها إلي الدكتور نعيم عرايدي مدير مركز أدب الطفل العربي في حيفا، للمشاركة في ندوة حول أدب الأطفال، تعقد في منتجع بيت أورن على جبل الكرمل، ليس بعيداً عن سجن الدامون. أذهب صحبة الناقد أنطوان شلحت لزيارة السجن، سنتوقف في الساحة الترابية المحاذية لبوابة السجن، التي كان أهلنا ينتظرون فيها، ريثما تتاح لهم فرصة الدخول لزيارتنا، وهي الساحة نفسها التي ما زالت أسر مقدسية تتردد عليها لزيارة الأبناء الذين ما زالوا يقبعون في السجن. سنلقي نظرة على الأسلاك الشائكة التي تحيط بالمبنى، ثم نقترب من بوابته المتجهمة، ولا نطلب من السجانين إذناً للدخول، لأننا نعرف أنهم لن يسمحوا لنا بذلك). وصلنا البيت بعد ثلاث ساعات من لحظة الانطلاق. كانت العودة إلى البيت تبعث في القلب مشاعر دافئة، وكان علي أن أعود إلى ممارسة حياتي اليومية في المدينة. وصلتني بالبريد، بعد أيام قلائل، ورقة رسمية، يتعين علي بموجبها أن أذهب إلى مكتب المخابرات، القريب من سجن المسكوبية، لمقابلة أحد المسؤولين هناك. ذهبت للمقابلة. قال المسؤول دون مقدمات: إذا عدت إلى مواصلة النشاط السياسي، فسوف نعيدك إلى السجن. غادرت مكتب المخابرات. اتجهت إلى مكتب فيليتسيا لانجر لأخبرها بما جرى معي.(تعرفت إلى فيليتسيا لانجر حينما زارتني أول مرة بعد أسبوعين من اعتقالي في سجن المسكوبية. تقدمت بطلب إلى المحكمة للإفراج عني بكفالة. جاءني شرطي، فتح باب الزنزانة التي تقع في طرف ساحة سجن المسكوبية (وضعت فيه بعد عودتي من سجن صرفند)، اقتادني الشرطي إلى الباحة الخارجية للسجن. هناك كان أبي ينتظر، فلما رآني بادي الشحوب، انقلبت سحنته، غير أنه تماسك ولم يسمح لعينيه أن تدمعا، إلا حينما عاد إلى البيت، وراح يصف لأمي ولزوجتي ولأبناء عائلتي الحالة التي وجدني فيها. أما فيليتسيا، فقد أصبحت أكثر قدرة على ضبط انفعالاتها، لكثرة ما شاهدت من مآسٍ، منذ أن تطوعت للدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. سلمت علي وحثتني على الصمود في وجه الجلادين. كانت تتأمل وجهي الشاحب بين الحين والآخر، وكنت أشعر بامتنان نحوها). غادرت مكتب فيليتسيا لانجر إلى البريد. أرسلت إلى زملائي في السجن بطاقات بريدية، تمنيت لهم فيها إفراجاً عاجلاً، ثم انهمكت في البحث عن عمل، بعد أن قرر الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، فصلي من عملي في التدريس منذ اللحظة الأولى لاعتقالي، فوجدت عملاً في المعهد العربي الذي تأسس العام 1970 باعتباره مدرسة ثانوية، تديرها هيئة عربية مرتبطة بوزارة التربية والتعليم الأردنية. عملت في المعهد عاماً واحداً مدرساً للغة العربية والفلسفة، ثم فصلت من العمل على أيدي الهيئة نفسها التي عينتني فيه، وذلك اعتماداً على تقرير قدمه مدير المعهد، يشير فيه إلى أنني وزميلاً آخر هو عادل عيد، الذي كان خارجاً من السجن الإسرائيلي أيضاً، قمنا طوال العام الدراسي بتحريض طلبة المعهد على تنظيم التظاهرات والإضرابات، وتوزيع المنشورات التي تدعو إلى مقاومة الاحتلال، ما "يتسبب في تشويش الدراسة وانتظامها في المعهد"! غير أن الهيئة ......
#للمدينة48
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=757797
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة48
محمود شقير : ظل آخر للمدينة49
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الفترة، توجهنا، أنا وحسين عويسات أحد مخاتير قريتنا، إلى عمان لاستصدار وثائق تتعلق بأرض البقيعة التي تملكها عشائر عرب السواحرة، ولتسليمها إلى المحامية فيليتسيا لانغر، لكي تكون حجة في يدها أمام القضاء، ولتخليصها من أيدي المحتلين إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً (في البداية أعلنوها منطقة عسكرية مغلقة، ثم راجت إشاعات عن قيام بعض السماسرة ببيعها إلى سلطات الاحتلال، وما زال أمرها مجهولاً حتى الآن). على الجسر استدعاني أحد ضباط المخابرات، وأخضعني لتحقيق سريع عن هدفي من السفر إلى عمان. لم أخبره عن غايتي من السفر، حدق في حذائي القديم الذي ركّبت له نصف نعل قبل موعد السفر بأيام، عند "كندرجي" في سوق باب خان الزيت، فاعتقد أنني أخفي رسالة سرية داخله. سألني عما خبأته هناك. قلت: لم أخبئ شيئاً. هددني بتمزيق الحذاء إذا لم أخبره بالحقيقة، فلم أكترث لتهديده. أحضر سكيناً، ومزق النعل الخاص بفردة الحذاء اليمنى، وعاود طرح سؤاله مرة أخرى، فلما رآني غير مكترث، رمى فردة الحذاء الثانية، ثم سافرت إلى عمان، وأنا أجر حذائي الممزق، وبقيت كذلك إلى أن وصلت أول محل لبيع الأحذية في عمان. عدت من عمان بعد غياب استمر ثلاثة أسابيع، خضعت على الفور لأوامر الإقامة الجبرية في القدس، لا أخرج منها إلى سواها مدة عام. *** سأترك العمل في مدرسة دار الأيتام الإسلامية، لأصبح متفرغاً حزبياً. لم يكن الأمر سهلاً في البداية. أحببت مهنة التدريس، رغم ما فيها من جهد، ورغم ما كانت تسببه لي بين الحين والآخر من كوابيس. كنت أحلم بأنني أذهب إلى المدرسة في الصباح، أدخل على طلاب الصف، وحينما أتهيأ لبدء الحصة المدرسية، أكتشف أنني نسيت في البيت، دفتر التحضير الذي دونت فيه الملاحظات التي سأستعين بها لشرح الدرس، ثم يمعن الكابوس في الضغط على أعصابي حينما أكتشف أن علي أن أشرح درساً لا أستوعب مادته جيداً، وأنني علاوة على ذلك أقف أمام الطلاب حافي القدمين، ولا يكف الكابوس عن تسلطه علي، حتى أنهض متكدراً من النوم. الجهة الأخرى التي لطالما سببّت لي الكوابيس، هي رجال مخابرات الاحتلال. كنت بسبب نشاطي الحزبي، دائم التحسب من مداهماتهم. أحلم بأنهم يحاصرون بيتنا، ثم يقتحمونه، يلقون القبض علي، ثم ينقلونني إلى زنزانة تلتمع في سقفها أضواء، تظل ترسل نحوي أشعتها إلى أن أستيقظ من النوم، وهكذا دواليك. فلما انتهيت من مهنة التدريس، لم تعد تكدرني الكوابيس المرتبطة بها، فاعتبرت ذلك مكافأة مجزية، ورحت أركز جهدي كله على العمل الحزبي، محاولاً التمويه على وضعي الجديد، بالعمل -ساعتين أو ثلاثاً بالمجان- في محل تجاري لأحد الأصدقاء، في مدينة بيت لحم، وذلك لتلافي ملاحقات جهاز المخابرات ومن يرتبط به من المخبرين المحليين، ويبدو أن الأمر لم ينطل عليهم إلى وقت طويل. أصبحت القدس بكل أزقتها وأسواقها وشوارعها وأحيائها، في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، جزءاً من كياني، ومظهراً يومياً من مظاهر حياتي، فكأنني كنت أودعها، دون أن أعلم، تمهيداً لانقطاع قسري.يتبع... ......
#للمدينة49
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764128
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير في تلك الفترة، توجهنا، أنا وحسين عويسات أحد مخاتير قريتنا، إلى عمان لاستصدار وثائق تتعلق بأرض البقيعة التي تملكها عشائر عرب السواحرة، ولتسليمها إلى المحامية فيليتسيا لانغر، لكي تكون حجة في يدها أمام القضاء، ولتخليصها من أيدي المحتلين إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً (في البداية أعلنوها منطقة عسكرية مغلقة، ثم راجت إشاعات عن قيام بعض السماسرة ببيعها إلى سلطات الاحتلال، وما زال أمرها مجهولاً حتى الآن). على الجسر استدعاني أحد ضباط المخابرات، وأخضعني لتحقيق سريع عن هدفي من السفر إلى عمان. لم أخبره عن غايتي من السفر، حدق في حذائي القديم الذي ركّبت له نصف نعل قبل موعد السفر بأيام، عند "كندرجي" في سوق باب خان الزيت، فاعتقد أنني أخفي رسالة سرية داخله. سألني عما خبأته هناك. قلت: لم أخبئ شيئاً. هددني بتمزيق الحذاء إذا لم أخبره بالحقيقة، فلم أكترث لتهديده. أحضر سكيناً، ومزق النعل الخاص بفردة الحذاء اليمنى، وعاود طرح سؤاله مرة أخرى، فلما رآني غير مكترث، رمى فردة الحذاء الثانية، ثم سافرت إلى عمان، وأنا أجر حذائي الممزق، وبقيت كذلك إلى أن وصلت أول محل لبيع الأحذية في عمان. عدت من عمان بعد غياب استمر ثلاثة أسابيع، خضعت على الفور لأوامر الإقامة الجبرية في القدس، لا أخرج منها إلى سواها مدة عام. *** سأترك العمل في مدرسة دار الأيتام الإسلامية، لأصبح متفرغاً حزبياً. لم يكن الأمر سهلاً في البداية. أحببت مهنة التدريس، رغم ما فيها من جهد، ورغم ما كانت تسببه لي بين الحين والآخر من كوابيس. كنت أحلم بأنني أذهب إلى المدرسة في الصباح، أدخل على طلاب الصف، وحينما أتهيأ لبدء الحصة المدرسية، أكتشف أنني نسيت في البيت، دفتر التحضير الذي دونت فيه الملاحظات التي سأستعين بها لشرح الدرس، ثم يمعن الكابوس في الضغط على أعصابي حينما أكتشف أن علي أن أشرح درساً لا أستوعب مادته جيداً، وأنني علاوة على ذلك أقف أمام الطلاب حافي القدمين، ولا يكف الكابوس عن تسلطه علي، حتى أنهض متكدراً من النوم. الجهة الأخرى التي لطالما سببّت لي الكوابيس، هي رجال مخابرات الاحتلال. كنت بسبب نشاطي الحزبي، دائم التحسب من مداهماتهم. أحلم بأنهم يحاصرون بيتنا، ثم يقتحمونه، يلقون القبض علي، ثم ينقلونني إلى زنزانة تلتمع في سقفها أضواء، تظل ترسل نحوي أشعتها إلى أن أستيقظ من النوم، وهكذا دواليك. فلما انتهيت من مهنة التدريس، لم تعد تكدرني الكوابيس المرتبطة بها، فاعتبرت ذلك مكافأة مجزية، ورحت أركز جهدي كله على العمل الحزبي، محاولاً التمويه على وضعي الجديد، بالعمل -ساعتين أو ثلاثاً بالمجان- في محل تجاري لأحد الأصدقاء، في مدينة بيت لحم، وذلك لتلافي ملاحقات جهاز المخابرات ومن يرتبط به من المخبرين المحليين، ويبدو أن الأمر لم ينطل عليهم إلى وقت طويل. أصبحت القدس بكل أزقتها وأسواقها وشوارعها وأحيائها، في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، جزءاً من كياني، ومظهراً يومياً من مظاهر حياتي، فكأنني كنت أودعها، دون أن أعلم، تمهيداً لانقطاع قسري.يتبع... ......
#للمدينة49
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764128
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة49
محمود شقير : ظل آخر للمدينة50
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند نهاية سوق باب خان الزيت، يستطيع السائر في خط مستقيم أن يخطو خطوات عدة في فضاء مكشوف، ليجد نفسه في أول سوق العطارين. أما إذا انعطف ناحية اليسار، فسيجد نفسه في طريق عقبة السرايا، التي تشبه طريق الجبشة، في خلوها من ازدحام الناس، لندرة المحلات التجارية فيها. فليس ثمة سوى مقهى في أول الطريق. أجلس على أحد كراسي القش في المقهى، وثمة من حولي عدد من أبناء الحي، من الكهول الذين جاءوا لتمضية وقت الفراغ. وثمة سائحات وسياح يجلسون في الفسحة المبلطة ببلاط قديم، وهم يدخنون النراجيل، وعلى وجوههم نشوة الذي يعيش تجارب جديرة بالتذكر في زمن لاحق. من أمام هذا المقهى الذي يتجاوز عمره المائة عام، كنت أمر ومعي فتحي الشقاقي، فيصل العفيفي، وعادل عيد، متجهين نحو مدرسة دار الأيتام الإسلامية التي تقع في نهاية طريق عقبة السرايا. كان فتحي لم يزل في بدايات شبابه، تعمر صدره أحلام كبيرة، لم تتبلور على نحو نهائي إلا فيما بعد. نعبر الطريق مسرعين كي لا يبدأ وقت الحصة الأولى، فنصل إلى طلابنا متأخرين. وفي ساعات ما قبل المساء، نغادر المدرسة على مهل، إما عبر الباب المفضي إلى طريق الواد، وإما عبر البوابة المفضية إلى طريق عقبة السرايا، نجتاز الطريق ونحن منهمكون في نقاشات لا تتوقف، ونظل نقطع الأسواق والشوارع حتى نصل إلى مقهانا الذي اهتدينا إليه مؤخراً، في شارع عمرو بن العاص. الآن، أجلس في هذا المقهى الواقع في أول عقبة السرايا، أستشعر وقع سنوات خلت، وأناس كثر مروا من هنا، ثم ما لبثوا أن مضوا. كان فتحي الشقاقي واحداً من أهم من عرفوا هذا الطريق وساروا فيه. أحتسي القهوة، وأنا أتأمل الناس القلائل الذين يعبرون الطريق. وأستطيع تمييز أهل الحي من غيرهم من المارة انطلاقاً من ملاحظتين اثنتين: فأهل الحي، ولا سيما المتقدمون في السن منهم، لا يمكن أن يجتازوا المقهى من دون أن يطرحوا السلام على الجميع، بسبب المعرفة الأكيدة وطول الجوار. أما العابرون من غير أهل الحي، فإنهم يجتازون الطريق دون أن يشغلهم أمر المجاملات الاجتماعية، فتراهم يمرون وهم مشغولون في أحوالهم يفكرون فيها، وأحياناً ترى بعضهم، يجتاز الطريق بمفرده، وشفتاه تتلفظان بكلام متصل، فتحدق فيه ومن حوله، لتكتشف أنه إنما يحدث نفسه. أما الملاحظة الثانية التي تميز أهل الحي، فتتمثل في الخروج المتأنق، في ساعات ما بعد العصر إلى شوارع المدينة التي تقع خارج السور، فترى الملابس ما زالت محتفظة ببهائها لم "يجعلكها" سفر أو قيام أو قعود، وتكاد تلحظ من المشية المتئدة، ومن نظرات الأعين التي يوزعها العابرون والعابرات في فضاء الطريق، فيما إذا كانوا من أهل الحي أو من غير أهله، فيتملكك إحساس بالعرفان تجاههم، لأنهم يضاعفون من جو الإلفة المخيم على المكان، ويضفون بحركاتهم المتزنة المحسوبة، عذوبة تجعل للوقت طعماً آخر. غير أن لاعب كرة القدم في فريق المدرسة الرشيدية أواسط خمسينيات القرن العشرين، الذي كانت له ملامح الممثل جاك بالانس، جعلني متشككاً فيما إذا كان من سكان هذا الحي، فقد اجتاز الطريق بمشية تنم عن استمرار عشقه للرياضة بالرغم من تقدمه في السن، ولم يلتفت إلى الجالسين في المقهى لطرح السلام عليهم، فاعتبرته من غير سكان الحي، ولم أجزم في الأمر بسبب معرفتي لسلوكه المترفع الذي ينأى به عن مجاملة أقرب الناس إليه، ولم أتوقف كثيراً عند هذا الأمر، ولم أفكر بالاستفسار من أحد أبناء الحي عنه، ولم يقم أحد منهم بالتعليق عليه، فاعتبرت الأمر منتهياً كأنه لم يكن أصلاً، وواصلت تأملاتي، ثم لم ألبث أن نهضت بعد أن طال مكوثي في ال ......
#للمدينة50
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764966
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير عند نهاية سوق باب خان الزيت، يستطيع السائر في خط مستقيم أن يخطو خطوات عدة في فضاء مكشوف، ليجد نفسه في أول سوق العطارين. أما إذا انعطف ناحية اليسار، فسيجد نفسه في طريق عقبة السرايا، التي تشبه طريق الجبشة، في خلوها من ازدحام الناس، لندرة المحلات التجارية فيها. فليس ثمة سوى مقهى في أول الطريق. أجلس على أحد كراسي القش في المقهى، وثمة من حولي عدد من أبناء الحي، من الكهول الذين جاءوا لتمضية وقت الفراغ. وثمة سائحات وسياح يجلسون في الفسحة المبلطة ببلاط قديم، وهم يدخنون النراجيل، وعلى وجوههم نشوة الذي يعيش تجارب جديرة بالتذكر في زمن لاحق. من أمام هذا المقهى الذي يتجاوز عمره المائة عام، كنت أمر ومعي فتحي الشقاقي، فيصل العفيفي، وعادل عيد، متجهين نحو مدرسة دار الأيتام الإسلامية التي تقع في نهاية طريق عقبة السرايا. كان فتحي لم يزل في بدايات شبابه، تعمر صدره أحلام كبيرة، لم تتبلور على نحو نهائي إلا فيما بعد. نعبر الطريق مسرعين كي لا يبدأ وقت الحصة الأولى، فنصل إلى طلابنا متأخرين. وفي ساعات ما قبل المساء، نغادر المدرسة على مهل، إما عبر الباب المفضي إلى طريق الواد، وإما عبر البوابة المفضية إلى طريق عقبة السرايا، نجتاز الطريق ونحن منهمكون في نقاشات لا تتوقف، ونظل نقطع الأسواق والشوارع حتى نصل إلى مقهانا الذي اهتدينا إليه مؤخراً، في شارع عمرو بن العاص. الآن، أجلس في هذا المقهى الواقع في أول عقبة السرايا، أستشعر وقع سنوات خلت، وأناس كثر مروا من هنا، ثم ما لبثوا أن مضوا. كان فتحي الشقاقي واحداً من أهم من عرفوا هذا الطريق وساروا فيه. أحتسي القهوة، وأنا أتأمل الناس القلائل الذين يعبرون الطريق. وأستطيع تمييز أهل الحي من غيرهم من المارة انطلاقاً من ملاحظتين اثنتين: فأهل الحي، ولا سيما المتقدمون في السن منهم، لا يمكن أن يجتازوا المقهى من دون أن يطرحوا السلام على الجميع، بسبب المعرفة الأكيدة وطول الجوار. أما العابرون من غير أهل الحي، فإنهم يجتازون الطريق دون أن يشغلهم أمر المجاملات الاجتماعية، فتراهم يمرون وهم مشغولون في أحوالهم يفكرون فيها، وأحياناً ترى بعضهم، يجتاز الطريق بمفرده، وشفتاه تتلفظان بكلام متصل، فتحدق فيه ومن حوله، لتكتشف أنه إنما يحدث نفسه. أما الملاحظة الثانية التي تميز أهل الحي، فتتمثل في الخروج المتأنق، في ساعات ما بعد العصر إلى شوارع المدينة التي تقع خارج السور، فترى الملابس ما زالت محتفظة ببهائها لم "يجعلكها" سفر أو قيام أو قعود، وتكاد تلحظ من المشية المتئدة، ومن نظرات الأعين التي يوزعها العابرون والعابرات في فضاء الطريق، فيما إذا كانوا من أهل الحي أو من غير أهله، فيتملكك إحساس بالعرفان تجاههم، لأنهم يضاعفون من جو الإلفة المخيم على المكان، ويضفون بحركاتهم المتزنة المحسوبة، عذوبة تجعل للوقت طعماً آخر. غير أن لاعب كرة القدم في فريق المدرسة الرشيدية أواسط خمسينيات القرن العشرين، الذي كانت له ملامح الممثل جاك بالانس، جعلني متشككاً فيما إذا كان من سكان هذا الحي، فقد اجتاز الطريق بمشية تنم عن استمرار عشقه للرياضة بالرغم من تقدمه في السن، ولم يلتفت إلى الجالسين في المقهى لطرح السلام عليهم، فاعتبرته من غير سكان الحي، ولم أجزم في الأمر بسبب معرفتي لسلوكه المترفع الذي ينأى به عن مجاملة أقرب الناس إليه، ولم أتوقف كثيراً عند هذا الأمر، ولم أفكر بالاستفسار من أحد أبناء الحي عنه، ولم يقم أحد منهم بالتعليق عليه، فاعتبرت الأمر منتهياً كأنه لم يكن أصلاً، وواصلت تأملاتي، ثم لم ألبث أن نهضت بعد أن طال مكوثي في ال ......
#للمدينة50
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764966
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة50