نوال عايد الفاعوري : أيها البحر .. شيءٌ أخير سأخبركَ إياه:
#الحوار_المتمدن
#نوال_عايد_الفاعوري البحر لم يعُد كما كان، تغيّر، كبقية البشر، لم يعد بخير، مثلي، إلا من الله، غير أنّه من عبيده ليس كذلك؛ لم يعد دافئاً، جميلاً، يُغري العاشقين بالسير على أرصفة الحياة التي يمنحهم إياها رملُه، ومنذ آخر مرة تقاتلنا فيها سوياً أدركتُ أنه غدار أكثر مما أتخيل.لم يعد البحر "متوسطاً" أيضاً يا أمي، كل المناطق الرمادية تلاشت واندثرت، هذا الكون يُتقن المراوغة، يعلمُ تماماً كيف يُمكنه أن يمنحنا الحبّ الزائف، الضحك المؤقت، والبكاء الدائم، ونحنُ رغم ألاعيبه ما زلنا نصدّقه، وما زال يعرفُ كيف يرانا بلونين: الأبيض والأسود، فقط.أعلمُ ذلك يا أمي، وأكثر، لكني حين أخاطب البحر، فأنا أريد أن أنفض عن صدريَ كلّ هذا الغبار الذي رتّبه الزمن بشكل أنيق، كما يبدو للناس. قالت الجدّات قديماً: كذبٌ مرتب، أفضل من صدقٍ مبعثر؛ وأنا أفشل في ترتيب صدقي كل مرة. يهزّ العالم رأسه مصدّقاً/موافقاً للكاذبين المُتقنةِ أحاديثُهم، ويخونُ الصادقين، الذين من فرط طيبتهم، يفشلون في الحديث بشكل جيد. وكلما أراني في المرآة، أدرِكُ لماذا لا يسألني الناس "ما بكِ"، إنها الجروح المرتّبة التي صنعها العالم في قلبي، فبدت مكياجاً لا أكثر.ما زلتُ كلما صافحتُ البحر، لا أعرف سبب غدرِه، وأسئَلُه كل مرةٍ عن سرّ أخذه للطيبين، للصغار، للجاهلين بقوانينه، لللاهثين خلف الحياة، للحاملين همومهم في شنطة سفر، ومركب تهريب، للسارقين الحبّ من قلبِ هذا العالم البغيض؛ وكلما سألتُه، لا يجيب، يرمي لي بمزيد من الألغاز، مع الجُثثِ التي حنّطها السمك، وخانها الملح!إنه، كالعالم، يمنح اللونين الأبيض والأسود، يُشبه برميل بارودٍ يجثو على سطحه بعض الكريمة البيضاء، يبدو دافئاً، هادئاً، وادعاً، يحمل رسائل المشتاقين، ويُوصلهم بالأشياء المجهولة التي يبحثون عنها، مخزنُ أسرار المحبّين، وقِبلة قُبلاتهم المسروقة، وقُبلة الموت الأخيرة للذاهبين إلى الحياة، وبعد أن تتعرف عليه جيداً، تُدرك لاحقاً أن زُرقتَه الوحيدة التي تمنحهُ الدفء قد اكتسبها من السّماء بطريقة الخداع التي يتقنها، وأنه في الليل يُشبه مقطوعات الرعب الأزلية، وأنّ الأساطير التي نسجها الشعراء عنه محض خيال، لا أكثر. لا شيء جديد، كل الأمرِ أنني خُدعت، كما خدعني الآخرون من قبل.أحادثكِ يا أمي، والحديث معكِ حياة؛ وكلما غمرتُ نفسي في الماء أتذكر أن الاستسلام للغرق هو إحدى وسائل النجاة، وأن الحياة على كبرها فهي أصغر من شهقة غريق، ونفَسِ ميّت. لا أتحدث كثيراً مع الغرباء، هكذا علّمتني، وحين أكبر سأدرك أن كل هذا العالم غريب، وأن صدركِ فقط هو الوطن، وأني سأموت يا أمي وفي صدري كلام.سأغسلُ وجهي بكِ، لن أصدقكَ، وسأعتبر أن يدكَ الممدودة إليّ ليست إلا يدَ الحرب، أو يد الغرق، وفي كلا الحالتين لن أنجو منكَ. أنا أحاول فقط أن أغتسلَ منكَ .. فيك، وأن أنتصر عليك، ولو مؤقتاً...الكلاب المُقيّدة، تنظر للكلاب الأخرى على أنها "ضالة". ......
#أيها
#البحر
#شيءٌ
#أخير
#سأخبركَ
#إياه:
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720556
#الحوار_المتمدن
#نوال_عايد_الفاعوري البحر لم يعُد كما كان، تغيّر، كبقية البشر، لم يعد بخير، مثلي، إلا من الله، غير أنّه من عبيده ليس كذلك؛ لم يعد دافئاً، جميلاً، يُغري العاشقين بالسير على أرصفة الحياة التي يمنحهم إياها رملُه، ومنذ آخر مرة تقاتلنا فيها سوياً أدركتُ أنه غدار أكثر مما أتخيل.لم يعد البحر "متوسطاً" أيضاً يا أمي، كل المناطق الرمادية تلاشت واندثرت، هذا الكون يُتقن المراوغة، يعلمُ تماماً كيف يُمكنه أن يمنحنا الحبّ الزائف، الضحك المؤقت، والبكاء الدائم، ونحنُ رغم ألاعيبه ما زلنا نصدّقه، وما زال يعرفُ كيف يرانا بلونين: الأبيض والأسود، فقط.أعلمُ ذلك يا أمي، وأكثر، لكني حين أخاطب البحر، فأنا أريد أن أنفض عن صدريَ كلّ هذا الغبار الذي رتّبه الزمن بشكل أنيق، كما يبدو للناس. قالت الجدّات قديماً: كذبٌ مرتب، أفضل من صدقٍ مبعثر؛ وأنا أفشل في ترتيب صدقي كل مرة. يهزّ العالم رأسه مصدّقاً/موافقاً للكاذبين المُتقنةِ أحاديثُهم، ويخونُ الصادقين، الذين من فرط طيبتهم، يفشلون في الحديث بشكل جيد. وكلما أراني في المرآة، أدرِكُ لماذا لا يسألني الناس "ما بكِ"، إنها الجروح المرتّبة التي صنعها العالم في قلبي، فبدت مكياجاً لا أكثر.ما زلتُ كلما صافحتُ البحر، لا أعرف سبب غدرِه، وأسئَلُه كل مرةٍ عن سرّ أخذه للطيبين، للصغار، للجاهلين بقوانينه، لللاهثين خلف الحياة، للحاملين همومهم في شنطة سفر، ومركب تهريب، للسارقين الحبّ من قلبِ هذا العالم البغيض؛ وكلما سألتُه، لا يجيب، يرمي لي بمزيد من الألغاز، مع الجُثثِ التي حنّطها السمك، وخانها الملح!إنه، كالعالم، يمنح اللونين الأبيض والأسود، يُشبه برميل بارودٍ يجثو على سطحه بعض الكريمة البيضاء، يبدو دافئاً، هادئاً، وادعاً، يحمل رسائل المشتاقين، ويُوصلهم بالأشياء المجهولة التي يبحثون عنها، مخزنُ أسرار المحبّين، وقِبلة قُبلاتهم المسروقة، وقُبلة الموت الأخيرة للذاهبين إلى الحياة، وبعد أن تتعرف عليه جيداً، تُدرك لاحقاً أن زُرقتَه الوحيدة التي تمنحهُ الدفء قد اكتسبها من السّماء بطريقة الخداع التي يتقنها، وأنه في الليل يُشبه مقطوعات الرعب الأزلية، وأنّ الأساطير التي نسجها الشعراء عنه محض خيال، لا أكثر. لا شيء جديد، كل الأمرِ أنني خُدعت، كما خدعني الآخرون من قبل.أحادثكِ يا أمي، والحديث معكِ حياة؛ وكلما غمرتُ نفسي في الماء أتذكر أن الاستسلام للغرق هو إحدى وسائل النجاة، وأن الحياة على كبرها فهي أصغر من شهقة غريق، ونفَسِ ميّت. لا أتحدث كثيراً مع الغرباء، هكذا علّمتني، وحين أكبر سأدرك أن كل هذا العالم غريب، وأن صدركِ فقط هو الوطن، وأني سأموت يا أمي وفي صدري كلام.سأغسلُ وجهي بكِ، لن أصدقكَ، وسأعتبر أن يدكَ الممدودة إليّ ليست إلا يدَ الحرب، أو يد الغرق، وفي كلا الحالتين لن أنجو منكَ. أنا أحاول فقط أن أغتسلَ منكَ .. فيك، وأن أنتصر عليك، ولو مؤقتاً...الكلاب المُقيّدة، تنظر للكلاب الأخرى على أنها "ضالة". ......
#أيها
#البحر
#شيءٌ
#أخير
#سأخبركَ
#إياه:
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720556
الحوار المتمدن
نوال عايد الفاعوري - أيها البحر .. شيءٌ أخير سأخبركَ إياه: