سعود سالم : تجري السمكة من محطة لمحطة
#الحوار_المتمدن
#سعود_سالم حبل يتدلى في الفضاء، والشمس تحترق وترسم جمرا أحمر في الافق البعيد، حروف ورقية الطعم تلعب بها الريح في الشارع، تطيرها في السماء مع حبات الرمل الدقيقة، الحبل المتدلي يتحرك يمينا ويسارا .. يتحرك شمالا وجنوبا.. في
-;-جميع الاتجاهات، حسب حركة الجسد المتدلي، والذي يرسل ارتعاشاته الأخيرة. الجسد الساكن يتأرجح في الفضاء، يدور حول نفسه، مئات العيون الباردة تحدق فيه وتتمنى لو تستطيع أن تحيله حرفا ورقيا يطير مع الريح وحبات الرمال، تتمنى لو يتلاشى الجسد المتأرجح في الفراغ، يذوب في الهواء، ويختفي مثل دخان سيجارة تحترق .. تحترق الشمس وتحرق الأرض المحروقة، والآف المسحوقين يخرجون من قبورهم وأيديهم على رؤوسهم، ويستجدون قطعة خبز من جلادهم قبل أن يسلخ جلودهم في الشوارع، في المكاتب، في المصانع، في الزنازين أو على شاشات التلفزيون. تحترق الشمس كل يوم، وتطفئها أنهار الويسكي والشامبانيا وحليب النياق على موائد الجنرالات والرؤساء والملوك والشيوخ والأباطرة والقياصرة ورجال الأعمال وأصحاب البنوك ورؤوس المال وذيوله. يساومون نصرهم وهزيمتهم، ويعدون القتلى والمحروقين، ويسبحون الله وحده ويحمدونه، ويتبرعون بقطعة نحاسية يقذفونها أمام المغني الأعمى في الشارع، ويطلبون منه أن يغني، أن يمدح السلطان وحاكم المؤمنين. آه لو أجد الفكرة التي من أجلها أستطيع أن أحيا وأموت !! حرقت البخور ليلة ميلادي .. وضعت الجاوي والفاسوخ على جمر الكانون، وغسلت لساني بالماء المالح، ولبست صباطي، وفتحت الباب، وانطلقت في أصقاع الدنيا. أسير في السهول والقارات حافيا مدمى القدمين، وجسدي يقطر بدم الحيض الساخن، أجرجر خلفي الحبل السري الذي يربطني بنخلة كبيرة وسط ساحة بيتنا القديم، أتدحرج من شارع لشارع، ومن مدينة لمدينة، أسقط في المجاري والأنهار والبحار، أسقط مرات ومرات، اسقط وأنهض وفي راسي ورم بحجم رمانة، أصرخ بملء رئتي .. أصرخ كما يصرخ كل الأطفال حين يولدون ويرون أول مرة في حياتهم هذه الوجوه والعيون والأنوف والآذان والشفاه. يالهذا المخلوق الغريب .. يالهذه الكارثة.. ماذا نفعل في هذه المغارة في منتصف الليل ؟.. وأنا .. لماذا اليوم .. الآن بالذات ؟.. لماذا ليس أمس ؟ أو غدا ؟ أو بعد غد ؟. ولماذا هنا وليس هناك؟. وبسكين صدئ قطعت الحبل السري الغليظ الذي حملته معي عشرات السنين، قطعته بضربة فأس كحية مسحورة، سقط على الأرض يزحف ويزحف حتى اختفى في شق ضيق في جدار مسود في دهاليز الذاكرة. اقفل عيني بيدي، وأضع يدي في جيوبي وأقفز نحو السماء .. سوداء .. فارغة ..باردة، تجتازها أصوات بعيدة ترن وترتطم بطبلة أذني، أغنية الصياد الأعمى الذي عاد بأشرعته الممزقة ذات ليلة محملا بسمكة وحيدة تتألق على ضوء فناره، وتعكس أشعة الضوء الباهت، ترتعش بين أصابعه ارتعاشاتها الأخيرة حين ألقى بها وسط جمع النساء على الشاطئ، حيث تحولت حية تسعى وتبتلع كل ما حولها، ابتلعني بجسدي الذي يما زال يقطر بدماء الحيض المتخثرة ذات الرائحة القوية. وتعود الحية كما كانت، سمكة تجري في الفراغات المتعددة، وتسكن طرقات المدن المهجورة الغارقة في طمي الأنهار، تسكن الحجرات الضيقة المسكونة بالطحالب والرطوبة وأغاني الفقر والرماد، تجري السمكة من محطة لمحطة، وتطير في سماوات غابت عنها الألوان، تطير وتفقد زعانفها في الطريق .. تتساقط، تتقشر وتنهار عارية على الرصيف المقابل في علبة القمامة، تطأها أقدام الرجال والنساء المسرعين إلى جحورهم اليومية، تبول عليها كلاب العجائز المتقاعدين، ويلتقطها في المساء عامل أفريقي لم ير في حياته سمكة عارية على الرصيف تطأها أقدام العابرين ويقذف بها لقطط الشوار ......
#تجري
#السمكة
#محطة
#لمحطة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=709556
#الحوار_المتمدن
#سعود_سالم حبل يتدلى في الفضاء، والشمس تحترق وترسم جمرا أحمر في الافق البعيد، حروف ورقية الطعم تلعب بها الريح في الشارع، تطيرها في السماء مع حبات الرمل الدقيقة، الحبل المتدلي يتحرك يمينا ويسارا .. يتحرك شمالا وجنوبا.. في
-;-جميع الاتجاهات، حسب حركة الجسد المتدلي، والذي يرسل ارتعاشاته الأخيرة. الجسد الساكن يتأرجح في الفضاء، يدور حول نفسه، مئات العيون الباردة تحدق فيه وتتمنى لو تستطيع أن تحيله حرفا ورقيا يطير مع الريح وحبات الرمال، تتمنى لو يتلاشى الجسد المتأرجح في الفراغ، يذوب في الهواء، ويختفي مثل دخان سيجارة تحترق .. تحترق الشمس وتحرق الأرض المحروقة، والآف المسحوقين يخرجون من قبورهم وأيديهم على رؤوسهم، ويستجدون قطعة خبز من جلادهم قبل أن يسلخ جلودهم في الشوارع، في المكاتب، في المصانع، في الزنازين أو على شاشات التلفزيون. تحترق الشمس كل يوم، وتطفئها أنهار الويسكي والشامبانيا وحليب النياق على موائد الجنرالات والرؤساء والملوك والشيوخ والأباطرة والقياصرة ورجال الأعمال وأصحاب البنوك ورؤوس المال وذيوله. يساومون نصرهم وهزيمتهم، ويعدون القتلى والمحروقين، ويسبحون الله وحده ويحمدونه، ويتبرعون بقطعة نحاسية يقذفونها أمام المغني الأعمى في الشارع، ويطلبون منه أن يغني، أن يمدح السلطان وحاكم المؤمنين. آه لو أجد الفكرة التي من أجلها أستطيع أن أحيا وأموت !! حرقت البخور ليلة ميلادي .. وضعت الجاوي والفاسوخ على جمر الكانون، وغسلت لساني بالماء المالح، ولبست صباطي، وفتحت الباب، وانطلقت في أصقاع الدنيا. أسير في السهول والقارات حافيا مدمى القدمين، وجسدي يقطر بدم الحيض الساخن، أجرجر خلفي الحبل السري الذي يربطني بنخلة كبيرة وسط ساحة بيتنا القديم، أتدحرج من شارع لشارع، ومن مدينة لمدينة، أسقط في المجاري والأنهار والبحار، أسقط مرات ومرات، اسقط وأنهض وفي راسي ورم بحجم رمانة، أصرخ بملء رئتي .. أصرخ كما يصرخ كل الأطفال حين يولدون ويرون أول مرة في حياتهم هذه الوجوه والعيون والأنوف والآذان والشفاه. يالهذا المخلوق الغريب .. يالهذه الكارثة.. ماذا نفعل في هذه المغارة في منتصف الليل ؟.. وأنا .. لماذا اليوم .. الآن بالذات ؟.. لماذا ليس أمس ؟ أو غدا ؟ أو بعد غد ؟. ولماذا هنا وليس هناك؟. وبسكين صدئ قطعت الحبل السري الغليظ الذي حملته معي عشرات السنين، قطعته بضربة فأس كحية مسحورة، سقط على الأرض يزحف ويزحف حتى اختفى في شق ضيق في جدار مسود في دهاليز الذاكرة. اقفل عيني بيدي، وأضع يدي في جيوبي وأقفز نحو السماء .. سوداء .. فارغة ..باردة، تجتازها أصوات بعيدة ترن وترتطم بطبلة أذني، أغنية الصياد الأعمى الذي عاد بأشرعته الممزقة ذات ليلة محملا بسمكة وحيدة تتألق على ضوء فناره، وتعكس أشعة الضوء الباهت، ترتعش بين أصابعه ارتعاشاتها الأخيرة حين ألقى بها وسط جمع النساء على الشاطئ، حيث تحولت حية تسعى وتبتلع كل ما حولها، ابتلعني بجسدي الذي يما زال يقطر بدماء الحيض المتخثرة ذات الرائحة القوية. وتعود الحية كما كانت، سمكة تجري في الفراغات المتعددة، وتسكن طرقات المدن المهجورة الغارقة في طمي الأنهار، تسكن الحجرات الضيقة المسكونة بالطحالب والرطوبة وأغاني الفقر والرماد، تجري السمكة من محطة لمحطة، وتطير في سماوات غابت عنها الألوان، تطير وتفقد زعانفها في الطريق .. تتساقط، تتقشر وتنهار عارية على الرصيف المقابل في علبة القمامة، تطأها أقدام الرجال والنساء المسرعين إلى جحورهم اليومية، تبول عليها كلاب العجائز المتقاعدين، ويلتقطها في المساء عامل أفريقي لم ير في حياته سمكة عارية على الرصيف تطأها أقدام العابرين ويقذف بها لقطط الشوار ......
#تجري
#السمكة
#محطة
#لمحطة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=709556
الحوار المتمدن
سعود سالم - تجري السمكة من محطة لمحطة