علا شيب الدين : في البساطة والهجران
#الحوار_المتمدن
#علا_شيب_الدين المكان بالنسبة إليّ كثافة مجدولة وسيولة الزمان: تتطاحنان، تتطارحان،تنصتان، تتناغمان، تصمتان، تتقدان، تترمّدان،تتخضّبان، ترتعشان، تهدمان، تبنيان، تتفكَّكان، تُفكِّكان، تنسجان، تحلّان، تربطان، تخضّران، تيبسان، تعلوان، تهبطان، ترتجّان، تتفجّران، تخمدان، تطولان، تقصران، تمتدّان، تجزران، تهمدان، تشتعلان، تخبوان، تنكشفان، تسرّان، تفصحان، تُظلمان، تنيران...، لكنهما مجدولتان. كلتاهما صرخة وجود مطلق وتشظٍّ، المكان صرخة متشكِّلة وتتشكّل بلا هوادة، الزمان ريح تصفر بلا هوادة.كلّما حللتُ في مكان انحلَّ وصار فيَّ نسغًا، أو سرمدًا وإنْ للحظة مدمِّرة تارة، ملتفّة طورًا كمِثل نبتة تنسلّ بهدوء وبطء صاعدَين حول جذع شجرة، حتى تكاد تصيره أو يصيرها. أنجدلُ وجديلة الكثافة والسيولة، ولا أنتهز. تُرى أيهما الأبلغ، الزمان والمكان أم الشعور فيهما وحيالهما؟.أفكر من مكاني هنا وزماني، في مكاني هناك وزماني، في بلدي الأم سوريا، في شوارعي وأزقتي، في حاراتي، في بيتي، في غرفتي، في دهاليزي ومتاهاتي، ما حالها من بَعدي وفي بُعدي؟ هل لا أزال أسكنها مثلما تسكنني؟ هل تشتاقني مثلما أشتاقها؟ هل تتألم لفراقي وتبكيني وتنزف؟ أحنُّ إلى رسائل مختبئة في حنايا غرفتي، إلى سريري، إلى ألعابٍ لكلٍّ منها حكاية وشخوص وزمان ومكان. أحنّ إلى مكتبتي الصغيرة تحت شبّاكٍ يطلّ على صخرة كنّا نسمّيها “كرسيّ الملك” لطالما نُسجت حولها حكايات وحكايات، مكتبتي التي صنعتها بيديّ هاتين ذات شقاوةٍ ممطِرة.أصْل مكتبتي خزانة خشبية “بوفيه” (مَن قال إن الأصول ثابتة لا تتحوّل؟!).كانت تلك الخزانة تقبع في إحدى زوايا المطبخ، وتحتمل ثقل الصحون والكاسات وأشياء كثيرة أخرى. ظلّت على مرّ عقود تحتمل وتصبر، إلى أن اندلع يومٌ انهارت فيه، معلنةً هجران الثقل والمكان؛ فرُمي حطامها خلف البيت. وقفتُ حينذاك أمام الحطام حزينة، هالني انهيارها، ثم رمْيها بعد نسيان أفضالها في احتمال ثقلٍ مديد.اجتاحت رأسي فكرة مجنونة، تعيد إلى هذا الحطام كرامته، وتكرّم خزانة احتملت الكثير وصبرت بصمت بالغ. حملتُ الحطام إلى غرفتي، إلى وحدتي، إلى عمقي، ورحتُ أنفث فيه الروح. أعدتُ للأرجل المتهاوية ما ضاع منها، أي نعمة الوقوف فوق أرض هي بمثابة قلبِ مبسوط بساطة كفّ مبسوطة لتلقّف حبّات مطرٍ شاردة؛ وفوق الأرجل الواقفة مجدَّدًا ارتفعت ثلاثة رفوف، معلنةً ولادة مكتبة صغيرة. رصفتُ فوق الرفوف كتبًا في الأدب وفي الفلسفة والعلم، وعلى سطحها، ألقيتُ أشياء خفيفة خفّة الروح، النبض، الخلايا المنتجة. تعايشنا أنا والخزانة/المكتبة بعد ذلك، سنوات طوال. تعرف ما بي وأعرف ما بها. تتذكَر الصحون والكاسات والملاعق، فأذكّرها بالآداب والأفكار والمعارف. أرعاها ليلاً نهارًا، برمش العين وماء القلب وحشائش الوجدان.الآن، هي وحيدة من دوني هناك، وأنا وحيدة هنا من دونها، يعزّيني في هذا الهجران الموجِع، أنَّ سرّها يسكنني، وربما يعزّيها أنّي أودعتها الكثير من أسراري وأحلامي ورؤاي.***بعيدًا من ضجيج “الإجراءات” و”اليوميات” وقسوتها وابتذالها واستنزافها المستمر للفرادة، أمشي هنا أحيانًا.تأخذني الدروب إلى أمكنتي من غير ترتيب أو تخطيط، ومذ اهتديتُ، قبل بضعة أشهر، إلى عنوان المكتبة المركزية في “نويماركت”، المنطقة التي تقبع بدورها في مركز مدينة كولونيا غرب ألمانيا؛ لم أنقطع عن زيارتها، حتى أني بتُّ أشعر حيالها شعور البيت، لا المكتبة العامة.تُعيرني هذه المكتبة/البيت، روايات بلغتي الأم، تسمح لي بالجلوس متأملة ساهمة صامتة وشاردة، تتلقّفني كلّما اقترب التيه، ......
#البساطة
#والهجران
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=684573
#الحوار_المتمدن
#علا_شيب_الدين المكان بالنسبة إليّ كثافة مجدولة وسيولة الزمان: تتطاحنان، تتطارحان،تنصتان، تتناغمان، تصمتان، تتقدان، تترمّدان،تتخضّبان، ترتعشان، تهدمان، تبنيان، تتفكَّكان، تُفكِّكان، تنسجان، تحلّان، تربطان، تخضّران، تيبسان، تعلوان، تهبطان، ترتجّان، تتفجّران، تخمدان، تطولان، تقصران، تمتدّان، تجزران، تهمدان، تشتعلان، تخبوان، تنكشفان، تسرّان، تفصحان، تُظلمان، تنيران...، لكنهما مجدولتان. كلتاهما صرخة وجود مطلق وتشظٍّ، المكان صرخة متشكِّلة وتتشكّل بلا هوادة، الزمان ريح تصفر بلا هوادة.كلّما حللتُ في مكان انحلَّ وصار فيَّ نسغًا، أو سرمدًا وإنْ للحظة مدمِّرة تارة، ملتفّة طورًا كمِثل نبتة تنسلّ بهدوء وبطء صاعدَين حول جذع شجرة، حتى تكاد تصيره أو يصيرها. أنجدلُ وجديلة الكثافة والسيولة، ولا أنتهز. تُرى أيهما الأبلغ، الزمان والمكان أم الشعور فيهما وحيالهما؟.أفكر من مكاني هنا وزماني، في مكاني هناك وزماني، في بلدي الأم سوريا، في شوارعي وأزقتي، في حاراتي، في بيتي، في غرفتي، في دهاليزي ومتاهاتي، ما حالها من بَعدي وفي بُعدي؟ هل لا أزال أسكنها مثلما تسكنني؟ هل تشتاقني مثلما أشتاقها؟ هل تتألم لفراقي وتبكيني وتنزف؟ أحنُّ إلى رسائل مختبئة في حنايا غرفتي، إلى سريري، إلى ألعابٍ لكلٍّ منها حكاية وشخوص وزمان ومكان. أحنّ إلى مكتبتي الصغيرة تحت شبّاكٍ يطلّ على صخرة كنّا نسمّيها “كرسيّ الملك” لطالما نُسجت حولها حكايات وحكايات، مكتبتي التي صنعتها بيديّ هاتين ذات شقاوةٍ ممطِرة.أصْل مكتبتي خزانة خشبية “بوفيه” (مَن قال إن الأصول ثابتة لا تتحوّل؟!).كانت تلك الخزانة تقبع في إحدى زوايا المطبخ، وتحتمل ثقل الصحون والكاسات وأشياء كثيرة أخرى. ظلّت على مرّ عقود تحتمل وتصبر، إلى أن اندلع يومٌ انهارت فيه، معلنةً هجران الثقل والمكان؛ فرُمي حطامها خلف البيت. وقفتُ حينذاك أمام الحطام حزينة، هالني انهيارها، ثم رمْيها بعد نسيان أفضالها في احتمال ثقلٍ مديد.اجتاحت رأسي فكرة مجنونة، تعيد إلى هذا الحطام كرامته، وتكرّم خزانة احتملت الكثير وصبرت بصمت بالغ. حملتُ الحطام إلى غرفتي، إلى وحدتي، إلى عمقي، ورحتُ أنفث فيه الروح. أعدتُ للأرجل المتهاوية ما ضاع منها، أي نعمة الوقوف فوق أرض هي بمثابة قلبِ مبسوط بساطة كفّ مبسوطة لتلقّف حبّات مطرٍ شاردة؛ وفوق الأرجل الواقفة مجدَّدًا ارتفعت ثلاثة رفوف، معلنةً ولادة مكتبة صغيرة. رصفتُ فوق الرفوف كتبًا في الأدب وفي الفلسفة والعلم، وعلى سطحها، ألقيتُ أشياء خفيفة خفّة الروح، النبض، الخلايا المنتجة. تعايشنا أنا والخزانة/المكتبة بعد ذلك، سنوات طوال. تعرف ما بي وأعرف ما بها. تتذكَر الصحون والكاسات والملاعق، فأذكّرها بالآداب والأفكار والمعارف. أرعاها ليلاً نهارًا، برمش العين وماء القلب وحشائش الوجدان.الآن، هي وحيدة من دوني هناك، وأنا وحيدة هنا من دونها، يعزّيني في هذا الهجران الموجِع، أنَّ سرّها يسكنني، وربما يعزّيها أنّي أودعتها الكثير من أسراري وأحلامي ورؤاي.***بعيدًا من ضجيج “الإجراءات” و”اليوميات” وقسوتها وابتذالها واستنزافها المستمر للفرادة، أمشي هنا أحيانًا.تأخذني الدروب إلى أمكنتي من غير ترتيب أو تخطيط، ومذ اهتديتُ، قبل بضعة أشهر، إلى عنوان المكتبة المركزية في “نويماركت”، المنطقة التي تقبع بدورها في مركز مدينة كولونيا غرب ألمانيا؛ لم أنقطع عن زيارتها، حتى أني بتُّ أشعر حيالها شعور البيت، لا المكتبة العامة.تُعيرني هذه المكتبة/البيت، روايات بلغتي الأم، تسمح لي بالجلوس متأملة ساهمة صامتة وشاردة، تتلقّفني كلّما اقترب التيه، ......
#البساطة
#والهجران
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=684573
الحوار المتمدن
علا شيب الدين - في البساطة والهجران