تيسير الفارس العفيشار : في مسرح شكسبير ... تراجيديا الملك لير
#الحوار_المتمدن
#تيسير_الفارس_العفيشار تنزاح ستارة المسرح عن شخص متهدم الشكل والروح، عيناه شاردتان تحدقان في الافق البعيد، وهو أشبه بمن استحوذت عليه جنية مشبوقة، راحت تجوب به ليل الأقاصي، تصطفق أضلاعه بكائنات غير مرئية، حذاؤه مهترئ لضراوة التخوم التي يجتازها بليل الغابة، وثيابه رثة لا تكاد تستر إلا النزر اليسير من جسده، والجنية اللعوب تمسك بيده وتركض بأنفاس لاهثة كأنها تأخذه إلى مكان أضاعت الطريق إليه برزخ بين الغيم والغابة ودرب يتصاعد فوق نتوء صخري حاد ينتهي إلى هاوية سحيقة مظلمة، والجنية تسرُ له بكلام غير مفهوم مثل همهمة الجنين، هو يسير خلفها ويجمع الدلالات الغامضة يضعها في جيب قميصه المهلهل، وما أن تصل به إلى الطرف الآخر من الغابة حتى يتكشف لهما شبحُ كوخ موشك على الحريق و يطير من جنباته دخان اسود قاتم ورماد ، فتهتف الجنية ملتذةً كمن وجد ضالته في ذروة الشهيق هذا هو… في أرض الكوخ يجدان كتاباً هائل مفتوح على آخره ، يغمر أرض الكوخ كلها، يحدقان في صفحة الكتاب المفتوح المغمور بغبار يميل إلى صفرة داكنة تلمع مثل الذهب، تقول له الجنية هذا هو… أتريد أن تقرأ ؟! هذا سِفرُ حياتك وكتاب قدرك ، المكتوب هنا هو أنت .. بدا كمن نسي عادة الكلام، وما أن وضع نفسه في الكتاب حتى راح يفقد أثره، هو الشخص المفقود ، نزل على درج يكاد ينهار تراءت له الأشياء في بهو الكوخ في غير أشكالها في حالات وصور غير ثابتة ولا معروفة، تتحول في ذات اللحظة التي ينقل فيها نظره عنها ، بدت تدبُ في أوصاله قشعريرة ويكاد يتفجر الدم من جبينه، أطبق جفنيه، فإذا الجنية هي ابنته الصغرى كورديليا ، صبية ملائكية الملامح شفافة التقاطيع ترتدي وشاحاً لشدة بياضه يشف عن جسدها الفتي، كانت هذه النظرة كفيلة بأن تنزل الأمان في روحه… تحسس جسده وراح بصوت ممزوج بالدموع : يالك من بناء كل ما فيه حركة لا تهدأ ولا تستريح، وحياة لا تنام، ثم يالك من ساكن يشغل البناء ويظن أنه شاغلاً حيزاً ضيقاً منه… لله كم مشيت بي ومشيت بك أيها الجسد، من يستطيع أن يحصي المسافات التي قطعناها سوياً، وكم أكلت من خيرات الأرض والسماء، وكم تنفست من الهواء، ونفثت في الهواء من أنفاسك، ولو قدر لي أن أجمع أنفاسك لخلقت منها الأعاصير، لكني أنا الملك ( لير ) ما خلقت لأخلق الأعاصير بل لأجعل منها نسمات عليلات… وأني أيها الجسدُ المتهدم أوصي بك إذ أوصي للدود… ثم جمع كفيه إلى رأسه وأطرق إلى الأرض وبصوت يكاد يختنق ..يالك يا (لير) لا أنت في الظلمة ولا أنت في النور، لا أنت مستقيم ولا أنت أعوج، لا أنت حيٌ ولا أنت ميت. كم عصفت بك الهواجس والوساوس والظنون والاوهام، وساقتك الحياة إلى حيث تهوى وتكره، لكنك ما تعلمت أن الهرب من الوجع إلى اللذة هو وجه آخر من الوجع، أو هرب من مثالة لم تفهمها إلى أخرى لا تفهمها، كم إختصمت مع الناس على الحق وقدت الجيوش وخضت الحروب نشداناً للحق، وبعد ايها الملك كيف عرفت أن الحق إلى جانبك، الحق يفرُّ من كل خصام، وما اختصموا الناس يوما من الأيام إلا على الباطل.. ماذا يعني أن يكون الانسان ملكاً ! يحكم الناس ويتحكم في مصائرهم، أهو القدر الذي ساقه إلى هذا المقام ؟ وما الذي يعنيه مقام الانسان رفيعاً أو وضيعاً وقد غادر قلبه السلام و روحه الطمأنينة.بدا الملك كما راح يقاربه شكسبير في هذا المشهد الأفتتاحي أشبه بلحن يجيء تواً من نيزك بعيد، يكاد يجبر عيني على الخجل، وأنا أعلم أنه ليس سهلاً التحديق في روحه وهي تعلن نشيدها الأثير في شات حضرة الموت، صار مثل حقل عطش يقدم شكره المهيب للمطر... هل يبحث عن حياة جديدة في لحظة إحتضاره ، كلمات يغمسها حينا بلازورد فاتن وحينا با ......
#مسرح
#شكسبير
#تراجيديا
#الملك
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=690647
#الحوار_المتمدن
#تيسير_الفارس_العفيشار تنزاح ستارة المسرح عن شخص متهدم الشكل والروح، عيناه شاردتان تحدقان في الافق البعيد، وهو أشبه بمن استحوذت عليه جنية مشبوقة، راحت تجوب به ليل الأقاصي، تصطفق أضلاعه بكائنات غير مرئية، حذاؤه مهترئ لضراوة التخوم التي يجتازها بليل الغابة، وثيابه رثة لا تكاد تستر إلا النزر اليسير من جسده، والجنية اللعوب تمسك بيده وتركض بأنفاس لاهثة كأنها تأخذه إلى مكان أضاعت الطريق إليه برزخ بين الغيم والغابة ودرب يتصاعد فوق نتوء صخري حاد ينتهي إلى هاوية سحيقة مظلمة، والجنية تسرُ له بكلام غير مفهوم مثل همهمة الجنين، هو يسير خلفها ويجمع الدلالات الغامضة يضعها في جيب قميصه المهلهل، وما أن تصل به إلى الطرف الآخر من الغابة حتى يتكشف لهما شبحُ كوخ موشك على الحريق و يطير من جنباته دخان اسود قاتم ورماد ، فتهتف الجنية ملتذةً كمن وجد ضالته في ذروة الشهيق هذا هو… في أرض الكوخ يجدان كتاباً هائل مفتوح على آخره ، يغمر أرض الكوخ كلها، يحدقان في صفحة الكتاب المفتوح المغمور بغبار يميل إلى صفرة داكنة تلمع مثل الذهب، تقول له الجنية هذا هو… أتريد أن تقرأ ؟! هذا سِفرُ حياتك وكتاب قدرك ، المكتوب هنا هو أنت .. بدا كمن نسي عادة الكلام، وما أن وضع نفسه في الكتاب حتى راح يفقد أثره، هو الشخص المفقود ، نزل على درج يكاد ينهار تراءت له الأشياء في بهو الكوخ في غير أشكالها في حالات وصور غير ثابتة ولا معروفة، تتحول في ذات اللحظة التي ينقل فيها نظره عنها ، بدت تدبُ في أوصاله قشعريرة ويكاد يتفجر الدم من جبينه، أطبق جفنيه، فإذا الجنية هي ابنته الصغرى كورديليا ، صبية ملائكية الملامح شفافة التقاطيع ترتدي وشاحاً لشدة بياضه يشف عن جسدها الفتي، كانت هذه النظرة كفيلة بأن تنزل الأمان في روحه… تحسس جسده وراح بصوت ممزوج بالدموع : يالك من بناء كل ما فيه حركة لا تهدأ ولا تستريح، وحياة لا تنام، ثم يالك من ساكن يشغل البناء ويظن أنه شاغلاً حيزاً ضيقاً منه… لله كم مشيت بي ومشيت بك أيها الجسد، من يستطيع أن يحصي المسافات التي قطعناها سوياً، وكم أكلت من خيرات الأرض والسماء، وكم تنفست من الهواء، ونفثت في الهواء من أنفاسك، ولو قدر لي أن أجمع أنفاسك لخلقت منها الأعاصير، لكني أنا الملك ( لير ) ما خلقت لأخلق الأعاصير بل لأجعل منها نسمات عليلات… وأني أيها الجسدُ المتهدم أوصي بك إذ أوصي للدود… ثم جمع كفيه إلى رأسه وأطرق إلى الأرض وبصوت يكاد يختنق ..يالك يا (لير) لا أنت في الظلمة ولا أنت في النور، لا أنت مستقيم ولا أنت أعوج، لا أنت حيٌ ولا أنت ميت. كم عصفت بك الهواجس والوساوس والظنون والاوهام، وساقتك الحياة إلى حيث تهوى وتكره، لكنك ما تعلمت أن الهرب من الوجع إلى اللذة هو وجه آخر من الوجع، أو هرب من مثالة لم تفهمها إلى أخرى لا تفهمها، كم إختصمت مع الناس على الحق وقدت الجيوش وخضت الحروب نشداناً للحق، وبعد ايها الملك كيف عرفت أن الحق إلى جانبك، الحق يفرُّ من كل خصام، وما اختصموا الناس يوما من الأيام إلا على الباطل.. ماذا يعني أن يكون الانسان ملكاً ! يحكم الناس ويتحكم في مصائرهم، أهو القدر الذي ساقه إلى هذا المقام ؟ وما الذي يعنيه مقام الانسان رفيعاً أو وضيعاً وقد غادر قلبه السلام و روحه الطمأنينة.بدا الملك كما راح يقاربه شكسبير في هذا المشهد الأفتتاحي أشبه بلحن يجيء تواً من نيزك بعيد، يكاد يجبر عيني على الخجل، وأنا أعلم أنه ليس سهلاً التحديق في روحه وهي تعلن نشيدها الأثير في شات حضرة الموت، صار مثل حقل عطش يقدم شكره المهيب للمطر... هل يبحث عن حياة جديدة في لحظة إحتضاره ، كلمات يغمسها حينا بلازورد فاتن وحينا با ......
#مسرح
#شكسبير
#تراجيديا
#الملك
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=690647
الحوار المتمدن
تيسير الفارس العفيشار - في مسرح شكسبير ... تراجيديا الملك لير