جورج منصور : بغداد 2003: عندما كشّر الموت أنيابه*
#الحوار_المتمدن
#جورج_منصور كان صباح يوم 26 آب (أغسطس) 2003 مثل كل الصباحات الباكرة الجميلة التي يشوبها الهدوء في بغداد. نهضتُ كعادتي مبكراً وقلبي يهتز فرحاً، مغعماً بالأمل، مبتهجاً منشرحاً وفي مزاج رائق لبدء يوم جديد في ممارسة طقوسي اليومية والعمل الجاد لتطوير قناة شبكة الإعلام العراقي التلفزيونية، وتدريب كوادرها ورفدها بأحدث الأجهزة لمواكبة التطورات الحاصلة في الإعلام المرئي في العالم المتحضر. كانت الساعة تشير الى السادسة وخمس عشرة دقيقة عندما دخلت الى حمام غرفتي رقم 726 في فندق الرشيد، الذي كنت اشغل فيه جناحاً مكوناً من غرفتين (سويت)، وقبل ان اخلع ملابسي واغرق في عمق الحمام لإستحم، باغتني صوت انفجار شديد وقريب، وكأن جسماً ثقيلاً ارتطم بجدران الفندق الكونكريتية. تسمرتُ في مكاني وإذا بعد لحظات جاء صوت الأنفجار الثاني أقوى وأكثر قرباً ودوياً. لم تمهلني تلك الأصوات المرعبة وقتاً للتفكير ولا منحتني جرأة في ان اخطو الى داخل الغرفة بإتجاه النافذة الكبيرة لكي التقط نظارتي الطبية. انتابني شيء غامض وتراءى لي وكأنني اسمع نداءاً خفياً يحذرني، بدا كأنه يقول: إهرب بإتجاه الدرج وإلا هالك أنت لا محالة.في تلك اللحظة، لم تنتابني الحيرة، فتسللتُ من داخل الحمام واسرعت جرياً، هارباً بجلدي بإتجاه سلالم الدرج. وهناك سمعتُ صياح حراس الطابق الفليبينيين المذعورين المختبئين في عتمة الممر يقول لي بلغة آمرة حادة: اسرعْ اسرعْ.عندما هبطتُ الأدراج بخطوات سريعة بإتجاه ردهة الفندق في الطابق الأرضي، كانت اصوات انفجارات القذائف المتلاحقة ما تزال متواصلة وشديدة، وتملاْ الفضاء المفتوح رائحة الأدخنة والحرائق. كنت أتمتم وأتساءل في قرارة نفسي بصوت خائف، مرتعش خفيض: هل نجوتُ من الموت حقاً، بعد ان كشّر الموت عن أنيابه في ذلك الصباح الباكر وكان قاب قوسين أو أدنى مني، ولم يفصلني عنه غير جزء من الثانية؟. لقد داهمني الموت مثل طائر نحس، لكنني تفاديته متشبثاً بالحياة.كان كل شيء مرتبكاً. ردهة الفندق مثقلة بالزحمة وتعج بالنزلاء الذين كانت فرائصهم ترتعد ووجوههم محنطة بالخوف وضجيجهم يملاْ المكان، وهم يتحركون بدون توقف جيئة وذهاباً ويسدون مدخل الفندق، وغالبيتهم من المتعاقدين المدنيين الأجانب، بملابس النوم او بدونها، يوزع عليهم الشخص العراقي، صاحب محل للتحفيات والصناعات الحرفية، الراكن في زاوية من الباحة، ما يقع تحت يديه من ألبسة وأغطية، خاصة للواتي نزلنّ في عراء موحش وبدون كساء مناسب يغطي اجسادهنّ وشعرهنّ متهدل. وكان الفريق الأمني قد بدأ بإخلاء الجرحى والمصابين، ووجدت البعض منهم منهاراً وقد أغمي عليه.لم تكن ملامح الفجر قد اتضحت بعد، عندما أخذوني إلى قصر المؤتمرات، حيث مقر عملي في الإذاعة والتلفزيون. كنت أرتدي فانيلة داخلية بيضاء اللون وبنطال قصير (شورت) وانتعل حذاء صيفيا (صندل)، بلا نظارتي الطبية.كان في نيتي ان اعدّ تقريراً سريعاً للتلفزيون نستبق به بقية القنوات. إذ لم يتواجد الزملاء في قسم الأخبار ولا المذيعين و المذيعات في أماكن عملهم بعد، فقد كان الوقت مبكراً، كما ان السيطرات الأمنية الكثيرة والزحام الشديد في شوارع بغداد يؤديان احياناً كثيرة الى تأخر وصولهم الى الدوام في الوقت المحدد.بعد ان تدارستُ الأمر مع المهندس ديفيد عن الطريقة الفضلى لإعداد تقرير مباشر عن حدث الساعة، وتناقشتُ مع الإعلامي الأمريكي ستيفن مارني، المتواجد في ذلك الوقت وهو القادم للتو من قناة (إم بي سي) للإشراف على عملية اختيار الكوادر التلفزيونية ليتم إيفادهم الى دورات تدريبية في دبي، قررنا ان نسرع في الإع ......
#بغداد
#2003:
#عندما
#كشّر
#الموت
#أنيابه*
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=719466
#الحوار_المتمدن
#جورج_منصور كان صباح يوم 26 آب (أغسطس) 2003 مثل كل الصباحات الباكرة الجميلة التي يشوبها الهدوء في بغداد. نهضتُ كعادتي مبكراً وقلبي يهتز فرحاً، مغعماً بالأمل، مبتهجاً منشرحاً وفي مزاج رائق لبدء يوم جديد في ممارسة طقوسي اليومية والعمل الجاد لتطوير قناة شبكة الإعلام العراقي التلفزيونية، وتدريب كوادرها ورفدها بأحدث الأجهزة لمواكبة التطورات الحاصلة في الإعلام المرئي في العالم المتحضر. كانت الساعة تشير الى السادسة وخمس عشرة دقيقة عندما دخلت الى حمام غرفتي رقم 726 في فندق الرشيد، الذي كنت اشغل فيه جناحاً مكوناً من غرفتين (سويت)، وقبل ان اخلع ملابسي واغرق في عمق الحمام لإستحم، باغتني صوت انفجار شديد وقريب، وكأن جسماً ثقيلاً ارتطم بجدران الفندق الكونكريتية. تسمرتُ في مكاني وإذا بعد لحظات جاء صوت الأنفجار الثاني أقوى وأكثر قرباً ودوياً. لم تمهلني تلك الأصوات المرعبة وقتاً للتفكير ولا منحتني جرأة في ان اخطو الى داخل الغرفة بإتجاه النافذة الكبيرة لكي التقط نظارتي الطبية. انتابني شيء غامض وتراءى لي وكأنني اسمع نداءاً خفياً يحذرني، بدا كأنه يقول: إهرب بإتجاه الدرج وإلا هالك أنت لا محالة.في تلك اللحظة، لم تنتابني الحيرة، فتسللتُ من داخل الحمام واسرعت جرياً، هارباً بجلدي بإتجاه سلالم الدرج. وهناك سمعتُ صياح حراس الطابق الفليبينيين المذعورين المختبئين في عتمة الممر يقول لي بلغة آمرة حادة: اسرعْ اسرعْ.عندما هبطتُ الأدراج بخطوات سريعة بإتجاه ردهة الفندق في الطابق الأرضي، كانت اصوات انفجارات القذائف المتلاحقة ما تزال متواصلة وشديدة، وتملاْ الفضاء المفتوح رائحة الأدخنة والحرائق. كنت أتمتم وأتساءل في قرارة نفسي بصوت خائف، مرتعش خفيض: هل نجوتُ من الموت حقاً، بعد ان كشّر الموت عن أنيابه في ذلك الصباح الباكر وكان قاب قوسين أو أدنى مني، ولم يفصلني عنه غير جزء من الثانية؟. لقد داهمني الموت مثل طائر نحس، لكنني تفاديته متشبثاً بالحياة.كان كل شيء مرتبكاً. ردهة الفندق مثقلة بالزحمة وتعج بالنزلاء الذين كانت فرائصهم ترتعد ووجوههم محنطة بالخوف وضجيجهم يملاْ المكان، وهم يتحركون بدون توقف جيئة وذهاباً ويسدون مدخل الفندق، وغالبيتهم من المتعاقدين المدنيين الأجانب، بملابس النوم او بدونها، يوزع عليهم الشخص العراقي، صاحب محل للتحفيات والصناعات الحرفية، الراكن في زاوية من الباحة، ما يقع تحت يديه من ألبسة وأغطية، خاصة للواتي نزلنّ في عراء موحش وبدون كساء مناسب يغطي اجسادهنّ وشعرهنّ متهدل. وكان الفريق الأمني قد بدأ بإخلاء الجرحى والمصابين، ووجدت البعض منهم منهاراً وقد أغمي عليه.لم تكن ملامح الفجر قد اتضحت بعد، عندما أخذوني إلى قصر المؤتمرات، حيث مقر عملي في الإذاعة والتلفزيون. كنت أرتدي فانيلة داخلية بيضاء اللون وبنطال قصير (شورت) وانتعل حذاء صيفيا (صندل)، بلا نظارتي الطبية.كان في نيتي ان اعدّ تقريراً سريعاً للتلفزيون نستبق به بقية القنوات. إذ لم يتواجد الزملاء في قسم الأخبار ولا المذيعين و المذيعات في أماكن عملهم بعد، فقد كان الوقت مبكراً، كما ان السيطرات الأمنية الكثيرة والزحام الشديد في شوارع بغداد يؤديان احياناً كثيرة الى تأخر وصولهم الى الدوام في الوقت المحدد.بعد ان تدارستُ الأمر مع المهندس ديفيد عن الطريقة الفضلى لإعداد تقرير مباشر عن حدث الساعة، وتناقشتُ مع الإعلامي الأمريكي ستيفن مارني، المتواجد في ذلك الوقت وهو القادم للتو من قناة (إم بي سي) للإشراف على عملية اختيار الكوادر التلفزيونية ليتم إيفادهم الى دورات تدريبية في دبي، قررنا ان نسرع في الإع ......
#بغداد
#2003:
#عندما
#كشّر
#الموت
#أنيابه*
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=719466
الحوار المتمدن
جورج منصور - بغداد 2003: عندما كشّر الموت أنيابه*