حامد تركي هيكل : موقفان
#الحوار_المتمدن
#حامد_تركي_هيكل 1- ابتكار في ربيع العام ١٩٦٩فجأةً اجتاح الفيضان كل البساتين والقرى والحقول والبراري، فتحول العالم بين ليلة وضحاها الى بحر ٍ متلاطم الأمواج، فقد انهدمت السدود الطينية على ضفتي الشط، وتدفق الماء عارماً، ولم يعد ثمة شيء خارج طوفان الماء سوى الطريق العام و جزء بسيط من تل المقبرة القديمة وديوانية فالح التي اتخذها مسكناً لعائلته. حتى المدرسة غرقت. لم يقلق أحد على شيء فهم يعلمون ان الماء سينحسر إن عاجلا ً أو آجلا، قد تموت فسائل النخيل الصغيرة التي يغمر الماء قلوبها، ومن المؤكد ان أشجار التين، والبرتقال، والعنب ستموت أيضاً، لا بأس يمكن زراعتها من جديد. ومن المؤكد ان البيوت المبنية من الطين سيبتلعها الماء، أما الأكواخ فقد طافت. يمكن اعادة بناء كل شيء. لا شيء يدعو الى القلق طالما انتقل السكان الى كتف الطريق العام الذي عرضه أربعة أذرع وبنوا لهم أكواخاً موقتة بين حافة الأسفلت حيث تمر الشاحنات الهادرة وبين الموج. وتمنّوا أن لاتحصل حوادث دهس! لكن القرويين قلقون بخصوص امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي الذي سيحلّ موعده عمّا قريب! فالوقت مهم، ولابد للمعلمين أن يكملوا المنهج! ولابد للأولاد أن يعرفوا كلَّ شيء ويكونوا على أتمِّ الاستعداد. وليس من سبيل لاتمام تلك المهمة.لكن فالح أعلن ان ديوانيته ستكون صفاً. يا للخبر السعيد! والله أنت بطل يا فالح! بل انه بادر بنقل عائلته الى كتف الطريق وحشرها بين الاكواخ المتلاصقة. وترك الديوانية فارغة.رحب الجميع بالفكرة. فحملوا السبورة وعلبةً بداخلها قوالب طباشير ومسّاحة من الصف السادس في المدرسة الغارقة التي صارت ملعباً لأسماك الخشني. نقلوها كأثاث عروس وسط الأغاني والهلاهل الى ديوانية فالح، وفرشوا الأرضية بما تيسر من البسط والسجاد والحصران. وجاء الاطفال وأهاليهم والمعلّمون كلّ صباح. حتى أُكمل المنهج على أفضل وجه. ودخل التلاميذ الامتحان ونجح الجميع.2- تقليد بيد أن موقفاً آخر حدث مع أغلب سكان تلك القرى الغارقة. فحين بات الناس محتجزين على كتف الطريق العام لايغادرونه أبداً شعروا بحاجة الى الحركة. اذ عليهم أن يخوضوا في الماء حتى السرّة لجلب العلف الاخضر لأبقارهم التي نجت، ولجلب الحطب من أجل الخبز. وكيف لهم أن يخوضوا وقد ارتفع منسوب الماء، وما عاد أحدٌ قادراً على تجنّب السقوط في العميق بعد أن اختفت معالم الدنيا! ولكنه جاء من مكان خفيّ، لا يعلم أحدٌ على وجه الدقّة من أين. قالوا انه كان يعمل صبياً في سوق التنك! وقالوا انه كان يعمل في البحر، وقالوا انه راضع مع أبليس! جاء في الوقت المناسب يحمل معه الحلّ. بصفيحتين من الحديد المغلون المضلّع، ولوحي خشب، وبعض القطع الخشبية، عملها أمام أعين الناس المذهولين، طرق الصفيح المضلّع فصار مستوياً، ثم ربط القطعتين بمسامير، ثم طواهما وثبَّت الأخشاب بالصفيح، فصار زورقاً. سدَّ بعض الفتحات بالقار، ثم صبغ الصفيح بلون أزرق، والأخشاب بلون أحمر، والقى الفُلكَ في الماء، بسم الله، فطافت. ليست بلماً، وليست مشحوفاً، هي خفيفة، ومتينة، ومبتكرة، وسريعة، وبسيطة التركيب، ورخيصة الثمن، وجميلة، وملوّنة. لذلك ابتكروا لها اسماً جديداً. كل عائلة احتاجت واحدة، بل كل شخص احتاج واحدة! يالها من فكرة. ولكن الرجل لم يستطيع تلبية كل الطلبات التي صارت بالعشرات! - هي سهلة لماذا لا نعملها نحن؟ قال أحدهم.وعملوها، بالمواد نفسها، والأبعاد نفسها، والطريقة نفسها، وصبغوها، بالألوان نفسها، أزرق للصفيح، وأحمر للخشب. فامتلأت تلك الآفاق بذينك اللونين ......
#موقفان
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=761746
#الحوار_المتمدن
#حامد_تركي_هيكل 1- ابتكار في ربيع العام ١٩٦٩فجأةً اجتاح الفيضان كل البساتين والقرى والحقول والبراري، فتحول العالم بين ليلة وضحاها الى بحر ٍ متلاطم الأمواج، فقد انهدمت السدود الطينية على ضفتي الشط، وتدفق الماء عارماً، ولم يعد ثمة شيء خارج طوفان الماء سوى الطريق العام و جزء بسيط من تل المقبرة القديمة وديوانية فالح التي اتخذها مسكناً لعائلته. حتى المدرسة غرقت. لم يقلق أحد على شيء فهم يعلمون ان الماء سينحسر إن عاجلا ً أو آجلا، قد تموت فسائل النخيل الصغيرة التي يغمر الماء قلوبها، ومن المؤكد ان أشجار التين، والبرتقال، والعنب ستموت أيضاً، لا بأس يمكن زراعتها من جديد. ومن المؤكد ان البيوت المبنية من الطين سيبتلعها الماء، أما الأكواخ فقد طافت. يمكن اعادة بناء كل شيء. لا شيء يدعو الى القلق طالما انتقل السكان الى كتف الطريق العام الذي عرضه أربعة أذرع وبنوا لهم أكواخاً موقتة بين حافة الأسفلت حيث تمر الشاحنات الهادرة وبين الموج. وتمنّوا أن لاتحصل حوادث دهس! لكن القرويين قلقون بخصوص امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي الذي سيحلّ موعده عمّا قريب! فالوقت مهم، ولابد للمعلمين أن يكملوا المنهج! ولابد للأولاد أن يعرفوا كلَّ شيء ويكونوا على أتمِّ الاستعداد. وليس من سبيل لاتمام تلك المهمة.لكن فالح أعلن ان ديوانيته ستكون صفاً. يا للخبر السعيد! والله أنت بطل يا فالح! بل انه بادر بنقل عائلته الى كتف الطريق وحشرها بين الاكواخ المتلاصقة. وترك الديوانية فارغة.رحب الجميع بالفكرة. فحملوا السبورة وعلبةً بداخلها قوالب طباشير ومسّاحة من الصف السادس في المدرسة الغارقة التي صارت ملعباً لأسماك الخشني. نقلوها كأثاث عروس وسط الأغاني والهلاهل الى ديوانية فالح، وفرشوا الأرضية بما تيسر من البسط والسجاد والحصران. وجاء الاطفال وأهاليهم والمعلّمون كلّ صباح. حتى أُكمل المنهج على أفضل وجه. ودخل التلاميذ الامتحان ونجح الجميع.2- تقليد بيد أن موقفاً آخر حدث مع أغلب سكان تلك القرى الغارقة. فحين بات الناس محتجزين على كتف الطريق العام لايغادرونه أبداً شعروا بحاجة الى الحركة. اذ عليهم أن يخوضوا في الماء حتى السرّة لجلب العلف الاخضر لأبقارهم التي نجت، ولجلب الحطب من أجل الخبز. وكيف لهم أن يخوضوا وقد ارتفع منسوب الماء، وما عاد أحدٌ قادراً على تجنّب السقوط في العميق بعد أن اختفت معالم الدنيا! ولكنه جاء من مكان خفيّ، لا يعلم أحدٌ على وجه الدقّة من أين. قالوا انه كان يعمل صبياً في سوق التنك! وقالوا انه كان يعمل في البحر، وقالوا انه راضع مع أبليس! جاء في الوقت المناسب يحمل معه الحلّ. بصفيحتين من الحديد المغلون المضلّع، ولوحي خشب، وبعض القطع الخشبية، عملها أمام أعين الناس المذهولين، طرق الصفيح المضلّع فصار مستوياً، ثم ربط القطعتين بمسامير، ثم طواهما وثبَّت الأخشاب بالصفيح، فصار زورقاً. سدَّ بعض الفتحات بالقار، ثم صبغ الصفيح بلون أزرق، والأخشاب بلون أحمر، والقى الفُلكَ في الماء، بسم الله، فطافت. ليست بلماً، وليست مشحوفاً، هي خفيفة، ومتينة، ومبتكرة، وسريعة، وبسيطة التركيب، ورخيصة الثمن، وجميلة، وملوّنة. لذلك ابتكروا لها اسماً جديداً. كل عائلة احتاجت واحدة، بل كل شخص احتاج واحدة! يالها من فكرة. ولكن الرجل لم يستطيع تلبية كل الطلبات التي صارت بالعشرات! - هي سهلة لماذا لا نعملها نحن؟ قال أحدهم.وعملوها، بالمواد نفسها، والأبعاد نفسها، والطريقة نفسها، وصبغوها، بالألوان نفسها، أزرق للصفيح، وأحمر للخشب. فامتلأت تلك الآفاق بذينك اللونين ......
#موقفان
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=761746
الحوار المتمدن
حامد تركي هيكل - موقفان