الحوار المتمدن
3.08K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
سعود سالم : الحلم بليليث
#الحوار_المتمدن
#سعود_سالم وحيدا في وجه الرياح، أسس قضيته على اللاشيء. على العدم الذي لا يحتمل المساومة، اللاشيء المطلق. فالأمور كلها تبدو متساوية، متعادلة ومتماثلة، ولا مجال للإختيار العقلي المبني على الحسابات والموازنات المعقدة، كل الكائنات من البشر والحيوان والنبات والجماد والأماكن والأوطان والتواريخ والحوادث والأفكار، تتركز في نقطة وحيدة معتمة في نهاية الجملة. غير انه في لحظات معينة - الآن مستلقيا على السرير محدقا في السقف، ذلك أنه فتح عينيه منذ دقيقتين قبل نهاية الصفحة السابقة - يحس بتلك الرغبة الانسانية البدائية في معرفة هدوء البيوت الدافئة، والحصول على مكان ثابت فوق سطح الأرض يدس فيه رأسه، مكان دافئ يحتضن جسده المقرور، وعنوان يستقبل فيه رسائل الناس الذين غابوا، أو غاب هو عنهم ونسي وجوههم المتعبة ونسي آلامهم وأحلامهم، وأختلطت عليه اسماءهم في ذهنه. تمنى ذلك في يوم من الأيام، لكنه لم يكتب أبدا أية رسالة. صوت مطرب شرقي ميت ينوح من بعيد، يلتف حوله مرة، ومرتين، يكاد يخنقه، ثم يعاود النواح، ويرجعه إلى الشارع حيث الزحمة والصخب والقذارة والتعب والموت خلف الأبواب. ويقفل النافذه ليتنفس. رغوة البيرة وطعمها المميز يحمله بعيدا، لا شك في أنه طعم البيرة، هذا الطعم الخاص الذي لا يشابهه أي طعم آخرهو الذي جعله يتذكر البحرالذي لم يره منذ أعوام وأعوام. سأعود حتما إلى البحر، يقول ذلك ملوحا بيده، سأعود إلى أساطيره وأمواجه وزبده وشواطئه الرملية، سأجري على الشاطئ وأجمع الأحجار اللامعة وأدفن جسدي في الرمال الساخنة، سأعود إليه قريبا وأغطس في مياهه المالحة، هكذا أخبرته العرافة ذات يوم، قبل بداية الرحلة.. ستجتازالمياه ياولدي، مرة ومرتين وثلاث. ويشعل لفافة أخرى، ليخفي إحساسه بالخجل، فهو لم ير البحر في حياته، سوى في المجلات المصورة وبعض الأفلام الشعبية، كما أنه لم يبتعد عن شارعه أكثر من بضعة كيلومترات، ولكنه سيكتب لكم من عرض البحر، ستعرفون أخباره، وسيحدثكم عن أحزانه وعن رحلاته الطويلة وهو يصارع عناصر الطبيعة من الرياح والعواصف والأمواج العالية، وستعرفون معاناته بعيدا عنكم وحيدا في قاربه الضائع وسط المحيطات تتربص به الأقراش الجائعة. ويواصل رحلته اليومية، يراقب سقف الحجرة الصغيرة ويتنقل ببصره من زاوية لأخرى يتتبع النتوءات والشقوق والبقع وخيوط العنكبوت وآثار الذباب على الجدران الشبه بيضاء. ومن حين لآخر يردد في نفسه "مفتاح" قضيته الأولى والأخيرة، "نحن نوجد في هذا العالم .. وهذا لا علاج له". وتتناهى إلى سمعه أصوات بعيدة، صوت خطوات تزداد اقترابا، خطى ثقيلة متباطئة ممزوجة بصوت لهاث حيواني منتظم، يقترب ويقترب، كتلة من الظلمة الداكنة تتحرك في اتجاهه، يميز جسده الضخم في أشعة الضوء الخفيفة المتسربة من نوافذ البيوت الواطئة، يواجهه، يتوقف أمامه، تفصله مرآة رقيقة عن أنفاسه الساخنة ولهاثه الرتيب، وتشده إليه عيناه المشعتان ببريق متوهج. من أنت؟ يسأله ببراءة ممزوجة بقليل من الخوف، ربما لا إسم لك، أو ربما ..لا أستطيع أن أسميك، ومع ذلك أعرفك وتوقعت مرورك من هذا المكان، لا بد أنك تمر من هنا كل يوم. وحاول أن يضحك ليخفي قلقه المتزايد، وبدلا من ذلك وضع يده في جيب معطفه وأخرج سيجارة ثانية، وعلى ضوء عود الكبريت المرتجف ترائى له الوجه المعذب تعربد فيه أصوات الغابات الكثيفة ورائحة المستنقعات وغياب البحر، وأسنانه تتلألأ في الظلمة. وحش خرافي ام مخلوق وهمي من الهواء والدخان والضوء الكابي، يصدر عدة أصوات متوحشة غامضة، أم مجرد صورة ترسمها كلمات ضيعت معانيها وأخطأت الطريق؟ ويزيحه بيده الغليظة جانبا، ويواصل سيره مترنحا. يحدق في ظه ......
#الحلم
#بليليث

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=743743