آزاد أحمد علي : في حضرة الكناس
#الحوار_المتمدن
#آزاد_أحمد_علي من يميز بدقة رائحة هواء الوطن؟ الهواء المشبع بالغبار، الغبار وحده الذي يعطيك لونا وهوية، هل حقا تعرفون درجات لون تراب الوطن؟! طوبى وبشرى لم يميز الألوان والروائح وييجيد استخدام كيمياء عطر الأرض... ليس الحب والوفاء مجرد عناوين وعبارات جميلة، ولا قصائد رومانسية، الحب ترجمة لأحاسيس، الحب في المحصلة فيزياء الروح، واستشعاراته الدقيقة، فلكل حسب قدرته على الحب، ولكل حسب منهجه في الترجمة... بات واضحا، جليا وفاقعا أن الذين يحبون أوطانهم ومجتمعاتهم يترجمون هذا الحب يوميا، هكذا ببساطة بعيدا عن سفاسف الشعارات وترهات المواقف وبالونات الشعارات المنتفخة... حب الأهل وحب الأرض يتطلبان منا معادلة بسيطة: (كل حسب ذراعه وقدراته)، وبناء على طاقة جسده، وفيض روحه الملتصقة بزوايا المكان... راودتني تلك الأفكار وانا على حافة نهر دجلة السريع، انتظر حقيبة السفر وأحدق في تراب الرابية الذي احسست أنها تحتضني، ليست مجرد رابية وانما امتداد لجيولوجيا الروح ل (كيلا جلي)، القمة العلامة – الاشارة الموغلة في تاريخ مراقبة جريان دجلة، ومعلم من مثيولوجيا المكان. رجل آخر ضئيل الجسد، خفيف الحركة، لربما يكون سبعينا لا يهدأ، لا يحدق في الرابية انما يصارع أكياس النايلون ويلتقط أعقاب السجاير. فكل من يعبر دجلة من شرقستانها الى غربستانها سيصادفه، انه الأكثر التصاقا بالأرض، انه من فصيلة أصدق الصادقين... في لحظة ما راودني احساس انه هو فقط صاحب هذه الأرض وعاشقها... وفقط يحق له ادعاء الشرعية شرعية التمثيل، ومشروعية الانتماء... شرعية عاشق المكان... هو فقط الرجل السبعيني الذي يقفز بخفة شاب ثلاثيني، لا يسمح لكرتونة ولا حتى عقب سيجارة أن ترتاح على قارعة الطريق... يعمل بمرح وفرح، دون تذمر... يصدمك سنه ومزاجه الرائق وحبه لهذا العمل وانسجامه مع أدواته: المكنسة، الجاروشة، الكيس والعربة... محدثك ينتبه لشرودك وحيرتك، لاهتمامك به، "انه على البركة، يعمل طوال الوقت، انظر كم الساحات والأرصفة نظيفة هنا..." لا لا ...انه بكامل وعيه ... انه هو وامثاله من حافظ على هذه الأرض نظيفة وبثوا فيها روح الحياة... هو البركة بعينها." أسأله: "عمو أليس لديك أولاد؟!". يجيب: " بلي لدي بنات وشباب متفرقون، أعمل لإعالة ما تبقى منهم..." يجذبني حديثه فيتشجع على الاستطرد ويتحدث عن الماض المريح والمديد... لقد ذهبنا في السنة الفلانية عند المروحوم فلان... وقد عمل لنا افطار جيد... ثم عملنا في حصاد العدس يومين كاملين في الحقل بجوار القرية..." انه هو من يشرف هذه الأرض، انه فعلا بركة هذه الأرض، هو من يكنس قذارة هذه الحثالات التي تزاحمت على صدر المجتمع... يعود من جديد للعمل، يطارد كيس ورقي، يصطاده... ماذا يعني لرجل سبعيني ان لا يسمح لعقب سيجارة أن تستقر على قارعة الطريق، يحرص على مملكته أن تظل نظيفة... باختصار هو الرجل الذي يكنس قمامة الجشعين والفاسدين والمفسدين على الأرض، يعمل بشغف ليطعم أبناءه، يعمل بعرق زنده وبرحمة مكنسته... مكنسته التي تشرف الكثير من الأسماء البراقة. إنه ملح هذا الأرض وحامي شرفها النظيف... متى ستعرفون مذاق ونعومة غبار الوطن ومتى ستميزون عطر اجواءها الملوثة؟ ومتى نستطيع أن نعطي للزند والمكنسة حقهما؟! ......
#حضرة
#الكناس
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717214
#الحوار_المتمدن
#آزاد_أحمد_علي من يميز بدقة رائحة هواء الوطن؟ الهواء المشبع بالغبار، الغبار وحده الذي يعطيك لونا وهوية، هل حقا تعرفون درجات لون تراب الوطن؟! طوبى وبشرى لم يميز الألوان والروائح وييجيد استخدام كيمياء عطر الأرض... ليس الحب والوفاء مجرد عناوين وعبارات جميلة، ولا قصائد رومانسية، الحب ترجمة لأحاسيس، الحب في المحصلة فيزياء الروح، واستشعاراته الدقيقة، فلكل حسب قدرته على الحب، ولكل حسب منهجه في الترجمة... بات واضحا، جليا وفاقعا أن الذين يحبون أوطانهم ومجتمعاتهم يترجمون هذا الحب يوميا، هكذا ببساطة بعيدا عن سفاسف الشعارات وترهات المواقف وبالونات الشعارات المنتفخة... حب الأهل وحب الأرض يتطلبان منا معادلة بسيطة: (كل حسب ذراعه وقدراته)، وبناء على طاقة جسده، وفيض روحه الملتصقة بزوايا المكان... راودتني تلك الأفكار وانا على حافة نهر دجلة السريع، انتظر حقيبة السفر وأحدق في تراب الرابية الذي احسست أنها تحتضني، ليست مجرد رابية وانما امتداد لجيولوجيا الروح ل (كيلا جلي)، القمة العلامة – الاشارة الموغلة في تاريخ مراقبة جريان دجلة، ومعلم من مثيولوجيا المكان. رجل آخر ضئيل الجسد، خفيف الحركة، لربما يكون سبعينا لا يهدأ، لا يحدق في الرابية انما يصارع أكياس النايلون ويلتقط أعقاب السجاير. فكل من يعبر دجلة من شرقستانها الى غربستانها سيصادفه، انه الأكثر التصاقا بالأرض، انه من فصيلة أصدق الصادقين... في لحظة ما راودني احساس انه هو فقط صاحب هذه الأرض وعاشقها... وفقط يحق له ادعاء الشرعية شرعية التمثيل، ومشروعية الانتماء... شرعية عاشق المكان... هو فقط الرجل السبعيني الذي يقفز بخفة شاب ثلاثيني، لا يسمح لكرتونة ولا حتى عقب سيجارة أن ترتاح على قارعة الطريق... يعمل بمرح وفرح، دون تذمر... يصدمك سنه ومزاجه الرائق وحبه لهذا العمل وانسجامه مع أدواته: المكنسة، الجاروشة، الكيس والعربة... محدثك ينتبه لشرودك وحيرتك، لاهتمامك به، "انه على البركة، يعمل طوال الوقت، انظر كم الساحات والأرصفة نظيفة هنا..." لا لا ...انه بكامل وعيه ... انه هو وامثاله من حافظ على هذه الأرض نظيفة وبثوا فيها روح الحياة... هو البركة بعينها." أسأله: "عمو أليس لديك أولاد؟!". يجيب: " بلي لدي بنات وشباب متفرقون، أعمل لإعالة ما تبقى منهم..." يجذبني حديثه فيتشجع على الاستطرد ويتحدث عن الماض المريح والمديد... لقد ذهبنا في السنة الفلانية عند المروحوم فلان... وقد عمل لنا افطار جيد... ثم عملنا في حصاد العدس يومين كاملين في الحقل بجوار القرية..." انه هو من يشرف هذه الأرض، انه فعلا بركة هذه الأرض، هو من يكنس قذارة هذه الحثالات التي تزاحمت على صدر المجتمع... يعود من جديد للعمل، يطارد كيس ورقي، يصطاده... ماذا يعني لرجل سبعيني ان لا يسمح لعقب سيجارة أن تستقر على قارعة الطريق، يحرص على مملكته أن تظل نظيفة... باختصار هو الرجل الذي يكنس قمامة الجشعين والفاسدين والمفسدين على الأرض، يعمل بشغف ليطعم أبناءه، يعمل بعرق زنده وبرحمة مكنسته... مكنسته التي تشرف الكثير من الأسماء البراقة. إنه ملح هذا الأرض وحامي شرفها النظيف... متى ستعرفون مذاق ونعومة غبار الوطن ومتى ستميزون عطر اجواءها الملوثة؟ ومتى نستطيع أن نعطي للزند والمكنسة حقهما؟! ......
#حضرة
#الكناس
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717214
الحوار المتمدن
آزاد أحمد علي - في حضرة الكناس